ضمن مشروع يعتبر من أخطر المشاريع الاستيطانية الإسرائيلية وأكثرها تهديداً لبنية الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينية، الذي طالما اعتُبر بمثابة "المسمار الأخير" في نعش إمكانية قيام دولة فلسطينية متصلة وقابلة للحياة. فهذا المشروع، الذي يتوسط القدس الشرقية والضفة الغربية، لا يُختزل في كونه مجرد توسع استيطاني جديد، بل يُجسّد رؤية إسرائيلية استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى إعادة هندسة المكان والزمان في فلسطين عبر عزل القدس عن محيطها الفلسطيني، وتمزيق الضفة إلى كانتونات منفصلة، وتحويلها إلى فضاء خاضع للهيمنة الأمنية والاقتصادية الإسرائيلية الكاملة.
وتكمن خطورة مشروع "إي–1" في أنه يتجاوز البعد العمراني أو الاستيطاني المباشر، ليشكل حلقة مركزية ضمن مخطط استراتيجي أشمل يسعى إلى فرض وقائع نهائية على الأرض قبل أي تسوية سياسية محتملة. فهو مشروع يعيد إنتاج الجغرافيا الفلسطينية وفق منطق الاستعمار الاستيطاني، حيث يتم استبدال الارتباط الطبيعي بين المدن والقرى الفلسطينية بـ"جغرافيا استعمارية" مشوهة، تقوم على الفصل والاقتطاع والضمّ الزاحف. وبذلك، لا يستهدف "إي–1" الأرض فحسب، بل يستهدف أيضاً هوية المكان وذاكرته التاريخية، إذ يُراد له أن يُعيد تشكيل القدس ومحيطها كعاصمة "موحدة وأبدية لإسرائيل"، القوة القائمة بالاحتلال على حساب حقوق الشعب الفلسطيني وتطلعاته الوطنية.
فَمشروع "إي–1" ليس مجرد خطة محلية للتوسع الاستيطاني، بل هو مخطط بنيوي للتغيير الديموغرافي والسياسي، يحمل انعكاسات إقليمية ودولية عميقة، ويضع المجتمع الدولي أمام اختبار جدي لمدى التزامه بالقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية التي طالما أكدت أن الاستيطان غير شرعي. وفي ظل هذه التطورات، تبدو الحاجة ماسة إلى قراءة معمقة وشاملة لطبيعة هذا المشروع، خلفياته التاريخية، أبعاده السياسية والاستراتيجية، وانعكاساته على مستقبل القضية الفلسطينية.
ولعل إعلان وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش في 14 آب/أغسطس 2025 أعاد إطلاق مسار تنفيذ مخطط «إي-1» بين مستوطنة معاليه أدوميم والقدس الشرقية، مع إقرار نِيّة بناء نحو 3,4 ألف وحدة استيطانية وتهيئة بنى تحتية مرافقة، في خطوة وصفها بنفسه بأنها تهدف إلى «دفن فكرة الدولة الفلسطينية». جوهر المشروع هو فصل القدس الشرقية عن محيطها الفلسطيني وقطع تواصل الضفة الغربية بين شمالها وجنوبها، وهو ما يُعتبر وفقاً للقانون والمجتمع الدولي غير قانوني بتاتاً ويقوّض حل الدولتين.
تعريف وموقع المشروع
إي-1/ E1 كتلة تخطيطية استيطانية تقع في المناطق المصنفة (ج) بين مستوطنة معاليه أدوميم وبسغات زئيف، وتمتد على نحو 12 كم² تحفّ بلدات عناتا، العيساوية، الزعيم، العيزرية، أبو ديس شرق القدس. الهدف المعلن تاريخياً: ربط مستوطنة معاليه أدوميم بالقدس وإخراج الأحياء الفلسطينية من مجال تطوّرها الطبيعي. وفي بُعدٍ أوسع، يُخدم المخطط رؤية «القدس الكبرى» بمساحة تقارب 600كم² (نحو 10% من الضفة)، عبر أحزمة طرق ومناطق صناعية وأحياء جديدة.
البنية التحتية المساندة لمشروع E1 الاستيطاني (نسيج الحياة والطرق الالتفافية)
يعتمد التنفيذ على مشروع طريق «نسيج الحياة الاستيطاني ومسارات بديلة (منها الطريق البديل 08) لفصل حركة الفلسطينيين عن معاليه أدوميم، وربط العيزرية بالزعيم عبر ممرات محكومة، مع مسار شرقي يقترب من الخان الأحمر. عملياً تُخصَّص طرق سريعة للمستوطنين وتُركّز حركة الفلسطينيين في أنفاق/جسور محكومة المرور.
خارطة تبين مشروع طريق نسيج الحياة الرابط بين التكتلات الاستعمارية
التسلسل الزمني لمشروع E1 الاستيطاني
منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، ظلّ مشروع "إي–1" الاستيطاني يشكّل أحد أخطر أدوات الهندسة الجيوسياسية التي تسعى إسرائيل عبرها إلى إعادة رسم ملامح الضفة الغربية والقدس بما يخدم مشروعها الكولونيالي طويل الأمد. فالمخطط الذي بُلور أول مرة بين عامي 1991 و1994 في عهد إسحق رابين كامتداد عمراني–وظيفي لمستوطنة معاليه أدوميم وربطها بالقدس، سرعان ما تطوّر إلى استراتيجية متكاملة عكست جوهر المشروع الاستيطاني الإسرائيلي القائم على تفكيك الجغرافيا الفلسطينية وتحويلها إلى كانتونات معزولة. وفي الفترة 1997–1999 حصلت المصادقات الأمنية والحكومية على الخرائط الهيكلية، وأُعلنت آلاف الدونمات المحيطة «أراضي دولة»، ما شكّل الأساس القانوني الإسرائيلي للتوسع لاحقاً. ثم شهدت السنوات 2009–2012 تجميداً مؤقتاً بفعل الضغوط الدولية، قبل أن يُعاد تفعيله كردّ على خطوة رفع مكانة فلسطين في الأمم المتحدة، حيث طُرحت مناقصات للتصميم ثم جُمّد التنفيذ من جديد. غير أنّ الأعوام 2014–2020 شهدت أعمال بنية تحتية هادئة أعادت إحياء المخطط، خصوصاً مع الدفع السياسي الذي وفرته «صفقة القرن»، وحديث رسمي عن بناء 3500 وحدة استيطانية في المنطقة. وأخيراً، في يوليو/تموز – أغسطس/آب 2025 دخل المشروع منعطفاً حاسماً حين رفضت لجنة الاعتراضات جميع الطعون المقدمة مكتفية بتوصيات شكلية، ليعلن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بدء التنفيذ العملي، في خطوة تمثّل المسمار الأخطر في نعش إمكانية قيام دولة فلسطينية متصلة وقابلة للحياة. إن مشروع "إي–1" بهذا التسلسل ليس مجرد خطة عمرانية، بل هو مخطط استراتيجي بنيوي للتغيير الديموغرافي والسياسي يهدد الوجود الفلسطيني برمته، ويحوّل القدس إلى مركز استعمار مغلق، معزول عن امتداداته الفلسطينية، في تحدٍّ صارخ للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
التأثيرات المكانية والديمغرافية
في تأكيد على ان مشروع "إي–1" هو أكثر من مجرد توسّع استيطاني، بل أداة هندسية–مكانية لإعادة صياغة الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينية بصورة جذرية. إذ إن تنفيذه يقطع عملياً التواصل الجغرافي بين شمال الضفة الغربية (رام الله) وجنوبها (بيت لحم/الخليل)، ويعزل القدس الشرقية عن عمقها الفلسطيني، محوّلاً الضفة إلى كانتونات مفصولة وظيفياً يسهل التحكم بها. وعلى المستوى الديمغرافي، يستهدف المخطط تغيير ميزان السكان في القدس عبر ضخ آلاف المستوطنين الجدد وتقييد التمدّد العمراني الفلسطيني شرق المدينة، ما يعزز الطابع الاستيطاني على حساب الوجود الفلسطيني الأصيل. أما التجمعات البدوية، وخاصة عشيرة الجهالين في محيط الخان الأحمر، فتواجه خطر التهجير القسري وفقدان مصادر عيشها مع التوسع المتسارع للمخطط وإعلانات «أراضي الدولة» المتكررة جنوب وشرق القدس. وفي البعد الاقتصادي والحركي، يعمّق "إي–1" مأزق الفصل الممنهج؛ إذ تُخصّص للمستوطنين طرق سريعة مباشرة، بينما يُجبر الفلسطينيون على استخدام شبكات التفافية أطول وأبطأ وأكثر كلفة، ما يرفع زمن التنقل وكلفة التجارة ويولّد اقتصاد ظل حول الحواجز، ويفقد القدس مكانتها التاريخية كمركز حضري فلسطيني جامع. بهذا المعنى، يشكل المخطط منظومة متكاملة من العزل الجغرافي، الإقصاء الديمغرافي، والخنق الاقتصادي، في إطار مشروع استيطاني استراتيجي يهدف إلى شطب أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية متصلة وقابلة للحياة.
ووفقاً لأحدث التقارير الواردة من قبل هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فقد صادقت حكومة الاحتلال، على مخطط"E1" الاستعماري، الذي يحمل رقم (4/420) عام 1999، على أراضٍ تبلغ مساحتها 12,000 دونم، أعلنت معظمها "أراضي دولة"، وأصبحت فيما بعد تابعة لمستعمرة "معاليه أدوميم".
عام 2012، أقرت حكومة الاحتلال مخطط"E1" الاستعماري، الذي يتضمن المخططات التالية:
- مخطط رقم (2/4/420)، ويستولي الاحتلال بموجبه على (1350) دونما لإقامة منطقة صناعية شمال غرب المنطقة المصنفة E1.
- مخطط رقم (9/4/420) ويستولي الاحتلال بموجبه على (180) دونما لإقامة مقر لشرطة الاحتلال، وقد تم تشييد المقر المذكور بهدف توسيع مناطق الاستيلاء.
- مخطط للاستيلاء على مساحة (500) دونم من أراضي عناتا وشعفاط لاقامة مكب نفايات على أن يتم تحويلها لاحقا لحديقة عامة للمستعمرين.
- ثلاثة مخططات تفصيلية للبناء، وهي: مخطط (10/4/420) لبناء 2176 وحدة استعمارية، ومخطط (3/4/420) لبناء 256 وحدة استعمارية إضافة إلى 2152 غرفة فندقية، ومخطط (7/10/420) لبناء 1250 وحدة، وآخر لإقامة حديقة توراتية إلى الشمال الغربي من المخطط المذكور.
إضافة إلى ما ذكر أعلاه، هناك مخطط استعماري آخر، لتنفيذ ما يسمى طريق نسيج الحياة، الذي تم إنجاز جزء منه قرب من جدار الفصل والتوسع العنصري الواقع شرق عناتا وصولا الى الزعيم، والجزء الاخر منه يقترح انشاؤه ابتداء من الزعيم وصولا الى العيزرية، ويهدف الى خدمة تنفيذ وتطوير مخطط البناء في المشروع المذكور، إضافة لكونه مقترحا مستقبليا لتحويل طريق القدس العيزرية ومنع المواطنين الفلسطينيين من استخدامه.
ويؤكد التقرير ان المشروع سيشمل عملية ضخمة لتهجير البدو، إذ ان عملية التهجير القسري للبدو ليست جديدة بل هي تتابع لعمليات حصلت عام 1948 وعام 1967 من النقب بداية ثم الأغوار بحجج واهية، كإعلانها مناطق عسكرية مغلقة. وتسعى سلطات الاحتلال لتهجير 46 تجمعا بدويا في السفوح الشرقية والاغوار (جرى تهجير جزء منها بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023) من أجل تنفيذ مخططاتها التهويدية والاستعمارية وتفريغ الحدود الشرقية من الوجود الفلسطيني والبالغ مساحتها حوالي مليون دونم. وقد سعت سلطات الاحتلال خلال السنوات الماضية الى ايجاد بدائل لنقل البدو اليها مثل منطقة "الجبل في العيزرية والنويعمة وفصائل الوسطى في اريحا"، لكن صمود المواطنين في تلك التجمعات حال دون تنفيذ هذه المخططات.
ولعل من أكبر التكتلات الاستعمارية الاسرائيلية في الضفة الغربية التي تنوي اسرائيل ضمها الى القدس من خلال تنفيذ مخطط "القدس الكبرى"، الذي يشمل بناء جدار الفصل والتوسع العنصري حول مدينة القدس وتوسيع حدودها لتشمل التكتلات الاستعمارية الاسرائيلية الثلاث حولها، وهي:
- تكتل مستعمرات معاليه أدوميم شرقاً.
- تكتل مستعمرات جفعات زئيف شمالاً.
- تكتل مستعمرات جوش عتصيون جنوباً.
إن ربط هذه المستعمرات بالقدس الشرقية ومنها بأراضي عام 1948 يهدف الى خلق تواصل جغرافي بين التكتلات الاستعمارية من جهة، وعزل وإخراج التجمعات الفلسطينية التابعة تاريخيا خارج حدود المدينة وحرمانها من حقها التاريخي في المدينة.
ويسعى رئيس بلدية مستعمرة "معاليه ادوميم" للبناء في مواقع مختلفة في محيط القدس ضمن مخطط E1 مثل بناء مدينة ملاهٍ كبيرة على مساحة 800 دونم تضم متنزها وبحيرة صناعية وملاعب رياضية وفنادق تهدف لجذب السياح، إضافة إلى بناء حي استعماري جديد يحمل اسم "مفسيرت ادوميم" يتضمن أكثر من 3 آلاف وحدة استعمارية بهدف ربط القدس الشرقية بمنطقة غور الأردن ومنها الى الحدود الشرقية، ويسعى الاحتلال لربط مستعمرة "كيدار" "بمعاليه أدوميم" والبناء في المنطقة الواقعة بين المستعمرتين.
عزل القدس الشرقية عن الضفة والمس بالتواصل الجغرافيّ بين الشمال والجنوب
وبحسب مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الانسان في الأرضي المحتلة "بيتسيلم"، سيؤدّي تنفيذ مخططات البناء في منطقة E1 إلى خلق تواصل عمرانيّ بين مستوطنة معاليه أدوميم وبين القدس، وسيزيد من حدة عزل القدس الشرقية عن سائر أجزاء الضفة الغربية، وسيمس بالتواصل الجغرافي بين شمال الضفة وجنوبها.
إن تشييد المستعمرات في المناطق الخاضعة للاحتلال يخالف أحكام القانون الدوليّ الإنسانيّ التي تحظر نقل سكان الدولة المحتلة إلى المنطقة الخاضعة للاحتلال، كما تحظر إجراء تغييرات دائمة في داخل المنطقة الخاضعة للاحتلال. كما أنّ تشييد المستعمرات يؤدّي إلى المسّ بسلسلة من حقوق الإنسان الخاصة بالفلسطينيين، كطرد التجمّعات السكانية البدوية التي تعيش في هذه المنطقة اليوم.
رسم بياني يوضح مخطط إسرائيل لعزل القدس الشرقية
الإطار القانوني لمشروع E1 الاستيطاني
تتفق الغالبية الساحقة من الدول والمنظمات الدولية على أنّ الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 يُشكّل خرقاً صارخاً للقانون الدولي، ويُصنَّف بوضوح كفعل غير قانوني بموجب اتفاقيات جنيف. وقد أكّد مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أنّ مشروع "إي-1" يندرج في هذا السياق غير المشروع، مذكِّراً بأنّ الاستيطان في أراضٍ محتلة يُعدّ جريمة حرب وفق القانون الدولي الإنساني.
كما شددت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الصادر عام 2004 على أنّ نقل قوة الاحتلال لسكانها المدنيين إلى الأرض المحتلة يُمثّل انتهاكاً مباشراً للمادة (49/6) من اتفاقية جنيف الرابعة، وبذلك تُصنّف سياسة الاستيطان برمّتها باعتبارها انتهاكاً جسيماً وغير مشروع. وتؤدي هذه السياسات إلى الضم بحكم الأمر الواقع، وهو ما يرتّب تبعات ومسؤوليات قانونية دولية على اسرائيل القوة القائمة بالاحتلال.
وعلى نحو مماثل، جاء قرار مجلس الأمن رقم 2334 (2016) ليؤكد بشكل قاطع أنّ جميع المستوطنات، بما فيها مشروع "إي-1"، باطلة من الناحية القانونية وتمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، مع دعوة صريحة إلى الوقف الفوري والكامل لكافة الأنشطة الاستيطانية. كما أعاد مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، في مواقفه الأخيرة، التشديد على عدم مشروعية المشروع وخطورة تبعاته المتمثلة في التهجير القسري وتقويض الحق الفلسطيني في تقرير المصير.
لاحظ: المستوطنات الاسرائيلية في القانون الدولي