سياسة إسرائيل تجاه الأونروا والقرارات المتخذة ضدها

سياسة إسرائيل تجاه الأونروا والقرارات المتخذة ضدها

تشن حكومة الاحتلال الإسرائيلي حرباً شعواء ضد كل ما يتعلق بالحقوق الفلسطينية، في مسعى واضح لدثر ما تبقى من حقوق للشعب الفلسطيني، تلك الحقوق الثابتة والمكفولة دولياً وفقاً للقوانين والأعراف الإنسانية. ومن أبرز مظاهر هذه الحرب النهج العدائي الذي تمارسه ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"؛ إذ تسعى إسرائيل إلى تقييد عمل هذه المنظمة الإنسانية وفرض حظر على نشاطاتها في المناطق التي تدعي أنها تحت "سيادتها". يمثل هذا التوجه صورة واضحة تدل على محاولات إسرائيل المتواصلة لتغييب وطمس قصة اللجوء الفلسطيني، في محاولة لتحييد حق الأجيال القادمة في المطالبة بالعودة إلى ديارهم، وللتخلص من أي توثيق دولي لمأساة اللاجئين الفلسطينيين التي لا تزال تؤثر في حياتهم اليومية. فإسرائيل تهدف إلى إزالة أحد أهم الشواهد الحية التي تُذكر العالم بنكبة اللاجئين الفلسطينيين المستمرة؛ إذ تقوم هذه الوكالة بدور حيوي في توفير الخدمات الأساسية والضرورية لملايين اللاجئين الفلسطينيين من تعليم وصحة وإغاثة اجتماعية. إن هذا التوجه ليس مجرد إجراء إداري؛ بل هو جزء من سياسات أوسع تهدف إلى إعادة صياغة التاريخ والنفي الصامت لمعاناة الشعب الفلسطيني، وفرض رواية جديدة تخدم مصالح الاحتلال وتضعف موقف اللاجئين، في مخالفة صريحة للمواثيق الدولية التي تؤكد على حقوقهم الأساسية، وفي مقدمتها حقهم في العودة.

وفي هذا السياق، أجمعت كتل الائتلاف، ومعها كتل المعارضة الإسرائيلية في الكنيست، على قانون حظر عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، "الأونروا"، التابعة للأمم المتحدة، في المناطق الخاضعة لما تسمى "السيادة الإسرائيلية"، وهنا القصد القدس الشرقية المحتلة، وما ألحق بها من بلدات ومخيمات بعد احتلال العام 1967، ولعل هذا تطبيق لمشروع سياسي قائم منذ سنوات طويلة، وبلوره معهد تابع للوكالة الصهيونية، يقضي بإنهاء وجود وكالة "الأونروا"، بزعم أن وجودها، من زاوية رؤية إسرائيل والحركة الصهيونية، "يخلّد اللجوء الفلسطيني"، وبالتالي إبقاء القضية الفلسطينية.

وعلى وجه العموم، أقر الكنيست الإسرائيلي بأغلبية أصوات كتل الائتلاف والمعارضة الاسرائيلية، يوم 28 تشرين الأول 2024، مشروعي قانونين مترابطين. وينص القانون الأول على:

  • هدف القانون منع كل نشاط لوكالة الأونروا، في مناطق دولة إسرائيل.
  • لا تقيم الأونروا، ولا تشغل أي ممثلية لها، ولا تقدم أي خدمات، ولا أي نشاط، بشكل مباشر أو غير مباشر، في المنطقة السيادية لإسرائيل.

في حين يضع القانون الثاني إجراءات لتطبيق القانون الأول، وهي:  

  • إلغاء المعاهدة القائمة بين إسرائيل ووكالة الأونروا، التي تم توقيعها يوم 14 حزيران 1967.
  • يُحظر على أي سلطة من سلطات الدولة (الإسرائيلية)، بما في ذلك جهات ومؤسسات وأفراد، يتولون مهمات ومسؤوليات عامة بموجب القانون، إقامة أي تواصل مع الأونروا أو أي جهة من طرفها.
  • لا يوجد في تعليمات هذا القانون ما يمنع أي إجراءات جنائية ضد العاملين في وكالة الأونروا، بما في ذلك أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، (الحرب على غزة)، أو أي إجراء جنائي بموجب قانون مكافحة الإرهاب- 2016 (الإسرائيلي)، أو ما يمنع القيام بإجراءات ضد هؤلاء العاملين.

وهذان القانونان هما دمج لعدة مشاريع قوانين قدمها أعضاء كنيست من الائتلاف والمعارضة، لكن أحد مشاريع القوانين هذه ينص على اعتبار وكالة "الأونروا" منظمة إرهابية، وبادرت لهذا القانون كتلة "إسرائيل بيتنا" المعارضة، بزعامة المتطرف أفيغدور ليبرمان، وقد أقر بالقراءة التمهيدية قبل عدة أشهر، إلا أن هذا التعبير لم يتم شمله في القانونين اللذين تم إقرارهما، وكما يبدو بسبب ما يترتب على تعريف كهذا، مثل ملاحقة "الأونروا" أينما تواجدت في البلاد، وحتى العالم، وهي منظمة تابعة للأمم المتحدة.

ويدخل هذان القانونان حيز التنفيذ بعد 90 يوماً من نشرهما في الجريدة الرسمية، بمعنى التوقيع عليهما رسميًا من رئيس الكنيست ورئيس الحكومة ورئيس الدولة؛ أي أنهما سيدخلان حيز التنفيذ في نهاية شهر كانون الثاني من عام 2025، وسيكون الإجراء الأول من خلال إغلاق مكتب الوكالة في القدس الشرقية المحتلة، وحظر كل نشاط للوكالة، من مساعدة وإغاثة وتعليم غيره، بشكل خاص في مخيم شعفاط، وأيضاً قلنديا، شمال القدس المحتلة، لكونهما باتا جزءا من المدينة بموجب قانون الضم في العام 1968.

لكن القانون يحظر على المؤسسات والأجهزة والجهات الإسرائيلية الرسمية والعامة أي تعامل وتعاون مع وكالة "الأونروا"، بمعنى أن هذا من المفترض أن يسري أيضًا على جيش الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ ما يعني إلغاء كافة تسهيلات مرور عاملي الوكالة، وأيضًا البضائع، وهناك من يتحدث عن إلغاء كافة الإعفاءات الضريبية الممنوحة للوكالة، بصفتها تابعة للأمم المتحدة، وهذا يعني عرقلة عمل الوكالة أيضا في هاتين المنطقتين المحتلتين.

وعلى ضوء ذلك، أبلغت وزارة خارجية الاحتلال الإسرائيلي بتاريخ 4/11/2024 الأمم المتحدة بشكل رسمي، قرارها إلغاء الاتفاقية الموقعة مع وكالة "الأونروا" عام 1967 التي تنظم عملياتها الإغاثية بغزة والضفة الغربية. وجاء ذلك عبر مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، الذي أبلغ المؤسسة الأممية بقرار حكومته بقطع العلاقات مع وكالة الأونروا، مدعيًا أن الحكومة "مستمرة في العمل مع المنظمات الإنسانية لكن ليس مع منظمات تخدم الإرهاب". المفوض العام لوكالة الأونروا فيليب لازريني، قال: إن تفكيك الوكالة مع غياب بديل قابل للتطبيق سيحرم الأطفال الفلسطينيين من التعلم. وأضاف أنه يجب أن ينصب التركيز بصورة كبيرة على إنهاء الحرب بدلًا من التركيز على حظر الوكالة أو إيجاد بدائل.

إلى ذلك، أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، إن التشريع الإسرائيلي لإغلاق شريان الحياة الرئيسي للاجئين الفلسطينيين في غزة "سيكون مميتا" إذا تم تنفيذه بالكامل. وقالت اليونيسف في بيان: "الأونروا لا غنى عنها لتقديم المساعدات العاجلة التي يحتاجها 2.2 مليون شخص في غزة بشكل عاجل". وأضافت المنظمة الأممية: "مع مواجهة أطفال غزة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث، فإن تنفيذ هذا القرار بالكامل سيكون مميتا". وأبرز البيان، أن الأونروا هي الوكالة الوحيدة المفوضة من الجمعية العامة للأمم المتحدة لتقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين، مشيرًا إلى أن "الأونروا تدير مجموعة من الخدمات الاجتماعية، مع أكثر من 18 ألف موظف في غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وتقدم الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الأساسية الأخرى للاجئين الفلسطينيين ولا يمكن لأي وكالة أممية أخرى أن تحل محل هذه المسؤولية".

وما هو جدير بالذكر أن ما يجري بمثابة مشروع سياسي كبير هادف إلى طمس قصة اللجوء الفلسطيني ووصم الأونروا بالإرهاب، وليس فقط مسألة قانونية، فما بين العامين 2006 و2008 بلور ما يسمى "معهد تخطيط سياسة الشعب اليهودي"، التابع للوكالة الصهيونية، مشروعًا سياسيًا يهدف إلى إنهاء عمل وكالة "الأونروا" كليا في العالم، وليس فقط في إسرائيل، وبهدف أكبر، إنهاء قضية اللجوء الفلسطيني، وبالتالي إنهاء القضية الفلسطينية، كقضية أرض ووطن، من نظرة صهيونية وإسرائيلية.

وهذا المعهد الذي تأسس في السنوات الأولى من سنوات الألفين -وكان يترأس مجلس إدارته يوم إعداد ذلك المشروع، دينيس روس- يضع مشاريع استراتيجية أمام الحكومة الإسرائيلية، وأمام الوكالة الصهيونية ومنظمات تابعة لها في العالم. وكانت تعمل على تركيز مشروع ضرب "الأونروا" في المعهد، عينات ويلف، التي انتخبت لعضوية الكنيست في انتخابات العام 2009، ضمن قائمة حزب العمل برئاسة إيهود باراك، في حينه، وظهر لاحقا أنها حملت معها المشروع إلى الكنيست، ومنه إلى حكومة بنيامين نتنياهو، التي كان شريكا فيها يومها حزب العمل. وخلال تلك الولاية البرلمانية، الـ 18، تبنى نتنياهو ذلك المشروع، لكن لم يظهر الأمر على الملأ كليًا. وفي مراجعة لأحداث تلك الفترة، فيما يتعلق بموضوع وكالة "الأونروا"، فقد سعت النائبة ويلف، بموافقة رئيس حكومتها نتنياهو، ورئيس حزبها باراك، للضغط على الإدارة الأميركية، برئاسة باراك أوباما، من خلال منظمة "إيباك" الأميركية الصهيونية، لوقف التمويل الأميركي لوكالة "الأونروا"، من خلال سن قانون أميركي يُلزم بتغيير تعريف من هو لاجئ فلسطيني. وفي منتصف العام 2012، كشف النقاب عن سعي ويلف ومنظمة "إيباك" لتعديل القانون الأميركي، بشكل يحدّد عدد اللاجئين الفلسطينيين منذ العام 1948، وبهدف لاحق لقطع المساعدات عن الأبناء والأحفاد للضغط بهدف توطينهم في أماكن اللجوء، ما يلزم لجنة المساعدات الأميركية بالحصول على معلومات من "الأونروا" منذ العام 1948 في مخيمات اللجوء، وفصلهم عن الأبناء والأحفاد، في خطوة تمهيدية يهدف لها اللوبي الصهيوني، للضغط مستقبلًا على وكالة الغوث، لقطع المساعدات عن الأبناء والأحفاد، لدفعهم على التوطن في أماكن اللجوء، حيث هم الآن.

لكن هذا المشروع لم يتم في ظل إدارة الرئيس أوباما، حتى وصل إلى البيت الأبيض دونالد ترامب، وشرع في مطلع العام 2018 بضرب التمويل الأميركي للأونروا؛ إذ أعلن في حينه نيته خفض أو حتى وقف المساهمة الأميركية؛ فقد دعا ترامب في حملته الانتخابية في منتصف آب 2015، إلى نقل الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى جزيرة بورتوريكو، من أجل بسط ما يسمى "إسرائيل الكبرى". وفي الفترة نفسها، بمعنى أوائل العام 2018، كشف النقاب أيضًا عن مخطط لحكومة بنيامين نتنياهو لطرد وكالة "الأونروا" من مدينة القدس الشرقية المحتلة، ونطاقها الذي حددته حكومة الاحتلال في العام 1967.

ومما لا شك فيه أن الإجراءات الإسرائيلية ضد الأونروا تعتبر خرقاً واضحاً للقانون الدولي والإنساني؛ فهذا القانون هو الذي أوجد الأونروا لإغاثة الفلسطينيين الذين تعرضوا للويلات في أعقاب اقتلاعهم من أرضهم إبان النكبة عام 1948. وفي هذا السياق بعث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش برسالة إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، يؤكد فيها أن قوانين كهذه ضد منظمة تابعة للأمم المتحدة فيها خرق لميثاق الأمم المتحدة.

وبشكل علني تضرب إسرائيل بكل القرارات الدولية عرض الحائط. ولعل ما تقوم به من إجراءات ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" هي أفعال تعتبر بمثابة حقائق دامغة تُعبر عن مدى استغراق إسرائيل في الإمعان بالتنكر لكل القوانين والاحكام والقرارات الدولية والأممية بكل عنجهية احتلالية ممكنة، وهذه حقيقة ماثلة لمن يريد أن يرى.