لا تتوقف الجرائم والمجازر الإسرائيلية بحق أبناء شعبنا الفلسطيني حتى تستأنف من جديد، على نحو أكثر ترويعاً وأشد تقتيلاً، باستهداف الأطفال والنساء والشيوخ؛ فما أن يتوقف القصف الوحشي للاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، حتى يتجدد بشكل متسارع بصورة أشد فتكاً وإرهاباً. في ظل حالة إرهاب دولة منظم، لا تؤمن إلا بعقيدة القتل والحرق والإبادة الجماعية التي طالما جاهر بها من يتولون الحكم في إسرائيل. ما يحدث اليوم في غزة ليس إلا فصلاً جديداً من سلسلة طويلة من فصول القتل والترويع التي بدأت منذ النكبة عام 1948 وحتى يومنا هذا.
إسرائيل من خلال عدوانها المتواصل، تسعى لتكريس صورة مفادها أن قتل المدنيين واستباحة الأرض أمر طبيعي ومقبول دولياً؛ ولكن وفقاً للمادة 48 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف (1977)، فإن القانون الدولي واضح في ضرورة التمييز بين المدنيين والمقاتلين، حيث تنص على: " يجب توجيه العمليات العسكرية فقط ضد الأهداف العسكرية."
وعلى الرغم من ذلك، تتعمد إسرائيل استهداف المنازل والمستشفيات والأسواق والمدارس، ما يعد خرقاً صارخاً لهذه المبادئ القانونية.
إسرائيل تستهدف بشكل منهجي المدنيين الأبرياء، وهو ما يُعتبر جريمة حرب بموجب المادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة (1949)، التي تصنف القتل العمد والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية ضمن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي. كما أن فرض الحصار الشامل على قطاع غزة وقطع الكهرباء والماء والغذاء والوقود يمثل انتهاكاً آخر؛ إذ تنص المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة (1949) على أنه: "تحظر العقوبات الجماعية، وكذلك جميع تدابير الترهيب والإرهاب."
لكن إسرائيل تتجاهل هذه المواد بشكل سافر؛ فقد أعلن وزير جيش الاحتلال يوآف غالانت: "لا كهرباء ولا ماء ولا وقود، كل شيء مغلق."
تجويع السكان المدنيين واستخدام الحصار كأداة حرب هو أيضاً جريمة حرب بموجب المادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998)، التي تنص على أن: "تعمد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب يُعتبر جريمة حرب".
وبهذا الصدد، أكدت الأمم المتحدة أن مثل هذه الإجراءات تعد عقاباً جماعياً محظوراً بموجب القانون الدولي الإنساني.
إسرائيل تضرب عرض الحائط بالاتفاقيات الدولية التي تحمي المرافق الطبية والطواقم العاملة فيها. فقد جاء في المادة 18 من اتفاقية جنيف الرابعة (1949) أنه: "لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية، وعلى أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات". ورغم ذلك، تعرض المستشفى الأهلي العربي في غزة لقصف إسرائيلي مباشر؛ ما أدى إلى سقوط مئات الضحايا من المرضى والأطبا. والمدنيين الذين احتموا داخل أسواره.
كما تؤكد المادة 16 من الاتفاقية نفسها على حماية الجرحى والمرضى وضمان تسهيل نقلهم، ولكن الحصار المفروض على غزة حرم المرضى من الرعاية الطبية الأساسية، وهو ما يُعدُّ جريمة إنسانية بحق الفلسطينيين.
إن سياسات التهجير القسري التي تنتهجها إسرائيل في الضفة الغربية والقدس وغزة تخالف المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة (1949)، التي تنص على: "يحظر النقل الجبري الفردي أو الجماعي للأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة".
كما إن تدمير الأبراج السكنية والمساجد والمدارس يمثل انتهاكاً واضحاً للمادة 53 من الاتفاقية نفسها، التي تؤكد على: "يحظر على دولة الاحتلال أن تدمر ممتلكات ثابتة أو منقولة خاصة بالأفراد، إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي ذلك حتماً." ورغم هذا الحظر، تواصل إسرائيل استهداف المنازل والممتلكات بشكل عشوائي ومنهجي.
ما يحدث في غزة اليوم هو إعادة إنتاج للنّكبة على نحو أشد فتكاً وإرهاباً. ووفقاً للمادة 6 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998)، فإن الإبادة الجماعية تُعرّف على أنها: "أي فعل يُرتكب بقصد تدمير جماعة قومية أو إثنية أو دينية كلياً أو جزئياً."
ويشمل ذلك القتل الجماعي وإلحاق أضرار جسدية أو نفسية خطيرة بأفراد الجماعة. وهذا ينطبق تماماً على الممارسات الإسرائيلية الممنهجة ضد الفلسطينيين.
تتجاهل إسرائيل بشكل مريب كل الاتفاقيات والمواثيق الدولية، مرتكبة جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب بحق المدنيين الفلسطينيين في غزة من الطنطورة ودير ياسين والعديد من المدن والقرى الفلسطينية التي دمرتها عصابات الاحتلال وقتلت أبنائها عام 1948 إلى المجازر الحالية في بيت حانون وخانيونس- وتُعيد إنتاج فصول جديدة من المأساة الفلسطينية.
إن تحميل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن هذه الجرائم، ومحاسبتها أمام المحكمة الجنائية الدولية استناداً إلى اتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي، هو واجب أخلاقي وقانوني يقع على عاتق المجتمع الدولي، منعاً لاستمرار الإفلات من العقاب.