تتوالى المشاهد الدامية في غزة فصولاً جديدة من الفتك والدمار، حتى تشمل كافة قطاعات الحياة دون استثناء، فهنالك كارثة وجريمة إبادة بكل ما تحمله الكلمة من معنى يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة ليُحدث بذلك كارثة إنسانية، وصحية، وتعليمية، وغذائية، ومعيشية. ومن دون رادع يستمر العدوان الإسرائيلي على غزة بصورة مهولة وسريعة الدمار وشديدة الفتك، متضمناً أبشع الجرائم والانتهاكات بكافة الأسلحة جواً وبراً وبحراً، وقد كان قطاع الصحة أحد القطاعات الرئيسة المستهدفة، فَقُصفت المستشفيات فوق رؤوس المرضى، واستشهدوا الأطباء والممرضين وجرحوا الالاف من الكوادر الطبية، ففي المشهد الدامي المتوالي على غزة يُقتل الأطباء والممرضون والمسعفون، ويتم اعتقال العشرات منهم وتعريتهم وتعذيبهم وتجويعهم وتعطيشهم، وإخراج المرضى والجرحى من المستشفيات التي غدت مقابر لهم، وحلت العربات البدائية محل سيارات الإسعاف لنقل المصابين والجثامين.
وسيراً على رغبة جيش الاحتلال الإسرائيلي في تحويل غزة من أكبر سجن جماعي في العالم إلى أكبر مقبرة جماعية في العالم، فقد بلغ عدد شهداء الكوادر الطبية إثر العدوان الإسرائيلي على غزة حتى نهاية عام 2023 أكثر من 326 شهيداً من الأطباء والممرضين والمسعفين والطواقم الصحية والطبية، وحوالي 30 مستشفى خارج الخدمة اما بشكل جزئي أو كلي، منها 25 مستشفى تضررت من القصف الإسرائيلي عليها، بالإضافة الى تدمير أكثر من 104 سيارة اسعاف، وهذا وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
ووفقًا لأحدث تقييم أجرته منظمة الصحة العالمية فانه يوجد في غزة 13 مستشفى من أصل 36 يعمل جزئياً، ومستشفيان يعملان بالحد الأدنى، و21 مستشفى خارج الخدمة تماماً. ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة "أوتشا" فان المستشفيات في غزة تواجه تحديات كبيرة متمثلة في نقص الكوادر الطبية، والجراحين المتخصصين وجراحي الأعصاب والطواقم في وحدات العناية المركزة، فضلًا عن نقص اللوازم الطبية كالتخدير والمضادات الحيوية والأدوية المسكنة للآلام والمثبتات الخارجية، وعلاوةً على ذلك، ثمة حاجة ماسة إلى الوقود والأغذية ومياه الشرب. ويعتمد وضع المستشفيات ومستوى عملها على قدراتها التي تشهد التقلبات وعلى الحد الأدنى من الإمدادات التي يمكن إيصالها إلى هذه المنشآت. وحسب وزارة الصحة الفلسطينية، تصل معدلات الإشغال الآن إلى 206 بالمائة في أقسام المرضى المقيمين و250 بالمائة في وحدات العناية المركزة.
وفي ذات السياق اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي أكثر من مائة من الكوادر الطبية في غزة وحولتهم الى أكثر من معتقل للتحقيق، بالإضافة الى تدمير العشرات من المؤسسات والمراكز الصحية التي استهدفها الاحتلال اما بشكل كلي أو جزئي وهذا في ظل حربه الشعواء على الحجر والبشر في غزة هذا ما أدى الى إحداث جريمة إبادة جماعية متكاملة الأركان، فقد تم قصف المستشفيات فوق رؤوس المرضى، ومحاصرتها واستباحتها، ولعل ما حدث في قصف المستشفى الأهلي العربي المعمداني والمجزرة المروعة بحق المرضى وأسرهم وكل الكوادر الطبية حقيقة ماثلة لمن يريد أن يرى، وكذلك كان الحال عندما قصف جيش الاحتلال محيط المستشفى الاندونيسي وقطع عنه الامدادات والكهرباء عنه، كما وتم اغلاق كل الطرق المؤدية الى مستشفى القدس، ومحاصرة مستشفيات الرنتيسي، والنصر للأطفال، والعيون، والأمراض النفسية، وغيرها من المستشفيات التي تعرضت للحصار والقصف وقطع الامدادات الطبية وغير الطبية عنها من كهرباء وغذاء وماء ووقود ما أدى الى إحداث إبادة حقيقية بداخل المستشفيات وتحويلها الى مقابر جماعية، فالعمليات الجراحية أُجريت من غير تخدير "بنج" وعلى ضوء كشاف الهواتف المحمولة بفعل انقطاع التيار الكهربائي.
ولم تكن الصورة مختلفة عما جرى في مستشفى الشفاء، فجيش الاحتلال الإسرائيلي بعد حصار مطبق على مستشفى الشفاء وارتكاب المجازر، دعا كل المتواجدين بالمستشفى لإخلائه قسراً وعلى الفور خلال ساعة واحدة عبر ممر يدعي الاحتلال بانه آمن، فالجرحى والمرضى بدأوا بمهمة النزوح سيراً على الأقدام بالرغم من حالتهم الصحية الصعبة، فمنهم من مات على الطريق، ومنهم سقط أرضاً على بعد 100 متر فقط عن المستشفى ولم يستطع السير، فالاحتلال طلب منهم المشي لمسافة تزيد عن 15 كيلو نحو الجنوب سيراً على الاقدام، وهم يحملون الرايات البيضاء، وجرى خلال نزوحهم من الممر والشارع المحدد قنص العديد منهم، والتنكيل بهم، واعتقال عدد منهم، منهم مدير مجمع الشفاء الطبي محمد أبو سلمية واختطافه من أحدى السيارات التابعة للصليب الأحمر واقتياده الى جهة مجهولة.
كما وأكدت منظمة الصحة العالمية، بأن نقل المرضى الأكثر عرضة للخطر من مستشفى الشفاء في غزة مهمة مستحيلة، وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن نقل المرضى الأكثر ضعفاً سيؤدي حتماً إلى حالات وفاة، وقالت الناطقة باسم المنظمة مارغريت هاريس للصحافيين في جنيف "السبب الذي دفعنا للقول إنه لا يمكن إجلاء الناس هو قبل كل شيء أن الناس في المستشفيات معرّضون للخطر بشكل كبير، إنهم يعانون من المرض الشديد، لذا فإن نقلهم مهمة مستحيلة، وذلك سيكون بمثابة الطلب من الأطباء والممرضين نقل أشخاص رغم معرفتهم أن الأمر سيقتلهم، وأكدت انه من البديهي ان لا يكون هناك حاجة لنقل المرضى من مكان لآخر لأن المستشفيات من الأساس يجب ألا تتعرض لأية هجوم، فالمستشفيات مكان آمن يجب عدم المساس به وهو أمر مكفول لا جدال فيه بالقانون الدولي الإنساني وكل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تُعنى بهذا الشأن.
ولم تختلف الصورة كثيراً عما جرى في مستشفى كمال عدوان، حيث دعت وزارة الصحة الفلسطينية الى تحقيق دولي في معلومات عن دفن جيش الاحتلال مواطنين أحياء في ساحة مستشفى كمال عدوان شمال غزة، فالمعلومات والشهادات من المواطنين والطواقم الطبية والإعلامية تشير إلى قيام الاحتلال بدفن مواطنين أحياء في ساحة المستشفى، وأن بعضهم شوهدوا أحياءً قبل حصارهم من قبل الاحتلال، وتعمد جيش الاحتلال إخراج الجرحى من مستشفى كمال عدوان إلى العراء في ظل أجواء البرد الشديد واعتدت على الكوادر الطبية، ما شكل تهديداً جدياً على حياة الجرحى والمرضى، كما ودمر الاحتلال الجزء الجنوبي للمستشفى.
وأعربت جمعية أطباء بلا حدود، إن الوضع في مستشفيات غزة عبارة عن مأساة ووثيقة إعدام بحق الفلسطينيين، مؤكدة تعرض المدنيين والمستشفيات في غزة للقصف المستمر والغير المقبول والذي يتعارض مع القانون الإنساني، مشيرة إلى أن مستشفيات غزة تجرى العمليات تحت أضواء الهواتف المحمولة، وطالبت جمعية أطباء بلا حدود بإيقاف فوري لإطلاق النار في غزة وتوفير ممر آمن لسيارات الإسعاف لنقل المرضى وتسهيل وصول الوقود، وتوفير المياه والمواد اللازمة لتنقية المياه غير الصالحة للاستخدام في القطاع.
وأبدى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرتش قلقه العميق بشأن وضع المستشفيات والقطاع الصحي في غزة ودعا الى وقف إنساني لإطلاق النار. كما وطالب تيدروس أدهانوم جيبرييسوس مدير عام منظمة الصحة العالمية بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، قائلاً: "لا يمكن للعالم أن يقف صامتا ومستشفيات غزة تتحول إلى مشاهد الموت والدمار واليأس". كما وندّد المدير العام لمنظمة الصحّة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبرييسوس بالقصف الذي استهدف مستشفى الأمل في قطاع غزة، واصفاً هذا القصف بأنّه "غير مقبول". وأكد بأن "النظام الصحّي في غزّة منهار أساساً والعاملون في مجال الصحة والمساعدات يواجهون باستمرار بسبب الأعمال القتالية، معوّقات في جهودهم الرامية لإنقاذ الأرواح". كما وأعرب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية عن قلق بالغ من تزايد خطر انتشار الأمراض المعدية في قطاع غزة.
كما أكدت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية في بيان لها "إن استهداف ما تبقى من المستشفيات في قطاع غزة تعميق للإبادة الجماعية التي ترتكبها دولة الاحتلال في قطاع غزة، وحرمان المواطنين والمرضى من حقهم في أبسط أشكال العلاج الصحي، وكذلك توسيع عمليات النزوح القسري للمواطنين، خاصة وأن الآلاف منهم لجأوا إليها، هروباً من القصف".
وفي ذات السياق حذر برنامج الأغذية العالمي من كارثة صحية وغذائية تتمثل في خطر المجاعة في غزة، وحذرت لجنة استعراض المجاعة، التي جرى تفعيلها بسبب الأدلة التي تتجاوز المرحلة الخامسة من مراحل انعدام الأمن الغذائي الحاد (العتبة الكارثية) في قطاع غزة، من أن خطر حدوث مجاعة يزداد يومًا بعد يوم وسط النزاع المحتدم والقيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية. وأضافت اللجنة أن الضرورة تقتضي وقف تدهور الصحة والتغذية والأمن الغذائي والوفيات من خلال استعادة الصحة وخدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، وذلك من أجل القضاء على خطر المجاعة. ويعد وقف الأعمال القتالية واستعادة الحيز الإنساني اللازم لتقديم المساعدات المتعددة القطاعات من الخطوات الأولية الحيوية لاستئصال خطر حدوث المجاعة. وفي هذا السياق حذرت منظمة الصحة العالمية من أن قطاع غزة يواجه خطر الجوع الحاد في جميع مناطقه التي دمرها العدوان.ة.
ووفقاً لبيانات وزارة الصحة الفلسطينية فان قطاع غزة يشهد بالفعل معدلات مرتفعة من تفشي الأمراض المعدية، كما وتواجه غزة نفاد مخزون اللقاحات، مما يؤدي إلى تداعيات صحية كارثية. وقد تم تسجيل أكثر من 360,000 حالة من الأمراض المعدية، بما في ذلك التهابات الجهاز التنفسي الحادة والتهاب السحايا واليرقان والقوباء وجدري الماء، في مراكز إيواء الأونروا. هذا بالإضافة الى تدهور وضع الأمن الغذائي في الجنوب، حيث أفادت 44% من الأسر عن جوع شديد، كما وهناك افتقار إلى الحليب الصناعي للأطفال الرضع والظروف الصحية السيئة في مراكز إيواء الأونروا يسهمان في أزمة الصحة العامة لدى الأطفال هناك. كما وتشكل بقايا الشهداء المتحللة خطراً كبيراً، مما يزيد من خطر حدوث أزمة في الصحة العامة. كما وهناك زيادات كبيرة في الأمراض المعدية المبلغ عنها في ملاجئ الأونروا، بما في ذلك التهاب السحايا واليرقان والقوباء وجدري الماء والتهابات الجهاز التنفسي والجدري والإسهال والأنفلونزا. هذا بالإضافة الى عدم إمكانية وصول الإمدادات الطبية اللازمة والضرورية. كما ويساهم تدفق مياه الصرف الصحي في الشوارع، وتوقف محطات الضخ، وآبار المياه غير العاملة في خلق ظروف غير صحية، مما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه، حيث أبلغت بلدية غزة عن تدفق مياه الصرف الصحي في الشوارع حيث توقفت محطات الضخ عن العمل بسبب نقص الوقود، ففي جباليا أغرقت مياه الصرف الصحي الشوارع، ويقول أحد السكان هناك بأن من لم يُقتل بفعل القصف الإسرائيلي سَيُقتل بفعل الأمراض والأوبئة التي تضرب وتفتك بالمكان والسكان. كما وهناك نفاذ في مخزون اللقاحات في غزة ما يؤدي إلى تداعيات صحية كارثية، خاصة بين النازحين في مراكز الإيواء المكتظة، ولعل توثيق 360 ألف حالة إصابة بالأمراض المعدية في مراكز الإيواء كان حقيقة ماثلة على مدى الكارثة الإنسانية والصحية الحاصلة.
كما وتواجه الفئات الضعيفة، بما في ذلك الأشخاص ذوي الإعاقة، والنساء الحوامل والمرضعات والأفراد الذين يتعافون من الإصابات أو العمليات الجراحية، وأولئك الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، ظروف مأوى صعبة جداً، وظروف صحية متدنية جداً حيث لا يوجد رعاية فعالة لهم ولا ظروف مهيأة تتناسب وحالتهم الصحية.
كما وأكدت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالحق في الصحة تلالينج موفوكينج على إن البنية التحتية للرعاية الصحية في قطاع غزة تعرضت للتدمير بشكل بالكامل، كما قُتل كثيرون من العاملين في الرعاية الصحية، أثناء علاج مرضاهم. وأضافت في بيان لها، أن الاحتلال الإسرائيلي أعلن "حرباً بلا هوادة" على النظام الصحي في غزة، بعدما قصف مستشفيات ودمرها، بما في ذلك مستشفى مخصص لعلاج الأطفال، حيث تم تدمير البنية التحتية للرعاية الصحية في قطاع غزة بالكامل. وتابعت أن "ممارسة الطب في قطاع غزة تتعرض للهجوم، وكطبيب ممارس، لا أستطيع أن أفهم ما يعانيه زملائي في غزة. إنهم يعملون بينما يتعرض زملاؤهم وأحبائهم للهجوم". وقالت موفوكينج: "نحن في أحلك الأوقات في حياتنا بالنسبة للحق في الصحة". وأشارت إلى "عدد لا يحصى من انتهاكات الحماية الخاصة الممنوحة للمدنيين والأطفال والعاملين في المجال الطبي بموجب القانون الإنساني الدولي"، إلى جانب الانتهاكات واسعة النطاق للقانون الدولي لحقوق الإنسان. وأضافت: "لقد نزلنا إلى أعماق يجب أن نخرج منها بسرعة. لكي يتمكن الناس من الوصول إلى رعاية صحية جيدة، يجب أن يتمكنوا من الوصول إلى العاملين في مجال الرعاية الصحية، ويجب أن يكون هؤلاء العاملون في مجال الرعاية الصحية آمنين وأحرارا في تقديم الرعاية." واستدركت: "باعتباري أحد الأطفال الناجين من الفصل العنصري، فإنني أفهم جيدًا الصدمة التي سيحملها الأطفال وسكان غزة معهم، ليس فقط من العنف الحالي، ولكن أيضاً من النزوح والاحتلال العسكري الذي يعانون منه، هم وأجيال من أسرهم". وختمت بيانها بالقول: "إننا نشهد حرباً مخزية على العاملين في مجال الرعاية الصحية. أوقفوا الحرب على غزة، وأنهوها الآن".
كما وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان لها "إن نظام الرعاية الصحية في غزة الذي يعمل فوق طاقته وبإمدادات ضئيلة ويفتقد للأمان على نحو متزايد، وصل إلى نقطة اللاعودة ما يعرض حياة آلاف الجرحى والمرضى والنازحين للخطر". وذكرت المنظمة أن المستشفيات يجب أن تستفيد من الحماية الخاصة "بموجب القانون الدولي الإنساني".
ومما لا شك فيه، يُعتبر المساس بالقطاع الصحي والكوادر الطبية والصحية والمستشفيات من الأمور التي تتنافى كلياً مع كل القوانين والأعراف الدولية، وهي جرائم حرب مكتملة الأركان، وخروقات وانتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني بِرُمته ولا سيما اتفاقية جنيف الرابعة (1949)، والبروتوكولين الأول والثاني لاتفاقيات جنيف (1977)، واتفاقية لاهاي (1954). إذا تخالف إسرائيل بشكل مُريب اتفاقية جنيف الرابعة حول مسألة استهداف الطواقم الطبية، وقصف المشافي على رؤوس المرضى والمدنيين كما حدث عندما قصفت المستشفى الأهلي العربي "المعمداني" في حي الزيتون بمدينة غزة، وحاصرت مستشفى الشفاء وارتكبت فيه الفظائع، ودفنت الأحياء في مستشفى كمال عدوان وقائمة الترويع والفتك بحق المستشفيات والمواطنين والكوادر الطبية تطول وتطول. حيث تُشير الاتفاقية في المــادة (16) إلى ما يلي: "يكون الجرحى والمرضى وكذلك العجزة والحوامل موضع حماية واحترام خاصين. وبقدر ما تسمح به المقتضيات العسكرية، يسهل كل طرف من أطراف النزاع الإجراءات التي تتخذ للبحث عن القتلى أو الجرحى، ولمعاونة الغرقى وغيرهم من الأشخاص المعرضين لخطر كبير ولحمايتهم من السلب وسوء المعاملة". وتُشير المــادة (17) إلى ما يلي: "يعمل أطراف النزاع على إقرار ترتيبات محلية لنقل الجرحى والمرضى والعجزة والمسنين والأطفال والنساء النفاس من المناطق المحاصرة أو المطوقة، ولمرور رجال جميع الأديان، وأفراد الخدمات الطبية والمهمات الطبية إلى هذه المناطق. وتُشير المــادة (18) إلى ما يلي: "لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء النفاس، وعلى أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات".
وفي هذا السياق قال مفوّض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان "فولكر تورك" في بيان: "إن فرض حصار يعرّض حياة المدنيين للخطر من خلال حرمانهم من السلع الأساسية للبقاء على قيد الحياة محظور بموجب القانون الدولي الإنساني". وأكد بأن القانون الإنساني الدولي واضح بهذا الشأن حيث تشير النصوص إلى: "وجوب الالتزام بالعناية المستمرة لتجنب إيقاع خسائر في أرواح السكان المدنيين". كما وانتقدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تصريحات وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي حول فرض الحصار على غزة، واصفةً إياها بأنها "مروعة مقززة" وقالت إنها تمثل "دعوة لارتكاب جرائم حرب".
وبشكل فظ وعلني تضرب إسرائيل بكل القرارات الدولية بعرض الحائط، وتخرق القانون الدولي دون أن يرف لها رمش، وتنتهك القرارات والمواثيق الدولية والأممية بكل عنجهية وغطرسة وفجاجة، ومن هذا المنطلق يصدح الكل الفلسطيني دائماً وأبداً بضرورة تحميل إسرائيل كامل المسؤولية عما ترتكبه من جرائم وفظائع، مطالبين المجتمع الدولي بتوحيد المعايير، ومحاسبة إسرائيل على جرائمها المروعة وانتهاكاتها المستمرة ضد أبناء شعبنا، وعدم السماح لهم بالإفلات من العقاب، فإسرائيل تنتهج نهج العقوبات الجماعية تجاه الفلسطينيين ولا سيما الإبادة التي ترتكبها في غزة وهذا ما يعتبر انتهاكاً صارخاً لحقوق الانسان، ولاتفاقية جنيف الرابعة ولمضامين القانون الدولي الإنساني برُمته.