في خضم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تتوالى من كل حدب وصوب الفصول الدامية التي يكتنفها كل أنواع الفتك والدمار،لتشمل كافة قطاعات الحياة دون استثناء، فهنالك كارثة وجريمة إبادة بكل ما تحمله الكلمة من معنى يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة ليُحدث بذلك كارثة إنسانية متكاملة الأركان بحق المواطنين هناك، ومن دون رادع يستمر العدوان الإسرائيلي على غزة بصورة مهولة سريعة الفتك وشديدة الترويع، متضمناً أبشع الجرائم والانتهاكات بكافة الأسلحة جواً وبراً وبحراً، وقد تضمن هذه العدوان ارتكاب المجازر بحق الأطفال العُزل، ما أدى الى ارتقاء الالاف منهم شهداء، وآلاف الآخرون منهم ما بين جريح ومفقود ونازح،فأهوال ما يحدث مع أطفال قطاع غزة تفوق الخيال، فمهما يتم ذكره من شهادات تشير على واقع الأطفال وظروف معيشتهم هي نقطة في بحر الإرهاب والغطرسة الاحتلالية الحاصلة، فلا يمكن الإحاطة بكل تلك التفاصيل المرعبة، والجروح الموجعة في متوالية الدم النازف كل يومٍ وساعةٍ ودقيقةٍ من دون انقطاع، وندوبها المحفورة في أعماق الروح بتباريح الألم، والوجع المقيم من فداحة الإبادة المتوالية بلا هوادة وفظاعتها، بعد أن قطعت كل أسباب الحياة عن أبناء شعبنا، أطفالاً ونساءً وشيباً وشباناً.
ووفقاً لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد بلغ عدد الشهداء الأطفال إثر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7/10/2023 ولغاية 4/4/2025 الى حوالي 18000 طفل شهيد منهم 274 رضيعاً ولدوا واستشهدوا تحت القصف، و876 طفلاً دون عام واحد، و17 طفلاً ماتوا جراء البرد في خيام النازحين، و52 طفلاً قضوا بسبب التجويع وسوء التغذية الممنهج. كما أصيب 113,274 جريحاً، 69% منهم أطفال ونساء، بينما لا يزال أكثر من 11,200 مواطناً مفقوداً، 70% منهم من الأطفال والنساء. أما في الضفة الغربية، فقد استشهد 188 طفلاً، و660 جريحاً من الأطفال منذ بدء العدوان الإسرائيلي.ولعل هذه الاحصائيات تشير الى حجم الإبادة والكارثة الحاصلة بحق الأطفال في قطاع غزة، وهذه الأرقام المروعة دفعت وكالة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" لوصف ما يحدث بالصدمة الحقيقية. فقد أكدت المديرة الإقليمية لليونيسف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إن "قتل وتشويه الأطفال واختطافهم، والهجمات على المستشفيات والمدارس، ومنع وصول المساعدات الإنسانية، تشكل انتهاكات جسيمة لحقوق الأطفال".وأعربت "عن أن الوضع في قطاع غزة يشكل وصمة عار متزايدة على ضميرنا الجماعي،فإن معدل الوفيات والإصابات بين الأطفال صادمة".
وكشفت أحدث التقديرات حتى تاريخ 4/4/2025 عن أن 39,384 طفلاً في قطاع غزة فقدوا أحد والديهم أو كليهما بعد 534 يوماً من العدوان الإسرائيلي، بينهم حوالي 17,000 طفل حرموا من كلا الوالدين، ليجدوا أنفسهم في مواجهة قاسية مع الحياة دون سند أو رعاية. يعيش هؤلاء الأطفال في ظروف مأساوية، حيث اضطر الكثير منهم للجوء إلى خيام ممزقة أو منازل مهدمة، في ظل غياب شبه تام للرعاية الاجتماعية والدعم النفسي. إلا أن المعاناة لا تقتصر على فقدان الأسرة والمأوى، بل تمتد إلى أزمات نفسية واجتماعية حادة؛ إذ يعانون من اضطرابات نفسية عميقة، مثل الاكتئاب والعزلة والخوف المزمن، في غياب الأمان والتوجيه السليم، إضافة إلى ضعف التعلم والتطور الاجتماعي، ليجدوا أنفسهم فريسة لعمالة الأطفال، أو الاستغلال في بيئة قاسية لا ترحم.
وفي سياق سابق في بدايات عام 2024 أكدت رئيسة لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة "اليونيسيف" آن سكيلتون، إن إسرائيل تنتهك حقوق الأطفال في قطاع غزة بشكل خطير، وعلى مستوى نادر لم يُشاهد مثله في التاريخ الحديث. وأكدت بأنه لا يوجد طفل في غزة خالٍ من الخوف والألم والجوع، ومنهم محظوظين إذا تمكنوا من البقاء على قيد الحياة، في ظل هذه الحرب، مشيرة إلى أن الأطفال في القطاع فقدوا طفولتهم، وأصيبوا بصدمة نفسية، وسيعيشون للأبد مع تأثيرها على صحتهم العقلية.ولفتت الى "أن التقديرات تشير لدفن آلاف الأطفال تحت الأنقاض، ما يرفع العدد الإجمالي للضحايا بشكل كبير، عدا عن الأطفال الذين فقدوا أطرافهم، وأهلهم، وأصدقائهم"، وأكدت آن سكيلتون"بضرورة تقديم الدعم النفسي والاجتماعي الكبيرين للأطفال والأسر، للتخفيف من آثار الحرب المؤلمة وطويلة الأمد". وفي ذات السياق أكدت بانه "يفقد أكثر من 10 أطفال في المتوسط إحدى ساقيهم، أو كلتيهما يوميًا في غزة منذ بداية الحرب، وفق منظمة إنقاذ الطفولة، كما تشير تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" إلى أن ما لا يقل عن 17,000 طفل أصبحوا منفصلين عن والديهم، وأصبح كل الأطفال البالغ عددهم 1.2 مليون بحاجة إلى المساعدة للصحة النفسية، والدعم النفسي، والاجتماعي، وللاهتمام والعمل من جانب المجتمع الدولي".وأعربت رئيسة لجنة حقوق الأطفال، عن قلقها البالغ إزاء حالة الأطفال الذين يعيشون في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، والذين يواجهون الاعتقالات التعسفية، وأعمال القتل والعنف التي ترتكبها قوات الاحتلال.
وتطرقت الى حكم محكمة العدل الدولية في 26 يناير/ كانون الثاني من عام 2024، في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا حول ارتكاب اسرائيل إبادة جماعية في غزة، والذي أمرت المحكمة إسرائيل بـ"اتخاذ كافة الإجراءات لمنع ارتكاب كافة الجرائم والأفعال التي تدخل في نطاق المادة الثانية من الاتفاقية"، بما في ذلك قتل أعضاء المجموعة، ومنع ومعاقبة التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الجرائم الإبادة الجماعية، والتمكين من تقديم المساعدة الإنسانية".ودعت رئيسة اللجنة، إسرائيل إلى الامتثال الفوري لقرار المحكمة، ودعوة جميع الدول لاتخاذ الاجراءات اللازمة لإنهاء هذه الحرب.
فيما وأكدت الأمم المتحدة بأنه يعاني طفل واحد من بين كل عشرة أطفال في غزة دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد، بسبب العدوان الإسرائيلي، وهذا وفقاً لبيانات أولية من الأمم المتحدة من خلال قياسات الذراع التي تظهر مستويات الهزال لدى الأطفال.ووفقا لمذكرة صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أظهرت قياسات محيط أذرع آلاف الأطفال الصغار والرضع أن 9.6 بالمئة منهم يعانون من سوء التغذية الحاد، وهو ما يمثل ارتفاعا بنحو 12 مثلا عن مستويات ما قبل العدوان.وفي شمال غزة، بلغ المعدل 16.2 بالمئة أو واحدا من كل ستة أطفال.وأكدت مؤسسة أكشن إيد الخيرية إن بعض الناس يلجئون إلى أكل العشب. وأضافت أن "الجميع في غزة يعانون الآن من الجوع ولا يحصل الناس إلا على لتر ونصف أو لترين من المياه غير الصالحة للشرب يوميا لتلبية جميع احتياجاتهم".
وفي نفس السياق، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف"، إن تقديراتها تشير إلى أن 17 ألف طفل على الأقل في قطاع غزة، باتوا غير مصحوبين، أو انفصلوا عن عائلاتهم، منذ بدء العدوان الإسرائيلي.وقال المتحدث باسم المنظمة في الأراضي الفلسطينية جوناثان كريكس، خلال مؤتمر في صحفي في جنيف، إن هذا الرقم يمثل 1% من إجمالي عدد النازحين البالغ 1,7 مليون شخص.وتحدث عن صعوبة تحديد هوية الأطفال، بسبب نقلهم في بعض الأحيان إلى المستشفيات إما مصابين أو في حالة صدمة و"ببساطة لا يمكنهم حتى قول أسمائهم".وأكد كريكس أنه في حالات النزاعات، يقوم الأقارب برعاية الأطفال الذين يجدون أنفسهم دون ذويهم، إلا أن "السكان في غزة حاليا يفتقرون إلى المواد الغذائية والمياه والمأوى وتواجه هذه العائلات صعوبة في تلبية حاجاتها أطفالها وأفرادها".وتشير "اليونيسيف" إلى أن "كل أطفال غزة تقريبا البالغ عددهم مليونا يحتاجون إلى مساعدة على صعيد الصحة النفسية، في مقابل نصف مليون قبل بدء الحرب الأخيرة في السابع من تشرين الأول/اكتوبر".وأوضحكريكس أن الأطفال "تظهر عليهم أعراض مثل مستويات عالية من القلق المستمر، وفقدان الشهية، ولا يستطيعون النوم، ويعانون من نوبات انفعالية أو ذعر في كل مرة يسمعون فيها قصفا".ودعا إلى وقف لإطلاق النار، لتتمكن "يونيسيف" من إجراء إحصاء مناسب للأطفال غير المصحوبين أو المنفصلين عن ذويهم، وتحديد أقاربهم، وتقديم الدعم في مجال الصحة النفسية. كماوأكدبأنه يشعر بالغضب لأن الأطفال الذين يتعافون من عمليات بتر في مستشفيات غزة يُقتلون فيها.
وأكدت اليونيسيف في بيان لها بأنه لا يحصل الأطفال في قطاع غزة على 90 في المائة من استهلاكهم الطبيعي للمياه، كما لا يحصل الأطفال النازحون في جنوب قطاع غزة إلا على 1.5 إلى 2 لتر من الماء يومياً، وهو أقل بكثير من المتطلبات الموصى بها للبقاء على قيد الحياة، وفقاً لتقديرات اليونيسف، ووفقاً لمعاييرالإغاثة الإنسانية، يبلغ الحد الأدنى لكمية المياه اللازمة في حالات الطوارئ 15 لتراً، بما في ذلك مياه الشرب والغسيل والطهي. الحد الأدنى المقدر للبقاء على قيد الحياة فقط هو 3 لتر في اليوم.
ويكون تأثير ذلك على الأطفال مأساوياً بشكل خاص لأن الأطفال هم أيضاً أكثر عرضة للجفاف والإسهال والأمراض وسوء التغذية، وكلها يمكن أن تتفاقم لتشكل تهديدا لبقائهم على قيدالحياة. وتزداد المخاوف بشأن الأمراض المنقولة بالمياه مثل الكوليرا والإسهال المزمن بشكل خاص نظراً لنقص المياه الصالحة للشرب، خاصة بعد هطول الأمطار، وقد سجل المسؤولون بالفعل حوالي 20 ضعف المتوسط الشهري لحالات الإسهال المبلغ عنها بين الأطفال دون سن الخامسة، بالإضافة إلى زيادات في حالات الإصابة بالجرب والقمل وجدري الماء والطفح الجلدي وأكثر من 160 ألف حالة من التهابات الجهاز التنفسي الحادة. وتؤكد اليونيسيف بان الحصول على كميات كافية من المياه النظيفة هو مسألة حياة أو موت، والأطفال في غزة بالكاد لديهم قطرة واحدة للشرب،" وأكدت كاثرين راسل، المديرة التنفيذية لليونيسف بأنه "يضطر الأطفال وأسرهم إلى استخدام المياه من مصادر غير آمنة شديدة الملوحة أو التلوث. بدون مياه صالحة للشرب، سيموت عدد أكبر من الأطفال بسبب الحرمان والمرض في الأيام المقبلة".
فيما وشددت اليونيسيف في العديد من البيانات والمؤتمرات الصحفية على أن الأطفال في قطاع غزة يواجهون تهديداً ثلاثياً مميتاً، مع ارتفاع حالات الإصابة بالأمراض، وانخفاض التغذية، ومواصلة الحرب دون توقف. فقد قضى آلاف الأطفال بالفعل بسبب العنف، في حين تستمر الظروف المعيشية للأطفال في التدهور السريع، مع تزايد حالات الإسهال وارتفاع الفقر الغذائي بين الأطفال، مما يزيد من خطر تصاعد وفيات الأطفال. وأكدت اليونيسيف بإن الأطفال في غزة عالقون في كابوس يزداد سوءاً مع مرور كل يوم، وقالت كاثرين راسل، المديرة التنفيذية لليونيسف. "لا يزال الأطفال والعائلات في قطاع غزة يتعرضون للقتل والصابة في القتال، كما أن حياتهم معرضة للخطر المتزايد بسبب الأمراض التي يمكن الوقاية منها ونقص الغذاء والماء. يجب حماية جميع الأطفال والمدنيين من العنف وتمكينهم من الوصول إلى الخدمات والإمدادات الأساسية".
فيما ارتفعت حالات الإسهال لدى الأطفال دون سن الخامسة من 48 ألفاً إلى 71 ألفاً خلال أسبوع واحد فقط بدءاً من 17 ديسمبر/كانون الأول عام 2023، أي ما يعادل 3,200 حالة إسهال جديدة يومياً.وتعتبر الزيادة الكبيرة في الحالات في مثل هذا الإطار الزمني القصير مؤشرا قويا على أن صحة الأطفال في قطاع غزة تتدهور بسرعة. قبل تصاعد الأعمال القتالية، تم تسجيل ما متوسطه 2,000 حالة إسهال شهرياً بين الأطفال دون سن الخامسة. ويمثل هذا الصعود الأخير زيادة صادمة تبلغ حوالي 2000 في المائة.
وقد وجدت اليونيسف أن عدداً متزايداً من الأطفال لا يحصلون على احتياجاتهم الغذائية الأساسية، حيث يستهلك حوالي 90 في المائة من الأطفال دون سن الثانية مجموعتين غذائيتين أو أقل، وفقاً لمسح أجرته اليونيسف في 26 ديسمبر/كانون الأول، وهذا ارتفاع من نسبة 80 في المائة من الأطفال مقارنة بالمسح نفسه الذي أجري قبل أسبوعين. وقالت معظم الأسر إن أطفالها يحصلون فقط على الحبوب - بما في ذلك الخبز - أو الحليب، وهو ما يلبي تعريف "الفقر الغذائي الشديد". كما أن التنوع الغذائي للنساء الحوامل والمرضعات معرض للخطر بشدة: 25 في المائة استهلكن نوعاً واحداً فقط من الطعام في اليوم السابق للمسح، وحوالي 65 في المائة استهلكن نوعين فقط. ويثير الوضع المتدهور مخاوف بشأن سوء التغذية الحاد والوفيات بشكل يتجاوز عتبات المجاعة. وتشعر اليونيسف بالقلق بشكل خاص بشأن تغذية أكثر من 155 ألف امرأة حامل وأم مرضعة، فضلاً عن أكثر من 135 ألف طفل دون سن الثانية، نظراً لاحتياجاتهم الغذائية الخاصة وضعفهم. فعندما يُترك سوء التغذية والأمراض دون علاج، فإنهما يخلقان حلقة مميتة بكل تأكيد.
وفي سياق آخر، حذر مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس" من التبعات والمخاطر النفسية المستقبلية على الأطفال في قطاع غزة، نتيجة العدوان الإسرائيلي عليها، وأوضح المركز أن العدوان ينعكس على الأطفال بآثار وصدمات نفسية جسيمة على صحتهم النفسية والإدراكية والسلوكية والاجتماعية، سواء أكان ذلك في الوقت الحالي أم على المديين المتوسط أو البعيد. وأشار إلى أن تلك الصدمات والآثار النفسية على الأطفال تتمثل في عدد من الأعراض أهمها: التوتر والقلق الشديدان، والخوف من الموت أو الإصابة أو فقدان أفراد العائلة، ومشاكل في النوم والكوابيس والأحلام المزعجة والمخيفة، بسبب الذكريات والمشاهد المؤلمة التي يتعرض لها الأطفال، والتبول اللاإرادي، والحزن الشديد، وحالات الاكتئاب، والغضب الشديد، وسرعة الانفعال، وهذا ناتج عن استخدام الاحتلال للقوة المفرطة، ونتاج القصف العشوائي والإعدامات وما ينتج عنها من مشاهد تبقى عالقة في الأذهان. وحذر المركز من تبعات وآثار الصدمات النفسية على الأطفال في المستقبل، في ظل تدمير المستشفيات والأقسام الخاصة بالصحة النفسية فيها، وتدمير المراكز الطبية والمؤسسات المتخصصة في مجال الصحة النفسية في قطاع غزة، إضافة إلى استهداف الجامعات والمختصين في العلاج النفسي والاجتماعي، وتوقف الجامعات عن التعليم، واستشهاد عدد من المختصين من الأساتذة والمعالجين في مجال الصحة النفسية، ما يفاقم تلك المشكلة أكثر فأكثر، ويجعل كل المصابين بالصدمات النفسية من الأطفال دون علاج، بسبب عدم توفر المؤسسات المختصة وعدم توفر الكادر الطبي أيضاً، إلى جانب عدم توفر الأدوية والمستلزمات الطبية اللازمة، بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
كما وأكدت لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة أن الحرب على قطاع غزةأودت بحياة الكثير من الأطفال بوحشية غير مسبوقة.وبيّنت اللجنة في بيان أصدرته في ذكرى يوم الطفل العالمي، بأن اللجنة أن الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتمدت إعلان حقوق الطفل عام 1959 واتفاقية حقوق الطفل في 20 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1989، "لكن أصبح اليوم هو يوم حداد للأطفال، إذ مات العديد من الأطفال مؤخراً في النزاعات المسلحة، وقُتل أكثر من 4600 طفل في غزة خلال 5 أسابيع فقط، وشهدت هذه الحرب مقتل المزيد من الأطفال في فترة زمنية أقصر وبوحشية لم نشهدها في السنوات الأخيرة".
وفي سياق متصل، قد أصبح تعليم الاطفال مهمة شبه مستحيلة في قطاع غزة، حيث كان التعليم في غزة ضحية رئيسية للعدوان الإسرائيلي، حيث دمرت قوات الاحتلال 111 مدرسة حكومية بشكل كامل، و241 مدرسة حكومية تعرضت لأضرار بالغة، إضافة إلى تعرض 89 مدرسة تابعة للأونروا إلى قصف وتخريب، ولذلك حرم 700 ألف طالب/ة من حقهم الأساسي في التعليم للعام الدراسي 2024/2025، كما حُرم حوالي 39 ألف طالب/ة من حقهم في تقديم امتحان شهادة الثانوية العامة للعام الدراسي 2023/2024. لم يقتصر الدمار على المباني، بل طال الأرواح: فقد ارتقى 12,441 طالباً/ة و519 معلماً/ة شهداء تحت القصف، بينما أصيب 19,819 طالباً/ة و2,703 معلماً/ة بجروحٍ متفاوتة الخطورة. ولا توجد حتى الآن معلومات دقيقة حول عدد طلبة المدارس والكوادر التعليمية الذين تم اعتقالهم من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال العمليات البرية في مختلف مناطق قطاع غزة. فقد تسبب العدوان في انقطاع الدراسة النظامية لمدة عامين دراسيين متتاليين، حيث توقفت الدراسة لمدة 300 يوم دراسي حتى تاريخ 28/01/2025. وعلى الرغم من اعتماد وزارة التربية والتعليم لمسارات تعليمية بديلة مثل التعليم الإلكتروني المتزامن وغير المتزامن والمدارس المؤقتة، تشير بيانات وزارة التربية والتعليم العالي إلى أن أكثر من 298 ألف طالب وطالبة في قطاع غزة ملتحقون بالمدارس الافتراضية. إلا أن العديد من هؤلاء الطلاب لم يتمكنوا من تلقي تعليمهم بشكل فعّال طوال هذه الفترة، بسبب عدم وجود مناطق آمنة، إضافة إلى انقطاع الكهرباء والإنترنت، وقلة توفر الأجهزة اللازمة، ما يُنذر بفجوة تعليمية تهدد مستقبل جيل بأكمله. في الضفة الغربية، لم تكن الأوضاع أفضل، حيث سجل استشهاد 90 طالباً/ة وإصابة 555 آخرين، بالإضافة إلى اعتقال 301 طالباً/ة و163 كادراً تعليمياً، في سياسة ممنهجة لتفكيك البنية التعليمية
ومما لا شك فيه، يُعتبر المساس بالأطفال وتعريضهم للخطر من الأمور التي تتنافى كلياً مع كل القوانين والأعراف الدولية، وهي جرائم حرب مكتملة الأركان، وخروقات وانتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني بِرُمته ولا سيما اتفاقية جنيف الرابعة (1949)، والبروتوكولين الأول والثاني لاتفاقيات جنيف (1977)، واتفاقية لاهاي (1954)، وإعلان حقوق الطفل عام (1959)، واتفاقية حقوق الطفل عام (1989)
فالقانون الدولي الإنساني والمعاهدات المناسبة المتعلقة بحقوق الطفل تمنح حماية خاصة للأطفال الذين يواجهون جملة من المخاطر في ظل وجود النزاعات المسلحة، ويحظى هؤلاء بالحماية العامة التي يتمتع بها المدنيون غير المقاتلين، إلا أن احتياجاتهم الخاصة للمساعدة الطبية والغذاء والمأوى والملبس معترف بها في اتفاقيات جنيف وبروتوكوليهما لعام 1977.ويجب التعرف على الأطفال الذين تيتّموا أو انفصلوا عن عائلاتهم وحمايتهم بالإضافة إلى توفير المرافق الخاصة التي تضمن سلامتهم البدنية. كما يجب تلبية احتياجاتهم في مجال التعليم. ومن الضروري في الوقت ذاته، اتخاذكل التدابير الملائمة لتسهيل لمّ شملهم مع عائلاتهم في ظل حالات النزوح. فيجب معاملة الأطفال المحتجزين بسبب نزاعات مسلحة معاملة إنسانية، وينبغي عدم تفرقتهم عن أفراد أسرتهم.
ويهدف القانون الدولي الإنساني بِرُمته إلى الحد من أثر الحرب على الأطفال. ومن المؤسف أن تكون طبيعة نزاعات اليوم نفسها تعني ضرورة بذل المزيد من الجهود الحثيثة في الميدان من أجل إنقاذ الأطفال من براثن الحرب ومساعدتهم على بدء حياة جديدة بعد انتهاء النزاع.
وبشكل فظ وعلني تضرب إسرائيل بكل القرارات الدولية بعرض الحائط، وتخرق القانون الدولي دون أن يرف لها رمش، وتنتهك القرارات والمواثيق الدولية والأممية بكل عنجهية وغطرسة وفجاجة. ولعل ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة تجاه الأطفال من قتل وقصف وحرمان من كل مقومات الحياة والترويع والتنكيل بهمبصورة فظيعة، هي أفعال تعتبر بمثابة حقائق دامغة ووصمة عار تُعبر عن مدى ديمومة إسرائيلفي التنكر لكل القوانين والاحكام والقرارات الدولية بكل عنجهية احتلالية ممكنة وغطرسة، وهذه حقيقة ماثلة لمن يريد أن يرى.