الجوع إبان العدوان الإسرائيلي على غزة 2023-2025

في خضم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تتوالى من كل حدب وصوب الفصول الدامية التي يكتنفها كل أنواع الفتك والدمار، لتشمل كافة قطاعات الحياة دون استثناء، فهنالك جريمة إبادة يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة ليُحدث بذلك كارثة إنسانية متكاملة الأركان بحق المواطنين هناك، ومن دون رادع يستمر العدوان الإسرائيلي على غزة بصورة مهولة سريعة الفتك وشديدة الترويع، متضمناً أبشع الجرائم والانتهاكات بكافة الأسلحة جواً وبراً وبحراً، وقد تضمن هذه العدوان قطع امدادات الماء والغذاء على غزة، ليُحدث الاحتلال بذلك كارثة تتمثل في خطر المجاعة بحق المواطنين هناك، فمن لم يُقتل منهم بفعل القصف والمجازر الإسرائيلية، سيعاني من أزمة مهولة تتمثل في خطر الموت جوعاً وعطشاً، فالناس هناك باتوا يطحنون أعلاف الحيوانات ليصنعوا منها الخبز لسد رمق جوعهم، ففي غزة أصبح الجوع يُرسم ملامح الموت على وجوه ساكنيها، وملامح الوجع والألم والقهر والجوع تطفو فوق كل شيء، فأهوال ما يحدث يفوق الخيال، فمهما يتم ذكره من شهادات تشير على واقع السكان هناك وظروف معيشتهم هي نقطة في بحر الإرهاب والغطرسة الاحتلالية الحاصلة، فلا يمكن الإحاطة بكل تلك التفاصيل المرعبة، والجروح الموجعة في متوالية الدم النازف كل يومٍ وساعةٍ ودقيقةٍ من دون انقطاع، وندوبها المحفورة في أعماق الروح بتباريح الألم، والوجع المقيم من فداحة الإبادة المتوالية بلا هوادة وفظاعتها، بعد أن قطعت كل أسباب الحياة عن أبناء شعبنا، أطفالاً ونساءً وشيباً وشباناً.

ففي السابع من شهر تشرين الأول عام 2023 عند بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أعلنت إسرائيل قطع الإمدادات الأساسية من كهرباء وماء ووقود ومواد غذائية عن غزة، وأعلن وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي يوآف غالانت الإجراءات العقابية قائلاً: "لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود، كل شيء مغلق"، مضيفاً بكل همجية ممكنة: "نحن نحارب حيوانات بشرية ونتصرف وفقاً لذلك". وأمر وزير البنية التحتية الإسرائيلي بالقطع الفوري لإمدادات المياه عن قطاع غزة الذي يبلغ عدد سكانه حوالي 2.2 مليون نسمة.

وردت الأمم المتحدة على القرار الإسرائيلي مؤكدة أن الحصار الكامل "محظور" بموجب القانون الدولي الإنساني، ويرقى العقاب الجماعي للسكان المدنيين، إلى جريمة حرب بموجب القانون الدولي".

وقال مفوّض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان "فولكر تورك" في بيان: "إن فرض حصار يعرّض حياة المدنيين للخطر من خلال حرمانهم من السلع الأساسية للبقاء على قيد الحياة محظور بموجب القانون الدولي الإنساني". وأكد بأن القانون الإنساني الدولي واضح بهذا الشأن حيث تشير النصوص إلى: "وجوب الالتزام بالعناية المستمرة لتجنب إيقاع خسائر في أرواح السكان المدنيين".

كما وانتقدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تصريحات وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي حول فرض الحصار المطبق على غزة، واصفةً إياها بأنها "مروعة مقززة" وقالت إنها تمثل "دعوة لارتكاب جرائم حرب". كما وأكدت المنظمة أن إسرائيل تستخدم تجويع المدنيين كسلاح في قطاع غزة ما يشكل جريمة حرب، وطالبت الحكومة الإسرائيلية بالتوقف عن ذلك ورفع حصارها على غزة.

وأكد مسؤولو الأمم المتحدة في بيان صحفي صدر بتاريخ 1/3/2024 التحذير من الخطر الوشيك بحدوث مجاعة في غزة. وقال كريستيان ليندماير المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية إن البيانات الرسمية تفيد بأن طفلا عاشرا- مسجلا بأحد المستشفيات- مات تضورا من الجوع. وفي مؤتمر صحفي تعقده وكالات الأمم المتحدة في جنيف قال ليندماير إن العدد الحقيقي للأطفال الذين ماتوا جوعا ربما يكون أعلى من ذلك.

وفي ذات السياق، أكدت هيئة الأمم المتحدة في بيانٍ لها صدر بتاريخ 21/12/2023، بأن حوالي 2.2 مليون شخص في قطاع غزة يعانون من أزمة أو مستويات أسوأ من الانعدام الحاد للأمن الغذائي. وأظهر التقرير ان السكان هناك يواجهون جوعا كارثياً (المرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل) والجوع الحاد. وقال التقرير إن هناك خطرا لحدوث المجاعة في غزة خلال الأيام المقبلة إذا استمر الصراع العنيف وتقييد وصول المساعدات الإنسانية. ويتضمن هذا التحليل الأخير للأمن الغذائي في غزة، بيانات من برنامج الأغذية العالمي ووكالات الأمم المتحدة الأخرى والمنظمات غير الحكومية.

ووفقاً للأمم المتحدة تُعرف المجاعة بأنها الجوع الذي تواجه فيه "ما لا يقل عن 20% من الأسر نقصاً شديدا في الغذاء، ويعاني 30% من الأطفال على الأقل من سوء التغذية الحاد، وتحدث في ظله أكثر من حالتي وفاة يوميا من بين كل 10 آلاف شخص بسبب الجوع الشديد أو نتيجة لسوء التغذية والمرض معا".

وقالت سيندي ماكين المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي إن البرنامج حذر على مدى أسابيع من وقوع هذه الكارثة. وأضافت أن الوضع أصبح يائساً بدون ضمان الوصول الإنساني الآمن والمستمر الذي طالبت به الوكالات الأممية. وأكدت أن الجميع في غزة ليسوا في مأمن من الجوع الحاد. ومن التقييمات السابقة، أفاد خبراء الأمن الغذائي في برنامج الأغذية العالمي بأن سكان غزة قد استنفدوا جميع مواردهم فيما انهارت سبل عيشهم، ودُمرت المخابز، وأصبحت المتاجر فارغة، ولا تستطيع الأسر العثور على الطعام، وأخبر أناس في غزة موظفي برنامج الأغذية العالمي أنهم غالبا ما يمضون أياماً كاملة دون تناول الطعام، وأن العديد من البالغين يعانون من الجوع حتى يتمكن الأطفال من تناول الطعام. وقال عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي: "هذه ليست مجرد أرقام - هناك أطفال ونساء ورجال وراء هذه الإحصائيات المثيرة للقلق. إن تعقيد وحجم وسرعة هذه الأزمة، هي أمور لم يسبق له مثيل". وشدد برنامج الأغذية العالمي على ضرورة توفير مزيد من المواد الغذائية الطارئة والمساعدات متعددة القطاعات لمنع انتشار الوفيات على نطاق واسع. وأكدت المديرة التنفيذية للبرنامج "لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي ونشاهد الناس يتضورون جوعاً. هناك حاجة إلى ضمان الوصول الإنساني كي تتدفق الإمدادات إلى غزة وفي جميع أنحائها، وكي يتمكن المدنيون من الحصول على المساعدات المنقذة للحياة بأمان".

وفي نفس السياق، أكدت منظمة الصحة العالمية في بيانٍ لها صدر بتاريخ 21/12/2023، بأن هنالك مزيج قاتل من الجوع والمرض يؤدي إلى مزيد من الوفيات في غزة. فالجوع يجتاح غزة، ويتوقع أن يؤدي ذلك إلى زيادة المرض في القطاع، وبوجه أكثر حدة في أوساط الأطفال والحوامل والمرضعات وكبار السن. وفي تقديرات جديدة، قالت الشراكة العالمية للتصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي، التي تضم منظمة الصحة العالمية، إن غزة تواجه "مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي"، بالتزامن مع خطر المجاعة "المتزايد كل يوم". ويواجه كل سكان غزة مستويات غير مسبوقة من الجوع، في ظل النقص في الغذاء وارتفاع مستويات سوء التغذية. وتواجه أسرة واحدة على الأقل من كل 4 أسر "ظروفاً كارثية": إذ تعاني من نقص شديد في الغذاء والجوع وقد اضطرت إلى بيع ممتلكاتها وتدابير أخرى متطرفة للحصول على وجبة بسيطة. ومظاهر الجوع والعوز والموت ماثلة للعيان. وقال موظفو منظمة الصحة العالمية إن كل شخص تحدثوا إليه أثناء بعثاتهم الأخيرة إلى شمال غزة كان يشعر بالجوع. وأينما حلوا، بما في ذلك المستشفيات وأجنحة الطوارئ، كان الناس يطلبون الطعام منهم. وقال هؤلاء الموظفون أيضا: "كنا نتحرك في جميع أنحاء غزة لإيصال الإمدادات الطبية وكان الناس يهرعون إلى شاحناتنا أملاً في تكون حمولتها طعاما"، واصفين ذلك بأنه "مؤشر على اليأس".

كما وأكدت المنظمة بأن غزة صارت بمثابة بيئة خصبة لانتشار الأمراض المعدية، حيث تشهد غزة بالفعل ارتفاعاً في معدلات الأمراض المعدية. وفي حين أن الجسم السليم قادر على التصدي لهذه الأمراض بسهولة أكبر، فإن الجسم الهزيل والواهن سيجد صعوبة في مقاومتها. والجوع يضعف دفاعات الجسم ويفتح الباب أمام الإصابة بالمرض. ويزيد سوء التغذية من خطر وفاة الأطفال بسبب أمراض مثل الإسهال والالتهاب الرئوي والحصبة، ولا سيما في بيئة تفتقر إلى الخدمات الصحية المنقذة للأرواح. وحتى لو نجا الطفل من الهزال، فإن آثاره قد تلازمه مدى الحياة لأن الهزال يعيق النمو ويضعف النمو المعرفي. كما أن الأمهات المرضعات معرضات بشدة لخطر سوء التغذية. وحليب الأم هو الغذاء الأفضل والأكثر مأمونية الذي يمكن أن يحصل عليه الطفل منذ الولادة وحتى الشهر السادس من عمره. ويحمي حليب الأم الطفل من نقص التغذية والإصابة بأمراض فتاكة مثل الإسهال، خاصة عندما يكون الوصول إلى مياه الشرب المأمونة محدودا للغاية. ويمكن لمشاكل الصحة النفسية، التي تتزايد في أوساط السكان في غزة، بمن فيهم النساء، أن تؤثر بصورة أكبر على معدلات الرضاعة الطبيعية.

كما وأكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" من أن خطر الموت من الجوع أصبح "حقيقياً" في غزة. وأوضحت المنظمة أن الأطفال والأسر يواجهون العنف والحرمان، داعية إلى تأمين وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع بشكل سريع وآمن دون عوائق. وفي تصريح مقتضب صادر عن المديرة التنفيذية "لليونيسف" كاثرين راسل بتاريخ 2/3/2024 أكدت بأن "طفل واحد من كل 6 أطفال تحت سن الثانية في شمال غزة يعاني من سوء التغذية الحاد".

وفي السياق ذاته، أكد الاتحاد الأوروبي في بيانٍ له نشر بتاريخ 22/12/2023، أن مؤشر الأمن الغذائي في غزة يشير الى نسبة 100% من السكان هناك هم يعانون من الجوع، معبراً الاتحاد عن صدمته من هذه النتائج. كما قال الاتحاد في بيان لمسؤول السياسية الخارجية جوزيب بوريل ومفوض إدارة الأزمات يانيز لينارتشيتش أن نتائج تقرير التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي في غزة، غير مسبوقة ولم تسجل بأي مكان بالعالم. وتابع في بيان قائلاً إن نتائج تقرير مؤشر الأمن الغذائي في غزة تطور خطير ينبغي أن ينبه العالم بأسره لضرورة العمل على منع كارثة إنسانية مميتة. ولفت التقرير إلى أن سكان قطاع غزة يواجهون أيضاً خطر المجاعة على نحو ينذر "بكارثة".

كما وأعربت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو" في بيانٍ لها صدر بتاريخ 21/12/2023 عن قلقها العميق إزاء تدهور حالة الأمن الغذائي في قطاع غزة حيث يواجه جميع السكان البالغ عددهم حوالي 2.2 مليون نسمة الآن جوعًا حادًا وفقًا لما أفادت به التقارير. وتشير التقارير إلى أنّ خطر المجاعة يزداد يومًا بعد يوم في ظل الأعمال العدائية وتقييد وصول المساعدات الإنسانية، الأمر الذي يؤثر في إمكانية حصول نسبة كبيرة من السكان في قطاع غزة على الأغذية والخدمات الأساسية والمساعدات المنقذة للأرواح ويحدّ من هذه الإمكانية. ويعدّ التركز الشديد للأشخاص في الملاجئ غير الملائمة أو في المناطق التي تفتقر إلى الخدمات الأساسية أو عزلهم فيها من العوامل الرئيسية التي تسهم في خطر حدوث مجاعة.

وبالرغم من كل النداءات والبيانات والتقارير والتحذيرات من خطر وقوع المجاعة وضرورة ادخال القوافل الإنسانية الى قطاع غزة، تضرب إسرائيل بعرض الحائط كل ما سبق، لتقوم بكل غطرسة ممكنة بمواصلة الحصار الحديدي على قطاع غزة، وتقييد دخول الطعام والامدادات الأساسية الإنسانية اليه، ولم تتوقف عند ذلك الحد؛ بل قامت بتاريخ 29/2/2024 بارتكاب مجزرة شنيعة تتمثل بإطلاق قوات الاحتلال الإسرائيلي النار على الفلسطينيين الذين ينتظرون بعض المساعدات الإنسانية، حيث قامت قوات الاحتلال ودباباته المتمركزة في الطريق الساحلي "هارون الرشيد" في منطقة الشيخ عجلين غرب مدينة غزة، بفتح نيران رشاشاتها، باتجاه آلاف المواطنين من شمال قطاع غزة وتحديداً من مدينة غزة وجباليا وبيت حانون، الذين كانوا ينتظرون وصول شاحنات محملة بالمساعدات الإنسانية، ما أدى إلى استشهاد وإصابة المئات.

وفي هذا السياق، استنكر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، استشهاد أكثر من 100 مواطن فلسطيني خلال عملية تسليم مساعدات إغاثية في شمال غزة، في إشارة إلى المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في "شارع الرشيد" بمدينة غزة. وقال المتحدث باسمه ستيفان دوجاريك إن الواقعة جرت في "ظروف مروعة". وأشار دوجاريك إلى أن "المدنيين اليائسين في غزة بحاجة إلى مساعدة عاجلة، بما في ذلك المحاصرون في الشمال حيث لم تتمكن الأمم المتحدة من تقديم المساعدات لأكثر من أسبوع".

فيما أعلن منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، أنّ "الحياة في غزة تلفظ أنفاسها الأخيرة بسرعة تبعث على الرعب"، معلّقاً على المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في "شارع الرشيد" بمدينة غزة، بحق المواطنين الذين كانوا ينتظرون وصول شاحنات المساعدات، ما أدى إلى استشهاد وإصابة المئات. وأكد غريفيث أنه غاضب من التقارير التي تفيد بمقتل وإصابة مئات الأشخاص خلال عملية تسليم مساعدات إنسانية في غرب مدينة غزة اليوم".

واستنكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيانٍ صدر عنها ما جرى من مجزرة وجاء في البيان: "دفع اليأس آلاف المدنيين إلى التجمهر حول قافلة غذائية، وفي أعمال العنف التي تلت ذلك - بما في ذلك من قبل القوات الإسرائيلية - قُتل أكثر من مائة وأصيب مئات آخرون. كان هؤلاء الناس جياعاً وخسروا أرواحهم وهم يحاولون إطعام أسرهم. وهذا تذكير صارخ بالسبب وراء ضرورة دخول كميات كبيرة من المساعدات فوراً إلى غزة، وخاصة الشمال، والتمكن من إيصالها بأمان إلى المحتاجين إليها.

كما وندد منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بالمجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في "شارع الرشيد" بمدينة غزة، بحق المواطنين الذين كانوا ينتظرون وصول شاحنات المساعدات، ما أدى إلى استشهاد وإصابة المئات. وقال بوريل "انه يشعر بالهلع من التقارير عن مذبحة أخرى بين المدنيين في غزة الذين هم في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية"، مضيفاً أن سقوط هذا العدد من الشهداء في المجزرة "غير مقبول على الإطلاق". وتابع بوريل أن "حرمان الناس من المساعدات الإنسانية يشكل انتهاكاً خطيراً" للقانون الإنساني الدولي، مضيفاً "يجب السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى غزة دون عوائق".

فيما قال المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك: "يبدو أنه لا توجد حدود للأهوال التي تتكشف أمام أعيننا في غزة، كما لا توجد كلمات لوصفها"، مضيفًا أنه منذ أوائل تشرين الأول/أكتوبر، استشهد أو جرح أكثر من 100 ألف شخص، وأن "واحد من كل 20 طفلاً وإمرأة ورجلاً، قد قتل أو جرح".

وفي السياق ذاته، استنكر مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في بيان صدر عنه بتاريخ 1/3/2024، مقتل ما لا يقل عن 112 فلسطينياً أثناء توزيع المعونة الغذائية في مدينة غزة. وجاء في البيان ما يلي: "يشجب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة بشدة مقتل ما لا يقل عن 112 فلسطينيا وإصابة 760 آخرين برصاص القوات الإسرائيلية وكذلك بسبب الدوس وسحق حركة المركبات أثناء توزيع المعونة الغذائية في مدينة غزة، حسبما أفادت التقارير. إن إطلاق النار من قبل القوات الإسرائيلية، وقتل وإصابة الأشخاص الذين ينتظرون المساعدات، يثير مخاوف جدية بشأن انتهاكات القانون الدولي، بما في ذلك القتل العمد، ويجب أن يخضع لتحقيقات فورية ومستقلة ونزيهة وفعالة. منذ منتصف كانون الثاني/يناير إلى نهاية شباط/فبراير 2024، سجل المكتب ما لا يقل عن 14 حدثا مشابها، سبع حوادث شملت إطلاق النار وقصف أناس تجمعوا لتلقي الإمدادات التي تشتد الحاجة إليها في كل من منطقة دوار الكويت على طريق صلاح الدين ودوار النابلسي - وهما مدخلان لمدينة غزة - حيث أسفرت غالبية هذه الحوادث عن وقوع قتلى وإصابات. تحدث عمليات القتل هذه في سياق الانهيار الكامل للنظام العام في غزة الذي حذر منه الأمين العام للأمم المتحدة في ديسمبر 2023. لقد تسببت خيارات إسرائيل لأساليب ووسائل الحرب في كارثة إنسانية. وشملت هذه الخيارات فرض حصار على غزة، وفرض قيود أخرى على المساعدات الإنسانية وتوزيع السلع التجارية، وتدمير واسع النطاق للبنية التحتية المدنية، بما في ذلك الطرق الحيوية للوصول إلى السكان، وفرض قيود على التنقل بين شمال غزة وجنوبها. نتيجة لذلك، أصبح توزيع الأغذية على المدنيين المحتاجين في شمال قطاع غزة شبه مستحيل. يعاني جميع السكان من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويعاني حوالي 25 في المائة منهم بالفعل من الجوع. بحلول 29 شباط/فبراير، أفادت التقارير بأن ما لا يقل عن تسعة أطفال قد لقوا حتفهم بسبب الجوع وسوء التغذية بسبب نقص الغذاء في شمال غزة.

ومما لا شك فيه، يُعتبر المساس بالمواطنين المدنيين العزل وحرمانهم من الطعام والشراب ومقومات الحياة الأساسية وتعريضهم للخطر من الأمور التي تتنافى كلياً مع كل القوانين والأعراف الدولية والإنسانية، وهي جرائم حرب مكتملة الأركان، وخروقات وانتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني بِرُمته ولا سيما اتفاقية جنيف الرابعة (1949)، والبروتوكولين الأول والثاني لاتفاقيات جنيف (1977).

وأكدت منظمة هيومان رايتس ووتش "بأن حرمان السكان في أراضٍ محتلة من الغذاء والكهرباء يشكل عقاباً جماعياً وهو جريمة حرب، مثله مثل استخدام التجويع سلاحاً". وأضافت: "على المحكمة الجنائية الدولية أخذ العلم بهذه الدعوة إلى ارتكاب جريمة حرب". وبحسب المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن المدنيين الصادرة في العام 1949، تحت بند "المسؤولية الفردية والعقوبات الجماعية والنهب والانتقام"، "لا يجوز معاقبة أي شخص محمي على جريمة لم يرتكبها هو شخصياً. وتحظر العقوبات الجماعية، وكذلك جميع تدابير الترهيب والإرهاب. وتُحظر الأعمال الانتقامية ضد الأشخاص المحميين وممتلكاتهم". وقالت الأمم المتحدة إن نحو نصف مليون شخص في غزة نزحوا داخلياً منذ بداية الهجوم الإسرائيلي، معظمهم "بسبب الخوف ومخاوف الحماية وتدمير منازلهم".

وأكد المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك أنه" بموجب المادة الأولى، المشتَرَكة بين اتفاقيات جنيف الأربع، على جميع الدول احترام القانون الدولي الإنساني المنصوص عليه في تلك الاتفاقيات. وعليها كذلك أن تعمل لضمان احترامه بشكل ضروري. تتجلى هذه المسؤولية عندما يكون هناك خطر حقيقي من أن الأسلحة الموردة إلى طرف من أطراف نزاع ما قد تُستخدم في انتهاك القانون الدولي الإنساني. أي تمكين من هذا القبيل لانتهاك القانون الدولي الإنساني يجب أن يتوقف على الفور. هذا هو جوهر العناية الواجبة".

وبشكل فظ وعلني تضرب إسرائيل بكل القرارات الدولية بعرض الحائط، وتخرق القانون الدولي الإنساني دون أن يرف لها رمش، وتنتهك القرارات والمواثيق الدولية والأممية بكل عنجهية وغطرسة وفجاجة. ولعل ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة من حرمان لكل مقومات الحياة من قتل وقصف وقطع للإمدادات الأساسية، هي أفعال تعتبر بمثابة حقائق دامغة ووصمة عار تُعبر عن مدى ديمومة إسرائيل في التنكر لكل القوانين والاحكام والقرارات الدولية بكل عنجهية احتلالية ممكنة وغطرسة، وهذه حقيقة ماثلة لمن يريد أن يرى.