في خضم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تتوالى الويلات من كل الاتجاهات، وتتعدد المآسي بصنوفها المختلفة على قطاع غزة وساكنيه، الذين يتعرضون لجريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، وعلى وقع صوت الإبادة ولكي يظل صوتها خافتاً وأنينها صامتاً كان قطاع الاتصالات من أحد أهم القطاعات المستهدفة في سياق العدوان الإسرائيلي على غزة، في محاولة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي بفصل غزة عن العالم، وارتكاب المجازر دون تغطية أو صدى، وهذا ما حاول الاحتلال القيام به مراراً وتكراراً، إذ استهدف عشرات المرات البنية التحتية المغذية للاتصالات وقصف المنشآت الفنية والمعدات اللوجستية الخاصة بعمل الاتصالات الفلسطينية في غزة، وهذا في ظل حالة إمعان واضح وصريح بأن يتم إخماد وإسكات صوت الإبادة المُرتكبة بحق المواطنين الغزيين الذين تعرضوا لأشد أنواع القتل والدمار.
وفي هذا السياق، ووفقاً لمؤشرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني الصادرة بتاريخ 16/5/2024، تم عزل أكثر من مليوني مواطن بالكامل عن الاتصال أكثر من 10 مرات بشكل كلي، إذ تعرض قطاع الاتصالات في قطاع غزة الى استهداف مباشر وممنهج؛ تعمد فيه الاحتلال الاسرائيلي الى قطع خدمات الاتصالات والانترنت عن القطاع بشكل متكرر ومتصاعد؛ وهو ما فاقم المعاناة وعقّد جهود الانقاذ في القطاع، وعزل السكان وحدّ من قدرتهم على التواصل وطلب الاستغاثة والمساعدة، وأعاق أيضا عمل الصحفيين والمراسلين في الميدان، وتعتبر هذه الأفعال مخالفة للقوانين والحقوق الأساسية المنصوص عليها في الأعراف الدولية ووسيلة لإخفاء جرائم الحرب. حيث تم الإعلان حوالي 10 مرات عن انقطاع خدمات الاتصالات بشكل كامل عن قطاع غزة وبالغالب كان يتزامن مع هذا الانقطاع الكامل تصعيد لجرائم الاحتلال.
وأفادت تقارير المؤسسات الحقوقية، بأنها وثقت تعمّد استهداف الاحتلال للمواطنين الفلسطينيين بمن فيهم صحفيين خلال محاولتهم التقاط بث الاتصالات المتنقلة والانترنت واستخدام الشرائح الالكترونية، وذلك للتواصل مع ذويهم وأقاربهم أو مشغليهم، وذلك من خلال القنص المباشر أو الطائرات المسيرة في مختلف أنحاء قطاع غزة.
كما وتم العمل بشكل ممنهج من قبل الجيش الإسرائيلي على تدمير البنى التحتية لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والبريد. حيث شهد قطاع غزة قبل العدوان نمواً ملحوظا ًفي مستوى الاتصالات ككل حيث بلغ عدد اشتراكات الهاتف النقال عشية العدوان الاسرائيلي1,041,198 اشتراكاً بناء على بيانات وزارة الاتصالات والاقتصاد الرقمي، وبلغت نسبة الأسر في القطاع التي لديها نفاذ للإنترنت 93% وذلك عشية العدوان الإسرائيلي حسب بيانات الجهاز، ولكن تعرضت البنية التحتية المغذية لشركات الاتصالات في قطاع غزة الى الاستهداف المتعمّد والمباشر من قبل الاحتلال الإسرائيلي، حيث تعمل في قطاع غزة خمس شركات رئيسية وهي (شركة الاتصالات الفلسطينية بالتل، شركة الاتصالات الخلوية جوال، شركة أوريدو، شركة مدى العرب، وشركة فيوجن نت). وطال الاستهداف المقاسم الرئيسية والفرعية، تعطيل وتدمير لأبراج التقوية وشبكات الألياف الضوئية بالإضافة الى المسارات والخطوط الناقلة الرئيسية التي تربط قطاع غزة مع بعضه ومع العالم الخارجي. كما يعتبر نفاذ الوقود اللازم لتشغيل المولدات وانقطاع الكهرباء أسباباً إضافية لانقطاع الاتصال عن قطاع غزة.
وأشارت بيانات وزارة الاتصالات والاقتصاد الرقمي الى أنه وقبل العدوان كان هناك 841 برجاَ تابعاً لشركات الاتصالات الخلوية وحتى منتصف نيسان من العام 2024 خرج ما نسبته 75% من هذه الأبراج عن الخدمة. كما وصلت قيمة خسائر البنى التحتية لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والبريد خلال الستة شهور الأولى للعدوان إلى حوالي 223 مليون دولار أمريكي.
هذا وقد تم رصد تراجع حاد بنسبة 91% في القيمة المضافة لنشاط المعلومات والاتصالات في الثلاثة شهور الأولى من العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، حيث أشارت تقديرات الحسابات القومية الربعية للربع الرابع من العام 2023 أي الثلاثة شهور الأولى من العدوان الإسرائيلي والصادرة عن الجهاز الى تأثر نشاط المعلومات والاتصالات في كل فلسطين حيث بلغت القيمة المضافة بالأسعار الثابتة 106 مليون دولار أمريكي في الربع الرابع من العام 2023 مقارنة مع 132 مليون دولار أمريكي في الربع الثالث لنفس العام بانخفاض حوالي 20%، وعلى مستوى الضفة الغربية بلغت القيمة المضافة في الربع الرابع 105 مليون دولار أمريكي مقارنة مع 128 مليون دولار أمريكي في الربع الثالث من العام 2023 بنسبة تراجع بلغت حوالي 18%، أما في قطاع غزة فقد بلغت القيمة المضافة لنشاط المعلومات والاتصالات في الربع الرابع 400 ألف دولار أمريكي مقارنة مع 4.4 مليون دولار أمريكي في الربع الثالث من العام 2023 بنسبة تراجع بلغت 91%.
وعلى وجه العموم، ومنذ بداية الحرب، يتكرر انقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت عن غزة، مما يزيد عزلة القطاع الفلسطيني المحاصر عن بقية العالم، وفي محاولة لمواجهة ذلك، يخاطر الفنيون العاملون بمجال الاتصالات بحياتهم بشكل مستمر، لتصبح مهمتهم واحدة من أكثر الأعمال أهمية وخطورة. ولعل مسألة إلحاق الضرر المتعمد بالمدنيين وبالبنية التحتية المدنية، بما في ذلك منظومات الاتصالات في غزة، يشكّل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي، وتحظر قوانين حقوق الانسان استخدام التكنولوجيا التي تسمح بتعطيل شبكات الاتصال الالكترونية، يعتبر استخدام الانترنت والهاتف جزئًا من الحق في حرية التعبير، كما ان الإضرار بالوصول الى الاتصالات يضر ايضًا بالحق في الصحة والكرامة. وباعتبار إسرائيل طرفًا في القتال فهي مُلزمة بتحمل المسؤولية باعتبارها قوة محتلة، بتوفير حياة طبيعية في غزة (المادة 43 من اتفاقية لاهاي)، وبالتالي يجب عليها ضمان الأداء السليم لشبكات الاتصالات في غزة. وذلك، من بين أمور أخرى، من خلال توفير المواد اللازمة لإصلاح البنى التحتية للاتصالات والإمداد بالوقود لتشغيلها وتنسيق تنفيذ الإصلاحات اللازمة التي تطلبها شركات الاتصالات حتى لا تعرض موظفيها للخطر.