تعتبر القدس بتاريخها القديم وواقعها المعاصر من أهم مراكز التعليم في فلسطين يضمّ أفضل المؤسسات التعليمية. هذه المركزية تماثلت مع الأهمية السياسية، الاقتصادية والخدماتية للمدينة التي شكّلت العاصمة غير المعلنة للشعب الفلسطيني منذ العام 1993. وتعاظمت محاولات سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" لعزل القدس عن محيطها المباشر وباقي الأراضي الفلسطينية، وقد انعكس ذلك على الوضع التعليمي في المدينة فتضاءل عدد الطلاب الذين قدِموا من قرى القدس المحيطة، ومناطق أريحا وبيت لحم ورام الله مع تشديد سياسة الإغلاق والحصار، فبحلول العام 1996 أصبح عدد هؤلاء لا يتجاوز العشرات مقابل الألف قبل سياسة الإغلاق. وبالإضافة إلى الطلاب فإنّ قرابة 60% من المعلّمين في مدارس القدس الخاصة والحكومية (تحت إشراف وزارة التعليم الفلسطينية) هم من غير المقدسيّين وأصبح التحاقهم بصفوفهم مخالفة قانونية تعرّضهم للملاحقة والاعتقال. كما أنّ إقامة الجدار الذي شارف على الانتهاء سيضع المدينة أمام تحدٍّ جديد يهدّد انهيار المسيرة التعليمية.
النقاط التالية توضح أثر الجدار على الواقع التعليمي للقدس
- مع إتمام الجدار في منطقة الرام وضاحية البريد سيُحرَم 2000 طالب و200 معلم من الوصول إلى مدارسهم داخل هذه المنطقة، معظم هؤلاء يأتون من القدس والضواحي المحيطة بالإضافة إلى قرابة 6500 طالب مقدسي يقطنون في مناطق الرام، الضاحية، بيرنبالا وكفر عقب سيعيق الجدار التحاقهم في مدارس داخل القدس.
- منطقة العيزرية وأبو ديس التي يبلغ عدد سكانها قرابة 18 ألف نسمة توجد فيها 4 مدارس فقط غير قادرة على الطلاب الذين استوعبتهم مدارس مدينة القدس حتى اليوم.
- 22% من طلاب المدارس الحكومية التابعة لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية والبالغة 35 مدرسة تضم 11981 طالباً هم من حملة هوية السلطة الوطنية وبافتتاح العام الدراسي الجديد سيُحرَمون من الالتحاق بمدارسهم.
- قرابة 50% من المعلمين في هذه المدارس هم من حملة هوية السلطة الفلسطينيّة (العدد الإجمالي 656 معلماً ومعلمة).
20% من طلاب المدارس الخاصة والبالغ عددها 41 مدرسة تضم 13851 طالباً هم من حملة هوية السلطة الفلسطينيّة وبافتتاح العام الدراسي الجديد سيحرمون من الالتحاق بمدارسهم قرابة 20% من المعلمين في هذه المدارس هم من حملة هوية السلطة الفلسطينيّة العدد الإجمالي 840 معلماً ومعلمة.
-الجدار وصعوبة الوصول إلى المدارس وارتفاع التكلفة لتنقل الطلاب سوف يضاعف من نسبة التسرّب من المدارس حيث لا يستطيع السواد الأعظم من أهالي الطلاب دفع التكليف الباهظة للتنقّل نتيجة وضعهم الاقتصادي الصعب والأعباء التي يفرضها غلاء المعيشة والضرائب المرتفعة المفروضة على المواطنين المقدسيين.
- تنقّل الطلاب وفرض القيود الأمنية يشكّل تهديداً لحياتهم وفي أفضل الأحوال تسبب التأخير والبلبلة نتيجة ساعات الانتظار وإجراءات التفتيش على ما يسمى بالمعابر التي أقامتها "إسرائيل" في محيط القدس.
تأثير الجدار على التعليم العالي والمهني:
بالإضافة إلى المدارس فإنّ 60% من طلاب جامعة القدس الذين كانوا يتلقّون تعليمهم في كليات تقع داخل المدينة (كلية هند الحسيني والحرم الجامعي في بيت حنينا) سيُحرَمون نهائياً من دخول المدينة بعد إتمام الجدار خلال الأسابيع القليلة القادمة.
–إقامة الجدار سوف يحرم الطلبة الجامعيين المقدسيين من الوصول إلى جامعاتهم فقرابة 40% من طلبة جامعة القدس هم من أبناء المدينة وسيزيد الجدار من معاناة تنقّلهم إلى الحرم الجامعي في أبو ديس. عددٌ مساوٍ لهؤلاء يتلقّون تعليمهم العالي في جامعة بيت لحم ونسبة أقلّ من الطلاب الجامعيين المقدسيّين يدرسون في جامعة بيرزيت.
حتى العام 2000 كان باستطاعة طلاب الضفة الغربية الوصول إلى المدرسة الصناعية العربية في قلنديا الواقعة اليوم داخل منطقة "عطاروت" الصناعية. معظم طلاب المدرسة والبالغ عددهم 300 طالب بالإضافة إلى المعلمين هم من حملة هوية السلطة الفلسطينيّة. إغلاق مدخل المدرسة وبدء بناء الجدار أدّى إلى منع وصول الطلاب والمعلمين وتعرّض إدارة المدرسة إلى الملاحقة القانونية نتيجة تشغيلها معلمين من حملة هوية السلطة.
هذه الإجراءات وسعي "إسرائيل" إلى إخراج المدرسة من داخل المستوطنة الصناعية يهدّد وجود هذه المؤسسة العربية ويعرضها للإغلاق، بالإضافة إلى أنّ معظم طلاب ومعلّمي المدارس الصناعية الأخرى (دار الأيتام الإسلامية، والمدرسة اللوثرية الصناعية) هم من مناطق الضفة الغربية وأصبح مجرّد دخولهم للقدس وإقامتهم في الجناح الداخلي جنحة يحاسب عليها القانون "الإسرائيلي" المفروض منذ بدء تنفيذ سياسة الإغلاق العام 1993.
هذا الواقع التعليمي والتردّي الناتج عن قيام "إسرائيل" بإقامتها جدار الضم والتوسع يتطلب من السلطة الفلسطينية التدخل الفوري وذلك على ثلاث مستويات.
1. تلبية الاحتياجات الطارئة للتعليم في القدس والمتمثلة بـ:
- إعادة صيانة وتأهيل المدارس في القدس وتبلغ قيمة الاحتياجات الأكثر إلحاحاً 232,6 ألف دولار. مع العلم أنّ برنامج إعادة تأهيل كامل لمدارس القدس الحكومية التي تديرها السلطة يتطلّب 5 ملايين دولار حدّدتها الخطة المتوسطية للتنمية التي أعدتها وزارة التخطيط بالتعاون مع الوزارات المعنية (خطة تنفّذ على مدار ثلاث سنوات) بالإضافة إلى مبلغ 116,4 ألف دولار لشراء تقنيات تربوية خاصة أجهزة وشبكات كمبيوتر لمدارس داخل القدس.
- وضع جدولٍ زمنيّ لشراء أبنية معروضة للبيع بهدف استخدامها كمدارس وتقدر قيمة المرحلة الأولى حسب معطيات وزارة التربية والتعليم 1,6 مليون دولار لشراء مبنيَيْن مستأجرين حالياً الأول في الزعيم والثاني في صور باهر، وتشمل هذه المرحلة أيضاً شراء قطعة أرضٍ في جبل المكبر يتوفّر فيها ترخيص بناء. المرحلة الثانية تتضمّن شراء أبنية قائمة في كلٍّ من شعفاط، بيت حنينا، رأس العامود، والثوري. وتبلغ قيمة تنفيذ هذه المرحلة 2,7 مليون دولار.
- العمل على إدخال مخطط وزارة التربية والتعليم ببناء مدارس جديدة وإضافات لأبنية قائمة ضمن أولوية المشاريع المنفّذة من قِبَل الدول المانحة وتبلغ القيمة الأولية 1,6 مليون دولار في حين أنّ القيمة الإجمالية لبرنامج توسيع المدارس في القدس حسب الخطة المتوسطية 18 مليون دولار تنفذ على ثلاث سنوات.
2- مطالبة المجتمع الدولي بالضغط على "إسرائيل" لضمان سير المسيرة التعليمية والسماح لكافة الطلاب والمعلمين باجتياز الحواجز العسكرية والالتحاق بمدارسهم وعدم تعرضهم للملاحقة والاعتقال. وكذلك دعوة المنظمات الحقوقية الدولية لمراقبة انتهاكات "إسرائيل" للمعاهدات والمواثيق الدولية لاحترام الحق بالتعلم وحرية التنقل.
3- بالإضافة إلى إنجاز أهداف الخطط الطارئة لمساعدة النظام التعليمي الفلسطيني في القدس على المدى الفوريّ والمتوسط نقترح أنْ تقوم السلطة بالعمل على تحقيق الأهداف طويلة الأمد الآتية:
• دعم المدارس الخاصة وبناء أفضليتها التنافسية ورفع مستواها التعليمي والبيئي.
• تحسين رواتب المعلمين لمنافسة المدارس التابعة لبلدية الاحتلال.
• توفير تعليمٍ نوعيّ يعزّز الهوية والانتماء والوعي الوطنيّ فيما يتعلق بالقدس.
• تشجيع برامج للتعليم اللامنهجي لتعزيز الانتماء والوعي المجتمعي.
في الوقت الذي تركّز فيه الانتقاد بشكلٍ كبيرٍ على الآثار الآنية لجدار الفصل "الإسرائيلي" في شرقي القدس المحتلة من مصادرة الأراضي وهدم البيوت وعزل القدس عن بقية المناطق الفلسطينية المحتلة، يبرز الأثر الأكثر تدميراً لبناء الجدار وهو تمزيق النسيج الاجتماعي في شرقي القدس، فهذا الجدار -والذي يمثّل حدوداً سياسية ستمكّن "إسرائيل" من إحكام قبضتها الخانقة على الشطر المحتل من المدينة- سوف يحرِم شرقيْ القدس وضواحيها من أنْ تشكّل معاً وحدة اجتماعية واقتصادية متكاملة ومتماسكة وذلك عندما يقطع الجدار تلك الروابط وإمكانيات الاتصال على المستوى الأسرى وفي المجالات التجارية والدينية والطبية والتعليمية.