تتعدد طرز بناء البيوت السكنية في فلسطين، وتختلف عند بعضها البعض؛ تبعا للاختلافات في المناخ، وتبعا لتوفر المواد، وكذلك للاختلافات الاجتماعية والثقافية؛ فعمارة الطين الموحدة أو المشابهة في غور الأردن تختلف عن عمارة الحجر في مناطق التلال الوسطى؛ ومناطق الأطراف الحدودية تعكس بقوة التقليد المعماري للدول المجاورة؛ إلا انه وعندما نتوجه نحو المناطق الجبلية الممتدة من الخليل جنوبا باتجاه نابلس شمالاً مرورا بالقدس، فإننا نستطيع إثبات وجود مكثف بشكل غريب ولافت للانتباه، لطراز البيت السائد والمسيطر في الأرياف أو المدن الكبيرة كالخليل ونابلس وفي المدينة القديمة للقدس؛ حيث تتجمع أجسام المباني مكعبة وحجرية بأحجام شبه موحدة تقريبا، ولها تحدبات خفيفة تشبه القبة على السطح، وتشكل مع الحقول المتدرجة المشهد الطبيعي، مع ملاحظة بعض الاختلافات الخارجية على المباني السكنية في المدن في الفترات المملوكية والعثمانية.
وهناك طرق عديدة لتصنيف البيوت، حيث قام الباحثون الذين تطرقوا للبيوت الفلسطينية التقليدية بتصنيف هذه البيوت بطرق مختلفة. وفيما يلي استعراض لهذه الطرق والطرز:
التصنيف الأول:
حسب مواد البناء المستعملة:
1- بيوت الحجارة: وهي على شكل مداميك، وتنتشر بشكل أبر في المناطق الجبلية، والمقصود هنا جدران حجرية بغض النظر عن السقف.
2- بيوت اللبن: الواجهات من الطوب الطيني المخلوط بالتبن، كما في قرى غزة وأريحا.
3- بيوت الدبش والطين: وتسمى سقائف وخشش، وهي من الدبش أو الحجارة غير المهذبة وقد تستخدم كمرافق إضافية أو مساكن للفقراء.
4- منشات من الأغصان والأخشاب: وتكون في البساتين، واستخدامها مؤقت.
5- بيوت الشعر: وهي للبدو وأصحاب المواشي.
حسب أنواع العقود أو الأسقف:
1- العقد المصلب.
2- القبة.
3- عقد الجمالون، أو العقد الطولي.
4- بيت القناطر أو الأقواس.
5- بيوت أسقف الإسمنت أو القرميد.
6- منشآت معقودة بحجارة رجادي.
حسب التنظيم الخارجي والداخلي للبيت:
1- البيت البسيط: ويتكون من غرفة واحدة أو أكثر، مرتبة على شكل صف أو أكثر.
2- البيوت ذات الرواق أو "المسطبة الأمامية".
3- البيوت المتجمعة أو المتضامة أو المتراكمة الملتفة حول حوش.
4- البيوت المتكاملة أو ذات الليوان والبهو.
5- بيوت العائلات ذات الجاه والثراء.
حسب طرق تحميل السقف:
1- البيت الخالي من الدعامات الداخلية.
2- البيت ذو الأعمدة.
3- البيت ذو الرواق.
4- البيت المسقوف بالقبو.
التصنيف الثاني:
ووفق هذا التصنيف، صنفت عمارة المساكن التقليدية في فلسطين إلى ثلاثة أنماط رئيسية:
1- بيت القرية ذو الحيز المنفرد:
وهو عبارة عن حيز أو غرفة منفردة، يتم تحت سقفها جميع النشاطات المنزلية، من نوم ومعيشة وطبخ وخزين، وتكون مستطيلة أو مربعة الشكل. وانتشر هذا النمط في كل من سوريا والأردن وفلسطين ولبنان، مع بعض الاختلافات البسيطة، من حيث تقنيات البناء والتوزيع الداخلي، وبعض التفاصيل والمفردات المعمارية.
2- بيت المدينة:
وهو بيت ذو حيز منفرد يلائم حياة المدن ومتطلباتها. وكانت هذه البيوت ذات فتحات معمارية قليلة، وما وجد منها كان يطل على الفناء الداخلي؛ فهي بذلك ذات تهوية وإضاءة محدودة، وقد استخدم الطابق الأرضي فيها أحيانًا كمحلات تجارية أو مخازن، وكان يتم الوصول للطابق العلوي بواسطة أدراج خارجية، حيث خصص هذا الطابق للنوم والمعيشة، وكان سطح البيت العلوي يستخدم كفناء وحيز معيشي، حيث يتم تعلية التصوينة، بما يكفل خصوصية أهل البيت.
3- نمط البيت ذو الإيوان، نمط البيت ذو الصالة الوسطية:
ظهرت نماذج من البيت ذي الإيوان في بيوت فلسطين التقليدية، وهو يوفر لساكنيه حياة الرفاهية، ولكنه لم ينتشر في فلسطين بكثرة، مقارنة بسوريا ولبنان، وتعود أصوله إلى العمارة الإسلامية، لاسيما في الفترة التي سبقت القرن التاسع عشر.
التصنيف الثالث:
لقد صنفت البيوت الريفية في فلسطين بعدة طرق كما يلي:
1- حسب مواد البناء:
1- بيوت من الطين، انتشرت في الساحل والغور.
2- بيوت حجرية (في الجبال):
- بيوت لها جدران سميكة ومسقوفة بعقد حجري.
- بيوت ذات جدران رفيعة ولها سقف خشبي مستو:
• بدون دعامات داخلية.
• مدعومة بواسطة أعمدة.
• محمولة على أقواس أو قناطر.
2- حسب التقسيم الداخلي للبيت:
1- فراغ علوي "مصطبة"، وتحته فراغ سفلي للحيوانات "راوية:
2- مستوى أمامي منخفض، ومستوى خلفي مرتفع قليلاً.
التصنيف الرابع:
صنفت أنماط البيوت في فلسطين على النحو التالي:
1- بيت "الخشة".
2- بيت القنطار.
3- بيت "العقد أو "العقاد".
4- بيت "الأنبوب ويسمى "سباط".
التصنيف الخامس:
بناء على التخطيط الداخلي:
تصنيف البيوت السكنية في فلسطين إبّان الفترة العثمانية:
عكس تخطيط البيت وتقسيماته الداخلية الوضع الاجتماعي والسياسي لسكانه، وظهرت عدة أنماط للمباني السكنية، يمكن تقسيمها كما يلي:
1- البيت البسيط:
ويتكون من غرفة واحدة أو اكثر، وكان انتشاره في المناطق الريفية بشكل خاص. وهو، وإن اختلفت التسميات، يشبه نمط البيت المستطيل. وفيه يقسم الحيز إلى منطقتين، عن طريق فرق المنسوب بينهما، فالمنسوب الأدنى (قاع الدار)، يكون قرب المدخل، وتتم فيه مختلف الخدمات والأعمال المنزلية؛ أما المنسوب الأعلى (المصطبة)، فيستخدم للنوم والمعيشة.
وهذه البيوت كانت تتجمع حول أفنية حيث يعيش أفراد العائلة الممتدة في بيوت متجاورة، تتصل مع بعضها البعض بواسطة فناء (حوش) أو أكثر، إذ تتوزع البيوت حول الفناء بطرق مختلفة، وذلك تبعًا لدرجة القرابة والصلة بين ساكني هذه البيوت؛ فكان يشترك الأب وأبناؤه المتزوجون بفناء واحد؛ وبذلك يمكن القول بأن الحوش يشكل تجمعًا عائليًا شبه خاص، حيث تتم فيه معظم الأعمال والنشاطات اليومية، وهو ملتقى للعائلة.
كان كل بيت يطل على فناء أمامي صغير مرتفع عن الحوش الرئيسي ببضع درجات، ويفصله عنه جدار منخفض من الحجارة الطبيعية غير المشذبة؛ ما أعطاه خصوصيته كحيز أمامي خاص بالبيت.
اعتمد نظام التسقيف في هذه البيوت الأسقف الخشبية من جذوع الأشجار، بحيث ترتكز هذه الروافد الخشبية على الجدران الحاملة، التي قد تدعّم من الداخل بواسطة عقود (قناطر، وتلي هذه الروافد طبقتان متعاكستان من القصب، ثم طبقات سميكة من الطين الممزوج بالقش(التبن)؛ وفي بعض الأحيان اعتمدت القباب والقبوات الحجرية كنظام للتسقيف، ولكن اعتمد هذا النظام بشكل أساسي في المدن. وفي هذه البيوت القروية استخدمت الحجارة الطبيعية غير المشذبة كمادة بناء أساسية، وكانت الجدران سميكة يصل سمكها إلى 100 سم لتدعم القبة أو القبوة الحجرية في السقف، وكان كل "مدماك" يتكون من طبقة خارجية وأخرى داخلية من القطع الحجرية، وتملأ المسافة بينهما بقطع من حجارة الدبش.
كانت معظم هذه البيوت من طابق واحد، ويتم الدخول إليها من باب منخفض، وكانت الفتحات صغيرة وقليلة، ولكن بفعل وقوع المنطقة تحت الاستعمار البريطاني، أصبحت فتحات الشبابيك أكبر. وقد انتشر نمط من الشبابيك، وهو الشبابيك المزدوجة "مجوز".
2- بيوت الأحواش:
اعتمدت جميع الأنسجة العمرانية الحضرية- حتى القرن التاسع عشر- في كل من القدس ونابلس والخليل ورام الله، مبدأً شبيهًا بذلك الذي انتشر بالقرية من حيث التصميم، وهو الحيز السكني المنفرد، والفناء المفتوح (الحوش)؛ ولكن بطريقة أكثر تطورًا؛ إذ كان يتم الوصول إلى الأحواش بواسطة دهليز، هذا الحوش تتوسطه بركة ماء تحيط بها الأشجار، وكانت الغرف المحيطة بالحوش مسقوفة بنظام إنشائي اعتمد القباب أو القبوات، التي ترتكز بدورها على جدران حجرية حاملة تتخللها كوّات؛ إذ أن أهم ما يميز سماء المدن الفلسطينية، هو القباب والقبوات التي تغطي بيوتها.
هذه البيوت ذات فتحات معمارية قليلة، وما وجد منها كان يطل على الفناء الداخلي؛ فهي بذلك ذات تهوية وإضاءة محدودتين، وقد استخدم الطابق الأرضي فيها أحيانًا كمحلات تجارية أو مخازن، وكان يتم الوصول للطابق العلوي بواسطة أدراج خارجية، حيث خصص هذا الطابق للنوم والمعيشة، وكان سطح البيت العلوي يستخدم كفناء وحي معيشي، حيث يتم تعلية التصوينة، بما يكفل خصوصية أهل البيت.
إن الحيز السكني المنفرد إذا ما وقع ضمن الطابق الأرضي، فإنه عادةً ما يتكون من بحر واحد ذي سقف معقود، لكن الغرف العلوية لاسيما المترفة منها، كانت تتخذ أكثر من بحر؛ حيث يحتل أحدها منطقة المدخل، والذي يتخذ مساحة مستطيلة الشكل بمحاذاة الضلع الأقصر للغرفة؛ في حين يشكل الآخر حيزًا معيشيًا يعلوه قبة، ويكون هذا الحيز مربع الشكل غالبًا، ومنسوبه أعلى من منطقة المدخل.
كان الهدف الرئيسي من فارق المنسوب الذي اتخذ في بيت القرية، هو الفصل بين منطقة العمل والخدمات المنزلية المختلفة، ومنطقة المعيشة والنوم، لاسيما وأن المنسوب الأدنى (قاع الدار)، كان يستغل غالبًا لمبيت الدواجن والماشية، أي أن فرق المنسوب اتخذ لأسباب عملية؛ ولكن على المستوى الحضري تحول فرق المنسوب إلى غرف، وتم اتخاذه كأسلوب ونمط بناء. وفي الغرف العلوية، عادًة ما يكون سقف الغرفة أعلى من سقف منطقة المدخل المستطيلة، وكانت هذه الغرف تطل أحيانًا نحو الخارج، عبر شرفات مغلقة (مشربيات).
إن معالم المدينة الإسلامية، هي الأكثر وضوحًا وظهورّا على معظم المدن الفلسطينية العريقة.
أهم الخصائص المشتركة بين المدن الإسلامية والبلدة القديمة في نابلس:
تتكون مدينة نابلس من نسيج عمراني متصل؛ إذ تبدو المدينة كلها كتلة واحدة تتخللها شرايين الحركة، من ممرات وأزقة غير نافذة، وقد اتبع أسلوب الخلايا في بناء المساكن، فالبيت الواحد مثل خلية تتصل مع بقية الخلايا(البيوت)، وتطل بدورها نحو الداخل على فناء مكشوف. ويمثل هذا النمط من المباني معالجة مناخية تتناسب مع برد الشتاء، وحرارة الصيف، كما أنه يوفر خصوصية لأهل البيت؛ فتوجيه الغرف على الفناء الداخلي أتاح إمكانية تقليل أو حتى إلغاء الفتحات المطلة خارجًا في الطابق الأرضي، أو كان يزود البيت بفتحات صغيرة، وتكون أعلى من مستوى نظر المارة، وتم اللجوء إلى المشربيات في الطوابق العلوية، ما مكن أهل البيت من النظر للشارع دون أن يراهم أحد، كل ذلك ساهم في إعطاء طابع الانغلاق نحو الخارج والانفتاح على الداخل، وبدا جليًا في أحياز البيت ومختلف واجهاته.
الحوش:
"حوش" وهو من الاحاطة، وهو في مفهوم العامة مجموعة من الدور السكنية يؤدي اليها نفق مظلم، فأحواش المدن القديمة عرفت منذ بداية العهود الإسلامية، ويسكن هذه الأحواش عائلات متقاربة في النسب، بحيث يطلق اسم العائلة على الحوش الذي تقطنه مثل: حوش الجيطان وحوش التميمي في نابلس، ولكل حوش بوابته الخارجية الخاصة المؤدية للطريق، وعدة دوائر من الغرف حسب حجم العائلة.
وفي المدن الفلسطينية القديمة تزاحمت الأحواش ونمت من النمط البسيط إلى النمط المركب، وخير مثال على هذا النمط، حوش التميمي، الذي كان في السابق أحد قصور أعيان نابلس من آل التميمي، حيث تفضي بوابته اليوم إلى دهليز مقبى معتم به أدراج حجرية تصل لمجموعات من الغرف التي يقطنها مجموعة من الأسر من فروع العائلة الممتدة.
تتألف الأحواش معماريًا من مجموعة من الغرف تتوزع على أكثر من دور: العلوي، وفيه " البيوت" وهي تشكل مساكن لأسر نووية لها نفس الأصول؛ والسفلي وهو عام الملكية، يشترك فيه مجموع سكان الحوش، وبه غرف تخزين الأعلاف والقدور. ويتم الدخول لهذه الأحواش من خلال مداخل منكسرة شديدة الخصوصية. وغالبا ما تتألف من سراديب رطبة ومعتمة تفضي إلى فضاء صغير مكشوف تصعد منه العديد من الأدراج الحجرية التي تؤدي إلى الغرف المقباة " البيوت"، أو تنفتح على حضران (جمع حضير) جديدة، تتجمع حولها مجموعات جديدة من البيوت. وقد تتميز بعض غرفها لأهمية سكانها، كربّ العائلة الممتدة أو ممثلها.
وكان توريث البيوت يؤدي إلى تجزئتها إلى أكثر من مالك، وقد تُجزأ بسبب البيع، وأحيانا تشمل شروط البيع حقوقًا مشتركة في الطريق وحق الانتفاع بالقبو؛ لذا فالحوش دائم النمو؛ إذ إن كل حدث عائلي رئيسي، كزواج جديد أو وفاة، يحدث تغييرا في العائلة (الدار اوالحوش)؛ ما يؤدي إلى إعادة هيكلته مرة أخرى.
تصنيف الأحواش:
صنفت الأحواش إلى أنواع، وذلك يرتبط بنمط وظروف الحياة الاجتماعية والاقتصادية لشاغلي البيوت ضمن تلك الأحواش:
1- الحوش البسيط: وهذا هو النمط الغالب من الأحواش في البيوت الفلسطينية؛ لأن حالات الفقر والحاجة كانت تحول دون تكوين الأحواش المركبة والمعقدة التي اقتصرت على البيوت الضخمة التي كانت تشيد للأسر ذات النفوذ والسلطان، والأسر ذات الحالة الاجتماعية والاقتصادية الجيدة. ويتميز الحوش البسيط بأنه يتكون من غرفة أو غرفتين أو من الخشة أو السقيفة؛ وفناء الحوش البسيط يكون ضيقا وقليل المرافق، وله سور وبوابة بسيطة.
2- الحوش المتكامل: وهو الحوش الذي تتعدد مرافقه وأجزاؤه، وتتعدد أنماط العائلات التي تسكن فيه، وتتميز هذه الأحواش بوجود عدد كبير من العقود والغرف غير الأرضية والعلالي والمقاصير. وكانت هذه الأحواش تحتوي على غرف الخدم والعمال والحراس وكذلك المخازن المختلفة، كما كانت تحتوي على عدد كاف من المرافق العامة.
3- الأحواش المركبة: وهي الأحواش التي تتكون من عدة بيوت وعقود تسكنها عدة أسر تنتمي إلى أب أو جد واحد، وجميع هذه الأسر تعيش مع بعضها ضمن سلطة مركزية واحدة.
3- بيوت الإيوان:
ونتيجة لتوافر الأمن والاستقرار في المجتمع، وامتلاك الأراضي خارج قلب المدينة القديمة، وتغير مفاهيم سكن أفراد العائلة الممتدة مع بعضها البعض؛ لم تكن هناك حاجة لظهور نمط البيت ذي الفناء الوسطي المرتبط بتعدد الإيوانات ضمنه، هذا النمط الذي انتشر بكثرة في القرن الثامن عشر في كل من سوريا ولبنان، وإنما تطور ليصبح مسكنًا مستقلاً للأغنياء من المجتمع؛ إذ بدأ نمط بيت الإيوان بالتحول إلى نمط الصالة الوسطية، ولكن يختلف بيت الصالة في أنه يحتوي على أكثر من غرفة على جانبي الصالة، ونجد في بيوت بيت لحم التي تكونت في القرن التاسع عشر، العديد من النماذج التي انتشرت من نمط الصالة الوسطية، إذ لا شك أن نمط بيت الإيوان، لعب دورًا كبيرًا في ظهور وبلورة نمط الصالة الوسطية.
مثّل النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مرحلة تغير في عمارة المساكن في فلسطين؛ حيث بدأت المدن بعد عام 1870 م بالتوسع بعيدًا عن قلب المدينة القديمة، وظهر نمط جديد يتمثل بنمط الصالة الوسطية الذي انتشر في عدد من المدن الفلسطينية، مثل: حيفا، ويافا، والقدس، والناصرة، ورام الله. وقد ارتبط هذا النمط من البيوت بطبقة من أثرياء المجتمع.
ومن الجدير بالذكر أنه في أوائل القرن التاسع عشر، شهدت بيروت نهضة اقتصادية وثقافية جعلت منها أكبر ميناء تجاري في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، وتوسعت استثماراتها التجارية، حيث وصلت إلى مدن فلسطين، لاسيما الساحلية منها، وبوفود تجار ومهنيين من لبنان للعمل والاستقرار في هذه المدن، كانت تلك بداية وصول نمط الصالة الوسطية إلى فلسطين.
لم تكن الوظائف الخدمية (الحمّام والمطبخ) في نهاية القرن التاسع عشر، تتوزع ضمن الطابق السكني الذي اتخذ بدوره التوزيع الثلاثي- حيث تشكل الصالة الوسطية البحر الأوسط فيه- ولكن بحلول القرن العشرين، ومع زيادة التخصص في الوظائف، وتأثرًا بأنماط العمارة الغربية، أصبحت هذه الوظائف الخدمية تشكل حيزًا يتم أخذه بعين الاعتبار، عند توزيع مختلف الوظائف ضمن الطابق السكني.
وقد تنوعت المساقط الأفقية من هذا النمط في مدن فلسطين، تختلف في توزيعها عن نمط الصالة الوسطية البسيط والأكثر شيوعًا، هذه الاختلافات تمثلت بما يلي:
1- أنماط بيوت تكون الصالة الوسطية فيها محاطة برواق، وذلك إما من جهة واحدة أو عدة جهات.
2- أنماط ترتبط بها الصالة الوسطية بإيوانين، أحدهما إلى يمينها والآخر إلى يسارها.
3- أنماط لا تطل بها الصالة الوسطية على الخارج، وإنما يتم تأمين تهويتها وإضاءتها عبر.
فتحات علوية جانبية:
إن معظم النماذج التي ظهرت من هذا النمط كان يتم تغطيتها بسقف قرميدي مائل، وسرعان ما ظهرت التأثيرات الغربية على بيوت هذا النمط، وتمثل باستيراد مواد البناء غير المتوافرة، واستعمالها عبر تقنيات بناء غير تقليدية، فالقرميد المستخدم للأسقف كان يستورد من مارسيليا، أما الخشب المستخدم في هذه الأسقف، فكان يتم استيراده من الأناضول؛ ما أتاح عمل مساحات واسعة، أما الزجاج فكان يستورد من بريطانيا وألمانيا، لاستخدامه في الفتحة ثلاثية العقود، ومن الجدير بالذكر أن مدينة القدس اتبعت نظم التسقيف التقليدية والتي تعتمد القبوات، حتى وإن توافرت مواد البناء اللازمة لعمل تلك الأسقف المائلة، والمتمثلة بالخشب والقرميد، كما أن الفتحة ثلاثية العقود لم تلاقِ قبولا في بيوت القدس من هذا النمط، وتم استبدالها بباب منفرد محاط بنافذتين عن يمينه ويساره.
4- البيوت الكبيرة (القصور):
هذه القلاع ذات البوابات الحديدية، كان يقطنها أثرياء التجار والأعيان أو الحكام. وتشمل المساكن التي تمتاز ببواباتها الفخمة، وتخصص فراغاتها الوظيفية؛ فهي تحوي أفنية الحرملك، والسلاملك، والدواوين، والاسطبلات. وقد تنوعت أشكال وأحجام هذه القصور عبر القرون، واختلفت باختلاف مكانة مالكيها الاجتماعية ودورهم ونشاطاتهم.
يعّرف القصر لغوياً بأنه: كل بيت عال من حجر. وفي اللغة يقال: "قصر الدار" أي "حصّنها" بالحيطان. وتستخدم كلمة "قاصرة" بمعنى ساترة أو حابسة. ولكل هذه التعريفات اللغوية دلالات معمارية واضحة، تفيد العلو والتحصين، وقد وجدت بأكثر من طراز طوال الفترات الإسلامية المختلفة.
وقد حظيت القصور عموما بكثير من العناية والذوق؛ ما أكسبها الطراز الإسلامي، ومنه الطراز العثماني الذي يتمتع بميزات خاصة تتعلق بمعالجة الأروقة ذات الأكتاف، واستخدام القباب الصغيرة وفتحات الإضاءة العلوية.
كما وأظهرت الأقطار الإسلامية في الفترة العثمانية تنوعاً في المعالجة تبعاً لطبيعة البلاد وبيئتها ومناخها، وكذلك تبعاً لتاريخ المنطقة، الذي اختلف معه حجم الاهتمام بأعمار القصور، وفقًا لأهمية ومكانة كل بلد.
وفي نابلس على سبيل المثال أحصي في نهاية الفترة العثمانية ثلاثة وعشرون مبنى باعتبارها قصورًا، وهي من البيوت المستقلة التي بنتها العائلات الثرية من الحكام والأعيان، وتعود معظم هذه المباني إلى لفترة العثمانية، وبعضها يعود إلى ما قبل القرن السابع عشر، كقصور آل النمر؛ أو للقرن الثامن عشر كقصور آل طوقان وآل هاشم (1754م)؛ أو القرن التاسع عشر كقصور آل النابلسي وآل عبد الهادي؛ وحتى أوائل القرن العشرين كقصر الغزاوي. وتعود ملكية هذه المباني إلى طبقتين رئيسيتين هما الطبقة الحاكمة وطبقة الأعيان والتجار.
- قصور الحكام:
تعتبر قصور الحكام من أهم أنماط المباني السكنية وأكثرها تميزاً في فلسطين، وقد مّثلت الأسر الحاكمة، أو ما يدعى "بيوت الحكم" في المدينة والريف وأمثلتها: آل النمر، وآل عبد الهادي، وآل القاسم، وآل جرار، وآل الكايد، وغيرها الكثير. هذه القصور جميعاً من نمط المساكن ذات الأفنية، والتي شهدت تطوراً في شكلها ومضمونها المعماري طوال القرون الماضية.
- قصور الأشراف والتجار:
ضمت مجموعة من الدور الكبيرة التي اشتملت العديد من السمات العمرانية ببواباتها الفخمة وتخصص فراغاتها الوظيفية، بشكل ميّزها عن بقية المساكن، وجعلها في مصاف القصور.
وقد تنوعت أنماط هذه القصور عبر القرون لتواكب التغييرات الاجتماعية من جهة، والعمرانية الإنشائية من جهة أخرى. ومن أمثلة قصور الأثرياء والأعيان: قصر هشام، وقصر النابلسي.
ويمكن تقسيم الأنماط التي اتبعت المساقط الأفقية إلى نوعين رئيسين هما: النمط ذو الباحة السماوية، ويظهر بثلاثة نماذج؛ والنوع الثاني هو النمط ذو القاعة الوسطى.
5- البيت ذو الباحة السماوية:
هذا النمط أصله قديم جدًا، وقد مر بتغييرات زمنية واضحة، اختلف فيها استعمال الفناء، كقصر حسين عبد الهادي، الذي تنوعت فيه العناصر المعمارية المستخدمة، وأساليب الزخرفة.
ويمكن تقسيم القصور العثمانية في فلسطين وفقاً للنماذج التالية:
النموذج العثماني القديم: واستمر من أواسط القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر. ويمتاز هذا النموذج بطريقة معالجته الواضحة لفنائي الحرملك والسلاملك، وطريقة الربط بينها، ومعالجة المداخل، وعلاقاتها بالداخل والخارج. وهذا النموذج به أكثر من فناء، كما يمتاز بسمات خاصة في الواجهات الخارجية.
النموذج العثماني المبكر: وظهر في نهاية القرن الثامن عشر واستمر طوال القرن التاسع عشر وينتمي إليه الكثير من الدور الكبيرة للأعيان. ويشكل هذا النموذج حلقة الوصل بين النموذج المتقدم والخليط، حيث يمتاز بظهور سمات وعناصر جديدة واكبت التغييرات التاريخية من جهة، كما أظهر هذا النموذج ميلا إلى الفردية، سواء في توزيع الفراغات الداخلية أو في معالجة الواجهات من جهة أخرى.
النموذج الخليط: وقد ساد في القرن التاسع عشر كقصر النابلسي، وقد تميز بتصغير مساحة الأفنية، وإدخال عنصر "الديوان" أو "المضافة"؛ بحيث طغت المساحات المغلقة على المساحات المفتوحة، كما استعملت فيه مواد بناء جديدة كالأسقف الخشبية؛ فقل عرض الحوائط، واستعملت نماذج أوسع من الفتحات ذات زخارف خاصة.
6- المساكن ذات القاعة الوسطى:
ساد هذا النمط في نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، ويمكن اعتباره تطويرا للنموذج الخليط، نشأ عن التغير الاجتماعي للأسر، وفيه اختفى الفناء المكشوف، واستبدل بقاعة وسطية مستطيلة تطل عليها حجرات المنزل. وقد تعددت أساليب تسقيف حجراته، فمنها الأسقف ذات العقود أو الأسقف المسطحة أو القرميدية.
العناصر الإنشائية والمعمارية والزخرفية للمساكن في الفترة العثمانية:
يتشكل الطراز المعماري للمباني من مجموعة من المفردات أو العناصر، تجتمع معًا بطريقة فيها من الذوق الفني ومراعاة النسب المرتبطة ببعضها، مكوّنة الشكل المعماري للمبنى، وهذه العناصر هي: العناصر الإنشائية والمعمارية أولاً، ثم يأتي دور الزخرفة والحليات ثانيًا، سواء كانت هندسية أو نباتية، واجتماعها معًا يتبع ذوق وأسلوب المعماري "البّناء".
1- العناصر الإنشائية:
تتمثل العناصر الإنشائية بأساليب البناء والمواد المستخدمة في الإنشاء، وتشترك هذه المباني كغيرها من الأبنية بنفس خطوات الإنشاء الموروثة عبر قرون طويلة، ويكون على عدة مستويات:
مستوى الدور الأرضي، ويلتف حول مجموعة من الأفنية، وغالبية هذا الدور مغطاة ومسقوفة، ويبنى الدور الأرضي بحيث تكون جدرانه قائمة وسميكة بدون زوايا "ركب" بأسلوب يدعى "الأنبوب" وذلك لضمان تحمل الثقل.
ويكون الدور التالي بعكسه، فيغطى أقله، ويبقى أكثره مفتوحًا على شكل حظائر، وتضاف إليه المقاصير أو العليات كدور علوي، والتي تبنى بأسلوب معروف باسم " التكنة " : وهو أن تبنى الغرفة بسقف خفيف من الفخار، وتكون جدرانها رقيقة نسبيًا، ويمكن عقدها بكسح الزوايا الأربعة، ويسقف أغلبها على شكل قبة. ويتبع موقع العلية الجهة الأفضل من ناحية التوجيه والإطلالة.
• مواد البناء:
الحجارة: معظم البيوت في فلسطين مبنية من الحجارة البيضاء التي تستخرج من المقالع المنتشرة، واستخدام الحجارة في المباني السكنية كان بأنواع مختلفة فمنها:
- حجر المواسي: يستخدم في الأساسات والآبار، حيث ينقش جيدًا، ويلحم ما بينه بالطين المجبول بالكلس والقصرمل، مع كسر الفخار الأحمر، وهذا يعطي التركيبة مناعة ضد تسرب الماء.
- الحجر الرياشي: حجر كلسي طري خفيف الوزن، يستعمل في العقد عند بناء الأسقف، بحيث توضع الحجارة على الأوتار كعظم السمكة؛ حتى تتلاقى بحجر الوسط والمسمى "الغلق".
- الحجر السلطاني: يستخدم في بناء التحصينات، وفي تبليط أرضيات الأفنية.
- الحجر الناري: يندر استخدامه في المباني السكنية، ويستعمل مع طينة الكلس والقصرمل غالبًا عند بناء الأفران والمطبخ "الوجاق".
- الرخام: استعمل في التبليط حول البرك والنوافير.
- الأنابيب الفخارية: وهي المستخدمة في أسقف الحمامات العامة، إلا أنها استخدمت في المباني السكنية في حالتين: الأولى عند بناء سقف العلية، والثانية عند بناء الكيزان؛ وهو أنابيب فخارية تضاف في محيط السطح.
• طريقة البناء:
تشمل أعمال البناء بالحجر عدة حرف منها: " الحجّار"، و"النّقاش"، ثم ينفذ العمل من قبل "البّنا"، ويساعده "الفعلة"، ويجلب "القنواتي" المياه للموقع، ويقوم "المبلط " بأعمال الأرضيات وهكذا، وقد عرف في فلسطين معلمو بناء بارعون في صنعتهم وهم: الحجّار والبّناء والنّقاش؛ أما بالنسبة لطريقة البناء، فقد اتبعوا الخطوات التالية:
بناء الأساس: يقوم البناؤون بالتأسيس للجدران على أرضية صخرية، أو " بليز" (طبقة متماسكة يجري عليها الماء). ويكون حجر الأساس من الحجر المواسي الضخم والطين المجبول بالكلس يظهر تركيب هذه الأساسات؛ حيث يتم صف المداميك بشكل متواز، بما يسمى "مالة"، ويملأ ما بينها بالجص والحصى " الركة"، حيث يخلط معًا باستعمال ماء " الزوبار: وهو ماء عكر يؤخذ من زيت المعاصر، وربما هذا هو تفسير ما يتناقله العامة في أهازيج البنائين، من أن قصور الأغنياء تبنى بالزيت، حيث أن هذه التقنية تدل على غنى وقدرة المالك على توفير هذه النوعية من المواصفات.
بناء الجدران: بعد أن يظهر الأساس عن سطح الأرض، يبنى الجدار من الخارج بالحجر المنقوش "مالة برانية"؛ وأما الداخلي " مالة جوانية"، فمن حجارة منحوتة أو غير منحوتة، تغطى لاحقًا بطبقة من الكلس، وما بينها 60 إلى 70 سم، تملأ بكسر الحجر والطين والكلس "الركة"، ويسمى عرض الجدار الكلي" كّليل".
وتقام في الجدران من الداخل أقواس غير نافذة تستعمل كخزائن، كما وتخرج منها المشرفات "الكشك" وهي مشربيات من الحجر.
أما جدار المطبخ فيبنى فيه "الوجاق": وهو قوس في الجدار ينتهي بمدخنة صاعدة إلى السقف أو نافذة في الجدار، ويتخلل بناء الجدران بناء البوابات والنوافذ،ويختار لها أفضل أنواع الحجر المنحوت، ليوضع على جانبي فتحة الباب أو النافذة، أما أعلاهما، فهو على عدة أشكال: منها العتب المستوي، أو المدبب والموتور.
وتبنى النوافذ مفردة أو مزدوجة أو ثلاثية، وهي ذات أقواس مستوية أو موتورة في الأغلب، وهي تميل إلى الضيق والاستطالة، ويظهر الاهتمام بالنوافذ المطلة على الأفنية أو على بستان القصر، أكثر من النوافذ الخارجية. وتدعى عملية الإعداد لتركيب وحساب القوس، "الجرجرة".
أعمال الحجر: تشتمل عملية البناء على نقش الحجارة، وغالبية الحجارة خشنة الملمس، مع اهتمام خاص بتمييز حجارة أعلى الفتحات وجوانبها، وفي الجزء العلوي للقصر " الكرنيش".
ويجب عدم إهمال أن عمليات الترميم المستمرة عبر عقود، والبناء المتلاحق في القصور، أحدث تغييرات على ملمس الحجر ولونه وحجمه أحيانًا، وعرض الكحلة بين المداميك.
القصارة: تجلب المواد المكونة للقصارة عادة من القرى المحيطة، حيث تصنع مكونات القصارة الأساسية،وهي: الشيد و"القصرمل"(رماد ناتج عن حرق الحطب في الحمامات العامة) وتخلط بمواد إضافية أخرى حسب مكان استخدامها. وقد استخدمت القصارة في كسوة الجدران من الداخل بسماكة تصل في المتوسط 2سم ومن الخارج أحيانًا، كما وتستخدم في التبليط كمونة أو كسوة للسطح للعزل، ويتم اللجوء إلى خلطة من الرمل أو التربة الحمراء والكلس، لتغطية الجدران المبنية من الحجارة غير المنتظمة، وتظهر بعض آثارها في أسوار البساتين في بعض المباني.
الأسقف: وأغلبها القبو المتقاطع البسيط، ويبنى بمد أوتار حجرية، يتم صفها على شكل عظم السمكة، وتنطلق من الركب أو الدعامات من الزوايا بشكل قوسي لأعلى، حيث يقع حجر الغلق، وتعبأ الأسطح بين الأوتار بحجارة "رياشي" خفيفة الوزن، مع خلطة كلسية لتأخذ الشكل القبوي المتقاطع من الداخل، ثم يملأ فوقها التربة وكسر الحجارة حتى السطح.
وهنالك أيضًا القبة الموتورة أو الكروية بدون رقاب.
أما السقف المسطح والقرميدي المائل، فقد انتشر لاحقًا، واستخدم في زيادة أو ترميم بعض غرف القصور.
وبالنسبة لاستخدام القبو البرميلي، فهو أمر نادر –ربما لأن غالبية الغرف لا تحتاج إلى استطالة في نسبها-، وإن لوحظ استخدام هذا القبو في تسقيف بعض غرف التخديم الصغيرة.
أما تحميل الأسقف فيعتمد أساسًا على ارتباط بداية العقد بالأكتاف، سواء كان مرتبطَا مع الحائط أو بروز "ركبة"، وله أهمية خاصة عند دراسة النسب والارتفاعات. وبعد الانتهاء من عقد السقف يتم قصارتها من الداخل؛ أما من الخارج فيتم فرش طبقة من خليط من الكلس والقصرمل وكسر الفخار بما يسمى " بربريقة ".
رصف الأرضيات: في بداية الفترة العثمانية وبالتحديد القرن السادس عشر للميلاد، كانت أرضيات الغرف عبارة عن مونة مرصوصة بشكل جيد، في حين استخدمت الحجارة "السلطانية" لرصف أفنية القصور، وهي شبيهة بتلك المستخدمة في رصف الطرقات، ولكن مع ظهور البلاط الملون، خاصة في الفترة التركية، ظهرت تبليطات الأرضيات بأنواع مختلفة، منها البلاط الحجري والملون.
ويمكن تصنيف الأرضيات الموجودة حاليًا كما يلي:
البلاط الحجري: يقطع بلون واحد بشكل مستطيل، وكلما زاد حجم القطعة، زادت سماكتها، وتوضع فوق "مونة"، ولكن الغالب هو رصفها فوق طبقة سميكة من التربة الناعمة المدكوكة جيدًا. وتصف هذه الحجارة بتشكيل بسيط، وتستعمل لتبليط الأفنية والممرات وأحيانًا الأواوين.
البلاط الملون: وتحضر بشكل مربعات تقطع قبل حرقها، وتحوي الفخار المطحون والصدف وغيره، ويمكن ادخال الألوان عليها. وتوضع على مونة خاصة، حيث يتم رصفها لتكوّن تشكيلات متنوعة. وقد نزع السكان إلى تمييز كل حجرة بتشكيل وألوان مختلفة.
أرضية القصارة: وتستعمل عادًة للمطابخ.
أعمال الخشب والحديد: وهي أعمال تكميلية، وقد استخدم الخشب في الشبابيك والأبواب والخزائن والطوبار والأسقف المستوية؛ أما الحديد فاستخدم في الأقفال والمسامير وحديد الحماية وأيدي الأبواب وفي الأدوات، ويظهر استخدام الخشب في الأسقف المستوية.
2- العناصر المعمارية:
تشترك المباني السكنية في كثير من التفاصيل المعمارية والتي تتنوع في مقاييسها ونسبها، كالعقود والقباب والفتحات من أبواب وبوابات وشبابيك مزدوجة ومفردة وثلاثية وطلاقات وغيرها من العناصر المعمارية التي أعطت لهذه الفترة طرازًا مميزًا.
ومن أهم هذه العناصر:
- المداميك: كانت مادة البناء الرئيسية هي الحجر الطبيعي، وتعد بعد تقطيعها إلى أجزاء متقاربة في الأبعاد وبمقاييس معينة، بحيث يتم تهذيبها وتدق حسب المطلوب ثم تصف في صفوف أفقية تدعى مداميك، وهي تستخدم ليس فقط كشكل مميز للجدران، وإنما كوحدة قياس تحدد الارتفاعات من تكرارها، وهي تلعب دورًا رئيسيًا عند دراسة النسب، وتظهر المداميك سمات متشابهة.
- العقود: تعتبر العقود الميزة المعمارية الأولى في العمارة الإسلامية في مختلف العصور، وقد اعتمد على استخدام العقود؛ لأنه يوفر قوة تحمل الأسقف، كما ويعطي جمالا معماريًا، ولدى دراسة المباني السكنية في الفترة العثمانية والتي بنيت حتى الربع الأخير من القرن التاسع عشر، نجد أن التحميل الإنشائي للأسقف كان على عقود بقبوات أسفلها أكتاف، تعطي درجة تحمل كبيرة للأسقف مع الحفاظ على الشكل المعماري.
- الإطارات "البانوهات": استخدمت العمارة العثمانية الإطارات " البانوهات " بشكل أقل مما كان معروفًا في العمارة المملوكية، وقد استعملت في قصور "بيوت الحكم" في بعض المواضع وبطرق مختلفة منها: الإطارات حول الإيوانات واستخدمت أيضًا على الواجهات كما في الواجهات الجانبية أو حول الشبابيك والأبواب.
- الكوابل: وهي عنصر إسلامي استخدم ليحمل ما فوقه من بروز.
- الأعمدة: استخدمت الأعمدة في الفترات المتأخرة من العصر العثماني كعنصر جمالي.
- الكرانيش "التصوينات": ظهرت في قصور نابلس ثلاثة أشكال "للتصوينة" أعلى واجهات القصر وهي:
الكيزان: ويتشكل من طبقة أو طبقتين أو أكثر، كل منها مكونة من مثلثات مشكلة من ثمانية صفوف من الجرار الفخارية المفتوحة من الجهتين، على شكل مصفوفة تبدأ من القاعدة بثماني جرار ثم سبعة ثم ستة وصعودًا حتى الجرة المفردة على رأس المثلث وهكذا. والاعتقاد بأنه وجد لتوفير الخصوصية بزيادة ارتفاع الأسطح وذلك باستخدام مواد بناء خفيفة كالفخار، كما وتسمح الفتحات بمرور الهواء.
الكرنيش البسيط: وهو إنهاء الجدار أو الواجهة بصف من الحجارة بارتفاع نصف مدماك، وقد يتم نقشه بطريقة خاصة.
الكرنيش ذو الحليات: وهو على شكل زخرفة هندسية من "المقرنص ذو حطة".
الفتحات: بشكل عام يمكن القول أن الفتحات في القصور- على تنوعها – تكون صغيرة ونسبتها عمودية وهي مستطيلة الشكل تنتهي بعقد.
ويمكن تقسيم الفتحات حسب الوظيفة إلى ثلاثة أقسام هي: الأبواب، والنوافذ، والطلاقات.
الأبواب والبوابات: يمكن تقسيم الأبواب إلى مجموعتين وهما: الأبواب الخارجية "البوابات"، والأبواب الداخلية.
البوابات: وتتسم بالفخامة والعناية بالزخرفة، ويعلو فتحة الباب عادة عقد موتور أو مجموعة من العقود المدببة، وتكون البوابة متراجعة إلى الداخل، وفوقه عقد مدبب عن مستوى الواجهة وتحفها من الجانبين مكسلتان، وتعلو البوابة بعض الزخارف فوق العقد، ويكون ضمن الباب فتحة صغيرة تسمى "خوخة"، وهي تسمح بمرور الإنسان؛ بينما يفتح الباب الكبير؛ ليسمح بدخول الحيوانات المحملة. وتثبت دفة الباب من الأعلى والأسفل بحيث تكون هناك قطعة بارزة من الخشب الملبس بالحديد عند طرفي الباب بحيث يدخل كل طرف في حلقة من الحجر توجد أعلى وأسفل طرفي البوابة.
الأبواب الداخلية: وهي تطل على الأفنية الداخلية أو تربط بين الغرف. وهي قليلة العرض إذ تتراوح بين 80 إلى 120 سم وارتفاعها لا يتجاوز المترين، وتنتهي بعقد موتور أو عقد مستقيم وتعلوه زخارف بسيطة. وتغلق خشبية من درفة واحدة في العادة مثبتة بنفس تقنية البوابات، ويوجد لبعضها حلوق خشبية مثبتة بالمسامير. وفي هذه الحالة استخدمت المفاصل الحديدية لتثبيت الباب بالحلق.
النوافذ والمشربيات: تؤخذ الشبابيك بنسبة 1:2 في غالبيتها وتنتهي بعقد مستقيم أو موتور أو مخموس، وقد تأتي بنسب أخرى، الشبابيك تأتي بتكرار معين وهي: الشكل المفرد، أو المزدوج، أو الثلاثي.
أما المشربيات فهي في الغالب إما خشبية، أو بروزات حجرية محمولة على كوابيل، وهي تؤدي غرض الخصوصية حيث تسمح بالرؤية من الداخل للخارج وليس العكس.
الطلاقات والقمريات: وهي النوافذ العلوية الصغيرة أعلى الفتحات أو الأسوار، وتظهر بكثرة في القصور، وهي متنوعة الوظائف؛ فهناك طاقة الحارس، وهناك ما يسمى بالطلاقات، وهي دفاعية تستخدم لرمي السهام أو صب الزيت؛ وهناك القمريات، وتوجد فوق الفتحات أو في الأجزاء العليا للجدران، وتستخدم لأغراض التهوية العلوية أو لأغراض تزينية، وتتخذ أشكالا عدة منها: النجمي، والدائري، والمستطيل، مع عتب مستقيم أو مثلث أو قوسي.
المكاسل: وهي عبارة عن قاعدتين مربعتي الشكل بارتفاع معين يصل لحوالي المتر وبطول ضلع 60 سم، تحيطان بالبوابة الرئيسية للقصر، وهما ملازمتان لكافة قصور "بيوت الحكم"، وتعتبران إحدى ميزات هذه البوابات. وقد بدء استخدامها وظيفيًا لجلوس الحرس، إلا أنها تحولت إلى حلية معمارية مع مرور الزمن، وللمكاسل شكلان، الأول ويستخدم لجلوس الحراس على مساطب موجودة على طرفي دهليز المدخل من الداخل، والثاني أمام البوابة الرئيسة - حيث يوجد صفان متقابلان من المساطب " المكاسل ".
الأدراج: ويمكن تقسيمها إلى نوعين: الأدراج الداخلية، والأدراج الخارجية وهي الشائعة، وتتكون عادة من "شاحط" واحد، وتتراوح عدد درجاتها من 20 إلى 25 درجة، ويمكن تقسيمها حسب طريقة إنشائها إلى نوعين:
الدرج "الملان": ويكون محمولا من جهتين ويكون أسفله مفتوحًا على شكل قوس كامل أو كتف بحيث يستغل من أسفله كمخزن.
الدرج المعّلق: وفي هذا النوع تكون كل درجة عبارة عن حجر واحد، ويكون معلقًا بحرية من أحد الأطراف، ومحمولا من جهة واحدة في الجدار، بحيث تدخل كل درجة مسافة معينة في الجدار.
الأكتاف والقناطر: استعملت الأكتاف لغرض إنشائي، وهو دعم الحائط المرتفع للبناية المقابلة.
الأرضيات: تم تبليط الأرضيات والممرات ببلاط حجري بتشكيلات بسيطة جدًا، مكونة من صفوف أفقية أو عمودية متقاطعة أو ملتقية.
النوافير: لازمت إقامة النوافير الأفنية في كافة القصور، ويلاحظ أنها لم تكن تتوسط الفناء بل تميل للاقتراب من الإيوان الرئيسي، وقد ساعدت في تلطيف الجو الداخلي للأفنية، وانتشرت حولها النباتات، وقد اتخذت أشكالا عدة منها: المستطيل، والمضلع.
القباب: تعتبر القباب ميزة من ميزات العمارة العثمانية، خاصة في المباني العامة كالمساجد، وقد استخدمت في كافة القصور عند تسقيف العّليات والغرف الأكثر أهمية، وإن كانت أكثر بساطة، خاصة في التحميل، إلا أنها لا تقل عنها تمييزًا، وهي إما قباب ضحلة (موتورة: يكون القطع فيها فوق المركز، وانحناؤها بسيط) أو قباب نصف مقامة على مربع.
الأقبية: اعتمد إنشاء القصور على التسقيف بالأقبية طوال الفترة العثمانية، وهي في أغلبها أقبية متقاطعة، وهي إما مرفوعة على دعامات مربعة، كما في بناء الاسطبلات، أو مرفوعة على "ركب طايرة" في الحجرات العادية. وبعض الأقبية مروحية، كما وظهر القبو البرميلي في بعض الغرف المستخدمة للتخديم، واستخدمت فيه وحدات فخارية.
القرميد: وتتألف من وحدات خزفية ذات تعشيقات تسمح بتركيبها تصاعديًا، وهي نصف أسطوانية أو مستطيلة أو هرمية.
بدأ استخدام القرميد في أسقف القصور في الجزء الأخير من القرن التاسع عشر، بعيد حملة علي باشا على فلسطين وما واكبها من تغريب في بعض العناصر المعمارية والزخرفية.
3- العناصر الزخرفية والنقوش: هي أحد العناصر المكملة في العمارة، وهي كثيرة الأشكال:
تركزت الزخارف في القصور فوق شمعات النوافذ والأبواب، وهي على شكل أقراص الفتوت، أو محاطة بكرانيش مكعبة وغيرها من الأشكال، وقد توجد كحفر على الخشب أو رسم على البلاط الأرضي، أو نقوش على الحجر والجص، وفي تشكيلات بعض الأدوات الحديدية. وهناك عدة أنواع منها ما تم على الجدران من الداخل والخارج، أو على الأسقف الداخلية، أو بتشكيلات البلاط والرسومات عليها، بل وتعدت ذلك إلى الزجاج والحديد المستخدم في القصور، وكذلك في الأثاث، ويمكن تلخيص أهم الأنواع كما يلي:
النقش على الحجر: مثل النقش على بطون العقود أو أعلى الأعتاب والعقود أو على الشرفات.
النقش على الجبص أو القصارة: هي من القصارة المتينة من الكلس المخلوط بالكتان وتكون على شكل صواني وسط الغرف من الداخل.
الرسم والحفر على الخشب وخاصة الأسقف الخشبية للمقصورات. وقد استخدمت الزخرفة في القصور في مواقع محددة الأشكال:
1- الزخرفة الهندسية وتعتمد بشكل أساسي على تكرار الوحدة، وقد استخدمت في القصور في مواقع وأشكال محددة.
الصحن: وهو شكل دائري محفور في الحجر بشكل كروي ضحل، وقد استخدم فوق أعتاب المداخل، أو وسط تقاطع العقد القبوي للإيوانات. ويعتقد بأنه كان يغطى بصحن من القيشاني الملون بالأبيض والأزرق.
الزخرفة النجمية: استخدمت النجمة الثمانية العربية في الكثير من المواقع، خاصة في زخرفة أعلى الفتحات وظهرت بعدة تشكيلات مع خطوط منطلقة من المركز، كما استخدمت النجمة السداسية. وغالبًا ما كانت النجمة تقع ضمن إطار دائري وأحيانً مربع.
أشكال المربع والثلث: تظهر الأشكال المربعة كإطارات زخرفية حول النقوش أو العقود، كما في زخرفة "القصماط"، أعلى صنج العقد والمحيطة بالعقد. أما المسننات أو المثلثة أو تشكيلات "الكيزان المثلثية" فقليلة نسبيًا، وتكثر هذه التشكيلات الزخرفية في البلاط الملون.
الشكل الدائري: وهو الغالب في الزخرفة، ويوجد كنقش على الحجر، أو في القصارة؛ لتزيين أعلى الأقبية.
2- الزخرفة النباتية: وتعتمد التماثلية بشكل أساسي، وقد ظهرت على عدة أشكال، منها: سعف النخيل، وهي على شكل خطين ملتقيين، يتم تكرارها بشكل دائري مكونة طبقا نجميا. وتأتي على شكل عروق محوّرة كما في أعلى النوافذ أو كرسومات على البلاط الملون، وكذلك على الأسقف الملونة.
3- زخرفة المقرنص: وهي حليات زخرفية في طبقات منتظمة تسمى "حطات"، وقد استخدمت بشكل زخرفي في الواجهات والكرانيش، وفي كافة الأماكن التي تتناسب معها.
4- الزخارف الكتابية: ندر استخدام الكتابة في زخرفة القصور.
5- الزخارف المعمارية: ويدخل من ضمنها الزخرفة باستخدام طريقة توزيع الطلاقات "القندليات"، والإطارات "البانوهات"، والزخرفة بالفخار "الكيزان".
6- العناصر المكملة:
من العناصر المكملة في العمارة، الخزائن الحائطية، والتي كان بعضها يغطى بالخشب المحفور، وتدعى "صندرة"، والمعّلقات، وأعمال الخشب والحديد في الأبواب والدرابزينات، كثريات الإنارة، والقناديل والفوانيس بأنواعها، وقد كانت تعلق في أماكن خاصة، ومنه أيضًا استخدام الصحون الخزفية لتزين وسط الأقبية أو أطراف العقود.