الفترة التاريخية في فلسطين منذ الخلافة الراشيدية حتى المماليك

فلسطين في عهد الخلافاء الراشدين

بعد الفتح العربي الإسلامي أصبحت فلسطين إقليماً تابعاً للدولة الإسلامية ونعمت في ظل هذا الحكم بفترة من الاستقرار لم تعرفها حيث كانت محط أنظار القوتين العظمتين آنذاك فارس وبيزنطة وساحة للصراع بينهما، وبعد فتح فلسطين زمن الخليفة عمر بن الخطاب والذي وضع بدوره عمرو بن العاص والياً عليها ومن بعده عبد الرحمن  بن علقمة الكناني وبعد موته كان علقمة بن مجزر، وظل الحال كذلك إلى أن ضم الخليفة عثمان بن عفان فلسطين مرة أخرى إلى معاوية بن أبي سفيان الذي كان والياً على الشام.

العهد الأموي
بدأت فلسطين مرحلة جديدة من مراحل حياتها حين أعلن معاوية بن أبي سفيان نفسه خليفة مؤسساً بذلك حكم الأسرة الأموية الذي دام ما يقارب التسعين عاماً، وقد استهل عهده بالذهاب إلى بيت المقدس حيث أعلن خلافته من هناك في العام (40أو 41هـ /661م)، ثم بايعه الناس بعد ذلك.                                                             

ولما آل الأمر الحكم إلى يزيد بن معاوية بدأت الاضطرابات الداخلية التي أثارها معارضوه من أمثال الحسين بن علي، شهيد كربلاء، وعبد الله بين الزبير الذي طالب بالبيعة لنفسه بعد مقتل الحسين، فاستجابت له الحجاز وبعض أجزاء العراق، فتصدعت وحدة الصف في الداخل، وحينما مات يزيد كانت بدايات الفتنة الثانية تطل برأسها على الدولة الإسلامية، وبعد موته مال الناس في أكثر البلدان الإسلامية إلى ابن الزبير باستثناء الشام، التي بايعت معاوية بن يزيد بن معاوية أي معاوية الثاني، ولكن أمر معاوية الثاني لم يطل، ومات بعد حكم لم يدم أكثر من أربعين يوماً،  فتحولت الشام لابن الزبير ودخلت في طاعته ما عدا جندي الأردن وفلسطين وكان عليهما حسان بن مالك بن الكلبي منذ أيام معاوية ابن أبي سفيان.

وكان حسان يميل إلى الأموية، فخرج إلى الأردن ليكون قريباً من مسرح الأحداث بعد أن استخلف على جند فلسطين "روح بن زنباع الجذامى" ولم يلبث ناثل بن قيس الجذامى أن أعلن البيعة لابن الزبير بفلسطين وخرج ثائراً على روح وطرده إلى الأردن التي لم يبق مع بني أمية سواها.

وبعد معركة مرج راهط استقر الرأي في الشام على أن تكون الخلافة لمروان بن الحكم وبعده لخالد بن يزيد بن معاوية، ومن ثم عادت الخلافة مرة أخري لعبد الملك بن مروان بعد أبيه واستقامت له الشام، وفي عهد من تلا عبد الملك من أبنائه وحتى هشام بن عبد الملك نعمت فلسطين بالاستقرار وعمها الرخاء ولم يعكر صفوها أي حدث كبير.

ويذكر أنه في عهد هشام دب الضعف في أواصر الدولة الأموية واحتدم الصراع الداخلي في الدولة. وان أخر الخلفاء هو مروان بن محمد حيث سقطت الخلافة الأموية لتبدأ دولة العباسيين.

العصر العباسي
بعد مقتل مروان بن محمد، تهيأت الظروف للعباسيين فرض سلطانهم على بلاد الشام، وأخذت مدن الشام تسقط في أيديهم الواحدة تلو الأخرى دون أدنى مقاومة، وبعد أن أخضع "عبد الله بن علي" دمشق له في (18 نيسان/ أبريل عام 750م)، دخل فلسطين ليبدأ عهداً جديداً في تاريخ هذه الأرض العربية، وقد اتبع العباسيون سياسة الشدة مع من تبقى من أتباع الأمويين في الشام،  ولكن أهل الشام قابلوا ذلك بالثورات المتلاحقة على طول الفترة العباسية وكانت بلاد الشام بمثابة الشوكة في حلق هذه الخلافة.
العهد الطولوني
اتضح أن الفترة السابقة (الفترة العباسية) انطوت على العديد من الأحداث والتي اتسمت بعدم الاستقرار وعدم الوفاء من قبل بلاد الشام للعباسيين، وبقي الحال كذلك إلى أن آلت السلطة إلى أحمد بن طولون مؤسس الإمارة الطولونية، وقد تأسست الإمارة الطولونية في مصر منذ العام (257هـ/ 870م)، وأراد لنفوذه أن يمتد عبر الشام بدعوى الحفاظ على البلاد الإسلامية من تربص العدو البيزنطي، وعمل على ضمها، واستمر في جهده للحفاظ عليها حتى توفي في العام (270هـ/ 884 م) وقد آل أمر الحكم بعده إلى ابنه "خماروية"، فاستمرت الفترة الطولونية حتى قامت القبائل العربية في الشام بعد سقوط الطولونيين ببعض الحركات المناوئة للسلطة، مع استمرار تبعية بلاد الشام لبغداد، إلى أن قامت الدولة الإخشيدية.
الحكم الإخشيدي
والتي أسسها أبو بكر بن طغج بن جف بن بلتكين وبدأت فترة حكم الإخشيديين بتولي الإخشيد لمصر والشام، واستمرت فترة حكمه حتى تُوفي في دمشق يوم الجمعة في شهر ذي الحجة سنة (334هـ، 946م) ونقل جثمانه إلى بيت المقدس حيث دفن هناك، وتولى الحكم بعده أبو القاسم أنوجور.
العصر الفاطمي
بدأ العصر الفاطمي بإنشاء دولة الفاطميين في مصر، ومن ثم ذهبت أطماعهم إلى بلاد الشام، وحققوا رغبتهم بذلك من خلال الاستيلاء على الشام عبر جيش بقيادة جوهر الصقلي في عهد المعز لدين الله الفاطمي، واتسمت هذه الفترة بالاضطرابات والحروب الداخلية وذلك لعدة أسباب خارجية وداخلية أهمها أن الدولة الفاطمية قامت على أساس شيعي بخلاف ما كان عليه أهل الشام، وأدى هذا الخلاف المذهبي إلى خلاف على السلطة والحكم، كما كان هناك أسباب أخرى تمثلت في أطماع عديدة في الاستيلاء على بلاد الشام والسلطة من قبل طوائف أخرى، وكذلك رغبة بعض القبائل العربية في الاستقلال عبر إمارات مستقلة بذاتها.

الفترة السلجوقية

بدأ الأتراك المعروفون "بالسلاجقة" التسلل نحو شمال العراق وبلاد الشام سنة (1067م) وهم ليسوا من طينة الأقوام العربية في بلاد الشام، بل هم من وراء تركستان حديثي الإسلام، دخلوا في أهل الشام وامتزجوا بهم، وأخذوا على عاتقهم الدفاع بصفتهم الحكام والعسكريين ضد الفرنجة والمغول حوالي أربعة قرون، وتولوا زعامة المنطقة بالقوة العسكرية حتى مطلع القرن العشرين.
الفرنجة
امتدت فترة الحروب الصليبية ما بين عامي (1095-1291م) في الشرق عبر حملات متعددة ولأهداف متعددة في كل حملة، وقد بدأت جملة هذه الحروب عندما أطلق البابا "اوربان الثاني" في مؤتمر كلير مون سنة (1095م) صيحة الحرب الصليبية "هكذا أراد الله"، فقامت أول الحروب الصليبية على أساس ديني تحت شعار الأيديولوجية الدينية لمحاولة السيطرة على الأماكن المقدسة في الشرق مهد المسيحية، ورأى البابا أن تصدر الكنيسة الكاثوليكية الغربية بالدور المركزي في الحملات الصليبية يمكنها من احتلال الموقع القيادي المرغوب دينياً وسياسياً في الشرق كما في الغرب.

وشهد القرن الحادي عشر في أوروبا حركة أحياء ديني واسعة النطاق، وخصوصاً بين الطبقات الشعبية التي تنامت فيها الأفكار الصليبية، فعندما جاءت الدعوة إلى القيام بحملات عسكرية تحت راية الصليب، كانت الاستجابة الشعبية واسعة أيضاً، أما الباباوات فقد شعروا بقوتهم في القرن الحادي عشر وخصوصاً أيام غريغوريوس السابع وجاء بعده أربان الثاني ليدفع مسيرة تعزيز موقع الكنيسة إلى الأمام،  فكانت الحملات الصليبية السبيل إلى ذلك في رأيه، وكذلك استجابة لطلب إمبراطور بيزنطة بالنجدة والذي شعر بالخطر على عاصمته وعدم مقدرته على درء الخطر عن الأماكن المقدسة. 

فكانت أوروبا في القرن الحادي عشر مهيأة مادياً ومعنوياً لقبول فكرة الحروب الصليبية، فالأوضاع الاجتماعية الصعبة وزيادة عدد السكان وطبيعة رقعة الأراضي الزراعية وتوالي الكوارث الطبيعية والأوبئة والطمع في خيرات الشرق كل هذه العوامل ساعدت على تجسيد الفكرة وممارستها.

الحملة الأولى:

كانت الحملة الأولى عندما طلب إمبراطور بيزنطة مساعدة عسكرية تتمثل في جيش من المرتزقة للدفاع عن عاصمته، فجاء الرد الأوروبي غير المتوقع وهو عبارة عن حملة صليبية، الأمر الذي أربك إمبراطور بيزنطة ووضعه في موقف حرج، ففي كليرمونت (وسط فرنسا) عقد المجمع الشهير في تشرين الثاني/ نوفمبر(1095م) حيث ألقى البابا "أربان الثاني" خطاباً حماسياً ألهب المشاعر الدينية لجماهير غفيرة اجتاحتها العواطف الدينية ودعا إلى حمل السلاح لحماية المسيحيين في الشرق من الاضطهاد، وتحرير كنيسة القيامة والمسيحية الشرقية عامة، وتعالت الصرخات العفوية "هذه إرادة الله" واندفع الناس نحو البابا مؤيدين دعوته، ووعد هؤلاء بأن يمحو الخطايا والإعفاء من الديون ورعاية الأسر أثناء الغياب والمرتدون سيحرمون من الكنيسة، وقد انتشرت هذه الحماسة من فرنسا إلى أن بلغت سائر أوروبا، وكانت فكرة الحملة الصليبية غريبة على بيزنطة على مستوى القمة والقاعدة الشعبية، فقد كان همهم مواجهة خطر السلاجقة، ونظرت بيزنطة إلى الصليبيين بارتياب، ورأت فيهم برابرة شأنهم في ذلك شأن السلاجقة الذين يهددونهم من الشرق، فعندما اقتربت الحملة الصليبية الأولى من القسطنطينية التي قادها الراهب "بيتر" حيث سبقتها سمعتها السيئة على طول طريقها من فرنسا إلى القسطنطينية، سارع الإمبراطور والذي عرف بدهائه الشديد إلى نقلها عبر المضيق إلى شاطئ آسيا الصغرى، حيث تركها طعما لسيوف السلاجقة في سلطة الروم.

وبعد فناء حملة بيتر الراهب في صيف (1096م)،  بدأت قوات الحملة الصليبية الأولى تتجمع في غرب أوروبا وجيشها هو الأكبر في هذه الحملة متعددة القادة، وكان على هذه الجيوش أن تتجمع في القسطنطينية قبل الدخول إلى أراضي السلطنة السلجوقية وكانت فرنسا تشكل الثقل الرئيسي في الحملة. 

بدأت الحرب بمشاركة شكلية من جيش الإمبراطور البيزنطي، مع السلاجقة في سلطنة روم، وبدأ محاصرتهم واحتلال الإمارات الواحدة تلو الأخرى، وواصلوا تقدماً في الجنوب نحو فلسطين فأخذوا (معرة النعمان) وقاموا بمذبحة كبيرة فيها وأخذوا بعض المناطق الأخرى متوجهين إلى الساحل وحصنوا مواقعهم في صور وعكا والقدس وتقدموا إلى القدس لاستكمال الحج إلى الأماكن المقدسة، وتابعوا طريقهم إليها في أيار/ مايو (1099م) وسار الجيش الصليبي أمام عكا وحيفا وأرسوف وقيساريا، ومن هناك انعطفت إلى الرملة عاصمة فلسطين وتابعوا إلى القدس وامتنعت عليهم المدينة فحاصروها من (7 حزيران/ يونيو إلى 15 تموز/ يوليو 1099م) وسقطت في أيديهم وقاموا بمذبحة رهيبة ضد السكان المحليين.

وبعد تأسيس مملكة أورشليم اللاتينية توجه قادتها إلى استكمال احتلال ساحل البلاد وداخلها.

أفاق الفاطميون على حقيقة احتلال الصليبيين للبلاد العربية وكان ذلك متأخراً، فحاولوا مواجهة الصليبيين وهزموا في معركة برية بالقرب من عسقلان في آب/ أغسطس (1099م) وانتقل بعدها الصليبيون لاستكمال احتلال مدن الساحل، أما عسقلان الفاطمية فقد ظلت تشكل خطراً على المملكة الصليبية حتى سنة (1153م)، وعندما سقطت أصبح الساحل بأكمله تحت سيطرة الصليبيين وخلال أكثر من خمسين عاماً، ظلت المناوشات مستمرة بين الفاطميين ومملكة أورشليم اللاتينية.

الحملة الثانية 1146-1149م:

احتدمت الصراعات الصليبية الداخلية وكذلك الصراع مع بيزنطة مما هيأ الفرصة للسلاجقة لاستعادة الأراضي التي خسروها، ولاحت فرصة قوية للإمبراطور "ألكسيوس" لانتزاع أنطاكيا من "بوهيمند" الذي وقع أسيراً في يد القائد التركي "أمير مالك غازي"، وتم التفاوض على افتداء "بوهيمند"، وبعد أن تم ذلك رفض تسليم أنطاكيا للإمبراطور. ألحق به السلاجقة هزيمة نكراء في حران عام (1104م) وخسر معظم الأراضي التي احتلها في سوريا.

وفي المقابل كانت مملكة أورشليم اللاتينية تتوسع في جميع الاتجاهات والتي ولدت حالة من النهوض في الموصل، ففي الموصل بدأت حركة عام (1113م) لتوحيد الإمارات الإسلامية في العراق وسوريا من أجل عمل مشترك ضد الفرنجة، ووصلت هذه الحركة ذروتها أيام عماد الدين زنكي الذي برز خلال الفترة (1127م-1146م) واستطاع فرض سلطته على حكام المقاطعات في العراق وسوريا ماعدا دمشق، وبذلك فتح عماد الدين زنكي مرحلة جديدة من الاشتباك مع الفرنجة، وامتدت إلى أيام ابنه نور الدين  زنكي، ومن بعده صلاح الدين الأيوبي وصولاً إلى المماليك الذين تمت على أيديهم  تصفية مملكة أورشليم اللاتينية.

العصر الأيوبي
ولد صلاح الدين يوسف بن أيوب في مدينة تكريت بالعراق لعائلة كردية سنة (1138م). وانتقل صلاح الدين الأيوبي إلى بعلبك بلبنان مع والده حيث عين قائداً عسكرياً في عهد عماد الدين زنكي، ثم انتقل مع عمه "أسد الدين شيركوه" إلى مصر (1164م)، وكان قد تولى الوزارة في القاهرة بعد موت عمه.

وفي سنة (1171م) ألغى الخلافة الفاطمية الشيعية وأعلن البيعة للخليفة العباسي السني المستضيء، ولذلك برز خلاف بينه وبين نور الدين زنكي انتهى بوفاة الأخير. بعدها سعى صلاح الدين لتوحيد مصر وسوريا تحت قيادته لتحقيق حلمه في القضاء على الصليبيين، وفي عام (1187م) كان هناك حدث تاريخي تمثّل بمعركة حطين والتي أحدثت انعطافاً في العلاقات بين الشرق والغرب، ووضعت الوجود الصليبي في الشرق موضع الدفاع عن النفس.

بعد معركة حطين أخذ صلاح الدين طبرية، ثم تقدم إلى عكا، وأذعنت مدن الجليل ومن ثم أخذ نابلس، ويافا، وغزة، وعسقلان، وبيروت، وصيدا كما أخذ الناصرة، وقيساريا، وصفد، وصفورية، والشقيف، وجبل الطور وغيرها، إلى أن جاء دور القدس فحاصرها وأخرج الصليبيين منها بموجب اتفاق، وصلى الجمعة في (27 تشرين الأول/ أكتوبر 1187م) في المسجد الأقصى. وتجمع الصليبيون في ثلاث مدن ساحلية هي أنطاكيا وطرابلس وصور.

الحملة الثالثة:

قاد الحملة الصليبية الثالثة ملوك أوروبا الأقوياء في ذاك الوقت وجاءت هذه الحملة بعد سقوط القدس تحديداً واستطاعت أوروبا أن تحشد قوتها برغم الخلافات بين ملوكها، واستطاعت هذه الحملة أن تصل إلى فلسطين وتحاصر عكا، وأسرع صلاح الدين إلى حصار الصليبيين، ومع وصول الفرنسيين والإنجليز دارت معركة كبيرة، واستمر الحصار المتبادل من (آب/ أغسطس 1189م إلى حزيران/ يونيو 1191م)، والذي سقطت في أثره عكا.  

وفي 2 أيلول / سبتمبر (1192م) توصل الطرفان، بعد مفاوضات طويلة إلى اتفاق أقيمت بموجبه مملكة صليبية مركزها عكا وللمسيحيين الحق بزيارة الأماكن المقدسة في القدس والناصرة.

وبعد الصلح عاد صلاح الدين إلى دمشق بعد عشرين عاماً من الجهاد غير المنقطع فوافته المنية في 3 آذار/ مارس (1193م) وهكذا ظلت الحروب الصليبية مستعرة ولكن خارج فلسطين إلى أن جاءت فترة المماليك الأتراك.

المماليك
عُرف نظام المماليك بوجهه العسكري منذ عهد العباسيين، وقد برز في صفوف هذا الجيش سلالات حاكمة، فبعد زوال ملك الأيوبيين اتخذ هذا النظام وضعاً متميزاً، فقد كانت نهاية ملك بني أيوب على أيديهم وأسسوا ملكاً في مصر وبلاد الشام، دام أكثر من قرنين ونصف.

تمكن المماليك من إنقاذ مصر في اللحظة الأخيرة وذلك بعد أن أفلحت الحملة الصليبية السابعة باحتلال دمياط والتقدم نحو القاهرة بينما كان الصالح أيوب على فراش الموت وفي لحظات الشدة توفي أيوب، وفي تلك اللحظة اجتمع المماليك وعزموا على قتال الصليبيين فهزموهم، وكان قد ظهر على الساحة "الظاهر بيبرس" المؤسس الحقيقي لدولة المماليك وبهذا أصبح المماليك على سدة الحكم في مصر واكتفى الأيوبيون  ببلاد الشام ولكن لم يدم ذلك طويلاً وذلك لأن المغول بقيادة "هولاكو" كانوا قد توجهوا إلى الشرق ودخلوا بغداد وقضوا على العباسيين وخربوا البلاد ودمروا حضارتها سنة (1260م) وساروا إلى دمشق التي لقيت نفس المصير، وبعثوا يهددون "السلطان قطز" الذي تولى الحكم في القاهرة في (1259-1260م)، وإزاء هذه التهديدات عمل "قطز" على لم شمل المسلمين وانضم إليه "بيبرس" وتقدموا لملاقاة المغول فاصطدموا بطلائعهم عن غزة وهزموهم وتابعوا المسير إلى أن تجمعت قواتهم في عين جالوت (مرج بن عامر) وهناك التقى الجيشان في معركة شرسة في 6أيلول/ سبتمبر (1260م) انتصر فيها المماليك، وقد غير هذا الانتصار وجه التاريخ في غرب آسيا.

بعد ذلك عزم "بيبرس" على تصفية الوجود الصليبي، وتولى الحكم بلقب الظاهر في (1260-1277م)، ودأب على ترتيب أوضاعه الداخلية وتفرغ لمقارعة الصليبيين، ولكنه مات وهو يقاتل في من تبقى من الصليبيين  في الشرق في عام (1277م).