مُجمل وقائع وحصاد عامي حرب الإبادة: 7/10/2023 - 7/10/2025

منذ السابع من تشرين الأول عام 2023، وعلى امتداد عامين متواصلين من العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة والضفة الغربية والكل الفلسطيني، ارتكبت إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، جريمة إبادة جماعية ممنهجة مروعة ضد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. وقد أفضت هذه الجريمة إلى استشهاد وإصابة ما يقارب ربع مليون فلسطيني، غالبيتهم الساحقة من الأطفال والنساء، فضلًا عن آلاف المفقودين الذين لا يزالون تحت الأنقاض، في ظل دمار شامل وغير مسبوق طال المساكن والمنشآت المدنية والبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك المستشفيات والمراكز الصحية والجامعات والمدارس. كما تفاقمت الأوضاع لتبلغ حد المجاعة الجماعية التي أزهقت أرواح المئات، بينهم نحو مئتي طفل على الأقل.

وتشير تقارير وزارة الصحة الفلسطينية الدورية إلى أنّ هذه الانتهاكات المتواصلة لا يمكن اختزالها في أرقام وإحصاءات، إذ إنها تمثل انتهاكًا سافرًا وشاملاً لكافة قواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وتشكل استهدافًا متعمّدًا للنظام الصحي بأكمله، وهو ما يرقى إلى جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان بحق الشعب الفلسطيني.

ووفقاً للإحصائيات والبيانات الواردة فقد بلغ عدد الشهداء من 7/10/2023 حتى 7/10/2025 إلى 67173 شهيد والمصابين إلى 169780، من بينهم 20179 طفلا، و10427 سيدة، و4813 من كبار السن و31754 من الرجال.

وبلغ عدد الشهداء من الطواقم الطبية 1701 شهيد، و362 معتقلاً في ظروف اعتقال وتغييب قسري وحرمانهم من حقوقهم الإنسانية.

 25 مستشفى خرجت على الخدمة من أصل 38 مستشفى، فيما لا تزال 13 مستشفى تعمل بشكل جزئي وفي ظروف صعبة، كما دمر الاحتلال 103 مراكز للرعاية الصحية الأولية، من أصل 157 مركزا, فيما تعمل 54 مركزاً بشكل جزئي.

توقف الإمدادات الطبية المنتظمة وعرقلة وصولها الآمن إلى المستشفيات وازدياد أعداد الإصابات والشهداء فاقمت أزمة نقص الأدوية والمستهلكات الطبية في الأقسام الحيوية، حيث بلغت نسبة الأصناف الصفرية من الأدوية 55% ومن المستهلكات الطبية 66% ومن المستلزمات المخبرية 68%.

ارتفاع نسبة إشغال الأسرّة في المستشفيات حتى نهاية سبتمبر الماضي إلى 225%، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، إذ بلغت 82% وهي نسبة كارثية مع تزايد حالات الدخول والإصابات الحرجة.

أدى استهداف المؤسسات الصحية المباشر إلى تدمير الأنظمة الكهربائية والأنظمة الكهروميكانيكية، حيث دمر الاحتلال 25 محطة توليد أكسجين من أصل 35 محطة, و61 مولدا كهربائيا من أصل 110 مولدات. تفاقمت مستويات المجاعة في قطاع غزة إلى حدود خطيرة وفق التصنيفات الأممية، إذ تم تسجيل 460 حالة وفاة جراء المجاعة وسوء التغذية منها 154 طفلا، فيما لا يزال 51196 طفلا دون سن الخامسة يعانون سوء التغذية الحاد.

تكدس المواطنين في مناطق التجميع القسري والمسماة باطلاً بالإنسانية فاقم أوضاعهم الصحية والإنسانية مع انعدام مقومات الحياة، التي أدت إلى تفشي الأمراض وانعدام مصادر المياه الصالحة للشرب، والحرمان من مصادر الغذاء.

منع وصول التطعيمات الروتينية والطارئة أدى إلى انخفاض نسبة تغطية تطعيمات الأطفال إلى 80%، إضافة إلى توقف المرحلة الرابعة من التطعيم الوقائي من شلل الأطفال، ما يهدد بفشل المراحل السابقة مع ازدياد عوامل انتشار المرض.

4900  حالة بتر وإعاقة بحاجة إلى أدوات مساندة وبرامج تأهيل طويلة الأمد.

 أدى إغلاق المعبر أمام حركة مغادرة المرضى والجرحى إلى حرمان 18 ألف مريض من السفر للعلاج في الخارج، منهم 5580 طفلاً.

التجويع كسلاح حرب

في آب/أغسطس الماضي، أعلن "التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي" (IPC) – المبادرة الدولية التي تشارك فيها وكالات الأمم المتحدة – أنّ المجاعة تفجّرت رسميًا في محافظة غزة، مع مؤشرات خطيرة على امتدادها إلى دير البلح وخان يونس. وبحسب التقرير، فإنّ أكثر من نصف مليون إنسان يرزحون تحت ظروف كارثية (المرحلة الخامسة)، حيث يواجهون الموت جوعًا وسوء تغذية حادًا يهدد الحياة، فيما يعيش أكثر من 1.07 مليون إنسان (54% من السكان) في المرحلة الرابعة "الطارئة"، وقرابة 396 ألفًا (20% من السكان) في المرحلة الثالثة "الأزمة". ويمثل ذلك أقسى انهيار في الأمن الغذائي منذ إطلاق هذا التصنيف عالميًا، والمرة الأولى التي يُسجَّل فيها وقوع مجاعة رسمية في منطقة الشرق الأوسط.

وحذّرت وكالات الأمم المتحدة من أنّ "التطورات الميدانية الأخيرة – وعلى رأسها تصاعد القتال، وتكرار النزوح القسري، والتشديد الخانق على دخول المساعدات – دفعت غزة إلى هاوية كارثة إنسانية غير مسبوقة، حيث يفتقد معظم السكان مقومات الحياة الأساسية من غذاء وماء وخدمات صحية".

ومنذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 وحتى اليوم، حصدت المجاعة أرواح 459 إنسانًا، بينهم 154 طفلًا، في ظل حصار إسرائيلي محكم يمنع تدفق الإغاثة، حيث تتكدّس الشاحنات على المعابر، بينما يُسمح بدخول كميات هزيلة "لا تمثل سوى نقطة في محيط"، وفق توصيف الأمم المتحدة. ومع حلول 2 آذار/مارس الماضي، ضاعف الاحتلال قيوده وأغلق المعابر بالكامل أمام قوافل المساعدات، ليحوّل التجويع إلى أداة حرب ممنهجة ترمي إلى خنق غزة وسكانها حتى الرمق الأخير.

النزوح القسري والتهجير الجماعي

تؤكد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" أنّ ما يقارب 1.9 مليون إنسان – أي أكثر من 85% من سكان قطاع غزة – نزحوا قسرًا منذ اندلاع الحرب، وأنّ الغالبية الساحقة من السكان أُجبروا على النزوح مرة واحدة على الأقل، في ظل ظروف إنسانية قاسية غير مسبوقة. ووفق الأمم المتحدة، فقد اضطر أكثر من 1.2 مليون شخص إلى النزوح عن مدينة غزة وحدها منذ منتصف آذار/مارس الماضي، بعدما تحولت المدينة إلى ساحة دمار شامل.

وفي 11 آب/أغسطس، شنّ جيش الاحتلال هجومًا واسع النطاق على أحياء مدينة غزة، استخدم فيه الروبوتات المفخخة والقصف المدفعي العنيف، إلى جانب أوامر التهجير القسري، في إطار خطة معلنة لإعادة احتلال القطاع تدريجيًا، بدءًا من قلب مدينة غزة، وهو ما أقرّته حكومة الاحتلال رسميًا في 8 آب/أغسطس. هذه السياسة لم تكن مجرد "تحرك عسكري"، بل شكلت مخططًا متكاملًا لإفراغ القطاع من سكانه، عبر الضغط الميداني، والتجويع، وتدمير مقومات الحياة، وتحويل المدنيين إلى قوافل نزوح لا تنتهي.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فإنّ 88% من مساحة قطاع غزة – أي ما يعادل 316 كيلومترًا مربعًا من أصل 360 – باتت خاضعة لأوامر إخلاء إسرائيلية، تعني فعليًا تهجيرًا قسريًا لملايين الفلسطينيين من منازلهم. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أنّ 15% من النازحين اضطروا للسير ساعات طويلة على الأقدام بحثًا عن مأوى، في حين باعت آلاف الأسر ما تبقى من ممتلكاتها لتغطية تكاليف النقل، بينما عجزت آلاف أخرى عن ذلك واضطرت للمشي القسري تحت القصف، في مشهد مأساوي يختزل معاناة كبار السن والمرضى وذوي الإعاقة الذين لم يتمكنوا من النجاة.

أما في شمال القطاع ومدينة غزة، فما يزال مئات الآلاف محاصرين داخل مناطق مدمرة، محرومين من أي منفذ آمن للخروج. وقد أُغلق 73 مركزًا من أصل 95 مركزًا للإيواء كان قائمًا حتى تموز/يوليو، ولم يتبق سوى 40 مركزًا فقط حتى أواخر أيلول/سبتمبر، تعمل فوق طاقتها الاستيعابية وتفتقر لأدنى مقومات الحياة. ومع هذا الانهيار، اضطرت منظمات إنسانية عديدة إلى تعليق عملياتها أو الانسحاب كليًا بسبب المخاطر الأمنية وانعدام القدرة اللوجستية، تاركة عشرات الآلاف من المدنيين في العراء، بلا مأوى ولا حماية ولا غذاء.

إنّ ما يجري في غزة اليوم هو تهجير جماعي منظم يرقى إلى مستوى جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي، حيث يتحول المدنيون إلى أهداف مباشرة لسياسة ممنهجة تسعى إلى إعادة تشكيل الواقع الديموغرافي للقطاع بالقوة، في تكرار فجّ لسيناريو النكبة، ولكن هذه المرة تحت أنظار العالم أجمع.

الإبادة التعليمية

في جريمة غير مسبوقة تستهدف مستقبل الأجيال الفلسطينية، وثّقت وزارة التربية والتعليم العالي أنّ منظومة التعليم في قطاع غزة تعرضت لعملية تدمير ممنهج ترقى إلى مستوى الإبادة. فقد دمّر الاحتلال الإسرائيلي بشكل كامل أكثر من 179 مدرسة حكومية، وألحق أضرارًا جسيمة بـ 118 مدرسة حكومية أخرى، فيما لم تسلم المؤسسات الدولية من العدوان، حيث تعرضت أكثر من 100 مدرسة تابعة لوكالة "الأونروا" للقصف والتخريب المباشر. ولم تقف الجرائم عند حدود التعليم العام، بل امتدت لتطال التعليم العالي، حيث أصيبت 20 مؤسسة جامعية بأضرار بالغة، وتم تدمير أكثر من 63 مبنى جامعياً بشكل كامل، ما جعل من قاعات الدرس والمختبرات والمكتبات أكوامًا من الركام.

وعلى صعيد الخسائر البشرية، فقد سجلت الوزارة استشهاد أكثر من 18,069 طالبًا وطالبة من المدارس، وإصابة أكثر من 26,391 آخرين، إلى جانب استشهاد 1,319 طالبًا جامعيًا وإصابة 2,809 آخرين، وذلك منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 وحتى 30 أيلول/سبتمبر الماضي. كما طالت آلة الحرب الإسرائيلية الكادر التعليمي نفسه، حيث استُشهد 1,016 من المعلمين والأكاديميين وأُصيب 4,667 آخرون، في جريمة استهدفت المعلم والطالب على حد سواء.

وأشارت وزارة التربية والتعليم إلى أنّ 30 مدرسة في غزة – بكامل طلبتها ومعلميها – أُزيلت من السجل التعليمي نهائيًا، في مشهد يختزل أقصى درجات التصفية الممنهجة للمنظومة التربوية. ونتيجة لذلك، حُرم أكثر من 630 ألف طالب وطالبة من حقهم الأساسي في التعليم، إضافة إلى عشرات الآلاف من الأطفال الذين بلغوا سن الالتحاق برياض الأطفال لكنهم وجدوا أنفسهم بلا مقاعد ولا فصول ولا مؤسسات تعليمية تستوعبهم.

ورغم هول الكارثة، لم تستسلم الوزارة أمام مشروع الإبادة التعليمية. فقد تمكنت من عقد امتحان الثانوية العامة إلكترونيًا لطلبة قطاع غزة من مواليد 2006، حيث تقدّم للامتحان نحو 27 ألف طالب وطالبة من مختلف المديريات، وتستعد الوزارة لعقد الامتحان للدفعة التالية من مواليد 2007. إلا أنّ الحرب كانت قد حرمت أكثر من 70 ألف طالب وطالبة من مواليد 2006 و2007 من استكمال هذا الاستحقاق المصيري.

ولمواجهة الفراغ التعليمي الهائل، عملت الوزارة على إطلاق المدارس الافتراضية، إلى جانب توفير مساحات تعليمية بديلة جزئية ووجاهية، في محاولة لإنقاذ ما تبقى من حق الطلبة في التعلم، وللتأكيد على أنّ العدوان قد يدمّر المباني لكنه لن يستطيع إطفاء شعلة المعرفة أو كسر إرادة التعليم لدى الفلسطينيين.

إن ما يجري في غزة لا يمكن وصفه فقط باعتباره "انتهاكًا لحق التعليم"، بل هو إبادة تعليمية شاملة، استهدفت الحجر والبشر والمستقبل، لتقويض قدرة شعب بأكمله على مواصلة حياته، وتجريمه بالجهل والحرمان، في سابقة خطيرة لم يشهد لها العالم مثيلًا في العصر الحديث.

الإبادة العمرانية والكارثة البيئية

من أصل ما يُقدَّر بنحو 250,000 مبنى في قطاع غزة، باتت 78% منها متضررة أو مدمَّرة بالكامل، في حصيلة مروّعة خلّفت ما يقارب 61 مليون طن من الركام، يُعتقد أنّ نحو 15% منه ملوّث بمادة الأسبستوس المسرطنة، أو النفايات الصناعية السامة، أو المعادن الثقيلة القاتلة. هذا الركام ليس مجرد حجارة مهدّمة، بل إرث سامّ يهدد البيئة والصحة العامة لعقود طويلة، ويُنذر بكارثة بيئية قد تمتد آثارها إلى أجيال قادمة من سكان غزة.

وقد حذّر برنامج الأمم المتحدة من أنّ "الحالة تتجه من سيئ إلى أسوأ، وإذا استمرت على هذا النحو، فسوف تخلّف إرثًا من الدمار البيئي الذي سيؤثر بشكل مباشر على صحة ورفاهية سكان غزة لسنوات قادمة". هذه الكلمات تكشف بوضوح أنّ العدوان لم يستهدف البشر وحدهم، بل استهدف أيضًا المكان والبيئة ومقومات الحياة ذاتها، في محاولة لقتل المستقبل وإبادة الأرض بما عليها.

صور الأقمار الصناعية الصادرة عن مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية (يونوسات)، والتي تُحدّث بياناتها كل ثلاثة أشهر، قدّمت دليلًا بصريًا صادمًا على تسارع وتيرة الدمار. ففي 8 تموز/يوليو الماضي، سجّلت الصور ارتفاعًا مذهلًا في عدد المباني المدمّرة كليًا بمحافظتي غزة والشمال، ليصل إلى 42,470 مبنى مدمّرًا بالكامل، مقارنةً بـ 33,837 مبنى فقط في 25 شباط/فبراير 2025. هذه الأرقام تكشف أنّ وتيرة الهدم تجاوزت قدرة أي مجتمع على الاحتمال، وأنّ الدمار يتوسع بشكل متعمد وممنهج يوماً بعد آخر.

ولم يكتفِ الاحتلال بالدمار الشامل الذي ألحقه بمحافظة رفح جنوبي القطاع، بل عمد في الأشهر الأخيرة إلى استهداف الأبراج السكنية في قلب مدينة غزة، ممعنًا في تدمير البنية التحتية المدنية على نحوٍ غير مسبوق في التاريخ الحديث. لقد تحوّلت المدن الفلسطينية إلى مقابر إسمنتية، وارتفع الركام حتى صار معلمًا ثابتًا من معالم الجغرافيا، فيما يظل السكان المدنيون بين نزوح وحرمان وحصار، محرومين من أي فرصة لإعادة البناء أو النهوض من جديد.

إنّ ما تتعرض له غزة اليوم لا يمكن وصفه بأنه مجرد حرب أو عدوان، بل هو إبادة عمرانية وبيئية مكتملة الأركان، تهدف إلى اقتلاع الإنسان من أرضه، وتدمير بيئته، ومحو ذاكرته العمرانية والتاريخية. إنها جريمة مركّبة تطال الحجر والبشر والهواء والماء، وتزرع في قلب القطاع إرثًا سامًا من الخراب يهدد الوجود الفلسطيني حاضرًا ومستقبلًا.

الإبادة الثقافية

على مدار عامي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تتجلّى ملامح أعمق لإحدى أبرز صور الإبادة الثّقافية في العصر الحديث، فلم يقتصر الدمار على المباني أو البنية التحتية المادية فحسب، بل امتد ليطال الذاكرة الجماعية، والهوية الوطنية، والمشهد الثقافي بكافة مكوناته.

فقد أحرقت المكتبات، ودُمّرت المتاحف، وسُوّيت المراكز والمؤسّسات الثقافية بالأرض، وتحوّلت مؤسسات الذّاكرة والتعليم والفنون إلى ركام، في مشهد يعكس استهدافًا ممنهجًا للبنية الثقافية والمعرفية الفلسطينية، ويشير إلى محاولة متعمدة لمحو التاريخ والهوية الثقافية للشعب الفلسطيني.

ورصدت المكتبة الوطنية الفلسطينية آثار الدّمار الذي لحق بالإرث الثّقافي في قطاع غزة خلال عامين من الحرب، الّتي خلّفت تدميرًا واسع النّطاق، وأسفرت عن ما يزيد على 67 ألفًا من الشهداء ونحو 170 ألفًا من الجرحى، وتعرّضت فيها البنيّة التّحتيّة، بما فيها المعالم الثّقافيّة والمؤسّسات التّعليمية والفنّية، لدمار شامل طال جوهر الحياة الثّقافية في القطاع.

يواجه التّراث الثّقافي والتّاريخي في قطاع غزّة الخطر الشّديد نتيجة الحرب والتّدمير والإبادة الثّقافية الممنهجة، الّتي تقود لمساعي الاحتلال الإسرائيلي في محو الهويّة والتّاريخ الفلسطيني وتقليص قدرة الأجيال القادمة على الوصول إلى تاريخهم؛ فقد استهدف الاحتلال البنية التّحتية الثّقافية في قطاع غزّة، من مراكز ثقافيّة ومتاحف ومسارح ومعارض ومعالم تاريخيّة وأثريّة ومكتبات عامّة وخاصّة وجامعيّة ومكتبات المدارس والمساجد والكنائس ودور نشر ومطابع ووزارات.

 وطال الدّمار ثروة من الكتب النّادرة والمخطوطات والوثائق التّاريخية والأرشيفات الخاصّة والإدارية، والمواد السّمعية والبصريّة والتّجهيزات ووسائل الحفظ اليدوي والإلكتروني وسجلّات الطّابو والسّجلات المدنيّة والمقتنيات والقطع الأثرية التّاريخية.

وامتدّ الدّمار إلى مئات المباني التّاريخيّة، فقد تضرّر ما لا يقلّ عن (226) موقعًا أثريًا في قطاع غزّة، منها تدمير بيت السّقا التّاريخي وهو من الفترة العثمانيّة، وبيت سباط العلمي والذي يعود إلى القرن السابع عشر الميلادي، والمدرسة الكاميلية، وحمام السّمرة الذي كان آخر الحمّامات العثمانيّة في غزّة، كما تمّ قصف المشفى المعمداني وهو بناء تاريخي شيّد في عام 1882، وميناء البلاخية، علاوة على استهداف موقع تلّ العجول الّذي يمثّل تاريخ غزّة في العصرين البرونزي الوسيط والمتأخّر، ودير القدّيس هيلاريون والّذي تعرّض لغارة جوية أدّت إلى تدمير جزء منه، وهو من أقدم أديرة الشّرق الأوسط.

إلى جانب قصف الاحتلال بالقذائف الموجّهة لأربع كنائس قديمة تُعتبر رموزاً حضاريّة مهمّة في فلسطين، من بينها كنيسة القدّيس برفيريوس، أقدم كنيسة في غزة وثالث أقدم كنيسة في العالم، وكنيسة المعمداني ومشفاها، وقصف وتدمير أكثر (1000) مسجدًا تدميرًا كليًا أو جزئيًا، من بينها المسجد العمري في غزّة وهو أحد أهمّ وأقدم المساجد في فلسطين التّاريخيّة، ومسجد السيد هاشم، ومسجد عثمان قشقار الأثري، كما ودمَّر (8) مقابر بشكل كامل، من بينها تجريف مقبرة بيت حانون ونبش (600) قبر فيها، والمقبرة الرّومانية والّتي تعود إلى نحو 2000 عام، وكانت تضمّ مجموعة توابيت مصنوعة من الرّصاص، ومقبرة دير البلح التي يعود تاريخها إلى العصر البرونزي المتأخر.

الأسرى الفلسطينيين في ظل حرب الإبادة

في ظل تصعيد غير مسبوق، تشهد سجون الاحتلال وجهًا آخر من وجوه الإبادة عبر تنفيذ عمليات قتل وإعدام متعمدة للأسرى والمعتقلين.

وقد بلغت حصيلة الشهداء الأسرى الذين أُعلِن عن هوياتهم منذ بداية الحرب 77 شهيداً على الأقل، بينما يظل العشرات من معتقلي غزة الذين استشهدوا قيد الإخفاء القسري.

وتشكّل هذه الحصيلة شهادة دامغة على أكثر الأزمنة وحشية في تاريخ حركتنا الأسيرة التي صمدت لعقود في مواجهة منظومة السجون التي عملت على تدمير الأسير جسدياً ونفسياً وتصفيته بشتى الوسائل.

كما تحتجز سلطات الاحتلال جثامين 85 أسيرًا استُشهدوا داخل السجون، من بينهم 74 منذ بدء حرب الإبادة.

ويُقدَّر عدد شهداء الحركة الفلسطينية الأسيرة منذ عام 1967 بـ 314 شهيدًا، وذلك استنادًا إلى ما تمكّنت المؤسسات الحقوقية من توثيقه على مدار العقود الماضية حتى اليوم.

ووفقاً للإحصائيات الواردة فقد بلغ عدد حالات الاعتقال في الضفة بما فيها القدس منذ بدء حرب الإبادة نحو 20 ألف حالة اعتقال، من بينهم نحو 1600 طفل، ونحو 595 من النساء، حيث تشمل حالات الاعتقال من اعتُقل وأبقى الاحتلال على اعتقاله ومن أُفرج عنه لاحقًا، ليشكل هذا المعطى فارقاً تاريخياً في أعداد من تعرضوا للاعتقال في غضون عامين فقط، مع التأكيد على أنّ هذا المعطى لا يشمل حالات الاعتقال في غزة والتي تقدر بالآلاف، وكذلك المعطيات المتعلقة بحملات الاعتقال في الأراضي المحتلة عام 1948.

و​بناءً على مئات الشهادات الموثقة والقرائن المادية، والتهديدات العلنية التي صدرت عن وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال المتطرف "إيتمار بن غفير"، فإن مؤسسات الأسرى تؤكّد أن ما يجري بحق الأسرى يتجاوز الانتهاكات الجسيمة ليشكّل "جرائم حرب"، و"جرائم ضد الإنسانية"، ارتُكبت على نطاق واسع وشكّلت المنظومة القضائية "الإسرائيلية" بما فيها المحكمة العليا غطاء للممارسة المزيد من التوحش بحقّ الأسرى. ويشمل ذلك: جرائم التعذيب، القتل، السلب، التجويع، التسبب المتعمد في نشر الأمراض والأوبئة، الحرمان من العلاج، والاعتداءات الجنسية التي وصلت إلى حد الاغتصاب، بالإضافة إلى سياسة العزل الجماعي. إن هذه الممارسات التي تهدف إلى التدمير الممنهج للأسرى الفلسطينيين على الصعيدين الجسدي والنفسي، تحمل دلالات واضحة على إبادة ممتدة تمارسها "دولة الاحتلال الإسرائيلي" في منشآتها الاعتقالية.

الرياضة الفلسطينية في ظل حرب الإبادة

عامان مرّا على اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. عامان تجرّعت فيهما الرياضة الفلسطينية مرارة الحرب، وتوقّفت كل مظاهر النشاط الرياضي تقريبا، بعدما تحوّلت الملاعب إلى ساحات ركام، وفقدت الأسرة الرياضية مئات الشهداء من اللاعبين والمدربين والإداريين.

الشلل الرياضي الكامل منذ اليوم الأول من العدوان

منذ اليوم الأول من العدوان، أصيبت الحركة الرياضية بالشلل التام. ألغيت البطولات، وتوقفت الدوريات، وتعطّلت تدريبات المنتخبات الوطنية والأندية، فيما أصبحت مقرات الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم وملاعبه هدفًا مباشراً للاعتداءات.

في غزة، دمّر القصف الإسرائيلي ملاعب كرة القدم بشكل كامل، ومقرات الاتحاد واللجنة الأولمبية وعددًا من الأندية، بينها خدمات الشاطئ وخدمات رفح واتحاد خان يونس، فضلًا عن استهداف منشآت رياضية أخرى في مناطق متعددة حيث بلغ عدد المنشآت المدمرة في القطاع 269 منشأة كلياً أو جزئياً، إضافة إلى 20 منشأة دمرها الاحتلال كليا أو جزئيا في الضفة الغربية، فضلا عن الانتهاكات المستمرة التي طالت المنشآت الرياضية في الضفة الغربية، من تدمير ملاعب وهدم مراكز للأندية في جنين وطولكرم ومخيم نور شمس، وكان آخرها يوم الخامس من تشرين الأول/أكتوبر الجاري عندما ألقت قوات الاحتلال قنابل الغاز والصوت على مقر اتحاد كرة القدم الفلسطيني في بلدة الرام.

مئات الشهداء من الرياضيين 

الانتهاكات الإسرائيلية لم تتوقف عند حدود الملاعب، فخلال العامين الماضيين، وثق الاتحاد الفلسطيني استشهاد أكثر من 949 رياضياً منذ بدء العدوان، بينهم أكثر من 467 لاعب كرة قدم.

واستُشهد نجوم بارزون في الساحة الكروية مثل اللاعب سليمان العبيد، أحد رموز نادي خدمات الشاطئ والمنتخب الوطني السابق، والمدرب العام للمنتخب الوطني الأولمبي هاني المصدر، والحكم الفلسطيني الدولي محمد خطاب، وغيرهم العشرات من اللاعبين والمدربين والإداريين.

توقف الموسم الكروي وغياب المسابقات

أمام هذا الواقع المرير، وجد الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم نفسه مضطراً إلى شطب الموسم الكروي 2023/2024 رسمياً، نظراً لاستحالة استمرار النشاط الرياضي في ظل ظروف الحرب، على أن تُعتمد نتائج موسم 2022/2023 في السجلات الرسمية، كما علّقت اتحادات الألعاب الأخرى مسابقاتها، في مشهد لم تعرفه الرياضة الفلسطينية منذ عقود.

حصيلة دامية بعد عامين:

وفقًا لآخر التحديثات حتى الخامس من تشرين الأول/أكتوبر 2025، فإن الأرقام ترسم صورة مأساوية:

- 949 شهيدًا من أبناء الحركة الرياضية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

- 44 مصابًا، بينهم من أُصيبوا بعاهات دائمة أنهت مسيرتهم الرياضية.

- 29 معتقلًا من الرياضيين والعاملين في المجال الرياضي ما زالوا يقبعون في سجون الاحتلال.

- 289 منشأة رياضية تم تدميرها كليًا أو جزئيًا أو تعرّضت للاقتحام.

وأوضحت اللجنة أن "هذه الأرقام، التي تتزايد يومًا بعد يوم، لا تعكس فقط حجم الجرائم، بل حجم الخسارة التي تعيشها الرياضة الفلسطينية بكل تفاصيلها، من لاعبين ومدربين وحكام وإداريين، وحتى الملاعب والصالات والمنشآت التي كانت يومًا ما ميدانًا للأحلام والأمل".

وفي المحصلة، ومع مرور عامان على العدوان، لم تعد الجرائم الإسرائيلية مجرد حرب عابرة، بل حرب إبادة جماعية ممنهجة تستهدف الوجود الفلسطيني برمته في قطاع غزة والضفة الغربية على حد سواء. إنها جريمة تاريخية تفوق الوصف في وحشيتها، بما تحمله من قتل وسفك دماء وترويع وتدمير، في مشهدٍ يتجاوز حدود الخيال، ويكشف عن سياسة منظمة لإبادة الشعب الفلسطيني واقتلاع حقه في الحياة والحرية والكرامة.

وبوضوح تستدعي حرب الإبادة تدخلاً فورياً لوقفها، فهي منافية كلياً لكل مضامين القانون الدولي والقرارات الدولية والأممية والأعراف ككل، فعندما تهدد الحرب الوجود الفيزيائي لمجموعة من السكان، وتقوم على القتل، والسفك، والترويع، والتهجير القسري، والتجويع، ونمط من الهجوم المنظم على السكان المدنيين؛ فهي أفعال جريمة إبادة الجماعية متكاملة الأركان وجرائم حرب "وانتهاكات جسيمة" بموجب قواعد اتفاقيات جنيف والقانون الدولي برمته.