ضمن سياسة العقاب الجماعي، لم تكتفِ سلطات الاحتلال الإسرائيلي بإقامة مئات الحواجز العسكرية، بل قامت بتركيب بوابات حديدية على مداخل المدن والبلدات والقرى الفلسطينية، وفي المفترقات الرئيسة التي تربط التجمعات السكانية الفلسطينية بعضها ببعض، بهدف تضييق الخناق على المواطنين الفلسطينيين وتقييد حريتهم في الحركة. حيث يتحكم جنود الاحتلال الإسرائيلي في فتح هذه البوابات وإغلاقها وفقاً لأهوائهم وفي الأوقات التي يختارونها، وقد يستمر إغلاق البوابة لعدة ساعات أو أيام أو أشهر وحتى سنوات، مما يقيد بشدة حركة المواطنين الفلسطينيين. هذا يعني منع عشرات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين من التنقل بحرية للوصول إلى أعمالهم ومؤسساتهم، وإجبارهم على استخدام طرق ترابية بديلة ووعرة أذا ما توفرت، مما يزيد من معاناتهم اليومية.
وفقًا لتقرير صادر عن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان بتاريخ 22 كانون الثاني 2025 وصل عدد الحواجز والبوابات الحديدية، التي نصبها جيش الاحتلال في الضفة الغربية إلى 898 حاجزا عسكريا وبوابة حديدية، منها 18 بوابة حديدية نصبها الاحتلال منذ بداية العام 2025، منها (146) بوابة حديدية نصبها الاحتلال بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
من جهة أخرى وفي تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلّة في 20 مارس 2025 تحت عنوان آخر مستجدّات الحالة الإنسانية رقم 274 | الضفة الغربية جاء فيه: "وفي الوقت الراهن، ثمّة 849 عائقًا من العوائق التي تتحكّم في قدرة الفلسطينيين على التنقل وتقيّدها وتراقبها بصورة دائمة أو متقطعة في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية والمنطقة الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية في الخليل. وخلّص مسح سريع أجراه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير 2025 إلى أنه أُقيم 36 عائقًا جديدًا للتنقل خلال الأشهر الثلاثة الماضية، معظمها عقب الإعلان عن وقف إطلاق النار في غزة في منتصف كانون الثاني/يناير 2025، مما زاد من عرقلة قدرة الفلسطينيين على الوصول إلى الخدمات الأساسية وأماكن عملهم. وتم توثيق حالات إغلاق أخرى، يُعتقد أنها أقيمت في العام 2024. ومن الجدير بالذكر أنه تم تركيب ما مجموعه 29 بوابة جديدة في جميع أنحاء الضفة الغربية، إما كبوابات إغلاق جديدة منفصلة أو أضيفت إلى الحواجز الفرعية القائمة، مما يرفع العدد الإجمالي لبوابات الطرق المفتوحة أو المغلقة في شتّى أرجاء الضفة الغربية إلى 288 بوابة، وهو ما يشكل ثلث عوائق التنقل. ومن بين هذه البوابات، تمثل نحو 60 بالمائة منها (172 بوابة من أصل 288) بوابات يتم إغلاقها بشكل متكرر. وبالإضافة إلى الزيادة في عدد العوائق المثبتة، فقد أدى تكثيف القيود المفروضة على التنقل إلى تعطيل الحركة لفترات طويلة عند الحواجز، والإغلاق المتقطع لنقاط الوصول الرئيسية التي تربط بين المراكز السكانية في جميع أنحاء الضفة الغربية، وزيادة عدد العوائق التي يتم إغلاقها بشكل متكرر. وفي الإجمال، شملت العوائق التي تم توثيقها 94 حاجزًا يعمل فيها الموظفون على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع، و153 حاجزًا جزئيًا (يعمل فيها الموظفون بشكل متقطع) (منها 45 حاجزًا يغلق بواباته بشكل متكرر)، و205 بوابات طرق (منها 127 بوابة تغلق بشكل متكرر)، و101 حاجزًا من الحواجز الخطية (مثل الجدران الترابية والخنادق)، و180 من السواتر الترابية، و116 من متاريس الطرق. ولا تشمل هذه البيانات الحواجز المقامة على امتداد الخط الأخضر أو غيرها من القيود، كإغلاق مخيم جنين أمام السكان العائدين أو تحديد بعض المناطق على أنها (مناطق عسكرية مغلقة)، وقد لا تنطوي هذه القيود دائمًا على حواجز مادية على الأرض)".
ومما لا شك فيه، فان نصب الحواجز والبوابات الحديدية في الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل إسرائيل القائمة بالاحتلال يُعد انتهاكًا صارخاً للقانون الدولي الإنساني، ويشكل عقبة أمام حرية التنقل الأساسية للفلسطينيين، بما في ذلك حقوقهم التي يكفلها القانون الدولي:
حيث جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المادة 13 في البند الأول "لكلِّ فرد حقٌّ في حرِّية التنقُّل وفي اختيار محلِّ إقامته داخل حدود الدولة." وفي البند الثاني "لكلِّ فرد حقٌّ في مغادرة أيِّ بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة إلى بلده".
وحسب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966) المادة 12 وفي البند الأول "لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حق حرية التنقل فيه وحرية اختيار مكان إقامته" وفي البند الثاني "لكل فرد حرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده".
وكذلك اتفاقية جنيف الرابعة لحماية الأشخاص المدنيين في زمن الحرب (1949) نصت المادة 27: على "حماية الأفراد تحت الاحتلال العسكري" و "يجب على الدول الأطراف احترام حقوق المدنيين في حرية الحركة أثناء النزاعات المسلحة".
فهذه البوابات والحواجز العسكرية الإسرائيلية حوّلت المدن والبلدات والقرى الفلسطينية إلى "كانتونات" مغلقة، تفصل بينها قيودٌ من العزل والقهر، لتجعل من حياة الفلسطينيين معاناةً يومية لا تنتهي. فهذه الحواجز باتت أدواتٍ ممنهجة للقمع والتضييق، تعرقل حركة السكان، وتشلّ مسارات الحياة، وتُحيل أبسط الحقوق إلى تحدياتٍ جسيمة. إن هذا الواقع المروع يستوجب تحركًا دوليًا عاجلًا، لوقف هذه الممارسات التي تفاقم مأساة الشعب الفلسطيني، وتُكرّس انتهاكًا صارخًا لأبسط مبادئ العدالة والإنسانية.