عام كامل من الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة 7/ 10/ 2023 إلى 7/ 10/ 2024

تتوالى أيام العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتستمر حرب الإبادة الجماعية لتلاحق براءة الأطفال وتهدد قدسية النساء وحرمة المدنيين الأبرياء وعجز الشيوخ ببشاعتها وأهوالها وفواجعها؛ إذ ألقت دولة الاحتلال جام حقدها معبأة بتحريض عقائدي سادي عنصري بغيض على إنسان غزة ومباني غزة وكل ما يتعلق بالحياة في قطاع غزة بكل صنوف العذاب البشعة والأهوال المزلزلة اللامتناهية بكل ما وصل إليه دهاء الجريمة في الدول الداعمة للكيان. عام مضى بزمانه دون أن تمضي عذاباته ودون أن تتخلله فسحة من أمان تأوي إليها النفوس. عام أسود غزت جرائمه جغرافية المكان وثواني الزمان. عام كامل ولا تزال خلاله نيران الإبادة الجماعية مستعرة، وويلاتها تتوالى من كل حدب وصوب، وفصولها الدامية لا تتوقف، لتشمل كافة قطاعات الحياة دون استثناء؛ فهنالك جريمة إبادة عشواء شعواء يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة ليُحدث بذلك كارثة إنسانية متكاملة الأركان بحق المواطنين هناك. دون رادع يستمر العدوان الإسرائيلي على غزة بصورة مهولة سريعة الفتك وشديدة الترويع، متضمناً أبشع الجرائم والانتهاكات بكافة الأسلحة جواً وبراً وبحراً. وقد تضمن هذا العدوان قطع مصادر الماء والغذاء على غزة، ليُحدث الاحتلال بذلك كارثة تتمثل في خطر المجاعة بحق المواطنين هناك، فمن لم يُقتل منهم بفعل القصف والمجازر الإسرائيلية، سيواجه خطر الموت جوعاً وعطشاً، فالجوع أصبح يُرسم ملامح الموت على وجوه ساكني غزة، وملامح الوجع والألم والقهر تطفو فوق كل شيء؛ فأهوال ما يحدث يفوق الخيال، وما ذكر من شهادات يؤكد أن صورة معاناة الأهالي وظروف عيشهم منذ بداية الحرب وحتى انقضاء ساعات العام الأول على هذا العدوان ما هي إلا نقطة في بحر الإرهاب والغطرسة الاحتلالية التي ما زالت جارية؛ فلا يمكن الإحاطة بكل تلك التفاصيل المرعبة، والجروح الموجعة في متوالية الدم النازف كل يومٍ وساعةٍ ودقيقةٍ دون انقطاع. لقد حفرت هذه الحرب الهمجية بفظاعتها ندوبها في أعماق الروح بتباريح الألم والوجع المقيم من فداحة الإبادة المتوالية بلا هوادة، بعد أن قطعت كل أسباب الحياة عن أبناء شعبنا، أطفالاً ونساءً وشيباً وشباناً؛ ففي العام الأول من حرب الإبادة على قطاع غزة، لم يُبقِ الاحتلال الإسرائيلي سلاحًا إلا استخدمه؛ فارتكب أكثر من 3500 مجزرة وجريمة متكاملة الأركان بحق المواطنين هناك، ما أسفر عن استشهاد نحو 42 ألف مواطن، أغلبيتهم من الأطفال والنساء؛ وجرح أكثر من 96 ألفاً، حسب إحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية، والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني؛ ودمر كل قطاعات الحياة في غزة دون استثناء تدميرا شبه كامل؛ فطال كافة القطاعات والمنظومات المعيشية ولاحق بجرائمه منظومتي الصحة والتعليم، والمنازل والمنشآت، والبنية التحتية بشكل كامل ليفرغ الساحة من كل أمل قد ينقذ الحياة. وبحسب تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة "أوتشا"، فان عدد النازحين قسراً وصل قرابة 2 مليون مواطن نازح.

وتؤكد وزارة الصحة الفلسطينية في تقاريرها الدورية أن الفظائع المتصاعدة في فلسطين نتيجة العدوان الإسرائيلي تتجاوز مجرد التقارير الرقمية، وتشكّل انتهاكات خطيرة لجميع مبادئ حقوق الإنسان. وما زال استهداف النظام الصحي جاريًا بشكل معتمد. ووفق بيانات وزارة الصحة حتى مطلع شهر تشرين الأول/  أكتوبر 2024 وصل العدد الإجمالي للشهداء إلى 41,689 شهيدًا، بينهم أكثر من 16891 طفلًا، و11458 امرأة، و2955 من كبار السن، و174 صحفياً، و496 شهيداً من الكوادر التعليمية، و203 شهداء من موظفي وكالة الغوث "الأونروا"؛ فيما وصل عدد المفقودين إلى نحو 10 آلاف؛ وأصيب حوالي 96,625 مواطنًا، يعاني العديد منهم صدمات شديدة وظروفًا تهدد حياتهم. هذا وقد دمر الاحتلال وأحرق العديد من المستشفيات في القطاع وأخرجها عن الخدمة؛ إذ إن هناك عدد قليل جداً من المستشفيات ما زالت تعمل بعد أن أخرج الاحتلال الإسرائيلي قرابة الـ34 مستشفى في قطاع غزة عن الخدمة بشكل كلي وجزئي. وأوضحت الوزارة أن نحو 986 كادراً في القطاع الصحي استُشهدوا؛ في حين اعتقل الاحتلال 310 آخرين؛ وأصيب المئات منهم. ودمرت قوات الاحتلال 130 سيارة إسعاف، مشيرة إلى أن استهداف الاحتلال المتعمد للبنية التحية الطبية أدى إلى حرمان المدنيين من إمكانية الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية الأساسية؛ إذ شن أكثر من 340 هجومًا على مرافق الرعاية الصحية والعاملين فيها. وبينت الوزارة أن غزة تواجه كارثة صحية بسبب نقص موارد المياه الآمنة، والاكتظاظ، ونقص احتياجات النظافة الأساسية. ويشكّل فيضان مياه الصرف الصحي وتراكم النفايات في الشوارع وحول أماكن إيواء النازحين مخاطر كبيرة على الصحة العامة؛ فيما يؤدي نقص الوقود إلى تفاقم الوضع، ما يعيق عمل الخدمات الأساسية.

وفي هذا السياق أكدت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، أنه "في ظل التهجير القسري، والظروف الصعبة، والحرارة الشديدة، فإن الأسر بقطاع غزة منهكة وجائعة ولا تملك ما تحتاج إليه للبقاء". وأكدت مسؤولة الاتصالات في "الأونروا" لويز ووتردج في تصريح صحفي أن "هناك الكثير من اليائسين، والجياع، والمتعبين" جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع. وأضافت أنه "في ظل التهجير القسري والظروف المعيشية القاسية والحرارة الشديدة، فإن الأسر في غزة منهكة ولا تملك ما تحتاج إليه للبقاء على قيد الحياة".

وأكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، "أن "إصدار (الاحتلال) أوامر الإخلاء الجماعي في قطاع غزة من دون ضمان وجود أماكن آمنة للنازحين، يفاقم الوضع الإنساني المتردي بالفعل لمئات آلاف الأشخاص".

وفي سياق متصل، حذّر تقرير دولي في أواخر حزيران/  2024، من استمرار المخاطر العالية لحدوث مجاعة بأنحاء قطاع غزة في ظل استمرار الحرب والقيود المفروضة على الوصول الإنساني. وقال التقرير: إن نحو 96% من سكان غزة (2.1 مليون شخص) يواجهون مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، متوقعًا استمرار هذا الوضع حتى أيلول/  سبتمبر 2024. وذكر تقرير "التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي"، أن كل قطاع غزة يُصنف بأنه في حالة طوارئ، وهي المرحلة الرابعة من التصنيف التي تسبق المجاعة (المرحلة الخامسة). وأفاد التقرير بأن أكثر من 495 ألف شخص (22% من السكان) يواجهون مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في المرحلة الخامسة، التي تواجه فيها الأسر نقصًا شديدًا في الغذاء وتتضور جوعًا وقد استنفذت القدرة على المواجهة.

وفي تقرير مشترك للبنك الدولي والأمم المتحدة، أُعدّ بدعم مالي من الاتحاد الأوروبي، فقد قُدّرت تكلفة الأضرار التي لحقت بالمباني والبنى التحتية الحيوية في قطاع غزة، بنحو 18.5 مليار دولار، أي ما يعادل 97% من إجمالي الناتج المحلي للضفة الغربية وقطاع غزة معًا لعام 2022. وقال البنك الدولي: إن تقرير "التقييم المؤقت للأضرار" استخدم مصادرَ جمع البيانات عن بعد لتقدير الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية المادية في القطاعات الحيوية بين تشرين الأول 2023 ونهاية كانون الثاني 2024". ويخلص التقرير إلى أن الأضرار التي لحقت بمرافق ومنشآت البنية التحتية تؤثر في جميع قطاعات الاقتصاد؛ إذ تشكّل المباني السكنية 72% من التكلفة؛ في حين تشكّل البنية التحتية للخدمات العامة مثل المياه والصحة والتعليم 19%؛ أما الأضرار التي لحقت بالمباني التجارية والصناعية فتشكّل 9% من هذه التكلفة. وجاء في البيان: "يبدو أن معدل الأضرار بلغ حد الثبات بالنسبة إلى العديد من القطاعات، إذ لا يزال عدد قليل من الأصول سليمًا. وقد خَلَّفَ الدمار كمية هائلة من الحطام والأنقاض تقدّر بنحو 26 مليون طن قد تستغرق سنوات لإزالتها والتخلص منها". وأضاف: تعرضت النساء والأطفال وكبار السن وذوو الإعاقة للقدر الأكبر من الآثار التراكمية الكارثية على صحتهم البدنية والنفسية والعقلية، مع توقع أن يواجه الأطفال الأصغر سنًا عواقبَ ستؤثر في نموهم وتطورهم طوال حياتهم. ويفيد التقرير الأممي بأنه مع تضرر أو تدمير 84% من المستشفيات والمنشآت الصحية، ونقص الكهرباء والمياه لتشغيل المتبقي منها- لا يحصل السكان إلا على الحد الأدنى من الرعاية الصحية أو الأدوية أو العلاجات المنقذة للحياة.

كما تعرض نظام المياه والصرف الصحي تقريبًا للانهيار، وفقًا للتقرير، وأصبح لا يوفر سوى أقل من 5% من خدماته السابقة؛ ما دفع السكان إلى الاعتماد على حصص مياه قليلة للغاية للبقاء على قيد الحياة. وبالنسبة إلى نظام التعليم فقد انهار، إذ أصبح 100% من الأطفال خارج المدارس. ويشير التقرير أيضًا إلى التأثير في شبكات الكهرباء وأنظمة إنتاج الطاقة الشمسية؛ كما يشير إلى انقطاع التيار الكهربائي بشكل شبه كامل منذ الأسبوع الأول من العدوان. ومع تدمير أو تعطيل 92% من الطرق الرئيسية، وتدهور البنية التحتية للاتصالات، أصبح إيصال المساعدات الإنسانية الأساسية للسكان صعبًا للغاية. ويحدد تقرير "التقييم المؤقت للأضرار" الإجراءات الرئيسية لجهود التعافي المبكر، وعلى رأسها زيادة المساعدات الإنسانية والمعونات الغذائية وإنتاج الغذاء، وتوفير مراكز الإيواء وحلول الإسكان السريعة والشاملة والفعالة من حيث التكلفة لمن تم تهجيرهم؛ بالإضافة إلى استئناف تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وقال البنك الدولي: إن تقرير "التقدير المبدئي للأضرار في قطاع غزة" يعتمد على مصادر جمع البيانات عن بعد والتحليلات لتقديم تقدير أولي للأضرار التي لحقت بالمباني المادية في غزة جراء الحرب وفقا لمنهجية التقدير السريع للأضرار والاحتياجات. وأضاف أنه سيتم إجراء تقييم سريع وشامل للأضرار والاحتياجات لتقدير الخسائر الاقتصادية والاجتماعية بالكامل؛ فضلاً عن الاحتياجات التمويلية للتعافي وإعادة الإعمار. ومن المتوقع أن تكون تكلفة الأضرار والخسائر والاحتياجات المقدّرة من خلال التقييم السريع الشامل أعلى بكثير من تكلفة التقييم المؤقت للأضرار.  وفي أواخر أيلول/  سبتمبر 2024، أصدر مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية التحديث التاسع لتقييمه للأضرار التي لحقت بالمباني في قطاع غزة، وأظهر أن ثلثي إجمالي المباني في القطاع لحقت بها أضرار. ويستند التحليل إلى صور أقمار صناعية عالية الدقة تم جمعها في الثالث والسادس من أيلول/  سبتمبر 2024. وقارن المركز الصور الملتقطة في هذين اليومين بالبيانات السابقة، ما يوفر نظرة شاملة لتطور الدمار. وذكر المركز أن نسبة 66% من المباني المتضررة في قطاع غزة تشمل 163,778 مبنى في المجموع. ويشمل ذلك 52,564 مبنى تم تدميرها، و18,913 مبنى تضررت بشدة، و35,591 مبنى ربما تكون قد تضررت، و56,710 مبنى تضررت بشكل معتدل. وأفادت نتائج التحليل بأن المنطقة الأكثر تضررًا بشكل عام هي محافظة غزة، حيث تضرر 46,370 مبنى. وتأثرت مدينة غزة بشكل ملحوظ، حيث دُمر 36,611 مبنى. كما أصدر مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية "يونوسات"، بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو" تحديثًا عن صحة الأراضي الزراعية في قطاع غزة وكثافتها، ووجد أن حوالي 68% من حقول المحاصيل الدائمة في القطاع أظهرت انخفاضًا كبيرًا في الصحة والكثافة في أيلول/  سبتمبر 2024.

كما تعرض قطاع التعليم في غزة إلى ضربة كبيرة بفعل العدوان الإسرائيلي على غزة وحرب الإبادة التي تجاوزت عامها الأول. وحسب وزارة التربية والتعليم العالي، فإن 124 مدرسة حكومية تعرضت لأضرار بالغة نتيجة الحرب على قطاع غزة، ودمّر الاحتلال أكثر من 62 مدرسة حكومية بشكل كامل، و126 مدرسة حكومية تعرضت لقصف وتخريب، و65 مدرسة تابعة لوكالة "الأونروا" تعرضت لقصف وتخريب؛ فيما تعرضت 20 مؤسسة تعليم عالٍ لأضرار بالغة، وجرى تدمير أكثر من 35 مبنى تابعًا للجامعات بشكل كامل، وتدمير 57 مبنى تابعا للجامعات بشكل جزئي. وسجلت الوزارة استشهاد أكثر من 10317 طالبًا، وجرح أكثر من 16119 آخرين، منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة؛ فيما استُشهد 416 من الكوادر التعليمية وجُرح أكثر من 2463 كادرًا من معلمي المدارس والجامعات. وقد حرمت حرب الإبادة، 39 ألف طالب وطالبة من التقدم لامتحانات "التوجيهي"، إما بسبب ارتقاء المئات منهم ضحايا في العدوان، أو لانقطاعهم عن التعليم بفعل الحرب وما تسببت فيه من تدمير شامل لبنية العملية التربوية.

ويعاني 630 ألف طالب وطالبة في قطاع غزة الحرمان من حقهم في التعليم منذ السابع من تشرين الأول/  أكتوبر 2023، يتوزعون بين مدارس الحكومة ومدارس وكالة الغوث والمدارس الخاصة، فضلاً عن 88 ألفاً من طلبة الجامعات، و80 ألف طفل بلغوا سن الالتحاق برياض الأطفال.

وفي نيسان/ إبريل الماضي، أكد 19 خبيرًا ومقررًا أمميًا أن التدمير الذي طال أكثر من 80% يؤكد تعمد الاحتلال تدمير نظام التعليم الفلسطيني بشكل شامل، وهو ما يُعرف باسم "الإبادة التعليمية" التي تشير إلى المحو الممنهج للتعليم، من خلال اعتقال أو احتجاز أو قتل المعلمين والطلبة والموظفين، وتدمير البنية التحتية التعليمية.

وأكد الخبراء في بيان مشترك أن تلك الهجمات لا تمثل حوادث معزولة، وإنما تعبر عن نمط ممنهج من العنف يهدف إلى تفكيك أسس المجتمع الفلسطيني، وقالوا: "عندما يتم تدمير المدارس، يتم تدمير الآمال والأحلام كذلك". وجاء في البيان أن "الهجمات القاسية المستمرة" على البنية التحتية التعليمية في غزة لها تأثير مدمر طويل الأمد في حقوق المواطنين الأساسية في التعلم والتعبير عن أنفسهم بحرية؛ ما يحرم جيلاً آخر من الفلسطينيين من مستقبلهم".

وفي سياق آخر، تؤكد التقييمات الأولية للأضرار من خلال سلطة المياه الفلسطينية، أن أكثر من 85% من مرافق وأصول المياه والصرف الصحي قد خرجت عن الخدمة بشكل كامل أو جزئي، وتحتاج إلى إعادة تأهيل شاملة، (يتضمن ذلك محطات معالجة الصرف الصحي، ومحطات تحلية المياه، ومحطات الضخ، والآبار، وخزانات المياه، وخطوط النقل الرئيسية، وشبكات المياه والصرف الصحي، وغير ذلك)، علمًا أن معظم المرافق التي تتم استعادة تشغيلها بعد تنفيذ أعمال صيانة طارئة لها لا تعمل بالكفاءة المطلوبة نتيجة للأضرار الجسيمة التي لحقت بالمنظومة ككل؛ حيث يعتمد قطاع غزة على ثلاثة مصادر رئيسية للمياه، وتشير التقديرات الأولية إلى أنه جراء العدوان الحالي انخفض إنتاج هذه المصادر إلى ما يقارب 30-35% مما كان عليه قبل العدوان". وهذه المصادر تشمل المياه الجوفية، من خلال 300 بئر موزّعة في جميع أنحاء القطاع، بإجمالي تزويد لجميع الأغراض 262000 م3/ يوم لجميع الأغراض، تكبدت أغلبيتها أضرارا بالغة، وجراء التدخلات التي تمت، تصل حاليا كمية المياه المنتجة منها إلى ما يقارب 93,000 م3/ يوم؛ إضافة إلى محطات التحلية التي تشمل محطة شمال غزة (بطاقة إنتاجية 10000 م3/ يوم)، ومحطة الوسطى (بطاقة إنتاجية 5500 م3/ يوم)، ومحطة الجنوب (بطاقة إنتاجية 20000 م3/ يوم)، وحاليًا محطة الشمال متوقفة تمامًا عن العمل؛ فيما تعمل محطتا الوسط والجنوب (بطاقة إنتاجية 5000 م3/ يوم). كما وتعتبر كميات المياه المزودة من وصلات "ميكروت" التي تعتبر المصدر الثالث؛ وتشمل وصلة الشمال (المنطار)، ووصلة الوسط (بني سعيد)، ووصلة (بني سهيلة) في الجنوب، كانت ما قبل العدوان تصل إلى 52,000م3/ يوم، وحاليا تعمل بشكل جزئي، وتنتج ما مجمله 37,500 م3/ يوم. وقد توقفت بشكل تام مع بداية العدوان.

وحول تداعيات العدوان على أنظمة الصرف الصحي،  يشمل نظام الصرف الصحي القائم مرافق وبنى تحتية متكاملة (من مرحلة التجميع والضخ وحتى النقل والمعالجة)، حيث يغطي النظام حوالي 73% من سكان القطاع، ببنية تحتية تشمل شبكة مختلفة الأقطار تقدّر طوليًا بحوالي 2,250كم، و79 محطة ضخ، و29 حوض تجميع مياه أمطار مرتبطة بـ8 محطات ضخ لمياه الأمطار. إضافة إلى خمس محطات معالجة بقدرة تصميمية تصل إلى 154,600م3 يوميًا. وجراء العدوان توقفت جميع خدمات الصرف الصحي؛ ما أدى إلى تصريف المياه العادمة إلى البحر وتسرّب جزء آخر إلى المناطق المأهولة بالسكان، بالإضافة إلى امتلاء معظم برك تجميع الأمطار بالمياه العادمة،؛ ما كان له انعكاسات خطيرة على الصحة والبيئة.

وفي هذا السياق نفذت سلطة المياه الفلسطينية العديد من التدخلات بشكل مباشر لتخفيف الوضع المائي الكارثي من خلال الاستمرار في أعمال صيانة وإصلاح الوصلات والخطوط الرئيسية التابعة لها، وإعادة هيكلتها بغرض توسعة نطاق التوزيع لتغطي الكثير من المناطق، ودعم تشغيل وصيانة مستمرين لمحطتي تحلية الوسط والجنوب بما يشمل توفير الوقود وشراء قطع الغيار ومولدات وألواح شمسية، ومواصلة نقل وتوزيع الوقود لمرافق المياه والصرف الصحي ومحطات ضخ حرجة للمطر والصرف الصحي، والعمل على إعادة تأهيل وتفعيل مجموعة من الآبار المركزية والمهمة التي كانت قد تضررت بشكل جزئي أو كلي، ودعم وتشغيل معظم المرافق القائمة للمياه والصرف الصحي ما أمكن في كامل قطاع غزة، والعمل والتنسيق مع الشركاء الدوليين لإنشاء نقاط تعبئة والتزود بمياه "ميكروت" في غزة ليتم نقلها إلى مراكز النزوح والإيواء.

وفي سياق آخر، ومع بدء العدوان على غزة، أصدر وزير الجيش الإسرائيلي قراراً يجعل من قاعدة ومعسكر سديه تيمان مكاناً للاحتجاز والاعتقال الإداري، وأقيمت بالمعسكر 5 منشآت تحتوي على أقفاص حديدية لاحتجاز من يتم اعتقالهم من غزة. هذا بالتزامن مع إصدار وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي يوآف غالانت بتاريخ 10/ 10/ 2023 قراراً فاشياً يعتبر فيه المعتقلين من قطاع غزة مقاتلين غير شرعيين؛ أي أنه ينفي بموجبه صفة "أسرى الحرب" عنهم. ولعل معسكر "سديه تيمان" تحول إلى سجن "غوانتنامو" جديد يتم فيه احتجاز المعتقلين في ظروف قاسية جداً، داخل أماكن أشبه بأقفاص في العراء، ودون طعام أو شراب لفترة طويلة من الوقت؛ ما أسفر عن ارتقاء العشرات من الأسرى الغزيين شهداء داخل السجن.

ومما لا شك فيه، يُعتبر المساس بالمواطنين المدنيين العزل وحرمانهم من الطعام والشراب ومقومات الحياة الأساسية وتعريضهم للخطر من الأمور التي تتنافى كلياً مع كل القوانين والأعراف الدولية والإنسانية، وهي جرائم حرب مكتملة الأركان، وخروقات وانتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني بِرُمته، ولا سيما اتفاقية جنيف الرابعة (1949)، والبروتوكولين الأول والثاني لاتفاقيات جنيف (1977). وبحسب المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن المدنيين الصادرة في العام 1949، تحت بند "المسؤولية الفردية والعقوبات الجماعية والنهب والانتقام"، "لا يجوز معاقبة أي شخص محمي على جريمة لم يرتكبها هو شخصياً. وتحظر العقوبات الجماعية، وكذلك جميع تدابير الترهيب والإرهاب. وتُحظر الأعمال الانتقامية ضد الأشخاص المحميين وممتلكاتهم".

وعلى ضوء ذلك قالت المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الانسان في فلسطين فرانشيسكا البانيز، في تصريح لها بتاريخ 5/ 10/ 2024: "إن اسرائيل تسعى للقضاء على الفلسطينيين عبر التصعيد الدائم للعنف والقتل، وما يحدث في فلسطين لا يمكن وصفه، وهو أكثر من الإبادة الجماعية". وأكدت أهمية إجبار الدول على احترام القانون الدولي وتطبيق قراراته، ووقف الإبادة الجماعية بحق أي شعب في العالم، مشيرة إلى أن المجتمع الدولي فشل في تطبيق ذلك، كما إن الدول الغربية تغض النظر عن الجرائم التي ترتكبها اسرائيل ضد الفلسطينيين. ودعت إلى ضرورة وقف الازدواجية في تطبيق القانون الدولي، واتخاذ مواقف جماعية لتحقيق العدالة والسلام في المنطقة عبر القضاء على نظام الفصل العنصري وحصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة.

وعلى ضوء ذلك، صدرت العديد من الأحكام والفتاوى من العديد من المنظمات الدولية، ولا سيما "محكمة العدل الدولية" التي طالبت بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، مع الإصرار على أن الجرائم المرتكبة تصل الى حد الإبادة الجماعية؛ هذا بالإضافة للعديد من القرارات الأممية بوقف إطلاق النار ووقف العدوان وإيصال المساعدات الإنسانية إلى السكان؛ وهذا ما لم تقم إسرائيل بوصفها "القوة القائمة بالاحتلال" بتطبيقه، بل زادت من جرائمها بحق السكان الآمنين في غزة، بشكل فظ وعلني، وضربت إسرائيل بكل القرارات الدولية عرض الحائط، واستمرت بخرق القانون الدولي الإنساني دون أن يرف لها رمش، وتابعت انتهاك القرارات والمواثيق الدولية والأممية بكل عنجهية وغطرسة وفجاجة. ولعل ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة من حرمان لكل مقومات الحياة من قتل وقصف وقطع للإمدادات الأساسية، هي أفعال تعتبر بمثابة حقائق دامغة ووصمة عار تُعبر عن مدى إصرار إسرائيل على التنكر لكل القوانين والاحكام والقرارات الدولية بكل عنجهية وغطرسة، وهذه حقيقة ماثلة لمن يريد أن يرى.