تتوالى المشاهد الدامية في غزة على أيدي جيش الاحتلال الإسرائيلي عبر فصولٍ جديدة من الفتك والدمار، تشمل كافة قطاعات الحياة وميادينها دون استثناء؛ فهنالك كوارث يومية متلاحقة مستمرة، وجرائم إبادة متتابعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ فقد حلت بأهل غزة كارثة شملت الحياة الإنسانية، والصحية، والتعليمية، والغذائية، والمعيشية، والاجتماعية... وغيرها، دون أن يوقف هذا العدوان رادع؛ فقد استمر هذا العدوان العنصري الاحتلالي الإحلالي بصورته البشعة العنيفة محدثًا أبشع المجازر والجرائم، ومرتكبًا أفظع الجنايات والانتهاكات بكافة الأسلحة التي تنشر الدمار من طائرات المحتل في السماء، ومن دباباته وجارفاته وآلياته في البر، ومن زوارقه ومراكبه في البحر. وقد أصيب قطاع التعليم، كغيره من سائر قطاعات الحياة الغزية بالدمار المقصود المتعمد إذ فجع بالعديد من الأكاديميين الفلسطينيين الذين ارتقوا شهداء على ثرى غزة، بعد أن طالتهم يد الحقد العنصري الأعمى.. هؤلاء الثلة الطليعية المستنيرة التي كانت تشكل نخبة علمية ومعرفية خلاقة، والتي لها اسهاماتها العلمية والأكاديمية الكبيرة في كافة المحافل الدولية العلمية والمعرفية.
ولعل ما يعزز احتمالية تعمد استهداف إسرائيل لكافة مقومات الحياة في قطاع غزة ما أقدمت عليه القوات الإسرائيلية من تدمير منهجي وواسع النطاق للأعيان الثقافية، ومنها التاريخية؛ فعلى مدار أكثر من مائة يوم من الهجوم، دمرت إسرائيل بشكل مباشر جميع الجامعات في قطاع غزة، عبر مراحل، تمثلت المرحلة الأولى في عمليات قصف استهدفت مبانٍ في جامعتي "الإسلامية" و"الأزهر"، ثم امتد الأمر لبقية الجامعات، وصولاً إلى تفجير بعضها ونسفها بالكامل بعد تحويلها إلى ثكنات عسكرية، كما حدث في جامعة "الإسراء" جنوبي غزة، التي نشر الإعلام الإسرائيلي بتاريخ 17 كانون ثانٍ/ يناير عام 2024 مقطع فيديو يوثق نسفها على أيدي جيش الاحتلال، والذي جاء بعد 70 يوماً من تحويلها ثكنة عسكرية ومركز اعتقال مؤقت.
ومما لا شك فيه أن تدمير الجامعات وقتل الأكاديميين والطلبة سيزيد من صعوبة استئناف الحياة الجامعية والأكاديمية بعد توقف الهجوم؛ إذ قد يحتاج الأمر إلى سنوات حتى تتمكن الجامعات من استئناف الدراسة في بيئة مدمرة بالكامل. وبحسب وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، فقد قُتل 4.327 طالبًا وأصيب 7.819 آخرين، فيما قتل 231 معلمًا وإداريًّا، وأصيب 756 بجروح مختلفة. كما تعرضت 281 مدرسة حكومية و65 مدرسة تابعة لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" للتدمير الكلي أو الجزئي في قطاع غزة. وطال الاستهداف الإسرائيلي للمدارس 90% من الأبنية المدرسية الحكومية التي تعرضت لأضرار مباشرة وغير مباشرة. إلى جانب ذلك، تبقى نحو 29% من الأبنية المدرسية غير قابلة للتشغيل نتيجة تعرضها لهدم كلي أو أضرار بالغة، فيما تُستَخْدَم 133 مدرسة حكومية مراكزَ إيواء في قطاع غزة.
وما هو جدير بالذكر أن شن الهجمات العسكرية ضد الأعيان المدنية، وبخاصة تلك التي تتمتع بحماية خاصة، كالأعيان الثقافية والتاريخية، لا يشكل فقط انتهاكاً جسيماً لقواعد القانون الدولي الإنساني وجريمة حرب وفقا لميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، بل يأتي أيضاً في إطار جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد سكان قطاع غزة، والتي تهدف من خلالها إلى تدمير الفلسطينيين بدنياً ومعنوياً.