تكاد المسافة تقترب إلى الصفر؛ بين روح الاستشراق العنصرية التي تتعامل بها إسرائيل مع دول المنطقة بأسرها، وبين تعاملها المماثل تجاه اليهود الشرقيين الذين قدموا إليها، ولعل التعامل والممارسات تجاه اليهود الشرقيين هي كان هدفها التحوير في مكنونات اليهود الشرقيين وكيّ وعيهم وتسطيح كينونتهم وتذويبها وإلحاقها بالثقافة اليهودية الاشكنازية، ولعل ما عَبر عنه ديفيد بن غوريون تجاه هذه المسألة كان في صميم التعبير العنصري عن هية النظرة لليهود الشرقيين حيث قال: "نحن لا نريد أن يصبح الإسرائيليون عرباً، نحن ملتزمون بمحاربة روح الشرق".
ومما لا شك فيه، يوجد في إسرائيل العديد من الانقسامات المبنية على أكثر من خلفية، وكل انقسام يحمل بطياته العديد من الدلالات الخاصة به وبشكل الدولة وطابعها؛ ولعل الانقسام المبني على الأساس الاثني ولا سيما ما بين الاشكناز والسفارديم هو من أكثر أنواع التصدعات والانقسامات زخماً في إسرائيل ويحمل بطياته جذور ومداميك متعددة، وعلى وجه العموم، فإسرائيل كدولة لم تتشكل وفقاً لحالة تطور طبيعية؛ بل بفعل حالة حرب واقتلاع للسكان الفلسطينيين الأصليين من بلدهم، واستبدالهم بسكان يهود تم تجميعهم من شتى أصقاع الأرض، ولم يكن بينهم أية صلات تجمعهم سوى إيمانهم بالمشروع الصهيوني؛ فقد أُسست إسرائيل على أنقاض شعب آخر أُقتُلع من أرضه؛ ومن ناحية أُخرى، تشكل المجتمع الإسرائيلي كمجتمع مهاجرين يهود جاؤوا من بلاد وثقافات عديدة لا يربطهم رابط ولا علاقة سوى إتمام المشروع الصهيوني، هذا المشروع الذي هدف إلى إنشاء إسرائيل كدولة احتلال وترسيخ وجودها بفرض حقائق ديموغرافية على الأرض بانتهاج أساليب الترانسفير والطرد من جهة، وباستجلاب مهاجرين يهود من جهة أخرى؛ ما أفضى إلى تشكيل مُجتمع فسيفسائي يفتقر إلى الروابط الإثنية المشتركة من عادات وتقاليد وثقافة، كما يفتقر إلى العمق التاريخي الاجتماعي واللغوي والديني والجغرافي والعمراني؛ إنما تشكل وفقاً لضوابط ليست ذات تطور طبيعي وليس لها عُمق إثني متكامل الأركان، لذلك كان التمييز ضد السفارديم سيد الموقف. فالمجتمع الإسرائيلي يحمل بين طياته فلسفة مجتمع المهاجرين الذي لا يتمتع بدرجة كافية من التجانس بين مركباته؛ الأمر الذي ينعكس على نسيجه الاجتماعي ومستوى التضامن الداخلي بين الفئات والشرائح التي تشكله، لهذا عانت إسرائيل من انقسامات داخلية كبيرة؛ وإن كانت استطاعت التغلب على مُعيقات تشكيل الدولة، إلا أن الفجوات الداخلية والانقسامات استمرت في تشكيل هاجس استراتيجي لإسرائيل، التي باتت تعج بالانقسامات المختلفة سواء الإثنية أو غيرها بصورة مطردة وماثلة للجميع، ولا سيما الانقسام الاثني ما بين اليهود الشرقيين والغربيين.
ولعل الانقسام الطائفي الإثني يُعتبر من أكثر أنواع الانقسام شيوعاً، نظراً لتعدد أصول المهاجرين اليهود توجد حالة تضارب بين الإثنيات داخل المجتمع الإسرائيلي؛ لأن مميزات وأنماط وطباع المجتمعات التي هاجروا منها مختلفة ومتعددة، ما أحدث صدعاً بين اليهود الشرقيين (السفارديم) واليهود الغربيين (الأشكناز)، وعلى وجه العموم فإن الانقسام الإثني يعني في قاموس السياسة في إسرائيل التوتر بين فئات يهودية هاجرت إلى إسرائيل من بلاد وثقافات متعددة، والذي ارتبط بالعلاقة بين اليهود الغربيين واليهود الشرقيين. وقد كُتب الكثير عن أنماط التعامل الرسمي والشعبي الأهلي مع كل واحدة من فئات المهاجرين اليهود وما تعرّضت له من صعوبات؛ ولكن مع مرور السنين على إقامة إسرائيل طرأ تغير كبير على التركيبة الديموغرافية للمجتمع، وخفت حدة التوترات والانقسامات الإثنية نوعاً ما عن السابق، وتضاءلت بصورة أو بأخرى الفوارق بين اليهود الأشكناز والسفارديم في العديد من مجالات الحياة، مع أنها ما زالت موجودة لكن بقدر أقل من الماضي، فَتشير المعطيات والدلائل والمؤشرات بأن التمييز ضد اليهود الشرقيين ما زال موجوداً، سواءً في فرص العمل أو في الأجور، حتى عند الحديث عن أشخاص يملكون المؤهلات المهنية والأكاديمية نفسها؛ فضلاً عن النظرة الدونية التي يمكن ملاحظتها في التعامل مع الثقافة الشرقية في إسرائيل، والكثير من الآراء المُسبقة التي تصل إلى حد العنصرية الواضحة تجاههم.
وتتلخص أوضاع اليهود الشرقيين في إسرائيل فيما يلي:
ظروف وعوامل وأسباب قدوم اليهود الشرقيين الى إسرائيل
سياسة الاستيعاب، والتوطين الخاصة باليهود الشرقيين
ساهمت سياسية الاستيعاب بحق اليهود الشرقيين بشكل خاص في تعزيز نقمة اليهود الشرقيين على الاشكناز والقادة المؤسسين لدولة الاحتلال، بفعل وضعهم واستيعابهم وتوطينهم في مناطق نائية وبعيدة عن المركز، ما جعلهم في حالة اغتراب واضح ومكتمل الأركان ووضعهم في حالة تعج بالتحديات، فقد تم استيعابهم في المناطق الحدودية والمناطق القاحلة والتي بحاجة الى إصلاحات كبيرة لتكون صالحة فعلاً للسكن، ففي الوقت الذي تركز اليهود الغربيين الاشكناز في حيفا وتل ابيب والقدس، تم توزيع وتوطين السفارديم في مناطق بعيدة مثل أقصى الشمال والجليل وأقصى الجنوب مثل النقب ووضعهم على الحدود، واحتوائهم وتسكينهم في معسكرات مخصصة لهم، وكيبوتسات، وموشاف، ومعبروت، ومدن التطوير، وهذا كي يتم تأهيلهم وصقلهم بطريقة تتناسب والدولة الإسرائيلية ذات الطابع الاشكنازي، حيث كان هنالك رغبة دفينة وغير معلنة للاشكناز للحيلولة دون دمج السفارديم معهم، حيث تسعى الثقافة المهيمنة الى دفع الأخرى للأطراف وهذا ما أمعنوا فيه بالبداية بالرغم من سياستهم المعلنة والتي تنادي بالاندماج، وهذا ما لم يكن، فقد شمل التمييز حتى فصلاً إضافياً داخل المدن الكبيرة احياء خاصة شوارع تفصل الاحياء الشرقية عن الغربية، ومدارس مختلفة خاصة بهم ومراكز ثقافية خاصة بالشرقيين غير مدمجة بالغربيين الى ان وصل الحد الى اتباع مقولة مفادها: (قل لي أي حي تسكن لأعرف هويتك والى أي مجموعة ثقافية واقتصادية تنتمي).
وعلى وجه العموم، فقد كان هدف الاشكناز في البدايات في سياسة استيعابهم للشرقيين هو الاستيطان والتواجد في كل مناطق فلسطين المحتلة عقب النكبة عام 1948 وتهجير الفلسطينيين من قراهم ومدنهم وبلدانهم ضمن سياسة: (سكين سريع ومواز لكل مساحة الدولة القليلة السكان ومنع تركيز مبالغ به في المركز). فقد كان هذا الفصل الحيزي سببه املاء الأماكن كلها بعد النكبة، وخلق حيز وتوازن ديمغرافي جديد، واستيعاب السفارديم سريعاً في شتى المناطق، وهذا بالتزامن مع النظرة الدونية لهم وعدم رغبة الاشكناز في الاختلاط بهم، ووضعهم على الحدود كسياج واقي.
كما وما هو جدير بالذكر بأن دولة الاحتلال انتهجت بالمعلن سياسة مزج المنافي وتوزيع السكان، هذا الشعار الذي كان المعلن لكن المبهم والحاصل خلافاً لذلك تماماً، فعلى النقيض قد تمركزت الثقافة المهيمنة في مدن القلب والأخرى في الأطراف والمناطق النائية وهذا ما كان يحول دون تقدمهم وتعزيز تبيعتهم في شتى المجالات للاشكناز، فقد تم تأسيس كيبوتسات ومصانع تم انشاءها في المناطق التي تم استيعاب اليهود الشرقيين بها، وهذا لتعزيز وضعهم الاقتصادي، إلا ان إدارة المصانع كانت تتم من قبل الاشكناز وفقط السفارديم كانوا أيدي عاملة لا غير في هذه المصانع، أيدي عاملة رخيصة تصب في صالح الاشكناز ورفعتهم الاقتصادية. ومع مرور الزمن والسنوات تحسن نوعاً ما وضع السفارديم وأماكن تواجدهم بفعل العديد من الظروف والمتغيرات، ولا سيما بفعل عوامل التمدن، وقلة عدد المواليد، والانتقال الى المركز للعمل والكسب وبفعل الظروف المعيشية والاقتصادية، وتطوير المناطق التي كانت تعتبر نائية في البداية لتصبح مناطق أكثر حيوية وازدهار، بالإضافة الى سياسة الدمج التفضيلي التي كان يتم انتهاجها.
حالة اليهود الشرقيين الثقافية، والتعليمية، والبُعد الايدولوجي الإثني السفاردي
مما لا شك فيه فقد تُشكل مؤشرات التعليم انعكاساً لمجموعة من المتغيرات، ولاسيما الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها، ومثل باقي القطاعات التي عانى منها السفارديم وواجهتهم فيها التحديات كان هنالك تحديات كبيرة في القطاع التعليمي والثقافي والايدولوجي الخاص بهم، ففي البدايات كان التعليم في حالة يُرثى لها بين صفوف اليهود الشرقيين، سرعان ما تحسنت مستويات التعليم لديهم نسبياً مع عامل الزمن لكن يظل الاشكناز أعلى منهم، ولم يتلقى السفارديم وخاصة في البدايات مستويات عالية من التعليم بفعل الظروف الصعبة التي كانوا بها في البدايات، وبعدهم عن المركز، وظروفهم المعيشية السيئة، وتعدادهم الأسري الكبير، والعمل من أجل ان يوفروا أساسيات الحياة وهذا ما كان سبباً كبيراً في تدني مؤشرات التعليم لديهم في بدايات قدومهم وهذا ما تحسن وتقلصت الفجوة مع مرور السنوات، ولا سيما تقلصت الفجوة بفعل تطور الأنظمة التعليمية في مختلف دول العالم بما فيها إسرائيل، والانفتاح على العالم والتكنولوجيا، والسفر للخارج والحصول على منح دراسية وهذا ما كان يسهل المهمة على العديد من الطلبة السفارديم.
اما في مجالهم الثقافي والايدولوجي وكينونتهم، فقد كان هنالك ازدواجيات ثقافية وخاصة عند الجيل الأول منهم، فقد كان دين يهودي وثقافة شرقية، لغة عبرية وأخرى شرقية، لهجة خاصة بهم، زي يميزهم وكانوا يحرصون على ارتدائه، المأكولات التي تعطي الانطباع الشرقي البحت، الغناء والرقص والعادات والتقاليد والتراث الشرقي الذي يعطي السفارديم كينونتهم وهذا ما حافظوا عليه جيداً وخاصة الجيل الأول من اليهود الشرقيين الذي تمسك بهذه الأمور ولم يفرط بها ولم يتنازل عنها لأنها تعطيه الكينونة الخاصة وتُعبر عن هويته الأصلية الغير مُذابة، فقد كان هناك التمسك بكلا الهويتين والاندماج الذي يصاحبه تجذر بالعادات والتقاليد الشرقية الخاصة بكل مجموعة من البلد التي قدمت منهم، فالمصريين يسمعون لأم كلثوم، والمغاربة يحتفلون بعيد الميمونة، والإيرانيين بعيد النيروز، وهكذا.
الحالة الاقتصادية، والمعيشية الخاصة باليهود الشرقيين
لقد سيطر الاشكناز على كافة معالم الحياة الاقتصادية الإسرائيلية حيث تم هندستها وتكوين معالمها وأسسها وفقاً لحالة تتلاقى والعقل الأوروبي الاشكنازي، فقد تحكموا بمفاتيح الاقتصاد والإنتاج، ولم يُعطوا الشرقيين سوى الفتات، وهذه حقيقة ماثلة لمن يريد أن يرى، فبعد العديد من السنوات لعل الأكثر نجاحاً واندماجاً في الحياة الاقتصادية الإسرائيلية من اليهود الشرقيين هم اليهود العراقيين، وهذا يعود لأنهم من الأصل قدموا الى إسرائيل وهم فيهم نسبة لا بأس بها من التجار ورؤوس الأموال الذين استطاعوا كسر القالب النمطي والدخول في معترك الحياة الاقتصادية الإسرائيلية المسيطر على مفاتيحها ومفاصلها من قبل اليهود الغربيين الاشكناز المؤسسين الفعليين لدولة إسرائيل (التي هي بالطبع دولة احتلال تم تأسيسها فوق أشلاء الفلسطينيين وويلاتهم)، فالاشكناز كانوا يمسكون بزمام الشركات ورأس المال والبنوك والمنظمة الصهيونية العالمية، وكارين هايسود وكارين كامييت، والأراضي والمنازل، والعقارات، والأحزاب الرئيسية، والجمعيات والمؤسسات، ومفاصل الجيش، ودوائر الدولة والوزارات. فالخلاصة هي ان السفارديم بالبدايات كانوا طبقة بروليتاريا بكل المقاييس.
ولعل حجم الاسرة والحيز الاجتماعي الديمغرافي الخاص بالسفارديم كان يلعب دوراً كبيراً في البدايات نحو تردي وضعهم الاقتصادي أكثر فأكثر، هذا ما قل تدريجياً بفعل ظروف التمدن بين صفوف السفارديم، وفي احدى الاحصائيات كان معدل البطالة عند السفارديم يفوق معدل البطالة عند الاشكناز بثلاثة اضعاف وان عملهم هو ضمن المعدل الطبيعي وليس ذا الدخل العالي والمرتفع والمرتفع جداً كمثل الكثير من الاشكناز، وهذا مع تعزيز الاشكناز لطابع انه السفارديم متخلفين غير متحضرين ولا عصريين ويصعب عليهم التحكم في الة الانتاج ورأس المال وهذا ما طفى على السطح بصورة واضحة جداً في البدايات، قبل ان تتغير الأمور نسبياً.
ولعل هذا دفع الى وجود انقسام طبقي اضافةً الى وجود الانقسام الاثني، فتشير المعطيات الى وجود فجوات اقتصادية واجتماعية تعاني جراءها العديد من الفئات التي هي بالغالب أصلها يهودي شرقي، فهنالك ما يمكن وصفه بأنه شرخ طبقي؛ إذ توجد ضائقة اقتصادية يعاني جراءها أفراد وعائلات شابة، أو أخرى كثيرة الأولاد، يملك أفرادها مؤهلات ملائمة لجميع الأعمال والوظائف لكنهم لا يعملون في وظائف ملائمة. وهذا ما يفضح ادعاء وجود العدالة الاجتماعية في المجتمع الإسرائيلي؛ فهناك فئات غنية تجبي أرباحاً طائلة على حساب الطبقة الوسطى الواسعة وذوي الدخل المحدود والفقراء؛ والدولة شريكة في خلق هذا الواقع؛ إذ ساهمت في تفاقم التفاوت بين هذه الفئات بتأمينها الشروط التي تسهل على أصحاب الشركات الكبرى والاحتكارات المتنوعة زيادة أرباحهم التي هي اشكنازية بالغالب، في حين تُدمر القطاع الخاص وتنسحب من مجال توفير الخدمات الأساسية للمواطنين في مجالات حيوية، كالعلاج والتعليم والسكن والأمن الغذائي، وهذا ما قاد بدوره إلى شعور بعض الفئات في إسرائيل ولا سيما السفارديم بالاغتراب والقطيعة مع الدولة ومؤسساتها؛ إذ لم يعد المواطن يرى فيها جهات تخدم مصالحه وتوفر له الأمن والأمان في مجالات حياته كافة.
الحالة السياسية، والاجتماعية الخاصة باليهود الشرقيين
لم يكن قدوم اليهود الشرقيين (السفارديم) الى إسرائيل قد نجم بفعل ظروفٍ عادية؛ بل كان ناجم عن عملية مركبة ومعقدة، فهم اقتلعوا من بلدانهم بشكل مفاجئ بفعل الحاجة إليهم في بناء الدولة، عقب النكبة التي أحلت بالفلسطينيين واقتلاعهم من أرضهم، فهم لم يكونوا من المخططين الأوائل، بل هم فقط كانوا عبارة عن أدوات تنفيذية في بناء هياكل الدولة، هذه الدولة التي هي عبارة عن تخطيط وهندسة أشكنازية متكاملة الأركان، فهم أصحاب المشروع الاحتلالي، وهم المخططين له، واللاعبين الرئيسيين في المعادلة، فقد أطلق الاشكناز على أنفسهم لقب الطلائعيين وهذا للتعبير عن حالهم ومكانتهم الرفيعة في بناء دولة الاحتلال والتخطيط لها ولبنيتها الأساسية ومداميكها التي ستقوم عليها.
وعند الحديث عن ظروف وأسباب قدوم اليهود الشرقيين الى إسرائيل فان الأمر يحمل بطياته العديد من القضايا الهامة وهي تتموضع في اتباع سياسة الترهيب والترغيب وممارسة الخطاب الديماغوجي تجاههم من قبل الحركة الصهيونية التي دأبت على تهجيرهم من بلدانهم الى إسرائيل للحاجة لهم في بناء الدولة، فلم تكن في البداية وعند تأسيس الدولة أية مخططات حقيقية فعلاً لجلب اليهود الشرقيين، فكل ما كان هنالك ترغيب بالدولة الإسرائيلية من قبل المؤسسين بأنها ستكون واحة اليهود الآمنة بالعالم ومحط التطور والتقدم ومثل هكذا شعارات لم تدفع الكثير من اليهود الشرقيين الى القدوم والهجرة الى إسرائيل سوى بإعداد قليلة جداً قبل عام 1948، فعند الإعلان عن قيام دولة إسرائيل كان يوجد قرابة ال 30 ألف يهودي شرقي، غالبيتهم يمنين وأتراك وإيرانيين وقد قدموا الى المنطقة (إسرائيل لاحقاً) بفعل عوامل وظروف دينية صِرفة على ان هذه المنطقة هي أرض الميعاد ووفقاً لعقائد يهودية توراتية بحتة، وليس بفعل دوافع أخرى. لكن سرعان ما انقلب الحال عقب تأسيس الدولة، حيث أدرك اليهود الأشكناز بأنهم بحاجة ماسة الى أفراد لبناء الدولة وتعبئة الفراغ وتشغيل المصانع وللعمل وغيرها من أمور ضرورية في تثبيت دعائم الدولة حديثة النشأة وركائزها، وخصوصاً بأن هذه الدولة لم تتشكل بفعل ظروف عادية على الإطلاق، هذا ما اضطر بالحركة الصهيونية الى تبني خيار ضرورة تكثيف الهجرات اليهودية الى إسرائيل ولا سيما اليهود الشرقيين الذين من الممكن ان تُحاك الخطط لقدومهم وهذا فعلاً ما كان بدأ من عام 1949، فحتى نهاية عام 1950 كان هنالك أكثر من 267 ألف مهاجر يهودي سفاردي، وأخذت الهجرات تتزايد وتتنوع من مختلف البلدان مثل المغرب والعراق وايران واليمن ومصر وتركيا وتونس وغيرها الكثير من الدول حتى يصبح خلال مرحلة قصيرة هنالك مئات الالاف من اليهود الشرقيين الموجودين في إسرائيل. وعقب قدوم اليهود الشرقيين الى إسرائيل بفعل هذه الظروف الغير طبيعية بالمطلق، بدأت رحلتهم الطويلة في سياسات الدولة نحوهم والتي تعاملت معهم وفقاً لحالة تمييز وواضح ووضعتهم في ظروف معيشية صعبة، مما خلق حالة شديدة القتامة بحقهم على مختلف الأصعدة: المعيشية، والحياتية، والاقتصادية، والديمغرافية، والجغرافية الحيزية، والاجتماعية، والثقافية، والتعليمية، والسياسية.
تتجلى كل السياقات السابقة في الحالة الاجتماعية والسياسية لدى اليهود الشرقيين في إسرائيل، حيث تنعكس المداميك التي تُبنى عليها الحالة لدى السفارديم في أنماط فعلهم السياسي وسياقهم الاجتماعي. ولعل ما كان يقود سلوكهم السياسي والاجتماعي هو شعورهم بالحرمان، حيث كان لدى السفارديم نقص فعلي أو متصور في الموارد الأساسية والمطلوبة لسير الحياة بشكل طبيعي، وعدم وجود تلك الأمور المتصورة كان يعيق نوعية الحياة النموذجية التي يتطلع لها الأفراد والجماعات السفاردية في حينها، هذا ما كان يُحدِث عند الافراد حالة إحساس بالظلم والتناقض الواعي بين أحلامهم والواقع وهذا ما يولد حالة من الإحباط والنقمة والاحتقان على النظام السياسي والسلطات الحاكمة ويُصهر هذا الشعور "شعور النقص أو الحرمان" ضمن بوتقة الصهر المتمثلة في تكوين حراك اجتماعي وسياسي سفاردي. فقد تدرج اليهود الشرقيين اجتماعياً وسياسياً منذ قدومهم الى إسرائيل عبر العديد من المراحل، عبرت هذه التدرجات عن حالتهم التي يعيشونها وعن همومهم وطبيعة وضعهم والسياسات التي تخصهم، وهذا ما انعكس مثلاً في أنماط التصويت التي كانت مقياس من خلاله يمكن قياس المزاج العام لهم وتوضح طبيعة توجههم، ولعل الشرارة الاجتماعية والسياسية الأولى والتي كانت بمثابة الأبرز حينها هي احداث وادي الصليب عام 1959 في حيفا، حيث تم الخروج باحتجاجات معظمها من يهود شمال افريقيا عبرت عن حالتهم الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية وظروفهم الصعبة ووضع الحي المزري، مما كان يعتبر في حينها عنف الضائقة للتعبير عن انفسهم وحالتهم وليس عنف منظم ولا إجرامي، الى ان تمأسست الحالة أكثر فأكثر مع مرور الوقت الى ان تم تشكيل اليهود الشرقيين ولا سيما المغاربة حركة الفهود السود عام 1971 في القدس احتجاجات نابعة من الو ضع الذي كانوا يعيشونه، وكان عنف الشرطة شديد ضدهم، كما وصفتهم غولدا مائير حينها بانهم مجموعة من الفتية المشاغبين للتقليل منهم ومن دوافعهم والحيلولة دون تشكيل حالة، ومن ثم احتوت العديد من قادة الحركة الدولة، وانتهى نشاطهم مع بداية حرب أكتوبر 1973، الى ان تم تتويج حراكهم الاجتماعي والسياسي من خلال التصويت لصالح اليمين عام 1977 وفوز اليمين بالحكم لأول مرة في تاريخ إسرائيل وقد صوت الشرقيين لصالح اليمين بفعل ادراكهم بان حكومة حزب العمل هي السبب في أوضاعهم المتردية وبفعل وعود كبيرة لإصلاح أوضاعهم من معسكر اليمين فكانت الأصوات لصالح اليمين في حينها، وتم عقب ذلك انجاز مشروع ترميم عدد كبير من احياء السفارديم، الى ان اندلعت مظاهرات عام 1981 وهذا ضد حزب العمل لأن السفارديم كانوا بغالبيتهم يؤيدون حزب الليكود، وتم تأسيس حزب تامي الذي لم يصمد طويلاً بفعل انه لم يعلن عن نفسه حزب ديني بشكل واضح وأنصب تركيزه على استقطاب يهود شمال افريقيا، من ثم كان تأسيس حزب شاس ذا البعد الاثني والطائفي والديني الرافض للعديد من سياسات الاشكناز وخاصة تجاه الشريعة، وانصب عقب ذلك توجه اليهود الشرقيين تحت غطاء حزب شاس المعبر عن غالبيتهم، ومع اصلاح العديد من أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية تلاشت الاحتجاجات وتغير المزاج العام لديهم سياسياً واجتماعياً، فقد صار منهم رئيساً لدولة إسرائيل، وقائد للأركان، وغيرها من مناصب هامة.
وعلى الرغم من أن إسرائيل قطعت شوطاً كبيراً في مسعى تحقيق الأهداف الأساسية التي تواجه كل مجتمع مهاجرين، مثل: إتمام عملية "بناء شعب" من مهاجرين متباعدين في جميع مميزاتهم الثقافية والاقتصادية، وتثبيت الملامح الأساسية لوجه المجتمع، والأهم من هذا وذاك تحقيق تقدم في الانتقال من مجتمع مهاجرين إلى مجتمع عادي كأنه نشأ وترسخ وتطور بشكل ممتد ومستمر وطبيعي في هذا المكان؛ وذلك لتعزيز التصور الذاتي للإسرائيليين أنفسهم، والمحاولات الإسرائيلية المستمرة بعدم التطرق الى مسألة الانقسامات والإثنيات داخل المجتمع، وتصوير الأمر وكأنه طبيعي لا يحمل بطياته أي نوع من أنوع التوتر الداخلي الذي يطفو على السطح بين الفينة والأخرى، ولعل هذا أيضاً يتلاقى ورؤية الدولة الإسرائيلية العميقة الهادفة إلى تغييب الأسئلة الأساسية المرتبطة بملابسات قيام الدولة ونكبة الفلسطينيين وظروف الهجرة من بلدانهم التي قدموا منها.
ولعل ما هو جدير بالذكر بأن موقف اليهود الشرقيين من الفلسطينيين هو موقف معادِ تماماً لكل ما هو فلسطيني، فالسفارديم بغالبيتهم هم من أكثر العناصر الإسرائيلية تشدداً وعنصرية تجاه الفلسطينيين وتجاه القضية الفلسطينية، ولهم مواقف معادية بشكل واضح وصريح ويرفضون قيام دولة فلسطينية ويعملون على التأثير على مختلف الحكومات الإسرائيلية بعدم حتى التفاوض مع الفلسطينيين في أية مسألة، فهم يخوضوا عملية إرهاب منظم ضد كل ما هو فلسطيني، فالسفارديم هم ضحية للصهيونية، لكنهم في الوقت نفسه جلاد للفلسطينيين.