تتوالى جرائم الإبادة فصولاً دموية؛ بين ما يجري من جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، وما تتعرض له محافظات ومدن وقرى وبلدات ومخيمات الضفة الغربية المحتلة، جنين، والقدس، ورام الله، ونابلس، وطولكرم، وأريحا، وحوارة، ومخيم نور شمس، وغيرها من جرائم؛ فالكل على ذات المقصلة يُذبح، وبشكل شديد العنف والدموية من قبل الجيش الإسرائيلي الذي يفتك بكل ما هو فلسطيني على نحو شديد الترويع والبطش، مستغلة إسرائيل بهجمتها على الضفة الغربية انشغال العالم بأسره بحربها وعدوانها على قطاع غزة، لذلك تُمعن البطش والفتك بالمواطنين بالضفة الغربية وتضليل الرأي العام بشتى الطرق، وسن القوانين التي تُمأسس لتكريس الاحتلال وسطوته على كل معالم الضفة الغربية وتكثيف الاستيطان بكل أشكاله وخنق الفلسطينيين القاطنين في الضفة الغربية على مختلف الأصعدة، وهذا من دون أدنى التفات للقانون الدولي ومضامينه، ودون أدنى التزام أخلاقي أو إنساني.
فبالتزامن مع العدوان الغاشم على قطاع غزة تتعرض الضفة الغربية المحتلة لهجمة احتلالية شرسة وشديدة البطش والهمجية، فيتم التنكيل بشكل ممنهج ومستمر ومُمعن بكل مناطق الضفة الغربية وأصقاعها، وشملت الاعتداءات الإسرائيلية البشر والحجر والشجر في الضفة الغربية، حيث لم يسلم شيء من التنكيل والترويع والاعتداء، من قتل واعتقال وهدم وتهجير وكبت للحريات والتنكيل على الحواجز واعتداءات المستوطنين وعنفهم، ومنع المزارعين من الوصول الى أراضيهم، وغيرها من أمور وقضايا تمارسها إسرائيل تجاه المواطنين في الضفة الغربية بشكل شديد الترويع. ولعل أبرز الاعتداءات الإسرائيلية على الضفة الغربية والانتهاكات الحاصلة ما بين تاريخ 7/10/2023 الى تاريخ 5/9/2024 هي على النحو الآتي:
- ارتفاع حصيلة الشهداء والجرحى في الضفة الغربية
-فقد ارتفعت حصيلة الشهداء والجرحى في الضفة الغربية بشكل كبير جداً، وعلى نحو يدل عن حجم الهجمة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على الضفة الغربية، ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة لحقوق الانسان في الأراضي الفلسطينية (أوتشا)تعدّ سنة 2023 السنة الأكثر دموية بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية منذ أن شرع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في تسجيل عدد الضحايا في سنة 2005، حيث قُتل ما مجموعه 491 فلسطينيًا خلالها. كما وتشير (أوتشا) بأنه منذ 7 تشرين الأول من عام 2023 ولغاية نهاية العام أرتقى 313 شهيداً فلسطينياً، على يد قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، من بينهم 80 طفلاً، كما وقتل المستوطنون الإسرائيليون ثمانية فلسطينيين آخرين، أحدهم طفل. ويمثل عدد الفلسطينيين الشهداء في الضفة الغربية منذ 7 تشرين الأول ولغاية نهاية شهركانون الأول ما نسبته أكثر من 80 بالمائة من جميع الشهداء الفلسطينيين في الضفة الغربية في العام 2023. فمنذ ذلك اليوم، استشهد نحو 72 بالمائة منهم خلال المواجهات التي أعقبت عمليات التفتيش والاعتقال الإسرائيلية، ولا سيما في محافظتي جنين وطولكرم، ونحو 21 بالمائة في سياق المظاهرات التي خرجت للتضامن مع غزة. واستشهد من تبقى منهم، ونسبتهم 7 بالمائة، خلال محاولات التصدي لهجمات قوات الاحتلال الإسرائيلية أو المستوطنين الإسرائيليين الذين تكثفت هجماتهم على مختلف المناطق بالضفة الغربية على نحو شديد العنف.
وما هو جدير بالذكر بأن عدد الشهداء وصل منذ 7/10/2023 وحتى تاريخ 5/9/2024 الى أكثر من691 شهيداً.
-ومنذ 7 تشرين الأول أصيب حوالي 5400 فلسطينيًا، في أحداث مرتبطة بالعدوان في شتّى أرجاء الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية.وقد أُصيب 52 بالمائة من هؤلاء في سياق عمليات التفتيش والاعتقال وغيرها من العمليات و40 بالمائة في سياق المظاهرات، وهذا وفقاً لتقارير الأمم المتحدة لحقوق الانسان في الأراضي الفلسطينية (أوتشا).
- ارتفاع نسبة الاعتقالات في الضفة الغربية
- في سياق الحرب الإسرائيلية الشاملة على كل ما هو فلسطيني، سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية، تتواصل جرائم الاحتلال الإسرائيلي وتتوالى على نحو شديد الإرهاب والترويع والفظاعة، ففي الوقت التي يرتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي جريمة إبادة جماعية ومجازر ومذابح بشعة في قطاع غزة، يستمر في نفس السياق بالبطش والعربدة والفتك بكل ما هو فلسطيني في الضفة الغربية، ولعل أعداد حالات الاعتقال المهول كان دليلاً ماثلاً لمن يريد أن يرى مدى الهجمة الاحتلالية الشرسة والمتواصلة على الضفة الغربية، فمن تاريخ 7/10/2023 وحتى تاريخ5/9/2023 تم اعتقال ما يزيد عن عشرة آلاف مواطن فلسطيني من الضفة الغربية، والتنكيل بهم، وتحويل معظمهم للاعتقال الإداري بصورة تعسفية، وحجزهم في ظروف غير إنسانية البتة. ويأتي هذا في خضم موجة عاتية من الاقتحامات الكبيرة على مختلف المناطق في الضفة الغربية المحتلة، وشن حملة اعتقالات واسعة والرقم قابل للزيادة على مدار الساعة، وتسليم العديد من المواطنين البلاغات للتحقيق.
وتشير شهادات أسرى محررين وتقارير مؤسسات حقوقية إلى أن الأسرى في معتقلات الاحتلال يتعرضون لحملة قمع ممنهجة منذ السابع من تشرين الأول، أدت لاستشهاد ما لا يقل عن 24 أسير فلسطيني جراء التعذيب والإهمال.
وفي هذا السياق، أكدت مؤسسات الأسرى إن قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت 10400 مواطن من الضفة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بينهم 725 طفلا، و400 امرأة، و98 صحفيا.
وأوضحت مؤسسات الأسرى، "هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان"، أن 400 امرأة جرى اعتقالهن، و(تشمل هذه الإحصائية النساء اللواتي اعتُقلن من أراضي عام 1948، وحالات الاعتقال بين صفوف النساء اللواتي من غزة وجرى اعتقالهن من الضّفة)، ولا يشمل هذا المعطى أعداد النساء اللواتي اعتُقلن من غزة، ويقدر عددهن بالعشرات.
وأشارت إلى أن عدد حالات الاعتقال بين صفوف الأطفال في الضفة بلغ ما لا يقل عن (725)، فيما بلغ عدد حالات الاعتقال بين صفوف الصحفيين منذ بدء حرب الإبادة (98) صحفياً/ة، تبقّى منهم رهن الاعتقال (52) من بينهم (6) صحفيات، و(17) صحفياً من غزة على الأقل ممن تمكنا من التأكد من هوياتهم، ومن بين الصحفيين (15) رهن الاعتقال الإداري.
وبلغت عدد أوامر الاعتقال الإداري منذ بدء حرب الإبادة، أكثر من (8872) أمرا ما بين أوامر جديدة وأوامر تجديد، منها أوامر بحق أطفال ونساء.
وأوضحت أن حملات الاعتقالات المستمرة ترافقها جرائم وانتهاكات متصاعدة، منها: عمليات تنكيل واعتداءات بالضرب المبرح، وتهديدات بحق المعتقلين وعائلاتهم، إلى جانب عمليات التخريب والتدمير الواسعة في منازل المواطنين، والاستيلاء على المركبات، والأموال، ومصاغ الذهب، إلى جانب عمليات التدمير الواسعة التي طالت البنى التحتية تحديدًا في طولكرم ومخيميها، وجنين ومخيمها، وهدم منازل تعود لعائلات معتقلين، واستخدام أفراد من عائلاتهم رهائن، إضافة إلى استخدام معتقلين دروعاً بشرية.
وتشمل حصيلة حملات الاعتقال منذ بدء حرب الإبادة، كل من جرى اعتقالهم من المنازل، وعبر الحواجز العسكرية، ومن اضطروا إلى تسليم أنفسهم تحت الضغط، ومن احتُجزوا كرهائن.إلى جانب حملات الاعتقال هذه، فإن قوات الاحتلال نفذت إعدامات ميدانية، منها لأفراد من عائلات المعتقلين.
يُشار إلى أن المعطيات المتعلقة بحالات الاعتقال في الضفة، تشمل من أبقى الاحتلال على اعتقالهم، ومن أُفرج عنهم لاحقًا.
كما واستُشهد في سجون الاحتلال بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ما لا يقل عن (24) معتقلا ممن تم الكشف عن هوياتهم وأُعلن عنهم، بالإضافة إلى العشرات من معتقلي غزة الذين استُشهدوا في السجون والمعسكرات ولم يفصح الاحتلال عن هوياتهم وظروف استشهادهم، إلى جانب العشرات الذين تعرضوا لعمليات إعدام ميداني.
-يُذكر أن (22) معتقلا ممن استُشهدوا وأُعلن عنهم منذ بدء حرب الإبادة محتجزة جثامينهم، وهم من بين 33 معتقلا من الشهداء يواصل الاحتلال احتجاز جثامينهم، ممن تم الإعلان عن هوياتهم.
وهذه المعطيات لا تشمل أعداد حالات الاعتقال من غزة، علمًا أن الاحتلال اعترف بأنه اعتقل أكثر من 4500 مواطن من غزة، أفرج عن المئات منهم، مع الإشارة إلى أن الاحتلال اعتقل المئات من عمال غزة في الضفة، إضافة إلى مواطنين من غزة كانوا في الضفة بهدف العلاج.
ويبلغ عدد المعتقلين في سجون الاحتلال أكثر (9900)، وذلك حتى بداية شهر أيلول/ سبتمبر 2024، فيما يبلغ عدد المعتقلين الإداريين (3323)، كما يبلغ عدد من صنفتهم إدارة سجون الاحتلال من معتقلي غزة (بالمقاتلين غير الشرعيين) الذين اعترفت بهم (1612)، علما أن هذا المعطى لا يشمل معتقلي غزة كافة وتحديدا من هم في المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال.
-ويبلغ عدد المعتقلات المعلومة هوياتهن (93)، من بينهم امرأة حامل وهي: (جهاد دار نخلة) ومن بينهن (3) من غزة معلومة هوياتهن وهن في سجن (الدامون)، فيما يبلغ عدد المعتقلات إداريا (21). وعدد المعتقلات المذكور لا يشمل كل المعتقلات من غزة، فقد يكون هناك معتقلات في المعسكرات التابعة للاحتلال.
-ويبلغ عدد المعتقلين من الأطفال ما لا يقل عن (250).
قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، بلغ عدد إجمالي المعتقلين في السجون أكثر من (5250)، وعدد المعتقلات (40)، فيما بلغ عدد الأطفال في السجون (170)، وعدد الإداريين نحو (1320).
وتشكل هذه الأعداد لحالات الاعتقال في الضّفة، هي الأعلى منذ سنوات انتفاضة الأقصى، هذا إلى جانب عمليات الاعتقال التي تعرض لها شعبنا في الأراضي المحتلة عام 1948، والتي لم تتوفر معطيات دقيقة عنها، وكذلك عن أعداد المعتقلين من غزة بما فيهم العمال. كما وكان التّحول الأبرز في جريمة الاعتقال الإداريّ، حيث أصدر الاحتلال آلاف أوامر الاعتقال الإداري الجديدة بحق العديد من الاسرى.
- ارتفاع معدل الاقتحامات اليومية لشتى المناطق في الضفة الغربية واستباحتها
في سياق ما يجري وكجزء لا يتجزأ من الهجمة الاحتلالية على شتى المناطق في الضفة الغربية، يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي عمليات اقتحام للعديد من المناطق بصورة شبه يومية، وهدم البيوت، وملاحقة الشبان، ومحاصرتهم، وتجريف البنية التحتية في المناطق التي يتم اقتحامها من خلال جرافات الD9 وتدمير البنية التحتية وهدم المحلات والمنازل والبطش بكل معالم المحافظات واستباحتها، وهذا ما حصل بصورة دورية ولأكثر من مرة في جنين ومخيمها، وكذلك في طولكرم، ومخيم نور شمس، وطوباس، وغيرها من مناطق تتعرض لاعتداءات اليومية من قبل قوات الاحتلال على نحو شديد البطش والترويع وهذا ما يؤدي الى ارتقاء عشرات الشهداء والجرحى.
فقد قدمت مختلف المحافظات والمدن والمخيمات والقرى والبلدات في الضفة الغربية جحافل من الشهداء، والأسرى، والجرحى، ولعل ما حصل إبان إطلاق جيش الاحتلال الإسرائيلي عمليته العسكرية المسعورة على محافظات شمال الضفة الغربية ولا سيما جنين وطولكرم وطوباس بتاريخ 28/8/2024 كان بمثابة حقيقية دامغة على مدى العنف والإرهاب المنظم من قبل قوات الجيش الإسرائيلي التي استباحت هذه المحافظات لأكثر من 10 أيام وفتكت بها وروعت سكانها الآمنين وهدمت البيوت والمحلات وجرفت البنية التحتية وقطعت امدادات الماء والكهرباء وأجبرت العديد من السكان على النزوح من منازلهم وقتلت 39 فلسطيني ارتقوا شهداء وعشرات الجرحى إثر هذه العملية العسكرية شديدة العنف والدموية والتي تعتبر الأوسع والأكثر فتكاً منذ عام 2002 إبان الانتفاضة الفلسطينية الثانية، هذا ما دفع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الاونروا لوصف العملية العسكرية الإسرائيلية هذه بأنها "الأكثر دموية" للمدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023
وفي مخيم نور شمس بدايات عام 2024كانت الأحداث مشابهة وتدل على مدى بطش الجيش الإسرائيلي وهمجيته المتصاعدة في الضفة الغربية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تعرض مخيم نور شمس في طولكرم لاقتحام كبير من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي لمدة تزيد عن 30 ساعة تحت كثافة النيران التي قتلت الحجر والبشر وجرفت أرض المخيم واستباحت سماءه ما أدى الى ارتقاء 13 شهيداً منهم 6 أطفال، وأصيب نحو 70 شخص بجروح متفاوتة ومنها الخطيرة، فبدا المخيم وكأنه تعرض لقصف صاروخي ثقيل دمر المباني والبنية التحتية وأعطب العديد من المركبات، وروع المواطنين الآمنين في المخيم وقض مضاجعهم.
أما في جنين ومخيمها فالحال ذاته، فهنالك حملة مسعورة واقتحامات شبه يومية لجنين ومخيمها، ويُمعن جيش الاحتلال الإسرائيلي في إحداث حالة دمار واسع، من خلال عمليات التجريف التي يقوم بها في جنين، وضرب البنية التحتية، فكل اقتحام يتم تدمير البنية التحتية هناك من خلال جرافات الD9 وكلما يتم اصلاح الاضرار تعاود قوات الاحتلال من اقتحام جنين وإحداث عمليات التجريف والتدمير، فلم تسلم منهم البنية التحتية، ولا المعالم الرمزية الموجودة هناك، والتي عمد جيش الاحتلال على تدميرها وتشويه معالمها، وهذا بالتزامن مع إطلاق النار بشكل كثيف تجاه السكان هناك، وضرب بعض الأهداف من خلال القصف بالطائرات، اما طائرات الاباتشي التي تحلق على ارتفاعات مختلفة، واما من خلال الطائرات المسيرة، وكذلك مع استخدام قذائف (الانيرجا) ضد المواطنين المحاصرين بمنازلهم، وهذا بمجمله أدى الى ارتقاء ما يزيد عن 20 شهيد في جنين ومخيمها، وعشرات الإصابات وحالات الاعتقال، ففي يوم 9/11/2023 وحده تم اقتحام جنين ومخيمها لمدة تزيد عن 20 ساعة وارتقى على اثر هذا العدوان والاقتحام 14 شهيد وأكثر من 20 إصابة بعضها خطيرة، وتم محاصرة المستشفيات، وتجريف الشوارع، وقصف أهداف من خلال الطائرات، ونشر القناصة فوق أسطح المنازل، ومحاصرة الطلبة في مدارسهم وترويعهم بشكل شديد البشاعة.
وفي سياق العدوان على جنين ومخيمها وعلى كل مناطق الضفة الغربية، حذرت وزارة الخارجية والمغتربين في بيان لها، من مغبة استغلال قوات الاحتلال وميليشيات المستعمرين الانشغال العالمي بالعدوان على غزة وضحاياه وآثاره المدمرة، للاستفراد بالضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، لتنفيذ مخططاتها الاستعمارية العنصرية وتسريع عمليات الضم التدريجي للضفة وتوسيع دوائر القتل خارج القانون، في محاولة لكسر إرادة الصمود لدى أبناء شعبنا. ورأت في هذا الاستغلال والاستفراد البشع محاولة لتفجير الأوضاع في الضفة الغربية المحتلة، وإدخالها في دوامة من العنف يصعب السيطرة عليها، الأمر الذي لطالما تم التحذير منه، ومن تداعياته على ساحة الصراع والمنطقة برمتها. وبينت أن سلطات الاحتلال تمارس العقوبات الجماعية على شعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، وتحاول فرض تغييرات جديدة على الواقع بالقوة، بما يخدم خارطة مصالحها الاستعمارية.
ولم يكن الحال مختلف كثيراً في مدينة ومخيم طولكرم، حيث أحدث العدوان الاسرائيلي على مدينة ومخيم طولكرم، ليلة 13 وصباح 14/11/2023، دمارا كبيرا في الشوارع والبنية التحتية وممتلكات المواطنين. فبعد 15 ساعة متواصلة من عدوان قوات الاحتلال، كان هنالك حجم تخريب وتجريف كبير في الشوارع، وخطوط المياه والكهرباء والصرف الصحي، وتدمير العديد من المنازل والمنشآت التجارية الخاصة والعامة، وتدمير عشرات المركبات جراء دهسها من قبل جرافات وآليات الاحتلال، في المخيم وشارع نابلس المحاذي له، كما هدمت جرافة الاحتلال نصب قوس ومفتاح العودة، والنصبين التذكارين للشهيدين حمزة خريوش وسامر الشافعي في حي مربعة حنون في المخيم، ودمرت جرافة عسكرية ثقيلة صرح الشهيد ياسر عرفات المقام على شارع نابلس المحاذي لمخيم طولكرم. وبلغت حصيلة الشهداء جراء العدوان 7 شهداء، ارتقى منهم ثلاثة خلال قصف صاروخ من طائرة مسيرة، فيما بلغ عدد الإصابات 18 إصابة وصفت حالتهم بين خطيرة ومتوسطة، نقل 4 منهم لمستشفيات نابلس، في الوقت الذي اختطفت فيه قوات الاحتلال مصابين من سيارة إسعاف بعد اعتراضها وتفتيشها. وباستشهادهم ترتفع حصيلة شهداء محافظة طولكرم منذ السابع من تشرين الأول الماضي إلى 32 شهيدا. وهذا ما يدل على حجم الهجمة الاحتلالية في الضفة الغربية والفتك اللامتناهي. كما ما هو جدير بالذكر بأن هناك العديد من المناطق التي تعرضت للاقتحامات واعمال التخريب والترويع ولعل أبرزها كان ما سبق وهذه النماذج كانت هي الأبرز والأكثر فتكاً وبطشاً من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تواصل هجمتها على الضفة الغربية دون توقف.
- نشر الحواجز في الضفة الغربية وتكثيفها
مع استمرار الهجمة الشرسة على الضفة الغربية، تم نشر الحواجز الإسرائيلية (التي لا تقل عن ستمائة وخمسين حاجزاً عسكرياً) على نحو غير مسبوق في شتى المناطق وتشديد الإجراءات والتنكيل بالمواطنين الفلسطينيين على الحواجز، وتقطيع أواصر المحافظات بالضفة الغربية المحتلة عن بعضها البعض بفعل الاغلاقات التي فرضتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالسواتر الترابية، والمكعبات الاسمنتية، والحواجز العسكرية، والبوابات، وغيرها من وسائل تنكيل وترويع وبطش بحق الفلسطينيين، وتفتشيهم على الحواجز بصورة دقيقة ومصادرة هواتفهم وتفتشيها واختراق خصوصية المواطنين، واعتقال العديد منهم على الحواجز والتنكيل والضرب والاهانة بشكل كبير اثر منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد بلغ الاحتلال الإسرائيلي حالة جنونية بكل ما تحمله الكلمة من معنى وهذا يظهر من خلال ممارسة جنوده على الحواجز والتنكيل بالمواطنين العزل والترويع بهم من دون أية سبب، والاغلاق المحكم على العديد من المناطق كنوع من العقوبات الجماعية على كل المنطقة بسبب القاء بعض الشبان الحجارة على قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، فصار التنقل بين المحافظات في الضفة الغربية أمر شديد الصعوبة وليس بالهين وقد يعرض حياة صاحبه للخطر الحقيقي، ومع تكثيف الإجراءات الاحتلالية صار حتى التنقل في كافة ارجاء المحافظة ذاتها أمراً ليس بالهين وينطوي عليه مخاطر كبيرة قد تعرض حياة صاحبها للخطر فقط لأنه يريد التنقل من منطقة الى أخرى، فالخلاصة تشير بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي قطّع الضفة الغربية المحتلة إلى ما يشبه "كانتونات" بالتزامن مع عدوانه المستمر على قطاع غزة.
- تزايد عنف المستوطنين وإرهابهم
يمارس المستوطنون عُنفهم بدعم تام من دولة الاحتلال الإسرائيلي، فهي تتيحه لهم، وممثلوها يشاركون في تنفيذه، وذلك كجزء من استراتيجية نظام الأبارتهايد الإسرائيلي الساعي إلى قضم المزيد والمزيد من الأراضي الفلسطينية، فعُنف المستوطنين هو جزء لا يتجزأ من السياسية الحكومية الإسرائيلية الرسمية. ويقوم نظام الأبارتهايد على العنف المنظم والممنهج تجاه الفلسطينيين وهو عُنف متنوع ويتعدد فيه الوكلاء القائمين على تنفيذه.
وحملت الفترة الممتدة من تاريخ 7/10/2023 الى 5/9/2024 حالة متسارعة وكبيرة من عنف المستوطنين وإرهابهم اللامتناهي تجاه الحجر والبشر في الضفة الغربية، حيث يقوم المستوطنين بالانتشار بشكل مكثف ومتكرر على الطرقات والشوارع والاعتداء على المركبات الفلسطينية والتنكيل بالفلسطينيين وهم مدججين بالسلاح والعتاد، بالإضافة الى استباحة التجمعات السكانية الفلسطينية والاعتداءات المتكررة عليها وبصورة شديدة الدموية والعنف، وبشكل شديد الهمجية والإرهاب. كما وتم بشكل رسمي شرعنة تسليح المستوطنين، وتم توزيع السلاح عليهم والعتاد بأمر من وزير الامن القومي الإسرائيلي المتطرف ايتمار بن غفير، فيما بلغت نسبة إعطاء تراخيص حمل السلاح في إسرائيل وخاصة في صفوف المستوطنين منذ تاريخ 7 تشرين الأول الى مائة ألف رخصة حمل سلاح، وهذا الرقم يدل على مدى الهستيريا ومدى الاقبال على العنف والفتك بين صفوف الإسرائيليين. كما وقام المستوطنون بمنع المزارعين الفلسطينيين من قطف الزيتون واحراق الشجر وتسميمه، وقد تصدى الناس بصدورهم العارية لاقتحامات المستوطنين المدججين بالسلاح لبلداتهم، ولعل ارتقاء 6 شهداء في قصرة إثر هجمات المستوطنين لهو دليل واضح على ذلك.
وسجل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية منذ تاريخ 7 تشرين الأول عام 2023 وحتى الخامس من أيلول عام 2024 ما يقرب من 1,300 هجمة شنّها المستوطنون الإسرائيليون على الفلسطينيين، وقد أسفر نحو 120 هجمة منها عن سقوط قتلى وجرحى بين الفلسطينيين، ونحو 1,050 هجمة عن إلحاق أضرار بممتلكات تعود للفلسطينيين ونحو 140 هجمة عن سقوط ضحايا وإلحاق الأضرار بالممتلكات معًا. ودعا مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الحكومة الإسرائيلية إلى "ضمان إجراء تحقيق سريع وفعال وشامل وشفاف في جميع أحداث العنف التي يرتكبها المستوطنون والقوات الأمنية الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، بما يشمل العنف الذي يطال النساء وإلحاق الأضرار بالممتلكات، وملاحقة مرتكبي أعمال العنف وإنزال العقوبات المناسبة في حال إدانتهم، وتقديم سبل الإنصاف الفعالة للضحايا، بما فيها التعويض المناسب، وبما يتماشى مع المعايير الدولية".
ففي العام 2023، أسفر1,227 حدثًا متعلق بالمستوطنين (مع أو دون تدخل القوات الإسرائيلية) عن سقوط ضحايا فلسطينيين و/أو إلحاق أضرار بالممتلكات في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية. وأسفر نحو 911 حدثًا من هذه الأحداث عن إلحاق الأضرار، وأسفر 163 حدثًا عن سقوط ضحايا، وأسفر 153 حدثًا عن سقوط ضحايا وإلحاق أضرار بالممتلكات معًا. ويمثل هذا أكبر عدد من الأحداث التي حصلت في أي سنة من السنوات منذ أن شرع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في تسجيل الأحداث المتعلقة بالمستوطنين في عام 2006.
- تكثيف عمليات التهجير في الضفة الغربية
في سياق الهجمة الاحتلالية المسعورة على الضفة الغربية، تم تهجير العديد من الافراد والجماعات من مكان سكنهم الأصلي تحت قوة السلاح والترهيب. ووفقاً لبيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الضفة الغربية (اوتشا) فمنذ 7 تشرين الأول، هجر ما لا يقل عن 189 أسرة فلسطينية تضم 1,257 فردًا، من بينهم 582 طفلًا، بسبب عنف المستوطنين والقيود المفروضة على الوصول. وتنحدر الأسر المُهجّرة من 15 تجمعًا رعويًا أو بدويًا. ونُفذ ما يربو على نصف عمليات التهجير في أيام 12 و15 و28 تشرين الأول/أكتوبر، حيث طالت سبعة تجمعات سكانية.
وفضلًا عن هؤلاء، هُجّر 580 فلسطينيًا، من بينهم 248 طفلًا، في أعقاب عمليات الهدم التي طالت منازلهم منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر في المنطقة (ج) بالضفة الغربية والقدس الشرقية بحجة افتقارها إلى رخص البناء التي تصدرها السلطات الإسرائيلية ويُعدّ الحصول عليها أمرًا من ضرب المستحيل.وقد خلصت لجنة حقوق الإنسان في استعراضها للتقرير الدوري الرابع الذي قدمته إسرائيل في العام 2014 إلى أن عمليات الهدم العقابي شكل من أشكال العقاب الجماعي وتنتفي الصفة القانونية عنها، بحكم ذلك، بموجب القانون الدولي.
كما وهُجّر هُجّر 775 فلسطينيًا، بمن فيهم 322 طفلًا، بعد تدمير 123 منزلًا في أثناء عمليات نفذتها القوات الإسرائيلية في شتّى أرجاء الضفة الغربية. وأشارت التقارير إلى أن مخيمات جنين ونور شمس وطولكرم للاجئين شهدت نحو 95 بالمائة من حالات التهجير.
وما هو جدير بالذكر بانه منذ بدء العدوان على غزة، كثفت إسرائيل بصورة كبيرة من مساعيها الرامية إلى تهجير سكان تجمعات الرعاة الفلسطينيين في تلال جنوب الخليل من منازلهم وأراضيهم في الضفة الغربية، وفي إطار تلك المساعي، يتعرض هؤلاء السكان إلى عنف يومي، استثنائي في مدى حدته وكثافته، من قبل المستوطنين الذين يعملون بدعم الدولة وبرعاية الجيش والشرطة. ومنذ يوم 7 تشرين الأول تم فعلياً تهجير خمسة تجمعات في منطقة تلال جنوب الخليل: خربة الرذيم، خربة زنوتا، اعنيزان، عتيرية ومقتل مسلم. في بعضها، هرب السكان قبل أن يتمكنوا من تخليص كل ممتلكاتهم التي قام المستوطنون بسرقتها وتدميرها. وقد فقد سكان هذه التجمعات مصادر رزقهم، حقول المراعي، والحقول التي كانوا يزرعون فيها الغذاء لقطعان المواشي، إضافة إلى آبار المياه التي استخدموها، المعدات الزراعية، الخيام، الألواح الشمسية والهواتف الخلوية. وهذا ما يعتبر منافي كلياً لكل المضامين والأعراف الدولية والإنسانية.
- تكثيف عمليات الهدم في الضفة الغربية
تشير التقارير انه بين يوميّ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 و4 أيلول/سبتمبر 2024، هدمت السلطات الإسرائيلية 1,478 منشأة من المنشآت الفلسطينية أو صادرتها أو أجبرت أصحابها على هدمها في شتّى أرجاء الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، مما أدى إلى تهجير أكثر من 3,477 فلسطيني، من بينهم نحو 1,485 طفلًا، وهو ما يزيد عن الضعف بالمقارنة مع الفترة نفسها قبل يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، حيث هُجر 1,363 فلسطينيًا، بمن فيهم 637 طفلًا. وتشمل عمليات الهدم التي نُفذت بعد يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر نحو 500 منشأة مأهولة، وأكثر من 300 منشأة زراعية، وأكثر من 100 منشأة من منشآت المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، و200 منشأة يستخدمها أصحابها في تأمين سبل عيشهم. ويشكل نحو 28 حادثًا من حوادث الهدم والتدمير التي طالت البنية التحتية، ومعظمها في طولكرم وجنين، غالبية المباني المتضررة، حيث تضررت البنية التحتية للمياه والصرف الصحي والكهرباء بشكل متكرر في تلك المناطق خلال العمليات الإسرائيلية، مما أثر على أحياء بأكملها وخارجها.
- منع المواطنين في الضفة الغربية من قطف ثمار الزيتون وترهيبهم
في سياق الهجمة التي تقوم بها إسرائيل على الضفة الغربية والفتك بالحجر والبشر، عملت قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين المدججين بالسلاح على منع المواطنين الفلسطينيين والمزارعين في الضفة الغربية في العديد من المناطق من قطف ثمار الزيتون، وعدم اصدار تصاريح للسماح للمزارعين للوصول الى أراضيهم المجاورة لبعض المستوطنات في الضفة الغربية، وإصدار أوامر بمنع دخول تلك الأراضي، كما وقام المستوطنون بحماية قوات جيش الاحتلال من سرقة العديد من ثمار الزيتون في العديد من المناطق، وحرق العديد من الأشجار، وتسميم العديد منها بمواد كيميائية للحيلولة دون استفادة الفلسطينيين منها، واطلاق النار تجاه المزارعين والهجوم عليهم من قبل المستوطنين، ومصادرة معداتهم الزراعية، وهذا بالتزامن مع تكثيف عملية مصادرة الأراضي واعتبارها مناطق عسكرية مغلقة، وتم تتويج هذا الإرهاب المنظم تجاه الفلسطينيين والمزارعين من خلال مطالب وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيلسموتريتش، رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزير الجيش يوآفغالانت، بمنع الفلسطينيين في الضفة الغربية من قطف ثمار الزيتون، وأضاف بوجوب إنشاء مناطق أمنية مُطهرة (أي خالية من الفلسطينيين) حول المستوطنات والطرقات في الضفة الغربية، ومنع دخول الفلسطينيين إليها، ومنعهم من الوصول إلى أراضيهم المزروعة بالزيتون. ولعل هذا يدل على حجم الإرهاب تجاه البشر والشجر في فلسطين والضفة الغربية.
وما هو جدير بالذكر بأن شجرة الزيتون تمثل حالة سياسية واجتماعية وتراثية واقتصادية لدى الفلسطينيين، ولها دلالات هوياتية وسياسية كبيرة، وكذلك الحال دلالات اقتصادية معيشية؛ فموسم قطف ثمار الزيتون يشكل رافعة كبيرة للاقتصاد الفلسطيني، ومصدر دخل ومعيشة للعديد من العائلات الفلسطينية في الضفة الغربية التي تنظر موسم قطف الزيتون بفارغ الصبر كي تعتاش منه، ومع إجراءات الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه ومنع المزارعين من قطف ثمار الزيتون في الضفة الغربية حتماً ستزداد الأوضاع الاقتصادية صعوبة وتعقيد.
وفي الخلاصة، بات من الواضح جداً حجم الهجمة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على الضفة الغربية، التي تشهد في الآونة الأخيرة عدواناً سافراً وشديد الوحشية والتنكيل، بالإضافة الى عمليات تغيير الواقع على الأرض عبر نشاطات الاستيطان الاستعماري الذي لا يقف على الاطلاق، بالإضافة إلى أدوات أخرى كشق الطرق الإلتفافية، وطرق الفصل العنصري في الضفة الغربية المحتكرة من الإسرائيليين، والحواجز التي لا تقل عن ستمائة وخمسين حاجزاً عسكرياً، بالإضافة إلى عمليات مصادرة الأراضي، والاستيلاء على أملاك المواطنين، وتضاف إلى ذلك عمليات التطهير العرقي، وكذلك محاولات فرض وقائع جديدة في الأماكن المقدسة المسيحية والإسلامية، مثل كنيسة القيامة والمسجد الإبراهيمي في الخليل، والمسجد الأقصى الذي يتعرض لعمليات اقتحام متواصلة من قِبل المستوطنين بحماية جيش الاحتلال الإسرائيلي.
كما ويُمعن الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه الأخير على الضفة الغربية وغزة بمحاولة نزع إنسانية الفلسطينيين، ويشمل ذلك حملة مسعورة ضد جميع المكونات الرسمية والغير رسمية في الضفة الغربية، ومؤسسات المجتمع المدني التي تقدم الإغاثة والمساعدة الصحية والتعليمية والزراعية، وسرقة أموال الضرائب الفلسطينية بحجة دفع ما يماثلها لأُسر الأسرى والشهداء الفلسطينيين الذين قتلوا برصاص الجيش الإسرائيلي. فمحاولات نزع إنسانية الفلسطينيين ترمي إلى تحويلهم من ضحية للاحتلال والتطهير العرقي، والتمييز العنصري، إلى معتدين، وتصوير إسرائيل التي تحتل أراضيهم وتقمعهم بالضحية وانهم غير مُلامين على القتل، والحرق، والإبادة تجاه كل ما هو فلسطيني.
فهناك هجمة شرسة تُنفذ في الضفة الغربية المحتلة، سواء فيما يتعلق بتسليح المستوطنين أو أوامر الجيش لأفراده بإطلاق النار في الضفة على أي جسم متحرك يقترب منه، أو في تقطيع أواصر الضفة الغربية وجعلها وكأنها أشبه بالكانتونات، أو الاعتقالات، والاعتداءات، والاقتحامات المستمرة التي تنفذ على مدار الساعة، وهذا ما أدى الى تسارع عدد الشهداء في الضفة الغربية التي تشهد عدواناً شديد الوحشية والقتامة.
ويُشير فولكر تورك مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الانسان في تصريح له، بأن عام 2023 كان بالفعل الأكثر دموية على الإطلاق بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية، كما وان هنالك زيادة كبيرة جداً ومتسارعة في حدة العنف من قبل المستوطنين واستيلائهم على الأراضي في جميع أنحاء الضفة الغربية، ومنذ 7 تشرين الأول، أُجبر ما يقرب من ألف فلسطيني من 15 مجتمعاً رعوياً على الأقل على ترك منازلهم. وفي سياق البيئة القهرية التي يعيشون فيها، قد يرقى تهجير هذه المجتمعات إلى مستوى التهجير القسري للسكان - وهو انتهاك خطير لاتفاقية جنيف الرابعة. كما ويشير بأنه تم توثيق عدة حوادث قام فيها مستوطنون بمنع المزارعين الفلسطينيين من قطف الزيتون، وهو مصدر رئيسي لكسب العيش في الضفة الغربية، بما في ذلك مهاجمتهم بالأسلحة النارية وإجبارهم على ترك أراضيهم وسرقة محصولهم، وتسميم أو تخريب أشجار الزيتون.
ويعتبر سلوك الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية مخالف بشكل كلي لكل الاتفاقيات الدولية والانسانية ولا سيما اتفاقية جنيف الرابعة، ونظراً لذلك يؤكد المقررين الخاصين لمجلس حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية بأن إسرائيل تسير وفق مسالك دولة الفصل العنصري، وهذا محظور في القانون الدولي لحقوق الانسان، ووفق قرارات الأمم المتحدة، ووفق اتفاقية جنيف الرابعة، فإسرائيل تمارس الحرمان من الحق في الحرية والحياة تجاه الفلسطينيين، وتُمأسس لسطوة مجموعة عرقية على أخرى، وتقود عملية احلال واحباط ديمغرافي، وتساهم في الحرمان من المشاركة الكاملة في جميع مميزات المجتمع، وتنفذ اعتقالات دورية، وتقصف المنازل على رؤوس ساكنيها، فهو نظام احتلال وإحلال يسير نحو نظام الفصل العنصري.
وفي المحصلة النهائية، يستمر جنود الاحتلال بإطلاق النار من المسافة صفر على كل ما يُمكن قتله من الفلسطينيين في الضفة الغربية كما هو الحال في قطاع غزة، من دون حسيب أو رقيب أو الالتفات لأية معاني قانونية أو إنسانية، فهذا هو جنون فائض القوة الغاشمة؛ الذي يتغذى من عقيدة القتل، والحرق، والمحو؛ التي تصوغ فكر وسلوك الجناة؛ الذين لا مهنة لهم؛ سوى الترويع، وسفك الدماء، والإمعان في ممارسة الإعدامات الميدانية المتنقلة؛ التي تتغذى من عقيدة؛ تعتنق ارتكاب المزيد من جرائم القتل والإبادة.