العناصر الفلسطينية المُدرجة على لائحة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية

يُعرف التراث الثقافي غير المادي وفقاً لليونسكو بأنه مجموعة الممارسات والتعابير والمعارف والمهارات وكذلك الآلات والأدوات والأشياء الاصطناعية والفضاءات الثقافية المرتبطة بها والتي تعترف بها الجماعات والمجموعات وإذا اقتضى الحال الأفراد باعتبارها جزءاً من تراثهم الثقافي. وهذا التراث الثقافي الغير مادي ينتقل من جيل إلى جيل، ويقع بعثه من جديد من قبل الجماعات والمجموعات طبقا لبيئتهم وتفاعلهم مع الطبيعة ومع تاريخهم، وهو يعطيهم الشعور بالهوية والاستمرارية، بما يساهم في تطوير احترام التنوع الثقافي والإبداع الإنساني.

ولدولة فلسطين إسهاماتها الكبيرة والمختلفة التي تتموضع في قوائم اليونسكو على لائحة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية، ولعل العناصر الفلسطينية المُدرجة في اللائحة هي على النحو الآتي:

أولاً: الدبكة

 

تم إدراج الدبكة في القائمة عام 2023، وتعتبر الدبكة فن شعبي فلسطيني خالص، وهي رقصة جماعية شعبية في فلسطين تترافق مع صوت الموسيقى وآلات النفخ التقليدية والغناء الشعبي، وهي بمثابة نشاط اجتماعي، يتم تقديمه في عدة مناطق في فلسطين خلال المهرجانات والاحتفالات والمناسبات مثل الأعراس وحفلات التخرج وغيرها، ويؤدي الدبكة غالباً أحد عشر راقصاً، وأحياناً أكثر أو أقل، يقفوا جميعهم في خط مستقيم أو نصف دائرة، ويشبكون أيديهم وأكتافهم ببعضهم البعض دلالة على التماسك والتعاضد، وتتضمن الدبكة حركات القفز والضرب بالأرض بأقدامهم، ويمكن أداء الرقصة من قبل مجموعات محترفة أو بشكل عفوي في الساحات العامة وساحات الأسرة، ويعرف معظم الفلسطينيين رقصة الدبكة ويمارسونها كوسيلة لمشاركة فرحتهم مع العائلة والأصدقاء والجيران، كما وان كلمات الأغاني الشعبية المصاحبة باللهجات المحلية العامية تعبر عن المشاعر المرتبطة بهذه المناسبة، مثل الشجاعة والقوة والحب، ويتم نقل الدبكة والفنون والحرف المصاحبة لها بشكل غير رسمي وعفوي، من خلال التعلم والتدريب الفردي والممارسة، حيث يتعلم الشباب الدبكة من خلال المشاركة في الاحتفالات الاجتماعية التي يتم فيها أداء الدبكة، ومن خلال تقليد الكبار، وتنتقل هذه الممارسة أيضاً من خلال أنشطة مختلفة ومتعددة سواء في المدارس والجامعات أو المناسبات الوطنية ومن خلال وسائل الإعلام والمنشورات السمعية والبصرية الموجودة. فالدبكة هي وسيلة للتعبير عن الهوية الثقافية والاحتفال بالمناسبات العائلية وزيادة الروابط الاجتماعية وتنم عن قيم التعاضد والتماسك لدى الفلسطينيين.

ثانياً: التطريز
 

 

تم إدراج التطريز في القائمة عام 2021، ويعتبر التطريز بمثابة فن فلسطيني خالص، ومن الفنون التقليدية المنتشر في فلسطين، كانت هذه الممارسة تُصنع وتُلبس في الأصل في المناطق الريفية، وهي الآن شائعة في جميع أنحاء فلسطين وبين أفراد فلسطينيّ الشتات، تتكون ملابس القرية النسائية عادة من فستان طويل وسروال وسترة وغطاء للرأس وحجاب، وتكون كل قطعة من هذه الملابس مطرزة بمجموعة متنوعة من الرموز بما في ذلك الطيور والأشجار والزهور، ويشير اختيار الألوان والتصاميم إلى الهوية الإقليمية للمرأة وحالتها الاجتماعية والاقتصادية، وعلى الثوب الرئيسي يُلبس أيضاً ثوب فضفاض مُطرز، ويغطى الصدر والأكمام والأصفاد بالتطريز، تمتد الألواح العمودية المطرزة على طول الفستان وتكون متناسقة، يتم خياطة التطريز بخيط الحرير على الصوف أو الكتان أو القطن. يعتبر التطريز ممارسة اجتماعية ومتوارثة بين الأجيال، حيث تجتمع النساء في منازل بعضهن البعض لممارسة التطريز والخياطة، وغالباً مع بناتهن وأفراد العائلة. تقوم الكثير من النساء بالتطريز كهواية، وبعضهن ينتجن ويبيعن القطع المطرزة لتعزيز دخل أسرهن، إما بمفردهن أو بالتعاون مع نساء أخريات، وتجتمع هذه المجموعات في منازل بعضها البعض أو في المراكز المجتمعية، حيث يمكنهم أيضاً تسويق أعمالهن من التطريز، وتنتقل هذه الممارسة من الأم إلى الابنة، وأيضاً من خلال الدورات التدريبية والجمعيات النسوية وغيرها.

ثالثاً: الحكاية

تم إدراج الحكاية الفلسطينية في القائمة عام 2008، وتعتبر الحكاية الفلسطينية بمثابة تعبير سردي تمارسه في الغالب النساء الفلسطينيات كبار السن، وتتناول الحكايات قصصاً واقعية وأخرى خيالية تطورت على مر الزمان، وتعبر الحكاية عن اهتمامات للمجتمع العربي وقضايا الأسرة وتقدم الحكاية نقداً للمجتمع من وجهة نظر المرأة وترسم صورة للبنية الاجتماعية التي تتعلق مباشرة بحياة المرأة. عادة ما يتم سرد الحكاية في المنزل خلال أمسيات الشتاء، في مناسبات عفوية وبهيجة تحضرها مجموعات صغيرة من النساء والأطفال، ونادراً ما يحضر الرجال، لأن هذا يعتبر غير مناسب وفقاً للتقليد المُتبع، وتكمن القوة التعبيرية للسرد في استخدام اللغة والتأكيد وإيقاعات الكلام والتصريفات الصوتية وكذلك في القدرة على جذب انتباه المستمعين ونقلهم بنجاح إلى عالم الخيال، ويتبع السرد أعرافاً لغوية وأدبية تميزه عن أنواع السرد الشعبي الأخرى، وتُروى الحكايات باللهجة الفلسطينية، إما باللغة الفلاحية الريفية أو المدنية الحضرية، ويتم هذا التقليد في المقام الأول من قبل النساء المسنات، كما أنه ليس من غير المعتاد أن يروى الفتيات والفتيان الصغار الحكايات لبعضهم البعض من أجل الممارسة أو المتعة. ومع ذلك، فإن الحكاية في تراجع بسبب تأثير وسائل الإعلام، التي غالباً ما تدفع الناس إلى اعتبار عاداتهم الأصلية هي رجعية ومنخفضة المستوى، ونتيجة لذلك، تميل النساء الأكبر سناً إلى تغيير شكل الروايات ومضمونها، ويشكل استمرار اضطراب الحياة الاجتماعية بسبب الوضع السياسي الراهن في فلسطين تهديدا آخر لاستمرار فن الحكاية بأسره في فلسطين.

وتشارك فلسطين دول أخرى في ثلاثة عناصر مُدرجة على القائمة وهي:

 أولاً: الفنون والمهارات والممارسات المرتبطة بالنقش على المعادن (الذهب والفضة والنحاس).

تم إدراج هذا الفن للقائمة عام 2023، ويعد النقش على المعادن مثل الذهب والفضة والنحاس ممارسة عمرها قرون تتضمن قطع الكلمات أو الرموز أو الأنماط يدوياً على أسطح الأشياء الزخرفية أو النفعية أو الدينية أو الاحتفالية، ويستخدم الحرفي أدوات مختلفة لقص الرموز والأسماء وآيات القرآن والصلوات والأنماط الهندسية يدوياً في الأشياء، ويمكن أن تكون النقوش مقعرة (غائرة) أو محدبة (مرتفعة)، أو نتيجة مزيج من أنواع مختلفة من المعادن، مثل الذهب والفضة، وتختلف معانيها ووظائفها الاجتماعية والرمزية باختلاف المجتمعات المعنية، وغالباً ما يتم تقديم الأشياء المنقوشة، مثل المجوهرات أو الأدوات المنزلية، كهدايا تقليدية لحفلات الزفاف أو استخدامها في الطقوس الدينية والطب البديل. ينتقل النقش على المعادن داخل العائلات من خلال التعلم والممارسة العملية، ويتم نقله أيضاً من خلال ورش العمل التي تنظمها مراكز التدريب والمنظمات والجامعات وغيرها. تساهم المنشورات والفعاليات الثقافية ووسائل التواصل الاجتماعي أيضاً في نقل المعرفة والمهارات ذات الصلة، ويعتبر النقش على المعادن واستخدام الأشياء المنقوشة، التي يمارسها الأشخاص من جميع الأعمار والأجناس، وسيلة للتعبير عن الهوية الثقافية والدينية والجغرافية والوضع الاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات المعنية.

ثانياً: النخيل والمعارف والمهارات والتقاليد والممارسات.

تم إدراج النخيل للقائمة عام 2022، ويوجد نخيل التمر عادةً في الصحاري والمناخات الجافة والمعتدلة، وهو نبات دائم الخضرة له جذور تخترق الأرض بعمق بحثاً عن الرطوبة، وتنمو أشجار النخيل في الواحات في المناطق الصحراوية ذات مستويات المياه المناسبة للري. لعدة قرون ارتبط العديد من السكان بشجرة النخيل، مما ساعدهم في بناء حضاراتهم في المناطق القاحلة، فإن العلاقة التاريخية القديمة بين المنطقة العربية والنخيل مكنت من تكوين تراث ثقافي غني تم تناقله عبر الأجيال. واليوم لا تزال المجتمعات والمجموعات والأفراد في المناطق التي انتشرت فيها نخيل التمر تحافظ على الممارسات والمعارف والمهارات ذات الصلة، وتشمل هذه رعاية وزراعة شجرة النخيل واستخدام أجزائها (الأوراق والسعف والألياف) في الحرف التقليدية والطقوس الاجتماعية، ويُشار إلى نخل التمر أيضاً في الشعر والأغاني وغيرها، وقد ارتبطت بالمنطقة منذ قرون حيث تشكل مصدراً أساسياً للتغذية بالإضافة إلى الحرف والمهن والتقاليد المرتبطة بها، نظراً لأهميته الطويلة الأمد، ويحظى نخيل التمر بدعم واسع النطاق من قبل المجتمعات المحلية والوكالات الحكومية المختلفة، مما يؤدي إلى توسع ملحوظ في زراعته وزيادة القوى العاملة في مجال التصنيع.



ثالثاً: الخط العربي

 

تم إدراج الخط العربي في القائمة عام 2021، والخط العربي هو الممارسة الفنية لكتابة النص العربي بخط اليد بطريقة سلسة لنقل الانسجام والنعمة والجمال، حيث يتم كتابة الحروف الأبجدية العربية الثمانية والعشرين المكتوبة بخط متصل من اليمين إلى اليسار بشكل مبهر وغاية في الجمال والتناسق، وكان الهدف من فن الخط العربي في الأصل جعل الكتابة واضحة ومقروءة، ثم أصبح تدريجياً فناً عربياً إسلامياً للأعمال التقليدية والحديثة. وتوفر سيولة النص العربي إمكانيات لا حصر لها حتى داخل كلمة واحدة، حيث يمكن تمديد الحروف وتحويلها بطرق عديدة لإنشاء أشكال مختلفة، وتستخدم التقنيات التقليدية مواد طبيعية، مثل القصب وسيقان الخيزران لصناعة القلم أو أداة الكتابة. ويستخدم في صناعة الحبر خليط من العسل والسخام الأسود والزعفران، ويتم تصنيع الورق يدوياً ومعالجته بالنشا وبياض البيض والشبة. يستخدم الخط الحديث عادةً أقلام التحديد والطلاء الاصطناعي، ويستخدم طلاء الرش للكتابة على الجدران واللافتات والمباني، ويستخدم الحرفيون والمصممون أيضاً الخط العربي للتحسين الفني، مثل نحت الرخام والخشب والتطريز والنقش المعدني. ينتشر الخط العربي في الدول العربية وغير العربية ويمارسه الرجال والنساء من جميع الأعمار، وتنتقل المهارات بشكل غير رسمي أو من خلال المدارس الرسمية أو الممارسة والتعلم من خلال العديد من الجهات والأشخاص.

 

رابعاً: تقليد صناعة الصابون النابلسي

اعتمدت الدورة الـ 19 للجنة الحكومية الدولية لحماية التراث الثقافي غير المادي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، المنعقدة في عاصمة باراغواي، أسونسيون، في الفترة ما بين 2 إلى 7 كانون الأول/ ديسمبر 2024، قرار إدراج تقليد صناعة الصابون النابلسي في فلسطين على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية. ويُعتبر الصابون النابلسي أحد أبرز الرموز الثقافية والتاريخية لفلسطين، إذ يعود تقليده إلى مئات السنين، ويمثل جزءاً من الهوية الثقافية الفلسطينية، وليس حرفة فقط. وتشتهر مدينة نابلس بهذا الصابون الذي يتميز بمكوناته الطبيعية، وأهمها زيت الزيتون، وطريقة تصنيعه التقليدية التي توارثتها الأجيال.