خطابات الرئيس محمود عباس "أبو مازن" 2020"

كلمة الرئيس محمود عباس المتلفزة عبر تلفزيون فلسطين لمناسبة الذكرى الـ56 لانطلاقة الثورة الفلسطينية 31 كانون الأول 2020

 

بسم الله الرحمن الرحيـم

 

ونُريدُ أن نَّمنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أئِمَّة وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ". صدق الله العظيم يا أبناءَ شعبنا الفلسطيني العظيم على ترابِ هذه الأرض المقدسة، وفي الشتات، أيتها الأخواتُ أيها الأخوة، نقفُ اليومَ معاً صامدينَ على أرضِنا، ثابتينَ على الحق، بكل إباءٍ وشموخ، لنحييَ انطلاقةَ ثورتِنا المجيدة، التي نهضتْ لتكونَ علامةً فارقةً في تاريخِ قضيتِنا المقدسةِ التي ضحى من أجلِها قادتُنا المؤسسون، وعلى رأسهِم القائدُ الرمزُ الشهيد ياسر عرفات، ورفاقُه من القادة، وقوافل الشهداءِ من أبناءِ شعبِنا وأمتنا، مقدمينَ أروعَ الأمثلةِ في التضحيةِ والفداءِ في سبيلِ الحريةِ والاستقلال.

ستةٌ وخمسونَ عاماً وما خبتْ نارُ ثورتِنا، ولا استكانتْ عزيمتُنا، مهما اشتدتِ المحن، وتعاظمتِ الصعاب، وبإصرارٍ وثبات، واصلَ شعبُنا وقيادتُه المسيرة، جيلاً بعد جيل، نحَو استعادةِ حقوقِنا، وبناءِ دولتِنا الفلسطينيةِ المستقلةِ بعاصمتِها القدس الشريف.

يا أبناءَ شعبِنا في الوطنِ وفي اللجوءِ وفي سجونِ الاحتلال، يا صناعَ التاريخِ على أرضِ فلسطين، يا مَنْ قبضتُم على الجمرِ وتحملتُمْ وصبرتُمْ فداءً ودفاعاً عن الوطنِ والهوية، نقفُ اليومَ لنجددَ العهدَ على التمسكِ بالثوابتِ الوطنيةِ والسيرِ قُدُماً في عملنِا وجهودِنا لإنهاءِ الاحتلالِ الإسرائيلي لأرضِ دولةِ فلسطين وصولاً لتحقيقِ أهدافِ شعبِنا العظيمِ في الحريةِ والسيادةِ والاستقلال، ممهدينَ الطريقَ لأجيالِنا القادمةِ لتنعُمَ بالسلامِ والإستقرارِ والإزدهار.

أيتها الأخوات أيها الإخوة،،، مرتْ قضيتُنا الفلسطينيةُ بمراحلَ نضاليةٍ حملَ مسؤوليتَها أجيالٌ متعاقبةٌ من القادةِ المؤسسين، وقدمَ شعبُنا الفلسطينيُ خلالَها تضحياتٍ جساماً على طريقِ ترسيخِ الهويةِ الفلسطينية، والقرارِ الوطنيِ المستقل، وبناءِ مؤسساتِ الدولةِ الفلسطينيةِ ذاتَ السيادةِ بعاصمتِها القدسُ الشريفُ على الترابِ الوطني الفلسطيني.

وقد ظهرَ دورُ الحركةِ الوطنيةِ المعاصرةِ جلياً بعد النكبةِ الفلسطينية عام 1948، وتوَّجَ هذا الدورَ بانطلاقةِ الثورةِ الفلسطينيةِ في العام 1965، وراحتْ هذه الثورةُ تراكمُ الإنجازاتِ تِلوَ الإنجازاتِ لاستعادةِ الهويةِ الفلسطينية، فقد قامتْ منظمةُ التحريرِ الفلسطينية، وتمَ الإعترافُ بها ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، واستمرتْ في جهودِها بقيادةِ القائدِ الرمز الشهيد ياسر عرفات، ورفاقِه في السعي لتكريسِ صفتِها التمثيليةِ والتعريفِ بها على المستويين الإقليمي والدولي.

 

وجاءَ إعلانُ الاستقلالِ الفلسطيني في الجزائر عام 1988، بدايةً للإعترافِ الدولي بفلسطين على حدودِ العام 1967، وفقَ قراراتِ الأممِ المتَحدة، وبناءً عليهِ فقدْ شاركتْ منظمةُ التحريرِ الفلسطينيةُ في مؤتمرِ مدريد الدولي للسلام، الذي تلتْه مفاوضاتُ واشنطن ثم اتفاق أوسلو.

وعادت القيادةُ الفلسطينيةُ لأرضِ الوطن، وفقَ اتفاقياتٍ دوليةٍ وقراراتٍ أممية، أفضتْ إلى قيامِ سلطةٍ وطنيةٍ فلسطينيةٍ لأولَ مرةٍ على أرضِ دولةِ فلسطين.

ثم كانَ الاعترافُ بدولةِ فلسطينَ عام 2012، والانضمامُ للعشراتِ من المنظماتِ والمعاهداتِ الدولية، وكذلك رئاسةُ فلسطينَ لمجموعةِ 77+الصين، تتويجاً لكلِ تلكَ النضالاتِ والتضحياتِ والجهودِ التي قدمَها الشعبُ الفلسطينيُ وقيادتُه الوطنيةُ بقيادةِ منظمةِ التحريرِ الفلسطينية.

وعبرَ كلِ تلك المراحل، واجهتْ قضيتُنا وشعبُنا الكثيرَ من العَقباتِ والصعابِ ومحاولاتِ القفزِ على تطلعاتِ شعبِنا، وقد كانت السنواتُ الأربعُ الماضية، شاهدةً على محاولاتِ تصفيةِ القضيةِ الفلسطينيةِ والقفزِ على حقوقِ شعبنا، من خلالِ طرحِ ما يُسمى "صفقة القرن" التي تصدَّينا لها بإرادةِ وعزيمةِ وصمودِ شعبنا الفلسطيني العظيم، الذي أفشلها، فلم يعد لها وجود.

الإخوة والأخوات،،، لقد استطعنا عبرَ ما يزيدُ على ربعِ قرنٍ من قيامِ السلطةِ الوطنيةِ الفلسطينيةِ تحقيقَ العديدِ من الإنجازات، حيثُ أقمْنا مؤسساتِنا الوطنيةَ والعديدَ من مشروعاتِ البنيةِ التحتيةِ ووضْعنا الأسسَ الراسخةَ لدولةٍ عصريةٍ وطنيةٍ على أرضِ دولةِ فلسطين.

نحنُ نواجهُ كلَ يومٍ ممارساتِ إسرائيل العدوانيةِ بحقِ شعبِنا وسعيها المحمومَ لتغييرِ هويةِ وطابعِ القدس، واعتداءاتِها على مقدساتِنا الإسلاميةِ والمسيحيةِ فيها، وعملياتِ الإستيطانِ الإستعماري، وهدمِ المنازلِ، والاعتقالات، لكننا لنْ نستسلمَ، وسوفَ نواصلُ نضالنا وتصدينا لهذهِ الممارسات، وذلكَ من خلالِ تمتينِ جبهتِنا الداخلية، وتحقيقِ وحدةِ شعبِنا وأرضِنا، وتحقيقِ المصالحةِ والذهابِ للإنتخابات، والوقوفِ صفاً واحداً على قلبِ رجلٍ واحد.

الأخواتُ والإخوة،،، لا زلنا نتمسكَ بالسلامِ العادلِ والشاملِ المستندِ لقراراتِ الشرعيةِ الدولية، ولمبادرة السلام العربية، لهذا دعوْنا لعقدِ مؤتمرٍ دوليٍ للسلامِ في النصفِ الأولِ من العامِ القادم، برعايةِ الرباعيةِ الدوليةِ، الجهة الوحيدة المخولة لرعاية المفاوضات، ويمكن إضافة دول أخرى لها.

وعلى الصعيد الثنائي، نتطلع للعملِ مع الإدارةِ الأمريكيةِ القادمةِ على أسسٍ متينةٍ منَ الثقةِ المتبادلةِ لتعزيزِ العلاقاتِ معها وتحقيقِ السلامِ والأمنِ للجميع.

كما نسعى في هذه الأيامِ للعملِ والتنسيقِ مع أشقائِنا من الدولِ العربيةِ والإسلاميةِ والدولِ الصديقةِ حولَ العالم مِن أجلِ حشدِ الدعمِ الدوليِ وإيجادِ حلٍ شاملٍ وعادلٍ للقضيةِ الفلسطينيةِ مبنيٍ على أساسِ حلِ الدولتينِ على حدودِ العام 1967، لتعيشَ دولُ المنطقةِ جميعُها بأمنٍ وسلامٍ واستقرار.

أيتُها الأخواتُ أيها الإخوة،،، قضيةُ اللاجئينَ الفلسطينيينَ هي قضيةُ حقٍ وعدل، ولذلكَ فإننا نُجددُ التأكيدَ على إيجادِ حلٍ عادلٍ لها، حسب القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولجميعِ قضايا الوضعِ النهائي، وسنواصلُ العملَ من أجلِ إطلاقِ سراحِ جميعِ الأسرى في سجونِ الاحتلال الإسرائيلي.

في هذهِ اللحظاتِ الصعبةِ التي نعيشُها معاً، ويعيشُها العالمُ في مواجهةِ جائحةِ كورونا، ومع اقترابِ الحصولِ على اللقاحات، أُجددُ التأكيدَ على ضرورةِ احترامِ الجميعِ للإجراءاتِ الوقائيةِ وفقَ تعليماتِ الجهاتِ الحكوميةِ المختصةِ، /فقط استعمالُ الكماماتِ والابتعادُ عن التجمعاتِ/، حتى نتمكنَ من الخلاصِ من هذا الوباءِ، ومن العودةِ لاستئنافِ حياتِنا الطبيعيةِ ومضاعفةِ الإنتاجِ والبناءِ.

في هذه الأيامِ المباركة، نهنئ شَعبنا بحلولِ أعيادِ الميلادِ المجيدة، ورأسِ السنةِ الميلادية، وندعو شعبنا للمزيدِ من الصبرِ والثباتِ فنحنُ باقونَ على أرضِنا متمسكونَ بحقوقِنا وثوابتِنا الوطنية.

المجدُ والخلودُ لشهدائِنا الأبرار، والحريةُ لأسرانا البواسل، والشفاءُ العاجلُ لجرحانا، وعاشتْ فلسطينُ حرةً عربية، وعاشت القدسُ عاصمةً أبديةً لدولةِ فلسطين.

 

 

كلمة الرئيس محمود عباس المتلفزة لمناسبة أعياد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية

 24 كانون الأول 2020

"تأتي أعيادُ الميلادِ المجيدِ هذا العام وعالمُنا يعيشُ ظروفاً صعبةً وخطيرةً بسببِ الجائحةِ التي فَرضتْ علينا جميعاً قيوداً ونمطَ حياةٍ استثنائياً، ويؤلمُنا ويَحزُننا أننا بسببِ ذلكَ ولأولِ مرة، لم نتمكنْ من المشاركةِ في احتفالاتِ الميلادِ المجيد، كما تَغِيبُ لنفسِ السببِ، آلافٌ مؤلفةٌ من الحجاجِ والزائرينَ والفلسطينيينَ الذين اعتادوا التوافدَ إلى ساحةِ المهدِ في بيتَ لحم للاحتفالِ بهذه المناسبةِ السعيدة.

تأتي السنةُ الميلاديةُ الجديدةُ، وكلُنا أملٌ أنْ تتجددَ معها الحياةُ، وأن تنتصرَ معها الإنسانيةُ على هذه الجائحةِ التي أنهكتْ العالم، وأن يستمرَ العملُ نحوَ مستقبلٍ زاهرٍ لشعبِنا وأجيالهِ القادمة، فلنواصلْ دعواتِنا وصلواتِنا إلى العليِ القديرِ أنْ يحفظَ الإنسانيةَ جمعاء، لأنَنا جميعاً على هذه الأرضِ شركاء.

وأستذكرُ في هذا المقامِ مقولةَ قداسةِ البابا فرنسيس، الذي نُكِنُ له كلَ الاحترام، في إحدى عِظاتِه: "إننا جميعاً وجدْنا أنفسَنا في قاربٍ واحدٍ، وعلينا التجديفُ معاً من أجلِ خلاصِ البشرية".

مع أعيادِ الميلادِ، تتجهُ أنظارُ العالمِ إلى بيتَ لحم، في هذه الذكرى المجيدةِ لمولدِ السيدِ المسيحِ في مغارةِ كنيسةِ المهدِ، التي هي إرثٌ روحيٌ وتراثيٌ ووطنيٌ لشعبِنا وللإنسانيةِ جمعاء، ونتضرعُ إلى اللهِ العليِ القديرِ أنْ يحفظَ أبناءَنا وعائلاتِنا ويباركَ هذا التنوعَ الرائعَ في نسيجِ المجتمعِ الفلسطيني، وأن يعينَنا على أنْ نجتازَ سوياً هذه الجائحةَ وكلَ الكروبِ والأزماتِ، بالتمسكِ بالمحبةِ والتعاونِ والالتزامِ والصمود.

إننا نواجهُ كل يومٍ سياساتِ الاحتلالِ الإسرائيلي، وممارساتِه العدوانيةِ ضدَ مقدساتِنا الإسلاميةِ والمسيحية، والتي كانَ آخرها الاعتداءُ على كنيسةِ الجثمانيةِ في القدس، علاوةً على الاعتداءاتِ على المسجدِ الأقصى، والاضطهادِ والقمعِ وانفلاتِ قطعانِ المستوطنين.

 ورغمَ كلِ ذلكَ فنحنُ صامدونَ، وواثقونَ من النصرِ والحرية، فنحنُ نَستحقُ العدالةَ لقضيتِنا والحياةَ الكريمةَ لشعبِنا ونهايةَ الاحتلال، ونيلَ شعبِنا حريتَهُ واستقلالَهُ في دولتِه وعاصمتُها القدسُ الشرقية، دولةٌ لا تَفصِلُها الجدرانٌ العنصريةُ مثلُ تلكَ التي تفصلُ المدينةَ المقدسةَ عن مدينةِ المهد، بيتَ لحم.

إنني بهذهِ المناسبةِ الميلاديةِ العظيمة، أشكرُ كنائسَنا في دولةِ فلسطين، ومؤسساتِها لوقوفِها ومشاركتِها معْنا لدعمِ أبناءِ شعبنا، وكلي ثقةٌ باستمرارِهم معنا في هذا العطاءِ الروحي والمادي، فأبناءُ شعبِنا من المسيحيينَ هم جزءٌ أصيلٌ من هذا النسيجِ الفلسطينيِ الذي نَفتخرُ بهِ في فلسطينَ والعالم.

 

نتقدمُ لأبناءِ شعبِنا بأحرِ التهاني في أعيادِ الميلادِ والسنةِ الجديدة، التي هي مِنْ أعيادِنا الدينيةِ والوطنية، كما مولدِ نبَّيِنا محمدٍ صلى الله عليه وسـلم، وكلِ الأنبياءِ والمرسلينَ، مُؤكدينَ على رسالةِ المحبةِ والسلامِ والعدل، التي جاءَ بها السيدُ المسيحُ عليه السلام.

في هذا العام، سنحتفظُ برسالةِ العيدِ في قلوبِنا، وببهجتِه في بيوتِنا، مع عائلاتِنا وأحبائِنا، من أجلِ الصحةِ والسلامةِ التي كانتْ وستبقى أولويتنَا، وكلُنا أملٌ أنْ يأتيَ العامُ القادم، وقد زالتْ الجائحةُ، وزالَ الاحتلالُ، وامتلأتْ ساحةُ المهدِ بالمؤمنينَ والحجاج، وعلتْ الابتسامةُ والفرحةُ على وجوهِ أطفالِنا وأبناءِ شعبِنا حفظَهم ورعاهَم الله. والبشريةَ جمعاء. وكلُ عامٍ وأنتم بخير".

 

   كلمة الرئيس محمود عباس المتلفزة التي وجهها لأبناء شعبنا 2 كانون الأول 2020

بسم الله الرحمن الرحيم

يا ابناء شعبنا العظيم،،

في هذهِ اللحظاتِ الصعبةِ التي نعيشُها معاً، ويعيشُها العالمُ في مواجهةِ جائحةِ كورونا، وانطلاقاً منْ توجيهِ رسولِنا الكريم، صلى الله عليه وسلـم: (كلُكمْ راعٍ وكلُكمْ مسؤولٌ عنْ رعيتِهِ)، فإنني أخاطبكُمْ اليومَ منْ موقعِ المسؤوليةِ والحبِ لكمْ والحرصِ عليكم.

 

فأرجو ان تستمعوا لي جيدا، ايتها الاخوات والاخوة أنَّ العالمَ كلَّه يواجهُ اليومَ جائحة غيرَ مسبوقةٍ في تاريخِ البشرية، وقدْ باتَ واضحا أنهُ ورغم الإمكاناتِ الهائلةِ لدى الدولِ الكبرى والمتقدمة، فإنَّ الجائحةَ تشتدُ وتزدادُ اتساعا وخطورة، رغمَ أنَّ حلولا لها تلوحُ في الأفُق، وكما تذكرونَ، فقدْ بدأنا في مواجهةِ هذهِ الجائحةِ في وقتٍ مبكرٍ جداً، وحققْنا نجاحاً أولياً هاماً، ولكنَّ هذا الوباءَ كانَ أكبرَ منْ إمكاناتِنا وطاقتِنا، وعَجزَ العالمُ بأسرِه عنْ منعِ استشرائهِ، ان ذلك لا يعني اننا استسلمنا لهذا الفايروس الفتاك لا بل لقد نجحنا الى حد كبير في الحد من انتشاره على نطاق واسع، الا اننا اليوم وكما هو واضح للجميع نواجه وضعا مستجدا خطيرا للغاية قد يعتقد البعض انه لم يعد بمقدورنا الصمود امامه، لكن الحقيقة والواقع هو اننا نستطيع اذا ما اتخذنا الاجراءات اللازمة وبشكل جماعي وصارم من الدولة والشعب على حد سواء لذلك فانني أتوجه إليكمُ اليومَ بهذهِ الرسالةِ لأطمئنكَم بأننا لنْ ندّخرَ جُهداً في القيامِ بواجبِنا كدولةٍ تجاهَ أبناءِ شعبِنا، ولكنَّ هذا الجهدَ لا يمكنُ أنْ يُكتملَ إلا بكمْ وبجهودِكمْ وتعاونِكمْ ووعيِكمْ لكي نحميَ هذهِ الأجيالَ منَ الآباءِ والأمهاتِ والأجدادِ والأبناءِ والأحفادِ منْ مخاطرِ هذا الوباءِ، لقد اعطيت تعليماتي للحكومة للقيام بالإجراءات الضرورية لكسر هذا المنحنى العالي للإصابات مهما كان الثمن لذلك يا أبناءَ شعبيَ العزيز والغالي، أرجوكمْ أنْ تُحافظوا على أنفسِكم، ففي كلِ لحظةٍ هناكَ خطر، وكلما سمعتُ بإصابةِ أو فقدانِ عزيزٍ ينتابُني الحزنُ والألمُ الشديد، وأسألُ نفسي هلْ كانَ بمقدوري وبمقدورِنا جميعاً أنْ نحميَ أرواحَ أبنائِنا؟ واقول لكم بصدق، نعمْ يمكنُنا أنْ نفعل، أو على الأقلِ أنْ نقللَ منَ المخاطرِ والخسائر، ابناء شعبنا العزيز ان الشجاعةَ صبرُ ساعة، وقدْ بدأَ الضوءُ يظهرُ في نهايةِ النفق، فالتقاريرُ الدوليةُ التي تصلُنا اليومَ تُبشرُنا باقترابِ الحصولِ على اللقاح الذي يمكنُ أنْ يحميَ الأرواحَ بإذنِ الله، وهنا اريد ان اعلمكم باننا اتفقنا مع الدول والجهات المعنية بتوفير  هذا اللقاح بأعدادٍ كبيرة لعلنا نستطيع ان نقي انفسنا شر هذا الوباء، لذلك أرجوكمْ وأطالبكُمْ أنْ تحافظوا على أنفسِكمْ في ربعِ الساعةِ الأخيرِ هذا، حتى نحصلَ على الِلقاح ونضعَهُ في متناولِ الجميع لا أطلبُ منكمُ الكثير، فقطْ أعينوني بحمايةِ أنفسِكمْ والمحافظةِ على أرواحِكمْ وأرواحِ أعزائكِم، ارتدوا الكماماتِ الواقية، وتباعدوا وأفسحوا في المجالسِ يفسحِ اللهُ لكم، كما علَّمنا دينُنا الحنيف، وأملَنا في اللهِ كبيرٌ وثقتُنا فيكمْ عالية، هذِه هي اللحظاتُ التي تُختبرُ فيها الشعوب، وشعبُنا أثبتَ جدارته في اللحظاتِ الصعبة ومثلما صَمدْنا وقَبضْنا على الجمرِ ونحنُ نتشبثُ بحقوقِنا ومواقِفنا الوطنيةِ ونصونُها في وجهِ أعتى القوى وأخطرِ المخططاتِ التي تستهدفُ وجودَنا، فإننا اليومَ سنصمدُ وننتصرُ على هذا البلاءِ بإذنِ اللهِ بإرادتِكمُ التي لا تلينُ وبصبرِكمُ الجميل، وإننا واثقون بأنَّ اللهَ سيحفظُ شعبَنا الصابرَ المصابر المرابطَ على أرضِ الرباط، أرضِ فلسطينَ المباركة.

 

حفظ الله فلسطين وشعبها ومن كل مكروه، قال الله تعالى في كتابه العزيز: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو اخباركم) صدق الله العظيم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

كلمة الرئيس محمود عباس في الذكرى السادسة عشرة لاستشهاد الرئيس ياسر عرفات

 

بسم الله الرحمن الرحيم

"وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَ?ئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَ?ئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ " صدق الله العظيم

 

يا أبناء شعبنا الفلسطيني العظيم،

أيتها الأخوات، أيها الإخوة،

ونحنُ نستذكرُ اليوم، رحيلَ القائدِ المؤسسِ الشهيدِ ياسر عرفات، نودعُ أيضاً، وتودعُ كلُ فلسطينَ شهيداً من أبطالها، وقائداً منْ قادتِها، تَرَجَّلَ بعدَ مسيرة نضالٍ وكفاحٍ وطنيٍ تركتْ علامةً بارزةً في تاريخِنا، نودعُ أخانَا وحبيبَنا ورفيقَ دربنا الدكتور صائب عريقات، فإلى جناتِ الخُلدِ أيُها الأخُ الحبيب. ونقولُ لشعبِنا المناضلِ الصابرِ الصامدِ في كلِ مكان، إِننا على العهدِ باقونَ وللأمانةِ حافظون، وسنبقى أوفياءَ لأرواحِ شهدائِنا، ودماءِ جرحانا، وعذاباتِ أسرانا.

نقفُ بكلِ شموخٍ وكبرياء، نواصلُ المسيرةَ بكلِ عزيمةٍ وإصرار، نحافظُ على حقوقِ شعبِنا وثوابتهِ الوطنية، إيماننا باللهِ وثقتنا بشعبِنا وعدالةِ قضيتِنا كبير، لمْ ولنْ نحيدَ عنها مهما كانَ حجمُ التحدياتِ والضغوطِ التي نتعرضُ لها.

اليومَ نُحْيي الذكرى السادسةَ عشرة لرحيلِ الشهيدِ الرمزِ ياسر عرفات، الذي حملَ الأمانةَ في أحلكِ الظروف، وقاتلَ وضحى معَ رفاقِهِ الأبطالِ لاستعادةِ الحقوقِ وحمايةِ القرارِ الوطنيِ المستقلِ ليكونَ قرارُنا بيدنِا، منْ خلالِ منظمةِ التحريرِ الفلسطينية، الممثلِ الشرعيِ والوحيدِ لشعبِنا الفلسطيني.

نعم .. أيتها الأخوات، أيها الإخوة، واجهْنا الكثيرَ منَ العقبات، وبخاصةٍ في السنواتِ الأربعِ الأخيرة، تَصدَّيْنا خلالَها لصفقةِ القرنِ ومخططاتِ الضمِ، والتطبيعِ، وَتمسَّكْنا بالشرعيةِ الدوليةِ وبمبادرةِ السلامِ العربيةِ وحقوقِ شعبِنا، وقرارنا الوطني المستقل، نعم.. صمدْنا معاً، وصَبْرنا معاً، وتَحمَّلْنا معاً، وسنتخطى الصعابَ معاً.

 

أيتها الأخوات، أيها الإخوة،

واليوم، ونحنُ نستذكرُ شهيدَنا أبا عمار وإخوانَه منَ القادةِ الشهداء، فإننا نؤكدُ وشعبُنا بأنه ومهما طالَ الزمنُ وزادتِ الضغوطاتُ والاتهاماتُ الباطلةُ وتزييفُ الحقائق، فلنْ نتنازلَ عنْ أيِ حقٍ منْ حقوقِنا المشروعةِ التي كفلتْها قراراتُ الشرعيةِ الدولية، وسنواصلُ العملَ إلى أنْ ينتهيَ الاحتلالُ الإسرائيليُ لبلادِنا، وتتجسدَ دولُتنا ذاتُ السيادةِ على حدودِ العامِ 1967، وعاصمتُها القدسُ الشرقية. 

وفي هذا الصدد، فإني أؤكدُ مجدداً على ضرورةِ أنْ يقومَ الأمينُ العامُ للأممِ المتحدةِ بالتنسيقِ مع الرباعيةِ الدوليةِ وأعضاءِ مجلسِ الأمنِ منْ أجلِ الدعوةِ لعقدِ مؤتمرٍ دوليِ للسلامِ في مطلعِ العامِ القادم، على أساسِ قراراتِ الشرعيةِ الدوليةِ ومبادرةِ السلامِ العربيةِ كما وردتْ في قمةِ بيروت العام 2002.

هذا وقدْ قمنا بتقديمِ التهنئةِ للرئيسِ الأمريكيِ المنتخبِ جو بايدن، ونائبتهِ، وقلْنا بأننا نمدُ أيدينَا لفتحِ صفحةٍ جديدةٍ معَ إدارتِه، منْ أجلِ تعزيزِ العلاقاتِ الفلسطينيةِ الأمريكية، ونيلِ الحريةِ والاستقلالِ والعدالةِ والكرامةِ لشعبِنا، وكذلكَ العملُ منْ أجلِ السلامِ والأمنِ والاستقرارِ للجميعِ في منطقتِنا والعالم.

 

أيتها الأخوات، أيها الإخوة،

نحنُ أوفياءُ لمنْ ساندَنا ووقفَ إلى جانبِنا وقدمَ لنا يدَ العونِ في أحلكِ الظروف، وفي الصدارةِ منْ ذلكَ الدولُ العربيةُ الشقيقةُ وشعوبُها ودولٌ عديدةٌ في العالمِ وبخاصةٍ تلكَ التي قدمتِ الدعمَ السياسيَ والمادي، وتلكَ التي احتضنتِ الشعبَ الفلسطينيَ ولا زالتْ تستضيفُ اللاجئينَ الفلسطينيين، ومنها منْ قدَّمَ التضحياتِ؛ هؤلاء جميعاً نتوجهُ لهم بالشكرِ والتقديرِ والعرفان.

 

أيتها الأخوات، أيها الإخوة،

في وسطِ كلِ هذهِ الصعابِ التي نعيش، يظلُ سلاحُنا الأقوى للصمودِ والثباتِ ومواصلةِ البناءِ هو وحدةُ شعبِنا وأرضِنا، الذي نعملُ على تجسيدهِ عبرَ إجراءِ الانتخاباتِ التشريعيةِ ومن ثم الرئاسية، ومن ثم انتخاباتِ المجلسِ الوطني، وبمشاركةِ كل القوى والأحزابِ والفعالياتِ الوطنيةِ لتكريسِ الديمقراطيةِ والتعدديةِ السياسية، وطيّ صفحة الانقسام، وصولاً للشراكةِ الكاملةِ تحتَ مظلةِ منظمةِ التحريرِ الفلسطينيةِ الممثلِ الشرعيِ والوحيدِ لشعبِنا الفلسطيني، التي هي خيارُنا الاستراتيجيُ الذي يجبُ التمسكُ بهِ والمحافظةُ عليه، في مواجهةِ التحدياتِ والمؤامرات، نحوَ الخلاصِ منَ الاحتلالِ ونيلِ الحريةِ والاستقلال.

وختاماً نتوجهُ بتحيةِ إكبارٍ وإجلالٍ لشهدائِنا الأبرار، وفي مقدمتهم الشهيدُ الرمزُ الراحلُ ياسر عرفات ورفاقُه، معاهدينَ شعبِنا بأنْ نبقى الأوفياءَ لمشروعِنا الوطنيِ وثوابتِنا التي لنْ نحيدَ عنها، ولجرحانا، ولأسرانا الأبطالِ الصامدينَ في سجونِ الاحتلال، ولنْ نتخلى عنهمْ مهما كانتِ التضحيات. كما نحيي صمودَ أهلِنا في القدس، وأهلِنا المحاصَرينَ في قطاعِ غزة، وأبناءَ شعبِنا في مخيماتِ اللجوءِ وفي الشتات، ونؤكدُ لهمْ جميعاً بأنَّ مصيرَنا واحد، وألمَنا واحدٌ وأملنَا واحدٌ، والنصرُ قريبٌ بإذن الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

كلمة الرئيس محمود عباس في المنتدى الوطني الخامس للمجلس الأعلى للإبداع والتميز 19 تشرين الأول 2020

 

الحلم الفلسطيني بالاستقلال والحرية يتجسد بإقامة دولتنا العتيدة التي أصبحت معالمها جلية في شتى المجالات؛ فرغم التحديات والصعاب يشق الشعب الفلسطيني طريقه إلى الحرية بسواعد أبنائه وصمودهم ومثابرتهم متسلحا بأنبل الأسلحة لتحقيق آماله، ألا وهو العلم؛ فرواد العلوم الفلسطينيون تركوا بصماتهم في مختلف أرجاء المعمورة مخلدين اسم فلسطين في تاريخ المساهمات في الحضارة الإنسانية.

دولة فلسطين رغم التحديات الهائلة التي تواجهها سواء تلك المرتبطة بالاحتلال وآثاره أو تلك المرتبطة بجائحة "كورونا" وآثارها على مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والصحية، تقف جنبًا إلى جنب مع دول العالم لتؤسس لعالم أفضل، وتساهم في التقدم العلمي والمعرفي؛ فكيف لا ونحن نمتلك طاقة بشرية في فلسطين والشتات مؤهلة رائدة قادرة على الإبداع وتقديم حلول علمية وتكنولوجية.

إننا نعتبر شبابنا الثروة الحقيقية للوطن، ونولي اهتمامًا بالغًا بهذه الفئة المؤثرة القادرة على صنع التغيير، والتي تتطلب منا جميعًا بذل المزيد من الجهود، سواء بتوفير التعليم النوعي الذي يخرجها مثقفة واعية متعلمة وقادرة على بناء المستقل، أو بفتح الآفاق أمامها وتذليل العقبات على نحو يسهم في استخراج طاقاتهم المبدعة والكامنة، وتمكينهم من تأسيس وقيادة اقتصاد وطني حر مبني على المعرفة والتميز والإبداع.

وفي ظل هذه الجائحة الخطيرة التي اجتاحت العالم أصبح الإبداع والابتكار والريادة عنوان المرحلة في جميع أنحاء العالم، بل قد يكون السبيل الأمثل لمواجهتها، ومن هنا فقد قامت دولة فلسطين بتعزيز هذا النهج الإبداعي مرتكزة على مقدراتها البشرية. وتعبيرًا عن عمق إدراكنا لأهمية الإبداع والابتكار والريادة في فلسطين، فقد قمنا بإنشاء المجلس الأعلى للإبداع والتميز، كمؤسسة رائدة لرعاية الإبداع والمبدعين والمتميزين من أبناء شعبنا العظيم.

دولة فلسطين لم تقف بمنأى عن التنافس المحموم لإنهاء هذه الجائحة العالمية؛ حيث شارك علماؤنا في الداخل والشتات في عمليات البحث العلمي بمستويات عالمية، بالشراكة مع علماء وباحثين من دول صديقة؛ ومن هنا فقد شرعنا بجدية بمبادرات لتعزيز العلوم والتكنولوجيا في فلسطين، وفتح باب الإبداع والابتكار والريادة في وطن يملؤه التميز وحب التعلم الذي يشكل لدى شعبنا عقيدة راسخة لأجيال عديدة.

أود في هذا المقام أن أبارك للمجلس الأعلى للإبداع والتميز على هذه المبادرة الرائدة بتنظيم المنتدى الوطني الخامس "الإبداع والجائحة"؛ وذلك للتأكيد على أهمية الإبداع والابتكار في مواجهة كافة التحديات، وليكن الإبداع والتميز طريقنا إلى المستقبل.

رغم التحديات التي تفرضها هذه الجائحة فإنها تشكل في الوقت ذاته فرصة غير مسبوقة للإبداع، مدفوعة برغبة عارمة بإيجاد الحلول لهذه الجائحة على كل المستويات، وإيجاد الوسائل واستخدام التكنولوجيات الحديثة وتسخيرها لاستمرار الأنشطة الحياتية عن بعد.

واخيرًا وليس آخرًا فإنني إذ افتخر وأفاخر بأبناء شعبنا دومًا وإسهاماتهم في جميع أماكن تواجدهم، لا يسعني هنا إلا أن أعبر عن فخري وسعادتي أيضا بتنظيم هذا المنتدى الوطني الخامس للمجلس الأعلى للإبداع والتميز، مع تمنياتي لأعماله النجاح وتحقيق ما تصبو إليه من نتائج تعود بالخير على فلسطين وشعبنا وأجيالنا المقبلة.

 

كلمة الرئيس محمود عباس في الذكرى الخامسة والسبعين لإنشاء الأمم المتحدة 27 أيلول 2020

 

تحتفل دولة فلسطين مع العالم اليوم بالذكرى الخامسة والسبعين لإنشاء الأمم المتحدة، نكن الاحترام لهذه المنظمة العتيدة وللمبادئ التي تأسست عليها، فلا يوجد منظمة دولية تعطي الأمل بواقع أفضل مثل الأمم المتحدة، نظراً لطابعها الدولي الفريد والصلاحيات الممنوحة لها لتحقيق مقاصد ميثاقها، وفي صلبه حق الشعوب في تقرير المصير. وفي الوقت الذي يشتد فيه الهجوم من سلطة الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية على هذه المنظومة الدولية وعلى قرارات الشرعية الدولية يزداد تمسكنا بهذه المنظمة التي تمثل حصناً للقانون الدولي وللعلاقات متعددة الأطراف في العالم.

 

عقد الشعب الفلسطيني الأمل على الأمم المتحدة، الشاهد التاريخي على نكبته، لتكون الداعم لنضاله المشروع من أجل حريته واستقلاله، وما زلنا ننتظر من الأمم المتحدة إتمام مسؤوليتها الكاملة في تحقيق التسوية السلمية لقضية فلسطين وفق الشرعية الدولية.

ومن المفارقة أنه في الوقت الذي كانت هذه المنظمة تضع ميثاقها، والمجتمع الدولي يعتمد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقيات جنيف، كان الشعب الفلسطيني يُسلب من كافة حقوقه التي نصت عليها تلك المواثيق.

 

شهدنا على مدار سبعة عقود شعوبا تتحرر ودولاً تستقل وتنضم للأمم المتحدة واحدة  تلو الأخرى، وبقيت قضية فلسطين بنداً قائماً على جدول أعمال المنظمة، ليس لأن شعبنا متقاعس عن تحقيق حريته ونيل استقلاله، فشعبنا متمسك بحقه في تقرير مصيره، ومناضل ضد الاحتلال والاستعمار، ولم تحد بوصلته عن التحرير والاستقلال رغم تتابع المحن وخيبات الأمل.  كما أن شعبنا أصيل وعريق ذو حضارة نفخر بها بين الأمم، لقد عمر بلداناً ونهض بمجتمعات في كل بقاع الأرض. ولكن الظلم التاريخي الذي وقع عليه لم يتوقف أبدا، بل يشتد يوما بعد يوم، وشعبنا يبقى صامدا في أرضه وفي الشتات.

 

لقد واصل الشعب الفلسطيني نضاله المشروع على الصعد كافة، فعلى المستوى الدولي، انتزع مكانته الطبيعية بين الأمم، فقد بدأنا ومن خلال منظمة التحرير الفلسطينية بالحضور في الجمعية العامة للأمم المتحدة كمراقب في عام 1974 وأصبحنا دولة مراقبا في عام 2012 وسنواصل العمل لنيل حقنا في العضوية الكاملة في الأمم المتحدة. في العام الماضي تمكنا بنجاح أن نكون أحد رواد المنظومة الدولية في تحقيق التكافؤ بين الشعوب من خلال ترؤسنا لمجموعة 77 والصين.

وأخذنا على عاتقنا تمثيل ثلثي شعوب العالم بكل وفاء واقتدار. كما انضمت دولة فلسطين للعديد من المعاهدات والاتفاقات الدولية، ونحن ملتزمون بتعزيز حقوق الإنسان وسيادة القانون وضمان دور أكثر فعالية  للمرأة ودور أكبر تأثيرا للشباب.

 

واليوم نتوجه بالامتنان لكل من يؤمن بعدالة قضيتنا ومركزيتها رغم تكاثر الأزمات والصراعات في العالم، ولكل من يقدم الدعم السياسي لنا انسجاماً مع ميثاق الأمم المتحدة، ولكل من يقدم المساندة الإنسانية والإنمائية لشعبنا ومؤسساته وللأونروا حتى تحقيق حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفقاً لقرار الجمعية العامة 194.

إن الإعلان الذي نعتمده اليوم بالإجماع ما هو إلا انعكاس لما تؤمن به دولة فلسطين، بأن الالتزام بالقانون الدولي هو الضمان لتحقيق العدالة، وأن ميثاق الأمم المتحدة يبقى الأساس لعالم أكثر عدلاً وسلاماً وازدهاراً، وأن القانون الدولي لا يسقط بتقادم الزمن بل يصبح ضرورة أكثر إلحاحاً.

يطالب الإعلان جميع الدول باحترام الميثاق والقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن، وبعدم التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة، فهل ستلتزم إسرائيل بهذه القواعد التي استمرت في انتهاكها على مدى سبعة عقود؟.

ألم يحن الوقت لإنهاء خرقها للقانون ومساءلتها عن جرائمها بحق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية بدلا من مكافأتها؟ 

 

السيدات والسادة،

تبقى قضية فلسطين الامتحان الأكبر لهذه المنظومة الدولية ومصداقيتها وما أقرت به حقا أصيلا للشعوب كافة، لا نطلب أكثر ولن نقبل بأقل.

ويبقى شعبنا عصياً على الانكسار والاندثار رغم الظلم الواقع عليه، وحتماً سينال مكانه الشرعي والطبيعي بين الأمم، حراً، كريماً، آمناً وكامل السيادة في دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود العام 1967

كل عام والأمم المتحدة أقرب إلى الوفاء بميثاقها والالتزام بمبادئها وتحقيق مقاصدها. والسلام عليكم.

 

 

 كلمة الرئيس محمود عباس أمام الدورة الـ75 للجمعية العامة للأمم المتحدة 25 أيلول 2020

بسم الله الرحمن الرحيم

 معالي السيد فولكان بوزكير، رئيس الجمعية العامة

معالي السيد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة

السيدات والسادة رؤساء وأعضاء الوفود الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كم كنت أتساءل، وأنا أعد كلمتي هذه، ماذا يمكن أن أقول لكم مجددًا؟ بعد كل ما قلته في مرات سابقة، عن مأساة شعبي المتواصلة، عن آلامه التي يشاهدها العالم كل يوم، عن آماله المشروعة التي لم تتحقق بعد في الحرية والاستقلال والكرامة الإنسانية أسوة بباقي شعوب الأرض.    

 فإلى متى أيها السيدات والسادة سوف تظل القضية الفلسطينية بلا حل عادل تضمنه الشرعية الدولية وتحميه؟ إلى متى سوف يبقى شعبنا الفلسطيني يرزح تحت الاحتلال الإسرائيلي وتبقى قضية ملايين اللاجئين الفلسطينيين، بلا حل عادل وفق ما أقرته الأمم المتحدة منذ أكثر من سبعين عامًا؟

شعبنا الفلسطيني، أيها السيدات والسادة، موجود على أرض وطنه فلسطين، أرض آبائه وأجداده، منذ أكثر من ستة آلاف سنة، وسوف يواصل البقاء والحياة على هذه الأرض، وسوف يواصل الصمود في وجه الاحتلال والعدوان والخذلان حتى ينال حقوقه.

 وبرغم كل ما تعرض ويتعرض له، وبرغم الحصار الظالم الذي يستهدف قرارنا الوطني، لن نركع ولن نستسلم، ولن نحيد عن ثوابتنا، وسوف ننتصر بإذن الله.

السيدات والسادة

لقد قبلنا بالاحتكام للشرعية الدولية رغم الإجحاف والظلم التاريخي الذي لحق بنا منذ عام 1917 وإلى اليوم، ورغم أن هذه الشرعية الدولية، لم تبق لنا سوى الأرض المحتلة منذ العام 1967، إلا أن سلطة الاحتلال الإسرائيلي، ومن خلفها الإدارة الأميركية الحالية، قد استبدلتها بصفقة القرن وخطط الضم لأكثر من 33% من أرض دولة فلسطين، إضافة إلى ضم القدس الشرقية المحتلة بما فيها المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وهو ما رفضناه ورفضه معنا العالم أجمع، لمخالفته لقرارات الشرعية الدولية، التي اعترفت بدولة فلسطين في العام 2012 كجزء من النظام الدولي.

لقد كنا دائمًا مع السلام العادل والشامل والدائم، وقَبِلْنا بجميع المبادرات التي عرضت علينا، ولقد كرست حياتي شخصيًا لتحقيق هذا السلام المنشود، وبالذات منذ عام 1988، ومروراً بمؤتمر مدريد واتفاق أوسلو في العام 1993، وإلى يومنا هذا؛ وقبلنا وتمسكنا أيضًا بالمبادرة العربية للسلام، وبما تكفله من سلم وأمن وتعايش بعد زوال الاحتلال؛ نحن فعلنا ذلك وحافظنا عليه من أجل السلام، فماذا فعلت سلطة الاحتلال الإسرائيلي بالمقابل؟

تنصلت من جميع الاتفاقات الموقعة معها، وقوضت حل الدولتين من خلال ممارساتها العدوانية من قتل، واعتقالات، وتدمير للمنازل، وخنق للاقتصاد، وانتهاك لمدينة القدس المحتلة، وعمل ممنهج لتغيير طابعها وهويتها واعتداء على مقدساتها الإسلامية والمسيحية، وبخاصة المسجد الأقصى، واستمرار الاستيطان الاستعماري على أرضنا وشعبنا، وتجاهلها للمبادرة العربية للسلام، بل وعملها الآن على قتل آخر فرصة للسلام من خلال إجراءات أحادية هوجاء.

وأخيرًا تعلن اتفاقيات تطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين، في مخالفة للمبادرة العربية للسلام، وأسس وركائز الحل الشامل الدائم والعادل وفقًا للقانون الدولي.

منظمة التحرير الفلسطينية لم تفوض أحدًا للحديث أو التفاوض باسم الشعب الفلسطيني. والطريق الوحيد للسلام الدائم والشامل والعادل في منطقتنا يتمثل بإنهاء الاحتلال وتجسيد استقلال دولة فلسطين على حدود عام 1967 بعاصمتها القدس الشرقية.

وفي هذا الصدد، فإنني أدعو أن يبدأ الأمين العام للأمم المتحدة، بالتعاون مع الرباعية الدولية ومجلس الأمن في ترتيبات عقد مؤتمر دولي كامل الصلاحيات، وبمشاركة الأطراف المعنية كافة، ابتداء من مطلع العام القادم، بهدف الانخراط في عملية سلام حقيقية على أساس القانون الدولي والشرعية الدولية والمرجعيات المحددة، وبما يؤدي إلى إنهاء الاحتلال ونيل الشعب الفلسطيني حريته واستقلاله في دولته بعاصمتها القدس الشرقية على حدود العام 1967، وحل قضايا الوضع النهائي كافة، وعلى رأسها قضية اللاجئين استنادًا للقرار 194.

أيتها السيدات أيها السادة

واهم من يظن بأن شعبنا الفلسطيني يمكن أن يتعايش مع الاحتلال أو يخضع للضغوط والإملاءات، وواهم من يظن أنه يستطيع تجاوز هذا الشعب، الذي هو صاحب القضية وعنوانها الوحيد، وليعلم الجميع أنه لن يكون سلام ولا أمن ولا استقرار ولا تعايش في منطقتنا مع بقاء الاحتلال، ودون الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية، التي هي أساس الصراع وعنوانه.

في فلسطين، أيتها السيدات أيها السادة، شعب حي، مبدع، متحضر، محب للسلام، عاشق للحرية؛ شعب استطاع برغم الاحتلال الذي يحاصر حياته، أن يبني مجتمعًا فعالًا وعصريًا يحتكم إلى الديمقراطية وسيادة القانون، وأن يحافظ على كينونته وهويته الوطنية رغم كل الاختلافات السياسية والفكرية بين مكوناته المتعددة، وها نحن، وبرغم كل العقبات والمعيقات التي تعرفونها، نستعد لإجراء الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية، وبمشاركة كل القوى والأحزاب والفعاليات الوطنية.

وسوف نواصل صناعة الحياة وبناء الأمل تحت راية الوحدة الوطنية والديمقراطية، والتصدي لمحاولات ومخططات شطبنا وإلغائنا، وسوف نستمر في انتزاع مكانتنا الطبيعية بين الأمم، وفي ممارسة حقوقنا التي كفلتها الشرائع الدولية، بما في ذلك حقنا في مقاومة الاحتلال وفقًا للقانون الدولي، كما سنواصل بناء مؤسسات دولتنا وتدعيمها على أساس سيادة القانون، وسنستمر في محاربة الإرهاب الدولي، كما كنا خلال كل السنوات الماضية، وسوف نبقى الأوفياء للسلام والعدل والكرامة الإنسانية والوطنية مهما كانت الظروف.

تحية لشعبنا الفلسطيني العظيم المكافح من أجل حريته واستقلاله، تحية لشهدائه وأسراه وجرحاه، تحية للقدس وأهلها المرابطين في مقدساتها، وتحية لأهلنا في قطاع غزة المحاصر، وتحية لأهلنا في مخيمات اللجوء في كل مكان، وتحية لكل من وقف معنا ومع حقوقنا من دول العالم وشعوبه ومنظماته المختلفة.

والسلام عليكم

 

 

كلمة الرئيس محمود عباس خلال ترؤسه اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية 3 أيلول 2020

 

بسم الله الرحمن الرحيم

"واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا" صدق الله العظيم

أيتها الأخوات.. أيها الأخوة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

أرحب بكم جميعا في هذا اللقاء الوطني التاريخي، حيث نجتمع اليوم على قلب رجل واحد، لكي نتعاون ونتكاتف في القيام بواجبنا الوطني الجامع، وفي حمل أمانة قضيتنا الوطنية المقدسة، بل وقضية كل الأحرار والشرفاء في أمتنا وفي العالم أجمع، فكل التحية لهم والاعتزاز بهم وبمواقفهم.

أبدأ كلمتي هذه بتوجيه خالص التحية لأرواح شهدائنا الأبطال وجرحانا البواسل وأسرانا الصامدين، ولكل عائلاتهم في الوطن وفي الشتات، مؤكدين لهم أننا سوف نستمر، وبكل إصرار وثبات، في المحافظة على حقوقهم، مهما بلغ الثمن، ومهما عظمت التضحيات.

 كما أوجه التحية لإخواننا من الأمناء العامين القادة الذين تعذر حضورهم معنا اليوم، وأخص بالذكر كلاً من الأخ نايف حواتمة والأخ أحمد جبريل والأخ أحمد سعدات، فك الله أسره وأسر جميع أسرانا الأبطال.

وأرحب أيضا بالحاضرين من القيادات الدينية الذين كانوا معنا على الدوام في مسيرة الحرية والتي لا نزال نخوضها معا، والتي لن تتوقف بحول الله حتى تصل إلى غايتها في تحرير وطننا وإقامة دولتنا المستقلة بعاصمتها الأبدية القدس بكل مقدساتها.

 

أيتها الأخوات.. أيها الأخوة.

إن لقاءنا هذا يأتي في مرحلة شديدة الخطورة، تواجه فيها قضيتنا الوطنية مؤامرات ومخاطر شتى، من أبرزها: ما يسمى بصفقة العصر، ومخططات الضم الإسرائيلية، التي منعناها حتى اللحظة بصمود شعبنا وثبات موقفنا، ثم مشاريع التطبيع المنحرفة التي يستخدمها الاحتلال كخنجر مسموم يطعن به ظهر شعبنا وأمتنا، وما حصل أخيرا الإعلان الثلاثي من الولايات المتحدة وإسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة، هذه آخر الخناجر المسمومة التي طعنونا بها.

نلتقي اليوم لكي نواجه كل هذه المخاطر والمؤامرات التي ترمي إلى تصفية قضيتنا الوطنية، ولكي نحمي وحدتنا الوطنية وقرارنا الوطني المستقل.

نلتقي اليوم لكي نتحرك بموقف وطني سياسي موحد، يفتح الطريق لإنهاء الانقسام البغيض، وتحقيق المصالحة، وبناء الشراكة الوطنية من خلال الانتخابات العامة؛ التشريعية والرئاسية حسب قوانينا المعروفة.

نلتقي اليوم لكي يعلم الجميع أننا شعب واحد، وقضية واحدة، تجمعنا فلسطين، والقدس والأقصى والقيامة والمستقبل المشيد بالحرية والسيادة والكرامة الوطنية.

 

أيتها الأخوات.. أيها الأخوة

لقد قلنا مرارا وتكرارا، وسنظل نقول دائما إن قرارنا الوطني هو حق خالص لنا وحدنا، ولا يمكن أن نقبل أن يتحدث أحد باسمنا، ولم ولن نفوض أحداً بذلك، فالقرار الفلسطيني هو حق للفلسطينيين وحدهم، دفعنا ثمنه غاليا، وسوف تبقى منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وبيته المعنوي الجامع الذي يجب أن تتضافر جهود أبنائه وقواه وفصائله جميعاً من أجل حمايته وتقويته وبقائه مظلة لجميع الفلسطينيين في الوطن والشتات.

تعلمون أنه منذ عام 1917 خرجوا علينا بوعد بلفور وهو إنتاج أميركي بريطاني وعلينا جميعا أن نقرأ هذا البيان حرفا حرفا، لأنه أنكر منذ البداية، منذ 103 سنوات الشعب الفلسطيني وتحدث عن الشعب الفلسطيني على أنه أولئك الباقون أو الموجودون على هذه الأرض لهم حقوق مدنية ودينية، وبقوا حتى هذه اللحظة يقولون لكم أنتم لكم حقوق مدنية ودينية وليس لكم حقوق سياسية، هذا هو الموقف الذي تقفه إسرائيل ومن ورائها أميركا، واستمر منذ ذلك الوقت بإغفال وإنهاء وجود الشعب الفلسطيني، وكانوا يقولون أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ويعرفون تماما منذ ذلك الوقت أن أرض فلسطين مليئة بالفلسطينيين والبقية قلة موجودة هنا أو هناك، ولكنهم كانوا يقصدون أن نمحو الفلسطينيين من فلسطين لتصبح أرضا بلا لشعب لشعب بلا أرض، ومع ذلك عانينا كثيرا لإثبات وجودنا وكيانا ولم نتمكن وبقينا شتاتا في كل أنحاء العالم، إلى أن ظهرت منظمة التحرير الفلسطينية، ومع ذلك لم يكونوا يعترفون بنا أننا شعب وأن المنظمة تمثل الشعب إلى عام 1974 عندما أخذنا قرارا بالقمة العربية أن المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ويعني أنه لا أحد يتكلم عنا ولم نفوض أحدا عنا، ونحن الذين يجب أن نتكلم، وهذا لا يعني أن العرب غير معنيين بالقضية الفلسطينية، ولكن من خلال موقفنا ورأينا ومساعينا لا يحق لأحد أيا كان كما كان يحصل في الماضي وفي السنوات الماضية أن يتحدث باسمنا.

ومن هنا نؤكد أننا لم نفوض أحدا ولن نفوض أحدا، ونحن الذين نتكلم عن قضيتنا الفلسطينية أما أن يأتي هذا أو ذاك ليقول أنني جئت لكم بهذا أو ذاك، أو أن تقول أنا أوقفت الضم لا، فقط شعبنا هو من أوقف الضم وشعبنا هو من أفشل صفقة العصر، ولا نقبل لأحد أن يتكلم باسمنا، نحن الذين نتكلم عن الشعب الفلسطيني ولسنا بحاجة لوصاية أحد أو حماية أحد، ونحن كفيلون برعاية أنفسنا وحماية قضيتنا وشعبنا.

 

أخواتي.. إخواني.. ويا كل أبناء شعبنا العظيم:

لقد رفضنا صفقة القرن الأميركية جملة وتفصيلاً، وقطعنا علاقاتنا بالإدارة الأميركية حين أعلنت الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لدولة الاحتلال، ثم قامت بنقل سفارتها إليها، كما أوقفنا العلاقات مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي بعد إعلانها لمخططات الضم، وقررنا أننا في حل من جميع الاتفاقات والتفاهمات معهما، وقلنا للجميع: إنه إذا نفذت حكومة الاحتلال الإسرائيلية أياً من مخططات الضم، ولو على سنتميتر واحد من أرضنا المحتلة منذ عام 1967، فسوف تكون حكومة الاحتلال هذه ملزمة بتحمل المسؤوليات كاملةً في أرض دولة فلسطين كقوة احتلال وفقاً للقانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة، ونتذكر أننا في 19 أيار الماضي أخذنا قرارا واضحا أن حكومة إسرائيل إذا أعلنت الضم سنقطع العلاقات، وإذا بدأت الضم سنقول لهم تحملوا مسؤولياتكم كاملة، ونحن لن نتراجع عن موقفنا وسنبقى ثابتين متشبثين بهذا الموقف.

صحيح أن هذه المواقف قد ترتب ويترتب عليها مصاعب إضافية أصبحنا نواجهها، وبالذات على الصعيد الاقتصادي، حيث تحتجز سلطة الاحتلال مئات ملايين الدولارات من أموالنا التي يجمعونها بمقابل يعني كل مئة دولار يأخذون 3 دولارات عليها، هذا عدا السرقة التي يسرقونها من هذه الأموال، من خلال سيطرتهم على نقاط الحدود، والتي نرفض استلامها وفقاً للاتفاقات السابقة التي تحللنا منها، وقد زادت الضغوط علينا وعلى الدول العربية منذ بداية هذا العام حتى أن هذه الدول لم تف بالتزاماتها المالية لنا.

نحن طلبنا أن يتم منحنا قروضا مقابل أموالنا وذهبنا إلى أقاصي الدنيا، إلى كل دول العالم نطلب قروضا مقابل أموالنا، إلا أن الإدارة الأميركية في كل مكان نذهب إليه تقول إياكم أن تدفعوا لهم دعوهم بالزاوية حتى ينهاروا، نحن لن ننهار ونحن لن نسقط مهما بلغ الضغط الأميركي، صحيح أنها لسنا دولة مستقلة، ولكن لدينا إرادة ولدينا حق والله سبحانه وتعالى معنا، وهذا يكفي ليحمينا من كل الضغوط ويمنع عنا كل الضغوط التي تأتي من هنا وهناك.

هذا بالإضافة إلى استمرار سلطة الاحتلال وقطعان مستوطنيها، في ممارساتها العدوانية ضد شعبنا، من قتل واعتقالات وهدم للبيوت ومصادرة للأراضي وانتهاك للمقدسات وبالذات في المسجد الأقصى المبارك والمسجد الإبراهيمي في الخليل، وحصار ظالم لقطاع غزة الحبيب، لكن كل هذه المصاعب، وكل هذه الأثقال المادية، ونحن في خضم جائحة "كورونا"، التي تُحملنا أعباء إضافية، تهون أمام عزيمتنا الوطنية المتمسكة بثوابتنا وحقوقنا المشروعة، وهنا فإنني أوجه التحية لكل أبناء شعبنا على صبرهم في مواجهة هذه الأزمة التي أثق أننا سوف نتجاوزها كما تجاوزنا غيرها من قبل.

بالنسبة لقطاع غزة يعاني ما يعانيه ونحن قررنا غدا أن يذهب وفد وزاري إلى قطاع غزة ومعه 20 شاحنة من الأدوية التي يحتاجون إليها في مواجهة كورونا، لأن لديهم حصار ونقص في أمور كثيرة، ومن واجبنا وما يتوفر لدينا أن نقتسمه معهم وأن نرسله لهم وهذا ما سيحصل غدا.

وبالمناسبة أقول لشعبنا إنه يجب أن تلتزموا بقرارات وزارة الصحة فيما يخص كورونا لأننا نلاحظ ازدياد الإصابات بكل الأراضي الفلسطينية، في الموجة الأولى لم يكن لدينا أكثر من 80 مصابا الآن لدينا إصابات بالآلاف، كل ما نريده هو ارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي، وألا تكون هناك اجتماعات ولقاءات كالأعراس والأتراح فليس هناك ضرورة، ولا حاجة للتجمعات، وكلما ازداد العدد يصبح من غير الممكن مواجهة هذا الفيروس اللعين والخبيث، وأتوجه لأهلنا للالتزام بالكمامة والتباعد الاجتماعي، حتى الصلاة يمكن أن نصلي في البيت وهذا جائز بإذن الله، وأتمنى على شعبنا أن يلتزموا بالتعليمات الصحية لأن الأعداد تزداد بشكل مخيف هنا وفي غزة، وأتوجه بنداء لكل أهلنا ليلتزموا لأن الأمر ليس بهذه السهولة والفيروس يتفشى بسرعة هائلة، ولا أحد يعرف متى ينتهي، وإلى الآن لا يوجد دولة اكتشفت لقاحا لهذا الفيروس، وحتى يكتشفوه ونبدأ باستعماله لكل حادث حديث، والآن نكتفي بالوقاية فهي مهمة جدا وتحمينا من استمرار تفشيه.

 

أيتها الأخوات.. أيها الأخوة

لقد أعلنا موقفنا أمام الجميع، وقلنا لكل الوسطاء الذين تحدثوا معنا من أجل كسر الجمود الذي صنعته الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية إننا مستعدون لعقد مؤتمر دولي للسلام تحت مظلة الأمم المتحدة تنطلق من خلاله مفاوضات جادة على أساس قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية التي أعلنتها قمة بيروت في عام 2002 وجاء بها المرحوم الملك عبد الله ووافق عليها جميع العرب والمسلمون، والتي تقول إذا حصل حل للقضية الفلسطينية فكل مسلم يستطيع أن يطبع علاقته ولكنهم أصبحوا يطبعون أولا، إذن نحن متمسكون بمبدأ الأرض مقابل السلام، وفي إطار زمني محدد، وتحت رعاية دولية متعددة الأطراف، الرباعية الدولية وبمشاركة دول أخرى.

وفي هذا الصدد فإننا نؤكد على أننا لن نقبل بالولايات المتحدة وسيطاً وحيداً للمفاوضات ولا بخطتها التي رفضناها ورفضها المجتمع الدولي بأسره لمخالفتها الصريحة للقانون الدولي. المبادرة الأميركية هي أحادية، قرار أحادي جاء من ترمب وهي مخالفة للشرعية الدولية ولقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة وحقوق الإنسان، ونذكر أنه في آخر أيام أوباما جاءت الإدارة الاميركية وأبلغتنا أنها سترسل قرارا لمجلس الأمن، قرأنا القرار واتفقنا عليه بمنتهى السرية، أرسل القرار ووافق عليه الجميع بما فيهم الولايات المتحدة واعتمد، وبعد أن دخل ترمب البيت الأبيض قال أرفض هذا القرار وقال إن عنده مبادرة إلى أن خرج لنا بصفقة العصر وهي في الحقيقة صفعة لا يوجد فيها شيء، قال إقرأوها، وقرأناها ولا يوجد فيها كلمة واحدة أن هناك دولة فلسطينية للفلسطينيين بعد أن يثبتوا ولاءهم بأربع سنوات، هل هذه الدولة قطعة جبنة سويسرية يربطها نفق تحت إمرة إسرائيل، وأنا أتحدى أي إنسان في العالم أن يقبل أن تكون دولته بهذا الشكل، هذه ليست دولة وما عدا ذلك لا يوجد أي شيء في صفقة العصر، لا لن أقبل لن أجلس على طاولة فيها صفقة القرن، إنما نذهب لمفاوضات على أساس الشرعية الدولية والقرارات المتفق عليها بالاتفاقيات، ونقبل أي قرار في مجلس الأمن وأولها هذا القرار الذي قدمته أميركا بنفسها وأخرجته إلى مجلس الأمن في اليوم الذي دخل فيه السيد ترمب إلى البيت الأبيض، نحن نريد مفاوضات وفق الشرعية الدولية، والصفقة ليست شرعية دولية بل قرار أحادي، وبالتالي أنت لا حق لك أن تضع ما تريد، ولذلك نرفض هذا رفضا قاطعا وحتى لا نكون عدميين قلنا تعالوا للمفاوضات الرباعية الدولية التي اختلفت قبل أيام مع أميركا على هذه النقطة، التي (أميركا) طلبت أن تضع الصفقة، حيث اختلفت روسيا وأوروبا والامم المتحدة مع أميركا ومنع اللقاء وانتهى، ولا تريد أميركا أي لقاء لا تكون فيه الصفقة على الطاولة، ونحن لن نقبل هذه الصفقة.

لقد وقف معنا العالم أجمع ضد صفقة القرن ومخططات الضم، العالم في البداية أخذ بهذه الصفقة التي لم يقرأها أحد ولا الذين أعلنوها، وعندما بدأنا نشرح لهم موقفنا وبذلنا جهودا خارقة مع كل دولة العالم قالوا نحن ضدها، وقلنا إذا يوجد تسوية حدود بالاتفاق بالقيمة والمثل لا مانع، أما 33% من الضفة الغربية لا أحد يقبل، أتحدى أي فلسطيني تعرض عليه ويقبل بها لا يمكن أحد أن يقبل لأن هذه قضية خيانية، من يقبل بالضم هو خائن للوطن وبائع للقضية ونحن رفضناه، كما صدرت مؤخراً بيانات جيدة من الأمين العام لجامعة الدول العربية والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي طلبنا منهم أن يتحدثوا عن رأيهم ونحن ممتنون لهم، وقالوا إنهم ضد ما يجري وأخرجوا بيانات تؤكد ثبات موقف العرب والمسلمين تجاه قضيتنا، وهو ما نريد منهم تأكيده خلال الاجتماع الوزاري العربي في التاسع من هذا الشهر.

في هذا الشهر هناك اجتماع للجامعة العربية برئاسة دولة فلسطين، سنطرح موقفنا ويجب على العرب أن يلتزموا بقراراتهم، والمبادرة العربية للسلام جلبتها السعودية على الطاولة وليس فلسطين وتبناها جميع العرب والمسلمين في كل قمة وليس مرة واحدة، وفي كل قمة يتم التأكيد عليها بما في ذلك هذه المبادرة التي وضعت بقرار في مجلس الأمن والتي أصبحت جزءا من قرارات مجلس الأمن. ما سيتم بالجامعة العربية يجب أن يكون هناك التزام بقراراتهم، حيث سيكون على الدول العربية أن تعيد التأكيد على التزامها بمبادرة السلام العربية، وبأن إقامة علاقات طبيعية مع دولة الاحتلال لا يأتي إلا بعد إنهائها للاحتلال ونيل الشعب الفلسطيني استقلاله بدولته ذات السيادة والمتواصلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967، وأقول ها هنا وباسم كل الإجماع الوطني، أن لا دولة في غزة ولا دولة دون غزة. لا غزة تقبل ولا نحن نقبل، دولة فلسطين هي على حدود 1967، غزة أولا ثم الضفة الغربية بما فيها القدس ولا يوجد دولة في غزة لوحدها ولا دولة في الضفة لوحدها، لا دولة في غزة ولا دولة دون غزة، نختلف مع إخواننا في حماس وغيرها ولكن كلنا وطنيون ونحمي الوطن، ولا نختلف على الأساسات الصحية التي تربينا عليها منذ نشأت القضية الفلسطينية.

وإنني أؤكد أمامكم اليوم، وليسمع ذلك القاصي والداني، أننا لن نحيد عن ثوابتنا الوطنية وفق ما جاء في قرارات المجلس الوطني الفلسطيني وإعلان الاستقلال عام 1988، وكانت جميع الفصائل موجودة وكان الحضور 736 عضوا واتفقنا عليها ونحن ملتزمون بها، هذه الثوابت التي شيدت مواقفنا وتحركاتنا منذ ذلك التاريخ وإلى اليوم، والتي أثمرت فيما أثمرت تثبيت دولة فلسطين في النظام الدولي، بعد ذلك ذهبنا للنظام الدولي، ورفع مكانتها وعلمها في الأمم المتحدة وأصبح علمنا أول علم يوضع في الأمم المتحدة، وضمنت لها عضويتها في عشرات المنظمات والمعاهدات الدولية، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية، فضلا عن اعتراف 140 دولة بدولة فلسطين حول العالم.

المحكمة الجنائية الدولية يعني كل العالم، الآن لأنها لا تعجب ترمب ولأنها تحاكم جنوده الذين ارتكبوا جرائم ما في أفغانستان بدأ يحاربها ويقاطعها ومنع أعضاءها من دخول أميركا وقطع عنها كل شيء، لماذا؟ ألا يوجد سوى أميركا في العالم؟

في 2011 ذهبنا لتقديم طلب عضوية في الأمم المتحدة قالوا لا يحق لكم قلنا نحن شعب وموجودون، وقدمنا طلبا ورفض الطلب بالفيتو المسلط على كل الفقراء بالعالم، بعد ذلك ذهبنا في السنة التالية وقدمنا طلب دولة مراقب وهذا لا يحتاج إلى فيتو ولا غيره وأخذناها في عام 2012 وعانينا الأمرين، ولا أريد أن أضيف أكثر من هذا.

إن دولة فلسطين حاضرة بمؤسساتها المختلفة، السياسية والاقتصادية والأمنية والإدارية، يوجد عندنا كل شيء وأحسن من كثير ولكن ليس لدينا استقلال لانهم يقفون بوجهنا، وقالوا لي بصراحة أنت إذا حضرت وأخذت العضوية فأنت تجاوزت الخطوط الحمراء الأميركية لأنك تؤثر على مصالحنا الدولية. وقد أصدرنا مؤخراً قرارات وقوانين من شأنها زيادة الحماية والأمن لشعبنا ومجتمعنا من مخاطر الفوضى والانفلات التي يسعى عدونا لنشرها في مجتمعنا بغية تمزيق وحدته الداخلية، ولم يعد ينقص دولتنا سوى أن تتحرر أرضها من نير الاحتلال الإسرائيلي، من أجل أن يحل السلام العادل والشامل في هذه المنطقة وفي العالم.

طبعا أخذنا قرارات بمنع الفوضى وبمنع تهريب السلاح الذي تهربه إسرائيل لأرضنا لإشاعة الفوضى كما تشيعها الآن بالداخل، وهذا السلاح مستعد أن يبيعه الجيش الإسرائيلي، وأخذنا قرارات لضبط هذا السلاح ليكون باليد الشرعية فقط كي لا ينفلت الوضع، وكما تريد إسرائيل أن يحصل انفلات لا نسيطر عليه بعد ذلك، ومن هنا صدرت قرارات بهذا الخصوص قبل 3 أيام.

أيتها الأخوات..أيها الأخوة ..أيها الصامدون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس..أيها الفلسطينيون في كل مكان، وبالمناسبة عدد الشعب الفلسطيني 13 مليونا، في فلسطين التاريخية أكثر من 6 ملايين والبقية في الخارج، وجميعهم متعلمون ولا يوجد أمية عندنا مثل غيرنا، ونريد أن نحصل على دولة إن شاء الله.

نحن باقون هنا، لن نغادر أرضنا ووطننا، وسوف نبذل كل ما يمكن لدعم صمود أهلنا وبالذات في مدينة القدس عاصمتنا الأبدية، لن نكرر مأساة 1948 حيث أخرجنا من وطننا، وفي عام 1967 الشيء نفسه، هذه المرة لن نغادر بلدنا، لكي نحمي مقدساتنا المسيحية والإسلامية من مؤامرات الاحتلال، كما وسوف نواصل العمل معاً لتحقيق الوحدة والشراكة الوطنية، وأتمنى أن يكون ذلك عاجلاً غير آجل، هذه البدايات الآن لكي نقف سويا في خندق المواجهة والمقاومة الشعبية السلمية للاحتلال. وأدعوكم هنا للتوافق على تشكيل قيادة وطنية تقود فعاليات هذه المقاومة، الآن آن الأوان أن تكون هناك قيادة للمقاومة تضع الخطط والأنظمة والشروط لتقود المقاومة الشعبية السلمية.

وسوف نقوم بالترتيبات اللازمة لعقد جلسة للمجلس المركزي في أقرب وقت ممكن، وإلى ذلك الوقت نتفق على الآليات الضرورية لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة والشراكة الوطنية في أطر زمنية محددة وبمشاركة الجميع، لا يستثنى أحد بما في ذلك تشكيل لجنة متابعة نتوافق عليها جميعاً، وتقدم توصياتها في جلسة المجلس المركزي المرتقبة، وتشكل هذه اللجنة من جميع الفصائل لا يستثى أحد كذلك، ومن الشخصيات الوطنية المستقلة، القامات الكبيرة التي يجب أن تكون موجودة ولها دور في دفع هذه القضية للأمام.

وأدعو هنا، إلى حوار وطني شامل، كما أدعو حركتي فتح وحماس بالذات إلى الشروع في حوار لإقرار آليات إنهاء الانقسام، نريد أن نجلس ونتفق، ووفق مبدأ أننا شعب واحد، ونظام سياسي واحد، لتحقيق أهداف وطموحات شعبنا.

بسم الله الرحمن الرحيم "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" صدق الله العظيم

 

كلمة الرئيس محمود عباس  خلال ترؤسه اجتماع القيادة في مقر الرئاسة بمدينة رام الله بتاريخ 18/8/2020

بحضور أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والأمناء العامين للفصائل، وأعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، وممثلين عن حركتي حماس والجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية القيادة العامة، والصاعقة، وممثلين عن الشخصيات الوطنية المستقلة، ومفتي القدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين، وعدد من مستشاري السيد الرئيس، والوزراء، وقادة الأجهزة الأمنية.

 

بالبداية أرحب بأخوتنا في حماس والجهاد والقيادة العامة والصاعقة الذين يحضرون اليوم، وهذا يدل على أن الشعب الفلسطيني وحدة واحدة ضد المؤامرة، بصرف النظر عن كل الاختلافات التي بيننا، ولكننا عند الشدائد نقف صفا واحدا وموقفا واحدا ضد كل من يريد أن يعتدي على قضيتنا.

منذأن أعلنت أميركا صفقة القرن إلى هذه الأيام وقف العالم كله معنا، وأيدنا بأن صفقة القرن منافية للشرعية الدولية وهي قرار أحادي، وبالتالي لم يقبلوا بها، من أوروبا لكندا لآسيا لليابان وغيرها، وكذلك رفضت دول العالم ما أطلقوا عليه قضية الضم، وقالوا حتى هذا غير شرعي وغير قانوني، إضافة إلى ذلك قال العالم كله نحن مع حل سياسي للقضية الفلسطينية- الإسرائيلية قائم على الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي، والجمعية العامة للأمم المتحدة وحقوق الإنسان، وقائم على الاتفاقات الموقعة بين الأطراف المعنية، ولا يتم الحل إلا من خلال المفاوضات التي ترعاها الرباعية الدولية، ودون ذلك لا يمكن أن يكون هناك حل، هذا هو الموقف العالمي ليومنا هذا، وبالتالي نحن لسنا قلقين مما يجري هنا أو هناك من ترهات، وخاصة الأيام الأخيرة عندما أعلن عن اتفاق ثلاثي بين الإمارات وبين إسرائيل وأميركا، وهو قائم على تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات، هذا هو أصل الاتفاق وهذا هو المقصد في هذا الموضوع بالذات، ثم ألحقت بكلمة تجميد الضم، وحاولوا أن يوهموا الآخرين، يوهموا العالم، بأن الإمارات جاءت لنا بإنجاز عظيم هو رفض الضم وكأن القضية الفلسطينية فقط هي مسألة الضم، تنكروا لكل شيء، لحقوق الشعب الفلسطيني، للدولة الفلسطينية، لرؤية الدولتين، للقدس الشريف التي ضمت وأعلن ضمها، تنكروا لكل هذا وقالوا نحن جئنا لكم بوقف الضم فأفرحوا أيها الفلسطينيون. هذا خداع وهذا أمر مرفوض كل الرفض وهذا نعتبره طعنة في ظهر القضية الفلسطينية.

وقف الضم لم يأت من هنا، العالم كله يرفض الضم، بماذا جئتم؟ ما هو الجديد الذي جاء؟

 إذًا فإلى ذلك أقول إن التطبيع مسألة عربية متفق عليها من جميع العرب والمسلمين، متفق عليها منذ عام 2002 بما سمي المبادرة العربية للسلام التي تقول إنه يمكن للعرب أن يطبعوا العلاقات مع إسرائيل بعد أن تحل القضية الفلسطينية. إذا هذه المسألة، مسألة غير مشروعة وغير مقبولة وعلى الناس أن يتذكروا أن هناك مبادرة وقعوا عليها في قمة بيروت وفي كل القمم التي جاءت بعدها، بما فيها القمم الإسلامية التي أيدت هذا المشروع، واتفق الجميع على أنه لا يجوز التطبيع إلا بعد حل القضية الفلسطينية.

أين هي المبادرة العربية يا أشقاءنا العرب؟

إن كنتم لا زلتم تتذكرون أن هناك مبادرة عربية. إذًا المسألة كلها خداع بصراحة. إذا أردتم أن تنفردوا بقرار فقولوا نريد أن ننفرد بقرار يقول كذا وكذا، أما أن تتحدث أو تبرر وتأتي بحجج وتأتي بذرائع بأننا جئنا بنصر للفلسطينيين وهو مسألة الضم، هذه خدعة وأكذوبة كبيرة ومع ذلك في اليوم الذي قالوا فيه نحن أوقفنا الضم، خرج نتنياهو وقال لا يوجد شيء اسمه وقف الضم، أنا سأضم وأفرض سيادتي على كل الأراضي التي تم الاتفاق عليها وهي كل المستوطنات والقدس، القدس انتهت وضمت، أصبحت منسية وأصبحت بعيدة عن الذاكرة العربية والإسلامية.

إذا ماذا حصل، نحن نقول هذا المشروع الذي صدر مؤخرًا نعتبره طعنة في الظهر ونحن نرفضه رفضًا قاطعًا. وبالمناسبة، قلنا هذا علنا وسرًا، ونؤكد مرة أخرى أن موقفنا من هذا الاتفاق الثلاثي سينسحب على أية دولة تقوم بهذا العمل من الدول العربية أو الدول الإسلامية أيا كانت، لأن هناك بعض الدول بدأت تتحرك في السر وفي العلن وتتحدث بطريقة أو بأخرى: بأنه ما المانع، لا بد أن نفعل شيئـًا. كلا. هذا مرفوض ونحن الفلسطينيون سنبقى نرفض هذا رفضًا قاطعًا أيا كانت الدولة التي ستقوم بهذا العمل. عليكم احترام القرارات التي وقعتم عليها والشرعية الدولية التي وافقتم عليها.

ولذلك نقول لكل من يريد أن يتحدث نيابة عنا، أنت لست مسؤولًا عن القضية الفلسطينية، نحن فقط الفلسطينيون هنا الذين نتكلم باسم القضية الفلسطينية.

صحيح أن القضية الفلسطينية، قضية عربية وإسلامية، وأنتم عليكم أن تساعدونا وأن تقفوا إلى جانبنا، لا أن تحلوا محلنا، لا أحد يستطيع أن يحل محلنا، هذا الزمن ولى من وقت طويل لن يعود إلى الوراء. فلسطين هي التي تتحدث باسمها، فلسطين هي التي تتكلم عن نفسها، هي التي تقول نعم وتقول لا، وغير ذلك غير مسؤول عنه أحد أيا كان هذا الأحد، من أي جهة كانت. هذا الأحد لن نسمح له أن يتكلم باسم القضية الفلسطينية.

في هذه الأزمة التي حصلت، نحن نحيي كل أحرار العالم الذين وقفوا معنا في البداية، نحيي كل الدول التي وقفت معنا في رفض صفقة القرن، وفي رفض الضم، وفي الموافقة فقط على الشرعية الدولية، وهي كل دول العالم دون استثناء، باستثناء جهتين: نتنياهو وحلفه وترمب وحلفه، أما باقي الناس في أميركا وإسرائيل تسمعون أنهم لا يوافقون، ونحن نحيي كل من وقف معنا، ونحيي كل من وقف معنا الآن في هذه الأزمة التي نمر بها، ونقدم التحية إلى شعبنا الفلسطيني العظيم الذي انتفض في كل مكان في العالم، من الوطن إلى كل أنحاء العالم يرفع شعار: هذا الذي حصل مرفوض من قبلنا نحن الفلسطينيين. ونحيي كل الشعوب الحرة التي وقفت إلى جانبنا والتي أيدتنا، وأنا متأكد أن الناس سيعيدون النظر في موقفهم الذي يتململ الآن والذي يفكر الآن، والذي حتى وصل إلى حد القرار أن يعيد النظر، لأن هذا لن يكون مقبولًا منّا على الإطلاق. مهما حصل، سنبقى ملتزمين بالشرعية الدولية، مهما حصل سنبقى ملتزمين بالاتفاقات الموقعة، مهما حصل سنبقى ملتزمين بقرارات القمم العربية والإسلامية، مهما حصل سنبقى ملتزمين بمحاربة الإرهاب أيا كان.

 

كلمة الرئيس محمود عباس  أمام الجلسة الختامية لدورة الانعقاد الرابع من الفصل التشريعي الثاني للبرلمان العربي التي عقدت افتراضيا 24 حزيران 2020

 

يسعدني أن أتقدم بالشكر والتقدير لمعالي الأخ مشعل بن فهد السلمي، ولكم أصحاب المعالي، أعضاء البرلمان العربي، على دعوتكم الكريمة، واستضافتي للحديث في مستهل أعمال اجتماعات البرلمان العربي في دورته الحالية، للحديث عن آخر مستجدات القضية الفلسطينية، وبخاصة إعلان حكومة الاحتلال الإسرائيلي عن نيتها تنفيذ مخططات الضم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها غور الأردن وشمال البحر الميت، بعد الاعتراف الأمريكي المخالف للقانون الدولي بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إليها.

إن دعوتكم هذه تعبر عن حرصكم والمسؤولية الكبيرة التي تتحلون بها للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني وقيادته في هذه الأزمة الخطيرة التي يمكن لها أن تزعزع الأمن وتعصف باستقرار المنطقة بأسرها.

إن اجتماعكم هذا، وفي هذه الأوقات المصيرية، يمثل فرصة هامة لحشد الطاقات العربية والإقليمية والدولية لمواجهة مخططات الضم والاستيلاء على الأرض الفلسطينية المحتلة بالقوة، وهو ما يخالف القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.

 

السيد الرئيس، السيدات والسادة                                                          

لقد اتخذت القيادة الفلسطينية في اجتماعها الذي شاركت فيه جميع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، قرارات إستباقية، منذ لحظة إعلان حكومة الاحتلال الإسرائيلي نيتها للضم، وقلنا إننا في حل من جميع الاتفاقيات الموقعة مع كل من دولة الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية، صاحبة صفقة القرن وخرائط الضم، وقلنا إننا نحمل حكومة الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة، باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال وفق اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949.

جاء هذا القرار بسبب عدم التزام دولة الاحتلال الإسرائيلي بأي بند من هذه الاتفاقيات، بل قامت بتدميرها ومواصلة انتهاكاتها للقانون الدولي، وبالتالي تدمير عملية السلام المبنية على حل الدولتين، بدعم صريح وعلني من الإدارة الأميركية.

إن الإعلان بأننا في حل من الاتفاقيات مع دولة الاحتلال لا يعني أننا لا نريد السلام، بل أننا نمد أيدينا للسلام وعلى استعداد للذهاب لمؤتمر دولي للسلام، والعمل من خلال آلية متعددة الأطراف هي الرباعية الدولية لرعاية المفاوضات على أساس قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية.

 

وللتوضيح، فإن دولة فلسطين قائمة ولها مؤسساتها، على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، تعترف بها 140 دولة حول العالم، وهي عضو مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعضو كامل في العشرات من الوكالات والمعاهدات الدولية، وإن كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي الذي تعمل على الخلاص منه، وهذا لا يعطي الحق لدولة الاحتلال استباحة أرضنا وشعبنا ومقدساتنا، ونؤكد على ضرورة الحماية الدولية لشعبنا الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال.

وفي هذا الصدد، فإننا نعتبر أن ضم أي شبر واحد من الأرض الفلسطينية المحتلة مرفوضاً وباطلاً، كما أننا نرفض ما يسمى بصفقة القرن وجميع المخططات الأمريكية- الإسرائيلية وما ينتج عنها، والتي تستهدف القضية الفلسطينية والحقوق العربية التاريخية، وخاصة في القدس الشرقية بمقدساتها الإسلامية والمسيحية، فضلاً عن أن هذه الخطوة غير الشرعية سوف يترتب عليها أن يتحمل الاحتلال جميع المسؤوليات عن الأرض المحتلة وفق اتفاقية جنيف الرابعة كقوة احتلال.

وفي هذه اللحظات الفارقة، وإذ نعبر عن تقديرنا للجهود التي يقوم بها البرلمان العربي على الصعيد الإقليمي والدولي، فإننا ندعوكم لمواصلة جهودكم في حشد المزيد من الاتصالات والطاقات لإيصال الرسالة للإدارة الأميركية ودولة الاحتلال الإسرائيلي بالرفض القاطع، لأي خطط أو إجراءات تقوم بها، لضم أي شبر من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومطالبة مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة باتخاذ إجراءات فورية وحازمة لمنع تنفيذ مخططات الضم الاحتلالية،

كذلك العمل مع الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء لاتخاذ خطوات فورية وعاجلة لوقف مخططات الضم والاعتراف بدولة فلسطين، ومطالبة البرلمانات الإقليمية والبرلمانات الدولية والاتحاد البرلماني الدولي لرفض هذه المخططات الاحتلالية، وتداعيات مخطط الضم على فرص السلام في المنطقة وعلى الأمن والسلم الدوليين.

وقد تلقينا تأكيدات من الدول العربية كافة، أنهم ملتزمون بمبادرة السلام العربية من ألفها إلى يائها، ويرفضون أية علاقات سلام مع إسرائيل قبل تحقيق السلام مع دولة فلسطين، وفق هذه المبادرة، وقرارات الشرعية الدولية، كما يرفضون أية خطوات تطبيعية مع إسرائيل.

 

السيد الرئيس، السيدات والسادة،

إننا إذْ نُحيّي جهودَكم في دعمِ القضيةِ الفلسطينية، فإننا ندعوكم لمواصلة العمل معنا يداً بيد، ومع أطراف المجتمعِ الدوليِ والأمم المتحدة، بما فيها مجلسُ الأمن، لكي يتحملوا مسؤولياتِهم لضمانِ إنفاذِ القانونِ الدولي، والحيلولةِ دونَ استغلالِ حكومةِ الاحتلالِ الإسرائيليِ لجائحة الكورونا، التي نتمنى السلامة فيها للجميع، لتنفيذِ سياساتِها ومُخططاتِها لضم أجزاءٍ منَ الأراضي الفلسطينيةِ المحتلةِ عام 1967، وتدميرِ ما تبقى من فرصٍ ضئيلةٍ لتحقيقِ حلِّ الدولتين، وتحقيقِ السلامِ العادلِ والدائم.

وفي الختام، نتمنى لهذا الاجتماع النجاح في أعمالِه، والخروج بالقراراتِ التي ننشدُها لخيرِ شعوبِنا ودولنا والعالمِ أجمع.

  

 

كلمة السيد الرئيس محمود عباس حول تمديد فترة الطوارئ والاجراءات الاستثنائية لمواجهة كورونا وحماية الصحة العامة -رام الله  3/4/2020

بسم الله الرحمن الرحيم

يا أبناء شعبنا الفلسطيني العظيم

اليوم وبعد انقضاء أكثر من شهر على اكتشاف فيروس كورونا في فلسطين، نسعى لمحاصرة هذا الفيروس الفتاك في اضيق نطاق ممكن.

اننا نعول كثيرا على وعيكم والتزامكم بالتعليمات المحددة وجهود الجهات المختصة كافة، الحكومة واجهزتها المختلفة، خاصة الأطقم الطبية وأجهزة الأمن، وكذلك القطاع الخاص، ومجموعات المتطوعين، وأصحاب المبادرات الخيرة.

وفي هذه الأيام التي يعود فيها عشرات الآلاف من العمال إلى قراهم وبلداتهم، وحتى لا تشكل عودتهم خطرا فادحا على الوضع الصحي والإنساني في فلسطين، وحفاظا على أسرهم، والمناطق التي يعيشون فيها، فإننا نحثهم على التحلي بالمسؤولية الوطنية، وعدم الاختلاط، والالتزام الصارم بإجراءات الفحص والحجر وفقا للتعليمات الصادرة من وزارة الصحة وجهات الاختصاص.

ونحن نعمل جاهدين مع الجهات المعنية لتنسيق عودتهم وعمل كل الإجراءات اللوجستية والطبية اللازمة لسلامتهم.

وفي هذا الصدد، فقد طالبنا بأن يتم الإفراج عن الأسرى الذين يقبعون في سجون الاحتلال، ونحمل الاحتلال المسؤولية عن سلامتهم، ونتمنى على الأسرى الذين يفرج عنهم وعائلاتهم، اختصار مظاهر الفرح أو إلغاءها، بما يضمن سلامة الجميع وبما يدعم جهودنا في وقف انتشار هذا الفيروس الخطير.

ومن ناحية أخرى، نتمنى السلامة لأهلنا في مخيمات اللجوء وجالياتنا في الشتات، ونؤكد أهمية التزامهم بالتعليمات الصادرة من جهات الاختصاص لمكافحة الوباء في البلدان التي يعيشون فيها حماية لهم ولأسرهم.

ولا يفوتنا أن نؤكد لاهلنا في القدس الشرقية المحتلة على ضرورة الحفاظ على سلامتهم في ظل الاوضاع الصعبة والمعقدة التي يعيشونها، ونحن سنبقى معكم بكل ما اوتينا من قوة.

ابناء شعبنا في كل مكان انني ادرك تماما الصعوبات والاعباء التي نواجهها، لكن الحفاظ على حياتكم وحياة ابنائكم واهلكم يتطلب هذا القدر من المسؤولية والتضحية من الجميع، وهو هدفنا الاهم.

انني واثق -بإذن الله- اننا بوعينا وإرادتنا وما نقوم به جميعا من جهود، سنتجاوز هذه المحنة.

 

أيها الاخوات والاخوة

امام الظروف الاستثنائية التي نعيشها وحرصا على المصلحة العامة، فإنني واستنادا إلى توصية الجهات المختصة، قررت تمديد العمل بحالة الطوارئ لمدة 30 يوما، واصدرت مرسوما بذلك، حتى نتمكن من ادارة شؤون البلاد على أكمل وجه في هذه المرحلة الحرجة، التي تستدعي اجراءات استثنائية ضرورية لمواجهة المخاطر الناتجة عن فيروس كورونا، وحماية الصحة العامة، وتحقيق الامن والاستقرار.

وفي الوقت الذي اتمنى فيه السلامة لكم جميعا، أطلب منكم مرة اخرى التضامن والتكافل فيما بينكم، ووجوب البقاء في منازلكم، حرصا عليكم وعلى من تحبون ومن نحب.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 كلمة الرئيس محمود عباس خلال لقائه أعضاء أقاليم حركة فتح المنتخبين في مقر الرئاسة بمدينة رام الله، 1 آذار 2020.

 

نمر بصعوبات ربما كانت أكبر؛ ولكن أقول أنتم لها وقادرون على تخطيها.

 

في البداية أهنئكم جميعًا على نجاحكم في أقاليمكم؛ وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أننا ما زلنا نحافظ على الديمقراطية التي نحترمها ونقدرها ونعتبرها نبراسا لنا في عملنا، سواء في حركة "فتح"، أو في منطمة التحرير الفلسطينية؛ ونجحنا في تحقيق الديمقراطية في فتح، ونأمل قريبا أن ننجح في ديمقراطية منظمة التحرير الفلسطينية بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية التي أعلنا عنها قبل فترة من الزمن؛ ولكن تعلمون أن هناك عقبات تضعها إسرائيل أمامنا؛ من أجل عدم تحقيق الديمقراطية؛ والسبب أن إسرائيل تمنع الانتخابات في القدس؛ ونحن نرفض رفضًا قاطعًا أن نجري انتخابات في غزة والضفة الغربية؛ ولا نجريها في القدس عاصمة فلسطين الأبدية؛ وننتظر الوقت المناسب من أجل تحقيقها في القريب العاجل.

إنما قلنا للجميع: نحن نرفض أن نجري هذه الانتخابات دون القدس. هناك من يطالبنا بإصدار مرسوم للانتخابات. ونقول: لا يجوز أن نصدر مرسومًا ونحن غير مطمئنين وغير واثقين من أن هذه الانتخابات ستجري؛ وعندما نحصل على موافقة لإجراء الانتخابات في القدس سنصدر المرسوم الخاص بذلك؛ لأنكم كما تعلمون، هناك ضغوط كثيرة علينا من جهات أوروبية وغير أوروبية أنه لا بد أن نصدر مرسومًا ثم ننتظر. وإذا أصدرنا مرسومًا ولم تحصل الانتخابات ماذا نفعل؟ لا يجوز أن نصدر مرسومًا ثم نفشل في تحقيق الانتخابات؛ ولذلك نحن ننتظر ونتمنى أن نجري هذه الانتخابات في أقرب وقت ممكن.

أعود مرة أخرى لأقدم لكم التهاني الحارة لكم بالنجاح في انتخاباتكم؛ وأريد أن أبدي ملاحظة على ما يجري في انتخابات فتح، وأسمع كثيرا أن هناك ضغوطًا من بعض الشخصيات والأفراد: انتخبوا فلانًا ولا تنتخبوا فلانًا؛ وهذا كلام لا يجوز بأي حال من الأحوال، وغير مسموح به إطلاقًا أن يحصل، ولو صدر عني شخصيًا؛ يعني لو جئت وقلت لكم انتخبوا فلانًا ولا تنتخبوا فلانًا، فلا تسمعوا مني؛ لأن هذه الانتخابات لكل أبناء الحركة؛ وكل أبناء الحركة هم أبناؤنا؛ والقائد المسؤول هو قائد للجميع، وليس قائد لواحد أو لفرقة. ومن الآن فصاعدًا أقول للتعبئة والتنظيم ولكم: لا يجوز أن نقول: انتخبوا فلانًا ولا تنتخبوا فلانًا، إطلاقا؛ والحاضر يبلغ الغائب.

 

أهنئ الأخ نبيل أبو قبيطة الذي أخلي سبيله هذه الأيام؛ وننتظر إن شاء الله إخلاء سبيل هاني جعارة ونائل أبو العسل. إن شاء الله قريبًا يخرجون من السجن.

إخوتنا الأعزاء أخواتنا، هناك قضايا كثيرة نمر بها هذه الأيام وأبرزها "صفقة العصر". تعبنا كثيرا من الحديث عن "صفقة العصر"؛ ونحن قلنا في بداية البدايات، عندما أعلن ترمب أنه يضم القدس ويعتبرها موحدة وينقل سفارته من تل أبيب إلى القدس: نحن نقطع علاقتنا مع الإدارة الأميركية. وإلى الآن علاقتنا مقطوعة مع الإدارة الأميركية، ولن نقبل أن نعود.

طبعا عندما استمروا هناك كثير من الأشقاء قالوا لنا: لننتظر ماذا سيأتي من الصفقة. وقلنا: بعد الذي حصل ماذا نتنظر عندما تذهب القدس من طاولة المفاوضات! لا ننتظر شيئًا، ولا يهمنا أي شيء آخر. وقلنا: بالنسبة للقدس، يكفينا أن نرفض كل ما يأتي وما سيأتي بعدها. وقلت تعبيرًا استعملته بالجامعة العربية: أول القصيدة كفر، فماذا سيكون في متن القصيدة ونهايتها إذا بدايتها كفر؟ وحقيقة ما ظهر بعد ذلك من "صفقة العصر" 181 صفحة كفر كلها من أولها إلى آخرها. على كل حال هذا ما ورد في "صفقة العصر" لا بد أنكم قرأتموه؛ وأرجو أن تقرأوه.

وأنا قلت في أميركا وفي مجلس الأمن: لا أعتقد أن الرئيس ترمب هو الذي كتب هذه 181 صفحة؛ ولا اعتقد أن كوشنير وفريدمان هما من كتبها؛ أعتقد أن الذي كتبها هو خبير إسرائيلي؛ وأظن هو دوري غولد.. هو الذي كتب هذه الصفحات كلها؛ لأنه هو الذي يعرف أنه يوجد "بوظة ركب"، ومكتوب ذلك في الصفقة، وموجود كنافة نابلسية. هذه الأشياء لا يعرفها الأميركان؛ وإنما الذي كتبها هم الإسرائيليون.. وهم أملوها على الأميركان الذين نقلوها لنا. أيا كان الذي كتبها فهي مرفوضة بداية ونهاية، ولن نتعامل معها إطلاقًا.

هناك من يقول: إن هناك اتصالات سرية بيننا وبين الإدارة الأميركية. نحن لا يوجد بيننا وبين الإدارة الأميركية أية اتصالات؛ ولكن هناك اتصالات ما زالت قائمة مع بعض أعضاء الكونغرس؛ أما مع الإدارة الاميركية فلا يوجد أية علاقات على الإطلاق. وما تسمعونه لا أساس له من الصحة. وأرجو أن يفهم هذا من قبل الجميع، وما دامت صفقة العصر موجودة على الطاولة لن يكون هناك مفاوضات. نحن قلنا حتى لا نكون عدميين: نحن نرفض صفقة العصر؛ ولكن نقبل المفاوضات برعاية رباعية على أساس الشرعية الدولية والاتفاقات المعقودة؛ فإذا وجد هذا فنحن على أتم الاستعداد لدخول المفاوضات. وعندما نقول "رباعية" أي الأربعة.. واحد لا، أيًا كان.. لا أميركا أو غيرها؛ لن نقبل واحد أن يكون هو الوسيط. الوسطاء 4 كما قبلناهم بالبداية مستعدون أن نقبل الرباعية الدولية؛ ولكن أن تكون على الطاولة فقط قرارات الشرعية الدولية ومجلس الأمن والجمعية العامة وقرارات حقوق الإنسان؛ أية قرارات دولية نقبل بها؛ إنما رؤية أميركية وموقف أميركي لا نقبل أن يفرض علينا؛ وقلنا هذا الكلام ونقوله: في الوقت الذي تقبلون بذلك نحن مستعدون للمفاوضات بيننا وبين الجانب الإسرائيلي؛ وغير ذلك نحن نرفض أي نوع من المفاوضات؛ وإن كنتم تذكرون أوسلو نحن أجريناها بيننا وبين الإسرائيليين وحدنا وعلى أساس تطبيق الشرعية الدولية، وإذا تذكرون 242، على أساس تنفيذ قراري 242 و338؛ ولكن عندما جاءت أميركا بعد ذلك واستولت على الورقة، ومنذ ذلك اليوم، من عام 1993 إلى يومنا هذا لم تتقدم القضية خطوة واحدة إلى الأمام؛ بسبب أن أميركا هي التي وضعت يدها عليها. وحصلت مفاوضات في كامب ديفد، وفي واي ريفر، وحصلت لقاءات كثيرة ولكن لم تتقدم القضية خطوة واحدة إلى الأمام؛ وهذا يعني أن أميركا لا تريد سلامًا في الشرق الأوسط؛ ولكن عندما كان رابين كان يريد السلام؛ فحصل اتفاق. وهذا الاتفاق انتقالي؛ ولكنه يشكل خطوة أساسية للمفاوضات النهائية؛ لأنه أشار إلى نقاط ست.. هذه النقاط هي التي يجب أن يتم التفاوض عليها خلال خمس سنوات، ونصل بعد ذلك إلى الحل النهائي. ثم قُتل رابين؛ وقُتلت المفاوضات، وانتهى أي حوار مجدٍ بيننا وبين الإسرائيليين. واسمحوا لي أن أذكر أيضًا (لأنهم يذكرون ذلك) اللقاءات بيننا وبين أولمرت.. صحيح حصلت لقاءات بيني وبين أولمرت في بيته؛ ومعي وفد ومعه وفد، وتحدثنا في قضايا المرحلة النهائية؛ لكن لم نتفق على أي شيء. لا يعني هذا أننا كنا مختلفين في كل شيء؛ ولكن في أشياء كثيرة كنا متفقين تقريبًا عليها؛ ولكن غير متفقين بشكل نهائي؛ ولذلك قلنا عنها في ذلك الوقت "تفاهمات"؛ لأننا كنا قريبين جدا من بعضنا البعض. ثم في آخر لقاء ذهبنا لزيارته في البيت، فقيل لنا إنه قد ذهب إلى السجن؛ ولم يحصل أي شيء؛ فعندما يتحدثون عن اتفاقات أو عروض أولمرت، هذا غير صحيح، في حديث لمدة ثمانية أشهر في كل شيء، في قضية الحدود، واللاجئين، والقدس؛ كلها تحدثنا فيها"، وكلها كان فيها كلام إيجابي؛ ولا أقول اتفاقيات؛ ولكن الرجل وضع في السجن. وهو قال هذا الكلام مؤخرا في نيويورك، وجاء إلى نيويورك وقاله فعلًا. ما عدا ذلك ليس بيننا وبين الإسرائيليين أية أشياء أخرى.

 

وبالنسبة لإضراب النقابات بما فيها نقابة الأطباء، هذا الموقف غير مقبول وغير مسؤول خاصة في ظل الظروف الصعبة والدقيقة التي نمر بها، بدءًا مما يسمى "صفقة القرن"؛ وفيروس كورونا، والحصار الاقتصادي الممارس علينا.

يجب على الجميع التحلي بالمسؤولية؛ فأنت قبل أن تكون طبيبًا، أنت إنسان، ولو كنت في آخر الدنيا وكنت مشغولًا يجب عليك العودة لعملك في ظل انتشار هذا الفيروس. وبالمناسبة: طلب مني المسؤولون في وزارة الصحة إلغاء هذا الاجتماع بسبب فيروس "كورونا" إلا أنني أصريت على المجيء، لأن اللقاء مع الإخوان أعضاء الأقاليم مهم، ويجب أن أحضر وألتقيهم.

في الأسابيع الماضية، حدث هجوم شديد على لجنة التواصل الفلسطينية، وهي اللجنة التي تتصل مع المجتمع الإسرائيلي. هذه اللجنة ليست للرفاهية؛ ولكن واجب أن نذهب ونلتقي مع الناس ونتحدث معهم من أجل قضية السلام.. من أجل الحديث عن السلام.. وهذه قضية ليست منذ الآن.. هذه قضية أنا أول واحد بدأها في عام 1973.. بدأت أتصل باليهود، فأنا بدأت في ذلك الوقت، وفعلا حصل عليّ هجوم لمدة أربع سنوات؛ وفي عام 1977 كان في مجلس وطني في القاهرة، وكانت الجلسة تستمر لعشرة أيام؛ وفي اليوم العاشر الساعة 10 ليلًا طلبت الكلمة لأتكلم عن الموضوع؛ وفعلا تكلمت بما أعرف وبمعلوماتي وبقناعتي لمدة 45 دقيقة انتهت بتصفيق حاد من الجميع؛ حتى من الذين هاجموني. وأخذنا قرارًا بنفس الليلة باللقاء مع القوى اليهودية داخل الوطن المحتل وخارجه؛ وبدأنا ثم أكملنا هذا في المجلس الوطني في عام 1984، ثم في كل مجلس كانت ترد هذه القصة. وكان دائما يقال إنه لا بد من الاتصال مع الإسرائيليين والحديث معهم ومحاولة إقناعهم وإفهامهم أننا نريد سلامًا.

لا يجوز أن تشتم أحدًا؛ وهذه الوسيلة لا تعطيك امتيازًا؛ ومن يشتم سيحول للقضاء؛ وفعلا جرى تحويل البعض للقضاء، وسيحول كل من يفعل ذلك للقضاء.. كل من يفتري على أي إنسان -ليس في هذا الموضوع فقط- يجب أن يحول إلى القضاء.

دوركم (أعضاء الأقاليم) وما فعلتموه عندما ذهبنا إلى مجلس الأمن الدولي لندافع عن القضية كان مشرفًا جدًا؛ لأن الأميركان قالوا: إن الشعب ضد الرئيس أبو مازن؛ فكان موقفكم مشرفًا جدًا؛ وما تفعلوه هذه الأيام في الخليل في الحرم الإبراهيمي وفي القدس وفي نابلس أيضًا مشرف جدًا ويثلج الصدر؛ ويجب أن يفهموا أننا نحارب بعيوننا وبأيدينا وبكل جوارحنا؛ ولا نتركهم يتلاعبون بنا، وهم يرون الجمهور الأعزل من السلاح، والنساء والأطفال يواجهونهم؛ وبهذا سنحقق ما نريد.

 

 

 كلمة الرئيس محمود عباس أمام مجلس الأمن الدولي في نيويورك11 شباط 2020

 

جئتكم من قِبَل 13 مليون فلسطيني لنطالب بالسلام العادل فقط، لا أكثر ولا أقل.. جئتكم اليوم للتأكيد على الموقف الفلسطيني الرافض للصفقة الأمريكية الإسرائيلية، مدعماً بنتائج اجتماعات جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الإفريقي، والتي خلصت جميعها إلى الرفض القاطع لهذه الصفقة؛ هذا بالإضافة للبيانات الصادرة عن الاتحاد الأوروبي؛ وكذلك روسيا والصين واليابان وباقي دول العالم؛ وأخص بالذكر تصريحات السيد الأمين العام للأمم المتحدة، التي التزمت بالمرجعيات الدولية المعتمدة وقرارات الشرعية الدولية.

إن الرفض الواسع لهذه الصفقة يأتي لما تضمنته من مواقف أحادية الجانب، ومخالفتها الصريحة للشرعية الدولية ولمبادرة السلام العربية؛ لأنها ألغت قانونية مطالب الشعب الفلسطيني في حقه المشروع في تقرير مصيره ونيل حريته واستقلاله في دولته، وشرعت ما هو غير قانوني من استيطان ومصادرة وضم للأراضي الفلسطينية.

وأؤكد ها هنا على وجوب عدم اعتبار هذه الصفقة أو أي جزء منها، كمرجعية دولية للتفاوض، لأنها صفقة أمريكية–إسرائيلية استباقية، جاءت لتصفية القضية الفلسطينية؛ ويكفي لرفضها من قبلنا، أنها تخرج القدس الشرقية من السيادة الفلسطينية؛ يكفي هذا؛ وتحول شعبنا ووطننا إلى تجمعات سكنية ممزقة دون السيطرة على الأرض والحدود والمياه والأجواء، وتلغي قضية اللاجئين، وستؤدي حتماً إلى تدمير الأسس التي قامت عليها العملية السلمية وإلى التنصل من الاتفاقيات الموقعة المستندة لرؤية "حل الدولتين على حدود عام 1967"؛ وهو الأمر الذي لن يجلب الأمن ولا السلام للمنطقة؛ ولهذا فإننا لن نقبل بها، وسنواجه تطبيقها على أرض الواقع.

وعرض سيادته خارطة تبين الدولة الفلسطينية كما طرحتها خطة ترمب نتنياهو، وقال: "هذه خلاصة المشروع الذي قدم لنا وهذه الدولة التي ســــــــــيعطوها لنا، وهي تشبه قطعة الجبة السويسرية" وتساءل: من يقبل منكم أن تكون دولته هكذا؟".

هذه الصفقة، أيها السيدات والسادة، تحمل في طياتها الإملاءات، وتكريس الاحتلال والضم بالقوة العسكرية، وصولاً لترسيخ نظام الأبرتهايد الذي عفا عليه الزمن منذ وقت طويل، يطبق الآن في فلسطين، لتبقي لنا الابرتايد؛ كما إنها تكافئ الاحتلال بدلاً من محاكمته على ما ارتكبه خلال عقود من الجرائم ضد شعبنا وأرضنا.

وأود أن أتقدم بالشكر والتقدير، لمواقف الدول والمنظمات الإقليمية والدولية، والبرلمانات، وأعضاء مجلس الأمن الذين تجاوبوا معنا في الدفاع عن الإجماع الدولي، على قاعدة الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. والشكر موصول للإسرائيليين، نعم للإسرائيليين الذين عبروا عن رفضهم لهذه الصفقة بطرق مختلفة، ومن وقف معنا من مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين، وكذلك المنظمات الأمريكية والأصوات الحرة التي عبرت عن رفضها لهذه الصفقة. ونثمن التزامهم ومواقفهم الداعمة للسلام والتمسك بالشرعية الدولية.

وعرض سيادته وثيقة موقعة من 300 إسرائيلي يرفضون الخطة الاميركية، 300 إسرائيلي يقولون نقاتل من أجل الحق، كذلك نحيي المظاهرات الإسرائيلية التي قامت في تل أبيب الرافضة لهذه الصفقة.

كما عرض سيادته رسالة من الكونغرس الأميركي وقعها 107 أعضاء؛ ووثيقة أخرى موقعة من 12 سيناتورا، بما فيهم 4 مرشحين للرئاسة الأميركية، جميعهم يرفضون هذه الصفقة.

ونحيي جماهير شعبنا الفلسطيني، والشعوب العربية والإسلامية ومناصري السلام حول العالم، الذين خرجوا بالآلاف بل مئات الآلاف الآن في الضفة الغربية وفي غزة ودرجة الحرارة تلامس الصفر، يخرجون بمئات الآلاف ليقولوا لا للصفقة، وليس كما يقول البعض: أبو مازن ومعه 2 أو 3 يرفضون.. مئات الآلاف يخرجون في هذا الوقت، ليقولوا لا لهذه الصفقة، وعشرات الآلاف في كل مكان في العالم، كلهم يخرجون ليقولوا لا؛ وهناك من يصر على أن هذه الصفقة هي العدالة! لا ليست هي العدالة.

كما أنني جئتكم اليوم لأقول لكم بأن السلام بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي ما زال ممكناً وقابلاً للتحقيق، وجئتكم أيضاً لبناء شراكة دولية لتحقيق السلام الشامل والعادل والدائم، الذي لا زلنا متمسكين به كخيار استراتيجي.

هذه الصفقة ليست شراكة دولية بل جاءت من دولة ومعها دولة لتفرضها على العالم ولتفرضها على الشرعية، التي تمثل مئات قرارات الأمم المتحدة وعشرات قرارات مجلس الأمن؛ هذه الصفقة مرفوضة.

 

السيد الرئيس، السيدات والسادة الأعضاء،

إنني أتساءل هنا: لماذا هذا الإصرار على التفرد في صياغة هذه الخطة الأمريكية الإسرائيلية في الوقت الذي كنا في حوار طوال عام 2017 مع الإدارة الأمريكية، وتحدثنا عن جميع قضايا الحل النهائي، وكان بيني وبين الرئيس ترمب حوار طويل، وتحدثنا كثيرًا عن الشرعية الدولية عن رؤية الدولتين. قال لي: الآن سأعلن؛ كذلك عن حدود 1967، وكذلك القدس، وكذلك عن الأمن؛ وكذلك عن بقية القضايا التي بقيت في أوسلو. كنت سعيدًا بالحوار معه؛ ولكنني فوجئت بإقفال مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وإعلان القدس الموحدة عاصمة لدولة إسرائيل، ونقل سفارته إليها، ويدعو العالم لنقل سفارته إليها، ويقطع المساعدات عنا، 840 مليون دولار يقطعها عنا، ويقطع المساعدات عن الأونروا ويلغيها؛ لا أدري من أعطاه هذه النصائح البغيضة! الرئيس ترمب ليس هكذا، وما نعرفه عنه ليس هكذا، هذه تصرفات لا أدري من أين جاءت.

وأود التذكير أمامكم بأننا عقدنا مؤتمر مدريد للسلام، ومفاوضات واشنطن واتفاق أوسلو، ومؤتمر أنابوليس للسلام على أساس مرجعيات وقرارات الشرعية الدولية التي دعت إلى التفاوض حول قضايا الوضع الدائم كافة، بما فيها القدس؛ نتفاوض عليها، ولا يفرض علينا. ونقول هذه منحة لدولة إسرائيل! لا، هذه أرض محتلة، من الذي يملك أن يعطي منحًا لهنا وهناك. ونحن نحتكم لكم، أنتم أعلى شرعية في العالم، ونحتكم لكل قراراتكم.

وفي هذا الصدد، أيها السيدات والسادة، التزمنا بتطبيق جميع الاتفاقيات المعقودة مع إسرائيل وتصرفنا بمسؤولية، لذلك حصلنا على احترام العالم، الذي اعترفت 140 دولة من دوله بنا، وأصبحنا جزءاً من النظام الدولي كـ"دولة مراقب" في الجمعية العامة -طبعا لم نستطع أن نحصل على عضوية كاملة بسبب الفيتو الأميركي؛ ولكن حصلنا على "مراقب"، لا بأس؛ وانضممنا لأكثر من 120 منظمة ومعاهدة دولية، وأصبحنا -الدولة المراقب- رئيساً لـ135 دولة + الصين المجموعة التي اسمها "الـ77+ الصين" للعام الماضي 2019. إذن نحن موجودون.

وكما واصلنا ونواصل بناء مؤسسات دولتنا الوطنية على أساس سيادة القانون والمعايير الدولية لدولة عصرية ديمقراطية مستندة للشفافية والمساءلة، ومحاربة الفساد. نعم نحن أهم من أهم الدول التي تحارب الفساد؛ وأنا أدعو مجلس الأمن أن يرسل لجنة تقصي حقائق لفلسطين عن الفساد وعن غيره؛ ليعرف أن هذه الدولة الوليدة التي هي تحت الاحتلال خالية من الفساد، نعم خالية من الفساد؛ ومن قال إن هذه الدولة فاسدة فليذهب ليسأل. وعملنا على تمكين المرأة والشباب، ونشر ثقافة السلام بين أبناء شعبنا، في كل أبناء الشعب الفلسطيني؛ نقول لهم: لا نريد حربًا.. لا نريد حربا.. لا نريد إرهابا؛ ونحن نحارب العنف والإرهاب في كل أنحاء العالم، ولدينا بروتوكولات مع 83 دولة، وأول هذه البرتوكولات مع الولايات المتحدة الأميركية وكندا وروسيا واليابان وغيرها؛ نحن نحارب الارهاب ولسنا إرهابيين؛ ومهما حصل لنا سنبقى متمسكين بمحاربة الإرهاب.

عقدنا 3 مرات انتخابات؛ لأننا نؤمن بالديمقراطية؛ وفي آخر مرة طلبنا الانتخابات رفضت إسرائيل؛ لماذا؟ قالوا ممنوع إجراؤها في القدس. رغم أننا عقدناها في الأعوام 1996 و2005 و2006 في القدس؛ الآن ممنوع لأنه صدر قرار أن القدس الموحدة عاصمة لدولة إسرائيل؛ لا، لن يحصل هذا؛ القدس الشرقية لنا، والقدس الغربية لهم، ولا مانع للتعاون بين البلدين.

 

السيد الرئيس، السيدات والسادة الأعضاء،

يقولون إننا أضعنا الفرص لصنع السلام، وهذا غير صحيح؛ أبا إيبان قال في يوم من الأيام: إن الفلسطينيين يضيعون فرصة من أجل أن يضيعوا فرصة أخرى. من أين جاء بهذا! لا أدري؛ والتقطها منه كوشنير مؤخرًا وقال: الفلسطينيون لا يضيعون فرصة من أجل أي يضيعوا فرصة أخرى. أين هي الفرصة التي أضعناها! لا تطلق الشعارات بهذا الشكل وتقول لا تضيعوا الفرصة.

قبلنا بقرارات الشرعية الدولية المتمثلة في 242 و338 وصولاً إلى القرار 2334، قبل ثلاث سنوات هنا في مجلسكم، إضافة إلى 87 قرارًا، وأصبحنا عضواً فاعلاً وبناء في المجتمع الدولي. وفي العام 1993، وقعنا على اتفاق أوسلو الانتقالي، ملتزمون به بكل قرارته وكل بنوده، وعلى رسائل الاعتراف المتبادل بيننا وبين إسرائيل؛ نحن معترفون بإسرائيل في أوسلو؛ وياسر عرفات قال: أنا اعترف بحق إسرائيل في الوجود. ورابين قال؛ ووردت في الميثاق: اعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلًا شرعيًا للشعب الفلسطيني؛ معترفون ببعضنا؛ أين هي الفرص التي أضعناها؟!

وتجاوبنا مع جهود الإدارات الأمريكية المتعاقبة والمبادرات الدولية وكل الدعوات للحوار والتفاوض، إلا أنه لم يعرض علينا ما يلبي الحد الأدنى من العدالة لشعبنا وفق الشرعية الدولية، وكانت حكومة الاحتلال الإسرائيلي الحالية هي التي تفشل كل الجهود الدولية. ولم نترك فرصة إلا وأخذناها بكل جدية، لأن السلام مصلحة لشعبنا ولشعوب العالم.

وقدم سيادته لمجلس الأمن وثيقة تحتوي على 311 مخالفة للقانون الدولي اشتملتها صفقة القرن، وقال: "هذه الوثيقة تدل على ذلك، لقد دعتنا أكثر من دولة: روسيا واليابان وبلجيكا وهولندا للقاء مع نتنياهو في أرضها، ولم يلب الدعوة مرة واحدة، وقد كنت أذهب إلى هناك، ذهبت إلى موسكو 3 مرات، ولم يأت "نتنياهو"، من الذي لا يريد السلام؟.

لذلك فأنا أتساءل: أين هي الفرص التي أضعناها؟.

وفي المقابل، واصلت حكومات الاحتلال الإسرائيلي المتعاقبة ومستوطنوها، تدمير كل الفرص لصنع السلام، وسرعت نشاطاتها الاستيطانية الاستعمارية، في كل مكان في الضفة الغربية وكل الأراضي التي احتلت عام 1967 وقيل إنها أراضي محتلة تزرع فيها المستوطنات ولا رقيب ولا حسيب، وغيرت ملامح مدينة القدس المحتلة، واستمرت بالاعتداءات على المقدسات الإسلامية والمسيحية، وصادرت الأرض، وواصلت الحرب والحصار على شعبنا في قطاع غزة، متسلحة بالمساندة القوية مع الاسف للإدارة الأمريكية التي أصدرت عدداً من القرارات المخالفة للقانون الدولي، والتي لم يقبلها العالم، ولم يقبلها عدد كبير من أعضاء مجلس النواب الأمريكي الحالي، والعديد من منظمات السلام، بما فيها منظمات يهودية أمريكية.

قرار الكونغرس الأمريكي رقم 326 يرفض سياسة الوزير بومبيو والرئيس الأميركي حول الضم والاستيطان، ويؤكد على حل الدولتين وحق شعبنا الفلسطيني في تقرير مصيره، هذا لم يصدر من عندنا، بل من عند الكونغرس الاميركي، نحن لا ندعي على احد.

وأؤكد أيضاً بأننا نرفض مقايضة المساعدات الاقتصادية بالحلول السياسية؛ اخترعوا لنا قضية أن هناك مساعدات اقتصادية بديلًا عن الحل السياسي، وذهبوا إلى البحرين ووارسو وغيرها، وقالوا: سنعطيكم 50 مليار دولار؛ إذن أين الحل السياسي؟! لا. نحن لا نقبل؛ الحل السياسي أولًا. وإذا قدمت بعدها مساعدات لا بأس؛ إنما الحل الاقتصادي لا نقبله أولًا. ونشكر كل الدول التي تساعدنا الآن، وبدون مقابل، على بناء مؤسساتنا الفلسطينية التي سنصل بها إلى الدولة المستقلة إن شاء الله.

 

السيد الرئيس، السيدات والسادة الأعضاء،

في هذه اللحظات الصعبة، وقبل فوات الأوان، أتوجه للرئيس ترامب قائلاً: إن الخطة الأمريكية المطروحة لا يمكنها أن تحقق السلام والأمن؛ لأنها ألغت الشرعية الدولية كلها؛ من يستطيع أن يلغي الشرعية الدولية؟ أعلى منصة عالمية من يستطيع أن يلغيها؟ الرئيس ترمب ألغاها بخطته التي تنكرت للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وأخرجت القدس الشرقية من السيادة الفلسطينية، كما ولن تكون صالحة لتطبيق رؤية الدولتين المستقلتين وذات السيادة، إسرائيل وفلسطين.

 وقدم سيادته لمجلس الأمن ملخصًا دقيقًا لما جاء في صفقة القرن، وقال: "أنا أعرف أن خطة السلام تقع في 180 صفحة، وليس الكل مستعدًا أن يقرأها؛ لذا قمنا بتلخيصها في 20 صفحة لتسهيل قراءتها"؛ ولذلك فإنني أتمنى على الرئيس دونالد ترمب أن يتحلى بالعدل والإنصاف، ويدعم تنفيذ قرارات الشرعية، لإبقاء الفرصة أمام صنع سلام حقيقي بين الفلسطينيين والإسرائيليين قائمة؛ السلام المفروض لا يعيش، ولا يمكن أن يعيش. اتركونا نتوصل إلى سلام مع بعضنا البعض؛ ونحن عملنا سلامًا مع بعضنا بدون تدخل أحد في أوسلو، وبدون علم أحد من كل الدول، ومن يقول عرفت. أنا أتحداه. وتوصلنا إلى اتفاق انتقالي ومستعدون أن نلتزم به ونسير به خلال خمس سنوات لحل نهائي؛ لكنهم قتلوا رابين. لماذا قتلوه.

ومن على هذا المنبر، أدعو الرباعية الدولية ممثلة بالولايات المتحدة وروسيا الاتحادية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وأعضاء مجلسكم الكريم لعقد مؤتمر دولي للسلام، لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية وعلى رأسها قرار مجلس الأمن 2334 لعام 2016، ورؤية "حل الدولتين" ومبادرة السلام العربية التي نصر عليها، وهي جزء من الشرعية الدولية وجزء من قرار 1515 الصادر عن مجلس الأمن؛ وذلك بإنشاء آلية دولية أساسها الرباعية الدولية لرعاية  المفاوضات  بين الجانبين.

ولكن بصراحة، لن نقبل أميركا وسيطًا لوحدها؛ فأي دولة تختارونها رباعية + أي دولة أخرى؛ ولكن بصراحة: لن نقبل أميركا وسيطًا وحدها؛ جربناها قبل ذلك.

كما أدعو المجتمع الدولي بأسره للضغط على حكومة الاحتلال الإسرائيلي لوقف ممارساتها الاحتلالية وقراراتها المتواصلة في ضم الأراضي الفلسطينية؛ لتعتبر أن أراضينا مختلف عليها. أنتم بأي حق تضمونها! ستدمرون كل فرص السلام.

وفي هذه اللحظة التاريخية أمد يدي للسلام مجدداً قبل ضياع الفرصة الأخيرة، وأتمنى أن أجد شريكاً حقيقياً في إسرائيل.. أي شخص مؤمن بالسلام، لصنع سلام حقيقي تنعم بثماره الأجيال الحالية والمستقبلية للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي ولدول ولشعوب الأرض.

إن شعبنا الفلسطيني أيها السيدات والسادة، لم يعد يتحمل استمرار هذا الاحتلال الإسرائيلي لبلادنا؛ والوضع برمته أصبح قابلاً للانفجار. ومن أجل الحيلولة دون ذلك؛ فلا بد من تجديد الأمل لشعبنا. لا تضيعوا الأمل لشعبنا، ولكل شعوب المنطقة في الحرية والاستقلال وتحقيق السلام، وبأن هناك أملاً بانتصار العالم الحر لحقوقه؛ فلا تقتلوا هذا الأمل عند شعبنا.

 

وعرض سيادته أمام مجلس الأمن خريطة توضح الوضع منذ عام 1917 وحتى العام 2020، وقال: "أنا أريد أن أريكم هذه الخارطة لفلسطين والتغيرات التي جرت على الأرض منذ 1917 و1937 و1947 و1948 و2020، كلما أراها يتمزق قلبي ألمًا؛ هل هذا ما نستحقه! هل هذا ما يستحقه شعب فلسطين! لماذا كنا هنا. لماذا أصبحنا في هذه الجزر؟.

وبهذه المناسبة أتوجه إلى الشعب الإسرائيلي إلى الشعب الإسرائيلي لأقول له: إن مواصلة الاحتلال والاستيطان والسيطرة العسكرية على شعب آخر لن يصنع لكم أمناً ولا سلاماً؛ فليس لدينا سوى خيار واحد وحيد لنكون شركاء وجيراناً كل في دولته المستقلة وذات السيادة؛ فلنتمسك معاً بهذا الخيار العادل قبل فوات الأوان.

وأجدد التأكيد مرة أخرى أن صراعنا ليس مع أتباع الديانة اليهودية، نحن لسنا ضد اليهود؛ نحن مسلمون لسنا ضد اليهود، والمسلم الذي يقول إنني ضد اليهودي فقد كفر، وأنت إذا قلت أنك ضد اليهودي أو ضد التوراة فأنت كافر، ولست مسلمًا؛ نحن لسنا ضد اليهود؛ نحن ضد من يعتدي علينا أيا كانت ديانته، وصراعنا ليس مع اليهود؛ ولكن مع من يحتل أرضنا؛ لذلك سنواصل مسيرة كفاحنا التي قدمنا من أجلها الآلاف من الشهداء والأسرى والجرحى لإنهاء الاحتلال وتجسيد دولتنا الفلسطينية، مؤكدين أن شعبنا لن يركع.. نريد حقنا.. نرفع القبعة لمن يعطينا حقنا.. لن نستسلم لهذا الاحتلال مهما طال الزمن أو عظمت التضحيات.

وأختم كلمتي بالقول مجدداً: إنني على استعداد لبدء المفاوضات، كما كنت مستعداً دائمًا، إذا وجد شريك في إسرائيل.. مستعد للمفاوضات وتحت رعاية الرباعية الدولية، وعلى أساس المرجعيات المعتمدة؛ وأنا جاد فيما أقول؛ بل وإنني على استعداد للبقاء هنا في مقر الشرعية الدولية لبدء هذه المفاوضات وعلى الفور.

وأقول لكم كلمة: نحن لن نلجأ للعنف والإرهاب مهما كان الاعتداء علينا، نحن مؤمنون  بالسلام وبمحاربة العنف.. لن نلجأ للعنف.. مستعدون للتعاون مع أي دولة لمحاربة الإرهاب.. نحن ضد الارهاب والعنف أيا كان لونه ومصدره، وسنحارب بالمقاومة الشعبية السلمية. والآن إنظروا إلى ما يجري في الضفة الغربية وقطاع غزة مئات الآلاف خرجوا ليقولوا: لا للصفقة، وأنا لست وحدي. الشعب كله يقول لا للصفقة.

وأخيراً أقول للعالم: حذار أن يقتل الأمل لدى شعبنا الفلسطيني. جئت من أجل الأمل لا تضيعوا هذه من يدي.

 

 

 كلمة الرئيس محمود عباس لدى ترؤسه الجلسة الـ41 للحكومة الفلسطينية 3 شباط 2020

 

تعودنا دائمًا أن نقول: نمر بظروف صعبة. يبدو أن كل حياتنا صعبة؛ ولكن هذه الأيام استحقت الأمور تمامًا. وكما قلت في الجامعة العربية: الآن وصلنا إلى نهاية المطاف الذي بدأ عام 1917، وذكرنا العالم الذي نسي الأشياء الكثيرة.. ذكرنا بوعد بلفور، الذي قال لمن تبقى: للناس الموجودين على هذه الأرض حقوق مدنية ودينية؛ وثبت أن هذا المشروع بدأ الآن يُطبق، والذي وضع المشروع هو أميركا والذي يطبقه الآن هو أميركا؛ لأن كثيرا من الناس لا يعرفون الدور الذي قامت به أميركا في إصدار وعد بلفور.

الحقيقة هي (أميركا) التي تبنته من الألف إلى الياء؛ وهي التي وضعت صيغًا، وهي وضعته في ميثاق عصبة الأمم، ووضعته في صك الانتداب البريطاني على فلسطين لتنفيذه؛ وجاء الوقت لتنفيذه. وهذا ما نراه هذه الأيام، أن الفلسطينيين ليس لهم أي حق، الا الحقوق المدنية والدينية، وبالتالي علينا أن نفهم ما هو هذا المشروع الذي نحن مقبلون عليه.

ولكن بصرف النظر، نحن منذ أن أعلنت أميركا أنها تضم القدس وتعتبرها عاصمة لدولة إسرائيل، اكتفينا بهذا؛ ولذلك قلنا نقطع العلاقات مع أميركا، واستغرب الكثير من الناس، لماذا قلنا هذا ولم ننتظر المشروع؟ قلنا لهم: كما يقولون المكتوب يظهر من عنوانه؛ وإذا كان أول القصيدة كفرا، فماذا ستكون نهايتها؟. وكل من قال هناك إيجابية واحدة للمشروع كان مخطئًا، لأنه لا يوجد به أي ايجابية إطلاقً؛ كله يصيبنا ويصيب أرضنا ومستقبلنا.

حتى أنهم كانوا يتحدثون في الماضي عن المثلث -يمكن أن يظن الناس أني موافق على موضوع المثلث- طبعًا نحن لا نوافق إطلاقًا بأي حال من الأحوال أن تضم أرض وسكان من إسرائيل إلى فلسطين؛ هم أهلنا والأرض أرضنا ولكن لتبقى عندهم، لن نقبلهم، ولن نقبل إطلاقًا هذا المشروع؛ ونفهم ما الغرض من ورائه؛ بدون شرح وبدون تفصيل، معروف الغرض من وراء هذا المشروع.

 لذلك تحدثنا بكل هذا أمام الجامعة العربية، كانت هناك شبهات وبعض الالتباس الذي سمعناه من بعض الدول العربية، البعض قال أرحب أو أشكر، كنا نظن أنه موافق، والحقيقة حتى لا نظلم أحدًا، العرب جميعًا وقفوا وقفة رجل واحد معنا وأخذوا قرارًا. عندما قدمنا هذا المشروع كنا نتوقع أن يحصل تعديل هنا وتعديل هناك. يمكن أن يحصل؛ لكن لم يحصل أي تعديل على أي كلمة؛  وكل ما قدمناه اعتمد من قبل مجلس الوزراء العرب؛ وهذا شيء بالنسبة لنا مشرِّف.

الأخ محمد اشتية سيذهب إلى القمة الافريقية؛ الأخ وزير الخارجية الآن انهى خطابه في القمة الإسلامية، وأنا سأكمل إلى مجلس الأمن. ورؤيتنا التي سنقدمها في مجلس الأمن لا تختلف كثيرا عما قدمناه؛ ربما نختلف في التقديم والتأخير؛ لكن سنرفض المشروع ونطلب المفاوضات، لاننا لسنا عدميين؛ يعني لا نرفض وفقط؛ نرفض ونقول ماذا نريد ليفهمنا العالم؛ والعالم يجب أن يفهم لماذا نرفض؛ لأنهم (أميركا وإسرائيل) ألغتا كل الشرعية الدولية وكل الاتفاقيات التي بيننا، وأهم اتفاق بيننا وبين الإسرائيليين "اتفاق أوسلو". كثير من الناس لا يقبلون اتفاق أوسلو؛ لكن الحقيقة هو أهم اتفاق، ولو قارناه وهو اتفاق مرحلي بالاتفاق أو المشروع الذي قدم لنا، لا مجال للمقارنة إطلاقًا؛ مشروعنا الأول هو مشروع انتقالي يعطينا 92% من الأرض، والباقي للمفاوضات؛ هذا لا يعطينا إلا 8% من أراضي الضفة الغربية وغزة، ثم يقسمها إلى 6 أقسام.

أرجو أن تُدرس هذه الصفقة، وتدرس من وسائل الإعلام؛ لأن ذلك مهم جدًا. صحيح هي من 180 صفحة، إنما نقدم ملخصًا لها ونوزعه على العالم كله بـ50 صفحة لتقرأ؛ لأنه شيء لا يطاق.. شيء لا يمكن أن يقبله الإنسان. طبعًا ليس لدينا وهمٌ أن أميركا ستقف معنا، أميركا لن تقف معنا؛ ولذلك رفضنا أن تكون أميركا وسيطًا. ولنكون واقعيين. قلنا: لن تكون وحدها على أساس أنه يجب أن يكون معها دول اخرى، الرباعية الدولية زائد أي دولة أخرى من أوروبا أو من العالم العربي؛ لا مانع لدينا؛ لكن ليس أميركا وحدها.

منذ اتفاق أوسلو لليوم، لم يحصل أي اتفاق بيننا وبين الإسرائيليين؛ بينما بغياب أميركا وهذه صدفة بحتة، إنه كيف غابت أميركا عن حوار استمر 8 أشهر ولم  تسمع به، ولم يسمع به أحد، إلا الإسرائيليون كانوا يسربون بعض المعلومات، وكنا دائمًا نغطيها، ونقول: إنها غير صحيحة، وفعلًا استمرت إلى أن نجحنا.

الدولة العظمى في العالم، لا يجوز أن يحصل شي من وراء ظهرها؛ فوجدنا لهم مخرجًا وقلنا لهم على لسان أسامة الباز: هذا صحيح وليس مبالغة وما قلنا أي كلمة غير صحيحة، وفعلا هم كانوا يعرفون باعتبار أن وزير الخارجية الأميركي، لم يكن مهتمًا كثيرًا أو متابعًا ونسي أنهم أخبروه.

مرت، وبعد ذلك اكتشفوا أن الاتفاق تم، وهو الاتفاق الوحيد الذي تم بغياب أمريكا. لم تعطنا أميركا منذ عام 93 إلى الآن شيئًا، ذهبنا إلى "كامب ديفيد" و"واي ريفر"، وقدموا إلينا مرارًا وتكرارًا، وكان كله مضيعة للوقت، إلى أن جاءوا بهذا المشروع.

إذا استمر الأمريكان في هذا المشروع، المقاطعة موجودة؛ ونحن قاطعناهم بعد القدس؛ قاطعنا أمريكا والإدارة والبيت الأبيض لن نتكلم معهم، واستمرينا في قناة واحدة؛ ويمكن أن تقطع، ولا يوجد بيننا علاقات اقتصادية لأنهم قطعوا المعونات والمساعدات وغيرها. كذلك مع إسرائيل لا يوجد الآن إلا البضائع التي يبيعوننا إياها ونشتريها؛ سنوقف التنسيق الأمني، ليس لدينا مانع، ولن نتراجع عما قررناه إذا استمروا في هذا الخط. قُلْنا رَأيَنَا: إذا بدكم هذا النهج أو هذه الخطة، نحن لا نريد أن نستمر في هذه العلاقة معكم؛ ولن نخسر شيئا.

قلنا لهم: تفضلوا لتسلم الهدية التي أعطيتمونا إياها في أوسلو. لأننا نتحمل كل المسؤولية وهم لا يتحملون شيئًا، نفضوا عبء الفلسطينيين ومشاكلهم عن ظهرهم؛ لا، تعالوا تحملوا مسؤوليتكم، أو نأخذ حقوقنا كاملة حسب الشرعية الدولية، وهي قررات مجلس الأمن والجمعية العمومية. أي قرار ممكن أن يضعوه على الطاولة أنا موافق عليه، منذ قراري 242 و338 ولهذا الوقت.

الآن يجب أن نستمر في عملنا وأن لا نتوقف ما دمنا نريد قطع العلاقات؛ يجب ان نستمر كما بدأنا بذات الاهتمام وعلى الوتيرة نفسها في عملنا حتى اللحظة الاخيرة. هذه كلها خدمات لشعبنا وأهلنا والجامعات والمدارس والمياه والصحة كلها مفيدة لشعبنا، وسنستمر فيها إلى أن نعجز عن ذلك، وإلى أن يقولوا: نريد أن نستلم؛ ونقول: تعالوا تفضلو استلموا.

أما بهذا الجبنة السويسرية التي قدموها لنا (خارطة فلسطين التي نشرها ترمب)، فهذه لا تطاق، عندما سمعت بتفاصيل القدس في الصفقة صدمت صدمة عنيفة؛ لكن ما رأيته (الخريطة) شيء غير معقول، لا يمكن للانسان ان يقبله في القرن الواحد والعشرين.. لا يمكن أن نقبل هكذا مشروع لشعب تعداده 13 مليون إنسان؛ هذا يعني أنه سيكون غير قادر على أن يحكم نفسه، ولن تكون هناك دولة مستقلة، ولن يكون له موقف سياسي.. ليس لنا شيء؛ نحن فقط نعود إلى وعد بلفور الذي قال: حقوق مدنية للسكان الآخرين، ولم يقل من هم، عندما زار هرتسل وغيره فلسطين عام 1901 رأوا أن هناك شعب، فقال مقولته المشهورة: "علينا أن نمحو الفلسطينيين من فلسطين لتصبح فلسطين أرضًا بلا شعب، لشعب بلا أرض"، هي هكذا في الأصل رأى شعبًا موجودًا وكان اليهود أقلية (مجرد 10 او 15 ألف) وقال: حتى نبني مشروعنا، يجب ان نمحو الفلسطينيين.

على كل حال، هذا ما حصل، ونحن ماضون ولن نتراجع، إلا إذا تراجعوا هم، فنحن لسنا عدميين، وإذا تراجعوا عن المشروع وقبلوا بمفاوضات دولية على أساس الشرعية الدولية بمؤتمر دولي بلجنة رباعية خماسية سداسية، لا فرق، لا مانع لدينا، ما نفهمه هو احترام الاتفاقيات والشرعية الدولية.

ما معنى أن تفرض أميركا شرعيتها وتقرر؟ إذا هيك، ألغوا الامم المتحدة، وقولوا لا يوجد امم متحدة، وسلموا أمركم لله؛ وقولوا محكومين لأمريكا؛ ودعوها تظل موجودة وتحكمنا، اقبلوا بهذا! واذا قبلتم بذلك فأهلا وسهلًا، أما أن تبقى امريكا تقرر وحدها وتلغي كل الشرعيات الدولية، فهذا شيء لا يعقل.

نقطة ثانية أخيرة، عن كوشنير الذي يردد مقولة "أبا ايبان"، لا يضيعون فرصة حتى يضيعون فرصة أخرى،  أريد ان أفهم أين الفرص التي يتحدثون عنها.. أعطني فرصة حقيقية لأحصل على حقي. نطالب بـ22% من أرض فلسطين التاريخية، ومع ذلك رضينا بالبين والبين ما رضي فينا، وفوق ذلك جعلوها في المشروع الجديد 11%، هل هذه فرص! أعطني فرصة صحيحة. يوم ان دخلنا مع رابين في فرصة حققنا بالفعل، وقال رابين: هذه أرضكم، وهذه بلادكم، والآن نريد أن نسير فيها خطوة خطوة. وقال في نص الاتفاق: إن كل الأراضي فلسطينية باستثناء المستوطنات الموجودة. نريد أن نجد لها حلًا؛ وبالتالي حصلنا على 92% من الأرض. أولمرت تكلمت معه مرارًا، ولم يأت على ذكر الأمر؛ وكان يقول: القدس والـ67 لكم.

ويأتي كوشنر ويقول: "إنهم لا يضيعون فرصة حتى يضيعوا فرصة أخرى"، والعالم يصدق ويكرر أن الفلسطينيين لا يريدون السلام ولا يريدون شيئًا!.

   

كلمة الرئيس محمود عباس أمام الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب لمواجهة مخاطر الخطة الأميركية (صفقة القرن) على القضية الفلسطينية 1 شباط 2020

 

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين

معالي رئيس الجلسة،

معالي الأمين العام،

أصحاب المعالي والسعادة الحضور،

السلام وعليكم ورحمة الله وبركاته

 

طلبنا عقد هذا الاجتماع العاجل، ونشكركم على الحضور على ضوء إعلان الصفقة الأميركية؛ وذلك لاطلاعكم على الموقف والقراءة الفلسطينية له؛ واتخاذ القرارات وخطط التحرك الملائمة لمواجهة مخاطرها الجسيمة على القضية الفلسطينية، ومنع ترسيمها كمرجعية دولية جديدة؛ ومن ناحية أخرى التأكيد على ثوابت الموقف العربي المستند إلى الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.

وقبل أن أبدأ كلمتي أوجه تحياتي إلى شعوبنا في كل مكان، التي بدأت تنتفض في كل مكان احتجاجًا على صفقة العصر.

وفي البداية أقدم لكم لمحة بسيطة عن علاقتنا مع الإدارة الأميركية؛ أو بمعنى أدق، عن علاقة الإدارة الأميركية بالقضية الفلسطينية منذ 103 سنوات.

نحن نعرف وعد بلفور وسمعنا عنه الكثير؛ لكن أريد أن أؤكد النقاط الهامة فيه: النقطة الأولى هي أن وعد بلفور لم يكن وعدًا بريطانيًا بحتًا؛ وإنما هو وعد بريطاني أميركي بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى؛ أي أنه كان هناك تنسيق كامل بين بريطانيا العظمى في ذلك الوقت وبين الولايات المتحدة على كل كلمة وردت في هذا الوعد؛ ونستطيع القول: إن الولايات المتحدة هي الراعي الأساس لوعد بلفور.

والنقطة الثانية أن أميركا أصرت على أن يوضع وعد بلفور في ميثاق عصبة الأمم كما يوضع في صك الانتداب البريطاني على فلسطين؛ بمعنى آخر أن يرسم هذ المؤتمر دوليًا وأن يكون قائدًا ومسيرًا للانتداب البريطاني من أجل تحقيق هذا الوعد بحذافيره؛ وهذا ما حصل. مع العلم أن الولايات المتحدة لم تكن عضوًا في عصبة الأمم طيلة أيام عصبة الأمم؛ بل كانت بعيدة عنها.

الآن ماذا ورد في الوعد؟ ورد في الوعد نقطتان هامتان لا أريد أن أشير إلى غيرهما، النقطة الأولى: هي إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، والنقطة الثانية: هي أن يمنح هؤلاء السكان - ولم تذكر اسمهم ولم تذكر من أين السكان الموجودون في هذه الأرض- حقوقا مدنية ودينية.

لنرى الآن ماذا جاء في خطة ترمب: حقوق مدنية ودينية فقط؛ وبعد ذلك مضت الأيام وقامت دولة إسرائيل  عام 1947 وتمزق شمل الشعب الفلسطيني في أصقاع الأرض بلا راع ولا مستقبل، إلى أن جاءت منظمة التحرير. لا أريد ان أستمر في سرد هذا التاريخ؛ إنما أقول: عندما حصلت نكبة الكويت باحتلالها عام 1990، على ضوء ذلك دعت روسيا وأميركا لمؤتمر دولي للسلام؛ وفعلا عقد مؤتمر مدريد، ومن ثم نقل إلى واشنطن ليحظى بالرعاية الأميركية وحدها، ولم يعد مؤتمرًا دوليًا؛ إنما أصبح مؤتمرا أميركيا فقط، وعقدت اجتماعات متواصلة لمدة عامين في واشنطن، ولم تثمر هذه الاجتماعات عن أي نتيجة.

وفي هذه الأثناء وفي غفلة من الزمن وفي غفلة من الأميركان جلسنا مع الإسرائيليين وبحثنا قضيتنا مع بعضنا البعض، وتفاوضنا ثمانية أشهر. وأقول أيضا للتاريخ: لم يكن أحد يعرف بهذه المفاوضات بما في ذلك أميركا؛ وأثمرت المفاوضات عما يسمى "اتفاق أوسلو"؛ والآن لو نقرأ اتفاق أوسلو -وهو اتفاق مرحلي- ونقارنه بما جاء من أميركا "صفقة القرن" سنرى العجب العجاب: ما جاء في اتفاق أوسلو بالنص أن 92% من أرض فلسطين لنا، والـ8% المتبقية نناقشها أو نتفاوض عليها، والسيادة للفلسطينيين على الأرض الأولى، وهي أرض "أ" و"ب"، والباقي للتفاوض (القدس، واللاجئين، والأمن للتفاوض)؛ وكان هناك اتفاق أن يتم خلال خمس سنوات الوصول إلى حل نهائي يضمن حق الشعب الفلسطيني؛ وهذا الحل مبني على تنفيذ القرارين 242 و338؛ لكن قتل رابين وانتهت القضية.

ونذكر أن الذي اعترض على اتفاق أوسلو هو رئيس وزراء إسرائيل الحالي نتنياهو ويهود باراك الذي كان رئيس وزراء في وقت ما؛ لكن بعد مقتل رابين لم تعد هناك مفاوضات؛ لأن الذي استولى على الحكم هو نتنياهو؛ ونتنياهو لا يؤمن بالسلام وليس فقط لا يريد السلام؛ والدليل على ذلك أنه أمضى في رئاسة الحكومة الإسرائيلية أكثر من أي رئيس وزراء آخر؛ ومع ذلك لم يحصل أي تقدم في العهود الثلاثة التي قضاها في الحكومة في عملية السلام؛ وعندما جاء بين هذه الفترات أيهود أولمرت واستلم رئاسة الوزراء، فعلا حققنا كثيرا من التقدم، وقد حققنا 70% من الاتفاق أو من التفاهم على مجمل القضايا المطروحة بيننا (قضايا الوضع النهائي في اتفاق أوسلو) وبعدها في أحد الأيام وأنا ذاهب للقائه في بيته قالوا لي: ارجع؛ اولمرت دخل إلى السجن وانتهى الأمر. هذا كل ما جرى بيننا وبين الإسرائيليين منذ أوسلو.

لكن أريد أن أشير إلى أن أميركا لو كانت موجودة أو تعرف باتفاق أوسلو لأفشلته. وأثناء المفاوضات بيننا وبين الإسرائيليين، لم يستطع رابين إلا أن يخبر الأميركان؛ لأنها حليفته وصاحبة الفضل عليه، وهي من أسست هذه الدولة؛ فتحدث مع وزير الخارجية الأميركي في ذلك الوقت (وورن كرستوفر) في الشهر السادس أو الخامس من المفاوضات، وقال له: لا أريد أن أخفي عليك ولا أستطيع أن أخفي عليك شيئًا، نحن نتفاوض مع الفلسطينيين، وربما يحصل تقدم بيننا وبينهم. هذا الرجل لم يستوعب الفكرة، وسأل: من يقود المفاوضات؟ فقيل له: شمعون بيرس وأبو مازن. فقال له: دعهم؛ ظنًا منه أننا لن نتوصل إلى شيء. وعندما أنهينا الاتفاق ووقعنا بالأحرف الأولى، اتصل به رابين وقال له: أحب أن أبشرك أننا وقعنا الاتفاق بيننا وبين الفلسطينيين. وقال أي اتفاق؟ ايعقل ذلك ونحن أميركا لا نعرف! أميركا كانت غاضبة جدًا وبدأت تبحث عن حجة أو طريقة ما من أجل أن تحفظ ماء وجهها باعتبارها الدولة العظمى الأولى في العالم، وباعتبارها مسؤولة عن كل شيء في العالم؛ فكيف يكون هنالك اتفاق من وراء ظهرها أو اتفاق لا تعرف عنه! وجدنا لهم طريقة من أجل أن يكونوا موجودين؛ واقترح المرحوم أسامة الباز أن نقول: إنه على ورقة أميركية تمت المفاوضات في أوسلو. وفعلًا، إن كنتم تذكرون، ذهبنا إلى أميركا ومسكت أميركا بالورقة؛ وإلى يومنا هذا لم تقدم أي شيء، ولم يحصل أي تقدم في القضية الفلسطينية، منذ أن استولت عليها أميركا.

عندما جاء السيد ترمب إلى السلطة منتخبًا، وهنا أريد ان أذكر شيئًا هامًا جدًا أنه في عهده قبل أن يخرج أوباما وقبل أن يدخل هو إلى البيت الأبيض كان هناك قرار في مجلس الأمن وهو 2334، وحصل هذا القرار على الإجماع، إن كنتم تذكرون، وأميركا في ذلك الوقت هي التي صاغت القرار سرًا. وأقول هذا لأول مرة وربما يغضب السيد أوباما، لكن هذا هو الذي حصل بالاتفاق مع بريطانيا ومع هذا الرجل، وتم هذا القرار، وهو أهم وأثمن قرار صدر عن مجلس الأمن منذ نشأته إلى يومنا هذا في القضية الفلسطينية.

وعندما وصل السيد ترمب إلى الحكم، أول ما قام به تجاهل هذا القرار ورفض التعامل معه. التقيت به أربع مرات، وكان وفده قد أتى إلينا 37 مرة، لكن كل هذه اللقاءات لم تثمر شيئًا، واللقاء الأول مع ترمب كان في واشنطن وكان مبشرًا؛ لأنه كان مقبلًا، ويستمع جيدًا، ويثني على ما أقول.

واللقاء الثاني كان في بيت لحم، والثالث كان في المملكة العربية السعودية، والرابع في نيويورك. وأريد الحديث عن اللقاء الذي تم في نيويورك الذي كان لقاء رسميًا بين وفدين رسميين: سألت ترمب ما رأيك في رؤية الدولتين؟ قال: موافق، والآن أعلن عنها. فقال أحد اعضاء الوفد معه: سيادة الرئيس الأفضل أن نؤجل هذا. قال: حسنًا. لكن سمع الكلام؛ والنقطة الثانية سألته: ما رأيك في القدس؟ قال: القدس الشرقية لكم. وقلت له: حدود 1967. قال: موافق عليها. وتبادل الأراضي؟ قال: موافق؛ بل بالعكس إذا اعطيتموه سم سأجبره على اعطائكم سم ونصف أفضل من أرضكم. سألته: ما رأيك بالأمن؟ قال: أنا جاهز؛ "النيتو" جاهز؛ متى تريدون أن نرسل القوات؟ وبدأ يعطي الأوامر لإرسال القوات إلى الأراضي الفلسطينية؛ وأنا شعرت أننا سنحل القضية الفلسطينية في 5 دقائق، أو في نصف ساعة. فعلا قلت له: سيادة الرئيس، أنا أقول: ما أقوله وما أفكر به في السر وفي العلن كله واحد، أنا أؤمن بعدم استعمال السلاح وبعدم جدوى السلاح في عصرنا الحالي، جربنا الحروب أعوام 1948 و1956 و1967 و1973 و1982 ولم يفلح الأمر؛ وأنا مؤمن أننا لا نريد سلاح؛ بل نريد أن نبني دولتنا، وأن يعيش شعبنا بأمن وأمان واستقرار. واكدت له بأنني لا أؤمن بالسلاح؛ ولذلك سأسعى لأن تكون دولة فلسطين منزوعة السلاح.

قال لي: لماذا؟ قلت له الأفضل من أن أشتري دبابة أن أبني مدرسة؛ وأفضل من أشتري طائرة أن أبني مستشفى؛ وأنا أريد لشعبي أن يعيش بأمان. قال لي: عظيم؛ ولماذا يقولون عنك إرهابيا؟ أنت رجل سلام، وأنا أريد أن اعقد معك صفقة سلام؛ المرة المقبلة أريد أن أعقد معك صفقة سلام، نحن الآن متفقان. خرجت من اللقاء متفائلًا جدًا بأنه يمكن أن نعقد مع هذا الرجل سلامًا.

وبعد شهرين، وبدون سابق إنذار أقفل مكتبنا في واشنطن، وأعلن أن القدس الموحدة عاصمة لدولة إسرائيل، وأنه سينقل سفارته إليها، ويدعو الدول لنقل سفاراتها إلى القدس، وأوقف ما يقدمه لنا من مساعدات؛ وكان يقدم لنا مساعدات لأشياء مختلفة بحدود 840 مليون دولار. أوقف الدفع لوكالة الغوث، وللمستشفيات الموجودة في القدس. وعندما سألته عن السبب، قالوا: هذه سياسة الرئيس، وعليه قررنا فورًا قطع العلاقات مع الإدارة الأميركية والبيت الأبيض.

دولة فلسطين تتعاون مع 83 دولة في العالم لمحاربة الإرهاب، ونؤمن فعلًا بمحاربة الإرهاب، بغض النظر عن ماهيته؛ ولذلك هناك 83 بروتوكولًا بيننا وبين 83 دولة منها الولايات المتحدة؛ ثم بقيت اتصالاتنا قائمة مع الكونغرس. وفعلا هذه اللقاءات والاتصالات قد أثمرت؛ حيث خرج من الكونغرس قبل شهر أو شهرين قرارًا يرفض كل مقولات بومبيو حول الاستيطان وغيرها. وهذه لأول مرة تحصل؛ فنحن قلنا: سنبني على هذا. وفعلًا الآن نبني عليه، وسنرى. ليس فقط النواب الديمقراطيون بل حتى الجمهوريون سيقفون معنا كأقلية أو بأعداد في مواجهة صفقة ترمب، لأنهم جميعًا يرفضونها.

هذا ما حصل بيننا وبين أميركا، وبعدها فوجئنا بهذه الصفقة، وعندما أعلن عنها اتصلوا بنا، وقالوا: الرئيس يريد أن يرسل لك الصفقة لتقرأها، وكأنها لا تعنيني، أنا صاحب القضية! إذا أراد ان يعد صفقة فيجب أن أكون الشريك الأول؛ فرفضت استلامها، لن أستلمها. وبعد أسبوع، قالوا: الرئيس يريد أن يتكلم معك هاتفيًا، فرفضت عدة مرات التحدث معه؛ وعندما أخبروني أنه يريد أن يرسل رسالة رفضت استلامها.

السبب في رفضي التحدث معه أنه سيبني على مكالماتي معه أنني موافق، ومن سيصدقني وسيكذب الدولة العظمى، أكبر دولة عظمى في العالم!.

جميعكم قرأ الصفقة، ولم تعد سرًا خافيًا، وجاء فيها: أن القدس الموحدة عاصمة لدولة إسرائيل، وتقسيم زماني ومكاني للأقصى، وأن عاصمة فلسطين في القدس، والإشارة إلى أن العاصمة في أبو ديس (قرية من قرى القدس)؛ يعني كل القدس التي لنا التي احتلت عام 1967 ليست لنا! ونسوا قضية اللاجئين؛ 6.5 مليون لاجئ أجبروا على الخروج من فلسطين، وانا واحد منهم، و950 ألف في عام 1948؛ ولكن اليهود الذين جاءوا من البلاد العربية يجب أن يأخذوا تعويضات عن أملاكهم من الدول العربية، اما اللاجئون الفلسطينيون فليس لهم شيء!

كنا نتحدث في أوسلو عن 92% أرض فلسطينية و8% نبحث ماذا نفعل بها! كان يوجد عدد من المستوطنات، الآن مئات المستوطنات يعيش فيها نحو 750 ألف مستوطن، أخذوا الآن 30% من الضفة الغربية، مع العلم أن الضفة وغزة تشكلان 22% من فلسطين التاريخية؛ وقبلنا بذلك لأننا نريد حلًا؛ أي بقي لنا 11% فقط، خارطة فلسطين الجديدة بحسب خطة ترمب لا أحد يستطيع رسمها، قالوا لنا تكرمًا منا سنضع جسورا أو أنفاقا للربط بين المدن.

السيطرة الأمنية كاملة على كل ما هو غرب نهر الأردن، كله للاحتلال وليس لدينا شيئا، لكنهم قرروا إعطاءنا هدية، وهي المثلث، منطقة محتلة اسمها المثلث فيها 4 أو 5 مدن، و250 ألف عربي، يريدون إعطاءنا إياها هي وسكانها. في اعتقادي التام أن ترمب لا يعرف شيئا عن هذه الخطة، وليست لديه علاقة بها، ومن له العلاقة هم سفيره في إسرائيل فريدمان، وزوج ابنته كوشنير، وجرينبلات، هؤلاء الثلاثة من أعطوه كل شيء، والآن جرينبلات انتهى وخرج، وبقي كوشنير وفريدمان.

بصرف النظر عن هذا الموضوع كله، وقبل أن أعرف وبعد أن عرفت، مجرد أن قالوا: إن القدس تضم إلى إسرائيل؛ لن أقبل هذا الحل إطلاقًا، ولن أسجل على تاريخي وعلى وطني أنني بعت القدس، القدس ليست لي وحدي بل لنا جميعا، ونحن حراسها والمسؤولون عنها وهي عاصمتنا، ونحن شركاء مع إخواننا الأردنيين بالأماكن المقدسة منذ زمن طويل، والملك عبد الله هو الوصي.

ليس هذا المطلوب فقط؛ بل ان هذه الخطة يتم تطبيقها بعد 4 سنوات من جانبنا، أما إسرائيل فتبدأ بالتنفيذ فورًا، أي تنفيذ ضم المستوطنات فورًا، وبعدها قرروا تأجيلها إلى حين انتهاء الانتخابات، والسبب، ليستكملوا بناء مستوطناتهم والسيطرة على أرضنا. كل يوم تبنى مستوطنات وتهدم بيوت بحجة أنه لا توجد رخصة، وفي الأربع سنوات ينهون بناء مستوطناتهم.

كيف أثبت حسن النوايا؟ قالوا تقبل أولًا الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، وهذا عرض علي منذ 7 أو 8 سنوات، عادة دولة تريد تغيير اسمها تذهب للأمم المتحدة وتغير اسمها، يريد نتنياهو فقط مني أنا الاعترف أنها دولة يهودية، وأنا أعرف أنها ليست دولة يهودية؛ وفيها 1.9 مليون عربي، وومليونا روسي مسيحي ومسلم دفعتهم الهجرة الكبيرة ما بين 1990 و2000 عندما انتهى الاتحاد السوفييتي، وفتحت الأبواب لهم، والكل هاجر، مسلم وغير مسلم، والآن هم موجودون في إسرائيل، حتى الفلاشا من أثيوبيا نسبة اليهود فيهم ضئيلة جدًا.

المهم يجب أن اعترف بيهودية الدولة وأعترف أن القدس الموحدة عاصمة لدولة إسرائيل، كما مطلوب مني نزع سلاح غزة، وإلغاء حق العودة للفلسطينيين وتقسيم الأقصى زمانيًا ومكانيًا، يوم لنا ويوم لهم، ومكان لنا وآخر لهم، وبعد شهرين يمنعوننا من الصلاة!.

قبول إجراءات إسرائيل بضم الأراضي الفلسطينية، نحن لنا 37 كيلومترًا على البحر الميت من الجهة الغربية، والأردن لها الجهة الشرقية كلها؛ وهذه ستضم إضافة لكل شريط نهر الأردن إلى إسرائيل. عدم وجود سيادة على الأرض الفلسطينية، ويقولون دولتنا، دولة فلسطين بشرط لا توجد سيادة ولا حدود مع الأردن! وكيف نذهب إلى الأردن! لا سيطرة برية وبحرية وجوية للفلسطينيين؛ ثم المثلث بسكانه خذوه؛ وأيضًا الموافقة على إلغاء قرارات الشرعية الدولية، الآن فقط مرجعية اسمها مرجعية ترمب؛ أما أي مرجعية أخرى لا تتحدثوا بها، فقط هذه الشرعية التي نريدها (شرعية ترمب).

بعد أن أصبحنا عضوًا مراقبًا في الأمم المتحدة ذهبنا إلى المظمات الدولية كلها أو بعضها (522 منظمة ومعاهدة نستطيع أن ننضم إليها) قدمنا طلبات لـ110 منظمات، وقررنا الذهاب الى محكمة الجنايات الدولية، وهي محكمة أفراد وليست محكمة دول، وأصبحنا أعضاء رغم محاربة أميركا لنا ومحاولتها منعنا من ذلك؛
لكن تمكنا من الانضمام لها؛ والآن بعد خمس سنوات من العمل الجاد على بعض القضايا اقتربنا من الوصول.

الآن قالوا لنا: كحسن نوايا، تراجعوا عن المحكمة الدولية، ولا تنضموا لأية منظمات دولية، هذه هي قضايا حسن النوايا التي يجب أن نقدمها خلال 4 سنوات للإسرائيليين، من أجل أن يعطونا ما اسموها "دولة فلسطين المستقلة".

منذ أن أعلنت الصفقة حتى الآن، وردود الفعل الدولية والعربية والإسلامية مشجعة، ما نراه من الكونغرس الأميركي إلى الكنيست الإسرائيلية إلى مجلس الاتحاد الأوروبي إلى آسيا إلى أفريقيا؛ الدول تغلي، وكل يوم نسمع مواقف جديدة، آخرها ما وصلنا من توقيعات من أعضاء في الكونغرس، يقولون "نرفض بشدة عار العصر". أنا متأكد أن العالم لا يقبل بالظلم وأنه سيقف إلى جانبنا.

أصبحنا 13 مليون فلسطينيًا. حاولنا أن ننشر ثقافة السلام للجميع، فلسطينيون في الخارج وفلسطينيون في الداخل، في الضفة الغربية أقصى ما يخرج مظاهرة سلمية؛ وفي غزة لها ظروفها، ومشكلتنا نحلها فيما بعد؛ لكن في الخارج الفلسطينيون ملتزمون بهذا، خرجت إحصائية دولية تشير إلى أنه لا يوجد فلسطيني واحد في داعش؛ فهذه هي سياستنا وهذه هي مواقفنا، وأخيرا يكافئوننا بماذا!. العالم بدأ يتفهم وخاصة أنهم يرون جديتنا ونحن نحارب الإرهاب الدولي، 83 دولة عربية وأوروبية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية التي لم تعد صديقة لنا، لكن بيننا وبينهم اتفاق.

سنخرج من القمة اليوم إلى قمة التعاون الإسلامي ثم القمة الإفريقية؛ ثم سأتوجه إلى مجلس الأمن؛ نحن لسنا عدميين ونريد أن نبحث عن حل، قبل سنتين ذهبت لمجلس الأمن وطالبت بمؤتمر دولي ينبثق عنه عملية سلام على أساس الشرعية الدولية والمبادرة العربية للسلام؛ ونحن في أي وقت جاهزون لأي قرار لمجلس الأمن للذهاب للمفاوضات مع الرباعية وغيرها من الدول مثل العرب لأنهم يساعدوننا، لكن لن نقبل أميركا وحدها.

منذ أن استلمت أميركا، عامان والوفود تأتي وتذهب إلى أميركا، ولم يحضروا كلمة واحدة! قولوا: نحن نتفاوض باسم الشعب الفلسطيني. قالوا: أنتم لستم شعبا. قلنا: رابين اعترف بأن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهذا لأول مرة في تاريخ إسرائيل والحركة الصهيونية، ونحن اعترفنا بدولة إسرائيل.

هذا ما نريد أن نذهب ونتحرك به في كل الاتجاهات، إلى جانب العديد من المنظمات الدولية والإقليمية وغيرها. نقول لهم: هذه قضيتنا وافهمونا، لا نريد أن تقفوا ضد أميركا، لكن نريد أن تؤيدونا. ما يقوله الفلسطينيون نحن معه، وما يرفضونه نرفضه؛ إذ نطالب بحقنا؛ وبهذا نريح الجميع من الضغط، ويكفي هذا أمام أميركا حتى يرتدع الثلاثي الذي يخطط لمستقبلنا. ونحن ما نقوله الآن قلناه أيضًا في قمة الظهران وفي قمة تونس؛ ودائمًا نسمع هذا الكلام، وليس جديدًا على أمتنا العربية. تحدث معي قبل يومين صاحب الجلالة الملك سلمان، وأكد لي: نحن معكم منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز، وما تريدونه نحن معكم. وذلك أيضا ما أكده الملك عبد الله الثاني.

أبلغنا الإسرائيليين والأميركان بعد الذي سمعناه برسالتين: الأولى وصلت لبنتيامين نتنياهو، والثانية سلمت إلى رئيس الـCIA، ومن المفترض أنها وصلت الآن إلى ترمب، هذا نصهما: "لقد ألغت إسرائيل الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ونقضت الشريعة الدولية التي قامت عليها هذه الاتفاقات، والتي قامت عليها دولة إسرائيل أيضًا؛ يجري أيضًا نقض هذه الخطة من قبلكم ومن قبل الولايات المتحدة؛ ولذلك نبلغكم أنه لن يكون هناك أي علاقة معكم ومع الولايات المتحدة، بما في ذلك العلاقات الأمنية، في ضوء تنكركم للاتفاقات الموقعة والشرعيات الدولية؛ وعليكم أيضًا أيها الإسرائيليون تحمل المسؤولية كقوة احتلال، واستلام ما تسلمناه في أوسلو.. مسؤولية الأكل والشرب والأمن وغيرها؛ ونعلمكم أن ما يسمى بـخطة القرن ستكون لها تداعيات علينا وعليكم وعلى الإقليم؛ أنتم نقضتم هذه الاتفاقيات، ومن حقنا أن نواصل نضالنا المشروع بالوسائل السلمية والعمل الشعبي السلمي، طبقا للقانون والأعراف الدولية، من أجل إنهاء الاحتلال وتحقيق حلم شعبنا في الدولة والاستقلال بناء على الشرعية الدولية"، هذا ما بُلغ فيه الطرفان.

 

وأخيرًا، فإن الصفقة مرفوضة جملة وتفصيلًا منذ أن أعلنوا عن ضم القدس وتوحيدها عاصمة لإسرائيل؛ لكننا ما زلنا نؤمن بالسلام وبثقافة السلام، على أن يتم إنشاء آلية دولية متعددة الأطراف منبثقة عن مؤتمر دولي أو غير ذلك؛ ولا مانع من إضافة دول في الاتفاق؛ وستكون المرجعية تنفيذ الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، ولا مكان على الطاولة للصفقة بكل بنودها؛ نحن لا نعترف بها، ولا نقبل إحضار الصفقة على أساس أنها أصبحت جزءًا من الشرعية الدولية؛ نقبل بقرارات حقوق الإنسان أو أي قرار دولي؛ أما أميركا لم نعد نستطيع أن نقبلها.

التقينا مع الرئيس السيسي وسمعنا منه نفس الكلام: نحن معكم، ونحن نعرف أنكم لن تطلبوا المستحيل، وإنما الحد الأدنى من حقوقكم.

لقد أكرمنا الله ورسوله بآية كريمة وبحديث شريف؛ أما الحديث فيقول: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك"، قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس". صدق رسول الله.

وتقول الآية: "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون" صدق الله العظيم.

 

السلام عليكم ورحمة الله

 

كلمة الرئيس محمود عباس خلال اجتماع القيادة الفلسطينية الطارئ في مقر الرئاسة بمدينة رام الله ردًا على إعلان الرئيس الأميركي ترمب بما يسمى "صفقة القرن" 28 كانون الثاني 2020

 

قبل أن أبدأ كلمتي أريد أن أقول للثنائي ترمب ونتنياهو: إن القدس ليست للبيع، وكل حقوقنا ليست للبيع وليست للمساومة وصفقتكم المؤامرة لن تمر.

باسمي وباسم القيادة الفلسطينية المجتمعة حاليًا أتوجه بتحية إجلال وإكبار لشعبنا العظيم الصامد في القدس والضفة الغربية وغزة وجميع أماكن تواجده على وقفتهم الكبيرة في وجه الاحتلال ورفضهم ما يسمى بـ"صفقة العصر" التي لن تمر. وسيذهبها شعبنا إلى مزابل التاريخ كما ذهبت كل مشاريع التصفية والتآمر على هذه القضية.

وكلنا ثقة بأن النصر هو حليف شعبنا البطل الذي قدم التضحيات الجسام على طريق الحرية والاستقلال من أجل القدس وفلسطين.

وتحية إكبار لشهداء شعبنا وأسرانا وجرحانا ومبعدينا. وأؤكد لهم أن حقوقهم مصانة، ولن يفرط بها أحد.

كما أتوجه بالتحية والتقدير لأمتينا العربية والإسلامية وأحرار العالم على ثباتهم وتمسكهم بدعم حقوقنا الوطنية المشروعة؛ وأتوجه بهذه اللحظات الدقيقة والحاسمة إلى الكل الفلسطيني في الوطن والشتات إلى رص الصفوف وتوحيدها وتعميقها وتعميق روابط الوحدة الوطنية وإعطاء الأولوية لجبهة الاحتلال وإسقاط مشروع تصفية المشروع الوطني.

وأعلن أن استراتيجيتنا ترتكز على استمرار كفاحنا الذي لم ينقطع لإنهاء الاحتلال وتجسيد استقلال دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية.

وسوف نبدأ فورًا باتخاذ كل الإجراءات التي تتطلب تغيير الدور الوظيفي للسلطة الوطنية الفلسطينية تنفيذا لقرارات المجلسين الوطني والمركزي.

أبناء شعبنا الفلسطيني العظيم، لن نركع ولن نستسلم؛ نحن صامدون صابرون مثابرون قابضون على الجمر وشامخون في وجه الاحتلال والطغيان ونحن لها. المؤامرات وصفقات العصر ومخططات تصفية القضية الفلسطينية إلى فشل وزوال ولن تخلق حقا ولن تنشئ التزاما. وحدتنا التي تتجسد لمواجهة المخططات التصفوية بين عموم أبناء شعبنا في أماكن تواجده كافة؛ وبدعم من أحرار العالم سوف تسقط الظلم والظالم والاحتلال الفاشي.

إلى شهدائنا إلى أسرانا إلى جرحانا إلى أبطال شعبنا إلى أبي عمار إلى الدرة إلى دوابشة إلى أبو خضير إلى السواركة، عهدًا لكم أن تضحياتكم ودماءكم لن تذهب هدرًا، المجد والخلود للشهداء، عاشت فلسطين.

الإخوة الأعزاء، استمعنا قبل قليل إلى الرئيس ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يتحدثان عن صفعة العصر، هذه الصفعة التي سنعيدها صفعات إن شاء الله في المستقبل، ولن نجد شيئًا جديدا يضاف لما سمعناه قبل سنتين لأنه يكفي أننا قد سمعنا أن القدس موحدة عاصمة لدولة إسرائيل؛ وبالتالي لا حاجة لأن ننتظر وننتظر وننتظر، كما نصحنا البعضُ، لعل وعسى؛ فمنذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا لم يتغير موقفنا؛ والآن وبعد أن سمعنا هذا الكلام الهراء من البداية إلى النهاية نقول: ألف مرة لا لا لا لـ"صفقة العصر".

إخواننا الأعزاء، نعتبر أن هذه الصفقة هي نهاية مشروع وعد بلفور، أي هي النهاية التي كانوا يقصدون من وراء وعد بلفور للوصول إليها لأننا عندما نقرأ هذا الوعد الذي يقول وطن قومي لليهود في فلسطين ثم بالنسبة للسكان الموجودين في هذا البلد يمكن أن يتمتعوا بحقوق مدنية ودينية، نفس الكلام الآن كشفوا عن وجههم، كشفوا عن حقيقتهم، وعادوا إلى البداية، إلى عام 1917 ليطبقوا كل ما أرادوا في عام 2020؛ اذن هذه هي صفقة العصر التي تستند إلى وعد بلفور الذي صنعته أميركا وبريطانيا. وقد يستغرب البعض، أميركا! نعم أميركا وبريطانيا؛ لأن أميركا هي التي صاغته بالاتفاق مع بريطانيا وهي التي وضعته في ميثاق عصبة الأمم، وهي ليست عضوًا في عصبة الأمم، ووضعته في صك الانتداب وهي ليست مسؤولة عن الانتداب ثم قالت: هذا الذي يطبق، من هي أميركا؟!

كنا في الماضي نسمع أن الأميركان يتمتعون بديمقراطية وأخلاق، هذه السياسة الأميركية التي نراها الآن تطبق على أرضنا؛ ولذلك يجب علينا أن نفهم الحقائق كما هي، هذا وعد بلفور الذي أسسته أميركا وبدأت أميركا تطبقه الآن.

هناك البعض ممن تمر عليهم هذه اللعبة بأن اللوبي الصهيوني أو ما يسمونه "الايباك" يسيطر على أميركا وأن الإدارة الأميركية تسير بموجب سياسة اللوبي الصهيوني، هذا هراء؛ السياسة الأميركية هي التي تستخدم اللوبيات كلها لتعمل حسب مخططاتها وحسب مصالحها.

الصفقة التي عرضوها لا أريد أن أشرحها؛ فيكفي أن أقول: إن القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل؛ وما عدا ذلك يزيد من ظلمنا؛ ولكن ما داموا بدأوا بالأول، فأول القصيدة كفر هذا هو أول القصيدة، فماذا سيكون متن القصيدة ونهاية القصيدة؟! وكل ما قالوه من أن الاستيطان كله ضمن إسرائيل، وتحت السيطرة الإسرائيلية، ربما يأخذون 30-40% من فلسطين ليضموها إلى إسرائيل.

فهذا الذي ورد في خطة العصر؛ ولذلك نحن رفضنا هذه الصفقة منذ البداية وكان رأينا صحيحًا وموقفنا صحيحًا عندما رفضنا الانتظار حتى قبل يومين، قالوا: انتظروا لنسمع. ماذا نسمع؟! إذا كانت القدس ستذهب، هل سنقبل بدولة بدون القدس؟! مستحيل، أي طفل فلسطيني أو عربي أو مسلم أو مسيحي أن يقبل بذلك؛ لذلك قلنا له من البداية لا.

هناك أناس في العالم لديهم ضمير أو بعض ضمير ممن يقرأون الوقائع كما هي، وممن يعرفون الحق إلى حد ما.. ممن يميزون بين الحق والباطل، هناك أناس وهم كثيرون؛ وعلينا أن نبني على هذا.

هناك الاتحاد الأوروبي إلى هذه اللحظة يقول: حل الدولتين على أساس الشرعية الدولية وهذا كلام جميل. ثم نجد أيضًا في الكونغرس الأميركي، وهنا يجب أن نفهم أن البعض حتى الشعب الأميركي مضلل وموجه بالمحطات الصهيونية الموجودة هناك؛ فهو شعب طيب مثل باقي الشعوب، يؤمن بالحق ويبغض الباطل؛ وأنا رأيت مظاهرات كثيرة في أميركا؛ فالكونغرس الأميركي أو مجلس النواب الأميركي، منذ مدة، أخذ قرارًا ضد الاستيطان ومع تطلعات وطموحات الشعب الفلسطيني بأغلبية ساحقة؛ الديمقراطيون ضد الجمهوريين؛ إذن هناك أناس يميزون بين الحق والباطل ويقولون كلمة الحق ولو كانت صعبة عليهم، ولو كانوا يعاقبون عليها لكن يقولونها؛ هناك يهود في أميركا، ومنظمات يهودية في أميركا قالت: هذا خطأ ويجب أن نعطي للفلسطينيين حقهم؛ ويرفضون هذه الصفقة من بدايتها إلى نهايتها؛ ومحكمة العدل الأوروبية التي أصدرت قرارًا حول منتجات الاستيطان؛ إذن أوروبا بدأت تعي أنها ظلمتنا كثيرًا في الماضي، وأن عليها أن تصحح بعض الأخطاء التي وقعت فيها عبر مئة عام من الزمن.

كذلك أمامنا المحكمة الجنائية الدولية؛ نحن عندما أصبحنا عضوًا مراقبًا في الأمم المتحدة أتاحت لنا هذه الصفة أن ننضم إلى 520 منظمة، ومنها المحكمة الجنائية الدولية؛ ولكننا عانينا الكثير إلى قبل شهر، في محاربة شديدة من أميركا لتحول دون تطبيق هذه العلاقة بيننا وبين المحكمة الجنائية. ما هي المحكمة الجنائية؟ المحكمة الجنائية تعالج قضايا أفراد، وعندنا آلاف الأفراد ممن أصيبوا ودمروا وقتلوا وانتهكت أملاكهم وقتلت حيواناتهم من قبل المستوطنين. هؤلاء من حقهم أن يذهبوا لهذه المحكمة الآن ليرفعوا قضايا على هؤلاء الناس الذين اعتدوا عليهم، إذن هذا كان من المكاسب. إضافة إلى 120 منظمة دولية أصبحنا الآن أعضاء فيها، وآخرها وأهمها مجموعة 77+الصين، التي تعني أن 155 دولة تترأسها "فلسطين العضو المراقب" في الأمم المتحدة.

إذن بدأ ضمير دول العالم والمجتمع الدولي يصحو، عندما يكلفنا نحن العضو المراقب أن نستلم رئاسة ال77+ الصين، فهذه من جملة المكاسب التي حققناها؛ ولكننا مستمرون في هذا للوصول إلى حقوقنا؛ إنما هذه مؤشرات على أن العالم بدأ يفهمنا، وبدأ يفهم قضيتنا، وبدأ يتألم لآلامنا ويبكي لبكائنا، ويقول: نعم معكم حق. ومن هنا يجب علينا الاستمرار في سياستنا التي عرفها العالم. يعرف العالم على الأقل أننا شعب كباقي البشر، ولسنا أذنابا كما يقولون.. شعب يريد أن يعيش.. شعب يضم 13 مليون إنسان نصفهم في الداخل ونصفهم في الخارج؛ وإلى متى يبقى هذا الشعب غير معترف بوجوده؟! وهناك دول -مع الاحترام لها- عدد سكانها 10 آلاف، وهي عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لا تعترف بنا لأن أميركا لا تريد، وتقول: لا؛ وإن شاء الله سيأتي الوقت وستقول نعم رغمًا عنها وسنحصل على حقوقنا، وهناك جهات تقف معنا.

والآن سمعنا كثيرًا من ردود الفعل على خطاب السيد ترمب، ردود فعل مبشرة سنبني عليها، وسنستمر في عملنا وفي جهودنا وفي كفاحنا من أجل الوصول إلى الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران 1967؛ يعني على 22% من فلسطين التاريخية؛ وما زال السيد ترمب يريد أن يأخذ 40% من 22% التي قبلنا بها!

وأقول للمجتمع الدولي: نحن متمسكون بالشرعية الدولية لأنها هي المرجعية، لدينا 86 قرارًا في مجلس الأمن ولدينا 125 قرار جمعية عامة، وقرار واحد منهم يضعونه على الطاولة ونقبل التفاوض عليه، حتى القرار الذي وضعته أميركا على طاولة مجلس الأمن وهو 2334 يتنكر له السيد ترمب، ويعتبر أن الشرعية غير موجودة؛ لأنه هو صاحب القوة ويقول كلمة لا ترفض، وهو الذي يعطي الأوامر لكل العالم، على الأقل نحن لا نسمع أوامره ولا نقبل بها.

لذلك نحن متمسكون بالثوابت الوطنية التي أصدرها المجلس الوطني عام 1988.. هذا المجلس الذي عقد في الجزائر؛ نحن متمسكون بهذه الثوابت ولن نتنازل عن أحدها كحق اللاجئين والحدود وحقنا في الدولة، وكل هذه القضايا نحن متمسكون بها الصغيرة والكبيرة.

كذلك نقول للعالم: نحن لسنا شعبًا إرهابيًا، ولم نكن في حياتنا شعبًا إرهابيًا، ونحن ملتزمون بمحاربة الإرهاب؛ ولكن على العالم أن يفهم أن هذا الشعب يستحق الحياة، وكذلك نحن متمسكون بالمفاوضات على أساس الشرعية الدولية. وأنا قلت في مجلس الأمن: نريد مؤتمرًا دوليًا، ونريد المفاوضات التي يقودها الأربعة؛ لن أقبل أميركا وحدها؛ وأنا أعرف أنني لا استطيع تجاهل أميركا؛ ولكن أميركا ليست هي كل العالم؛ توجد رباعية دولية، أقبل بالرباعية الدولية. نحن سنحارب بكل ما لدينا من طاقة، والتحرك الشعبي السلمي أول هذه الأسلحة؛ والشعب الفلسطيني منتشر في الشوارع، في كل فلسطين، في القدس، وفي الضفة الغربية، وفي العالم، وهو على الأقل شاهد وسمع ماذا قال نتنياهو وترمب وخرج وحده، هذا الأسلوب يجب أن نتبعه ونقوم به.

كلامي موجه لكل الفصائل الفلسطينية: نحن أعلنا عن انتخابات تشريعية ورئاسية ومتمسكون بها؛ لكن هذه الانتخابات أين؟ في الضفة الغربية وفي غزة وفي قلب القدس؛ المواطن المقدسي ينتخب في القدس وليس خارجها، يجب أن يصوت في قلب القدس، وإن شاء الله يحصل ذلك، ونستكمل بها مؤسساتنا الشرعية التي تحتاج الآن إلى انتخابات تشريعية ورئاسية؛ ونحن شعب ديمقراطي نؤمن بالديمقراطية والتعددية، ونؤمن بالتبادلية؛ ولكن إسرائيل إلى الآن لم توافق على أن نجري التصويت في القدس؛ ويجب أن توافق.

يجب أن نبذل كل طاقتنا وإمكاناتنا للعمل على إنهاء الاحتلال وتجسيد الاستقلال؛ وذلك بتغيير الدور الوظيفي للسلطة الوطنية الفلسطينية، وهذا واجب يجب أن نضعه نصب أعيننا من أجل أن نحققه، حققنا مكاسب نبني عليها في الأمم المتحدة، في كل مكان حققنا إنجازات يجب أن نبني عليها.

اليوم حضرت الفصائل الفلسطينية الاجتماع: حركة حماس، والجبهة الشعبية، والصاعقة، والمبادرة الوطنية؛ وبالتالي هذا إحساس بالخطر فتداعى الجميع ونسوا خلافاتهم.

وتحدثت مع السيد إسماعيل هنية وقال لي: يجب أن نلتقي فورًا. وقلت له: إن شاء الله نلتقي في غزة. وإن شاء الله سنبدأ مرحلة جديدة من الحوار الفلسطيني والعمل الفلسطيني المشترك ونتجاوز الصغائر؛ من أجل أن نقف صفًا واحدًا؛ لأن وقوفنا صفًا واحدًا بالـتأكيد سيجعل العالم يقف معنا ويؤدي لنا التحية؛ نحن شعب يستحق الحياة ونريد حقنا.

وأخيرًا أقول لشهدائنا وأسرانا وجرحانا: حاولت إسرائيل وأميركا أن يحرمونا من أموالنا التي يجمعونها لنا مقابل نسبة يأخذونها، لا يوجد شيء عندهم دون ثمن، من أجل أن نتوقف عن الدفع للأسرى والجرحى والشهداء، الذين هم أقدس ما لدينا، ولو بقي معنا قرش واحد لن يصرف إلا على الشهداء والأسرى والجرحى.