خطابات الرئيس محمود عباس "أبو مازن" 2009

خطاب السيد الرئيس محمود عباس، أمام البرلمان الأوروبي في مدينة ستراسبورغ-  بفرنسا

4/2/2009

السيد هانس – غيرت بوترنغ رئيس البرلمان
السيدات والسادة أعضاء البرلمان

بداية يسعدني أن أتوجه للسيد بوترنغ رئيس هذا البرلمان ولكم جميعاً بالشكر العميق لإتاحتكم الفرصة لي مرة أخرى لمخاطبة مجلسكم الكريم.

لقد جئتكم من فلسطين، التي يرزح شعبها تحت أطول احتلال عسكري في التاريخ المعاصر، فلسطين المثخنة بجراح أشرس وأعنف وأفظع عدوان عسكري، استهدف حياة الأطفال والنساء والشيوخ، كما استهدف بيوتهم وأرزاقهم ومزارعهم ومصانعهم ومدارسهم. استهدف مياه الشرب والصرف الصحي والكهرباء كما استهدف المستشفيات والمنشآت والطرق والجسور.

أيها السيدات والسادة،

نعم، لقد استهدفت الحرب الإسرائيلية أولاً وقبل كل شيء، حياة الشعب وبنيته التحتية ومستقبله، بل ومستقبل دولته الفلسطينية التي طالما عملنا معا ولازلنا من أجل تحقيقها.

لقد شاهدتم وشاهد العالم معنا أشلاء الأطفال المبعثرة والمحروقة، كما سمعتم نداءات الرجال، واستغاثة الأطفال والنساء الذين فقدوا معظم أفراد عائلاتهم.

نعم لقد شاهدتم الأم التي قتلت مع طفليها وهي تحتضنهم بين ذراعيها، والأب الذي أخذت الصواريخ أرواح أطفاله الخمسة، والطفلة بعلوشة التي نامت مع شقيقاتها، واستيقظت على صوت الانفجارات التي قضت عليهم جميعاً، ومئات الأطفال الذين دمرت منازلهم على رؤوسهم.

كما شاهدتم مدرسة الفخورة التي اعتقد أهل جباليا أنها آمنة من الموت فلجئوا إليها، وكيف حصدت القذائف أرواح الأبرياء النازحين للمدرسة، فسقط جراء ذلك ما يزيد عن أربعين إنساناً كان لهم أهل وأسماء وقصص وحكايات وطموح وأمل، إضافة إلى ما يزيد عن المائة جريح لتسقط وللأسف الشديد مع أرواح هؤلاء الضحايا قيم الضمير الإنساني، ومبادئ الأمم المتحدة وواجباتها في حماية الأمن والسلم الدوليين.

وأنتم تذكرون أن مقرات الأمم المتحدة ومدارسها وعياداتها ومستودعاتها الغذائية والدوائية، لم تسلم من تلك الحرب المجنونة على شعبنا الأعزل الصامد في قطاع غزة.

جئتكم أيها السيدات والسادة من فلسطين، أحمل سؤال الطفل لؤي الذي فقد عينيه من القنابل الفسفورية.
من الذي سيعيد لعيني نور الحياة ولشعبي الحرية والسلام؟؟.

نعم أيها السيدات والسادة،

صور ومشاهد فظيعة، خلفتها تلك الحرب، وأدت إلى سقوط ما يزيد عن 1360 شهيدا، وأكثر من 5000 جريح، أغلبيتهم الساحقة من المدنيين الأبرياء، ونسبة عالية هم من الأطفال والنساء والمسنين وحوالي 500 من الجرحى لا زالوا في مرحلة الخطر الشديد يستشهد بعضهم يومياً هذا بالإضافة إلى التدمير الكامل لحوالي 4000 منزل وعمارة سكنية وما يقارب 20000 منزل آخر، وما يعنيه ذلك من تشرد أكثر من 90000 إنسان باتوا بلا مأوى ناهيك عن التدمير الواسع النطاق في شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والطرق والمنشآت الحيوية والمقرات الرسمية والأهلية.

لقد دمرت تلك الحرب الإسرائيلية على شعبنا ثمرة شقاء وعرق مئات الآلاف من الفلسطينيين طوال حياتهم، تماماً كما دمرت ما أنشأته السلطة الوطنية على مدار خمسة عشر عاماً من منشآت وبنية تحتية، كثير منها كانت مساهمات بلدانكم والبلدان الصديقة الأخرى.

هذا هو أيها السيدات والسادة مشهد ما خلفته الحرب على شعبنا، والذي يتوازى مع شكل آخر من العدوان على أرضنا ومزارعينا واقتصادنا الوطني يومياً في الضفة الغربية.

فالاستيطان الإسرائيلي لم يتوقف لحظة واحدة، بل استمر ببناء حائط الفصل العنصري، كما لم تتقلص الحواجز التي تحاصر مدن وقرى وبلدات ومخيمات الضفة الغربية بما فيها القدس، التي لا تزال مؤسساتها مغلقة حتى الآن منذ عام 2000.

بل على العكس من ذلك، فإن عطاءات الوحدات الاستيطانية تضاعفت سبعة عشر مرة في العام الماضي مقارنة مع العام الذي سبق عقد أنا بولس، كما زادت الحواجز العسكرية من 580 حاجزاً إلى 670 حاجزاً.

ولم تتوقف الاجتياحات العسكرية للمناطق الفلسطينية وما يرافقها من اعتقالات يومية واغتيالات للمواطنين في بعض الأحيان.

ذلك كله بالإضافة إلى إرهاب المستوطنين واعتداءاتهم المسلحة وحرقهم للمنازل كما حدث في مدينة الخليل ونابلس وغيرها من المناطق. وهجماتهم الإرهابية على الفلاحين في موسم الزيتون الذي يمثل لشعبنا رمز السلام والحياة وليس فقط مصدر الرزق الوحيد لعشرات الآلاف من العائلات الفلسطينية.

إن هذا المشهد المأساوي للعدوان الاستيطاني في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، يؤكد لنا وللعالم أجمع أن ما جرى ويجري هو عدوان على الشعب الفلسطيني بأسره، وعلى مستقبله وحقوقه الوطنية المشروعة، إنه عدوان وحرب على مستقبل السلام والجهود الدولية المخلصة التي بذلت وتبذل من أجل تحقيقه...

فالحصار الظالم على شعبنا في قطاع غزة وما استهدفته تلك الحرب، لم يكن سوى حلقة في سلسلة متواصلة لفصل قطاع غزة عن باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتكريس إقصائها عن الهدف الرئيسي لكل شعبنا والذي يتمثل في إنهاء الاحتلال بأكمله، ونيل الحرية وتقرير المصير، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي التي احتلت في العام 67 وعاصمتها القدس الشرقية.

وهذا ما تؤكده السياسة الاستيطانية المتصاعدة يومياً، رغم كل الجهود والاتفاقات والتفاهمات والتي تضمنها تقرير جورج ميتشل في عام 2001 والتي كان آخرها تفاهمات أنا بولس، التي وعدت الشعب الفلسطيني بدولة في نهاية عام 2008، ولم يكن ختام حصادها سوى حرب تدميرية لقطاع غزة وأخرى استيطانية في الضفة الغربية بما فيها القدس.

لقد أعلن العالم في أنا بولس فشل الحلول الأحادية والعسكرية، كما أعلن ضرورة التزام إسرائيل بوقف الأنشطة الاستيطانية ليمهد الطريق نحو عملية سياسية تنهي الاحتلال وتحقق وعد حل الدولتين فلسطين وإسرائيل، ولكن التجربة الواقعية تظهر لنا أن إسرائيل لا زالت أسيرة العقلية العسكرية والاستيطانية، وإن تحدث قادتها عن حل الدولتين.

لابد من وقف التعامل مع إسرائيل وكأنها دولة فوق القانون أو المساءلة القانونية، أو دولة فوق القانون الدولي. لا بد من وضع حد لذلك، ولا بد من مساءلة قادة إسرائيل عن انتهاكاتهم للقانون الدولي والإنساني.

وفي نفس الوقت فإننا نؤكد أن ضمان نجاح عمليات الإغاثة العاجلة، والإيواء السريع للعائلات التي دمرت منازلهم، يتطلب رفع الحصار وفتح المعابر، وإلزام إسرائيل بتنفيذ اتفاقية المرور والحركة لعام 2005، وبما يضمن تدفق المواد الإغاثية والمعدات اللازمة لإعادة الإعمار، وكذلك حركة البضائع والأفراد بشكل طبيعي.

وهذا ينطبق على معابر قطاع غزة كافة، وليس فقط معبر رفح، كما ينطبق على حرية الحركة في الضفة الغربية والممر الآمن بين الضفة والقطاع، لتأكيد وحدة الأراضي الفلسطينية، ووحدة اقتصادها.

وهنا أود أن أتوجه بالتحية الخاصة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونوروا على عملها المتواصل بالرغم من كل المعوقات من أجل مساعدة شعبنا، وأدعوكم وباقي المنظمات الدولية لدعمها في كافة المجالات.

 السيدات والسادة،

أن المصالحة الوطنية وتشكيل حكومة وفاق وطني تشكل إحدى أولوياتنا، لقد فتحنا الباب أمام تلك المصالحة التي تنهي الانقسام والانقلاب وتداعيات الفصل بين غزة والضفة الغربية، وحذرنا من الوقوع في هذا الفخ الذي تسعى إسرائيل إلى إيقاعنا فيه.

ولذلك بادرنا في بداية حزيران من العام الماضي إلى الدعوة للدخول في حوار دون شروط، وقبلنا ورقة العمل المصرية، ولا زال الباب مفتوحاً أمام ذلك، ولن نسمح بتجزئة مصير شعبنا أو وحدته الجغرافية، وسنواصل سعينا الدؤوب من أجل معالجة كل خروج على الوحدة، والتصدي لكل محاولة تستهدف الانفصال، فنحن ندرك نوايا وخطط القوى والتيارات الإقليمية التي تدعم الانفصال وتشجع عليه.

فهذه القوى وللأسف لا تمارس سوى ما يعطل الحل المصري للخلاف الداخلي، وهو الحل المدعوم عربياً من قبل جامعة الدول العربية، وقرار مجلس الأمن رقم 1860 والذي شاركت فيه مع العديد من الوزراء العرب والأوروبيين.

وأؤكد إننا سنواصل جهدنا الأكبر نحو هدفنا الأسمى لحل قضيتنا الوطنية، لأن بقاء الوضع الراهن يضع أمن واستقرار شعوب المنطقة أمام مصير مجهول، ويترك شعوبنا فريسة لسياسة الحرب والاحتلال والعدوان والتطرف.

وعندما نتوصل إلى حكومة وحدة وطنية وفقاً لبرنامج مستند إلى المرجعيات العربية والدولية، بما يُمَكِن هذه الحكومة من الإشراف الفوري على المعابر، وعمليات الإغاثة وإعادة الإعمار، وترسيخ الأمن والاستقرار والنظام العام، لما فيه مصلحة شعبنا والتحضير لانتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة، عند ذلك آمل أن تقوموا بدعمها والتعامل معها.

والمساعدة على تنظيم تلك الانتخابات ومراقبتها مثلما فعلتم في انتخابات عام 1996 وعام 2006، وكذلك مساعدتنا على إطلاق سراح رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، وجميع النواب المعتقلين لدى إسرائيل فوراً.

السيدات والسادة،

إن جوهر الصراع الدائر في منطقتنا يتمثل بالاحتلال الإسرائيلي، وهو صراع يدور بين طموحات وتطلعات شعبنا ونضاله للخلاص من هذا الاحتلال، وبين محاولات إسرائيل للقضاء على هذه التطلعات وكذلك تعطيل الجهود الدولية التي تبذل لتحقيق ذلك بالطرق السلمية..

إن شعبي يتطلع إليكم وإلى كل الدول والشعوب المحبة للعدل والسلام، ويسألكم أما آن الأوان كي يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته السياسية والقانونية والأخلاقية من أجل توفير الحماية الدولية له وتمكينه من الخلاص من هذا الاحتلال والعيش بحرية وسلام؟.

وهنا أريد أن أؤكد مجدداً على مطلبنا ومطلبكم بإرسال قوات حماية دولية لحماية شعبنا.

السيدات والسادة،

يجري الحديث عن جهد عربي ودولي لإعادة أعمار قطاع غزه. وهنا ومع تأكيدنا على ضرورة إنجاز ذلك وبأقصى سرعة ممكنة، كي نعيد الأمل والثقة لشعبنا بأنه ليس وحيداً، ولكننا نتساءل إلى متى ستظل إسرائيل طليقة اليدين، لتدمير مقدرات وممتلكات شعبنا وبنيته التحتية؟

لذلك يتوجب على المجتمع الدولي منع تكرار ما حدث، وإلزام إسرائيل بوقف سياساتها التدميرية.

وفي هذا المجال أتقدم بالشكر لدعم البرلمان الأوروبي للمفوضية الأوروبية، التي تقوم بمساعدتنا لبناء مؤسسات الدولة الفلسطينية القادمة.

ونؤكد هنا على أن استئناف مفاوضات جادة وشاملة، لا يمكن القبول بها دون الوقف الكامل للاستيطان بما في ذلك ما يسمى بالنمو الطبيعي وإزالة البؤر الاستيطانية، والرفع الكامل لكل أشكال الحصار.

وهنا فإنني أؤكد لكم أن ما حققته الحكومة الفلسطينية من إنجازات ملموسة على صعيد استعادة الأمن والنظام العام والاستقرار، لا يمكن القفز عنه أو تجاهله من أي كان، وأن على إسرائيل الالتزام بالاستحقاقات المطلوبة منها، والتوقف عن تقويض جهود الحكومة الفلسطينية عبر الاجتياحات والاعتقالات واحترام المكانة القانونية والأمنية للسلطة الفلسطينية، وتمكين الحكومة من تنفيذ المشاريع الحيوية للاقتصاد الوطني دون خلق ذرائع من نوع ما يسمى بمناطق "ج" أو غيرها من العراقيل.

لم يعد بالإمكان التفاوض على مبدأ إنهاء الاحتلال، فالمطلوب ضمان أن تفضي أي عملية تفاوضية إلى الخلاص الكامل من الاحتلال، عن الأراضي المحتلة منذ 5 حزيران1967 كافة كما نصت على ذلك خطة خارطة الطريق.

كما أنه لا يمكن أن نعود إلى التفاوض حول القضايا الجزئية والفرعية بينما القضية الرئيسة وهي قضية إنهاء الاحتلال غائبة، بل ويتم التوسع الاستيطاني بشكل محموم لتكريس الاحتلال وتثبيته، وكذلك يستمر أيضا اعتقال 11 ألف أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية.

إن ذلك وذلك فقط هو الذي يعيد لعملية السلام والسلام برمته المصداقية لدى شعبنا وكل شعوب المنطقة إن ما هو مطلوب أيها السيدات والسادة ليس فقط إعادة إعمار قطاع غزة بل وكذلك إعادة إعمار عملية السلام ذاتها وهذه مسؤوليتنا جميعاً...

وإن على أوروبا التي وقفت وتقف إلى جانب مبادئ العدل والسلام في منطقتنا والعالم، اليوم وأكثر من أي وقت مضى أن تؤكد دورها هذا بشراكة واضحة وكاملة مع إدارة الرئيس أوباما وباقي أطراف اللجنة الرباعية والمجتمع الدولي.

فمجيء الرئيس أوباما ومواقفه التي أعلن عنها، بما فيها مبادرته منذ اليوم الأول بتعيين السيد جورج ميتشل كمبعوث خاص، هي أمور مشجعة لكي نصوب مسار المفاوضات والعملية السياسية برمتها.

وأود القول بكل صراحة أن قرارنا العربي هو عرض مبادرة السلام العربية التي أصبحت مبادرة سلام إسلامية لا بد من تطبيقها بالكامل، التي هي جزء من خطة خارطة الطريق، تلك الخطة التي اعتمدت في مجلس الأمن وفق القرار 1515، وليس للانتقاء منها أو التفاوض حول أسسها المستندة إلى الشرعية الدولية، إن هذا العرض هو آخر فرصة جدية للسلام الحقيقي والعادل في منطقتنا. وعلى جميع الأطراف وخاصة إسرائيل واللجنة الرباعية الدولية أن تقول كلمتها الواضحة في هذا الشأن.

وهنا لابد من الإشارة إلى أن مبادرة السلام العربية، أصبحت مبادرة سلام إسلامية وملخصها الأرض مقابل السلام، أول مبدأ قيل في مدريد الأرض مقابل السلام، عندما تنسحب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة سيكون هناك 57 دولة إسلامية وعربية مستعدة لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وهي فرصة تاريخية يجب أن لا تفوت.

السيدات والسادة،

لقد هزت مشاهد القتل والدمار مشاعر وضمير الملايين من شعوب العالم بما في ذلك الشعوب الأوروبية الصديقة، وإذ نقدر ويقدر شعبنا لها وقفة الضمير الإنساني الحي فإننا نؤكد لهم جميعاً أن شعب فلسطين لن تُكسر إرادته في الحرية والحياة، وهو يتطلع إلى وقوفكم معه في نضاله، من أجل تأمين حقه في الحرية والاستقلال، ليكون قادراً على بناء مستقبله وترميم ما لحق من تنكيل بأطفاله الذين لهم الحق كما كل أطفال العالم، في حياة آمنة ومدارس متقدمة وآمنة، ومستقبل مشرق وآمن، في أرض وطنهم الذي يستحق الحياة والأمن.

أيها السيدات  والسادة،

طالما ردد شاعرنا الكبير محمود درويش على هذه الأرض ما يستحق الحياة، وفي هذه المناسبة لا يفوتني أن أتقدم لكم بجزيل الشكر والتقدير من شعب هذا الشاعر العظيم على احتضان برلمانكم لفعاليات تكريمه وتخليده.

إنه رمز الوطنية الفلسطينية وشاعر الإنسانية محمود درويش. ولمحمود أقول قصيدته التي لم تكتب بعد عن أطفال غزة وعذابهم وآمالهم سيكتبها شاعر من هؤلاء الأطفال الذين حملوا رايته كما حمل هو قضيتهم وأحلامهم الصغيرة.

أشكر لكم مرة أخرى حسن استماعكم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 


خطاب السيد الرئيس في حفل إطلاق فعاليات احتفالية القدس
عاصمة الثقافة العربية 2009- بيت لحم

21/3/2009

بسم الله الرحمن الرحيم
"الحمد الله وسلامٌ على عباده الذين اصطفى"
"سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى
الذي باركنا حوله"
صدق الله العظيم
أصحاب المعالي والسمو والسعادة والفضيلة والنيافة،
 أيها الإخوة  والأصدقاء،
ضيوفنا الكرام،

نلتقي اليوم في العيد الحقيقي للثقافة العربية والإنسانية، عندما نحتفل تحت ظِل عاصمتنا ورمزنا وقلب شعبنا النابض، قُدسنا الشريف أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومهد سيدنا المسيح عليه السلام، هذه المدينة المباركة المقدسة التي ظلت صامدة على مدى العصور والأزمنة، تصنع التاريخ وتحميه من بطش كل أنواع الغزاة والطامعين، وترفع راية التسامح والمحبة والإخاء، وتصمد في وجه جميع الأعاصير والمِحن، وتُعلي كلمة الله عزّ وجل لكل الشعوب، ولكل قلبٍ مؤمنٍ يتطلع نحو رحمة السماء ويرفض ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.

نلتقي اليوم في رحاب بيت لحم، توأم القدس وبوابتها، وعنوان الإخلاص الأبدي لرسالة الأنبياء والرُسل، الذين رفعوا على مدى الدهور راية القيم الإنسانية السامية، وقاوموا كل اضطهاد مهما كان لونه أو طبيعته، فباسم القدس الشريف، مهد النبوات وملتقى الرسل، نُعلن اليوم أننا سنظل مخلصين لتلك الرسالة الخالدة نَحملها جيلاً بعد جيل، وباسم بيت لحم والخليل وغزة ورام الله ونابلس وجنين وخان يونس ورفح وكل مدينة وقرية في وطننا الواحد الموحد، نقول للقدس أنتِ مِفتاحُ السلام للبشر، وأنتِ أمل كل الفلسطينيين والعرب، أنتِ دُرة التاج وأنتِ عنوان العدل والسلام الذي تحتاجه هذه الأرض المقدسة والمعذبة، هذا العدل الذي لن يعود إلاّ بقيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وهذا السلام الذي لن يسود إلا إذا زالت من حياتنا وذاكرتنا آلام ومعاناة اللجوء والتشرد لملايين اللاجئين من شعبنا.

إننا نعتز اليوم لأن كل عواصم العرب، بل وكل عواصم العالم بأسره، تحتفل بالقدس وبجميع ما ترمز إليه من انفتاح إنساني وتعددية ثقافية، وترفض سلب القدس طابعها هذا عبر التهويد القسري لأحيائها وشوارعها التي يشهد عليها التاريخ بأنها تنبذ كل تعصب وانغلاق، أو فرض لون ثقافي وديني واحد عليها، على النقيض من خيارها على مدى العصور.

ولذا نقول اليوم باسم عالم يحترم التعددية والانفتاح، وتآخي الثقافات وتجاورها مع بعضها البعض، نقول إن سياسة التمييز والقهر وسلب الأرض وهدم الأحياء والبيوت، سياسة تزوير الماضي وتدمير الحاضر وسرقة المستقبل، يجب أن تتوقف كلها، إذا كان السلام يمتلك فرصة حقيقة على هذه الأرض.

وأتوجه اليوم كذلك إلى أمتنا وأشقائنا، والى كل من يعمل من أجل أن تتخلص هذه الأرض من عذابها، أتوجه إليكم لأقول لكم كحريصين على الدفاع عن السلام، دافعوا عن القدس وعن طابعها ومكانتها عاصمة لفلسطين وللتآخي والترابط الإنساني.

وما دمنا نطمح جميعاً إلى العبور نحو عالم يخلو من المآسي والحروب، فالقدس هي البداية وهي العنوان، وهي الأول والآخر.

إننا نعتزُ اليوم بهذا الحضور الكريم من أشقائنا الوزراء العرب، وبهذا الحشد الكريم من ممثلي الدول الشقيقة والصديقة، ومن رجال الدين الأجلاء، وأبناء هذا الوطن الغالي الذين تجمعّوا اليوم حتى يؤكدوا أن القدس ليست وحدها ولن تكون، وأن رجالها ونساءها الصامدين كجزء حي من هذا الشعب العظيم هم في مقدمة اهتمامنا ولهم كل دعمنا ومساندتنا، حتى يزول الاحتلال عن كل شبر من أرض الوطن ويرحل الاستيطان إلى الأبد، وتنتهي عهود التمييز والتطهير العرقي والحصار وجدران العزل العنصري التي صارت تطوّق عاصمتنا ووطننا، وتمثل حاجزاً أمام السلام والعدل.

وأود في هذا اليوم الذي يتميز كذلك بأنه عيد لأرفع أنواع الحب وأخلصها، عيد الأم، الذي يحمل معه أيضاً ذكرى يوم نضالي خالد هو يوم الكرامة الباسل الذي وقف فيه الجيش الأردني الشقيق البطل يدافع عن القضية الفلسطينية، وأود أن أؤكد أن شعب فلسطين بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ممثله الشرعي والوحيد، لن يتخلى عن وعد العالم له، ولن يتنازل عن عهد العرب الذي أكدوا عليه من خلال مبادرة السلام العربية، بأن يواصل كفاحه حتى يقيم السلام العادل، سلامَ الشجعان، الذي أجمعنا عليه في كل محفل دولي، سلاماً يستند إلى حل الدولتين، بقيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف على حدود الرابع من حزيران عام 1967. 

ولا بد لي من الإشارة كذلك، إلى أن على أية حكومة جديدة في إسرائيل أن تؤكد من جديد جديتها في السير على طريق السلام، من خلال قبول صريح لحل الدولتين ولخطة خارطة الطريق، ولجميع الالتزامات التي توصلنا إليها في الماضي، وقرارات الشرعية الدولية التي حددت كلها وبوضوح أُسس حل هذا الصراع، كما أؤكد أنه بدون وقف الاستيطان وقفاً تاماً في القدس وفي جميع أرجاء أرضنا المحتلة، فلن تكون هناك فرصة لبدء مفاوضات جادة ومثمرة، بل إننا في تلك الحالة سوف نغرق أكثر فأكثر في الدوامة التي زرعت انعدام الثقة واليأس والإحباط، ومهدت الطريق أمام العنف والحقد والكراهية.

إن من يريد مفاوضات نزيهةً، وعلاقات يسودها حسنُ الجوار والسلامُ الدائمُ ليس فقط مع فلسطين بل مع عالم عربي وإسلامي واسع، سوف يجدنا مستعدين ويدنا ممدودة، ولكن بعيداً عن التوسع والاستيطان وهدم البيوت وتشريد أصحابها وعن العدوان وغطرسة القوة التي شهدنا آخر وأبشع نموذج لها من خلال العدوان الأخير على شعبنا في قطاع غزة.

ولا بد أن نتذكر اليوم سلوان أحد أحياء القدس المهددة بالتدمير والاجتياح والتهويد، لكننا سنبقى على أرضنا صامدين، ولن نسمح أبدا للإسرائيليين أن يخرجونا من بيوتنا.

لقد شكل ذلك العدوان محطة مفصلية ونوعية، صار علينا بموجبها أن نسأل العالم كله، إلى متى يستمر مسلسل المذابح والدمار والخراب؟ أولا يستحق شعبنا المعذب مستقبلاً من التحرر والاستقلال والبناء السلمي والازدهار والتقدم مثل بقية الشعوب؟ ألسنا كبقية الشعوب، ألا نستحق الاستقلال، ألا نستحق دولة مستقلة عليها علم، بل نستحق ونستحق وسنحصل عليها يوماً ما.

إن الآلاف من الضحايا في غزة الجريحة هم شهود على مدى الظلم الفادح والاضطهاد الدموي والاستهانة بحياة البشر البسطاء والعزل الذي تعرضنا وما زلنا نتعرض له.

إننا سنواصل العمل بلا هوادة من أجل رفع الحصار عن شعبنا في الضفة الغربية وقطاع غزة، حتى تُفتح بوابات الأمل الإنساني الحقيقي وينتهي إغلاق المعابر، وتُزال مئات الحواجز، وتسقط جدران العزل العنصري.

وسوف نعمل بكل ما أوتينا من طاقة حتى تتحقق هدنة فعالة تحمي شعبنا من تجدد العدوان، وتحول دون إراقة دم طفل جديد أو إبادة عائلة أخرى أو تدمير قرى وبلدات بأكملها كما حصل في الحرب العدوانية ضد غزة الباسلة.

وهنا، فإنه لا بد لي أن أتوجه بالتقدير والشكر إلى الحشد العالمي الذي اجتمع في مؤتمر شرم الشيخ، والذي عبر عن استعداد العالم كله للبدء في عملية إعادة إعمار قطاع غزة، وأكد ثقته المطلقة بسلطتنا وبحكومتنا التي كرست قواعد الكفاءة والنزاهة والشفافية، عندما قدمت إلى العالم خطة عملية وواقعية لإعادة الإعمار تم تبنيها من مؤتمر شرم الشيخ بالإجماع.

إنني في هذه المناسبة أُعبر عن خالص التقدير لحكومتنا الفلسطينية برئاسة الدكتور سلام فياض، لأنها تمكنت وفي أصعب الظروف بعد الانقلاب، الذي حصل قبل حوالي عامين، أن ترسي قواعد راسخة للبناء والإصلاح والتقدم في جميع المجالات الاقتصادية والإدارية والأمنية والاجتماعية والثقافية، وسوف نواصل العمل على ذات الطريق ووفق ذات الرؤية والأهداف والتوجيهات.

السيدات والسادة،

أُشير هنا إلى أن الثقافة لعبت دوراً جوهرياً وأساسياً في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني، وكان شُعراؤها وكُتّابها ومثقفوها، طلائعيين ومُبشرين بالثورة وكانوا جزءاً أصيلاً من نسيجها. ونحن إذ نفتخر ونعتز بهذا الدور، نحرص على دعم النشاطات الثقافية ونفتخر بما تحقق ويتحقق من نهضةٍ ثقافيةٍ في مجالات عديدة في بلادنا.

وأخيراً أؤكد من جديد أن طريق الحوار والمصالحة الوطنية الذي ترعاه الشقيقة مصر لا يمكن إغلاقه أو تعطيله، وأن التوصل إلى حل حقيقي للانقسام الداخلي هو في مقدمة أهدافنا، وصولاً إلى إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية حرة وديمقراطية ونزيهة خلال الأشهر القادمة، نطوي بموجبها صفحة الانقسام والصراع الداخلي غير المسؤول وسفك الدم الفلسطيني بأيد فلسطينية.

ولا بد كذلك من التوصل إلى اتفاق نتمكن بموجبه من إقامة حكومة توافق وطني غير فصائلية تلتزم بالتزامات منظمة التحرير الفلسطينية التي تمثل مرجعية السلطة والحكومة وكلّ مؤسساتنا، وممثل شعبنا الشرعي والوحيد، هذه المنظمة التي ظلت على الدوام الميدان الرحب الذي يحتوي كل تيارات شعبنا وجميع ألوان الطيف السياسي الفلسطيني بدون تمييز، ومن هنا نشجب ونرفض ولا نقبل ولن نقبل كل الدعوات التي ظهرت تدعو إلى إقامة بديل عن منظمة التحرير الفلسطينية، ولن نقبل بها أبداً.

أيها الإخوة والأصدقاء باسم القدس عاصمة فلسطين بمسيحييها ومسلميها، وباسم فلسطين وقدسها الشريف، رمز التلاحم العربي، والوفاء الإنساني لرسالات السماء إلى البشر، نؤكد اليوم لكم أن عهد فلسطين وشعبها باقٍ، فنحن صامدون على هذه الأرض، أرض وطننا، وسنحميها بالعزم والبناء والتصميم.

نحن صامدون لأن قدر هذا الشعب العظيم أن يبقى متمسكاً بأرض بلاده يحميها ويذود عنها حتى يأتي يوم الحرية والاستقلال، مُؤمناً بأن على "هذه الأرض ما يستحق الحياة" كما قال شاعرنا الكبير محمود درويش.

أربعون عاماً مرت والقدس عصية على الاضطهاد، بل هي توحد ولا تفرق وها هي اليوم تقول للعالم ولكل العواصم، إن رسالتي هي السلام، السلام العادل والمشرف والدائم، ولن نتخلى أبداً عن هذه الرسالة.

 

 

 

 

خطاب السيد الرئيس في الذكرى الحادية والستين للنكبة رام الله

14/5/2009

بسم الله الرحمن الرحيم
يا أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن والمنافي والشتات،
أخواتي وإخواني الأحباء،

واحد وستون عاماً مضت على النكبة التي حلت بشعبنا لتشكل مأساة لم يشهد التاريخ مثيلاً لها، ولا زالت صورها ماثلة إلى يومنا هذا من اقتلاع وتشريد وقتل وسجون ومحاولة لمحو هويتنا وشطب وجودنا وبالرغم من ذلك لم تفقدنا كل هذه العذابات الثقة بأنفسنا وبعدالة قضيتنا، ولم تهن من عزيمتنا وتمسكنا بحقوقنا التي كفلتها لنا  الشرعية الدولية.

أتوجه إليكم جميعاً في هذا اليوم الذي نُحيي فيه الذكرى الحادية والستين للنكبة، بمشاعر الألم والأمل، وأُجدد لكم العهد بأننا مُتمسكون بثوابتنا الوطنية، بإقامة دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وبحق لاجئينا في العودة ضمن حل عادل ومتفق عليه وفقا للقرار 194، فهذه ثوابت لا تنازل ولا مساومة عليها، وهي حقوق لنا أكدت عليها قرارات الأمم المتحدة وكل المبادرات الدولية من خطة خارطة الطريق وحتى أنابوليس، كما أنها جوهر مبادرة السلام العربية التي نتمسك بها، ونُطالب كل الأطراف بتبنيها وتطبيقها.

واحد وستون عاماً حاولت إسرائيل خلالها بكافة الوسائل إجبار الفلسطينيين على الاستسلام، وطمس هويتهم الوطنية، ولكننا هنا باقون، ومتجذرون في هذه الأرض، متشبثون بحقوقنا ومصممون على التخلص من الاحتلال البغيض.

يا أبناء شعبنا في الوطن والشتات،

نعلم أن العقبات كثيرة. ولعل أخطرها ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية اليوم، من تصعيد غير مسبوق لنشاطها الاستيطاني، الذي يستهدف الوجود العربي والإسلامي والمسيحي في القدس المحتلة، عبر استكمال  بناء جدار الفصل العنصري، وهدم منازل المواطنين  الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم، وسحب هوياتهم، وصولاً إلى تعريض المسجد الأقصى المبارك للخطر.

ولكننا كنا وما زلنا نُطالب بأعلى صوتنا أن على إسرائيل أن تلتزم بالإرادة الدولية وتتوقف فوراً عن هذه السياسة التي لن تؤدي إلا لاستمرار العنف، بل تصعيده ليشمل المنطقة بأسرها. وقد آن الأوان لأن تستجيب إسرائيل لنداء السلام العادل والشامل وتحقيق المصالحة التاريخية بين الشعبين على هذه الأرض المقدسة والمعذبة.

وليتذكر الجميع اليوم، وفي هذه المناسبة بأنه في الفاتح من يناير عام 1965 نهض شعبنا وأبطاله الميامين من تحت ركام النكبة، عندما كان يتراءى للبعض أن قضية فلسطين قد انتهت وأنها في أحسن الأحوال قضية لاجئين بأبعاد إنسانية.

فإذا بكوكبة من شباب فلسطين بقيادة قائدنا وشهيدنا الراحل ياسر عرفات تنهض كطائر الفينيق، فتحول ما كان يبدو مستحيلاً إلى واقع وحقيقة، وتقود منظمة التحرير الفلسطينية ممثل شعبنا الشرعي والوحيد، النضال بمختلف أشكاله، وفي كل الساحات، حتى تحقق بفضل هذا النضال الاعتراف بحق شعبنا في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة.

أيتها الأخوات والإخوة في كل مدينة وقرية ومخيم في الوطن والشتات،

إن عقارب الساعة لن تعود أبداً إلى الوراء، ولن تذهب دماء الآلاف من شهدائنا هدراً، ولا عذابات الآلاف من أسرانا البواسل، فالاحتلال إلى زوال، والحرية قادمة بكل معانيها وأبعادها، وستقوم دولة فلسطين المستقلة، وسيأتي غد لن يبقى فيه لاجئ فلسطيني واحد يعاني في منافي التشرد، ولا أسير واحد في زنازين المحتل.

لم نحقق ما حققناه بالتمنيات وإنما بالعمل الجاد، وباستعمال العقل والحكمة.

إن مسيرتنا لا زالت مستمرة لتحقيق أهدافنا. ومن أولى متطلبات انجاز ذلك، الحفاظ على وحدتنا الوطنية، وإحباط كل محاولة للمساس بشرعية تمثيل شعبنا.

ولهذا فإن استعادة وحدة الوطن، وإنهاء حالة الانقسام والانفصال في غزة هاشم، قطاعِنا الحبيب الذي مثل مدرسة في الصمود والإباء والتضحية ضد الاحتلال الغازي الإسرائيلي والهجمات الإسرائيلية التي وقعت وتقع عليه، هو أول ما نسعى إلى تحقيقه من خلال الحوار الوطني الذي ترعاه مشكورة الشقيقة مصر.

فوحدتنا الوطنية وتمتين علاقاتنا مع أشقائنا العرب، وكسب أوسع تأييد دولي لقضيتنا، هي متطلبات لا غنى عنها لتحقيق النصر.

لقد تعلمنا من تجاربنا دروساً يجب أن لا ننساها وأهمها عدم الانجرار إلى محاور أو السماح باستعمال قضيتنا في خدمة أجندات، سواء كانت إقليمية أو غير إقليمية.

إنني على ثقة اليوم وبعد واحد وستين عاماً من النكبة بأن الفجر آتٍ، وبأن الدولة قادمة، هذه حتمية التاريخ. إن كل احتلال إلى زوال، ولا يضيع حق وراءه مُطَالِب.

إننا ننشد السلام العادل، وعلى قادة إسرائيل بعد كل هذه السنين، أن يُدركوا بأن القوة مهما عظمت، لن تحل هذا الصراع. وبأن الاستيطان والحواجز والجدار والحصار، لن تقتل إرادة الشعب الفلسطيني وتصميمه على نيل حريته واستقلاله.

فلنوفر على شعوبنا المعاناة ونختصر الزمن، لنحقق ما يضمن الحياة الآمنة والاستقرار والازدهار لشعبنا ولكل شعوب المنطقة.

إن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وحل قضية اللاجئين وفق مبادرة السلام العربية، سيكون الحد الأدنى لرفع الظلم التاريخي الذي أوقعته النكبة بشعبنا المناضل.

أيتها الأخوات والأخوة،
يا أبناء فلسطين في كل مكان،

في هذه الذكرى نترحم على أرواح شهدائنا الأبرار وعلى رأسهم شهيدنا الخالد أبو عمار. ونتقدم بالتحية إلى أسرانا البواسل وعائلات الشهداء والأسرى. ونُجدد العهد بمواصلة المسيرة حتى قيام دولتنا المستقلة، دولة فلسطين الحرة الأبية بعاصمتها القدس الشريف، وتحرير جميع الأسرى وعودتهم إلى أهلهم وذويهم.

وستبقى أعلام فلسطين مرتفعة عالياً على رُبى وجبال وشواطئ بلدنا العظيم، وستعلو في يوم قريب فوق أسوار قدسنا الشريف والأقصى المبارك وكنيسة القيامة وكل موقع مقدس وعزيز في وطننا.

فإلى الأمام يا شعبنا المناضل، وليكن الصمود والإصرار والثبات هو عنوان مسيرتنا كما كنا منذ أكثر من أربعين عاما،ً منذ انطلقت ثورتنا المباركة.        

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

خطاب السيد الرئيس في ذكرى تأسيس الأونروا نيويورك

24/9/2009

معالي الدكتور علي عبد السلام التريكي،
رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة،
السيدة كارين أبو زيد، المفوض العام لوكالة الأونروا،
أصحاب السعادة،
السيدات والسادة،

انه لشرف بالنسبة لي، نيابة عن الشعب الفلسطيني وقيادته، أن أنضم إليكم في الاحتفال بالذكرى السنوية الستين لإنشاء وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا).

هذه المناسبة هي فرصة لنا لنؤكد من جديد عن عميق امتناننا وتقديرنا للأمم المتحدة، وبشكل خاص لوكالة الأونروا، والمفوضين العامين وجميع موظفي الوكالة، وللمجتمع الدولي بأسره على دعمهم اللامحدود وعلى تقديم المساعدة إلى اللاجئين الفلسطينيين على مدى السنوات الستين الماضية.

في الوقت نفسه، فإنها مناسبة للتفكير الجاد إزاء محنة طال أمدها، واستمرار معاناة اللاجئين الفلسطينيين، وهي السبب في إنشاء هذه الوكالة الهامة واستمرار وجودها.

بل هي أيضا مناسبة لتجديد الالتزام بوضع حد لهذه المأساة وإيجاد حل عادل ودائم ومتفق عليه لمحنة اللاجئين الفلسطينيين وفقا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وهو أمر حتمي لتحقيق السلام العادل والدائم والشامل في المنطقة.

أصحاب السعادة،
السيدات والسادة،

إن محنة اللاجئين الفلسطينيين، الذين أصبح عددهم الآن 4.7 مليون شخص ويشكلون أكثر من نصف الشعب الفلسطيني في جميع أنحاء العالم، لا تزال هي عنوان نكبة الشعب الفلسطيني وصلب الرواية التاريخية الفلسطينية والبحث عن العدالة والسلام.

للأسف، فإن الشعب الفلسطيني لا يزال يعاني من جراء الظلم الفادح الذي لحق به في عام1948  عام النكبة، والتي حدثت في أعقاب تقسيم فلسطين الانتداب وإعلان قيام دولة إسرائيل والتي أدت إلى تهجير الغالبية العظمى من السكان الفلسطينيين بالقوة أو خروجهم خوفا من منازلهم وقراهم.

وهم مشردين معدومين الجنسية ومحرومين من ممتلكاتهم. وأنهم حتى يومنا هذا في انتظار حل عادل لمحنتهم على أساس قرار الجمعية العامة 194 الصادر في 11 كانون الأول/ديسمبر عام 1948، والذي أكد بشكل لا لبس فيه على حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم والعيش في سلام مع جيرانهم، والحصول على تعويض عادل، وفقا لمبادئ القانون الدولي.

لقد كان إنشاء وكالة الأونروا من قبل الجمعية العامة في قرارها 302 (رابعا) المؤرخ 8 كانون الأول/ ديسمبر 1949 في أعقاب النكبة  شاهداً على اعتراف المجتمع الدولي بخطورة الأزمة وضرورة العمل بشكل جماعي لمواجهة هذه الكارثة الإنسانية لحين إيجاد حل عادل لها.

ومن المهم أن نشير إلى أن وكالة الأونروا أنشئت بوصفها وسيلة مؤقتة لمعالجة أزمة اللاجئين الفلسطينيين zzz*zدون المساس بأحكام الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة 194 zzz*z، لمنع حالات البؤس بين اللاجئين ولخلق ظروف ملائمة للسلام والاستقرار.

أصحاب السعادة،
السيدات والسادة،

كما نُدرك جميعاً، فقد ثبت أن المساعدة الإنسانية والتنموية التي تقدمها وكالة الأونروا للاجئين الفلسطينيين في جميع أنحاء المنطقة لاغنى عنها لتحقيق الرفاه للاجئين، وكذلك لتحقيق الاستقرار في المنطقة، بما في ذلك، وخاصة خلال فترات الصراع والأزمات والاضطرابات، وكان آخرها الأزمة التي وقعت في مخيم نهر البارد في لبنان والعدوان العسكري الإسرائيلي الوحشي الأخير ضد شعبنا في قطاع غزة، حيث  لا يزال غالبية السكان من اللاجئين أطفالا ونساء ورجال ومسنين ومعوقين يعانون بشكل كبير من العقاب الجماعي والحصار اللاإنساني الذي تفرضه إسرائيل مما زاد من تفاقم البؤس والمشقة.

ولم تسلم وكالة الأونروا من العدوان العسكري الإسرائيلي الوحشي حيث تعمدت إسرائيل استهداف منشاّتها ومرافقها في قطاع غزة ، بما في ذلك المدارس التي كان معروفا أن السكان المدنيين اتخذوها مأوى لهم .

لقد ساهمت المساعدات التعليمية والصحية والاجتماعية الطارئة التي تقدمها وكالة الأونروا للاجئين الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين في الأردن ولبنان وسوريا وفي الضفة الغربية وقطاع غزة في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، بشكل كبير وحاسم في التخفيف من معاناتهم ومحنتهم.

كما يواجه اللاجئين صعوبات خطيرة، بما في ذلك حالات الفقر، والظروف المعيشية القاسية، وتكرار التشرد والخسائر. وهنا كان لوكالة الأونروا وجود مستمر بينهم وعامل استقرار في حياتهم. وبالإضافة إلى تقديم الإغاثة وتوفير فرص للاجئين لتحقيق التنمية البشرية، فقد ساعدت الوكالة في الحفاظ على حقوقهم وحمايتهم وتوفير ملاذ آمن لهم في أوقات الصراعات العنيفة كشاهد على نكبتهم .

وهكذا، قامت وكالة الأونروا على مدى العقود الستة الماضية، وبشكل مستمر، وبشرف وبما يستحق الثناء، بالاضطلاع بالولاية الموكلة إليها.

وأحدثت خدماتها ومساعداتها إلى أقصى حد ممكن تغييرا كبيرا في حياة اللاجئين، فضلا عن مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين نزحوا من ديارهم في عام 1967 من قبل إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال.

لهذا فإنني  اليوم أعبر مجددا لوكالة الأونروا عن عميق امتنان وتقدير الشعب الفلسطيني وقيادته.

كما أننا نشيد ونعرب عن خالص شكرنا للمفوضين العامين لوكالة الأونروا الذين أدوا مهامهم على مر السنين  بشكل مبدئي وبتفانٍ كبير، كما يتضح منك أنت، المفوض العام السيدة كارين أبو زيد.

إننا  نُعرب أيضا عن تقديرنا للموظفين الدوليين والآلاف من الرجال والنساء من موظفي الوكالة المحليين لالتزامهم بالولاية النبيلة للأونروا ولجهودهم الدؤوبة لمساعدة اللاجئين على الرغم من التحديات العديدة التي تواجههم، بما في ذلك في ظروف تشكل خطراً على حياتهم.

في نفس الوقت، فإنني أكرر شكرنا الكبير لأشقائنا وللبلدان المضيفة والبلدان التي وفرت الإقامة وسبل العيش والرعاية للاجئين الفلسطينيين على مدى عقود طويلة.

إن الجهود المتواصلة التي يبذلها الأردن ولبنان وسوريا لدعم وتسهيل عمل الوكالة هي موضع تقديرنا البالغ، ونحن ممتنون للمساهمة التي تقدمها كل الدول الشقيقة للتخفيف من معاناة اللاجئين والحفاظ على تطلعاتهم المشروعة، وهي تطلعات مشتركة بين جميع البشر، في العيش في سلام واستقلال وأمن في أوطانهم.

أود أيضا اليوم أن نُكرر امتناننا العميق للجهات المانحة لالتزامها طويل الأمد والمستمر بتقديم الدعم السخي لوكالة الأونروا ولولايتها النبيلة. إننا نشكر كافة الدول المانحة، بما فيها تلك التي تلعب دوراً خاصاً كأعضاء ومراقبين في اللجنة الاستشارية، على دعمهم القوي للأونروا والاستجابة الفعالة لنداءات الطوارئ الأخيرة التي مكنت الوكالة من تقديم الخدمات الضرورية، على الرغم من خطورة التحديات المالية التي تواجهها.

في هذا الوقت، لا يفوتني أيضا أن أُعرب عن شكرنا لمعالي الأمين العام للأمم المتحدة، السيد بان كي مون، وإلى الأمناء العامين السابقين على دعمهم الثابت للأونروا، وكذلك شكرنا لجميع الدول الأعضاء على تأييدها للقرارات السنوية للجمعية العامة المتعلقة بالوكالة وبالقضية العادلة لشعبنا.

إننا لا نزال نشعر بالاطمئنان إزاء دعم المجتمع الدولي لوكالة الأونروا كعلامة على التزامه الأساسي بتحقيق رفاه اللاجئين الفلسطينيين والاستقرار في المنطقة، فضلاً عن التزامه السياسي بإعمال حقوقهم وفقاً للقانون الدولي.

ونحن ندعو المجتمع الدولي إلى زيادة الدعم الذي يقدمه للوكالة ولعملها الحيوي الهام.

أصحاب السعادة،
السيدات والسادة،

إن الحل العادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس القرار 194 لا يزال واحدا من أهم الأولويات بالنسبة لفلسطين.

وبموجب كافة المبادرات الدولية والاتفاقيات التي تم توقيعها مع الجانب الإسرائيلي، فإن هذه القضية هي واحدة من القضايا الجوهرية في الحل النهائي للصراع الذي يستند على مبدأ الأرض مقابل السلام، وإعمال حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، بما في ذلك حق تقرير المصير وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

إن قناعة اللاجئين أنفسهم في التزام المجتمع الدولي بتحقيق حل عادل لمحنتهم تشكل مصدرا رئيسيا لشحذ عزمهم على الصمود خلال سنوات طويلة من المشاق التي كان عليهم أن يتحملوها.

وفي الواقع، فإنه على الرغم من مرور أكثر من ستين عاما من المعاناة، فإن شعبنا لا يزال يؤمن بالدور المركزي للأمم المتحدة وبمبادئ ميثاقها ولا يزال في انتظار تنفيذ قرارات هذه المنظمة ذات الصلة حتى لا تتكرر مقولة zzz*zإن هناك معيارين ومقياسين عندما يتعلق الأمر بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية zzz*z.

ليكن الاحتفال بالذكرى السنوية الستين لوكالة الأونروا صرخة يطلقها العالم للتحرك ولاتخاذ إجراءات لحل أطول وأقسى مشكلة لاجئين في عصرنا الراهن.

لقد آن الأوان لتحقيق السلام والعدالة التي من شأنها أن تسمح لجميع شعوبنا، بما في ذلك اللاجئين الفلسطينيين، في العيش بكرامة وأمن ورخاء. لقد آن الأوان لإنهاء الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي لأرضنا وليتمتع شعبنا بالحرية والسلام ويسخر طاقاته وإمكانياته العظيمة لبناء دولته ومستقبل أبنائه.

لقد آن الأوان لأن تستجيب إسرائيل لإرادة المجتمع الدولي من أجل تحقيق السلام العادل والشامل وتحقيق المصالحة التاريخية بين الشعبين في الأرض المقدسة والمعذبة.

في هذه المناسبة، أكرر ما قلته في مناسبات سابقة: إن أمن إسرائيل مرتبط باستقلالنا وأمننا وأن بقاء الاحتلال وديمومة النكبة لا يجلب الأمن لأحد.

أصحاب السعادة،
السيدات والسادة،

في الختام، أود في هذه المناسبة أن نُعرب مجدداً عن شكرنا وتقديرنا لوكالة الأونروا على جهودها الدؤوبة ونشدد على أهمية وحيوية دورها وضرورة توفير الدعم اللازم لها.

في الوقت نفسه، فإننا ندعو إلى تسريع عملية السلام، على أساس مرجعياتها الراسخة، من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والأراضي العربية  المحتلة منذ عام 1967، وتحقيق الحل القائم على دولتين لتحقيق السلام والتوصل إلى حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس القرار 194.

أشكركم جميعا على حضوركم هذه المناسبة الهامة وعلى دعمكم وتضامنكم.

 

 
خطاب السيد الرئيس في حفل تضامني مع فلسطين في هافانا-كوبا

26/9/2009

بسم الله الرحمن الرحيم
الرفيق العزيز هرناندز،
الإخوة الحضور،
 أعضاء السلك الدبلوماسي والضيوف الكرام،

شرف كبير لي أن أكون اليوم هنا في بيت الصداقة، هذا البيت الذي يعني الكثير لشعوب العالم التي عانت وتعاني الكثير. لذلك كان هذا البيت مقرا لانطلاق حركات الشعوب ونضالها من أجل الانعتاق من الاستعمار، وهذا البيت أيضا هو تعبير عن تضامن وتلاحم باقي الشعوب من أجل مصيرها الواحد الموحد.

يسعدني جدا أن أكون هنا في هافانا في كوبا، لكن ويؤسفني ان تكون المرة الأولى التي أزور فيها هذا البلد.

كم كنت أتوق لأن تكون هذه الزيارة منذ سنوات طويلة، ولكن أعرف تماما أن المرحوم ياسر عرفات الذي كانت تربطه علاقات وثيقة مع رفيق دربه فيديل كاسترو كان يزور هذا البلد كثيرا، لكني شخصيا كنت أشعر بدفء هذه العلاقة سواء كلما التقينا مع المسؤولين الكوبيين، أو من خلال المساعدات والدعم الذي يأتينا من قبل هذا البلد الصديق في كل المجالات العلمية والثقافية والاقتصادية، تلك المساعدات التي بدأت واستمرت الى يومنا هذا، ودلالاتها أن الآلاف من أبنائنا الفلسطينيين تعلموا وتثقفوا وتربوا هنا، وتشربوا من هذه الحضارة العريقة من كوبا. ومن هنا أقول أنني فخور جداً بهذه الزيارة.

أتمنى أن نستقبل الرئيس راؤول كاسترو في بلدنا فلسطين عندما تتحرر فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي، وعندما يصبح لنا دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، في اقرب وقت ممكن. نحن أيها السادة نعيش حالة صعبة من الاحتلال الإسرائيلي، ونحن نناضل سلميا من اجل الوصول إلى حقوقنا.

لذلك أعلنا ونعلن أكثر من مرة  إننا مع الشرعية الدولية إننا مع قرارات الأمم المتحدة، التي بدأت منذ عام منذ عام 47 إلى يومنا هذا، نحن نريد لهذه القرارات أن تطبق، ونريد للشرعية الدولية أن تأخذ مجالها، لا نريد ازدواجية المعايير، حيث القرارات تطبق في أماكن ولا تطبق في أماكن أخرى.

أيها الأخوة، 

نؤكد للعالم أننا ملتزمون بقرارات الشرعية الدولية ونطبقها بحذافيرها. ونطالب  العالم أن يدعو إسرائيل إلى تطبيق هذه القرارات. وأن تتوقف عن النشاطات الاستيطانية في أرضنا. وأن تكتفي بالأرض التي قررتها لها الأمم المتحدة، وأن تترك الشعب يبني دولته ويبني كيانه ويعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل. هذا هو الحل الأمثل والأجدى.

وبدون حل قضيتنا سيبقى الشرق الأوسط يغلي، وسيبقى مجالا للاضطرابات، فالأولوية في فلسطين، إذ انه يجب أن تحل القضية الفلسطينية وتنسحب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية وكذلك من الجولان ومن أراضي لبنان، عند ذلك ستتمتع إسرائيل بعلاقات طبيعية مع جميع الدول العربية والإسلامية، لأن هناك مبادرة اسمها مبادرة السلام العربية، هذه المبادرة أصبحت جزءاً من خطة خارطة الطريق وأصبحت قرارا لمجلس الأمن تحت رقم 1515.

هذه المبادرة تقول لإسرائيل إذا انسحبتم من الأراضي الفلسطينية والعربية فإن جميع الدول العربية والإسلامية ستطبع علاقاتها معكم. نعتقد أنها فرصه ثمينة لإسرائيل لكي تستغلها من أجل استتباب الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

طبعا لدينا هم آخر أيها الأصدقاء يتمثل باستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية. وهذا ما نعمل جادين من أجله. وتمارس الشقيقة مصر جهودا جبارة من أجل استعادة الوحدة الوطنية.

وكل ما نطالب به الآن هو أن نذهب إلى صندوق الاقتراع من اجل أن يقرر الشعب نفسه من يريد؟ وماذا يريد؟ فإذا حصلنا على هذا أعتقد أننا قادرون على استعادة الوحدة الوطنية وأن يكون موقفنا أكثر قوة باتجاه عملية السلام.

كما قلت نحن نمد أيدينا للسلام. ونطلب من إسرائيل أن تستجيب، وأن تقبل بهذه الدعوة، ونطلب من العالم أن يطالبها بتلبية هذه الدعوة لأن البديل خطير البديل هو الإرهاب والتوتر والعنف، وهذا ما لا نريده لشعبنا وهذا ما لا نريده لمنطقتنا، ولذلك على إسرائيل أن تبادر فوراً إلى ذلك.

نحن في الأيام الماضية بذلنا جهودًا كبيرة في الأمم المتحدة من أجل تثبيت هذه المبادئ. ونرجو أن تقبل بها إسرائيل وأن يقوم العالم بواجبه نحوها.

مرة أخرى أقول إن العلاقة الوطيدة الطويلة التي قامت بين شعبينا الشعب الفلسطيني والشعب الكوبي والتي أسسها الرفيق كاسترو والراحل ياسر عرفات ستستمر وتقوى.

ونحن نتطلع إلى نفس هذه العلاقات مع الرئيس راؤول كاسترو الذي نثق بحكمته في إدارة دفة البلاد إلى الأمام وإلى إنهاء ما يعانيه الشعب الكوبي، لأننا حريصون على أن ينهض الشعب الصديق وأن يأخذ مكانه القوي بين الأمم وأن يسود السلام في العالم.

وألقى السيد خوسيه ريسكيت فالديس عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوبي كلمة خلال الاحتفال استعرض فيها كافة مراحل النضال الوطني الفلسطيني مشيداً ببطولاته ونضالا ته من أجل إحقاق حقوقه الوطنية الثابتة المتمثلة بحقه في العودة وتقرير المصير.

 

 

 

 

خطاب متلفز للسيد الرئيس حول آخر التطورات السياسية – برام الله

11/10/2009

بسم الله الرحمن الرحيم
أيتها الأخوات، أيها الإخوة،
يا أبناء شعبنا الشجاع في الوطن والشتات،

أتوجه إليكم بالحديث اليوم انطلاقا من قاعدة المصارحة والمكاشفة التي اعتمدناها على الدوام، وانطلاقا من إدراكنا لمسؤولياتنا وواجباتنا وحرصنا على الأمانة التي حملتمونا إياها، وإيماناً بالحق الراسخ لشعبنا في أن يسأل وأن يعرف وأن ينتقد وأن يحاسب.

أتحدث إليكم اليوم ونحن في خضم استحقاقات حاسمة وفي مواجهة تحديات صعبة، فمنذ شهور تتصاعد الممارسات الاحتلالية الإسرائيلية ضد القدس ومواطنيها بتواتر وتكثيف لم يحدث منذ عقود، وأصبح هدم واحتلال البيوت وتشريد أصحابها، ومصادرة الأراضي وبناءً الوحدات الاستيطانية، ممارسة يومية تنفذ برنامج التطهير العرقي، وأصبح المسجد الأقصى المبارك، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين هدفاً ثابتاً لحملة الاحتلال والمتطرفين الإسرائيليين.

هذه الحملة التي تستهدف المقدسات الإسلامية والمسيحية من أجل تهويد القدس العاصمة الخالدة لدولة فلسطين وإلغاء وجهها وهويتها العربية والإسلامية الأصيلة.

لقد قلنا على الدوام ونقول اليوم أن القدس هي بوابة ومفتاح السلام، وأكدنا باستمرار أن العبث بالمدينة المقدسة من قبل الاحتلال هو إذكاء لنيران التوتر والحروب في المنطقة والعالم. وإذ نُحيي جماهير شعبنا في المدينة المقدسة وهم يتصدون مع أبناء شعبهم في كل مكان للهجمة الجديدة ضد الأقصى وضد القدس فإننا نؤكد تمسكنا بكل ذرة تراب، وكل حجر من القدس وأننا مصممون على الدفاع عن عاصمة فلسطين وعن الأقصى وعن كنيسة القيامة، وعلى دعم صمود أبناء شعبنا الشجعان.

ونؤكد أنه لن يكون هناك أي اتفاق سلام لا يتضمن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للقدس.

يا أبناء شعبنا العظيم،

في الوقت الذي نخوض فيه معركة الدفاع عن القدس فإننا نخوض مواجهة ساخنة على صعيد عملية السلام، وإذ رحبنا ونرحب بالتوجهات التي أعلنها الرئيس باراك أوباما، وإذ انخرطنا مع الإدارة الأمريكية في جهد متصل لترجمة هذه التوجهات إلى واقع، فإننا حافظنا وبثبات على منطلقات موقفنا الذي حددته هيئاتنا القيادية.

وقد أكدنا على هذه المواقف في كل مكان، ولم نتأثر بالضغوط المتعددة الأشكال، ولم نحفل بالتهجمات والمهاترات، ولم نتخل عن دورنا ولم نسمح بأن يكون صوت فلسطين غائبا أو مغيبا عن أي محفل، بل أردناه أن يكون حاضراً وصريحاً وعالياً وشجاعاً يعبر ويدافع عن حقوقنا، متسلحين بإيماننا بقضيتنا وبثقة شعبنا.

ومن هذا المنطلق طرحنا قبل اللقاء الثلاثي في نيويورك وخلال اللقاء وبعد اللقاء نفس الموقف، وأكدنا أمس للمبعوث الأمريكي السيد جورج ميتشل ونؤكد اليوم أننا إذ نتمسك بخيار السلام فإننا نؤمن بأن هذا يتطلب توفير المتطلبات التي حددها المجتمع الدولي والرئيس أوباما لإعادة إطلاق عملية السلام والمفاوضات، وفي مقدمتها الوقف الشامل للنشاطات الاستيطانية في القدس وبقية أرجاء الأراضي الفلسطينية، والتحديد الواضح لمرجعية عملية السلام بما يؤمن ووفقا للشرعية الدولية إنهاء الاحتلال والاستيطان وقيام دولة فلسطين المستقلة وحدودها هي حدود الرابع من حزيران 1967.

وقد لمسنا خلال الأسبوعين الماضيين تفهماً ودعماً لموقفنا لدى دول العالم التي تدرك عدم جدوى إطلاق المفاوضات في ظل استمرار الاستيطان، وتدرك عبثية التفاوض حول الحدود في حين يعمل الاحتلال على محاولة رسم وفرض الحدود التي تلبي أهدافه التوسعية، وعبر طرح مخطط الدولة ذات الحدود المؤقتة الذي رفضناه ونؤكد مجدداً رفضه، و وأصبحت هذه الدول تدرك أن أي عملية سلام محكومة بالفشل السريع ما دامت تفتقر لاتفاق حول مرجعياتها وأهدافها وفق ما حدده المجتمع الدولي والشرعية الدولية.

أيتها الأخوات والإخوة،

في الوقت الذي نخوض فيه التحديات على جبهتي القدس والعملية السياسية، فإننا كنا وما زلنا نعمل بمثابرة وبكل جهد ممكن لأداء استحقاق المصالحة الوطنية لإنهاء الانقسام الذي فرضه الانقلاب ألظلامي في قطاع غزة الحبيب، ومن أجل استعادة وحدة الوطن أرضاً وشعباً ومؤسسات ونظاماً سياسياً، ولإنهاء الحصار الجائر الذي يتعرض له شعبنا في غزة.

 

 

 

خطاب السيد الرئيس في انعقاد ملتقى القدس الدولي بالعاصمة المغربية - الرباط

28/10/2009

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
zzz*zسبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا
حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصيرzzz*z
صدق الله العظيم

معالي السيد وزير الشؤون الخارجية والتعاون ممثل جلالة الملك محمد السادس،
دولة الوزير الأول،
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدات والسادة الحضور،

يلتئم هذا الاجتماع الهام تحت رعاية صاحب الجلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، هذه اللجنة التي يعود لرئاستها منذ تشكيلها فضل تقديم وتوفير المساعدات لعدد كبير من المشاريع التي تدعم صمود وبقاء المقدسيين حماة وحراسا لمدينتهم ولأقصاها المبارك، ولكنيسة القيامة، فشكراً لجلالتكم وجزاكم الله كل خير، وأخذ بيدكم وبيد كل الأشقاء لمواصلة ومضاعفة الجهود لحماية القدس أمام الهجمة الاستيطانية التي استعرت بصورة جنونية في الأشهر الأخيرة، واستمرار الاعتداءات اليومية بأشكالها المختلفة من حفريات تحت المسجد الأقصى وبجواره، إلى مصادرة واحتلال مساكن المواطنين الفلسطينيين مسيحيين ومسلمين، وتدمير هذه  المساكن أيضا وفرض الضرائب الباهظة المتعددة الأشكال، والحصار التام للمدينة بسبب جدار الفصل العنصري، وصولاً إلى الإعلان الصريح من قبل الحكومة الإسرائيلية الحالية بأنها تستثني القدس من المفاوضات، وأنها مصممة، خلافاً لكل القرارات الدولية والاتفاقيات السابقة، على المضي في سياساتها التي ستشعل نيران حرب ذات أبعاد دينية.

إننا من على هذا المنبر، وأمام هذا الجمع الموقر، وبالرعاية السامية لصاحب الجلالة رئيس لجنة القدس، نحذر وبصوت مرتفع بأن الوضع خطير جدا في القدس بعد أن مهد لذلك غلاة التطرف والاستيطان، وبغطاء رسمي، فأصبحت القدس عنوان المواجهة وموضوعها ومضمونها، فالاعتداءات ضد الإنسان وضد التاريخ وضد التراث الحضاري الإنساني، وضد المقدسات، وضد الشجر والحجر، ففي كل شبر من أرض القدس المباركة وما حولها يجري في هذه الآونة استهداف حقيقي وجدي مدروس ومخطط، يواجهه شعبنا بإمكانياته المحدودة بتصميم وعزيمة في التشبث بأرضه ومقدساته.

فبوركت كل السواعد الضارعة إلى المولى، وكل الصدور العامرة بالإيمان، وكل النفوس المنذورة للدفاع عن الأقصى والقدس، عزلاء إلا من الإرادة والإيمان بالله ثم بفلسطين، مرددة قول الزعيم الراحل ياسر عرفات zzz*zليس منا وليس بيننا من يفرط بذرة من تراب القدس الشريفzzz*z.

السادة الحضور،

لقد مثلت القدس على مر الزمن نموذجا للتعايش والسلام انطلق شعاعه إلى العالم بأسره، كي تعلو كلمة الله على جبروت الطغاة، وعدلُه على ظلمهم، ورحمته على أحقادهم، في هذه المدينة المقدسة تعانقت قباب الكنائس ومآذن المساجد، وهب أبناؤها، مسلمون ومسيحيون، دفاعاً عن عاصمة الروح والهوية، عاصمة دولة الشعب الفلسطيني الأبدية، لتبقى إلى الأبد عنواناً للسلام والإخاء والمحبة، ورمزاً للمثل الإنسانية النبيلة، وإن نصرتها اليوم، وهي تعيش هذه المحنة، إنما هي انتصار لتلك المثل والقيم، وروح الشرائع والعقائد، انتصار للسلم والاستقرار والتعايش بين الناس والثقافات والأديان رغم التنوع والاختلاف.

إننا إذ ندعو لنصرة القدس فإن السلام يبقى الهدف الأسمى لما نعلن وما نضمر، ليس أي سلام، بل السلام الذي يستجيب بالضرورة لحقوق شعبنا التي أقرتها الشرعية الدولية والاتفاقات الثنائية ومرجعيات عملية السلام والقانون الدولي.

ونقيض ذلك من يتنكر لهذه الحقوق ومن يتمادى في سياساته الاستيطانية والتهويدية فإنه يقرع طبول الحرب ويهدد الاستقرار في المنطقة والعالم.

لقد التزمنا بخيار السلام ولا زلنا، وعلى الرغم من ما ينتصب في وجه السلام من عراقيل متعمدة، ونؤكد أن ثمة فرصة لمفاوضات جادة وحقيقية مؤسسة على قرارات الشرعية الدولية، شاملة لقضايا الحل النهائي الست، وعلى رأسها القدس، ضمن جدول زمني ومرجعيات واضحة، تقود إلى الوصول لحل يضمن دولتين تعيشان بسلام وأمن جنباً إلى جنب.

وعملية من هذا النوع لا يمكن أن تصل إلى غاياتها، وربما لن يتاح لها الإقلاع أصلاً، طالما أن الاحتلال مستمر في رسم مستقبل الحل النهائي على قياس مصالحه التوسعية من خلال استيطانه وتهويده وممارساته اللاإنسانية.

إن السياسة الإسرائيلية القائمة على الإملاء وفرض الأمر الواقع واستباق نتائج المفاوضات لن نقبلها ولن نستسلم لها، ونعتقد أن المجتمع الدولي لن يقبل بها لأنها تخالف كل قراراته ومبادئه وقوانينه، وتكرس نموذجا من شأنه تدمير الأسس التي تضمنها ميثاق الأمم المتحدة بعدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، وتغيير الطابع  الجغرافي والديموغرافي للأرض المحتلة عبر تهجير سكانها وإحلال سكان آخرين مكانهم.

إننا بذلك لا نضع شروطاً لاستئناف عملية السلام، بل نطالب الطرف الآخر بالوفاء بما عليه من التزامات نصت عليها الاتفاقات الثنائية وبخاصة خارطة الطريق التي أصبحت إطاراً دولياً معترفا به لعملية السلام، وكذلك مبادرة السلام العربية التي أصبحت مبادرة إسلامية.

إن الوقف الكلي للاستيطان وإجراءات التهويد، بخاصة في القدس، لا يشكل أساساً للشروع في عملية سلام جادة فقط، بل هو مؤشر على نجاح تلك العملية التي يجب أن تقود حتماً إلى دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي التي احتلت عام 1967، وعاصمتها القدس الشريف، وحل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين استنادا للقرار الدولي 194.

وأود أن أؤكد بثقة، أن شعبنا، الذي صمد وضحى وقاوم، سيمضي قدماً، في تعزيز بقائه وصموده ونضاله المشروع، بكل قدراته وإمكاناته، ولن يعدم الخيارات والبدائل، إذا ما واصلت حكومة إسرائيل، بسياساتها وممارساتها، تدمير إمكانات وفرص حل الدولتين، التي لم تزل قابلة للتحقيق إذا ما صح العزم وصدقت الإرادة.

لقد صمد شعبنا، وما زال، في وجه محاولات الاقتلاع والتهجير، وتجذر في أرضه رغم ما ارتكب ضده من جرائم، وثّقها تقرير القاضي غولدستون الذي كشف هول ما حدث في غزة خلال العدوان الإسرائيلي، الذي أودى بحياة المئات وهجّر الآلاف من أبناء شعبنا الصامد في القطاع الحبيب.

وها نحن صامدون في القدس وفي كل بقعة من أرضنا، متكلين على الله ومؤمنين بحقنا في الحياة الحرة الكريمة ومستندين إلى دعم أشقائنا وأصدقائنا المؤمنين بقيم الحرية والعدالة والسلام.

وهنا اسمحوا لي أن أتوجه بالشكر أولاً إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس لمواقفه وجهوده ودعمه الأخوي الأصيل ومن خلاله إلى الشعب المغربي الشقيق وكذلك الشكر والتقدير إلى الدول العربية والإسلامية والدول والشعوب الصديقة كافة، على ما قدمته وتقدمه من دعم سياسي ومادي يحفظه شعبنا لأصحابه بكل التقدير والامتنان.

واسمحوا لي أن أتقدم بالشكر والتقدير لجمهورية مصر العربية والرئيس حسني مبارك لرعايته الحوار الوطني الفلسطيني وحرصه على إنجاح هذا الحوار بهدف استعادة الوحدة وإنهاء معاناة شعبنا في غزة.

لقد بذلنا أيها الأخوة كل المستطاع من أجل إنجاح الحوار ووافقنا على الورقة المصرية دون تحفظ، دافعنا إلى ذلك الوحدة الوطنية التي لا يمكن الانتصار بدونها على التحديات، فيما تمسكت حماس بشروطها التعجيزية، وحاولت وتحاول إفشال الحوار وإفشال الجهود المصرية الخيرة، ومع استهجاننا الشديد لهذا الموقف فإن يدنا ما زالت ممدودة لإعادة اللحمة وإنهاء الانقسام لأن الوطن أغلى والقضية أسمى.

إننا نهيب بأشقائنا وأصدقائنا، الاستجابة لصرخة القدس واستغاثتها، بمضاعفة الجهد المنظم، والإسناد السياسي والمادي، بمختلف المجالات، بخاصة وأن القدس هذا العام، هي عاصمة الثقافة العربية.

السيدات والسادة:

نكرر الشكر لجلالة الملك والمملكة المغربية الشقيقة، على استضافته لهذا الملتقى، الذي تنظمه مؤسسة الشهيد الرمز ياسر عرفات بالتعاون مع وكالة بيت مال القدس في المغرب، الشهيد ياسر عرفات الذي لم تغب عن قلبه وعقله مدينة القدس لحظة في حياته، ولم تخل من ذكرها، رسالة من رسائله، أو كلمة من كلماته، حتى أستشهد في سبيلها.

إننا على ثقة أكيدة بأن قرارات ونتائج هذا الملتقى، ستسهم إسهاماً مباشراً في الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى، وكنيسة القيامة، وصولاً إلى تحقيق هدف قيام دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خطاب السيد الرئيس في آخر التطورات السياسية- رام الله

5/11/2009

بسم الله الرحمن الرحيم

أتوجه بكلمتي اليوم أولاً إلى شعبنا الفلسطيني الصامد رغم كل أشكال المعاناة تحت نَير الاحتلال أو في مخيمات اللجوء والمنافي، لمراجعة هادئة وتقييم موضوعي للمرحلة التي نمر بها، فنحن على مفترق طرق، لا تنفع معه المزاودات ولا الأحكام الجاهزة، ولا تبسيط الأمور.

كما أتوجه إلى امتنا العربية وإلى شعب وحكومة إسرائيل وإلى المجتمع الدولي.

إخوتي وأخواتي، أبناء شعبنا العظيم،

على مدى مسيرتنا النضالية الطويلة والشاقة، أدركنا تعقيدات قضيتنا، وأبعادها الإقليمية والدولية، وأدركنا أن النكبة التي حلت بشعبنا عام 1948، كان يُراد لها أن تمحو اسم فلسطين وشعب فلسطين، فكانت ثورتنا المسلحة عام 1965، وقيام منظمة التحرير الفلسطينية، الرد الذي أثبتنا من خلاله وجودنا، وانتزاع شرعية الاعتراف بحقنا، الذي قمنا بصياغته عبر مؤسساتنا الديمقراطية وبما يتلاءم مع أهداف وقرارات محيطنا الإقليمي، وبما يَقبله ويعترف به المجتمع الدولي.

قدمنا تضحيات غالية حتى تم الاعتراف بوجودنا وبحقنا في إقامة دولتنا، وقبلنا بما أقرته الأمم المتحدة ومجلس الأمن ثم الاتفاقيات التي وقعناها مع الجانب الإسرائيلي بقيادة رئيسنا الراحل ياسر عرفات منذ اتفاقية أوسلو عام 1993، وإلى خارطة الطريق التي تضمنت مبادرة السلام العربية، وكلها تنطلق من مبدأ الأرض مقابل السلام، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي وقع عام 1967 للأرض الفلسطينية في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة وحل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين الفلسطينيين بالاستناد إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.

تعهدنا نحن والإسرائيليون، وبرعاية ومشاركة المجتمع الدولي للوصول إلى حل الدولتين عبر المفاوضات، ولكن شهراً بعد شهر وسنة بعد أُخرى كان التسويف والمماطلة وتزايد النشاط الإسرائيلي الاستيطاني يُقوض مصداقية المفاوضات، ووصلَ الأمر مع الحكومة الإسرائيلية الحالية إلى درجة الإعلان وممارسة ما يتناقض مع المبادئ الأساسية للسلام التي تضمنتها قرارات مجلس الأمن وما نصت عليه خارطة الطريق.

هنا أود التذكير، بأننا طلبنا جنبا إلى جنب مع المجتمع الدولي من الحكومة التي شكلتها حركة حماس عام 2006 بأن تلتزم بالاتفاقيات الموقعة سابقا، وبخارطة الطريق وبقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وبالمبادرة العربية فكيف أستطيع، بل كيف يقبل المجتمع الدولي بأن يطلب أقل من ذلك من قبل الحكومة الإسرائيلية الحالية؟

أيتها الأخوات، أيها الإخوة،

منذ تم انتخابي بعد استشهاد قائدنا الرمز الأخ أبو عمار قبل خمس سنوات التزمت بما أعلنته بكل صراحة في برنامجي الانتخابي، سواء على صعيد أمننا الداخلي، أو الشفافية والمحاسبة، وإرساء سيادة القانون، أو تحسين وضعنا الاقتصادي الذي تحقق في الضفة الغربية، مع تخصيص الجزء الأكبر من موازنتنا لأهلنا في قطاع غزة، رغم الانقلاب الذي قامت به حركة حماس.

وكَرست مبدأ الانتخابات على كل الأصعدة، والتي شملت المجلس التشريعي والبلديات والنقابات، وكذلك عقد مؤتمر فتح، رغم كل محاولات التعطيل والمماطلة، ثم انعقاد المجلس الوطني واستكمال أعضاء اللجنة التنفيذية.

كان أخطر ما شهدته ساحتنا الداخلية خلال هذه الأعوام الخمسة، الانقلاب الدموي الذي قامت به حركة حماس في قطاع غزة، والذي واجهناه منذ اليوم الأول، رغم الجراح والآلام بتحريم الدم الفلسطيني وبالدعوة الصادقة إلى استعادة الوحدة عبر الحوار، وبذلت الشقيقة مصر جهوداً مشكورة طيلة المرحلة الماضية للوصول إلى اتفاق، كانت حركة حماس تُفشله في كل مرة تحت ذرائع وحجج واهية، كان آخرها تقرير جولدستون الذي ثَبت للجميع صحة موقفنا منه منذ البداية وحتى المرحلة الحالية التي وصل إليها في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

إن عدم توقيع قيادة حماس على الوثيقة المصرية التي اطلعوا ووافقوا على مضمونها مسبقا، ثم الادعاء بأنه جرى تغيير فيها، إنما هو إمعان في النهج الذي لم تستفد منه سوى الأوساط الإسرائيلية التي تكرر مقولة عدم وجود الشريك الفلسطيني، وهو نهج يدّعي المقاومة ليبقي حالة الحصار والدمار والمعاناة التي يعيشها أبناء شعبنا في قطاع غزة الحبيب.

ألم يحن الوقت لقيادة حماس لإعادة النظر في سياساتها وممارساتها المدمرة للمشروع الوطني، وأن تتوقف عن الإصغاء لأصحاب المشاريع الإقليمية، وتفكر بمصلحة الشعب الذي لن تحل مشاكله بواسطة أموال تأتي من هنا وهناك، أو عبر تجارة الأنفاق التي أثرى البعض منها، ولكنها أودت بحياة العشرات من شبابنا أبناء الأسر الفقيرة.

أخواتي إخوتي.. أبنائي وبناتي،

نحن شعب صغير وإمكانياتنا محدودة، لا نريد أن نُحرج أحداً ولا نزايد على أحد، رغم إن كثيرين يزايدون علينا، سعينا في الماضي ولا زلنا نسعى من أجل تعريف العالم بعدالة قضيتنا في مواجهة إعلام قوي ومسيطر لطالما حاول أن يحولنا من ضحايا إلى جلادين، ومن معتدى عليهم إلى معتدين. وتعلمنا من تجربتنا المريرة سهولة اتهام الفلسطيني، وسهولة اعتقاله وطرده وإقصائه.

هذه المعاناة الطويلة هي سبب رغبتنا الشديدة بأن نعيش كبقية شعوب الأرض في دولتنا الحرة والمستقلة، وأن نبحث عن أصدقاء في كل مكان، لا يكونون بالضرورة أعداء لإسرائيل، بل إلى أشخاص وأحزاب ودول تقف إلى جانب الحق والعدالة النسبية في هذا العالم، وتكون وسيطاً نزيهاً لحل هذا الصراع بيننا وبين إسرائيل.

لقد سعينا إلى إقامة أفضل العلاقات مع مختلف دول العالم متفهمين في نفس الوقت مصالح هذه الدول والعوامل المؤثرة في سياساتها، وشمل ذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي لا يمكن إنكار مركزية دورها في الوصول إلى تحقيق السلام، فأعربنا عن شكرنا لاحتضانها توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 في عهد الرئيس كلينتون وجهوده لدفع عملية السلام، كما ثَمنا الإعلان غير المسبوق للرئيس جورج بوش بشأن رؤياه حول حل الدولتين، وأعلنا ترحيبنا وتفاؤلنا بما أعلنه الرئيس أوباما بشأن ضرورة الإيقاف التام للاستيطان بما فيه النمو الطبيعي، وبحل للصراع خلال برنامج زمني محدود.

إن المواقف المعلنة للولايات المتحدة الأمريكية بشأن الاستيطان وتهويد القدس وضمها، مواقف معروفة وهي محط تقدير من جانبنا، إلا أننا فوجئنا بمحاباتها للموقف الإسرائيلي، ولكن المشكلة التي تحتاج إلى حل هي أن إسرائيل، وخاصة حكومتها الحالية ترفض كل ذلك، وتطالب بإجراء مفاوضات بدون الاستناد إلى أي مرجعية، مواصِلة استيطانها في مختلف أنحاء الضفة الغربية، وبخاصة القدس الشرقية المحتلة التي تتعرض إلى تغيير معالمها العربية بشكل غير مسبوق يشمل تدمير منازل المواطنين الفلسطينيين والاستيلاء عليها وتقييد وجود سكانها مسيحيين ومسلمين وصولاً إلى المس بمؤسساتها الدينية، وبخاصة حول وتحت المسجد الأقصى، مما يهدد بإعطاء الصراع طابع حرب دينية لها أبعادها الخطيرة على المستوى العالمي وليس الإقليمي فقط.

إن خطورة الوضع والمأزق الذي نمر به، تدفعني إلى مخاطبة الحكومة الإسرائيلية والرأي العام الإسرائيلي بكلمات قليلة وواضحة: السلام أهم من أي مكسب سياسي لأي حزب، والسلام أهم من أي ائتلاف حكومي إن كانت نتيجته دفع المنطقة نحو الهاوية أو المجهول.

لقد كانت وجهة نظري ورؤيتي منذ سنوات طويلة بأن السلام ممكن، وعَملت صادقاً من أجل ذلك، رُغم كل ما تحملته على المستوى الشخصي من أذى وتجريح، ومُحصلة تجربتي إن الوصول إلى حل الدولتين فلسطين وإسرائيل تعيشان جنباً إلى جنب بأمن وسلام لا زال ممكنا، رغم ما نواجهه من أخطار ازدادت حدتها مؤخرا، أي إن حل الدولتين يواجه مخاطر كثيرة لاندري أين توصلها، على أن يتم الالتزام بالمبادئ والمرجعيات والأسس التالية:

1- قرارات الأمم المتحدة بشأن الصراع، وخارطة الطريق ومبادرة السلام العربية، ورؤيا حل الدولتين على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338 و1515، مع الاستفادة من كل تقدم حصل في المفاوضات في كامب ديفيد وطابا وأنا بوليس.

2- الحدود تستند إلى الوضع الذي كان سائداً ما قبل الرابع من حزيران 1967، وإمكانية إجراء تبادل للأراضي بالقيمة والمثل دون المساس بالحقوق المائية أو التواصل الجغرافي والربط ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

3- القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين مع ضمان حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة.

4- حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين الفلسطينيين كما ورد في مبادرة السلام العربية التي أصبحت جزءا من خارطة الطريق.

5- لا شرعية لبقاء المستوطنات فوق أراضي الدولة الفلسطينية.

6- ترتيبات أمنية يقوم بها طرف ثالث على الحدود ما بين دولتي فلسطين وإسرائيل.

7- حل قضية المياه حسب القانون الدولي، وحق الدولة الفلسطينية في السيطرة على مصادرها المائية، وعلى أجوائنا وكل ما نملك فوق الأرض وتحت الأرض، والسعي لتعاون إقليمي في مجال المياه.

8 - إغلاق ملف أسرى الحرية، وإطلاق سراحهم جميعا.

أيتها الأخوات والإخوة، يا أبناء شعبنا الفلسطيني الأصيل،

 أيها الأشقاء، أيها الأصدقاء،

إن صعوبة الأوضاع التي نمر بها ليست مبررا لعدم القيام بما يمليه علينا الواجب، وما ينص عليه قانوننا الأساسي، ولذلك أصدرت مرسوم إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في موعدها المحدد يوم 24 كانون الثاني ( يناير ) من العام القادم، والتي ستشمل حُكماً الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة، وأرجو الله أن تتم وقد أنجزنا وحدتنا الوطنية وأنهينا الانقسام.

إخوتي أخواتي ... يا أبناء شعبي،

لقد أبلغت الإخوة في اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والمركزية لحركة فتح بعدم رغبتي بترشيح نفسي لانتخابات الرئاسة القادمة، وهذا القرار ليس من باب المساومة أو المناورة أو المزايدة إطلاقا. وإنني إذ أقدر للإخوة أعضاء القيادتين ما عبروا عنه من مواقف فإنني آمل منهم تفهم رغبتي هذه علماً بأن هنالك خطوات أخرى سأتخذها في حينه.

إن الإخوة أعضاء لجنة الانتخابات المركزية بدأو العمل من أجل انجاز مهمتهم في الإعداد للانتخابات بكل الشفافية، وبإشراف دولي كما حصل سابقا متمنيا لهم كل النجاح والتوفيق.

وختاما أتوجه بالتحية إلى أسر وأبناء شهدائنا الأبرار، وإلى جرحانا، وإلى أسرانا البواسل، وإلى شعبنا في الوطن والشتات مؤكدا لهم جميعا بأنني ناضلت طيلة سنوات عمري، منذ كنت طفلا ولد في صفد، وإلى يومنا هذا من أجل عزة هذا الشعب الذي أفخر بالانتماء إليه، والذي يستحق أن يحيا بحرية فوق تراب وطنه، فكفانا هجرة وكفانا معاناة تحت الاحتلال.

آن الأوان لهذا العالم أن يضع حداً لأطول مأساة في تاريخنا المعاصر.

آن الأوان بولادة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. النصر آتٍ بإذن الله طال الزمن أو قصر.

أُجدد التحية لكم جميعاً
عِشتم وعاشت فلسطين

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


خطاب السيد الرئيس في ذكرى الاستقلال – رام الله

15/11/2009

يا شعبنا المناضل،
يا جماهير امتنا العربية العظيمة،
أيها المؤمنون بالحرية والعدالة والسلام،

في مثل هذا اليوم المجيد، يحتفل شعبنا الفلسطيني وجماهير أمتنا العربية والإسلامية، وكل المؤمنين بقيم الحرية والعدالة والسلام، بعيد فلسطين الوطني، بعيد إعلان الاستقلال، الذي تحل ذكراه الحادية والعشرين منذ إعلان الجزائر التاريخي في 15 نوفمبر 1988.

وإننا وإذ نستهل بالانحناء إجلالا لأرواح شهداء شعبنا، الذين قضوا على طريق الحرية والاستقلال، نتوجه بالتحية لجرحانا وأسرانا البواسل الذين ما زالوا يواصلون العطاء في سبيل حرية الوطن، وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، الآتية قريبا بإذن الله،  فإننا نجدد العهد للشهداء والجرحى والأسرى، نجدد العهد لكل أبناء شعبنا وجماهير أمتنا، بأن نواصل السير قدما على طريق النصر، طريق حرية فلسطين واستقلالها، وبناء الدولة الفلسطينية الكاملة السيادة على ترابنا الوطني.  

هذا الطريق المليء بالتضحيات الغالية، التي قدمها شعبنا من جيل الى جيل، مواصلا دفاعه الباسل عبر ثوراته المتلاحقة، عن وطنه وكيانه، تجسيدا بطوليا لإرادته الراسخة، وعزيمته القوية، في تحقيق الاستقلال الوطني، والذي سيتوج رغم كل الصعاب والتحديات الجسيمة، بالنصر والاستقلال، على قاعدة الإيمان العميق بالحقوق الثابتة والإجماع الوطني، والشرعية الدولية الضامنة لحقوقه الوطنية في الحرية والعودة وتقرير المصير.

إن حلم تجسيد إعلان الاستقلال واقعا معاشا وبنياناً قويا بوعي شعبنا وممارساته وسلوكه وإنجازاته، والتفاف أشقائه وشعوب وقوى ودول العالم المؤمنة في الحرية والعدالة والسلام حول نضاله، بات يقينا راسخا، حقيقيا.

ورغم المعوقات، فيقين شعبنا بغده الواعد المنتصر، تؤكده شواهد الواقع، الذي ترتفع في ميادينه أعمدة دولتنا المستقلة.

وكما أكدت وثيقتنا الدستورية، الوثيقة الأهم بتاريخنا المعاصر، وثيقة إعلان الاستقلال، فان دولة فلسطين هي للفلسطينيين أينما كانوا، بها يطورون هويتهم الوطنية والثقافية، ويتمتعون بالمساواة، وتصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية وكرامتهم الإنسانية، في ظل نظام ديمقراطي برلماني، على أساس الحرية والعدل الاجتماعي، وان دولة فلسطين دولة عربية وجزء لا يتجزأ من أمتنا ملتزمة بميثاق جامعتها ومبادئ الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، غير منحازة، محبة للتعايش والسلام .

وفي ذكرى إعلان قيام دولة فلسطين منذ أكثر من عقدين، الذي اعترفت بموجبه وفي حينه، أكثر من مائة دولة، بقانونية وشرعية وحقيقة الدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967 بما فيها القدس، ونحن نعيد التأكيد على الحق والمشروعية، على الواقعية والكيانية، على الطبيعة والمسؤولية لدولة شعبنا ونعبر عن اعتزازنا وتقديرنا لمواقف الدول الشقيقة والصديقة، التي بادرت وكرست مواقفها ودعمها لحق شعبنا الراسخ في الاستقلال، وبناء الدولة المستقلة، فإننا نهيب بها وبكافة شعوب ودول العالم، أن تضاعف من جهودها ودعمها، لتمكين شعبنا من إنهاء الاحتلال وانجاز الاستقلال، وترجمة حقوقه وأهدافه الوطنية، على أساس الشرعية الدولية، التي بدون تحقيقها، على أسس من العدل والإنصاف، الذي يضع حداً لواحدة من أفظع المظالم التاريخية، لن تنعم المنطقة بالاستقرار والازدهار، إضافة لمواصلة التعريض بالأمن والسلم الدوليين.

ونحن ننشد السلام ونتبناه خياراً استراتيجياً لينعم الجميع بثماره، وإزاء ما تتعرض له عملية السلام في هذه المرحلة، من تخريب وتغيب ممنهج ينذر بأوخم العواقب، جراء استمرار التعنت والتنكر الإسرائيلي، لمرجعيات عملية السلام والتزاماتها، ومتطلبات إنجاحها وتحقيق أهدافها، فان على جميع القوى والدول والهيئات الدولية ذات الصلة، وخاصة المعنية والمسؤولة عن استحقاقات الأمن والسلام في العالم، والمؤمنة بقيمة، أن تبادر إلى تحمل مسؤولياتها لإنقاذ مسيرة السلام والمضي قدماً لتحقيق أهدافه وغاياته.

مؤكدين حرصنا والتزامنا على الوفاء بمسؤولياتنا، على قاعدة الحقوق والاستحقاقات وليس كما يحاولون إشاعته، في محاولة مكشوفة منهم  لقلب الحقائق وخلق الذرائع، من قبيل المناورات والاشتراطات ، فحقوقنا المشروعة  ثابتة وأهدافنا الوطنية راسخة، وخيارنا واضح ومحدد. إنها ثوابتنا ومحل توافقنا الوطني التي لن نحيد عنها أو نفرط بأي منها بأي وقت وأي حال.

وهنا، فإننا نكرر بهذه المناسبة، التأكيد على أن وحدتنا الوطنية على قاعدة الثوابت والتوافق الوطني العريض، هي ضمانة حماية مشروعنا الوطني، وضمانة انتصارنا، وستبقى دعوتنا قائمة، والتزامنا قوي، وجهودنا مكثفة، لإعادة الوحدة واللحمة لصفوف الشعب والوطن والنظام السياسي، طبقاً للوثيقة المصرية التي وقعناها، من موقع الحرص على مصالح شعبنا العليا .

ولتكن هذه الذكرى المجيدة، ذكرى إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة، هذا العام مدخلنا جميعاً ونقطة التحول والانطلاقة الفعالة الجماعية موحدين وواثقين، بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، لاستكمال إنجاز وتجسيد الاستقلال الوطني، واقعاً راسخاً وبنياناً شامخاً، كممارسة جماعية لحق شعبنا بتقرير مصيره، بورشة إعادة  البناء والإعمار الجارية لتسريع بناء مؤسسات الدولة من أجل الحرية والاستقلال.

المجد والخلود للشهداء والحرية للأسرى
والحرية والاستقلال لشعبنا

والسلام عليكم ورحمة الله

 

خطاب السيد الرئيس الرئيس في احتفال البرازيل
بيوم التحرر من العبودية

20/11/2009

سيادة الرئيس الصديق لويس إيناسيو لولا داسلفا
أصحاب المعالي والسعادة،
أيتها السيدات والسادة،

من شعب فلسطين، شعب الأرض المقدسة، أنقل لكم جميعاً أطيب التحيات بمناسبة احتفالكم بهذا اليوم التاريخي الذي شكل علامة بارزة في ولادة برازيل جديدة، تُمتع في رحابها الواسعة كل مواطن ومواطنة بحريته، إن هذا اليوم (يوم الوعي الأسود) لا يمثل نهاية للعبودية والتمييز في بلادكم، بل هو رسالة للعالم أجمع بأن الله خالق الكون، خلقنا لكي نكون أحراراً وأن الإنسان لا يعيش بالخبز وحده، وأن من لا يحب أخاه الإنسان لا يحب الله، لأن الله محبة.

أتحدث إليكم أيها الأصدقاء بهذه اللغة، لأنني ابن ثقافة عريقة نبتت ونمت في أرض الديانات السماوية الثلاث، أرض السلام، حيث ساد التعايش والتآلف بين أتباع هذه الديانات التي تؤمن بإله واحد، مئات السنين كان خلالها الجامع إلى جانب الكنيسة والكنيس.

عظمة البرازيل التي تزداد نمواً وتطوراً أن كل أبنائها بعيداً عن اللون أو الدين أو الجنس يساهمون في هذه النهضة، ويرتفع علم بلادكم في أهم المحافل الدولية، فأنتم اليوم بين أهم عشرين دولة في هذا العالم، وأنتم نجوم أكثر رياضة شعبية zzz*zكرة القدمzzz*z، وأنتم من حظيتم باعتزاز على تنظيمكم دورة الألعاب الاولمبية.

السيد الرئيس،
السيدات والسادة،

كم كنت أتمنى وأنا بينكم اليوم، لأزف لكم بشرى أننا نقترب من تحقيق السلام بيننا وبين جيراننا الإسرائيليين، هذا السلام الذي بذلنا من اجله جهوداً مضنية، كانت بلادكم في طليعة من أيد هذه الجهود في مختلف المحافل الدولية، ولكننا للأسف بعد أكثر من ثمانية عشر عاماً من المفاوضات التي بدأت تحت شعار إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي وقع عام 1967 للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، لا زلنا تحت الاحتلال الإسرائيلي، وأستطيع القول لكم أن الاحتلال يعني التمييز والعنصرية والإخضاع وزرع الأحقاد.

كنا نفاوض ونحن نعيش تحت احتلال ظالم وقاس، يصادر الأرض ليبني المستوطنات، ويقتلع الأشجار ليحرم المزارع من إنتاج أرضه، ويقيم جدار فصل عنصري يَحول دون الطالب ومدرسته، وتغلق مدينة القدس أمام المؤمنين الفلسطينيين مسيحيين أو مسلمين، واعتقدنا أن الجانب الإسرائيلي سيستجيب للمطالب الدولية، وسيحترم الشرعية وقرارات الأمم المتحدة، ولكنه بدلاً من ذلك يواصل سياسة التطهير العرقي للوجود الفلسطيني في مدينة القدس، ويمارس كل أشكال الاضطهاد والقمع، ويرتكب المجازر، وقد كان تقرير غولدستون الذي صوتت بلادكم مشكورة عليه في مجلس حقوق الإنسان، قد أظهر أن هناك حاجة حقيقة لإنهاء الاحتلال، إذ أن استمرار الاحتلال سيعني بالضرورة استمرار ارتكاب المجازر والجرائم بحق أبناء شعبنا الأعزل.

نتطلع أيها الأصدقاء إلى يوم نتحرر فيه من الاحتلال، فهو شكل بشع من أشكال العبودية.

نريد سلاماً يعيش فيه أبناؤنا وأبناء الإسرائيليين بدون خوف، نريد سلاماً يعيد لأرض السلام رسالتها، أرض حب وإخاء.

فتحية لكم في يومكم هذا وأبارك لكم ذكرى نهاية صفحة مأساوية لم تكن عندكم هنا في البرازيل فقط، بل كانت في بلاد عديدة تحررت أيضا من العبودية، ويعيش سكانها اليوم أحراراً، ولكن الحرية الحقيقية أن تدافع عن حرية غيرك كما تدافع عن حريتك، ويسعى الشعب الفلسطيني اليوم بكل عزم وثبات لتحقيق حريته والانعتاق من أصفاد الاحتلال.

فواصلوا أيها الأصدقاء مسيرتكم، في هذا اليوم، يوم الوعي الأسود، بالتضامن مع كل من لا يزال يناضل من اجل حريته واستقلاله.

أشكركم وأتمنى للبرازيل رئيسا وشعبا، لشعب البرازيل استمرار التقدم والازدهار وأتمنى للصديق لولا الصحة والتوفيق لمواصلة قيادته الفذة لبلاده.

والسلام عليكم

 

خطاب السيد الرئيس أمام البرلمان الأرجنتيني- الأرجنتين

24/11/2009

السيد رئيس مجلس النواب المحترم إدوارد فيلز،
السيدة نائبة الرئيس المحترمة باتريسيا فاكنارفاخا،
السيد رئيس لجنة العلاقات الخارجية المحترم روبرتوغودي،
السيد رئيس لجنة الصداقة البرلمانية مع فلسطين المحترم إدوارد جالانتيني،
حضرات السادة النواب  المحترمين،
السيدات والسادة،

أشكركم على هذا الاستقبال ويشرفني والوفد الفلسطيني المرافق أن نكون بينكم في هذا الصرح للديمقراطية الأرجنتينية التي ترسخت بعد مسيرة شاقة ونضالاً طويلاً عرفتم خلاله الاحتلال والديكتاتورية العسكرية.

لقد كان لي لقاء هام ومثمر مع فخامة الرئيسة الدكتورة كريستينا فرنانديز دي كريشنر، وأود أن أعبر أمامكم عن فائق شكرنا لفخامتها، وعن رغبتنا المشتركة في تعزيز أواصر التعاون والتواصل ما بين شعبينا على قاعدة الاحترام المتبادل والسعي نحو السلام والاستقرار في منطقتنا وفي العالم بأسره .

إن السلام ليس مجرد كلمة نرددها، بل حاجة للإنسان للحياة ، والحياة بلا معنى إن لم تكن هناك عدالة ومساواة. فلا سلام مع العبودية ولا سلام مع التمييز العنصري ولا سلام مع الاحتلال.

لا يمكن في عصرنا الراهن ان يسود مفهوم الحق للقوة، ولا يمكن ان يترسخ السلام العالمي اذا كان هنالك مقياسين وميزانين في تطبيق القانون الدولي.

إن حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي لا بد أن يعتمد على قياس ما، فهل هو الدين كما يريد البعض؟ أو هو ميزان القوى؟ أو هو التاريخ بعيده او قريبه؟ أو هو التعاطي مع  الواقع القائم الذي يأخذ بعين الاعتبار حقوق الأطراف المنغمسة في صراع ما.

من جانبنا، ورغم الظلم الذي حل، حقيقة بشعبنا الفلسطيني نتيجة لنكبة عام 1948 توجهنا نحو حل سلمي للصراع بيننا وبين إسرائيل منطلقين من القبول باعتماد الحل على أساس حدود عام 1967، أي انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية والفلسطينية التي احتلت في تلك الحرب وهي تشمل قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية لإقامة دولتنا الفلسطينية، علما بأن مساحة مثل هذه الدولة هي 22  بالمئة من مساحة فلسطين التاريخية لتعيش بسلام وأمن إلى جانب دولة إسرائيل.

منذ وقعنا اتفاق إعلان المبادئ، أي اتفاق أوسلو في حديقة البيت الأبيض أنا وشيمون بيرس يوم 13 سبتمبر عام 1993، اخترنا طريق المفاوضات وعلى أسس ومرجعيات ثبتتها لاحقاً خطة خارطة الطريق وقرار مجلس الأمن الدولي 1515 ومن ضمنه مبادرة السلام العربية، ورؤية اللجنة الرباعية بشأن حل الدولتين وتفاهمات انابوليس.

مبدأ الأرض مقابل السلام الذي يؤمن به المجتمع الدولي، يعني عدم شرعية الضم أحادي الجانب للقدس من قبل إسرائيل، وعدم شرعية الاستيطان بأشكاله كافة، والهدف النهائي للمفاوضات سلام يؤدي الى قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل تعيشان جنباً الى جنب.

ما عرقل، ويعرقل هذه المسيرة استمرار إسرائيل بممارساتها الخطيرة في القدس حيث يتم هدم ومصادرة منازل وأملاك المواطنين الفلسطينيين، ويمنع المسيحيين منهم والمسلمون من البناء فوق أراضيهم التي تصادر أو تفرض عليهم ضرائب باهظة، وقد تم محاصرة المدينة تماماً بواسطة جدار الفصل العنصري والحواجز والمستوطنات، ولا يستطيع المؤمنون الفلسطينيون دخول المدينة للصلاة في المسجد الاقصى او كنيسة القيامة.

يضاف إلى ما يجري في القدس، هناك الاستيطان المتواصل في الضفة الغربية وإقامة مئات الحواجز واستمرار الاعتقالات، حيث يوجد اكثر من احد عشر ألف معتقل بينهم أطفال ونساء وهناك الكثيرون ممن قضى عليهم أكثر من ثلاثين عاماً.

إن الممارسات الإسرائيلية أدانتها كل المنظمات الدولية، وكان آخرها تقرير القاضي غولدستون، الذي أعلن بأنه آن الأوان  للمجتمع الدولي أن يضمن عدم تكرار المجازر بحق شعبنا الأعزل، وسنرى الآن ماذا سيكون مصير هذا التقرير في مجلس الأمن أو لدى محكمة الجنايات الدولية.

أدرك أن هناك من يتساءل حول مصير المفاوضات، موقفنا من ذلك باختصار أن المفاوضات ليست هدفاً بحد ذاته، فمن غير المقبول أن تستمر المفاوضات في حين يستمر الجانب الإسرائيلي بفرض حقائق على الأرض دون أي التزام أو احترام للمرجعيات الدولية والاتفاقيات الموقعة.

إن العودة إلى المفاوضات تتطلب التزام الحكومة الإسرائيلية بوقف الاستيطان وقبول المرجعية بشأن حل الدولتين وإن رفض هذين الالتزامين يعني مفاوضات عبثية فعلاً، تعطي الدليل لمعارضي عملية السلام بأن إسرائيل غير جادة وأنه لا فائدة من المفاوضات معها.

لهذا السبب وجدنا أن التوصية التي اتخذها اجتماع لجنة وزراء الخارجية العرب الخاصة بمبادرة السلام العربية للتوجه إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار لا جديد في مضمونه، بل هو يثبت مبدأين قبلهما وأكد عليهما المجتمع الدول وهما: حل الدولتين، أي إقامة الدولة الفلسطينية الى جانب دولة إسرائيل، وإنهاء الاحتلال الذي وقع عام 1967 اي الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، وترسيم حدود دولة فلسطين على هذا الأساس.

إن قرارا كهذا من مجلس الأمن لا يعني إجراء أحاديا ولا يعني استباقا نتائج المفاوضات، وإنما يثبت بوضوح الهدف النهائي لعملية السلام كما حددته خارطة الطريق.

السيد الرئيس .... السيدة نائبة الرئيس،
حضرات النواب  المحترمين،

يدنا لا زالت ممدودة للسلام مؤمنين بأن قدرنا العيش فوق تلك الأرض الصغيرة بحجمها، والكبيرة بتاريخها، وبإرثها الديني والحضاري نريدها كما أرادها إلهنا الواحد، الأرض المقدسة، أرض السلام، معابدها وأماكنها المقدسة حية عامرة بالمؤمنين وليست مجرد آثار أو ساحات حروب ومصدراً للأحقاد والكراهية، ودولتان على حدود الرابع من حزيران 1967 شعار رَددته حناجر الملايين في هذا العالم، فلنعمل على تحقيقه اليوم قبل الغد، ولنثبت جميعاً لدعاة العنصرية والتوسع أننا نحن المنتصرون.

 

 

خطاب السيد الرئيس في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني-تشيلي 

26/11/2009

أصحاب السعادة،
السيدات والسادة،

أشكركم على دعوتكم وحضوركم، وأنتهز هذه المناسبة لأهنئ جمهورية تشيلي، رئيسة وحكومة وشعبا لمناسبة المئوية الثانية للاستقلال، ولأعبر في الوقت نفسه عن فائق شكرنا وتقديرنا لمواقف هذا البلد الصديق في تأييد حقوق شعبنا الفلسطيني كما أقرتها الشرعية الدولية.

كما أتوجه بالشكر إلى المجلس الاقتصادي لأمريكا اللاتينية والكاريبي التابع للأمم المتحدة لتوجيهه هذه الدعوة لي، تعبيرا عن الدور الذي تضطلع به الأمم المتحدة بكافة مؤسساتها في نقل معاناة شعبنا والعمل الجاد على إنهائها.

إن اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في التاسع والعشرين من نوفمبر من كل عام، يحمل رسالتين، الأولى إن قرار التقسيم عام 1947 نص على إقامة دولتين دولة إسرائيل ودولة فلسطين، والرسالة الثانية أن الشعب الفلسطيني لا زال يعيش المعاناة محروما من حقه في إقامة دولته.

إن وجهة نظرنا أنه لا يوجد شعب زائد في الشرق الأوسط، بل توجد دولة ناقصة، هي الدولة الفلسطينية.

لم يتعرض شعب للظلم في التاريخ الحديث كالشعب الفلسطيني، فمن نتائج الحرب العالمية الأولى صدور وعد بلفور عام 1917 الذي أعطى وعدا للحركة الصهيونية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.

أما الحرب العالمية الثانية فنتج عنها قرار التقسيم، ثم النكبة عام 1948 وتشرد شعبنا الفلسطيني في أماكن مختلفة فقسم بقي في إسرائيل و قسم بقي في الضفة الغربية التي أصبحت مع الأردن وقسم في قطاع غزة تحت الإدارة العسكرية المصرية وآخرون تشردوا كلاجئين في الدول العربية المجاورة وفي دول العالم الأخرى. 

لم يلتفت العالم، ولم يبال للأسف بمصير الشعب الفلسطيني بعد عام 1948، فإسرائيل اعتبرت القضية الفلسطينية منتهية،  إذ سيموت كبار السن، وأما الصغار فسينسون. أما المجتمع الدولي فتعامل مع القضية الفلسطينية كحالة إنسانية للاجئين، تساعدهم zzz*zالأونرواzzz*z أي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة.

لم يكن أمام الشعب الفلسطيني وأمام صمت العالم وعجزه من خيار سوى المبادرة إلى القيام بثورة مسلحة، انطلقت بها حركة فتح، ثم قامت منظمة التحرير الفلسطينية لخوض أصعب نضال وأعقده، نضال إبراز هويتنا الوطنية، وإننا شعب له الحق في تقرير مصيره على أرضه.

السيدات والسادة،

لقد أدركنا صعوبة الوضع وتعقيدات الصراع وأبعاده، والمفاهيم التي سادت بشأن نكران وجود الآخر منطلقين من أن اليهود الذين يقيمون في دولة إسرائيل لا يمكن أن يعودوا إلى البلاد التي جاءوا منها كما كان يقال والفلسطينيون لا يمكن أن يزولوا وتبتلعهم الصحراء، لذلك اقترحنا عام 1968 إقامة دولة ديمقراطية علمانية في فلسطين، يعيش فيها اليهود والمسيحيون والمسلمون، ولكن هذه الفكرة رفضت من المؤسسة الرسمية الإسرائيلية مع أنها وجدت أقلية يهودية إسرائيلية قبلت بها.

لا أريد أن أسرد أمامكم تاريخ القضية الفلسطينية، أو تاريخ المنطقة، لذلك سأورد باختصار بعض المحطات بدءا من حرب أكتوبر وأزمة البترول الشهيرة التي حركت المجتمع الدولي بفاعلية أكبر من الماضي لحل الصراع، إذ صدر قرار مجلس الأمن رقم 338 الذي استند إلى قرار سابق لمجلس الأمن صدر بعد حرب عام 1967 والمعروف بالقرار 242، وفي كلا القرارين دعوة لإحلال السلام ومطالبة واضحة بعدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، ولكن القرارين تعرضا للموضوع الفلسطيني في إطار حل قضية اللاجئين.

ولكن النضال الفلسطيني كان قد حصل على اعتراف وتعاطف دولي كبيرين، وبتأييد من حركة عدم الانحياز والدول الاشتراكية آنذاك، وعدم ممانعة دول عديدة في أوروبا الغربية.

في عام 1974 ألقى المرحوم ياسر عرفات خطابه الشهير في الأمم المتحدة قائلا:

 أتيتكم حاملا غصن الزيتون بيد وبندقية الثائر بيد أخرى، ومنذ ذلك العام تبلورت لدينا فكرة حل الدولتين، عندما أقر مجلسنا الوطني برنامجا سمي برنامج النقاط العشر، ونتج عن هذا البرنامج توسيع دائرة الاعتراف الدولي بمنظمة التحرير الفلسطينية، كما فتح هذا البرنامج الباب أمام البدء باتصالات بيننا وبين بعض القوى اليهودية في إسرائيل وخارجها على قاعدة الدولتين، أما الحكومات الإسرائيلية فاتخذت قرارات تعاقب بموجبها كل من يتصل بمنظمة التحرير الفلسطينية.

في عام 1988 وأثناء انتفاضة أطفال الحجارة في الضفة الغربية وقطاع غزة قرر مجلسنا الوطني في الجزائر القبول بقراري مجلس الأمن 242 و338، أي الاعتراف عمليا بإسرائيل على 78 بالمائة من أرض فلسطين التاريخية وليس المساحة التي كان قرار التقسيم قد نص عليها، وعلى هذا الأساس أصدرنا وثيقة إعلان الاستقلال وقيام دولتنا الفلسطينية التي اعترفت بها دول عديدة، وبعدها بدأ حوار بيننا وبين الولايات المتحدة التي كانت حتى ذلك الوقت ترفض مجرد القبول بعبارة حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.

أقول بصراحة إننا حاولنا لسنوات طويلة أن نفتح حواراً مع الولايات المتحدة الأميركية، وكان يؤلمنا أن الفيتو الأمريكي حال دون تمرير عشرات مشاريع القرارات في مجلس الأمن، وكان يحيرنا التناقض ما بين التصريحات من جهة والمواقف العملية من جهة أخرى للإدارات الأمريكية، وتجلى ذلك في إن الولايات المتحدة مثلا كانت اللاعب الدولي الأقوى في تمرير قرار التقسيم عام 1947، لكنها لم تفعل شيئا من أجل تطبيق الشق الخاص بالفلسطينيين، كما أن الولايات المتحدة أيدت القرار 194 بشأن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض والذي كان شرطا لقبول إسرائيل في الأمم المتحدة ولكنها أيضا لم تسع إلى تنفيذه. 

والولايات المتحدة أعلنت بعد حرب عام 1967على لسان الرئيس جونسون رداً على قرار إسرائيل بضم القدس والبدء ببناء المستوطنات بأنها ملزمة بالدفاع عن أمن إسرائيل ووجودها وليس عن توسعها.

إننا ندرك أهمية الدور الأمريكي ولسنا ولا نريد أن نكون في موقف العداء للولايات المتحدة، وقد تعاطينا بإيجابية مع كل جهد أمريكي اقترب ولو قليلا من دور الوسيط النزيه والمحايد بدءاً من مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، ثم رعاية الولايات المتحدة للمفاوضات بيننا وبين الإسرائيليين بعد أن توصلنا عبر قناة أوسلو إلى اتفاق إعلان المبادئ والتوقيع عليه يوم 13 سبتمبر 1993 في البيت الأبيض.

اتفقنا على إنهاء المفاوضات عام 1999 وصولا إلى قيام دولتين وقد استطعنا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحق رابين إنجاز أمور هامة خلال سنتين ولكن اغتياله ومجيء نتانياهو أوقف العملية لأنه وخلال تلك السنوات تم عزل القدس الشرقية المحتلة عن محيطها وعومل قطاع غزة وكأنه كيان منفصل، وبقي أسرانا في السجون، وتوسع الاستيطان، وبدأنا نسمع عبارات استيطان شرعي، ونمو طبيعي للاستيطان، وكانت النتيجة جمود عملية السلام وتنامي الإحساس بعدم جدية الجانب الإسرائيلي في تحقيق السلام.

بعد سقوط حكومة نتانياهو وإجراء الانتخابات التي فاز فيها حزب العمل برئاسة أيهود باراك عام 1999، جرت في كامب ديفيد وفي الأيام الأخيرة من ولاية كلينتون، المفاوضات المشهورة التي لم تثمر عن اتفاق، أعقبها مباشرة قيام شارون بدخول ساحات المسجد الأقصى وانفجار الوضع وقيام الانتفاضة الثانية التي كانت لها نتائج  مدمرة.

وبعد وفاة الرئيس ياسر عرفات الذي ظل محاصرا أربع سنوات، انتخبت رئيسا للسلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية، كان البرنامج الذي طرحته على الشعب الفلسطيني يتلخص بإقامة نظام ديمقراطي وتعددي وإنهاء ظاهرة فوضى السلاح، وتكريس الأسس الديمقراطية على المستويات المختلفة الرئاسية والتشريعية والبلدية والنقابية، وتطبيق معايير النزاهة والشفافية المعترف بها دوليا.

إلا أن برنامجي تعرض إلى أمرين خطيرين :

1 – حالة الانقسام، بسبب انقلاب حماس في قطاع غزة.

2- استمرار إسرائيل في التوسع الاستيطاني.

لكننا تمكنا من الحصول على رؤية الرئيس جورج بوش بحل الدولتين، إذ قررت إدارة بوش التي خاضت حربين لازالتا مستمرتين، الالتفات إلى الموضوع الفلسطيني ولكن وللأسف بوقت متأخر من خلال انعقاد مؤتمر السلام الدولي في أنابوليس في نهاية العام 2007.

واستطعنا مع حكومة أولمرت - ليفني وبمساهمة هامة من كوندوليزا رايس أن نصل إلى تفاهمات حقيقية حددت حدود الرابع من حزيران عام 1967 كنقطة ارتكاز لحل الدولتين .

جاءت حكومة نتانياهو الجديدة عام 2009 وأعلنت عدم التزامها بالمرجعيات التي نصت عليها خارطة الطريق وتنكرت للتفاهمات، ولا زالت تسعى إلى إرجاعنا إلى نقطة الصفر.

أريد أن اكرر أمامكم بأنه ليس لدينا شروط مسبقة لاستئناف المفاوضات، بل نطالب بالتزام الجانبين بأسس عملية السلام وفق خارطة الطريق وتحديدا وقف النشاطات الاستيطانية بما في ذلك النمو الطبيعي وبما يشمل القدس.

فالمفاوضات بالنسبة لهم هي أن إسرائيل تفعل ما تشاء على الأرض وبإمكاننا أن نقول ما نشاء على الطاولة.

وما جاء في إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي يوم أمس لم يحمل في طياته أي جديد، فالاستيطان سوف يستمر في الضفة الغربية، وسوف يستمر في القدس التي تم استثناؤها من القرار، ولم يلتزم رئيس الوزراء باستئناف المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها في ديسمبر 2008، لقد كان لرئيس الوزراء الخيار بين السلام وبين والاستيطان فاختار للأسف الاستيطان.

أمام هذا الرفض الإسرائيلي فإننا نتشاور ونتدارس مع أشقائنا العرب ومع مجموعة الدول اللاتينية والإفريقية والأوروبية والأسيوية، وفي المستقبل مع الإدارة الأمريكية إمكانية الذهاب إلى مجلس الأمن بهدف ترسيم حدود دولة فلسطين على خطوط الرابع من حزيران 1967، بعاصمتها القدس الشرقية. إذ أن هدفنا الذي سنستمر بالسعي إليه هو دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية  تعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل بأمن وسلام.

 بعد 61 عاما من النكبة آن الأوان للشعب الفلسطيني آن يعيش بأمن وسلام في دولته المستقلة ذات السيادة والتي ستكون ركنا أساسيا من أركان الأمن والسلام والاستقرار في منطقتنا والعالم بأسره.

 

 

خطاب السيد الرئيس أمام البرلمان الفنزويلي- فنزويلا

27/11/2009


 

بسم الله الرحمن الرحيم
السيدة سيليا فلوريس رئيسة الجمعية الوطنية،
السادة أعضاء هيئة الرئاسة،
السادة الأعضاء،
الحضور الكريم،
السلام عليكم ورحمة الله،

يطيب لي أن أقف اليوم أمام ممثلي شعب فنزويلا على منصة الجمعية الوطنية، التي التأمت خصيصا للاحتفال بفلسطين، للتعبير عن التضامن الكبير الذي تبديه قيادة جمهورية فنزويلا البوليفارية، وعلى رأسها القائد الرئيس هوغو شافيز، وشعب بلد المحرر البطل سيمون بوليفار فنزويلا، للقضية الفلسطينية، وصولا لتحقيق استقلالنا وإقامة دولتنا الفلسطينية الحرة وعاصمتها القدس الشرقية.

حرصنا على القيام بهذه الجولة في دول أميركا الجنوبية، لإيماننا بأهمية توثيق العلاقات مع هذه الدول، التي تدرك شعوبها من تجاربها الخاصة مرارة وقساوة الاحتلال والتمييز والتهميش والإهانة لإنسانية الإنسان.

وتكون هذه الزيارة التي نختتم بها جولتنا مناسبة لمناقشة أمور عديدة وبالعمق مع فخامة الرئيس شافيز، انطلاقا من حرصنا المشترك على تحقيق الأمن والسلم العالميين، وتحديدا في منطقة الشرق الأوسط.

السيدة الرئيسة،
السيدات والسادة،

تصادف بعد يومين الذكرى الثانية والستون لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181، والذي نص على تقسيم فلسطين. فمنذ عشرين عاما قررت الأمم المتحدة إحياء هذه الذكرى كيوم عالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني.

رسالتان تحملهما اليوم هذه المناسبة، الأولى أن قرار التقسيم عام 1947 نص على إقامة دولتين، دولة إسرائيل ودولة فلسطين، والرسالة الثانية أن الشعب الفلسطيني لازال يعيش المعاناة محروما من حقه في إقامة دولته.

لا يوجد شعب زائد في الشرق الأوسط، بل توجد دولة ناقصة، هي الدولة الفلسطينية.

لم يتعرض شعب للظلم في التاريخ الحديث كالشعب الفلسطيني، فالحرب العالمية الأولى نتج عنها صدور وعد بلفور عام 1917 الذي أعطى تعهدا للحركة الصهيونية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.

أما الحرب العالمية الثانية فنتج عنها قرار التقسيم. وفي عام 1948 حلت النكبة وتشرد شعبنا في أماكن مختلفة فقسم بقي في إسرائيل، وقسم بقي فيما تبقى من فلسطين أي الضفة الغربية وقطاع غزة، والأكثرية تحولت إلى لاجئين إما في وطنهم أو في الدول العربية المجاورة أوفي غيرها من بلدان العالم.

لم يبال العالم للأسف بمصير الشعب الفلسطيني بعد عام 1948، فإسرائيل اعتبرت القضية منتهية، فكبار السن سيموتون وأما الصغار فسينسون. أما المجتمع الدولي فتعامل مع القضية الفلسطينية كحالة إنسانية، مجرد لاجئين تساعدهم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة والمعروفة باسم الأنروا.

لم يكن أمام الشعب الفلسطيني إزاء صمت العالم وعجزه من خيار سوى المبادرة إلى القيام بثورة مسلحة انطلقت بها حركة فتح وتبعته منظمات فلسطينية أخرى توحدت ضمن إطار منظمة التحرير الفلسطينية التي خاضت أصعب نضال واعقده وهو إبراز هويتنا الوطنية، وبأننا شعب له الحق في تقرير مصيره.

السيدات والسادة،

لقد أدركنا في منظمة التحرير الفلسطينية صعوبة الوضع وتعقيدات الصراع وأبعاده فدولة إسرائيل أصبحت حقيقة ولا مجال لما كان يقال آنذاك من أن اليهود الذين جاءوا عليهم أن يعودوا إلى بلادهم الأصلية فكان من المستحيل في الوقت نفسه أن يزول الشعب الفلسطيني وتبتلعه الصحراء، لذلك رفعنا عام 1968 شعار إقامة دولة ديمقراطية علمانية في فلسطين، يعيش فيها اليهود والمسيحيون والمسلمون متساوين في الحقوق والواجبات، لكن هذه الفكرة رفضت من قبل المؤسسة الرسمية الإسرائيلية وإن كانت حظيت على تأييد أقلية يهودية إسرائيلية.

السيدة الرئيسة،
السيدات والسادة،

لا أريد أن أسرد أمامكم تاريخ القضية الفلسطينية، أو تاريخ المنطقة، وإنما سأتعرض وباختصار لبعض المحطات الهامة، فبعد حرب أكتوبر عام 1973 وأزمة البترول الشهيرة تحرك المجتمع الدولي والقوى الكبرى لإيجاد حل للصراع، فصدر قرار مجلس الأمن رقم 338 الذي استند إلى قرار سابق لمجلس الأمن صدر بعد حرب 1967 والمعروف بقرار 242، وفي كلا القرارين دعوة لإحلال السلام ومطالبة واضحة بعدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة.

لكن القرارين اكتفيا بالإشارة للموضوع الفلسطيني في إطار بند حل قضية اللاجئين. إلا أن النضال الفلسطيني كان قد حصل على اعتراف وتعاطف دولي كبيرين وبفضل تأييد حركة عدم الانحياز والدول الاشتراكية آنذاك، وعدم اعتراض دول عديدة في أوروبا الغربية تمت دعوة قائد الشعب الفلسطيني المرحوم ياسر عرفات عام 1974 وألقى خطابه الشهير في الأمم المتحدة قائلا: أتيتكم حاملا غصن الزيتون بيد وبندقية الثائر بيد أخرى فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي.

تبلورت لدينا فكرة حل الدولتين منذ عام 1974 عندما اقر مجلسنا الوطني برنامجا سمي برنامج النقاط العشر، وقد رحبت به دول عديدة وأقامت على ضوئه علاقات رسمية مع منظمة التحرير الفلسطينية، كما فتح الباب أمام البدء باتصالات بيننا وبين بعض القوى اليهودية في إسرائيل وخارجها على قاعدة حل الدولتين، أما الحكومات الإسرائيلية فردت على ذلك بإصدار قرارات تعاقب بموجبها كل من يتصل بمنظمة التحرير الفلسطينية بالسجن والغرامة.

محطة أخرى هامة في مسيرتنا النضالية حصلت في عام 1988 أثناء انتفاضة اطفال الحجارة في الضفة الغربية وقطاع غزة فقد قرر مجلسنا الوطني في الجزائر القبول بقراري مجلس الأمن  242 و338 بشكل رسمي، والاعتراف عمليا بإسرائيل على 78 بالمائة من ارض فلسطين التاريخية وليس المساحة التي كان قرار التقسيم قد نص عليها وهي 54 بالمائة. وعلى هذا الأساس أصدرنا وثيقة إعلان الاستقلال وقيام دولتنا الفلسطينية التي اعترفت بها دول عديدة، وفتحت نافذة البدء في حوار بيننا وبين الولايات المتحدة التي كانت حتى ذلك الوقت ترفض مجرد القبول بعبارة حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.

وقد أعلنت الولايات المتحدة بعد حرب عام 1967 على لسان الرئيس ليندون جونسون ردًا على قرار إسرائيل بضم القدس والبدء ببناء المستوطنات بان أمريكا ملزمة بالدفاع عن أمن إسرائيل ووجودها لكن لن تدافع عن توسعها.

إننا ندرك أهمية الدور الأمريكي. وقد تعاطينا بإيجابية مع كل جهد أمريكي أقترب ولو قليلا من دور الوسيط النزيه والمحايد بدءًا من مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، ثم رعاية الولايات المتحدة للمفاوضات بيننا وبين الإسرائيليين بعد أن توصلنا عبر قناة أوسلو إلى اتفاق إعلان المبادئ والتوقيع عليه يوم 13 أيلول/سبتمبر1993 في البيت الأبيض.

السيدة الرئيسة،
حضرات النواب المحترمين،

كان اتفاق إعلان المبادئ يقضي بإنهاء المفاوضات عام 1999 والوصول إلى حل نهائي يقوم على أساس الدولتين واستطعنا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل يتسحاق رابين انجاز أمور هامة خلال أول سنتين، لكن اغتياله ومجيء نتانياهو أوقف العملية.

إذ تم عزل القدس الشرقية عن محيطها وعومل قطاع غزة وكأنه كيان منفصل، وبقي أسرانا في السجون، وتوسع الاستيطان. وبدأنا نسمع عبارات مستهجنة مثل استيطان شرعي ونمو طبيعي للاستيطان.

وكانت النتيجة جمود عملية السلام وتنامي الإحساس بعدم جدية الجانب الإسرائيلي في تحقيق السلام.

وبعد سقوط حكومة نتانياهو ومجيء حزب العمل برئاسة أيهود باراك عام 1999، جرت في كامب ديفيد وفي الأيام الأخيرة من ولاية الرئيس كلينتون المفاوضات الشهيرة التي لم تثمر عن اتفاق. أعقبها مباشرة قيام أريئيل شارون بدخول ساحة المسجد الأقصى وانفجار الوضع وقيام الانتفاضة الثانية التي كانت لها نتائج مدمرة، فقدنا خلالها رئيسنا ياسر عرفات الذي ظل محاصرا أربع سنوات.

في ظل تلك الظروف الصعبة توليت مسؤولية قيادة شعبي حيث انتخبت رئيسا للسلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية.

وكان البرنامج الذي طرحته على الشعب الفلسطيني يتلخص بإقامة نظام ديمقراطي وتعددي وإنهاء ظاهرة فوضى السلاح، وتكريس الأسس الديمقراطية على المستويات المختلفة الرئاسية والتشريعية والبلدية والنقابية، وتطبيق معايير النزاهة والشفافية المعترف بها دوليا.

ولا بد أن أنوه إلى قيام الدول العربية بطرح مبادرة السلام العربية عام 2002 وتلك المبادرة التي تم تبنيها في خارطة الطريق التي قدمتها اللجنة الرباعية الدولية والتي اعتمدها مجلس الأمن في قراره 1515.

إلا أن برنامجي تعرض إلى أمرين خطيرين:

الأول حالة الانقسام، بسبب انقلاب حماس في قطاع غزة، والثاني استمرار إسرائيل في التوسع الاستيطاني، وبناء جدار الفصل العنصري.

في نهاية العام 2007 وبعد مؤتمر انابوليس عدنا إلى المفاوضات مع حكومة أولمرت ليفني، وبمساهمة هامة من الرئيس بوش وكوندوليزا رايس استطعنا أن نصل إلى تفاهمات حقيقية ثبتنا فيها حدود الرابع من حزيران عام 1967 كأساس لحل الدولتين.

غير أن مجيء حكومة نتنياهو الجديدة عام 2009، أوقفت كل ذلك إذ أعلنت هذه الحكومة عدم التزامها بالمرجعيات التي نصت عليها خارطة الطريق وتنكرت للتفاهمات وهي تسعى لإرجاعنا إلى نقطة الصفر.

أريد أن أكرر أمامكم بأنه ليس لدينا شروط مسبقة لاستئناف المفاوضات، بل بالتزام الجانبين بأسس عملية السلام وفق خارطة الطريق، وتحديدا وقف النشاطات الاستيطانية بما في ذلك ما يسمى بالنمو الطبيعي وبما يشمل القدس.

لا يمكن أن نقبل بمفهوم حكومة إسرائيل الحالية، المفاوضات على أساس أن إسرائيل تفعل ما تشاء على الأرض وبإمكاننا أن نقول ما نشاء على الطاولة.

أما ما جاء في إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي قبل يومين فإنه لم يحمل في طياته أي جديد، لان الاستيطان سوف يستمر الضفة الغربية والقدس التي تم استثناؤها من القرار. ولم يلتزم رئيس الوزراء باستئناف المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها في ديسمبر 2008. كان أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يختار ما بين السلام والاستيطان، فاختار للأسف الاستيطان.

أمام هذا الرفض الإسرائيلي فإننا نتشاور ونتدارس مع أشقائنا العرب ومع مجموعة الدول اللاتينية والإفريقية والأوروبية والأسيوية، وفي المستقبل مع الإدارة الأميركية حول إمكانية الذهاب الى مجلس الأمن بهدف ترسيم حدود دولة فلسطين على خطوط الرابع من حزيران 1967، بعاصمتها القدس الشرقية.

إذ أن هدفنا الذي سنستمر بالسعي إليه هو دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية، تعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل بأمن وسلام.

بعد 61 عاما من النكبة آن الأوان للشعب الفلسطيني أن يعيش بأمن وسلام في دولته المستقلة ذات السيادة والتي ستكون ركنا أساسا من أركان الأمن والسلام والاستقرار في منطقتنا وفي العالم بأسره.

إننا واثقون أيها الأصدقاء أن فنزويلا قائدا وحكومة وشعبا ستستمر في دعمها وتأييدها لقضية شعبنا العادلة حتى تقوم دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

أحييكم جميعا
وعاشت الصداقة الفنزويلية الفلسطينية

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 


خطاب السيد الرئيس في يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني
في مقر الأمم المتحدة- نيويورك

30/11/2009

معالي السيد بان كي مون،
الأمين العام للأمم المتحدة،

معالي الدكتور علي عبد السلام التريكي،
رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة،

سعادة السفير بول بادجي،
رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف،

سعادة السفير توماس ماير-هارتنغ،
رئيس مجلس الأمن،

اسمحوا لي في البداية أن أنقل إليكم تحيات الشعب الفلسطيني وإلى أصدقائنا المشاركين في إحياء اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في مختلف دول العالم.

كما أتوجه بفائق الشكر للأمم المتحدة وإلى أمينها العام، وإلى رئاسة وأعضاء اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، على جهودهم المتواصلة في التعريف والدفاع عن حقوق شعبنا التي كرّستها العشرات بل المئات من القرارات الصادرة عن الجمعية العامة أو مجلس الأمن منذ أن صدر قرار تقسيم فلسطين رقم 181 عام 1947، وحتى الدورة الحالية للجمعية العامة.

أصحاب السعادة،
السيدات والسادة،

إن القضية الفلسطينية وحدها ومن دون القضايا والمشاكل الدولية، لم تحظ بتنفيذ القرارات الخاصة بها، مما كرّس القناعة بأن هناك مكيالين لقرارات الأمم المتحدة حيث لم ينفذ كل ما له علاقة بإسرائيل التي تتصرف وكأنها فوق القانون الدولي.

لقد مر واحد وستون عاماً منذ النكبة التي حلت بشعبنا الذي يعيش حتى اليوم، إما لاجئاً في وطنه وفي دول الجوار وشتى أنحاء العالم، أو يعاني من احتلال استيطاني متواصل لأرضه التي احتلت عام 1967، حيث لم تثمر كل المفاوضات التي خضناها مع الجانب الإسرائيلي منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 عن النتائج التي كان يتوخاها المجتمع الدولي، بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية.

وظلت المفاوضات تجري خلال هذه السنوات دون أن يتوقف الاستيطان والاعتقالات أو الاعتداءات التي كان آخرها ما جرى ضد قطاع غزة وارتكبت خلالها جرائم حرب ضد شعبنا الفلسطيني ومؤسساته الوطنية وبناه التحتية وثّقها تقرير القاضي غولدستون.

ولقد وصل الأمر مع الحكومة الإسرائيلية الحالية إلى درجة التنكر التام والتراجع عن كل الالتزامات والاتفاقيات التي كنا وصلنا إليها مع الحكومات الإسرائيلية السابقة، وهنالك تسارع خطير لسياسات الاستيطان والتهويد للقدس من خلال تضييق الخناق على أهلها وتهجيرهم وتطويق أحيائهم بالمستوطنات في تهديد صارخ لعروبة المدينة ومعالمها المسيحية والإسلامية، ووصل الحد كذلك إلى تهديد المسجد الأقصى بسبب الحفريات التي تتم تحته ومن حوله، والسماح للمتعصبين اليهود باقتحام ساحاته، وهو ما يهدد بتوسيع دائرة الصراع إلى بُعد ديني خطير.

إن مفهوم الحكومة الإسرائيلية الحالية للمفاوضات هو أنها تستطيع أن تفعل ما تشاء على الأرض وأنه يمكننا الحديث بما نشاء على طاولة المفاوضات، وهذا ما لا يمكننا القبول به.

ولكننا ورغم كل ذلك نؤكد لكم مجدداً كما أكدنا دوماً، التزامنا الكامل بالسلام العادل كخيار استراتيجي، وبأننا لم نكن يوماً عقبة أمام السلام المنشود القائم على أساس قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة ومبدأ الأرض مقابل السلام ووفقاً لمبادرة السلام العربية التي تبنتها الدول العربية والإسلامية وأقرتها الشرعية الدولية بالقرار الأممي 1515، آملين أن يدرك الجميع ذلك وأن يدعموا هذا الموقف الفلسطيني المسؤول من أجل إحلال السلام في المنطقة والعمل سوياً لدفع إسرائيل في نفس الاتجاه، لأن ممارساتها اليومية على الأرض تؤكد أنها لا تريد أية خطوة باتجاه التسوية الشاملة وهي تقوم باستكمال مخططها الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية في انتهاك خطير للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية، وتدير ظهرها للعودة إلى المفاوضات من أجل التوصل لحل شامل وعادل كفيل بإنهاء الصراع وتوفير الأمن والاستقرار والسلام لجميع شعوب المنطقة.

أصحاب السعادة،
السيدات والسادة،

لقد آن الأوان، بعد كل هذه السنوات من المفاوضات التي لم تؤد إلى نتائج، أن يضطلع المجتمع الدولي، وخاصة مجلس الأمن، بمسؤولياته ويتخذ الإجراءات الفورية والحازمة التي تعكس مواقف مختلف دول العالم التي طالبت مراراً وتكراراً بحل الدولتين، وبإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي وقع عام 1967، من أجل وضع حد لهذا الصراع، وإعطاء المصداقية لميثاق الأمم المتحدة ولقراراتها.

نجدد لكم جميعاً باسم شعبنا الفلسطيني وقيادته وباسمي شخصياً شكرنا على دعمكم وتقديرنا لتضامنكم، ولكل الأصدقاء والأحرار ومحبي السلام في العالم الذين يقفون إلى جانب شعبنا في مسيرته من أجل تحقيق السلام العادل مُؤمنين بأن ذلك السلام العادل لابد وأن يحل في منطقتنا، وبأن الحق لابد وأن ينتصر.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


خطاب السيد الرئيس في ذكرى انطلاقة الثورة – رام الله

31/12/2009

أيتها الأخوات، أيها الإخوة،
يا أبناء شعبنا المناضل والصامد والوفي،
أيها الفلسطينيون الأحبة في كل مكان،

نحتفل اليوم بذكرى انطلاق ثورتنا التي فَجرتها طلائعُ حركة التحرير الوطني الفلسطيني، zzz*zفتحzzz*z، مُعلنة بداية عهد جديد في تاريخ شعبنا، وتاريخ منطقتنا.

خمسة وأربعون عاماً من النضال المتواصل، اسُتعمِلت خلاله أساليبٌ متعددةٌ للمقاومة، في ثورة هي الأطول في تاريخ الشعوب في هذا العصر، ثورة لا يدرك ما واجهته من مصاعب في مرحلة الإعداد، ثم الولادة، إلا من انخرط في صفوفها في تلك السنوات التي أعقبت نكبة عام 1948 والتي شَهِدت ضَياع الوطن وتشريد الشعب ومحاربة ومنع الفلسطينيين من تنظيم أنفسهم في أي إطار، وتحريم رفع هذا العلم الخفّاق، علم فلسطين، كرمز من رموز هويتنا الوطنية.

نُحيي هذه الذكرى لنؤكد على تمسكنا بثوابتنا الوطنية، وعلى أن هذه الثورة قد انطلقت لتبقى وتنتصر.

أثبتت انطلاقة ثورتنا بقيادة فتح عام 1965، أن هذا الشعب العظيم لا تُثنيه جراحاته وآلامه ومعاناته من النهوض كطائر الفينيق، فقدم عشرات آلاف الشهداء البررة أرواحهم، في سبيل تحقيق الهدف الذي لا بديل عنه، وهو الحرية وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها قلب فلسطين دُرة التاج مدينة القدس الخالدة، وحل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين كما ورد في المبادرة العربية وحسب القرار 194.

أيتها الأخوات، أيها الإخوة،

لا يمكن إدراك حجم الإنجازات التي حققتها ثورتنا العملاقة، رغم كل الصعوبات والتحديات التي لا زلنا نواجهها، إلا باستذكار ومعرفة الوضع الذي كان سائداً قبل الانطلاقة.

فقد كانت قضية فلسطين تختصر دولياً بكونها قضية لاجئين، أما إسرائيل فاعتبرتها قضيةً منتهيةً لأن كبار السن يموتون، وحديثي الولادة بعد النكبة ينسون. وعلى الصعيد العربي -للأسف- كانت القضية مجالا للمزايدات بين الأنظمة في الصراع بينها، وكنا نحن الفلسطينيين مشتتين جغرافياً مختلفين سياسياً.

وجاءت حركة فتح لتصنع مع بقية فصائل منظمة التحرير الفلسطينية تاريخنا الحديث، فحوّلَت القضية من قضية إنسانية إلى قضية وطنية ومن قضية حدود إلى قضية وجود، وأصبح اللاجئون من الفلسطينيين، بل كل الفلسطينيين، مناضلين من أجل الحرية والاستقلال وتقرير المصير.

فَتَحتَ راية منظمة التحرير الفلسطينية، التي وحدت شعبنا في كل أماكن تواجده، وضمت إلى صفوفها كل أطيافه السياسية، فرضنا قضيتنا على جدول أعمال كل المؤسسات الدولية والإقليمية، حيث عادت فلسطين لتحتل موقعها في جامعة الدول العربية، وأصبحت عضواً في منظمة المؤتمر الإسلامي وفي حركة عدم الانحياز، وتحظى بصفة المراقب الدائم في الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة، ولا ننسى أيضا أنها عضو مراقب في القمة الأفريقية.

هذه الإنجازات التي تحققت، يُدركها أكثر من غيره، من عاش في لهيب هذه الثورة، وناضل جنباً إلى جنب مع القادة الشهداء الذين تَخلوا عن كل الامتيازات، وعلى رأسهم القائد الرمز ياسر عرفات، متذكرين شهيدنا الأول عبد الفتاح عيسى الحمود عضو اللجنة المركزية وأبو يوسف النجار وكمال عدوان والقائمة تطول إلى الشهيد صخر حبش zzz*zأبو نزارzzz*z.. وغيرهم وغيرهم من عشرات الآلاف الذين روت دماءهم الطاهرة تراب وساحات المواجهة، سواء في الأرض المحتلة من أقصاها إلى أقصاها، أو في المنافي القريبة والبعيدة وآخر شهدائنا ستة قتلوا بدمٍ باردٍ من قِبل القوات الإسرائيلية في نابلس وقطاع غزة.

وهنا لا بد من وقفة عند هذا الحدث الكريه الحقير التي قامت به القوات الإسرائيلية، لنقول لمن سنوجه كلامنا إليه بأننا أمام وقفة وبأننا سنقدم جردة حساب لسنوات ماضية وبأننا في النهاية سنقول كلمتنا.

ويُدرك جيلنا أهمية الوحدة الوطنية التي أنجزناها على أنقاض الانقسام والتشرذم، الوحدة التي يجب الحفاظ عليها والتمسك بها، وإفشال كل مخططات المتآمرين عليها.

علينا أن نبني على ما تم إنجازه وتطويره، فثورتنا منذ انطلقت، حددت هويتها كحركة تحرر وطني للشعب الفلسطيني المنتمي إلى أُمته العربية والإسلامية، فقضيتنا هي قضية هذه الأمة العظيمة، التي قدمت قوافل الشهداء من أجل فلسطين، وقد حَرصنا منذ البداية على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وأن نُبقي قضيتنا فوق أية خلافات، وألا نسمح بزجها في أية صراعاتٍ إقليميةٍ أو غير إقليمية، ونحن بحاجة اليوم، وأكثر من الماضي للتمسك بهذا النهج، والاستفادة من عِبَرِ الماضي.. كل عِبَرِ الماضي.

وبهذه المناسبة فقد قلنا لكل أشقائنا وأصدقائنا ومنن حولنا وبالذات لأشقائنا في لبنان مؤخرا، أننا ضيوف على الشعب اللبناني كما أننا ضيوف على غيره من الدول العربية، وأننا لن نتدخل في شؤونه الداخلية وأننا تحت القانون ولسنا فوق القانون، ونقول هذا ليس للبنان فقط وإنما لكل مكان ولكل دولة عربية كانت أو غير عربية هذا القول دون تردد لأننا نريد أن نبقى ضيوفا أعزاء إلى أن يأتي الوقت لعودتنا لوطننا الفلسطيني.

أيتها الأخوات، أيها الإخوة،

يُحاول البعض منا أن يرسم صورة قاتمة للوضع بأسره، ورغم إدراكي أكثر من غيري لكل المصاعب، إلا أن ذلك يجب ألا يَحول دون إدراكنا واعترافنا بالإنجازات التي نحققها، رغم كل ما يضعه الاحتلال من عراقيل أمامنا.

فعلى الصعيد السياسي، هناك تفهم دولي غير مسبوق لمواقفنا، ولا توجد اليوم دولة في العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، تدافع عن مواقف الحكومة الإسرائيلية، وأصبحت المطالبة بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، سياسة رسمية تُطالب بإنجازها كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

وحتى نقول كل الحقيقة فإن ما صرح به الرئيس أوباما كلام كان في منتهى الأهمية وعلينا أن نتمسك به ونطالبه دائما بأن يتمسك به، عندما قال إن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة مصلحة حيوية أمريكية، إذًا عليهم أن ينفذوا هذا الكلام وأن لا يكون فقط كلاما في الهواء، هذا كلام جيد جاء من أمريكا ومن أعلى رأس في أمريكا ونقول تمسكوا بهذا الموقف وأوفوا بعهدكم.

وحققنا على صعيد وضعنا الداخلي في الضفة الغربية، رغم مأساة الانقلاب ومعاناة أهلنا في قطاع غزة، حققنا الأمن لمواطنينا، ونمواً اقتصادياً في مجالات مختلفة، صناعية وزراعية وسياحية، وغيرها، وتذكرون أننا منذ بدأنا هذه المرحلة رفعنا شعارًا وهو قوله سبحانه وتعالى zzz*zفليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوفzzz*z وهذا هو الشعار الذي نسعى وسعينا ونعمل من أجل تحقيقه دائما وأبدا هو الأمن للمواطنين، ولقمة العيش والحياة الكريمة، ودائما نقول اللهم آمنا في أوطاننا والحمد لله أننا نتمتع لولا بعض التدخلات ولولا بعض التداخلات ولولا بعض الاجتياحات ولولا.. نحن نعيش في أمن وأمان ولكن للحديث بقية.

واستطعنا أن نعقد مؤتمر حركة فتح، حيث تم انتخاب قيادة جديدة عبر الممارسة الديمقراطية، وعقد مجلسنا الوطني دورة اجتماعات استثنائية، استكملنا خلالها عضوية اللجنة التنفيذية ولم يعد هناك من يتحدث عن عدم شرعية اللجنة التنفيذية، إذ أننا اتبعنا النظام والقانون وطبقنا هذا النظام والقانون، باستكمال اللجنة التنفيذية وأصبحت اللجنة التنفيذية كاملة العضوية، كما جرت انتخابات لعدة منظمات شعبية وعلى رأسها إتحاد المرأة، ونحن سائرون على طريق استكمال الانتخابات لبقية المنظمات، وكذلك الإعداد لإجراء الانتخابات البلدية لأننا بدأنا عهودنا الديمقراطية ونريد أن نستمر في الديمقراطية رغم كل أولئك الذين لا يريدون الديمقراطية إلا مرة واحدة، مع التأكيد على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

إننا أصدرنا مرسوما للانتخابات في 24/10 من أجل عقد هذه الانتخابات حسب الدستور، حسب القانون الأساسي في 24/1/2010، وقبل ذلك كان هناك الوثيقة المصرية للمصالحة، وعندما قامت لجنة الانتخابات المركزية المستقلة؛ بالمناسبة نحن من القلة في العالم الذين لا تجري وزارة الداخلية الانتخابات وإنما تجريها لجنة مستقلة كاملة الاستقلال، وهذا يشهد به العالم أجمع، لكن جوبهت هذه اللجنة برفض من حركة حماس قائلين سنمنع ذلك بقوة السلاح، ثم جاءت الوثيقة المصرية التي كانت عبارة عن جمع لكل الآراء المتناقضة لأن الذي يصالح لا يستطيع أن يرضي الطرف هذا والطرف هذا بكامل طلباته، وقالوا هذا ما رسونا عليه، وما وصلنا إليه وبالتالي نرجو أن نذهب إلى المصالحة الوطنية بعد أن تعبنا، عامان ونصف كاملة ومصر تسعى من أجل المصالحة الوطنية، ونحن رغم أنه كانت لدينا بعض الملاحظات لكن من أجل المصلحة الوطنية، وحرصا على جهود مصر التي تعبت معنا كثيرا، قلنا نحن مستعدون القبول بهذه الوثيقة ووقعنا عليها في الوقت المحدد 15 تشرين أول/أكتوبر خلال هذا العام، وفوجئنا أن حماس قالت لدينا ملاحظات وبدأت هذه الملاحظات أو الهينات الهينات بتقرير غولدستون، ثم رجعوا عنها ووضعوا مجموعة من الملاحظات وبدأوا يتكلمون عنها، ثم قالت لهم مصر تعالوا وقعوا وسنأخذ بعين الاعتبار ملاحظاتكم بعد التوقيع، لكنهم رفضوا وأصروا ثم أرسلوا لنا بشكل رسمي نحن مستعدون للتوقيع على الوثيقة لكن ليس في مصر، طبعا نحن لا أخلاقنا ولا ضميرنا ولا مصلحتنا الوطنية والقومية ولا وفاءنا يقبل هذا، ورفضنا، إذا القضية لم تكن قضية ملاحظات أو قضية استدراكات، وإنما هي في مكان التوقيع، التوقيع يتم في المكان الذي تمت فيه كل هذه المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، التوقيع سيكون في مصر، والمتابعة ستكون في مصر، وقلنا نحن لا نريد هذا الاقتراح ومصممون على أن لا يكون التوقيع بمصر.

رغم أنهم يتحدثون عن انتخابات، إلا أنهم اقترحوا علينا بصفة رسمية وقالوا أنتم في المجلس السابق بقيتم 11 عاما، نحن نريد تمديد 10 سنوات للمجلس والرئيس، قلنا كلا وبذلك المصالحة إلى الآن تراوح مكانها ونحن فعلا جادون ونريد المصالحة، وجادون في الانتخابات ولن نمدد، نريد انتخابات رئاسية وتشريعية وسنعمل بكل جهد لتطبيقها وعلى الشعب الفلسطيني أن يختار.

إن هذه الإنجازات التي حققناها ونُحققها، وتحظى بتقدير المؤسسات الدولية، تواجه من قبل الحكومة الإسرائيلية والجهات الأكثر تطرفاً فيها، بتصعيد الأعمال العدوانية، والاستفزاز المبرمج، الذي يظهر واضحاً في التصدي للمظاهرات والمسيرات والاعتصامات السلمية في القدس ونعلين وبلعين والمعصرة، وفي أعمال قطعان المستوطنين ممن وصل بهم الأمر إلى حد إحراق المسجد في ياسوف.

نحن مع حق الشعب الفلسطيني بالمقاومة المشروعة، ما يجري في نعلين وبلعين نحن معه، ونؤيده ونحن مع أهلنا في القدس عندما يهدم بيت أو تصادر أرض أو يطرد إنسان أو تلغى هوية، نحن معهم أن يقفوا في وجه هذه الإجراءات الظالمة، هذا حقنا ونحن نمارس حقنا في إطار القانون الدولي.

لقد أَعلنت سابقاً، وأؤكد أمامكم مجدداً اليوم: لن نقع في الفخ الذي ينصبونه لنا، إنهم يسعون عبر استفزازاتهم المكررة والمتكررة إلى جرنا لردود فعل تأخذ طابع العنف، كي يتخلصوا من العُزلة والضغط الدولي فسيستغلون قوة نفوذهم الإعلامي، لتأخذ الضحية صورة الجلاد.

وليس لديهم مانع أن يظهرونا بهذا المظهر حتى يقولوا للعالم أنظروا إلى الفلسطينيين ماذا يفعلون، نحن في إطار القانون نعمل، وفي إطار النظام نعمل، نريد أرضنا نريد بلدنا، نريد دولتنا المستقلة في حدود 67.

فلنثق، أخواتي وإخواني، بأنفسنا، ولا ننجر إلى جوقة المزاودين أصحاب الشعارات، أو يتملكنا اليأس، فنُقْدِم على أعمال غير محسوبة.

نحن قلنا أكثر مرة نحن ضد الصواريخ العبثية فاعتبرونا إننا متخاذلون لا نريد المقاومة، ولا نريد ..، خرجوا علينا باتفاقات مع التنظيمات بل بدؤوا يمنعون ويضربون كل من يحاول أن يقوم بعمل مقاوم، لدرجة شهد لهم رئيس الأركان الإسرائيلي إشكنازي شهادة شعرية وقال zzz*zنحن قمعنا حماس وهي تقمع باقي الناسzzz*z، واليوم إسرائيل تقول لم تشهد العشر أعوام الماضية أهدأ مما حصل في غزة.

المقاومة والممانعة شعارات غير صحيحة، إن هذا يصنف مقاومة ممانعة وهذا يصنف تخاذل واستسلام، نحن في إحدى القمم العربية قال بعض الأخوة إن هذه المبادرة العربية لن تبقى إلى الأبد، فقلنا لهم هنالك ثلاثة خيارات،

الأول: الحرب إذا كنتم جاهزين، الحل الآخر اللاسلم واللاحرب ونحن نرفضه، الحل الثالث طريق السلام ونحن مع طريق السلام ومع المبادرة العربية، لذلك لا نريد أن نرفع صوتنا عاليا وبالتالي لا نحصد شيء، نحن نريد طريق السلام.

وبالمناسبة ما هو الفرق الآن بين مواقفنا السياسية ومواقف حماس، هم يقولون الدولة ذات الحدود المؤقتة التي قدموها تعني من جملة ما تعني أن تخرج 60% أو 50% من الضفة الغربية وأن تكون هناك تهدئة أو هدنة لـ 10 أو 15 عاما القدس واللاجئين لاحقا، هذا هو مشروع الدولة ذات الحدود المؤقتة والذي طرحه مؤخرا موفاز وقال zzz*zنحن نطرحه على حماس إذا نجحت في الانتخاباتzzz*z. المشروع الثاني هو حدود 67 ويتكلمون فيه فعلا لكن نقبل حدود 67 إنما تكلموا معنا، إذا تكلم الغرب والشرق معهم يقبلون هذا، بالخلاصة لا يوجد خلاف بيننا على العقيدة لا، السياسة لا، المقاومة لا، إذاً على ماذا مختلفين؟ إذا لماذا لا تذهبون وتوقعوا على الوثيقة؟ يقولون لا نستطيع أن نوقعها لكن لماذا؟ من الذي يأمر؟

أيها الإخوة، يا أبناء شعبنا الوفي،

أُجدد اليوم، وفي ذكرى الانطلاقة، دعوتي إلى الإسراع في إنهاء حالة الانقسام، فعلى حركة حماس وقيادتها أن تتوقف عن المتاجرة بمعاناة أهلنا في القطاع، واستخدامهم كرهينة، عليهم أن يقرأوا ما صَرح به وزير خارجية إيران حول المساعدة التي قدمت للشعب الفلسطيني.

وأقول لهم أن تصعيد الخلاف مع مصر الشقيقة بسبب الأنفاق لا يخدم سوى إسرائيل ومخططاتها، فإسرائيل تريد أن تتخلص من أي التزام تجاه القطاع، ومعظم القادة الإسرائيليين، يعملون لكي يكون للقطاع كيانه الخاص، وهو ما يتوافق مع نوايا أصحاب مشروع إقامة الإمارة المتأسلمة في غزة، وهذا يصب في مصلحة المشروع الإسرائيلي، مشروع الدولة ذات الحدود المؤقتة التي تقترحها عدة أطراف إسرائيلية من داخل الحكومة وخارجها، وتقوم على أساس كيان في غزة مرتبط سياسياً لا جغرافياً بجزر وكانتونات فلسطينية في الضفة الغربية تقع خلف جدار الفصل العنصري.

مرة أخرى، أقول لقيادة حركة حماس، وبالذات للوطنيين والمتنورين من كوادرها وقياداتها، هنالك كثيرون يعلمون وكثيرون يفهمون الحقيقة وهناك كثيرون يعلمون ماذا يجب أن يفعل لأنهم وطنيون ومتنورون، أقول لهؤلاء، قَوّموا بمسؤولية نتائج الانقلاب وما جره من مآس، وقَوّموا ردود الفعل على تصريحاتكم وأفعالكم، وقوموا كم تكسب إسرائيل من الانقسام وكم يخسر الشعب الفلسطيني. لأنه أقل كلمة تقولها إسرائيل وقت اللزوم عندما يزنقون مع من نتكلم، هنالك غزة والضفة، هذه حجة مخبئة في أي وقت يزنقون في حل يقولون مع من نتكلم، علينا أن ننتبه لوحدة الشعب الفلسطيني، لمصلحتنا جميعا لمصلحة كل الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية والعالم، إذا حلت قضيتنا تحل كل بؤر الصراع في العالم.

إن التوقيع على الوثيقة المصرية، والذهاب إلى الانتخابات الرئاسية والتشريعية هو الطريق الأمثل، إن لم يكن الطريق الوحيد، حتى يقول الشعب الفلسطيني كلمته، ويحدد خياراته الوطنية.

أتوجه في هذا اليوم الذي يصادف مرور عام كامل على العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزه، لأؤكد لأهلنا في كل ركن من أركان القطاع الحبيب بأن معاناتهم هي معاناتنا جميعاً، وبأننا سنواصل تقديم مختلف أشكال الدعم المتاحة، وأشكال الدعم المتاحة كما هو معروف نحن نقدم لأهلنا لا منة إنما واجب لـ 77 ألف موظف، و58% من موازنة السلطة الوطنية لقطاع غزة، وأقول كل المساعدة والتسهيلات من أجل مرور المواد الغذائية والصحية وغيرها، التي نقدمها نحن أو يقدمها العالم، تمر ونوصلها لأهلنا في غزة وإن كانوا في البداية يصادرونها ويبيعونها، ولا أدري إن مازالوا يصادرونها ويبيعونها، لكن أقول كل المواد الضرورية الإنسانية الغذائية الطبية تصل من عندنا إلى هناك، لذلك لا نريد المتاجرة بالشعارات.

وستبقى ذكرى الألف وخمسمائة شهيد والأكثر من خمسة آلاف جريح، ونحو مئة ألف لا زالوا مشردين نتيجة للعدوان، دافعا لنا من أجل متابعة تنفيذ ما ورد في تقرير غولدستون الذي نسيه المزاودون، لكننا سنعمل بكل الجدية والمسؤولية حتى يتم تقديم مرتكبي جرائم الحرب للعدالة الدولية.

بعد أن خرج تقرير غولدستون من مجلس حقوق الإنسان لم يعد أحد يسأل، الآن هناك لجنة فلسطينية عربية، وهناك سفيران من عندنا سفيرنا في جنيف والآخر في الأمم المتحدة يجلسون مع وزير الخارجية لمتابعة تقرير غولدستون، نحن متابعون للتقرير.

ولكن في نفس الوقت نتذكر عندما حصل العدوان على قطاع غزة عقد مؤتمر للمانحين اسمه مؤتمر شرم الشيخ، يوجد 4.5 أو أكثر مليار دولار لكن مازالت في خزائن الدول، نحن اقترحنا إعادة البناء من خلال المؤسسات الدولية، رفضوا إما من طريقنا أو لا، هنالك 100 ألف غير مهمين، هنالك 4.5 مليار دولار عند الدول لمساعدة غزة، ولو صرف بعض هذه الأموال لأعيدت الحياة لقطاع غزة، كيف لا طريق إلا بإعادة اللحمة وبسرعة بإجراء الانتخابات ويختار الشعب من يريد، وكل العالم يعرف أن عندنا قدر من الشفافية غير موجود في الدول الاسكندينافية.

يا أبناء شعبنا الفلسطيني في كل مكان،

نواجه اليوم، بعد رفض الحكومة الإسرائيلية الاتفاقيات الموقعة، وعدم التزامها بتطبيق خارطة الطريق، والعودة إلى المفاوضات من النقطة التي وصلنا إليها مع الحكومة السابقة، نواجه تحدياً مصيرياً، يتعلق بالقدس ومستقبلها، ونعتبر أن كل الجهود يجب أن تنصب من أجل إفشال مشاريع الحكومة الإسرائيلية التي تتحدى العالم بأسره بإجراءاتها وأعمالها، التي تشمل إقامة جدار الفصل العنصري، والاستيطان في المدينة وإغلاقها أمام المواطنين الفلسطينيين بما في ذلك منعهم من الدخول للصلاة في المسجد الأقصى أو كنيسة القيامة، واستصدار قرارات هدمٍ لمئات منازل الفلسطينيين أو سحب هوياتهم المقدسية، والتفنن في استصدار قرارات حكومية أو من قبل بلدية الاحتلال؛ إذا أرادت الحكومة التهرب من شيء يقولون البلدية وإذا أرادت البلدية التهرب من شيء يقولون الحكومة، هل يمكن لقرار أن يمشي من دون أن يكون رئيس الحكومة موافق عليه. بفرض ضرائب باهظة على مواطنينا، وحرمانهم من الحصول على تراخيص بناء في أراضيهم، حتى الكنائس لديها أراضي تريد أن تبني لرعاياها إسرائيل تمنع المسلم والمسيحي لأنها تريد أن تغير معالم المدينة، القائمة تطول بشأن ما تتخذه إسرائيل من إجراءات تهدف في النهاية إلى تغيير معالم المدينة، وتصفية الوجود الفلسطيني الإسلامي والمسيحي فيها.

إن القدس، التي احتفلنا هذا العام بكونها عاصمة للثقافة العربية، لا يمكن إلا أن تبقى كما كانت دائماً، عاصمة فلسطين وقلبها، فلا فلسطين بدون القدس، ولا سلام بدون القدس، وواهم كل من يعتقد بأن هناك فلسطينياً واحداً يمكن أن يساوم على القدس، أو يتنازل عنها، إنني أحيي صمود أهلنا، وتمسكهم في البقاء حتى في خيمة تنصب أمام بيوتهم التي احتلها المستوطنون العنصريون، إنها القدس درة التاج.

وأدعو أشقاءنا في العالمين العربي والإسلامي إلى ترجمة مواقفهم المعلنة بشأن التمسك بالقدس والحفاظ على طابعها العربي والإسلامي، بتقديم الدعم الذي يمكّن أهلها من الصمود ومواصلة البقاء والثبات في مواجهة أعتى موجة تطرف وعنصرية تنتشر اليوم في صفوف عدة أحزاب إسرائيلية.

وأقول لدول العالم كافة، وبخاصة للدول الكبرى، التي تتحمل مسؤولية الحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين، بأن مواقفها التي لا تعترف بضم إسرائيل للقدس، يجب أن تتحول إلى إجراءات عملية، إذ لا يجوز أن تستمر هذه الازدواجية في التعاطي مع إسرائيل، يكفينا قرارات ومواقف لكن نريد ترجمة عملية لهذه المواقف ونريد ترجمة عملية لإعلانات العرب والمسلمين بأن القدس أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، بأن القدس لنا كيف نحميها.

إننا نسمع تصريحات من هنا وهناك تتراوح ما بين إدانة الاستيطان، أو اعتباره عقبة في طريق السلام، ولكننا لا نلمس أي فعل أو إجراء لمواجهة تمادي إسرائيل في الاستيطان بل والإعلان عن أنها سائرة فيه.

إنني أقول لشعب إسرائيل، ولأحزابه ولحكومته، إن السلام بيننا يجب أن يقوم على أساس انسحابكم من أراضينا التي احتلت عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، إن السلام الذي يضمن إقامة دولتنا المستقلة إلى جانبكم إلى جانب دولتكم، هو الذي يوفر الأمن، والاستقرار والرفاهية والتعايش، واقرءوا جيداً ما جاء في مبادرة السلام العربية.

إن مبادرة السلام العربية أثمن ما قدم منذ عام 1948 إلى يومنا هذا، التي اعتمدت من كل الأقطار العربية والإسلامية وعليها الأعلام جميعها العربية والإسلامية، كلهم قالوا تنسحب إسرائيل من الأراضي العربية والإسلامية جميعها نطبع علاقاتنا، لا أدري بدلا من أن تعيش في جزيرة من السلام تعيش في محيط هادئ من السلام، هل هم لا يفهمون مصلحتهم لا أدري.

إن يدنا ستبقى ممدودة للوصول إلى سلام عادل ينهي الاحتلال الإسرائيلي الذي وقع عام 1967، ولكننا لن نتنازل عن ثوابتنا الوطنية، والنقاط الثماني التي أكدت عليها، ولاقت إجماعا فلسطينياً وعربياً ودولياً هي الأساس الذي نبني عليه سياستنا في منظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1988 وحتى يومنا هذا.

ولذلك علينا أن نوقف الحديث عن مسلسل التنازلات، عندما يقال أوقفوا مسلسل التنازلات.. أي مسلسل تنازلات الذي يتفاوض يتفاوض، لكن الذي يوقع علي ماذا يوقع، نحن منذ عام 1988 قلنا هذا وهذا.. ماذا تبدل منذ 1988 حتى 2010، 22 عاما لا نجهد أنفسنا ونعذب أروحنا ونقول دائما وأبدا أوقفوا مسلسل التنازلات، لا يوجد مسلسل تنازلات، هذا هو موقفنا ولم يتغير، ومن يقول تغير يراجعني.

أيتها الأخوات والإخوة،

لقد عَبرنا عن ترحيبنا بالبيان الأخير الذي أصدرته دول الإتحاد الأوروبي، حيث أشار بوضوح إلى رفض وعدم شرعية ما تقوم به إسرائيل في القدس الشرقية المحتلة رغم أن البيان لم يؤخذ بالضبط كما قدمته السويد لكن ثبت فيه وباقي الضفة الغربية، ونتطلع بأمل للاجتماع القادم للرباعية الدولية في موسكو للخروج بموقف واضح بشأن حدود دولتنا وعاصمتها القدس، وسنُبقي الباب مفتوحاً من أجل الذهاب في الوقت المناسب إلى مجلس الأمن، في حال استمرار إسرائيل على مواقفها الحالية الرافضة للمفاوضات.

وهذا الذي اتهمنا به أنه عمل أحادي نحن قلنا في اجتماع جامعة الدول العربية ولجنة المتابعة العربية أننا نريد الذهاب لمجلس الأمن لنقول أين حدود دولتنا وقالوا أن هذا عمل أحادي، نحن ذهبنا لنسأل أولا بموافقة الدول العربية وأوروبا وروسيا والصين واليابان وكندا والولايات المتحدة، ونحن نعلم إذا لا يريدونه يقولون كلمة من أربعة أحرف ويقولون لنا مع السلامة، نحن نفهم هذا، وبالتالي هذا ليس عملا أحاديا، هذا عمل من مجلس الأمن الدولي أكبر منبر دولي عالمي نشكو إليه بعد الله أمرنا.

يا أبناء شعبنا الفلسطيني الصامد على أرض وطنه وفي الشتات،

اليوم في ذكرى الانطلاقة أتوجه بالتحية لكل مواطنة، ولكل مواطن فلسطيني في شتى بقاع الأرض، وأخص بتحياتي وتحياتكم جميعاً أسيراتنا وأسرانا البواسل وجرحانا وأبناء وزوجات وأمهات الشهداء، وأعاهدكم بأننا سنبقى متمسكين بثوابتنا الوطنية، وبأن دم شهدائنا لن يذهب هدراً، وبأن تبقى راية التحرر والاستقلال خفاقة حتى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها قدسنا الحبيبة، مسرى نبينا عليه السلام، قدسنا حاضنة تاريخنا وثقافتنا، رمز التعايش والتسامح، درة التاج يتعانق فيها الأقصى مع كنيسة القيامة ليتردد منها صوت واحد، صوت الإيمان بالله الواحد الأحد، الذي جاء في عزيز كتابه:

بسم الله الرحمن الرحيم
zzz*z ءَامنَ الرسولُ بِما أُنزِلَ إليهِ مَن رَّبهِ والمُؤمَنُونَ كُلٌ ءَامنَ بِاللهِ وملائِكتهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرقُ بينَ أحدٍ من رُسُلهِ وقالوا سَمِعنَا وأَطَعنا غُفرانَكَ رَبَّنا وإليكَ المَصير zzz*z
صدق الله العظيمzzz*z

عاشت فلسطين ... عاشت منظمة التحرير الفلسطينية ... عاشت فتح ... المجد للشهداء والحرية للأسرى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته