خطابات الرئيس محمود عباس "أبو مازن" 2007

كلمة السيد الرئيس أمام منتدى دافوس الاقتصادي

25/1/2007

السيد الرئيس كلاوس شواب رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي،
السادة رؤساء وأعضاء الوفود المشاركة،
سيداتي وسادتي،

أحييكم جميعاً، وأتوجه بالشكر والتقدير العميق إلى السيد رئيس المؤتمر على دعوته الكريمة لنا للمشاركة في أعمال هذا المؤتمر، الذي أصبح منبراً عالمياً يستقطب جمعاً كبيراً من القادة السياسيين ورجال المال والاقتصاد، ممن أسهموا ويسهمون في صناعة حاضرنا الإنساني.. وأتمنى أن تؤدي المناقشات واللقاءات التي ستتم هنا، إلى إحراز تفهم أفضل لمشاكل عالمنا وهمومه السياسية والاقتصادية، حتى نتمكن من تحقيق حلم طالما راود الإنسان" عالم تسوده روح المحبة والاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة"..

إن إزالة أسباب التوتر والقلق السائدين، من شأنه أن يبعث الأمل لدى الشعوب في حياة أفضل، ويعزز معسكر السلام والاعتدال مقابل قوى التطرف، وأعتقد بأنكم تتفقون معي، بأن الشرق الأوسط هو المنطقة الأكثر حاجة الآن، لإزالة أسباب التوتر القائمة فيه، وأن قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تأتي في مقدمة النزاعات التي تحتاج إلى حل..

إنني مقتنع، رغم كل ما يبدو من صعوبات، بأن الأجواء مناسبة لاستئناف العملية السياسية التي يجب أن تفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة في حدود عام 1967، أي في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وقطاع غزة، تعيش بأمن وسلام مع كل جيرانها، بما في ذلك دولة إسرائيل، وإيجاد حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين الفلسطينيين بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 194..

إن الوصول إلى هذا الهدف لا يتطلب مبادرات أو قرارات جديدة، فهناك قرارات وتوصيات عديدة للأمم المتحدة ولمجلس الأمن الدولي، وهناك اتفاقيات تم توقيعها من قبل الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، كما أن أمامنا خطة خارطة الطريق التي تتضمن المبادرة العربية ورؤية الرئيس بوش بشأن حل الدولتين، وعليه فإن المطلوب، وبكل صراحة أن نحدد بداية الطريق ونهايتها وأن نبدأ المفاوضات..

إن الاتفاق على المرجعية الشرعية والقانونية، وهي بالأساس مبدأ الأرض مقابل السلام، ستمكننا من رؤية الضوء في نهاية النفق، بعد أن أثبتت التجارب التي مررنا بها، بأن نهج الاتفاقيات الجزئية، والإجراءات الأحادية إنما تعني الدخول في نفق لا تعرف نهايته وقد اقترحنا إنشاء قناة خلفية تتعامل مع قضايا المرحلة النهائية بمشاركة دولية، لأن مثل هذه القضايا تحتاج إلى حلول خلاقة من شأنها أن تنهي الصراع بشكل عادل وشامل ومتفق عليه.

السيد الرئيس،
السيدات والسادة،

إن حرصي على قيادة شعبي نحو السلام والمصالحة، هو ما يدفعني للحديث، وبشكل مختصر عن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المأساوية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ذلك أن هذه الأوضاع تقود إلى اليأس والإحباط، وتهدد بالقضاء على كل الجهود المخلصة لتحقيق السلام، فقد وصلت البطالة والفقر إلى معدلات غير مسبوقة، حيث يعيش 79% من أهالي قطاع غزة تحت خط الفقر، منهم 51% يعيشون في فقر شديد، والنسبة نفسها تقريباً في الضفة الغربية، ويعود سبب ذلك كله إلى السيطرة الإسرائيلية الكاملة على الحدود، والقيود المفروضة على التنقل، والتدمير واسع النطاق للبنية التحتية، وزيادة تجزئة الأراضي الفلسطينية، ومن ثم تجزئة النسيج الاجتماعي الاقتصادي، وتقلص إيرادات الضرائب المحلية بسبب كثرة القيود المفروضة على النشاط الاقتصادي، وحرماننا من حق إعطاء تسهيلات دخول وإقامة المستثمرين، سواء كانوا عرباً أم أجانب، وتوقف إسرائيل عن إعطاء هذه التسهيلات منذ عام 1999..

من بين النتائج التي ترتبت على هذا الوضع، اتساع الفجوة ما بين دخل الفرد الإسرائيلي وجاره الفلسطيني، فنصيب الفرد الفلسطيني من الناتج المحلي الإجمالي يقل عن (800) ثمانمائة دولار، بينما يصل نصيب الفرد في المجتمع الإسرائيلي إلى عشرين ألف دولار، ولأن السوق الفلسطيني خاضع عملياً للسوق الإسرائيلي بالنسبة لأسعار البضائع والمنتجات، ونتيجة لتوقف صرف الرواتب للعاملين في مؤسسات السلطة بسبب الحصار، والآثار التي خلفها ذلك على مشاريع القطاع الخاص، وتوقف حركة السياحة والحجيج، فإن الأزمة الاقتصادية وصلت إلى كل بيت فلسطيني وإلى كل فئة من فئات الشعب..

ولولا مساعدات المجتمع الدولي التي خففت نسبياً من المأساة، لحدث انهيار تام للوضع الاقتصادي والاجتماعي، ويعود الفضل في ذلك أساساً إلى الدول الأوروبية والعربية التي تصل مساعداتها الطارئة عبر مكتبي، وإلى دول أخرى، أعبر لها جميعاً عن شكرنا وتقديرنا..

وتعلمون جميعاً أن المعاناة لا تقصر على الجانب الاقتصادي، فهناك الاعتقالات اليومية، وتجريف الأراضي، وإهانة المواطنين على عشرات الحواجز، والتوسع الاستيطاني، ومواصلة بناء جدار الفصل العنصري الذي وصف كأفعى تتلوى في الضفة الغربية، ملتهماً مزيداً من أراضي المواطنين الفلسطينيين، كما أن أخطر ما تقوم به إسرائيل، يتم في مدينة القدس المحتلة وجوارها، حيث يتم فصل المدينة عن محيطها الفلسطيني، وتتسارع خطوات وإجراءات أسرلتها من أجل خلق واقع يستبق نتائج المفاوضات.

حضرات السيدات والسادة،

بالرغم من كل ذلك وحتى لا تؤدي هذه الإجراءات إلى إحباط ويأس تامين، فقد حرصنا على إبقاء شعلة الأمل، وأن يستمر نضالنا في مساره الصحيح وبما يتوافق مع القانون والشرعية الدولية، فرفضنا وأدنا كل العمليات التي تستهدف المدنيين، ونبذنا الإرهاب بكافة أشكاله وصوره، وأدنا إطلاق الصواريخ التي لا تؤدي إلا إلى مزيد من التوتر والحصار، ونحن مصرون على تعزيز ثقافة السلام، وأن يكون التصدي للاحتلال من خلال المقاومة السلمية والجماهيرية، وأن تبقى يدنا ممدودة من أجل البدء في المفاوضات..

وأود الإشارة هنا، إلى الجهود التي بذلناها والنجاحات التي تحققت بالنسبة للتهدئة، التي أدت إلى انخفاض شبه كامل في العمليات المسلحة بما فيها إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، آملين أن تمتد التهدئة أو الهدنة لتشمل الضفة الغربية أيضاً، على أن يصحبها توقف إسرائيل عن عمليات الاغتيال والاعتقال، حيث أن عدد المعتقلين الفلسطينيين تجاوز العشرة آلاف، بينهم أطفال ونساء وشيوخ ومرضى، وكذلك أعداد كبيرة من المعتقلين الإداريين الذين لم تصدر بحقهم أية أحكام.

السيد الرئيس،
رؤساء وأعضاء الوفود،

إن مسؤولياتنا تجاه شعوبنا ومستقبلها تتطلب تبدل الأجواء السائدة الآن، ليحل مكان الخوف والقلق والشك، الثقة والتسامح، وأن يتم تنفيذ ما يتفق عليه بروح الاحترام للشريك..

لقد عقدت مؤخراً لقاءً جيداً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت، تحدثنا خلاله بكل صراحة عن مجموعة من القضايا، وتم الاتفاق على إجراءات ستقوم بها إسرائيل للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني، ونأمل أن يتحقق كل ما أعلن عنه من تسهيلات، سواء ما يتعلق بالحواجز، أم بأموالنا من عائدات الضرائب وغيرها من القضايا..

واسمحوا لي في النهاية أن أتطرق إلى موضوع الحكومة الفلسطينية، التي نشأت بعد انتخابات حرة ونزيهة لمجلسنا التشريعي، حيث طالبت الحكومة منذ البداية وبموجب كتاب التكليف، بأن تلتزم بالاتفاقيات والمرجعيات الفلسطينية والعربية والدولية التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية، كونها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ومرجعية السلطة الوطنية ومؤسساتها، بما في ذلك الحكومة..

إن أية حكومة جديدة سواء كانت من التنظيمات السياسية أو من كفاءات وطنية، يجب أن يتضمن برنامجها الالتزام بكل ما تم توقيعه من تعهدات، وأن تكون قادرة على فك الحصار وفتح الآفاق أمام التسوية السياسية، وإذا لم نتمكن من إقامة مثل هذه الحكومة، فإننا سنذهب إلى انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، ليقرر شعبنا الفلسطيني بحرية البرنامج والقيادة التي يريدها.

السيد الرئيس،
حضرات السيدات والسادة،

آن الأوان لحشد كل الطاقات الخيرة لنجعل من السلام حقيقة في الأرض المقدسة، ولنبدأ اليوم قبل الغد في مفاوضات جادة، أنا على أتم الاستعداد لها كرئيس للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الجهة الممثلة للشعب الفلسطيني، والناطقة باسمه، والمخولة بالتفاوض نيابة عنه..

لا شيء أهم من سلام يضمن الحياة لأبنائنا يهوداً وعرباً في الأرض المقدسة والشرق الأوسط، لتصبح هذه المنطقة الإستراتيجية من العالم واحة تعايش وتسامح لا بؤرة توتر وعنف.

أشكركم . . .

والسلام عليكم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة السيد الرئيس ألقتها بالنيابة عنه السيدة ميادة بامية سفير فلسطين لدى البرازيل في المؤتمر السنوي لأبناء الجالية في البرازيل

26/1/2007

الأخوات والأخوة الأعزاء أبناء الجالية الفلسطينية في البرازيل،
تحية طيبة وبعد،

إنه لما يسعدني ويبهج نفسي، أن أتوجه إليكم اليوم جميعاً ومن خلالكم لكل أهلنا وأحبتنا أبناء شعبنا الفلسطيني في كل الساحة البرازيلية بأحر التهاني والتمنيات الصادقة بمناسبة انعقاد مؤتمركم السنوي، راجين أن تتكلل أعمال مؤتمركم بالنجاح والتوفيق من أجل خدمة شعبكم ودعم نضاله العادل لنيل حريته واستقلاله..

وإنها لمناسبة سعيدة نعرب لكم فيها عن اعتزازنا الكبير لما تقومون به من جهود ونشاطات على الساحة البرازيلية، بهدف تقديم كل الدعم والمساندة لشعبكم في وطنكم الأم فلسطين لتمكينه من مواصلة مواجهة المصاعب والتحديات الجسام التي تواجهه والتغلب عليها والتخفيف من معاناته وآلامه جراء استمرار الحصار الخانق والعدوان الإسرائيلي المستمر على أرضنا ومقدساتنا وممتلكاتنا والذي دمر كافة بنانا التحتية والاقتصادية والمدنية وشل مناحي الحياة عند شعبنا الذي يعيش ظروفاً لا إنسانية ومأساوية..

ومن أجل الوطن ومن أجل فلسطين، فإننا ندعوكم وندعو كل الأحبة أبنائنا وأخوتنا وأهلنا في المهجر وفي كافة أماكن تواجدهم إلى المزيد من التلاحم والتضامن والتآخي والتعاون من أجل توفير كل مقومات الدعم لشعبكم كي يعزز صموده ويرسخ سلطته الوطنية الفلسطينية على أرض فلسطين، مؤكدين لكم إننا سنواصل جهودنا المخلصة وحرصنا وعملنا الثابت والدائم للحفاظ على مصالح شعبنا العليا ووأد الفتنة وتفويت الفرصة على كل المتآمرين والمتربصين بشعبنا وتعزيز وحدتنا الوطنية وحماية هذه الوحدة التي هي أغلى ما نملك لأنها مصدر قوتنا وسر انتصارنا وطريقنا الأوحد لتحقيق تطلعات شعبنا المشروعة وأهدافه السامية..

وأود هنا أن أطمئنكم أنه لن تكون هناك حرباً أهلية ولن ننجر إليها مهما كانت الضغوط فنحن نعتز بالديمقراطية وسنحافظ عليها، فنحن من أرسى قواعدها ورسخها.. وستظل عقولنا مفتوحة ويدنا ممدودة لكل المخلصين من أبناء هذا الشعب الحريصين على حقوقه. وسنواصل تعزيزها بالعمل المخلص بما تمليه علينا مصالح شعبنا، لكن الديمقراطية تعني تأمين أبسط مقومات الحياة للمواطن في الأمن والمعيشة وتوفير أبسط مقومات الحياة للناس..

وفي هذا الإطار وعلى أساس الخروج من المأزق الراهن، جاءت خياراتنا إما بتشكيل حكومة وحدة وطنية تستطيع كسر الحصار المفروض على شعبنا ورفع المعاناة عنه وتنقذ قضيتنا من التهميش أو الذهاب إلى انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة ليقرر شعبنا بصفته مصدر السلطات بحرية تامة البرنامج والقيادة التي تريدها وهذا حق طبيعي كفله لنا القانون الأساسي..

إننا نؤكد مجدداً وكما أكدنا دائماً بأننا سنظل دعاة سلام وسنواصل مد يدنا له رغم كل الظروف التي نعيشها للوصول إلى سلام حقيقي. ولقد آن الأوان لجعل هذا السلام حقيقة واقعة في الأرض المقدسة.. ونحن على أتم الاستعداد للبدء فوراً في مفاوضات جادة، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ولمرجعية مدريد للسلام ولمبدأ الأرض مقابل السلام ولخطة خارطة الطريق المدعومة دولياً في القرار 1515، تنهي إلى الأبد دوامة الحروب والدمار التي عانت منها منطقتنا طويلاً وتكفل لشعبنا حقوقه في إطلاق سراح أسراه من سجون الاحتلال والعودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف..

أحييكم مرة أخرى، وأثمن جهودكم الخيرة والمخلصة والتي تقومون بها من أجل دعم شعبنا في وطنكم الأم في كافة مجالات حياته وكلنا أمل أن تتضافر كل الجهود والطاقات عند أبناء شعبنا في هذه المرحلة بالذات من أجل النهوض بوطننا وبنائه على أسس عصرية وحضارية بعيداً عن الفئوية والفصائلية، وباعتمادنا على ذاتنا، لأن ذلك هو الأساس المتين لتحقيق السيادة والاستقلال والتنمية الوطنية السليمة..

ونحن واثقون من وعي وقدرة وكفاءة أبناء شعبنا، الذين ساهموا في بناء العديد من البلدان الأخرى وأنهم لن يتخلوا عن سلطتهم ووطنهم بتقديم كل أشكال الدعم اللازم، من أجل تحقيق وبلوغ الأهداف الوطنية العليا لشعبنا الفلسطيني..

عاش نضال شعبنا من أجل السلام والحرية عاشت الصداقة الفلسطينية البرازيلية..

وعاش نضال شعوب العالم وقواه المحبة ودوله الصديقة المؤمنة بقضايا العدل والحق

والسلام للإنسانية جمعاء.

 


كلمة السيد الرئيس بعد توقيع اتفاق مكة للوفاق الوطني لشكر العاهل السعودي على جهوده

8/2/2007

سيدي خادم الحرمين الشريفين،

تشرّفنا هذه الأيام بدعوتكم الكريمة، النابعة من القلب، والنابعة من الوجدان والضمير، ضمير الرجل الكبير المسؤول عن هذه الأمة العربية والإسلامية، والذي يشعر بأحاسيس هذه الأمة، ويشعر بآمال وآلام هذه الأمة..

أقول نحن لبّينا هذه الدعوة الكريمة، في رحاب البيت العتيق وفي رحاب مكّة المكرّمة، في رحاب أطهر مكان في الدنيا، لنتباحث ونتحاور ونصل إلى نتيجة ترضي الله أولاً، ثم ترضي شعبنا وأمتنا، وتضعنا على سكّة السلامة للوصول إلى شاطئ السلامة باستقلال البلد العزيز علينا وعليكم فلسطين..

هذه المبادرة والحمد لله قد تكللت بالنجاح بفضل مساعيكم ومساعي إخوانكم جميعاً، الذين واصلوا الليل بالنهار، من أجل أن تنجح هذه المبادرة ولأنّ القلوب صادقة والنيّة لله صافية، فقد تمّ النجاح بإذن الله في هذه اللحظات الكريمة، حيث بدأنا مسيرة نرجو أن تستمر، ونرجو أن تتوقّف كل الأعمال، التي نخجل والتي نشعر بالعيب منها، وأن ننطلق إلى العمل الجاد من أجل تحرير بلدنا..

وإن كنت أذكر يا صاحب الجلالة، أذكر مبادرات كثيرة وكثيرة جدا قامت بها المملكة منذ أوائل تاريخ هذه القضية وأوائل القرن العشرين إلى يومنا هذا، نذكر المكرمات والمواقف الطيبة التي وقفتها المملكة..

ولكن هناك مبادرات سياسية، منها مبادرة المغفور له الملك فهد خادم الحرمين الشريفين 1982 والمبادرة السياسية، التي حاولت أن تضع أساساً سياسياً للعملية السياسية الفلسطينية، ثم جاءت بعدها مبادرتكم الكريمة المبادرة الرائعة، والتي تمّ اعتمادها في قمّة بيروت، تلك المبادرة التي كانت لها أسبابها، التي نعرفها جميعاً، لكنها في نفس الوقت كانت مبادرة كريمة وشجاعة، نعتز بها كل الاعتزاز، ونتمنّى من الله سبحانه وتعالى أن يكتب لهذه المبادرة النجاح، لأنها ما زالت أساساً قويّاً ومتيناً من الأسس السياسية، التي نرى أنها يمكن أن توصلنا إلى الحل السياسي..

وجاءت في الختام مبادرتكم الأخيرة، التي كما قلت جاءت من القلب ونرجو الله سبحانه وتعالى، كما كرّمنا بجهودكم ورعايتكم الكريمة، أن نوقّع هذا الاتفاق الآن وأن نصل إلى النجاح بإذن الله..

سنتواصل مع الأخ إسماعيل هنية، لنبدأ عهداً جديداً بحكومة جديدة قادرة على الإقلاع وقادرة على إنهاء معاناة شعبنا، التي عانى منها طويلاً وهذه الحكومة، نتمنّى لها التوفيق والتقدير، والتقدير كل التقدير والشكر كل الشكر، لخادم الحرمين الشريفين، لكم يا صاحب الجلالة على هذا المجهود..

وبارك الله فيكم وسدّد خطاكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة السيد الرئيس من مكة إلى شعبنا في يوم الغضب نصرة للأقصى

9/2/2007

في هذا اليوم العظيم الجمعة المباركة، ومن المكان الطاهر من قلب الكعبة بيت الله العتيق، أتوجه بكلمة إلى شعبنا العظيم، أطمئنه بأن الله سينصره بإذن الله..

اليوم يوم غضب في فلسطين، بسبب إجراءات الاحتلال في القدس، وبسبب التعسف الذي تقوم به دولة الاحتلال الإسرائيلي في القدس الشريف والحرم القدسي، وهذه الإجراءات تصل إلى كل الأراضي الفلسطينية، حتى حدود البحر الميت..

إنها إجراءات اعتدائية، تقوم بها إسرائيل، ولا يملك شعبنا إلا أن يقف صفاً واحداً مدافعاً ضد هذه الإجراءات..

نعلن في هذا اليوم المبارك، أن ما كنا نتمناه وصلنا إليه بحكومة وحدة وطنية والتي بوركت أمس من قبل خادم الحرمين الشريفين، وبجهده وبمبادرة منه.. نتمنى أن نبدأ صفحة جديدة في فلسطين، وأن لا تعود الأيام السوداء إلى الأبد..

وهنا أذكر دور البعثة المصرية الموجودة في فلسطين، والمتواجدة بشكل دائم، وتقدم لنا المساعدة والخدمة كل ما دُعيت إلى ذلك، وهي تؤدي واجباً مقدساً باسم جمهورية مصر العربية الشقيقة، الحريصة دائماً على القضية الفلسطينية..

وهنا نؤكد شكرنا لمصر، ونؤكد أننا ودعنا الأيام السوداء إلى غير رجعة، وبدأنا صفحة جديدة في حكومة الوحدة الوطنية، ومسيرة جديدة في فلسطين، ستريح القلوب والنفوس، وأتمنى أن ينعم شعبنا بالأمن والأمان والاستقرار.

 

 

 


كلمة السيد الرئيس القاها بالنيابة عنه أمين عام الرئاسة السيد الطيب عبد الرحيم في ذكرى انطلاق الجبهة الديمقراطية برام الله

22/2/2007

الإخوة أعضاء المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية،
الإخوة أعضاء اللجنة المركزية،
الإخوة والأخوات، أعضاء المؤتمر الوطني الثاني لمنظمات الجبهة الديمقراطية بالضفة الغربية،

ثمانية وثلاثون عاماً بوهج النضال, وميادين الكفاح, بمسيرة البذل والعطاء والتضحية:
ثمانية وثلاثون عاماً بأعراس النصر والشهداء وحمل الأمانة.. ثمانية وثلاثون عاماً ودعامة الوحدة الوطنية تزداد رسوخاً وثباتاً وأولويةً، والرايةُ خفاقْة من جيل إلى جيل, ومن ساحة إلى ساحة, والميدانُ واحد والهدف واحد, والشمعة متقدة والهامة عالية, والإيمان راسخ والعزيمة أمضى وتبقى الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وفية لمبادئها لمنهجها لأهدافها جبهةُ الشعب من أجل حرية الشعب وتحرير الأرض مهما طال الطريق وعظمت التضحيات ..

وفي ذكرى انطلاقتها المباركة، التي أثرت مسيرة شعبنا وكفاحه التحرري، كانت الجبهة الديمقراطية إضافة نوعيةً ببعدٍ سياسي اجتماعي وطني استراتيجي, وحجرَ الزاوية في وحدة شعبنا الوطنية في إطار تعدديته وواقعيته السياسية.

وهنا نهنئ أبناء شعبنا وأبناء حركته الوطنية بكل فصائلها ونهنئ أبناء الجبهة الديمقراطية، رفاقَ مسيرتنا الذين نعتز ونفخر برفقتهم, نتقاسم معهم الأمل والألم, الطموح والتضحية, من أجل الوطن الحر والدولة الفلسطينية المستقلة, ونؤكد أيضاً أننا على العهد باقون رفاقا وإخوة في إطار م. ت. ف. ممثلنا الشرعي الوحيد معاً على الدرب إلى النصر الأكيد, كما أنه لمن دواعي الاعتزاز والفخار أن أتوجه إليكم ضيوف وأعضاء المؤتمر الكريم بأطيب التحيات وأصدق التمنيات راجياً لمؤتمركم كل التوفيق والنجاح، كما أننا وبهذه المناسبة المجيدة في هذه الذكرى العزيزة نستذكر شهداءنا الأبرار العظماء جميعاً" وفي مقدمتهم الرئيس الخالد ياسر عرفات، نستذكر أسرانا البواسل الذين نجدد لهم عهدنا.

أيتها الأخوات والإخوة،
أيها الرفاق الأعزاء،

اسمحوا لي دون إطالة وأمام هذه القيادات الواعدة، أن أتطرق لبعض القضايا بعيداً عن لغة الانفعال والافتعال، فجميعنا ندرك أن كل أبناء شعبنا على وعي ودراية تامة, وهم يعيشون هذا الواقع الصعب والمخاض الأليم، الذي نجتازه في هذه الآونة قضيةً ومشروعاً وطنياً ونظاماً سياسياً، حيث تستفحل الأزمات وتتفاقم وتنعكس على مجمل حياة شعبنا بأبسط احتياجاته وعلى مقومات صموده بأبسط متطلباتها لتزداد المعاناة في ظل الحصار الظالم المفروض على شعبنا وانسداد الآفاق السياسية واستفراد الاحتلال به, بدعم من السياسة الأمريكية المنحازة وقصيرة النظر ليضاعف من ممارسته الاستيطانية والعدوانية والقمعية في نهب الأرض وتغيير معالمها وفي إقامة الجدار وتكثيف الاستيطان وما يتعرض له الأقصى والقدس الشريفين في هذه الآونة.

جميعنا نؤمن بأن مرارة هذا الواقع وضراوةَ تلك الهجمة لن تكسر إرادة شعبنا, ولكن ألا من وقفة تنقلنا من منطق مجرد المراوحة حول الرهان إلى منطق العمل على كسبه، خاصة ونحن نشخص الواقع ونرفع الشعار لتجاوز هذا الواقع وتداركِ تداعياته، فكيف نترجم الشعار الذي نرفعه جميعاً موقفاً عملياً وممارسة فعلية وسلوكاً يومياً، يجسد حقيقة الوحدة الوطنية التي طالما انتظرها شعبنا بكل أمل ورجاء وهو يعي تماماً أنها الصخرة الصلبة التي تكسرت عليها كل المؤامرات التي تعرضت ثورتُه لها، وكلُ محاولات النيل من إرادته والمس بثوابته, بل بقيت قلعتَه المنيعةَ التي لم تسقط من داخلها في ظروف أكثر صعوبة، وبقيت ضمانة استمرار صموده وثورته وانتصاره، ولا أخفي عليكم أننا الآن مازلنا أمام منعطف يستهدف النيل من عمق تجربتنا الوطنية وثرائها ونقائها, بل يستهدف قضيتنا ومشروعنا الوطني ومكاسبنا وإنجازاتنا التي قدم شعبنا وفصائله أغلى التضحيات في سبيلها..

لهذا كان إصرار سيادة الأخ الرئيس أبو مازن ومعه كل الوطنيين وأنتم في مقدمتهم، كان الإصرار على نهج الحوار ليس فقط لحماية السلم الأهلي وتجنب شرور الفتنة واستبدال الكلمة بالطلقة والانجرار نحو اقتتال يودي بنا جميعاً إلى الهاوية, وإنما من أجل الحفاظ على جبهتنا الداخلية ومشروعنا الوطني ودعامته الأساسية المجربة, وحدتنا الوطنية التي نضحي اليوم من أجل حمايتها إيماناً بها وبأهميتها التاريخية..

وأؤكد لكم أيتها الأخوات وأيها الإخوة بكل ثقة أن تماسك وتعاضد كل الوطنيين هو الضمانة الرئيسة لمنع مجرد التفكير بالحرب الأهلية، وهو صمام الأمان للحفاظ على ثوابتنا من محاولات الالتفاف عليها بالمزايدات في المناسبات أو بمسخها بفتوى لغرض التسويق..

إن الديمقراطية ستبقى المبدأ الأساس، الذي ارتكزت عليه هذه الحقبة من تاريخ نضال شعبنا وكفاحه المرير من أجل الحرية والاستقلال, حتى وإن اختلفت زوايا النظر والتعاطي مع هذا المبدأ الأساسِ الناظمِ للمشاركة في إطار التعددية السياسية والتنوع الاجتماعي الذي نراه مصدر قوة وثراء لقدرات شعبنا على الصمود والمقاومة، ولكن إن توقفنا عند محاسبة الحاضر للماضي فأجزم أنه سَيُخَسِّرنا المستقبل.

إن شعبنا وهو يعيش الحاضر ويستخلص عبر الماضي, إنما يتطلع إلى المستقبل الذي يتوق لبنائه, إن تمثيل مصالح الشعب والامتثالَ لتطلعاته على طريق إنجاز أهدافه وانتزاع حقوقه, هو المعيار الحقيقي لجدية المساعي والجهود والاختبار الدقيق للمواقف وللسياسات التي يجيد شعبنا تقييمها وامتحانَ صدقها, وهو يتطلع اليوم لاتفاق مكة إلى عمق مسؤولية كافة قواه وقياداته ومؤسساته الرسمية والمدنية, فلم يعد هناك متسع من الوقت لتشخيص الأزمات وانعكاساتها, وخوض الحوارات والجدل العقيم الذي ما يوشك أن ينتهي وعداً حتى يعود بوعيد لموعدٍ آت..

لقد آن الأوان للتخلي عن عقلية الجمود والتحجر والجيتوية، عقلية الفئوية والانغلاق والإبعاد والتبعية لتجسيد الشراكة الوطنية الحقيقية بناء مؤسسياً وقانونياً وممارسةً وسلوكاً سياسياً واجتماعياً بما يمكننا من تعزيز مقومات صمود شعبنا لكسر الحصار الظالم, وإعادة قضية شعبنا إلى جدول الأعمال الدولي، لقد آن الأوان للتفاعل مع محيطنا وعالمنا المعاصر بلغته وشرعيته ولمواجهة العدوان الإسرائيلي المستمر بكل أشكاله, والذي لم يعد خافياً أنه يستهدف وجود الشعب وتصفيةَ قضيته الوطنية بكسر إرادته والنيل من عزيمته ..

وهنا فإنني أؤكد على أننا بحاجة للحكمة والتبصر والتروي وعدم الانفعال أو الانجرار للكمائن المنصوبة لنا بردات فعلٍ ارتجالية غير مدروسة من بعضنا لإيقاع الخسائر السياسية في صفوفنا على حساب مسيرتنا التحررية وحقنا المشروع وقضيتنا الوطنية العادلة، ولدينا من تراكم التجارب الكفاحية والسياسية الناجحة ما يؤهلنا للخروج من هذا المأزق، بل هذا الإعصار الذي يلف بالمنطقة..

هذا هو التحدي الكبير عنوان هذه المرحلة البالغة الخطورة بما يوجب لزاماً على كافة القوى والفصائل الفلسطينية، أن توحد صفوفها ومواقفها وجهودها على أرضية الثوابت الوطنية, والحق المقدس في مقاومة الاحتلال، الذي كفلته كل المواثيق والشرائع الدولية, وذلك ما تنتظره جماهير شعبنا وأبناء فصائلنا لنواصل معاً ملحمة الصمود حتى تتحقق كل أهدافنا الوطنية..

وكلنا ثقة بأن مؤتمركم العتيد، سيضع لبنةً إضافية في بناء الوحدة الوطنية والشراكة السياسية على قاعدة الوفاق والثوابت الوطنية التي أجمعنا عليها في منظمة التحرير الفلسطينية.. مكرراً تهانيّ الحارة لكم وللرفاق أعضاء المكتب السياسي، وتحية خاصة للرفيق المحترم نايف حواتمة الأمين العام، بهذه المناسبة المجيدة, ذكرى انطلاقة الجبهة الديمقراطية الثامنة والثلاثين، متمنياً لمؤتمركم كل التوفيق والنجاح.

والسلام عليكم ورحمة الله

 

 

 

 

كلمة السيد الرئيس القاها بالنيابة عنه الدكتور محمد القدوة خلال احتفال جماهيري بمناسبة يوم المرأة العالمي بغزة

8/3/2007

إنه لمن دواعي سعادتي أن أشارككن اليوم هذا الاحتفال بهذا العيد الهام، يوم الثامن من آذار الذي يحتفل فيه العالم بيوم المرأة العالمي، موجهين في هذه المناسبة الهامة بطاقة تهنئة وتحية ملؤها التقدير والاحترام للمرأة بشكل عام، وللمرأة الفلسطينية بشكل خاص أينما وجدت، وهي تحتفل مع زميلاتها في كافة أنحاء العالم بهذا اليوم العالمي من أجل مواصلة العمل والعطاء والنضال في سبيل انتصار قيم الحرية والعدالة والإخاء والمساواة ومن أجل القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة ولاستكمال نيل كافة حقوقها كإنسانة معطاءة، وعضوة فاعلة تشكل نصف المجتمع..

فاليوم بالنسبة لنا هو يوم وفاء وعرفان بعظمة الدور الذي تلعبه المرأة الفلسطينية، وتضامناً معها وتقديراً لنضالاتها، كيف لا؟ وهي الأم والزوجة والأخت والابنة والعاملة المناضلة، التي قال عنها قائدنا ورمز نضالنا الرئيس الراحل ياسر عرفات -رحمه الله- بأنها حارسة ديارنا المقدسة، وستظل كذلك، قدمت ولازالت تقدم التضحيات الجسام، وعانت أكثر من عانى في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني الطويلة..

فالتحية كل التحية للمرأة الفلسطينية التي تقف شامخة بكل إصرار لتؤكد على مواصلة المسيرة، مسيرة النضال ضد الاحتلال وكافة ممارساته وإجراءاته العدوانية الاستيطانية ضد شعبنا ووطنا ومقدساتنا المسيحية والإسلامية، ورفضه وتحديه لقرارات الشرعية الدولية، وفي مقدمتها حق شعبنا في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف..

وبهذه المناسبة، نؤكد للمرأة الفلسطينية المناضلة أننا سنواصل دعمنا الكامل لشعار المساواة في الحقوق والواجبات على كافة الصعد لتتمكن نساء فلسطين من المشاركة الحقيقية والفعالة في عملية بناء وطننا وتنميته وحماية مشروعنا الوطني، الذي تضطلع به سلطتنا الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلنا الشرعي والوحيد وسنواصل العمل من أجل دعم سن كل القوانين والتشريعات المنصفة التي تضمن المساواة والعدالة الاجتماعية، وتوفر للمرأة سبل المشاركة في كافة مناحي الحياة وفقاً لمبدأ التكافؤ والمساواة في مختلف المجالات، وخاصة تلك القوانين المتعلقة بمشاركتها في الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية، وتمكينها من المشاركة في كافة هيئات صنع القرار الوطني، وقد مارست المرأة الفلسطينية بوعي وقدرة حق الانتخاب والترشيح في تلك الانتخابات، وحصلت لأول مرة على سبعة عشر مقعداً في المجلس التشريعي، مما يؤكد مرة أخرى على المكانة المرموقة التي تحتلها، والثقة التي تحظى بها، وقدرتها على المشاركة كعضو فاعل ونشيط في المجتمع، وإن تلك النجاحات والانجازات التي حققتها تعزز قدرتها وعطائها في عملية البناء الوطني، والمشاركة الفعالة جنباً إلى جنب مع الرجل في كافة الميادين، كأم وزوجة وأخت لها دورها الكبير والمميز في صنع الإنسان الفلسطيني الذي هو أغلى ما نملك..

وكما تعلمون جميعاً، فإن الاحتفال بهذه المناسبة، يأتي في ظل ظروف حساسة وخطيرة ولازال شعبنا الذي قدم ولا زال يقدم التضحيات الجسام يتعرض لحرب وحشية شرسة وحصار خانق طال كافة مناحي حياته وعدوان متصاعد ألحق به أفدح الخسائر بالأرواح والممتلكات، ولا يخفى عليكم ما يترتب على ذلك من حالات يتمٍ وترملٍ وفقرٍ وحرمانٍ، تؤثر تأثيراً مباشراً على المجتمع الفلسطيني، وعلى تطوره ونموه وتقدمه، حيث أن وضع المرأة في المجتمع الفلسطيني يرتبط ارتباطاً وثيقاً ومباشراً بالظروف السياسية والتاريخية التي عاشتها القضية الفلسطينية، ولازالت تعيشها، حيث ينعكس ذلك بشكل مباشر على أوضاع المرأة سواء كان ذلك في الوطن أم في الشتات، مع فروق وخصوصيات تميز كل بيئة من البيئات التي يعيش فيها شعبنا، مما أدى لتباين في الظروف المعيشية والقانونية والمستويات التعليمية والثقافية للمرأة الفلسطينية..

إننا اليوم ونحن نحتفل بهذه المناسبة الوطنية، وانطلاقاً من إيماننا بالدور الهام للمرأة الفلسطينية، لأحوج ما نكون جميعاً إلى وقفة تأمل يتحمل كل منا مسؤولياته بأمانة وإخلاص، ليكون باستطاعتنا مواجهة التحديات الجسام التي تواجهنا والحفاظ على مصالح شعبنا الوطنية العليا، وعلى النهوض به، حيث بذلنا ولا زلنا نبذل في سبيل ذلك الجهود المخلصة لرص الصفوف ولتعزيز وحدتنا الوطنية والحفاظ على مكتسباتنا ومنجزاتنا الوطنية ليقيننا التام بأنها سر انتصارنا، ومصدر قوتنا ومنعتنا، ونحن على أبواب مرحلة جديدة، نرجو أن تتكلل بأسرع وقت ممكن بالنجاح، وهي تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي كانت نتيجة لاتفاق مكة المكرمة الذي رعته المملكة العربية السعودية، وقائدها خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، حيث أكد الاتفاق على حرمة الدم الفلسطيني، وعلى المشاركة السياسية وتشكيل حكومة وحدة وطنية، فهذا الاتفاق هو إنجاز تاريخي برهن على أن فلسطين للجميع، وأنها أكبر من الجميع، وسيكون بداية الانطلاقة لمرحلة جديدة من تاريخ شعبنا الفلسطيني ومرحلة جديدة من الشراكة السياسية والعمل الوحدوي، الذي يتوجب علينا جميعاً أن نقف صفاً واحداً، وعلى قلب رجل واحد، لحمايته والدفاع عنه، خاصةً في ظل هذه الظروف الصعبة والحساسة التي تعيشها ساحتنا الفلسطينية، ولتفويت الفرصة على أعداء شعبنا وعلى كل المتآمرين الذين يتربصون بشعبنا الدوائر، فلنعمل بكل إخلاص ونية صادقة على تعزيز هذه الوحدة، لأنها طريقنا لتحقيق أهدافنا السامية في إقامة دولتنا المستقلة..

ولا يفوتنا أيتها الأخوات، وأيها الإخوة في هذا اليوم، أن نتوجه بتحية وفاء وإكبار واعتزاز لكافة أخواتنا الأسيرات والمعتقلات البطلات القابعات خلف القضبان في سجون الاحتلال، فألف تحية لهن ولكل أسرانا الأبطال الذين يسطرون بصبرهم وثباتهم أروع المثل في الصمود والتضحية والفداء، ونؤكد لهم جميعاً بأن قضيتهم ستظل كما كانت دوماً على رأس سلم أولوياتنا وفي صلب اهتماماتنا، وأن فجر حريتهم لابد أن يبزغ، ولن يهدأ لنا بال إلا بانعتاقهم ونيلهم لحريتهم وعودتهم لأهلهم وذويهم سالمين، وتحية وفاء وتقدير وإجلال أيضاً لجرحانا البواسل ولأسرهم وللأكرم منا جميعاً شهدائنا الأبرار ولأرواحهم الطاهرة ولأسرهم وذويهم، ولنجعل من هذه المناسبة العالمية فرصة للتأكيد على دور المرأة الفاعل والخلاق، باعتبارها نصف المجتمع وضميره ورمزاً للبذل والعطاء والتفاني، فهي التي تصنع الأجيال وتقف جنباً إلى جنب مع المقاتلين في الخنادق ومع العمال في المعامل، وتشارك في فلاحة الأرض وزراعتها رمز الخصوبة والعطاء..

التحية لكن جميعاً والاحترام والتقدير للمرأة الفلسطينية، وليكن الثامن من آذار معلماً بارزاً في حياة المرأة الفلسطينية، ومنعطفاً في مسيرة الحرية والاستقلال في سبيل التكافل والتضامن الأسري، من أجل بناء المجتمع الفلسطيني العصري الأمثل القائم على العدل والإخاء والمساواة واستعادة الحقوق الوطنية.

 

 

 

 

كلمة السيد الرئيس القاها بالنيابة عنه أمين عام الرئاسة السيد الطيب عبد الرحيم في المؤتمر الدولي للإحصاء والتنمية في رام الله

27/3/2007

السيد ممثل الأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)،
السيدات والسادة أعضاء المجلس الاستشاري للإحصاءات الرسمية الفلسطينية،
السيدات والسادة الضيوف والحضور،
السلام عليكم ورحمة الله وبعد،

فأرجو أن تسمحوا لي بداية بالترحيب بحضراتكم باسم سيادة الأخ الرئيس محمود عباس "أبو مازن" وبالأصالة عن نفسي، وأن أنقل بالغ تحياته وتمنياته لكم، راجياً لمؤتمركم العلمي الهام حول قضايا الإحصاء والتنمية، أن يكلل بالنجاح والتوفيق الكامل..

مؤكداً في هذا السياق اعتزازنا بانعقاد هذا المؤتمر الهام في هذا الظرف البالغ التعقيد، خاصة نتيجة استمرار انسداد الآفاق السياسية ووطأة الحصار الخانق الذي يتعرض له شعبنا، حيث تراجع الوضع الإنساني والاجتماعي والاقتصادي طبقاً لمؤشرات الإحصاءات الرسمية التي تؤكد ازدياد الفقر ومعدلات من هم تحت خط الفقر، وارتفاع معدلات البطالة، وتراجع الدخل القومي والناتج المحلي الإجمالي..

الأمر الذي أدى إلى ظهور آفات اجتماعية كثيرة، تستوجب تضامن جهود الجميع محلياً وبدعم وإسناد دولي لمواجهتها..

ويأتي انعقاد مؤتمركم ضمن جهود السلطة الوطنية الفلسطينية لإعادة الموضوع التنموي على الأجندة الوطنية والدولية في فلسطين، تجسيداً لاهتمامنا الشديد بهذا الموضوع، الذي يستهدف كل شرائح مجتمعنا التي تشكل ذخره الاستراتيجي نحو مسيرة التحرر والبناء، فالتنمية هي من أهم دعامات الصمود والطريق لتأسيس مجتمع ديمقراطي، وبناء إنسان حر ملتزم بالمبادئ الوطنية والإنسانية، والإحصاءات الدقيقة والعلمية هي العمود الفقري لوضع خطط تنموية مبنية على أسس سليمة تشكل رافعةً لقضايا التنمية وتحقيق الأهداف المعلقة عليها..

أيتها الأخوات. . . أيها الأخوة..

بينما تحاولون في هذا المؤتمر مناقشة الوضع التنموي الفلسطيني واستخلاص النتائج والتوصيات لتوظيف أفضل السبل لاستثمار الإمكانيات الإحصائية والرقمية في رسم الطريق التنموي، عمل الأخ الرئيس محمود عباس "أبو مازن" على مدار الساعة طيلة الشهور الماضية "ولا يزال" لإخراج الشعب الفلسطيني من حالة الحصار التي أدت إلى تراجع الوضع التنموي، وبعد أن تكللت جهوده بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، ليعمل الكل الفلسطيني من أجل الكل الفلسطيني في مركب واحد، يبذل السيد الرئيس الآن كل جهوده مع منظمة التحرير وحكومته لرفع الحصار عن شعبنا مع كل الأطراف مستعيناً بموقف القمة العربية في المملكة العربية السعودية..

لقد أكدنا على تمسكنا بالمبادرة العربية للسلام مبادرة الإجماع العربي ووضع الآلية المناسبة لها دون تفريط بحق، أو عزل لأي طرف، أو استدراج بلا ثمن..

وهنا نطالب جميع الجهات الدولية برفض الخضوع للابتزاز الإسرائيلي بعدم التعامل مع الحكومة أو التمييز بين وزرائها، فالجانب الإسرائيلي ينفي وجود الشريك تهرباً من الالتزامات، وحتى يستمر في فرض الحصار على شعبنا بهدف التهجير وتفريغ الأرض من سكانها ليتسنى له تنفيذ مخطط ترسيخ الاحتلال..

وكما ترون فإن المنطقة تشهد الآن تحركات مكثفة ولقاءات متعددة، وتكثر الأحاديث عن خلق أجواء مواتية لاستكشاف الآفاق ووضع الآليات لتنفيذ المبادرة العربية، لكن الوضع حتى الآن دون نتائج على الأرض، اللهم باستثناء العزل والاستيطان والاجتياحات والاغتيالات والمزيد من الاعتقالات..

هناك تعبير في المصطلحات السياسية ذات الأبعاد التي يتم تداولها تسمى بلعبة الثلاث ورقات، نأمل بأن تكون هذه التحركات واللقاءات والسيناريوهات صادقةً مثمرة وليست حملاً كاذباً أو أنها مجرد حركة علاقات عامة كما كانت في السابق لتحقيق هدف في نفس يعقوب..

نعتقد أن الوزيرة رايس لديها النوايا والرغبة، ونأمل أن يكون لديها القدرة فالوقت يمر سريعاً.. فلم يبقِ الجانب الإسرائيلي من الاتفاقيات إلا تسمياتها، أما رؤية الرئيس بوش فقد أصبحت من أجل رؤية هلالها بفعل المماطلة الإسرائيلية بحاجة إلى مرصد ضخم وعدسات شفافة لرؤية الكواكب البعيدة أو إلى مجهر لاكتشاف الكائنات ذات الخلية الواحدة..

لقد أوضح السيد الرئيس مواقفنا وأجمعنا عليها وقبلنا بحل الدولتين كطريق للتعايش والأمن والاستقرار في المنطقة، ووافقنا على حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين كما ورد في القرار 1515، والأمة العربية أعلنت مبادرتها وأكدت وستؤكد عليها لكن بعض الأطراف لا تقرأ وإن قرأت لا تريد أن تفهم وإن فهمت (كما هو الحال مع المبادرة العربية بعد خمس سنوات من إعلانها) تريد الثمن مقدماً، وإن توجهنا للبعض ممن له تأثير لأجل دفع العملية السياسية، قال قائل منهم إن الحكومة الإسرائيلية ضعيفة، وأي ضغط عليها سيعمل على انهيارها، ونفس المنطق مقلوباً، فعندما كانت الحكومة الإسرائيلية قوية كانوا يقولون إننا لا نستطيع أن نفرض عليها بالضغط..

ومن قبل ومن بعد كانت الضحية تلام ويحملونها كل الآثام! لهذا فإننا نقرع جرس الإنذار..

إذا ما فقدنا الأمل وآمل ألا يفقدوننا إياه، علينا أن نقيِّم الأمور مرة أخرى، إنه موقف جاد وجدي، ونأمل من الجميع أن يدرك أبعاده وتداعياته الخطيرة قبل فوات الأوان..

وفي نفس الوقت، فإننا نعيد التحذير ثانية، من أن هناك من يحاول أن يدمر قلعتنا من داخلنا، ويعبث بوحدتنا التي تجسدت مؤخراً باتفاق مكة، وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، بافتعال أحداث تصب كلها في خدمة مشروع بعض القوى في إسرائيل التي تزعم بأن لا وجود للشريك الفلسطيني، فتحقق حلم شارون "بعد الانسحاب من غزة من طرف واحد" بأن تغرق غزة في البحر المتوسط أو في بحر من الدماء، نطالب هؤلاء بالتوقف فوراً عن تصدير الأزمة إلى مجتمعنا ومقامرتهم بمصير هذا الشعب والتخلي عن أوهامهم، فغزة جزء من الوطن الذي نحلم به وليست "باندوستاناً" أو "كانتوناً"، هي للشعب الفلسطيني بكل فئاته وأطيافه وشرائحه.

أيتها الأخوات،
أيها الإخوة،

يأتي تنظيم هذا المؤتمر الهام بالتعاون مع اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، وهذا تعبير حي لأهمية الدور الذي تلعبه مؤسسات الأمم المتحدة بشكل عام و"الإسكوا" بشكل خاص في مساعدة شعبنا لنيل حقوقه، وبناء دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وإنني إذ أتقدم بالشكر لـ "الإسكوا" على هذا الدور، لأدعوها وأدعو كافة مؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إلى المزيد من الاهتمام بقضايا الشعب الفلسطيني، الذي ظلم على مدى التاريخ، فالقضية الفلسطينية هي محور الصراع في المنطقة، ونقطة الانطلاق نحو تحقيق العدالة الإنسانية والمبادئ والقيم العليا التي أقرتها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية ومبادئ السلم الدولي، كما أنها بوابة السلام والاستقرار والأمن في المنطقة..

يحمل انعقاد هذا المؤتمر الذي يهدف إلى ترشيد العمل التنموي الفلسطيني باستخدام المعلومات الإحصائية الدقيقة والموثوقة في رسم السياسات العامة ومراقبتها وتقييمها يحمل رسالة هامة للعالم أجمع، بأننا مصممون على حماية مشروعنا الوطني والحفاظ على هويته التحررية الديمقراطية التنموية لإزالة الاحتلال، وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، فمشروعنا ليس مشروع إغاثة إنسانية، إنما هو مشروع تحرري إنمائي عادل، يهدف لبناء دولة ديمقراطية عصرية ينعم أبناؤها بالحرية والعيش الكريم في ظل تنمية مستدامة وعلاقات على قدم المساواة مع دول وشعوب المنطقة..

كما يشكل هذا المؤتمر رسالة مهمة أيضاً على أننا مصممون على المضي قدماً في ترشيد عملنا العام على طريق استمرار مسيرة الإصلاح من خلال ترشيد استخدام الموارد ومن بينها المعلومات الإحصائية، واستغلالها بالشكل الأمثل الذي يحقق أفضل العوائد للشعب الفلسطيني..

ولا يفوتني هنا أن أشير إلى موضوع هام في تاريخ المسيرة الإحصائية الفلسطينية ألا وهو التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت للعام 2007، حيث ستشهد الأراضي الفلسطينية تنفيذ التعداد الثاني على أراضيها هذا العام، وإن تنفيذ هذا التعداد يأتي في ظروف بالغة التعقيد، خصوصاً في ظل الإجراءات الإسرائيلية التعسفية ضد أبناء شعبنا الصامد ولا سيما صعوبة التنقل بين المحافظات والمناطق الفلسطينية إضافة إلى عزل عاصمتنا القدس، بسبب الحواجز وبناء جدار الضم والتوسع العنصري، ورغم كل هذا إلا أن القيادة الفلسطينية ملتزمة وعازمة كل العزم على تنفيذ هذه المهمة الوطنية، ومن هنا ندعو الجميع سواء أكانوا أفراداً أو مؤسسات إلى التعاون الكامل والتام مع الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وفريقه الوطني في تنفيذ هذا الحدث الهام في حياة الشعب الفلسطيني..

إن التعداد العام يمثل لبنة أساسية في عملية التخطيط والبناء السليم على أسس علمية صحيحة، لما يوفره من بيانات دقيقة لكافة نواحي الحياة، سواء أكانت سكانية أو اجتماعية أو اقتصادية أو جغرافية..

ومن هنا نسجل اعتزازنا وتقديرنا العميق لكافة أبناء الأسرة الإحصائية الفلسطينية على جهودها العظيمة وعملها الرائع والمتميز على مدار 14 سنة الماضية في توفير الإحصاءات الرسمية الدقيقة في كافة قطاعات المجتمع، وذلك بشهادة الجميع على المستويين الوطني والدولي، حيث أن المؤسسة الإحصائية الفلسطينية تحظى باهتمام ودعم وتقدير جميع أصدقاء شعبنا لتميزها في عملها المهني ونهجها الإداري حتى أصبحت مؤسسة يشار لها بالبنان من طرف الجميع، وهنا لا بد أن أتذكر مقولة الزعيم الخالد ياسر عرفات رحمه الله، عندما قال عبارته المشهورة "الإحصاء الفلسطيني مفخرة للشعب الفلسطيني"، إننا مطالبون جميعاً أن ندعم ونشجع الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ليبقى دوماً نموذجاً يحتذى به..

لقد عهدنا في أسرة الجهاز المركزي للإحصاء كل جدية ومثابرة في العمل على تحقيق الأهداف المرسومة لمسيرة الإحصاء الفلسطيني الرسمي، ونحن على ثقة بأن هذا المؤتمر الهام حول قضايا الإحصاء والتنمية سيساهم بشكل جدي في تقدمنا باتجاه تحقيق أهدافنا في تعزيز مكانتنا وترشيد الموارد، وسنصغي جيداً إلى جميع التوصيات التي ستتوصل لها أعمال مؤتمركم هذا، وستوفر نقاشاتكم ومداولاتكم مناسبة طيبة لوزارات ومؤسسات وهيئات السلطة الوطنية الفلسطينية المشاركة في هذا المؤتمر والاستفادة من الإحصاءات الرسمية في التعرف على الاولويات وتخطيط ومراقبة وتقييم السياسات العامة الهادفة إلى نماء المجتمع وتقدمه..

أتقدم باسم السيد الرئيس، وباسم الجميع، بالشكر لأسرة الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني على ما يبذلونه من عمل جاد ودؤوب في سبيل توفير الرقم الإحصائي الرسمي الموثوق، فالإحصاء الفلسطيني علامة تميز وإبداع فلسطيني مهني وعقلي لاقى فيها كل الدعم من القيادة الفلسطينية إلى جانب الجهود المباركة للدول الصديقة والنشاط المنقطع النظير للفريق الوطني..

وختاماً نشكر الأصدقاء الضيوف على حضورهم ومبادرتهم بالمشاركة في هذا المؤتمر الهام، ونثمن العلاقات المهنية الراسخة التي أسسها الإحصاء الفلسطيني مع جميع المنظمات والمؤسسات الدولية.. أشكركم جميعاً على حضوركم ومساهمتكم وحسن استماعكم..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

كلمة السيد الرئيس في افتتاح معرض "غزة على مفترق الحضارات" بجنيف 

27/4/2007

السيدة مشلين كالمي ري،
رئيس الفيدرالية السويسرية،
السيد رئيس مجلس الدولة،
السيد باتريس موني نائب رئيس بلدية جنيف،
السادة أعضاء بلدية جنيف،
السيدات والسادة الحضور الكرام،

إنه ليشرفني ويسعدني أن أكون اليوم هنا بينكم في هذه المدينة الجميلة مدينة جنيف لنفتتح سوياً هذا المعرض "غزة على مفترق الحضارات"، والذي يأتي كثمرة أولى لبرنامج التعاون الفلسطيني- السويسري في مجال الآثار والتراث الثقافي، والذي بدأ مع توقيع مذكرة التعاون بين مدينة جنيف ووزارة السياحة والآثار في شهر ديسمبر2005.

ويأتي هذا المعرض بعد سبع سنوات من معرض، "غزة المتوسطية" في باريس، وما يزيد عن مئة عام من البحث الأثري في فلسطين.

ستة آلاف عام من الحضارة أمام أعينكم:
لا شك أن تعاقب الحضارات المختلفة على أرض فلسطين قد أغنى منطقتنا بشتى أنواع المعرفة والثقافة والعلوم..

إن الجهود المشكورة لمدينة جنيف وبلديتها والسيد باتريس موني، وكذلك السيدين سيزار منز، ومارك هلديمان من متحف الفن والتاريخ في جنيف، وزملائهم في سبيل الحفاظ على التراث الفلسطيني، لجهود تستحق الثناء والتقدير.

كذلك لابد من الإشادة بدور منظمة "اليونسكو" على رعايتها لهذا لمشروع وطواقم وزارة السياحة والآثار على الجهود، التي بذلوها لإنجاح هذا الحدث الثقافي. ولا شك أن ما قامت وتقوم به وزارة السياحة والآثار الفلسطينية من جهود على مر الـ 12 سنة الماضية لعمل عظيم تستحق عليه الثناء، وذلك من خلال المواد الأثرية التي تم الكشف عنها من قبل دائرة الآثار والتراث الثقافي في وزارة السياحة والآثار، في الفترة ما بين 1995-2006 بالتعاون مع المدرسة الإنجيلية الفرنسية، كذلك لابد أن أشيد بالدور الكبير والجهود المستمرة، للسيد جودت الخضري، الذي دأب في جمع والمحافظة على آثار فلسطين، خلال السنوات الماضية في المحافظة على تراث وتاريخ فلسطين، والذي ساهم بمجموعته الخاصة في هذا المعرض.

ويأتي هذا المشروع ضمن سلسلة من المشاريع التي يجري التخطيط على أن تكون نواة للمتحف الأثري لغزة..

وإنه لأمر بالغ الدلالة أن العمل على هذا المعرض، قد جرى في ظل ظروف الحصار القاسية، التي فرضت على شعبنا السنة الماضية، كما أن موضوع المعرض يتعلق بمدينة غزة، التي تتعرض لأسوأ اشكال الحصار.

هذه المدينة التي تبوأت مكانة مهمة في التاريخ الفلسطيني والإنساني العام مستفيدة من موقعها الجغرافي - السياسي كحلقة وصل بين الثقافات والقارات..

يُظهر هذا المعرض الوجه الحضاري الحقيقي لمدينة غزة، الذي طالما غاب في الإعلام في لجة الأخبار السياسية للأوضاع في فلسطين.

ويمثل هذا التاريخ الحضاري جزءاً من دور فلسطين وإسهاماتها في التراث الإنساني للبشرية، كما ويشكل في الوقت نفسه مؤشراً على عزم المجتمع الدولي على أخذ مسؤوليته في الحفاظ على التراث الثقافي لفلسطين..

لقد تعرض التراث الثقافي الفلسطيني لعملية تدمير شبه منظمة في السنوات الأخيرة، وجرى استهداف مقصود لمواقع التراث الثقافي في المدن التاريخية، خصوصاً في القدس وبيت لحم والخليل ورفح وخانيونس والعديد من المواقع الأخرى.

وتجري عمليات التدمير من قبل الاحتلال وتتواصل التنقيبات الأثرية الإسرائيلية في محيط المسجد الأقصى رغم مطالبة المجتمع الدولي بوقفها لما تحمله من مخاطر..

يكتسب هذا المعرض أهميةً بالغةً في التعريف بآثار مدينة غزة، وإيجاد سبل الحفاظ عليها، كما يمثل المعرض انطلاقة قوية لمشروع التعاون الفلسطيني-السويسري في مجال الآثار. ويرسي مرحلة جديدة في التبادل الثقافي بين الشعبين السويسري والفلسطيني، من خلال المعرض نفسه والفعاليات الفنية والثقافية التي ستواكبه..

وإنه لأمر بالغ الدلالة ما كشفت عنه التنقيبات الأثرية في مدينة جنيف لجرار غزة في الفترة اليونانية، بما يشير إلى عمق الوشائج الحضارية بين فلسطين وسويسرا..

كما لا يفوتني الدور الكبير، الذي قام به الرحالة والباحثون السويسريون في إثراء الدراسات الفلسطينية في مجال الآثار، خصوصاً عالم اللغات الكبير ماكس فان برشم، الذي زار غزة سنة 1896.

ويحدونا الأمل أن يتوج هذا الجهد بمزيد من التعاون من أجل وضع فكرة متحف غزة موضع التنفيذ في القريب العاجل.. وفي الختام أشكركم جميعاً على جهودكم وحضوركم وتعاونكم، من أجل إعطاء أمل في مستقبل أفضل يستمد قوته من حضارته وتراثه الثقافي العظيم..

شكراُ لكم..

 


كلمة السيد الرئيس لأبناء شعبنا بمناسبة الذكرى الــ "59" للنكبة في رام الله

15/5/2007

بسم الله الرحمن الرحيم
أيتها الأخوات والإخوة في الوطن والشتات،
أخواتي وإخواني وأبنائي أسرى الحرية في سجون الاحتلال ومعتقلاته،
أهلنا في مخيمات اللجوء وفي كل مكان،
السلام عليكم،

تمر علينا اليوم الذكري التاسعة والخمسون للنكبة، هذا الجرح العميق في قلب وضمير كل مواطن فلسطيني، حيث تتساوى المعاناة بين من يعيشون هنا تحت الاحتلال، و من يعيشون في المنافي، فكل فلسطيني يتجاذبه في هذا اليوم الشعور بالغضب من جهة والأمل والتحدي من جهة أخرى..

تسعة وخمسون عاماً مرت على شعبنا الذي تعرض إلى أخطر المؤامرات وعانى أبشع وأقسى أشكال الظلم والاضطهاد، وتم التنكر لوجوده كشعب بعد عام 1948، ليصبح المخيم رمزاً للفلسطيني كلاجئ تتلخص قضيته في الحصول على مساعدات إنسانية..

نتذكر نحن أبناء جيل النكبة، أيتها الأخوات والإخوة، تلك الأيام الحالكة السواد، يوم اقُتلعنا من الوطن، وتشتت شعبنا، وحال هذا الشتات دون لقاء الأخ بأخيه، وأصبح الفلسطيني صفة لا هوية، وغدا حلم الوطن الفلسطيني بعيد المنال..

أود أن أستذكر ذلك اليوم، رغم أننا ما زلنا في ظل الظروف صعبة، ولكنها يجب ألا تحجب عن أجيالنا، ممن ولدوا بعد سنوات من نكبة عام 1948، أننا اجترحنا معجزة البقاء رغم التفاوت الهائل في موازين القوى، والتعقيدات التي لا حدود لها إقليميا ودولياً.. فمن حق شعبنا، وأجياله الصاعدة أن يفخر بأننا رغم كل الصعوبات والضغوط لم نستسلم، ولم نرضخ، ولم نيأس، بل قررنا في ظل أوضاع وظروف صعبة إقليمياً ودولياً أن نبادر إلى كسر الصمت وإسقاط المؤامرة، فكانت ثورتنا التي انطلقت في الفاتح من عام 1965 بقيادة رئيسنا الراحل القائد الرمز الأخ أبو عمار ورفاق دربه، الذين قادوا نضال شعبنا، واستطاعوا بتضحيات وبطولات هذا الشعب العظيم أن يحولوا قضية فلسطين من قضية لاجئين إلى قضية شعب له الحق في تقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف..

أيتها الأخوات،
أيها الإخوة،

لقد كانت مسيرتنا التي استمرت أكثر من أربعة عقود حافلة بمحطات مضيئة، إذ وحدت منظمة التحرير الفلسطينية شعبنا وفصائله المناضلة ضمن أطر ديمقراطية، واستطاعت أن تحصل على الاعتراف العربي والدولي بها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، كما أنها نجحت في أن تلائم الكفاح المسلح مع العمل السياسي، الذي أدى إلى كسب تأييد وتضامن قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي، حيث أصبحت القضية الفلسطينية مفتاحاً لاستتباب الأمن والسلام والاستقرار في الشرق الأوسط وفي العالم..

وتشكل الخطوات التي نقطعها اليوم بعد اتفاق مكة المكرمة، وقيام حكومة الوحدة الوطنية، استمراراً لتلك المسيرة وتعزيزاً لها، فسلطتنا الفلسطينية الوطنية، ومرجعيتنا منظمة التحرير الفلسطينية ستحافظ على موقفها الواحد الموحد، انطلاقاً من الالتزام ببرنامجها الوطني وبكل الاتفاقيات التي وقعنا عليها وقطعناها على أنفسنا، ومستندين إلى مبادرة السلام العربية، التي تشكل عناصرها وأسسها برنامج سلام حقيقي ومتكامل..

إننا نطالب المجتمع الدولي اليوم، وخاصة اللجنة الرباعية الدولية، وبشكل أخص الولايات المتحدة الأمريكية، بأن تمارس دورها كوسيط نزيه في الصراع يحترم ويتعامل مع حكومة الوحدة الوطنية، من أجل إنهاء الحصار الظالم على شعبنا، بحيث نتمكن من معالجة كل القضايا المطروحة على جدول أعمال الحكومة الجديدة وفي المقدمة إنهاء الفلتان الأمني والفوضى الداخلية، وفرض القانون، وذلك من خلال تطبيق الخطة الأمنية، دون أي تردد أو تأخير، لوأد الفتنة، واستبعاد شبح الاقتتال الداخلي، ونحافظ على التهدئة بشكل تام ونستأنف مسيرة الإصلاح والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في سبيل التغلب على البطالة واتساع دائرة الفقر وحالة الانهيار الاجتماعي، وهجرة الكفاءات ورؤوس الأموال التي تزايدت معدلاتها بشكل خطير..

ونشير هنا إلى أننا ما زلنا متمسكين بالخطة الأمنية الأمريكية التي طرحت علينا ورفضها الطرف الإسرائيلي ونصر على تطبيقها. لأنها أساس لمطالبنا.

أيتها الأخوات،
أيها الإخوة،
يا أبناء شعبنا المناضل،

إننا نسعى من جانبنا إلى ترتيب وتحصين وضعنا الداخلي، الذي يشمل الحوار القائم بشأن تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها، وضمان مشاركة وطنية شاملة في أطرها، كما نحرص على توطيد وتمتين علاقاتنا مع كل الدول العربية والإسلامية والدولية، ونتمسك بقرارات الشرعية الدولية، مطالبين بتطبيق خطة خارطة الطريق بشأن حل الدولتين، مقابل ذلك تواصل إسرائيل انتهاج سياسة القوة والبطش والإمعان في اغتيال واعتقال الآلاف من المواطنين الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم، وبناء جدار الفصل العنصرين، والسعي بكافة الوسائل إلى فرض تهويد القدس..

وفي هذا المجال، فإنني أحذر وأنبه من خطورة الخطوة التي تم الإعلان عنها بشأن بناء ثلاث مستوطنات جديدة في القدس الشرقية وحولها، التي تهدف إلى إقامة عشرين ألف وحدة سكنية استيطانية تربط ما بين المستوطنات القائمة شمال المدينة وجنوبها، بحيث يتم عزلها وعزل سكانها الفلسطينيين نهائياً عن الضفة الغربية..

إن المجتمع الدولي مطالب بالتدخل فوراً لإيقاف هذه الخطة، فالقدس ستبقى عنوان كل حل عادل، وتخليصها من أسر الاحتلال هو هدف أسمى من كل الأهداف، وهو الذي بإمكانه ضمان مكانتها كمركز للتسامح الديني والتعايش الإنساني وحسن الجوار..

إن طريق الاستيطان وبناء الجدار والاجتياحات والاغتيالات والحواجز وغيرها من الممارسات الإسرائيلية، لن تقرب السلام المنشود بيننا، بل ستجعل الطريق نحوه أكثر صعوبة وتعقيداً..

إن مبادرة السلام العربية القائمة على مبدأ عودة الأرض مقابل السلام، هي فرصة تاريخية أمام إسرائيل وأمام شعوب المنطقة، لوضع حد لعقود من الحروب والعذابات.

وقد آن الأوان للتخلص من أوهام الحصول على السلام مع استمرار الاحتلال، أو أن القوة ستجبر الفلسطينيين على الركوع والاستسلام..

وأؤكد اليوم بأننا لن نساوم على حقوقنا التي كفلتها لنا الشرعية الدولية، والتي تتخلص في إنهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967، وإقامة دولتنا المستقلة عليها وعاصمتها القدس الشريف، وإيجاد حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين الفلسطينيين بموجب قرار الأمم المتحدة 194.

يا أبناء شعبنا الفلسطيني في كل مكان،

في هذا اليوم الذي يرمز إلى مأساتنا ونكبتنا، أعاهدكم أن أبذل أقصى ما لدي من طاقة وجهد من أجل تخليص شعبنا من عذاباته وفي مقدمتهم أبنائي وأشقائي الأبطال في سجون الاحتلال، ومن بينهم قادة ونواب ووزراء منتخبون، وأن تبقى قضيتهم أولوية في جهودنا وعملنا اليومي، حتى يتم إطلاق سراحهم.

ولن يفوتني في هذا اليوم دون التوقف عند مأساة أبناء شعبنا في العراق، ومعاناتهم والتي نبذل أقصى جهودنا لإيجاد حل لها مع حكومة العراق، ومع أطراف إقليمية ودولية مختلفة لحمايتهم من الاعتداءات التي يتعرضون لها.

وأود أن أعبر لأشقائنا في مخيمات لبنان ولكل مخيمات الشتات كافة، بأننا سنبقى ندافع عن حقوقهم وقضيتهم العادلة بمختلف الوسائل وفي جميع الميادين، فقضية اللاجئين هي جوهر وأساس المشكلة. رغم كل المعاناة وكل الآلام، لا بد للحق أن ينتصر، ولا بد أن تشرق شمس الحرية، فالتحية والتقدير لكل فلسطينية وفلسطيني من أبناء شعبنا في الوطن وفي الشتات.

ولنجدد جميعاً العهد بأننا سنبقى أوفياء لقضية شعبنا ولدماء شهدائنا الأبرار رحمهم الله جميعاً. المجد والخلود لشهدائنا الأبرار، ولأسرانا البواسل الحرية، ولشعبنا العزة والكرامة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 


كلمة السيد الرئيس إلى الشعب في الوطن والشتات بمناسبة هزيمة حزيران في رام الله

5/6/2007

بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا"
صدق الله العظيم

أخواتي إخوتي، أبناء شعبنا الفلسطيني في كل مكان،

عامٌ جديد، ندخله، بعد اكتمال أربعة عقود على حرب حزيران، تلك الحرب التي احتُل فيها ما تبقى من الأرض الفلسطينية، بالإضافة إلى أجزاء أخرى هامة من الأراضي المصرية والسورية..

ومنذ ذلك التاريخ الأسود، وشعبنا وأمتنا يدفعان ثمناً باهظاً لهزيمة كبرى، أحدثت تحولاً جوهرياً في واقع المنطقة، وأضافت جملة تعقيدات إضافية على الصراع العربي- الإسرائيلي الذي كان وما يزال جوهره القضية الفلسطينية، وحقوق شعبها..

وإذا كانت هزيمة حزيران، قد أوجدت أبعاداً ومعطيات جديدة للنكبة التي بدأت في العام 1948، إلا أنها في ذات الوقت ألقت على كاهل الشعب الفلسطيني بصفة خاصة، مهاماً نضالية كبرى، استطاع التصدي لها، وحمَل أعباءها بكل شجاعة وصبر، فردَّ على الهزيمة الكبرى، بتطوير أداءِ وفاعلية ثورته الوطنية، وتجاوَزَ آثارها التي أريد لها أن تكون تصفية نهائية لقضيته، وذلك بإشهار هويته الوطنية مقترنة بكفاح دؤوب من أجل استعادة حقوقه الوطنية المشروعة، فكان التحول التاريخي في مسار القضية، وأعني به تكريسها وبقوة، كقضية سياسية من الدرجة الأولى، قضية وجود شعب، قضية حاضر ومستقبل، بعد أن كادت تتحول إلى مجرد قضية إنسانية تُعالَج بالإغاثة والتشغيل والاحتواء والاستيعاب..

لقد كان ثمن تجاوز هزيمة حزيران باهظاً للغاية، إذ قدم شعبنا وأمتنا العربية آلاف الشهداء والجرحى وآلاف المعتقلين والمشردين، ولم تكن هذه التضحيات لتذهب سدى، بل راكمت لهذا الشعب رصيداً من الإنجاز ساعدنا على التقدم حثيثاً نحو بلوغ حقوقنا الوطنية غير القابلة للتصرف (حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف) وفي هذا السياق، وفر العطاءُ الشعبي، عبر الثورة الفلسطينية المجيدة، مضموناً قوياً لمنظمة التحرير الفلسطينية، كإطار وحدوي جامع يجسد العنوان الأوحد لحركتنا الوطنية، والعنوان الأكثر مصداقية لكافة القوى الوطنية الفلسطينية، الملتزمة بهدف الحرية والاستقلال.

أيتها الأخوات والإخوة،

الوقت غير مناسب للاستفاضة في تحليل نتائج وآثار نكسة حزيران في حياتنا على مدى العقود الأربعة الماضية، فعلينا أولاً وأخيراً أن نستفيد من دروسها، وأخذ العبر منها.

لقد أثبتنا عبر نضالنا بأننا لن نرفع الراية البيضاء رغم الصعوبات والتحديات والنكسات، فقد عمًق شعبُنا نهجاً كفاحياً مدروساً، بعيداً عن الانفعال والارتجال، وتقدمنا نحو أهدافنا عبر سياسةٍ عقلانيةٍ مسؤولة، تستند إلى حسابات صحيحة، توصِلُنا إلى حقوقنا، وتستقطب دعماً متنامياً لهذه الحقوق..

ولو أمعنّا النظر في برامج منظمة التحرير الفلسطينية التي وضعت وطورت بعد نكسة حزيران، والتي عملنا بهديها عقوداً متصلة من الزمن، فسنجدها الأكثر واقعيةً وتوازناً، وعلى قدر كبير من الفاعلية والتأثير، أدى إلى فتح أبواب العالم كله أمام عدالة قضيتنا، وحتمية حصول شعبنا على دولة مستقلة ذات سيادة، ولم يكن ذلك بفعل صحوة أخلاقية مفاجئة، وإنما لإدراك الجميع بأن الاستقرار الإقليمي والدولي يتطلب ولادة الدولة الفلسطينية المستقلة كمدخل لحل كل الصراعات في منطقتنا.

نعم، ونقولها بكل ثقة، لقد تجاوزنا الهزيمة بالثورة وها نحن رغم كل الصعوبات، نحث الخطى نحو الدولة كهدف أضحى قريباً، ولعل الصعوبات الكبرى التي نواجهها في هذه الحقبة الزمنية التي نعيشها، هي آلامُ مخاضٍ حتمي لا بد (وبعونه تعالى) من أن ينتهي لمصلحة قيام دولتنا العتيدة.

أيتها الأخوات أيها الإخوة،

كما عودتكم في كل لقاءاتي معكم، وأحاديثي إليكم، أن أُواصل وضوحي وصراحتي في ملامسة الأمور، والتفكير معاً في إيجاد الحلول الممكنة لها، فإني وبهذه المناسبة سأعاود الحديث من القلب إلى القلب، وأبدأ بهمومنا اليومية، فنحن نتابع ما يجري في مخيم نهر البارد في لبنان، وكذلك مخيم عين الحلوة، حيث تقوم بعض المجموعات المتطرفة التي لا علاقة لها بالنضال الفلسطيني، باستغلال المخيمات للقيام باعتداءات ضد الجيش اللبناني، مهددة حياة المواطنين الفلسطينيين الأبرياء في هذه المخيمات بالخطر..

إننا إذ نعبر اليوم عن بالغ قلقنا على حياة أهلنا في لبنان، الذين طالما قدموا التضحيات من أجل قضيتهم، فإننا واثقون من حرص الحكومة اللبنانية على حياتهم ومصالحهم، مؤكدين في نفس الوقت على إدانتنا لهذه المجموعة المسلحة..

وعلى صعيد وضعنا الداخلي، فإن ما يقلق الجميع هو ما اصطلح على تسميته بالفلتان الأمني، أو بتعبير أكثر تحديداً، وقوفنا جميعاً على حافة حرب أهلية، أولُ وأخطر مقدماتها، هو الاقتتال الكلامي غير المسؤول، والذي أدى إلى اقتتال دموي راح ضحيته العشرات من الشهداء والمئات من الجرحى ناهيك عن تدهور مكانة قضيتنا في العالم، وتشويه صورتنا التي كانت طيلة مراحل كفاحنا الوطني ناصعة مشرقة ومشرفة. من البداية، عملت والعديد من إخواني، على وقف هذه الظاهرة وإلغائِها من الواقع الفلسطيني تماماً، ولقد أشرفت مباشرة على مئات بل آلاف ساعات الحوار لإنضاج تفاهم وطني يكون من الصفاء والوضوح عاملاً جوهرياً لإبعاد شبح الاقتتال إلى غير رجعة، ذهبت إلى الدوحة ودمشق، ومكة، والقاهرة بالإضافة إلى الحوار في رام الله وغزة، كنت مدركاً أن ما يوازي خطر الاحتلال ويزيد عليه، هو خطر الاقتتال، وبالفعل نجحنا في المرة الأولى، لنفاجأ باندلاع الاقتتال من جديد، وقد اتسمت الحلقة الثانية من الاقتتال بخطورة استثنائية كونها جاءت بعد اتفاق مكة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية.

إن الوقت ليس مناسباً للحديث عمن يتحمل المسؤولية ومن يُلام ولا يلام، فما توصلنا إليه من تفاهم بعد الحلقة الثانية، يتطلب منا جميعاً إشاعة جو من الصفاء والإيجابية كي نمضي قدُماً نحو ترسيخ الوئام الداخلي وتعميق مشاعر الأخوة والتوحد، خاصة وأننا ما زلنا نواجه احتلالاً بالغ الشراسة، واستيطاناً متمادياً وتراجعاً مأساوياً في قضيتنا وفي الاهتمام الإقليمي والدولي بها. وجنباً إلى جنب مع تكريس التهدئة الداخلية، ونزع فتيل الانفجارات الظاهرة والكامنة، عملتُ بدأب وإصرار، من أجل بلوغ تهدئة شاملة مع الجانب الإسرائيلي، الذي يتخذ من الصواريخ غير المجدية بأي مقياس سبباً وذريعة للمضي قدماً في تدميرٍ منهجي لمرافقنا وممتلكاتنا، مع قتلٍ بلا هوادة فيه لمواطنينا، وبلغة الأرقام فإنه ومنذ انهيار الفصل الأخير من فصول التهدئة سقط منا عشراتُ الشهداء دون نسيان حقيقة أنه ومنذ اختطاف الجندي شاليط وشلالُ الدمِ لم يتوقف، إن الذين فقدناهم في ظل قضية الجندي يعَدون بالمئات من الشهداء وأضعافهم من الجرحى والمعتقلين..

ومع إدراكي لصعوبة الموقف، وتشابك القضايا، إلا أنني حرصت على تفكيك كل أزمة بعنايةٍ وصبر، مدركاً أهمية التهدئةِ الداخلية، والتهدئةِ مع الجانب الإسرائيلي من أجل مداواة جراحنا النازفة، وكذلك من أجل توفير الجهد والمناخ لخدمة قضيتنا التي تكاد تتوارى وتندثر وراء نار المواجهات والحرب والاقتتال..

نعم، إنني أسعى إلى تهدئة مع الجانب الإسرائيلي وبالتأكيد لا بد وأن تكون شاملةً ومتبادلة في غزةَ والضفة الغربية، وأسعى كذلك ومن خلال وجودي المباشر على أرض الأزمة ألاّ يظلَ قرار التهدئة والقتال والاقتتال في يد أفرادٍ أو مجموعات، تمنح نفسها حق تقدير الموقف نيابةً عن الشعب بأسره، وتمنح نفسها كذلك حقَ المبادرة بالقتال وبوسائل غير مجدية، دون علم المؤسسات الوطنية الرئيسة..

وبكل أسف، فإن الإعلان عن وقف التهدئة واستئناف القصف، يعطي إشارة على أن إدارة الصراع أضحت انفعاليةً وارتجالية، مما يُوقع المزيد من الخسائر المادية والمعنوية دون أن نجد أحداً في العالم يدين الرد الإسرائيلي الذي يكون غالباً أضعافاً مضاعفة لحجم المبادرة القتالية من الجانب الفلسطيني.

أدرك صعوبة الأمر، أدرك التعقيدات، أدرك التداخلات والمؤثرات المحلية والإقليمية، وحُمّى الأجندات المختلفة، أُدرك ذلك تماماً غير أنني لن أتوقف عن العمل.

أولاً من أجل أمن المواطن الفلسطيني أينما وُجد، وثانياً من أجل توفير المناخ المواتي للتحرك من أجل قضيتنا وحقوقنا في خضم هذا العالم المضطرب، فأي شعب لا يحسن إدارة قضيته يفقدُ نفسَه ويفقد قضيته!!!.

الأمر الآخر، الذي يؤرقكم ويؤرقني بالتأكيد، هو الحصار الاقتصادي والمالي والنفسي والجغرافي، فأنا لا أرى الحصار فحسب بل أعيشه معكم، وأعاني منه مثلكم، وأعمل ليل نهار بما في ذلك الذهاب إلى أبعد نقطة في هذا الكون من أجل إنهائه، أو على الأقل إرخاء قبضته المُطبِقة على أعناقنا، هنالك قرار دولي بمقاطعة حركة حماس بالمطلق، وهنالك قرار دولي بمقاطعة الحكومة، لكون حماس تحتل موقع الرئاسة فيها.

وهنالك تعامل انتقائي معنا، نرفضه من حيث المبدأ، ولكننا نحاول التعايش معه على مضض من أجل تغييرِه لأن البديل هو الإغلاق المطلق.. منذ تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وحيث أردنا أن نوجه رسالةً جديدةً إلى العالم ندعوه فيها إلى تغيير مواقفه القديمة والتعاطي مع حكومة تلتزم ببرنامجٍ سياسي هو برنامج الرئيس، منذ ذلك الوقت، وحتى يومنا هذا وأنا أعمل ليل نهار، كي أُوفر ما أستطيع توفيره من مرتبات الموظفين، وبعض النفقات للمرافق العامة الضرورية، ورغم أننا استطعنا توفير بعض مستحقات لموظفينا ولمعتقلينا ولأسر شهدائنا، إلا أن الحصار ما يزال يضغط على قلوبنا وعقولنا، إنني أتابع الآثار الناجمة عن هذا الحصار، فأرى تدهوراً متسارعاً في كل نواحي الحياة، أرى تراجعاً قيمياً غير مسبوق في تاريخ مجتمعنا الفلسطيني الحافل بالحروب والأزمات والصعوبات، ولكن الغني بالقيم السامية والمآثر المشهودة.

وأرى عالماً من حولنا، إن أراد مساعدتنا فهو لا يستطيع، وإن استطاع فعلى نحو جزئي يجعل أزمات الحصار مستمرة، والمعاناة منه تتزايد وتتعاظم. ولكي أكونَ صريحاً معكم، فقد عمدت إلى ترتيبات خاصة لعلها تثني الكثيرينَ عن التذرع بمقاطعة الحكومة، كون حماس تقف على رأسها، وعبر هذه الترتيبات يصل إلينا بعض ما نحتاج، وسأواصل الحركة مع وزير المالية بهذا الاتجاه آملين أن نوفق..

نعم أهلي الأعزاء، إنها مأساة يومية تمَس كل الفلسطينيين، مأساة الحصار فوق مأساة الاحتلال، ونحن لا نألُو جهداً لمعالجة ما نواجه.

 إخوتي أخواتي،

إن خسائرنا على امتداد العام ونصف العام الماضي، لا حصر لها، ليس الأمر مجرد خسائر في الاقتصاد والسياسة، بل إنّ هنالكَ أموراً أكثر فداحةً وضرراً، كالمشاكل الاجتماعية، والهجرة المتزايدة وتعطيل عمل مؤسساتنا التي ترمز إلى كياننا السياسي والوطني، والتي نسعى لأن نطورها لتصل إلى مستوى مؤسسات الدولة، ومركز هذه المؤسسات جميعاً هو مجلسنا التشريعي، المنوط به وضع التشريعات للسلطة والمجتمع، والقيامَ بالرقابة على الأداء، وكذلك وضعَ الموازنةِ وإقرارها والرقابة على تنفيذها، إن هذا كله لم يعد متاحاً، فالمجلس التشريعي قيد الاعتقال والتجميد، وهذا ما يؤلم وما يرتِب علينا عملاً مضاعفاً من أجل معالجةِ هذه المعضلة، وعدم التوقف عن المطالبة بإطلاق سراح النواب والوزراء ورؤساء وأعضاء البلديات والقادة دون شروط.

أخواتي إخوتي،

لنصبرَ، ولنصمد، إذ رغم كل الصعوبات ما زالت لدينا مساحة من الأمل، فالعالم كله يُجمع على حتمية ولادة الدولة الفلسطينية، كأساس للاستقرار الإقليمي والدولي، وهذا أمر لا يستهان به.

والعالم كذلك، ينظر في أمر تطوير مساعداته لنا، وجزءٌ كبيرٌ من مسؤولية توفير المناخ الملائم لقدوم هذه المساعدات واقع على عاتقنا، موقفاً وسلوكاً، ونحن لا نألُو جهداً لإيجاد العلاج الملائم لهذا الجزء من الأزمة..

بعد أيام سألتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي على أرض السلطة الوطنية، وإذا كان الإسرائيليون يحبذون ضغطَ جدول الأعمال إلى الحدود الدنيا، فإن من واجبي كرئيس منتخب للشعب الفلسطيني، ألا أترك قضية دون طرحها بقوة على بساط البحث والضغط من أجل أن توضع على أجندة الحل.

سأعرض بوضوح، أذى الجدار على معظم القرى والمدن في الضفة، مجدداً رفضي المطلق له ورفضَ العالم بأسره. ومع الجدار سَأطرح بقوة قضية الاستيطان حيث الاستغلال البشع للأوضاع من أجل بناء المزيد من المستوطنات أو توسيعها وسأعرض قضية المعتقلين فلا بد من أن تُفتح أبواب السجون كي يعانق أبناؤنا نسائم الحرية في بلدهم.

سأعرض قضية أموالنا المحتجزة، والتي تسبب لنا كوارث اقتصادية مستديمة، أبرز مظاهرها عجزُنا عن توفير أبسط مقومات الحياة لموظفينا ومرافقنا..

وسَأُلِحُّ على ضرورة فتح مسار تفاوضي كي لا نظل جميعاً عالقين في دائرة عنف لا تهدأ لأن غياب العمل السياسي مقابل هذا الحضور الكثيف للعمل العسكري، سيزيد الأمور تعقيداً دون أن يصل أي طرف إلى أي مستوىً من مستويات الحسم..

لقد دأبت في كل لقاءاتي السابقة مع الإسرائيليين والأمريكيين والأوروبيين وغيرهم من المعنيين بالأمن والاستقرار في المنطقة، على طرح هذه القضايا جميعاً كونها من احتياجات شعبنا وأولوياته.

إخوتي أخواتي،

نستذكر حزيران المأساة، وقدرُنا أن نتجاوزه بالصبر والتصميم والعمل والتقدم نحو الهدف، ولئِن سُجل حزيران في تاريخ الشرق الأوسط والعالم، كهزيمة كبرى منيَ بها العرب أمام إسرائيل، فإن تمردنا على هذه الهزيمة رغم كل الصعوبات ربما يعادل خسارتنا في تلك الحروب أو ربما (إن أذن الله) أن نسقطها من الذاكرة بإنجاز كبير هو إنهاء احتلال الأراضي العربية والفلسطينية وقيام دولتنا المستقلة، واستعادة قدسنا، وحل قضية لاجئينا حلاً عادلاً مقبولاً وعملياً على أساس قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


كلمة السيد الرئيس أمام لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف في نيويورك

7/6/2007

أصحاب السعادة السيدات والسادة،

في هذه المناسبة الأليمة التي تصادف مرور 40 عاماً على احتلال إسرائيل للأرض الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية والأراضي العربية الأخرى في عام 1967، يتأمل الشعب الفلسطيني ماضيه وحاضره في شعور من الأسى العميق، حيث تتواصل معاناته فيما يستمر نضاله من أجل إقرار ما له من حقوق الإنسان غير القابلة للتصرف، بما في ذلك حقه في تقرير المصير..

إنه يستذكر عقود القمع والبؤس والحرمان والتي مازال يعاني منها حتى يومنا هذا ويتطلع إلى المستقبل برهبة دون يقين، ولم يكن يتخيل أبدا أن يستمر احتلال أرضه والذي بدأ في عام 1967 لمدة أربعين عاما، ويخشى على قضيته إذا لم ينل حقوقه ويتحقق الحل السلمي والعادل في السنوات المقبلة.

اليوم، وبعد مرور عدة عقود، فإنه من دواعي المأساة أن الشعب الفلسطيني مازال بدون دولة مجردا من أملاكه ومعانياً من القمع..

وما زال الفلسطينيون يعيشون في المنفى لاجئين مشردين في الشتات معظمهم يعيشون في مخيمات أقيمت لهم في عام 1948 ومحرومين من حقهم غير القابل للتصرف في العودة إلى ديارهم ليعيشوا في سلام مع جيرانهم، أو أنهم يرزحون تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي العسكري العدواني للأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، حيث فرض عليهم تحمل الانتهاك المتواصل لحقوقهم الإنسانية الأساسية والمزيد من الخسائر في الأرواح والممتلكات على السواء..

لقد شهدت الأعوام الماضية تعاظم الغبن الذي لحق بالشعب الفلسطيني والمساس بكرامته الإنسانية وتمزق نسيج المجتمع الذي يعيش فيه..

لقد أخفقت الجهود العديدة المبذولة على مر السنين ولم تفلح قرارات الأمم المتحدة التي صدرت بغير حصر في إنهاء هذه المعاناة أو إقرار حقوق الشعب الفلسطيني بسبب صلف وتعنت إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، وعدم احترامها مطلقا للقانون الدولي..

وبدلاً من أن تمتثل إسرائيل للقانون وتسعى لتحقيق السلام وتتورع عن حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه فإنها ومنذ البداية تتصرف في إطار إفلات صارخ من العقاب، بل وترتكب انتهاكات وخروقات جسيمة بما فيها جرائم الحرب وانتهاك حقوق الإنسان بشكل منتظم وأعمال إرهاب الدولة..

وتنتهج إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، كافة هذه السياسات القمعية غير القانونية ضد الشعب الفلسطيني في تعمد مباشر لترسيخ احتلالها العسكري غير القانوني للأرض الفلسطينية والذي يعد أطول احتلال في التاريخ المعاصر بهدف فرض ضم هذه الأرض بحكم الأمر الواقع..

بالفعل، فإن جميع هذه السياسات الإسرائيلية غير القانونية ضد الشعب الفلسطيني تعود جذورها إلى رغبة إسرائيل المتعطشة إلى التوسع، وهي لم تستول فقط على المزيد من الأراضي في عام 1948 أكثر مما كان مخصصا لها بمقتضى قرار التقسيم 181 (1947) لكنها، وفي انتهاك صارخ لأحكام القانون الدولي بشأن عدم جواز الاستيلاء على الأرض بالقوة، دأبت على انتهاج سياسات غير قانونية ترمي بشكل مباشر إلى فرض سيطرتها على الأرض الفلسطينية التي تحتلها منذ عام 1967 لتسهيل استيلائها على المزيد من هذه الأرض..

وإنه لمن دواعي الأسف أن عجز المجتمع الدولي في اتخاذ تدابير لوضع حد للانتهاكات والخروقات الفادحة للقانون الدولي التي تقترفها السلطة القائمة بالاحتلال، كان من شأنه أن شجع إسرائيل على الاستمرار في التصرف في إطار الإفلات من العقاب وفي السعي لتحقيق أهدافها غير المشروعة.

أصحاب السعادة، السيدات والسادة،

ما انفكت السلطة القائمة بالاحتلال منذ 1967، وعلى مرأى ومسمع المجتمع الدولي، تشن حملة استعمارية في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، وكذلك في الجولان السوري المحتل، بهدف فرض الضم غير القانوني للأرض بحكم الأمر الواقع..

وهذا الاستيلاء غير القانوني للأرض يتواصل حتى يومنا هذا تحت العديد من المظاهر والذرائع بما في ذلك ذريعة الأمن المتكررة والتي لا أساس لها..

إن إسرائيل وعلى مدى أربعة عقود تقوم بمواصلة الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وتدمير الممتلكات الفلسطينية بغرض بناء وتوسيع وتحصين شبكتها من المستوطنات غير الشرعية التي تم نقل مئات الألوف من المستوطنين الإسرائيليين بشكل غير قانوني، معظمهم مسلحين ومتطرفين، وفي انتهاك صارخ لاتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الإضافي الأول..

لقد أكدت الهيئات الرئيسية في منظومة الأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن والجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية، عدم شرعية هذه المستوطنات وطالبت بإزالتها..

إن بناء المستوطنات وتوسيعها في القدس الشرقية المحتلة وما حولها -قلب الأرض الفلسطينية- يعد كثيفا على وجه الخصوص..

فبالإضافة إلى التمديد غير القانوني للقانون الأساسي لعام 1980 الرامي إلى ضم القدس الشرقية، والذي رفضه المجتمع الدولي رفضا قاطعا، استمرت إسرائيل في سياساتها الرامية بشكل مباشر إلى تهويد المدينة وأعلنت عن عزمها خلق وجود يهودي متاخم يصل بين القدس الشرقية ومناطق الاستيطان الرئيسية في الضفة الغربية..

لقد أعاقت السلطة القائمة بالاحتلال سبل وصول الفلسطينيين إلى القدس الشرقية، مخالفة بذلك حقهم في ممارسة العبادة في الأماكن المقدسة في القدس وعزلت المدينة تماما عن باقي الأرض الفلسطينية المحتلة..

فضلا عن ذلك فإن إسرائيل، منتهجة تدابير وخطط عديدة غير قانونية، بما في ذلك سياسة التطهير العرقي، فرضت شروط إقامة قسرية وصارمة على السكان الفلسطينيين في القدس الشرقية مما أثر بشكل حاد على حياتهم العائلية وتفاقم حدة الظروف المعيشية الاقتصادية والاجتماعية إلى حد يجعل من استمرار العيش في المدينة شبه مستحيل ومن ثم إجبار العديد من سكان المدينة على النزوح منها..

وقد تفاقمت في السنوات الأخيرة الحملة الاستعمارية غير المشروعة التي تقوم بها إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، ببناء جدار بشكل غير قانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، وبحيث يتصل الجدار إتصالاً دقيقاً بالمستوطنات مستهدفاً تحصين المستوطنات وتيسير اغتصاب الأراضي..

لقد أقرت محكمة العدل الدولية في فتواها الصادرة في 9 تموز- يوليو 2004  وكذلك الأغلبية الساحقة في الجمعية العامة للأمم المتحدة أن هذا الجدار غير قانوني وطالبت بإزالته.. لقد تم تدمير تجمعات بأسرها وتشريد آلاف الفلسطينيين من جراء جدار الفصل العنصري الضخم الذي بات يفصل بين المدن والبلدات الفلسطينية ومخيمات اللاجئين الفلسطينية، فأصبح العديد منها الآن مجرد جيوب محاصرة، مما يدمر أسس الحياة الاجتماعية- الاقتصادية والحالة الإنسانية للشعب الفلسطيني..

إضافة إلى ذلك، أنشأت إسرائيل شبكة طرق عنصرية وتمييزية، ونظاماً للتصاريح وشبكة معقدة لنقاط التفتيش التي يزيد عددها على 500 في مختلف أرجاء الأرض الفلسطينية المحتلة، لغرض فرض السيطرة الكاملة على حركة الفلسطينيين وتقييدها واحتواؤهم ضمن باستونات معزولة..

وتسفر هذه الممارسات والتدابير الإسرائيلية غير القانونية، إضافة على حملة الاستيطان الاستعماري، عن تغيير الطابع والتركيبة االديموغرافية وطبيعة الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية.. وتقضي على تواصلها ووحدتها الإقليمية، وتقوض فرص تحقيق حل الدولتين على أساس قرارات مجلس الأمن 242 (1967)  و338 (1973) و1397 (2002) وخطة خارطة الطريق ومبادرة السلام العربية..

وفي نفس الوقت، وخلال فترة الأربعين عاما من الاحتلال، لم توقف إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، أبداً حملتها العسكرية الوحشية ضد المدنيين الفلسطينيين مرتكبة انتهاكات لحقوق الإنسان بشكل منتظم وجرائم حرب ضد هذا الشعب الأعزل والذي يحق له أن توفر له الحماية بمقتضى القانون الإنساني الدولي..

لقد قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي من خلال اعتداءاتها وغاراتها في جميع أرجاء الأرض الفلسطينية المحتلة وعمليات الإعدام خارج نطاق القانون، آلاف المدنيين الفلسطينيين بما في ذلك الأطفال والنساء، وتسببت في جرح مئات الآلاف وإصابتهم بعاهات مستديمة.

كما قامت قوات الاحتلال بتدمير عشوائي للممتلكات الفلسطينية بما في ذلك آلاف البيوت والأراضي الزراعية والبنى الأساسية والممتلكات الثقافية والدينية والتاريخية والمؤسسات الوطنية..

ولم تكف السلطة القائمة بالاحتلال عن الزج بآلاف المدنيين الفلسطينيين في السجون، العديد منهم يتعرضون للتعذيب ولظروف غير إنسانية. ولا كفت إسرائيل عن إنزال العقاب الجماعي بالشعب الفلسطيني بطرق لا حصر لها بما في ذلك فرض القيود على الحركة والاغلاقات والتي أسفرت عن أضرار بالغة لحقت جميع جوانب الحياة الاقتصادية- الاجتماعية للسكان الفلسطينيين..

إن مجمل الآثار الناجمة عن السياسات الوحشية لإسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، خلال الأربعين عاماً كان هائلاً ومأساوياً على المدى القصير والطويل..

وقطاع غزة على وجه الخصوص عانى كثيراً من الدمار وتدهور الأوضاع المعيشية.. كافة هذه الممارسات اللاإنسانية وغير القانونية أثرت بشكل فادح على كافة مظاهر الحياة الفلسطينية وزادت من حدة الفقر والجوع والإحباط واليأس وعدم الشعور بالأمان وجعلت البقاء في الأرض الفلسطينية المحتلة من يوم إلى يوم آخر أمراً غير محتمل ومتزايد الصعوبة..

هذه الممارسات الإسرائيلية القمعية والمهينة أبقت الشعب الفلسطيني محاصراً وأرغمت العديد من المدنيين على التشرد والرحيل في الوقت الذي واصلت فيه السلطة القائمة بالاحتلال سعيها نحو تحقيق أهدافها التوسعية..

ومن ثم، فإننا قد واجهنا وضعا دام الآن أربعة عقود حيث عانى الشعب الفلسطيني على أيدي السلطة القائمة بالاحتلال من ظلم متواصل ومتزايد واستمرار حرمانهم من ما لهم من حقوق الإنسان..

وفي إطار سعي إسرائيل الدؤوب نحو تحقيق أهدافها غير المشروعة قامت بانتهاك كافة القرارات بما في ذلك التأجيج المتعمد لدائرة العنف ورفضت رفضاً تاماً كافة مبادرات السلام الرامية إلى تحقيق حل سلمي عادل لقضية فلسطين وللصراع الإسرائيلي الفلسطيني..

وفي الوقت الذي أكد فيه الجانب الفلسطيني مراراً وبوضوح التزامه بعملية السلام وبالاتفاقيات الموقعة..

فإن إسرائيل، تاريخياً، تجنبت جهود صنع السلام، بما في ذلك الفرصة التي تهيأت مؤخراً بتفعيل مبادرة السلام العربية الهامة وغيرها من الجهود من قبل الأطراف المعنية في المجتمع الدولي لإحياء عملية السلام..

إذن، أين يتركنا كل ذلك اليوم بعد أربعين عاما من الاحتلال ومن الأزمات والانتفاضات والاضطرابات والخسائر؟

من المحال لهذا الوضع أن يستمر فلن يكون هناك سلام وأمن ورفاهية في الشرق الأوسط طالما بقيت قضية فلسطين، جوهر الصراع العربي الإسرائيلي بدون حل..

إن صنع السلام ليس أمراً مرغوباً فيه فحسب ولكنه شرط ضروري وملح لوضع حد للظلم والمعاناة وللخسائر التي يتكبدها الطرفان وسيكون لذلك حتما آثاراً إيجابية على سائر المنطقة..

هناك أمر جلي وواضح للغاية بعد انقضاء كل هذه السنوات، ألا وهو أنه لا يوجد حل عسكري للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني أو للصراع العربي- الإسرائيلي برمته..

لقد برهن الاحتلال الإسرائيلي الذي دام أربعين عاماً على ذلك بشكل صارخ.. فالقوة العسكرية لا تستطيع أن تخمد قضية عادلة ولا يمكنها أبداً أن تحرم شعبا بأسره من حريته ومن حقوقه غير القابلة للتصرف..

فالتسوية السلمية العادلة على أساس القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام، وحدها فقط يمكن أن تضع حداً لهذا الصراع وأن تحقق السلام والأمن وهما ما نسعى إلى تحقيقهما..

إن السلام الشامل-وجوهره الحل القائم على أساس الدولتين- إسرائيل وفلسطين تعيشان جنباً إلى جنب في أمن وسلام على أساس حدود عام 1967، يظل، بل يجب أن يكون غايتنا في نهاية المطاف.. ولكن، سيكون تحقيق حل الدولتين أمراً مستحيلاً طالما استمر الاحتلال والاستيطان الاستعماري..

يظل الوقف الكامل للحملة الاستيطانية غير القانونية التي تقوم بها إسرائيل ولانتهاكاتها الفادحة للقانون الدولي أمراً حتميا للحفاظ على إمكانيات تحقيق السلام وهو ما يتضاءل بوضوح مع كل عام ينقضي..

وبدون هذا التوقف فإن دائرة اغتصاب الأراضي والممتلكات والقمع وحرمان الشعب الفلسطيني سوف تستمر وتتواصل..

وستزداد دائرة العنف تأججاً ويزداد الوضع في الأرض الفلسطينية المحتلة وفي غيرها تدهوراً..

إذن، ما الذي ينبغي عمله؟ هناك العديد من قرارات الأمم المتحدة التي عالجت هذه الأزمة ومازالت لها صلاحيتها وإذا ما تم تنفيذها فقد كان في الإمكان وضع حد للاحتلال وللصراع منذ فترة طويلة.. بعد أربعين عاما يظل القرار 242 (1967) أساسا لتحقيق السلام ولكن إسرائيل رفضت الانصياع لهذا القرار وغيره من القرارات ذات الصلة.

ومن دواعي الأسف أن المجتمع الدولي لم يبد العزيمة أو الإرادة السياسية اللازمة لتأمين هذا الانصياع..

فالترضية لم تكن فاعلة والدعوات والمطالبات بدون أفعال لمتابعتها لم تجد نفعا. ولذا فإن الحاجة الآن تقتضي على المجتمع الدولي أن يتخذ على وجه الاستعجال تدابير لمحاسبة إسرائيل على أعمالها ووضع حد لتصرفاتها والإفلات من العقاب..

هناك مسيس الحاجة إلى تدابير عملية لضمان احترام القانون. أولاً: على المجتمع الدولي أن يضطلع بمسؤولياته إزاء القانون الدولي والقرارات التي اعتمدتها الأمم المتحدة والتي تعد أسساً للسلام..

وفي هذا السياق، فإننا نؤكد على المسؤولية الدائمة للأمم المتحدة إزاء قضية فلسطين إلى أن يتم حلها في كافة جوانبها وفقاً للقانون الدولي..

وتعكس قرارات الأمم المتحدة الفهم العميق لدى المجتمع الدولي في أن استمرار حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه غير القابلة للتصرف سيكون له آثاراً بعيدة المدى على فرص السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة وغيرها..

ومن ثم فإنه يتعين على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تبذل بشكل جماعي كافة الجهود لإيجاد حل لقضية فلسطين من خلال الأجهزة والهيئات المختلفة وأدوات القانون الدولي المتاحة لها..

وعلى مجلس الأمن على وجه الخصوص القيام بدور هام في هذا الصدد والاضطلاع بالمسؤولية لوضع حد لهذه المأساة التي طال أمدها وإحلال السلام والأمن للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي. ثانياً: لابد من النظر بجدية في تدابير عملية لإجبار إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، بشكل فعلي أن تمتثل لقرارات مجلس الأمن 242 (1967) و338 (1973) وكافة قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وأن تفي بالتزاماتها القانونية بموجب اتفاقية جنيف الرابعة وعهدي حقوق الإنسان، وأن تحترم فتوى محكمة العدل الدولية احتراماً كاملاً..

ومن المستغرب أن يفرض على الشعب الفلسطيني، وهو الشعب الرازح تحت الاحتلال، عقوبات مالية وسياسية وشرطاً تلو الآخر بعد ممارسته للديمقراطية، بينما لم تفرض على إسرائيل، على الرغم من انتهاكاتها الفادحة وبشكل منتظم للقانون طيلة هذه السنوات، أية عقوبات..

هذا الوضع غير المنطقي وغير العادل لابد من التعاطي معه ومعالجته..

إضافة إلى ذلك، لابد أن تتضمن الجهود المبذولة لحل الصراع، إقراراً من إسرائيل بمسؤوليتها عن محنة اللاجئين الفلسطينيين الذين يزيد عددهم الآن على 5,4 مليون نسمة مع احترام حقهم في العودة، على نحو ما يقضي به القرار 194) ثانيا) لسنة 1948، باعتباره أساس الحل العادل المتفق عليه لمحنتهم.

فكما نرى اليوم في كافة أرجاء الشرق الأوسط فإن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين هي بالفعل مشكلة إقليمية وإذا ما تركت بدون حل فإنها ستقوض أية جهود تبذل لإحلال السلام والاستقرار..

كافة هذه العناصر ضرورية لتحقيق السلام العادل والدائم والشامل وعلى كافة الأطراف المعنية أن تبذل جهوداً للاضطلاع بمسؤولياتها وتهيئة الظروف اللازمة لتحقيق هذا السلام..

ومن الجانب الفلسطيني فقد قمنا بجهود جادة لتهدئة الوضع على الأرض فيما بين الفصائل والحفاظ على وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في قطاع غزة..

ومع ذلك فإن وقف إطلاق النار يجب أن يكون متبادلاً إذا ما أريد له أن يستمر.. لابد من حث إسرائيل أن تحترم وقف إطلاق النار احتراماً كاملاً وأن توقف غاراتها وهجماتها العسكرية والاغتيالات على وجه الخصوص.. ويجب حثها أيضاً على تمديد وقف إطلاق النار بشكل فوري إلى الضفة الغربية..

هذا إجراء عملي هام ضمن إجراءات أخرى كإطلاق سراح السجناء ورفع القيود على الحركة التي من شأنها أن تساهم بشكل كبير في تهدئة الوضع على الأرض ووضع حد للتدهور وللتوتر ولدائرة العنف وإيجاد مناخ أفضل لإجراء حوار حقيقي ولمفاوضات السلام..

وفي هذا السياق، فإن الجانب الفلسطيني على استعداد للدخول الفوري في مفاوضات الوضع النهائي.. ولابد من استئناف عملية السلام بشكل عاجل وبدون شروط..

فإن التأخير المتكرر والجمود لم يحققا سوى المزيد من التعقيد وتفاقم المشكلة..

على كافة الأطراف المعنية، بما في ذلك اللجنة الرباعية، أن تغتنم على وجه الخصوص الفرصة التي تهيأت بتفعيل مبادرة السلام العربية وأن تؤيد وتشجع كافة الأطراف على كافة المسارات، بما في ذلك المسارين السوري واللبناني، لاستئناف عملية السلام لغرض تحقيق السلام العادل والدائم والشامل.

أصحاب السعادة،
السيدات والسادة،

قبل أن اختتم كلمتي في هذه المناسبة الأليمة أود أن أعرب مجدداً عن امتنان وتقدير الشعب الفلسطيني للدعم والتضامن الذي يقدمه له المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة، على مدى سنوات عديدة..

إن قضية فلسطين قضية عادلة ونبيلة يتجاوب معها بشكل عميق كل أولئك الذين يسعون في كافة أرجاء العالم إلى تحقيق العدالة والسلام والحرية لكافة الشعوب..

إن التضامن والدعم الدولي، بما في ذلك الدعم السياسي والمعنوي والمالي والإنساني، كان أمراً حيوياً للشعب الفلسطيني على مدى العقود لاستمرار نضاله من أجل إنهاء هذا الاحتلال المأساوي الذي طال أمده ولتحقيق ماله من حقوق الإنسان غير القابلة للتصرف، ومازال هذا التضامن والدعم ضرورياً للشعب الفلسطيني للحفاظ على آماله وصموده في وجه العداوة الشرسة..

وفي هذا المضمار، فإنه لابد لنا من الإقرار على وجه الخصوص بالدعم الهام والمساعدة التي قدمتها الأمم المتحدة للشعب الفلسطيني على مدى السنين، بما في ذلك، على سبيل المثال، وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) والعديد من هيئات ووكالات الأمم المتحدة الأخرى والتي كانت أساسية في صمود الشعب الفلسطيني وتنميته..

ويتعين علينا اليوم أن نعرب عن تقديرنا للعمل الذي تقوم به اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف وشعبة حقوق الفلسطينيين بالأمانة العامة جنبا إلى جنب لجان وبرامج الأمم المتحدة والمقررين والممثلين الخاصين والذين عملوا لجلب الاهتمام إلى محنة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وفي الشتات وتعزيز إعمال حقوقه غير القابلة للتصرف والتوصل إلى تسوية عادلة وسلمية لقضية فلسطين..

إن الشعب الفلسطيني يؤمن إيماناً راسخاً بمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة وبسيادة القانون الدولي وبأن القانون والعدالة والسلام لابد أن تسود في النهاية وسنواصل السعي لنيل دعم المجتمع الدولي في الأمم المتحدة وغيرها من أجل تحقيق السلام والذي نسعى إليه جميعاً..

ونحن بناء على ذلك نعرب عن عميق أملنا في أن يضطلع المجتمع الدولي بجهود وأفعال جادة لتعزيز عملية السلام في هذه المرحلة الدقيقة بغية التوصل إلى حل عادل وسلمي على أساس القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة يؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكافة الأراضي العربية التي احتلتها في عام 1967 بما في ذلك القدس الشرقية، وإقامة دولة فلسطين المستقلة الآمنة القابلة للحياة ذات السيادة تعيش جنبا إلى جنب إسرائيل على أساس حدود عام 1967، وممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف في دولته والتوصل إلى حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس القرار (194 ثانيا) لسنة 1948..

إذا ما تحقق ذلك فإنه سيسمح لنا في يوم من الأيام أن نجتمع هنا مع سائر الدول في المجتمع الدولي لنحتفل بإحلال السلام والأمن وتحقيق العدالة والرفاهية لشعوبنا وللمنطقة بأسرها.

 

 

 

 

 


كلمة السيد الرئيس خلال لقاء الأسرى والمحررين في رام الله

20/7/2007

بسم الله الرحمن الرحيم 
الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله الذي أكرمنا بعودة كوكبة من إخواننا من أبطالنا، من أبطال الحرية، بعودتهم إلينا، وإلى أحضان أهلهم، وأحضان وطنهم ليتمتعوا بالحرية التي يستحقونها..

إنها البداية، هي البداية، ويجب أن يستمر الجهد، وأن يستمر العمل حتى يعود كل أسير لحضن عائلته حتى يتمتع بحريته..

تعرفون أن قضية الأسرى هي الأساس في سياستنا، لأننا نعرف أن هؤلاء الذين قدموا تضحيات غالية، يستحقون منا كل احترام وجهد. وهنا لا بد أن نذكر شهدائنا ونترحم عليهم، ونقول رحم الله الشهداء، وأعطى الجرحى الشفاء العاجل، ومنح الأسرى الحرية الكاملة..

أيها الأخوة،

لا تتصوروا مدى سعادتنا وابتهاجنا بعودتكم إلينا، ولكن تبقى فرحتنا ناقصة غير كاملة، لأننا نريد لأحد عشر ألف أسير أن يعودوا لأهلهم، وأن يعودوا إلى وطنهم..

وإذا تمكنا من فك أسر هذه الكوكبة المباركة التي أراها أمامي، وأرى رمزاً من رموزها الأخ "ابو شريف" عبد الرحيم ملوح عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، نائب الأمين العام للجبهة الشعبية.

وفي هذه اللحظة نتذكر الأخ أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية الذي نتمنى أن يفك الله أسره..

وأعرف أيها الأخوة أن المئات وربما الآلاف والكثيرين من الأسرى هم بحاجة لأن نعمل وسنعمل، وأعدكم بأننا لن نتوانى لحظة عن الجهد الدؤوب والبحث المستمر والمتواصل لفك أسرهم جميعاً..

لا أريد أن أذكر أسماء بعينها، كلها أسماء محترمة وعزيزة علينا، وكل إنسان ضحى دقيقة واحدة من وقته هو إنسان شريف ومحترم يستحق منا كل العناية والاحترام..

لا بد من لمسة وفاء وأنتم تعودون لأهلكم، فعليكم أن تزوروا عائلات إخوانكم الذين بقوا بالسجون لتطمئنوهم، وهذا وعد أطلبه منكم، لتطمئنوهم بأن المرحلة بدأت، وأحييكم مرة أخرى.

 

 

نداء السيد الرئيس لجماهير المصلين في قطاع غزة والضفة والقدس الشريف في رام الله

7/9/2007

في الوقت الذي تتوجه فيه جماهيرنا الصامدة الصابرة لأداء صلاة الجمعة المباركة في الساحات والأماكن العامة بعد أن حَّول الإنقلابيون في حماس المساجد من دور للعبادة لله تعالى إلى التحريض والتكفير والتخوين، فإننا نتوجه بهذا النداء إلى جماهير المصلين لتجنب أي احتكاك أو صدام مع الانقلابيين وميلشياتهم المسلحة التي لا تتورع عن ارتكاب أبشع الممارسات القمعية ضد المواطنين، ولهذا فإننا في الوقت الذي نؤدي فيه جميعاً فريضة الصلاة تقرباً لله تعالى ورفضاً لدعاة التكفير والتخوين واستباحة الدم الفلسطيني، نحرص كل الحرص على حقن الدماء وعدم الانجرار لاستفزازات الانقلابيين وجرائمهم، فهؤلاء الذين تآمروا على الشرعية الوطنية وعلى وحدة الوطن وعلى المستقبل يعيشون اليوم عزلة خانقة بعد أن نبذتهم الجماهير ورفضت أكاذيبهم وإدعاءاتهم الباطلة وتَّمسحهم بالإٍسلام دين التسامح والمحبة والإخوة، لإخفاء جريمتهم وأفعالهم اليومية المستنكرة ضد أهلنا جمعياً في قطاع غزة..

إننا أيها الإخوة نناشدكم التحلي بالصبر والإيمان لتفويت الفرصة على الانقلابيين وأدواتهم القمعية للانتقام من هذا الشعب العظيم الذي لفظهم من صفوفه بعد أقل من شهرين على انقلابهم الأسود ضد الشرعية وضد الوطن وضد كل تقاليدنا الوطنية والسياسية والأخلاقية.. أحييكم وأدعو الله أن يوفقنا جميعاً لما فيه خير وطننا العزيز.

 

 


نداء السيد الرئيس إلى جماهير شعبنا في قطاع غزة في رام الله

12/11/2007

في هذا اليوم، يوم الوفاء للشهيد القائد ياسر عرفات، خرج شعبنا في قطاع غزة عن بكرة أبيه، ليؤكد للعالم كله رفضه المطلق لزمرة الانفصاليين الذين ارتكبوا بانقلابهم وإطلاق النار على الجماهير الحاشدة، أفظع الجرائم التي تجللهم بالخزي والعار إلى أبد الآبدين.

في هذا اليوم، أكد شعبنا الوفي لقائده التاريخي ولأهدافنا في الاستقلال والحرية، أن الانقلابيين ليسوا إلا زمرة معزولة ومأجورة، وأن شعبنا يلفظها من بين صفوفه ويؤكد على الوحدة الوطنية وعلى وحدة أرضنا ومجتمعنا بعيداً عن هذه الزمرة المارقة التي أراقت الدم الفلسطيني أمام أنظار العالم كله.

إن تاريخنا الوطني لم يعرف مثل هذا الإجرام ضد أبنائه إلا من المحتلين الإسرائيليين ومن هذه الفئة الضالة المأجورة التي خانت الأمانة وارتضت لنفسها أن تخون الوطن وأن تكون مجرد بيدق في يد المحتلين الإسرائيليين لتعطيل مشروعنا الوطني.

إننا ندين جريمة هذه العصابة الانفصالية ونؤكد أن مسيرة الزحف الكبير كانت استفتاءً صارخاً ضد هذه الزمرة الانقلابية..

إن شعبنا اليوم أكد بمئات الآلاف أنه يرفض الانقلاب والانقلابيين، ويؤكد على وحدته الوطنية ووحدة أرضه ومستقبله، وأن شهداء اليوم هم شهداء معركة الاستقلال والحرية ومعركة الوحدة الوطنية، وأتوجه إلى جماهير شعبنا في قطاع غزة وأعاهدهم عهد ياسر عرفات على مواصلة النضال والصمود في وجه الاحتلال والانفصاليين، حتى يستعيد شعبنا وحدته ويحقق استقلاله الوطني ويقيم دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

تحية لأهلنا في غزة الصمود والعزة، والوفاء للقائد الشهيد الرمز ياسر عرفات، وللشرعية الوطنية، وللمستقبل الوطني الواحد.

 

 


خطاب السيد الرئيس أمام البرلمان التركي في أنقرة

13/11/2007

السيد بولنت آرنيج رئيس البرلمان،
فخامة الرئيس عبدالله غول،
دولة الرئيس رجب طيب أردوغان،
الأخوات والأخوة النواب،
السادة الحضور الكرام،

تلقينا بامتنان بالغ دعوتكم الكريمة للوقوف أمام برلمانكم، حصن ديمقراطيتكم الراسخة، وحارس تعدديتكم السياسية والفكرية، هذه التعددية التي تشكل اليوم، وخاصة لنا في الشرق الأوسط والمنطقة العربية تحديداً، نموذجاً نأمل مخلصين استلهامه وشق الطريق نحوه..

إن شعبنا الفلسطيني وكل شعوب منطقتنا تتطلع بإعجاب كبير إلى المثال الديمقراطي والحضاري الرائع الذي أعطته تركيا في ترسيخ سلطة الشعب، والتداول السلمي للحكم عبر وضع مصالح تركيا وتقاليدها خارج أي صراع حزبي وسياسي مهما بلغ واشتد.

لقد قدمت تركيا ومن بوابة هذا البرلمان درساً راسخاً في ثبات الجمهورية ومقدرتها على جعل تنوع اتجاهات أبنائها قوة وعزة لها ولشعبها..

لقد حدانا الأمل، ونحن نجذّر الديمقراطية في بلادنا، ونشّرع لولادة نظام سياسي فلسطيني قائم على الشرعية الانتخابية كجزء لا يتجزأ من معركة الاستقلال وبناء نواة الدولة الفلسطينية المستقلة، من خلال الانتخابات العامة، أن نكرس تداول السلطة عبر صناديق الاقتراع، وأن نجعل من الشعب المرجعية الأولى والأخيرة لشرعية الحكم في بلادنا، كما هو حاصل اليوم في تجربتكم العظيمة.

ولكن مع الأسف الشديد، وبالرغم من جميع الجهود المضنية التي بذلناها نحو هذا الهدف، وما عانيناه في مواجهة بعض الضغوط الدولية، ومن حصار سياسي ومالي كان يهدف إلى إحباط هذه التجربة الرائدة في محيطنا، إلا أن بعض القوى داخل مجتمعنا لم تلتزم بالعملية الديمقراطية برمتها، ونسفت الأساس الدستوري والقانوني الذي جاءت على أساسه، وقوضت بالعنف والقتل والانقلاب السياسي والعسكري ورفض العودة للشعب، كل ما حاولنا أن نشيدّه استلهاماً لتجربتكم الديمقراطية الرائدة.

السادة الرؤساء، السادة النواب،

لقد منح الله تركيا موقعاً جغرافياً استثنائياً بتوسطها للقارتين الآسيوية والأوروبية، وقد أدرك قادتها هذه الهبة التي مكنت تركيا من أن تشكل جسراً ثقافياً وسياسياً يؤسس لعالم متنوع ومتعدد ولكنه عالم إنساني يمكن أن يؤلف لوحة متجانسة ومتكاملة رغم اختلافاته الخصبة.

وعلى هذا الأساس، وبإدراكنا الدائم لمكانة ودور تركيا على الصعيدين الإقليمي والدولي، فإننا نعرب أولاً عن اعتزازنا وفخرنا الشديد بالعلاقات السياسية والاقتصادية دائمة التطور بيننا، وبموقف تركيا الراسخ والداعم للقضية الفلسطينية، ولحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة إلى جانب إسرائيل وعلى أساس قرارات الشرعية الدولية.

وبإمكان تركيا التي تقف بنزاهة وثبات على المسرح الدولي والإقليمي أن تلعب دوراً مؤثراً في حل الصراع الفلسطيني، والعربي- الإسرائيلي، لما تملكه أيضاً من علاقات جيدة ومتوازنة مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية.

إن دوركم إلى جانب العديد من دول العالم ومختلف الكتل الدولية، والهادف الى دفع مسيرة السلام والتسوية في المنطقة، سوف تزداد الحاجة إليه ونحن على أبواب انعقاد مؤتمر السلام في انابوليس في نهاية هذا الشهر.

وسوف يترتب على نتائج هذا المؤتمر، إما تعزيز دور وموقف قوى الاعتدال والسلام في منطقتنا، أو انتشار الإحباط واليأس مما يقوي دور قوى التطرف والاحتلال والحروب..

أنا لست في حاجة الى التأكيد على أن انتمائنا إلى معسكر قوى الاعتدال ونبذ التطرف هو عنصر مشترك بيننا وبينكم أيها الإخوة، لأن مصالح شعوبنا في اطار عالم اليوم بكل تناقضاته والتحديات التى تواجهه تدفعنا إلى السعي لانتصار نهج الاعتدال والمصالحة في معالجة جميع الصراعات المعقدة.

هذا كله علاوة على أننا ننتمي إلى تراث ثقافي وديني وإنساني يؤكد على قيم الوسطية، وينطلق من قيم تبشر بالمساواة بين البشر والشعوب، وتنكر أسلوب العدوان والعنف واعتداء شعب على حقوق شعب آخر، أو احتلال أرضه وإخضاعه لأسوأ أشكال التنكيل والتمييز والقهر.

لكل هذه الاعتبارات فإننا نبذل أقصى جهودنا حتى نضمن نجاح مساعي السلام الراهنة، ورحبنا بما تقوم به اللجنة الرباعية الدولية، وكذلك مبادرة الرئيس بوش ورؤياه في حل شامل وسلام دائم على أساس دولتين، دولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل.

كما ساندنا الدور الذي تقوم به وزيرة خارجيته الدكتورة رايس والتي تبذل جهوداً مميزة حتى تنطلق العملية السياسية وصولاً إلى اتفاق سلام نهائي يقود إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية الذي بدأ عام 1967 وحل مختلف جوانب الصراع الأخرى..

إن أي تعامل فيه استخفاف بهذه الفرصة الاستثنائية الماثلة أمامنا، أو أي تعطيل لها من خلال التمسك بمواقف ضيقة الأفق، ورغبة في الإبقاء على سياسة الأمر الواقع، سوف تكون له آثار سلبية عميقة الأثر وبعيدة المدى، على مجمل العلاقات في المنطقة بأسرها.

يجب أن لا تضيع هذه الفرصة الجيدة والاستثنائية في تاريخ هذا الصراع والتي تتوفر فيها كل شروط النجاح.

لقد أكدنا دائماً أن أسلوب الاحتلال والتوسع الاستيطاني وبناء جدران العزل لن يجلب السلام والأمن لأحد. كما أن استمرار اعتقال إثنا عشر ألف فلسطيني يبقي الأجواء مشحونة ومتوترة، ويمنح تربة خصبة لدورات العنف حتى تنفجر من جديد.

إننا نرغب في أن ترى الأجيال القادمة، الفلسطينية والإسرائيلية والعربية، مستقبلاً يخلو من أي تهديد ومن أية فرصة لتجدد الحروب.

وعندما نركز على ضرورة حل القضية الفلسطينية من مختلف جوانبها، فإننا لا ننسى أن مساعي السلام الشامل في المنطقة لا بد أن تغطي كذلك قضية الأراضي اللبنانية والجولان السوري المحتل، وأن تكون معالجة قضية اللاجئين من شعبنا الفلسطيني والذين أصبح عددهم يتجاوز أربعة ملايين حتى الآن معالجة جذرية تستند إلى الشرعية الدولية.

لا بد أن يرى العالم وجميع الأطراف المعنية بالصراع، إن الموقف العربي يوفر أساساً فعلياً أكثر من أي وقت مضى للدخول في تحقيق سلام شامل يعم المنطقة بأكملها.

إن مبادرة السلام العربية بجميع عناصرها، والتي أيدها العالم بأسره سواء من خلال قرارات صادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة أو منظمة المؤتمر الإسلامي أو من خلال تبني خارطة الطريق ذاتها لمبادرة السلام، تظهر جدية عالية واستعداداً عربياً حقيقياً لتحقيق تسوية تخلق فرصاً لعلاقات من نوع جديد أكثر انفتاحاً بين جميع دول المنطقة، وتفتح الباب لانطلاق مشاريع تنمية إقليمية وتعاون اقتصادي متقدم، بالإضافة إلى إزالة السبب الرئيسي للتوتر والإنفجار في المنطقة على مدى العقود الماضية، والذي لا يزال حتى الآن وراء كل ما نشهده من صراعات ودورات توتر وعنف وحروب متعاقبة.

ولا ريب أن مدينة القدس تحتل مكاناً بارزاً في التسوية المطلوبة، ليس بسبب أهميتها للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وإنما للديانات التوحيدية الثلاث.

وفي الوقت الذي نؤكد فيه على أن القدس الشرقية هي جزء لا يتجزأ من أرضنا المحتلة عام 1967، فإن الدولة الفلسطينية لن تكون لها عاصمة غير القدس الشرقية.

ونحن ندرك بل ونرحب بمساهمة الدول الإسلامية الشقيقة والعضو في منظمة المؤتمر الإسلامي في توفير العناصر اللازمة لنجاح الحل الخاص بالقدس في المستقبل، وخاصة في إطار ضمان حقوق جميع الأديان، والمرور المفتوح إلى كل المواقع المقدسة، ومنع أية تعديات أو انتهاكات تخلق أجواء من التوتر وإشعال نيران العداء والمواجهة على أساس ديني..

إن معاناة مدينة القدس اليوم بسبب الحصار حولها ومحاولات إحاطتها بجدار فصل يعزلها عن محيطها، علاوة على تقييد حق مواطنينا كمسلمين وكمسيحيين في زيارة الأماكن المقدسة في القدس، بالإضافة إلى استمرار مساعي تغيير طابعها التاريخي والثقافي ولإلغاء تعدديتها، هي كلها أمور جوهرية، تمثل بالنسبة لنا ولجميع الأطراف والقوى في المنطقة مقياسا "فعليا" لمدى الجدية في التوجه نحو إنهاء عقود الاحتلال والقهر والعمل من أجل الوصول إلى مستقبل يسود فيه التسامح والمساواة الإنسانية.

السيد الرئيس،

لا ريب إنكم تشاركوننا القلق تجاه الأوضاع في عدد من دول المنطقة كما تشاركوننا كذلك الرغبة، بأن نرى نهاية للصراعات الداخلية، وبأن يسود السلام في العراق الشقيق وأن يتمكن شعبه الشقيق من وضع حد للمعاناة الهائلة التي يمر بها، وأن يحافظ على وحدة ترابه الوطني واستقلاله ودوره البارز في ضمان السلام ومسيرة التقدم في المنطقة بأسرها..

ونحن نتمنى ونسعى بما لدينا من طاقات لكي يتمتع لبنان بالسلام وأن يحمي نظامه الدستوري وتجربته الديمقراطية واستقلاله.

وقد أكدنا دائماً أن شعبنا الفلسطيني الذي يقيم مؤقتاً في لبنان بانتظار لحظة عودته إلى وطنه، لن يكون سوى قوة تدعم دور الدولة اللبنانية وسيطرتها على أراضيها الوطنية وأهدافها في حماية لبنان ومستقبل شعبه..

ويجب أن تثقوا أيها الأصدقاء الأعزاء أننا عملنا في الماضي وسنظل نعمل من أجل معالجة مشاكلنا الداخلية، بروح التمسك بالديمقراطية والتسامح والوحدة.

ونحن نؤكد هنا أن أية مصالحة أو حوار في ظل قبول الانقلاب العسكري كأمر واقع سوف يقود إلى تعميق الهوة وتكريس الانفصال، ويشجع الانقسامات، ولهذا أؤكد من على هذا المنبر المحترم والشقيق إننا نمد يدنا للحوار، شريطة احترام الشرعية والعودة عن الإنقلاب، وليس استخدام الإنقلاب ونتائجه الكارثية ورقة ضغط ومساومة تحت اسم الحوار غير المشروط..

أشكركم دولة رئيس البرلمان، أشكركم يا فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس الوزراء، وأشكر جميع أعضاء البرلمان الموقر على إتاحة الفرصة لي للحديث معكم، ومن خلالكم مع شعب تركيا الشقيق، الذي تربطنا به أوثق روابط الأخوة، وعلاقات راسخة تنطلق من التاريخ نحو المستقبل.

وأود أن أؤكد لإخوتي في تركيا العزيزة باسم كل فلسطيني وفلسطينية أننا سنظل ننظر إليكم وإلى تجربتكم في الديمقراطية والبناء والعمل السياسي الرصين والمسؤول كمثلٍ يُحتذى به ويُحتَرم .

 وإلى أن نلتقي مرة أخرى، لكم مني كل المحبة والتقدير.

 

 

 

 

 


خطاب السيد الرئيس في الذكرى التاسعة عشرة لإعلان الاستقلال في رام الله

15/11/2007

بسم الله الرحمن الرحيم
أيتها الأخوات والإخوة،
يا أبناء شعبنا الفلسطيني في الوطن والشتات،

أتوجه إليكم اليوم، وفي هذه المناسبة التاريخية لأؤكد لكم جميعاً، وللعالم بأسره، بأننا مصممون اليوم وأكثر من أي وقت مضى على تحقيق وإنجاز استقلالنا رغم كل الصعوبات والعراقيل، فهذا الشعب البطل الذي صنع الثورة المعجزة في ظل أصعب الظروف وأقساها، استطاع عبر تضحيات مئات الآلاف من أبنائه أن ينتزع اعتراف العالم بوجوده وبحقوقه، وأصبحت منظمة التحرير الفلسطينية التي قادها رئيسنا الراحل أبو عمار، رمزاً لكل معاني الحرية لشعوب العالم.

أعلم قبل غيري أن المصاعب والتحديات كثيرة ومتشعبة، ولكنني عندما أنظر إلى الوراء، يوم انطلقت ثورتنا عام 1965، ويوم صدر إعلان الاستقلال في مجلسنا الوطني عام 1988، فإنني أعلم أيضاً علم اليقين، كم حققنا من إنجازات، كان أهمها أننا لم نعد لا بالنسبة للعدو ولا للصديق مجرد قضية لاجئين، بل نحن شعب حي مصمم على إقامة دولته التي ستولد بإذن الله فوق أرضنا وعاصمتها القدس الشريف، دولةٍ لكل فلسطيني وفلسطينية، دولةٍ نعيش فيها أحراراً في وطن سيد حر مستقل.

وإذ كان من واجبي أن أصارحكم اليوم، كما هو عهدي معكم منذ أن تحملتُ مسؤوليةَ قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية، فإنني أود أن أؤكد لكم في يوم الاستقلال المجيد، أننا نعمل وبشكل حثيث، من أجل أن يُشكِلَ مؤتمر السلام القادم نقطة انطلاقٍ جديةٍ وحاسمةٍ نحو الوصول إلى حل عادل يضمن حقوق شعبنا بأسره، شعبِنا الواقع تحت الاحتلال، والطامح نحو الحرية والاستقلال، وشعبنا اللاجئ والصامد الذي يسعى للعودة إلى أرض وطنه..

إننا نبذل أقصى الجهد مع أشقائنا العرب الذين التقيتهم، فخامة الرئيس حسني مبارك، وجلالة الملك عبد الله، عاهل الأردن، وكلِ القادة الذين نتصل بهم حتى يحقق المؤتمر القادم للسلام الهدف الذي نُجمع عليه كلنُا وهو سلام الشجعان، سلام راسخ يضمن الحقوق ولا يُفرط بها، ويحمي مصالحنا الوطنية ولا يُضيّعها، ويصونُ مستقبلنا ومستقبل كل شعوب المنطقة حولنا.

وسوف ألتقي غداً خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي نثق بحكمته ورؤيته وحبه لفلسطين والقدس الشريف حتى ننسق خطواتنا ونوحدها بإذن الله نحو إنجاز أهدافنا المشتركة، كما نصت عليها مبادرة السلام العربية التي أطلقها جلالته، وصارت بعد ذلك مبادرة يُجمع عليها العالم بأسره، ويجب أن يَستند إليها مؤتمر السلام القادم، كما نقوم أيضاً بالتنسيق والتشاور مع أشقائنا قادة دول الخليج العربي، الكويت، والإمارات العربية المتحدة، البحرين، وقطر وسلطنة عمان، وأشقائنا في العراق وسوريا ولبنان والسودان واليمن ودول المغرب العربي، المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا وسائر الدول العربية، كما نتعاون وننسق المواقف مع الأخ الأمين العام لجامعة الدول العربية، ونحن على اتصال مع كل الجهات الدولية، اللجنة الرباعية الدولية، والدول الإسلامية، وسائر الأصدقاء في العالم، كل ذلك بهدف أن يكون هناك إعداد حقيقي وجاد نحو الوصول إلى مؤتمر السلام وإلى مرحلة المفاوضات المُكثفة التي سوف تتلو المؤتمر.

وأود في هذا اليوم أن أتوجه إلى شعب إسرائيل وحكومته، مؤكداً تصميمنا على صنع سلام حقيقي، لصالح أجيالنا القادمة كلها، وأقول بذات الصراحة والتصميم.

 إن الاحتلال لا يوفر الأمن لأحد، وإن السلام وعلاقات الجيرة القائمة على التكافؤ والمساواة والاحترام المتبادل هي الطريق لإنهاء عهود الحروب والآلام وسفك الدماء.

يجب أن يتوقف الاستيطان تماماً، والحصار لا بد أن ينتهي، والأسرى يجب أن يعودوا إلى بيوتهم وأسرهم، ودورات العنف والقتل والاغتيال، ينبغي أن تصبح أعمالاً من الماضي. نستطيع أن نبني دولتنا المستقلة بعاصمتها القدس الشريف إلى جانب دولة إسرائيل، لتكون واحة سلام واستقرار، كما أكد على ذلك إعلان الاستقلال، وكما نسعى كل يوم لإثباته والتأكيد عليه عبر ممارساتنا ومواقفنا العملية.

أيتها الأخوات أيها الإخوة،

أعلم مدى الألم الذي يعتصر قلوب كل منكم بفعل الأعمال الإجرامية التي ارتكبتها العصابات الخارجة عن القانون والتابعة لحركة حماس في قطاع غزة، حيث تم إطلاق النار بدم بارد على الجماهير التي شاركت في إحياء الذكرى الثالثة لاستشهاد قائدنا الرمز ياسر عرفات، وبذلك أثبتت هذه الحركة أنها مصممة على مواصلة استخفافها بدماء أبناء شعبنا الفلسطيني وبقضيته، مُعطيةًَ ذريعةً جديدة لسلطات الاحتلال الإسرائيلي لإضعاف الموقف السياسي الفلسطيني، ونُظهر شعبنا أمام الرأي العام العالمي وكأننا لا نُقدس قيمة حياة الإنسان..

إن قَدرنا أن نقود نضالاً صعباً وصعباً جداً من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي بكافة أشكاله، ولكننا في نفس الوقت علينا أن نُسقط هذه الزمرة التي استولت بالقوة المسلحة على قطاع غزة، وتُتاجر بمعاناة ومآسي شعبنا الذي لم ينل منها سوى أعمال الإجرام المترافقة مع تشديد الحصار من قِبل إسرائيل.

وإذا كانت هذه الزمرة، تقوم الآن باعتقال المئات من كوادر فتح ومنظمة التحرير وباقي الفصائل والأفراد، فهذا دليل على حالة الارتباك والعزلة، وإنني أقول لكم يا آل ياسر صبراً إن الفجر قريب.. إن الفجر قريب..

في هذا اليوم، أُحيي أسرانا البواسل في السجون الإسرائيلية، وجرحانا وعائلات شهدائنا وأتوجه بالتحية أيضاً إلى المناضلين والمواطنين، الذين تحتجزهم عصابات حماس في قطاع غزة..

وأحيي مئات الآلاف ممن كسروا حاجز الخوف وشاركوا في مهرجان غزة، وسأعمل، وستعمل الحكومة من أجل رفع المعاناة عن شعبنا في القطاع الصامد، باستمرار توفير كافة الاحتياجات الإنسانية من ماء ودواء وغذاء وكهرباء، وكذلك استمرار العمل على ايجاد حل عاجل للعالقين على الحدود أو الذين يريدون الخروج من قطاع غزة بسبب ظروف عملهم أو دراستهم أو أوضاعهم الصحية.

أيها الأحبة من أبناء فلسطين في كل مكان،

رغم كل الآلام والمعاناة، لنجعل هذا اليوم، يوم إعلان الاستقلال، يوماً نحتفل فيه جميعاً، نستبشر بالغد الذي سيأتي فليس بعد الليل، إلا فجرَ يومٍ ستشرق فيه شمس الحرية والاستقلال على فلسطين الأرض والشعب، فلسطين أرض الديانات السماوية، فلسطين التي يفخر شعبها بأنه تمسك بأرضها وترابها المقدس، رغم كل محاولات التهجير والتهميش، فلسطين التي كانت وفلسطين التي ستبقى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


كلمة السيد الرئيس في اجتماعات وزراء خارجية لجنة مبادرة السلام العربية في القاهرة

24/11/2007

الأخ الدكتور عمرو موسى، أمين عام جامعة الدول العربية،
سمو الأمير سعود الفيصل،
الإخوة أعضاء لجنة المتابعة العربية،

نلتقي اليوم في مرحلة هامة في وقت اتخاذ قرارات تاريخية صحيحة، لقد عقدت الاجتماعات لثماني مرات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، ناقشنا خلالها مجمل القضايا الراهنة وقضايا الوضع النهائي، وفي كل هذه الاجتماعات أكدنا على خطة خارطة الطريق وأننا ملتزمون بها، منطلقين من المبادرة العربية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين وتبنتها قمة بيروت العربية، وأكدت عليها قمة الرياض، كما تبنتها القمة الإسلامية، ونحن متمسكون بالمبادرة العربية التي استقبلها العالم بكل ترحاب والتي أيضاً أيدها الشعب الإسرائيلي، فالمبادرة العربية أمر هام، وباعتبارها واضحة وواردة في خطة خارطة الطريق، التي تشمل رؤية الرئيس بوش والمتضمنة:

أولاً: إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، ومستقلة، ذات سيادة، تعيش جنباً إلى جنب بجوار دولة إسرائيل بأمن وسلام، أما البند الثاني وهو الأهم، فتنص خطة خارطة الطريق على إنهاء الاحتلال الذي وقع عام 1967.

أما بالنسبة للمبادرة العربية، فتنص على ضرورة إيجاد حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين، وفق القرار 194، هذا القرار الذي لم يذكر منذ عام 1948، وهو ما تضمنته المبادرة العربية، إن رؤية الرئيس بوش والمبادرة العربية للسلام، كلاهما تضمنتهما خطة خارطة الطريق، وكلاهما أصبح قرار مجلس الأمن الدولي 1515.

إذن، عندما نتحدث عن المرجعيات فالمرجعيات واضحة ومعتمدة دولياً من المجتمع الدولي، ولا تراجع عنها، أو تغيير، أو تبديل في الكلمات أو الحروف، أو في التعابير إطلاقاً، وأنا أضع تحت تعابير خطوط حمراء، فهذا لن نقبله، فإستراتيجيتنا هي المرجعيات الدولية التي تحدثت عنها، والتي نقبلها والتزمنا بها، على إسرائيل أن تلتزم بها، هذه المرجعيات الدولية متمسكون بها ونرفض تغييرها، ولا مانع لدينا من تطبيع العلاقات بين العرب والدول الإسلامية مع إسرائيل، إذا التزمت بذلك.

وفي اجتماعاتنا، مع الإسرائيليين كنا نبحث عن التوصل إلى وثيقة، لكننا مع الأسف لم نتمكن من صياغتها وإجمالها، كل منا له وجهات نظره، ويسعى إلى تثبيتها. وأقول بكل وضوح الإسرائيليون يريدون مكاسب رفضناها، وسنرفض أي شيء خارج المرجعيات الدولية.

الإخوة الأعزاء،

جاءت دعوة الرئيس بوش، وتسلمتها قبل أيام، أنها تتحدث عن مرجعيات دولية منها، مرجعية مؤتمر مدريد، خطة خارطة الطريق، القرارات الدولية 242، 338 و1397، هذه مرجعيات مثبتة في دعوة بوش، ولن نقبل بأقل منها، ومتمسكون بها.

نحن هنا نجتمع اليوم، ونحن على أعتاب مؤتمر أنابوليس، ونجتمع بناء على قرار قمة الرياض، للتشاور في قرار عربي موحد، نرجو الله أن نصل إلى هذا القرار الإيجابي الصحيح، كنا نتمنى أن تكون أوضاعنا الداخلية أفضل مما هي عليه اليوم، ولا أحد يريد انشقاقات وانقسامات، لقد حصل عندنا، انقلاب على الشرعية نفذته حركة حماس، وقد قلنا أمامكم أننا نعتبر حماس جزءاً لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، ونحن مستعدون للحوار معها لإعادة اللحمة الفلسطينية، ولكن عليها التراجع عن انقلابها الأسود، لأنها ارتكبت حماقة، وجريمة بحق شعبنا، وقدمت هدية مجانية لإسرائيل كنا في غنى عنها.

بالنسبة لقطاع غزة، فنحن ملتزمون بالكامل بأهلنا هناك، وهمنا الأول مساعدتهم في كل القضايا، وحل مشاكلهم، فهناك مليون ونصف مليون فلسطيني في غزة، نقدم لهم كل ما نستطيع لتحسين حياتهم، واستمرارها رغم الأوضاع الصعبة، وسنستمر في ذلك. نحن في عراك مع الحكومة الإسرائيلية، خصوصاً ضد إجراءاتها ضد شعبنا، ونطالبها دائماً، بإعادة فتح المعابر ووقف محاولات قطع المياه والكهرباء، ونركز على ضرورة إدخال كل المواد الغذائية والإنسانية إلى غزة، إن إسرائيل تقوم بعقوبات جماعية ضد شعبنا في غزة لا نقبلها ويجب ألا تفرض إطلاقاً.

إخواني الأعزاء،

تعرفون ماذا حصل في غزة قبل عدة أيام، في ذكرى رحيل الرئيس ياسر عرفات، إن أكثر من 700 ألف فلسطيني خرجوا لإحياء الذكرى، وأيضاً ليعبروا عن رفضهم للانقلاب وما قامت به حماس، واحتجاجاً على ممارساتها وجرائمها، أرجو الله أن يتعظوا، ويأخذوا الدرس الكافي ونحن لسنا بحاجة لانشقاقات، إنهم اختلقوا الحجج لهذا الانقلاب، قالوا في حماس إن انقلابهم ضد خطة دايتون، وأنا أقول إن خطة دايتون الأمنية كنت قد اتفقت عليها مع رئيس الوزراء السابق إسماعيل هنية، وعندما قرأها وافق عليها وقرر تطبيقها حرفياً، لأنها للحفاظ على الأمن والقضاء على الفلتان الأمني، لكن بقدرة قادر ومن أجل الذرائع، قالوا إنها خطة انقلابية، وإننا تآمرنا مع دايتون، إنهم قالوا ذلك لتبرير انقلابهم.

 ماذا نريد تحقيقه في أنابوليس؟

نريد الذهاب جميعاً موحدين كعرب، لمناقشة كل المسارات العربية، وسيكون هناك حضور دولي كبير، وتظاهرة دولية، سيكون أكثر من 50 دولة تريد الذهاب من أنابوليس إلى حل نهائي وتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل وحل كل المسارات العربية قبل نهاية ولاية الرئيس بوش، وضمن جداول زمنية محددة، بحيث تكون أنابوليس نقطة انطلاق لمفاوضات جدية مكثفة ومستمرة لها برامج، حتى نحقق هدف عملية السلام، وحتى نستطيع أن نطمئن أن أنابوليس بداية جدية بشكل فعلي، يجب إطلاق مفاوضات عملية السلام فوراً، ونريد أن تكون لجنة المتابعة في حالة تواصل وعمل مشترك، مع آلية اللجنة الرباعية، وغيرها من الدول العربية، كي تستمر المتابعة.

إن إيجاد حلّ لكل المسارات العربية أمر ضروري، والموقف العربي الموحد المشترك ضروري، وأيضاً هناك قضايا في حل القضية الفلسطينية مشتركة مع العرب، على سبيل المثال قضية المياه يجب حلها بشكل جماعي لكل الدول المحيطة في نهر الأردن : سوريا ولبنان والأردن وإسرائيل وفلسطين، وعندما نتحدث عن قضية اللاجئين يوجد لاجئون في مصر والأردن، ولبنان وسوريا.

إننا نعتبر الدعوة إلى أنابوليس لا يجب أن نفوتها، وأن نستفيد منها، وهذا لا يعني ضمان النتائج مسبقاً، لكن علينا العمل كل ما نستطيع، وأكثر ما نستطيع والتوفيق من عند الله.

كما يجب ألا نضيع الفرصة كي لا يبقى الفلسطينيون متهمون بتضييع الفرص، إن وجودكم اليوم بشكل موحد وبمواقف موحدة رسالة للجميع أن قضية فلسطين أو قضية الجولان هي قضايا تهم كل العرب.

 

 

 

 

 

 

 

 


كلمة السيد الرئيس بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في نيويورك

29/11/2007

السيدات والسادة،
أيها الأصدقاء،

باسم شعبنا الفلسطيني وقيادته أتوجه إليكم اليوم بأطيب وأصدق التحيات، مقرونة بفائق الشكر، لكل من يشاركنا الاحتفال باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 1977، كتعبير عن التذكير بمعاناة الشعب الفلسطيني، وضرورة إيجاد حل عادل لقضيته يستند أولاً وأخيراً على مبدأ حق تقرير المصير وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وصولاً إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

إن تنظيم هذه المناسبة سنوياً من قبل الأمم المتحدة، هو دليل على مدى أهمية ومركزية قضية فلسطين بالنسبة للأمن والسلام الدوليين، وأود أن أنتهز هذه المناسبة لأعبر عن فائق تقديرنا لسعادة الأخ السفير بول بادجي، رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، وإلى أعضاء لجنته، وإلى معالي السيد بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة على جهوده وعلى رسالته بهذه المناسبة، كما أشكر كلاً من سعادة السيد سرجان كريم، رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، وسعادة السيد مارتا ناتا ليغاوا رئيس الدورة الحالية لمجلس الأمن الدولي.

وأعبر عن خالص تحياتي وشكري لكل المتحدثين والحضور الذين يشاركون في إحياء هذه المناسبة في مختلف دول العالم، تعبيراً منهم عن التضامن مع الشعب الفلسطيني في سبيل نيل حقوقه المشروعة.

لقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاحتفال بهذه المناسبة عام 1977، تذكيراً بقرارها الذي صدر عام 1947 بشأن تقسيم فلسطين، وهي رسالة أيضاً مؤداها ضرورة وضع حد للمعاناة الطويلة لشعبنا الذي دفع ثمناً غالياً ودون ذنب ارتكبه، حيث يعيش منذ عشرات السنين ما بين لاجئ محروم من وطنه، أو خاضع لاحتلال يمارس ضده كل أنواع البطش والتنكيل كمصادرة الأرض والاعتقالات الجماعية، وغيرها من الإجراءات التي تحدث يومياً أمام سمع ونظر العالم بأسره، فأجيال خلف أجيال لم تعرف طعم الحرية، ولم تتمتع بأبسط ما تتمتع به بقية شعوب الأرض، وقد آن الأوان لطي صفحة الماضي، والبدء بفتح صفحة جديدة لا احتلال فيها ولا عداء، صفحة ترتكز على منطق الحقوق لا منطق القوة.

لقد سعت منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا من خلال قرارات مجالسنا الوطنية ومنذ إعلان الاستقلال عام  1988 إلى تحقيق تسوية سياسية تؤدي إلى السلام الذي ننشده والمستند إلى المرجعيات المعترف بها، بدءاً من قرارات الأمم المتحدة، إلى خارطة الطريق، ومبادرة السلام العربية، ورؤيا الرئيس بوش، والاتفاقات الموقعة بيننا وبين الجانب الإسرائيلي.

إن المؤتمر التاريخي الذي عقد في أنابوليس قبل يومين محطة وفرصة في غاية الأهمية من أجل إطلاق مفاوضات سلام جادة وضمن إطار زمني، وبرعاية ومشاركة المجتمع الدولي ممثلاً باللجنة الرباعية الدولية، للوصول إلى نهاية الصراع وإقامة سلام ينهي الاحتلال الإسرائيلي لأرضنا الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية، ويوفر حلاً عادلاً ومتفقاً عليه لقضية اللاجئين الفلسطينيين، مستنداً إلى قرار الأمم المتحدة 194 ويضمن قيام دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية التي تعيش بأمن وسلام مع جيرانها بما في ذلك دولة إسرائيل.

السلام لا يتحقق مع بناء جدار الفصل العنصري الذي أدانته محكمة لاهاي، ولا مع التوسع في بناء المستوطنات، ولا مع إجراءات تهويد القدس ومنع المواطنين الفلسطينيين مسيحيين ومسلمين من دخول مدينتهم حتى من أجل ممارسة شعائرهم الدينية، كما لا يتحقق الأمن مع حصار مدينة بيت لحم مهد السيد المسيح وإحاطتها بالأسوار والمستوطنات، وتحويل أماكنها المقدسة إلى مجرد آثار، كما أن الأمن لا يأتي عبر الحصار المفروض على الأرض الفلسطينية المحتلة، وخاصة على قطاع غزة، ولا يتحقق عبر الاعتداءات والتوغلات والاقتحامات العسكرية للمدن والبلدات والقرى، وأن الأمن كذلك لا يأتي عبر مصادرة الأراضي الفلسطينية والسماح للمستوطنين المتطرفين والمتعصبين من الاعتداء على المواطنين الفلسطينيين وحرق واقتلاع مزروعاتهم، فالأمن يتحقق للشعبين في ظل سلام عادل، وعلاقات متكافئة واحترام متبادل.

في هذا اليوم 29 نوفمبر، الذي يصادف الذكرى الستين لصدور قرار التقسيم عام 1947، والذكرى الأربعين لاحتلال الأرض الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية عام 1967.

يتطلع شعبنا بأمل كبير نحو المستقبل، وهو مصمم على التمسك بحقوقه، وواثق بأن المجتمع الدولي لن يسمح بإضاعة هذه الفرصة التي تتاح اليوم من أجل حل الصراع العربي الإسرائيلي على مختلف المسارات، بدءاً بجوهر هذا الصراع وأساسه، وهو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. إن المشاركة الدولية الواسعة في مؤتمر أنابوليس هي خير دليل على مدى الاهتمام الذي توليه شعوب العالم بأسره للسلام في منطقتنا، وأكرر في هذه المناسبة فائق شكري وتقديري لكل من ساهم وشارك في إحياء هذا اليوم، وأتطلع بأمل كبير إلى الاحتفال معكم جميعاً في العام القادم- بإذن الله- في دولتنا الفلسطينية الحرة والمستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

والسلام عليكم.

 

 

 

 

 

 

خطاب السيد الرئيس في ندوة التضامن مع الشعب الفلسطيني في تونس

29/11/2007

بسم الله الرحمن الرحيم
دولة الوزيرالأول محمد الغنوشي،
الأخ الهادي مهني، الأمين العام للتجمع الدستوري الديمقراطي،
الأخوة مناضلي ومناضلات التجمع الدستوري الديمقراطي، تجمع الرئيس زين العابدين بن علي، المؤتمن على التغيير والتعمير،
الأخوة مناضلي و كوادر منظمة التحرير الفلسطينية،
السيدات والسادة،

تخفق قلوبنا بالحب لتونس الخضراء، ولشعبها العربي الأصيل ولقيادتها الحكيمة وعلى رأسها أخي زين العابدين بن علي.

إن تونس في ماضينا وحاضرنا، حقيقة مشرقة، فلقد طرحت وعلى نحو مبكر وبشجاعة مواقف عملية بشأن القضية الفلسطينية، وأنقذت بكرم وإيثار قضيتنا وحركتنا الوطنية، حين استقبلت الثورة الفلسطينية وقائدها الراحل ياسر عرفات، مانحة إيّانا مساحة حركةٍ حرة مكنّت شعبنا وقيادتنا من مواصلة المسير نحو أهدافنا الوطنية..

فمن تونس كانت أولى خطوات العودة إلى الوطن، ومعها بإذن الله ندشن قيام دولتنا الفلسطينية المستقلة. فلتونس ولشعبها ورئيسها كل المحبة والعرفان.

أيها الحضور الكريم،

كم هو جميل ومؤثر أن تكون تونس المحطة الأولى بعد مؤتمر أنابوليس التاريخي، والأمر ليس مصادفة بل إنه في السياق المنطقي، لأن ما هو أهم من أنابوليس "ما سيليه"، ومنذ اليوم، نحن في وضعٍ جديد، وستكون تونس التجربة والدرس والصدق في التعامل معنا في كل المراحل القادمة بإذن الله.

أيتها الأخوات، أيها الأخوة الأعزاء،

منذ عودتنا إلى أرض الوطن، ونحن نواجه التحدي تلو التحدي، وما أن تنفتح نافذة من الأمل، حتى تفتح مقابلها نوافذ على المجهول، وبفعل إصرارنا على الحياة، وتصميمنا على التقدم نحو الهدف، تحملنا الكثير، وها نحن بحمد الله نعود إلى الصورة من جديد وإلى أولويات الاهتمام الدولي بعد أن تراجعت قضيتنا خلال سنوات قليلة مضت.

ومن هنا من تونس (توأم فلسطين وحاضنة آلامها وآمالها)، أقول لشعبنا الصابر الصامد المرابط في فلسطين، في الضفة، في غزة، في القدس، في المخيمات والقرى والمدن، في السجون والمعتقلات، في الوطن والمنافي:

إننا نبدأ معركة سياسية تفاوضية في غاية الجدية والصعوبة، والتعقيد، هدفها إقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة فوق ترابنا الوطني وعاصمتها القدس الشرقية، وجنبا إلى جنب مع الجهود المبذولة للتفاوض حول جميع قضايا الوضع الدائم القدس، اللاجئين، الاستيطان، الحدود، الأمن، المياه، حيث يتعين إنجازها خلال العام القادم، وأعني بالإنجاز التوصل إلى حلولٍ قابلةٍ للتطبيق الفوري.

كما كانت جبهتنا الداخلية مصدر القوة الرئيسي لمفاوضاتنا وتحركاتنا السياسية ستظل بفعل الوعي الشعبي، والأصالة الوطنية، الأرض القوية التي نقف عليها في كل المراحل القادمة.

وإلى أن تتحقق أهدافنا الوطنية جميعا، سندعم ونقوي بكل الإمكانات، صمود شعبنا على أرض وطنه، وتوفير مستلزمات هذا الصمود من كل النواحي، نسهر على أمن المواطن ومصالحه، نسهر من أجل توفير حياة حرة كريمة لكل الفلسطينيين، كي تكون دولتنا العتيدة دولة ديمقراطية حرة عصرية، يسودها القانون، وتحميها العدالة والمساواة. إن إيماننا بالوحدة الوطنية، كأرض صلبة نقف عليها لن يتزعزع، وسنواصل عملنا المسؤول لحماية هذه الوحدة، وتخليصها من كل الشوائب العالقة بها.

إن كل حركة لنا في هذا الاتجاه، ستعتمد على الحوار والالتزام الجماعي بسيادة القانون، وأؤكد هنا أن الحوار وبناء البيت الداخلي يتطلب أول ما يتطلب تراجع الانقلابيين عن انقلابهم، والعودة إلى الشرعية..

وهنا اسمحوا لي أيها الإخوة، أن أشير إلى نقطة بالغة الأهمية، تتعلق بأهلنا وأحبائنا داخل الخط الأخضر وعن مصيرهم في الحل القادم.

إن أهلنا في الـ 48 يتمتعون بشرف البقاء المتجذر على أرض وطنهم، ولهم شخصيتهم المميزة، وقياداتهم الشجاعة والمبدعة.

 إننا ندعم صمودهم وبقاءهم على أرض وطنهم، إننا معهم، مع تطلعاتهم وأمانيهم، ومع كل حقوقهم الطبيعية والمكتسبة، ولن نسمح لأي جهة أو معادلة أن تسلبهم أي قدر من هذه الحقوق، بل واجبهم علينا دعمهم الكامل في كل ما يتطلعون إليه وما يكفل حقوقهم، وأكرر هنا مرة أخرى الطبيعية والمكتسبة، فكما يواصلون دعمهم لنا من أجل إقامة دولتنا المستقلة على الأراضي التي احتلت في العام 1967، سنواصل دعمنا لهم في نضالهم المجيد للبقاء على أرض وطنهم، وتحقيق أمالهم بالعدالة والتقدم والمساواة.

أيتها الأخوات، أيها الإخوة،

إن قضيتنا الفلسطينية فرضت حضورها وحيويتها ليس فقط بفعل نضالات شعبها وأمتها العربية والإسلامية، وإنما كذلك بفعل حجم التضامن العالمي المتجدد والمتنامي مع نضالها المشروع لنيل حقوقها الثابتة غير القابلة للتصرف، وما هذا اليوم العالمي إلا شاهد حي على ما أقول، أؤكد لكم أيها الأشقاء الأعزاء أن استمرار دعمكم لنا هو في واقع الأمر واحدة من الروافع القوية لكفاحنا وتحصيل حقوقنا.

وإذا كنا نلتقي اليوم في تونس، مع هذا الحشد الهام، فإننا بالأمس كنا في أنابوليس، حيث العالم كله ممثلاً بالدول والمؤسسات، جدد التزامه بحقوق الشعب الفلسطيني، ورفع مستوى مشاركته في الجهود الحثيثة التي ستبذل لتجسيد هذه الحقوق فعلا على أرض الوطن وفي ظلال الدولة القادمة بإذن الله.

أيتها الأخوات، أيها الإخوة،

إننا نراجع بكل أمانه وموضوعية، الأسباب الكامنة وراء انهيار عملية السلام أو تجمدها لسنوات طويلة، ونراجع كذلك الأحداث التي رافقت وتلت هذا الانهيار لنرى، أن نزيف الدم لم يتوقف، ومساحات الدمار اتسعت على نحو غير مسبوق، ومعاناة الشعب الفلسطيني تضاعفت وتعمّقت، وبلغت مستوىً مخيفاً من الألم والتعقيد .

لم يكن الفلسطينيون وحدهم من عانى جراء هذا الانهيار، بل كذلك وبقدر متفاوت كل شعوب المنطقة، وحتى المصالح الإقليمية والدولية، ولقد خلصنا إلى أن الدرس الأهم من كل ما حدث، أنه في غياب التقدم على المسار السياسي، لا أمل في التقدم على أي مسار آخر، سواء الأمني أو الاقتصادي أو الاجتماعي.

لم يكن انهيار عملية السلام فيما مضى، مجرد توقف لمفاوضات، أو إغلاقٍ، وإنما إعادة للأمور إلى ما دون الصفر، أي إلى ذروة الخطر، إذن لا بد من الذهاب الفوري نحو مفاوضات جدية يلمس تقدمها المواطن على كل الصعد فالشعب دائما هو الحكم، هو من يلتقط الايجابيات ويحميها ويلتقط السلبيات ويحمّل قيادته مسؤولية معالجتها.

وهنا أقول لأؤكد وبكل مسؤولية وموضوعية، أن الفرصة الجديدة التي سنحت عبر إطلاق المفاوضات في أنابوليس يجب أن تستغل بإخلاص وجدية، لا أن تتبدد بالشكوك والمخاوف، فالسلام بين الشعوب يقوم على أساس الاتفاقيات والحقوق والوعي الناضج للمصالح المتبادلة. ومن خلال التجربة فإن الإسرائيليين لا يشعرون بالراحة، بينما الفلسطينيون على الجانب الآخر يشعرون بالقهر، والحرمان، وغياب الحرية والعدالة.

إن وقائع العقود الماضية أثبتت ذلك، ومنطق الحياة، والشراكة في المكان الضيق تحتم منح الفرصة الجديدة كل مقومات النجاح.

أيتها الأخوات، أيها الأخوة،

ليتواصل تفاعلنا الإيجابي الخلاق في هذا الزمن، حيث العالم يضيق ويتقارب. ولتتواصل جهودنا المشتركة، وفعالياتنا المؤثرة، إذ أن الأمر لم يعد مجرد تضامن يشهر في المناسبات، إنّه مكوّن أساسي من مكونات معادلة القوى والحلول لنواصل الحلم من أجل مستقبل آمن لكل الشعوب والأجيال، لنواصل التطلع إلى الأمام كي لا يشدنا التطلع إلى الوراء نحو متاهات اليأس وفقدان الثقة.

ومن تونس التي نحب، أوجه حديثي مرة أخرى وعلى نحو خاص لشعبنا الفلسطيني المرابط على أرض الوطن، والمنتظر في الشتات.

إنك أيها الشعب لم تقصر يوماً في العطاء والتضحية، وتجنبت، بل وتجاوزت كل محاولات الشطب من الحياة والسياسة، وأنت أيها الشعب الذي رغم إمكاناته المحدودة، قام بعمل غير محدود من الصمود والثبات وتحمل المسؤولية، إنك تستحق الحياة، وتستحق المستقبل، وتستحق النصر. إنني أدرك أن شكوكاً ترواد أذهان البعض، ناتجة عن فترة طويلة لم تنفذ الالتزامات فيها، في المواعيد المحددة، وإنني أقول لكم إن ما حدث في أنابوليس هو إعلان انطلاق المفاوضات على مرجعيات وأسس واضحة، ألا وهي مبدأ الأرض مقابل السلام، ورؤية الرئيس بوش، وخطة خارطة الطريق، والمبادرة العربية، في ظل رعاية دولية واسعة، وإن ذلك يتطلب منا ومن أشقائنا ومن الأسرة الدولية عملاً جاداً دؤوباً من أجل أن نحوَل ما بدأناه في أنابوليس الى الهدف الذي ننشده.

إن زمن المزايدات الكلامية، يجب أن يولي إلى غير رجعة، وزمن أخذ الحقوق الفلسطينية رهينة في أيدي أصحاب الأجندات الخاصة والصفقات المريبة، يجب أن يولي كذلك، فهذا الزمن هو زمن الحقيقة لا الوهم، والحقيقة الناصعة، التي سطعت في سمائنا، وفي عقولنا، وأمام بصرنا، تقول إن العالم كله أقرّ لنا دولة حقيقية، قابلة للحياة وللنمو والتطور، دولة عاصمتها القدس، دولة نحن جديرون بها، يبنيها شعبها لتولد منتمية منذ لحظاتها الأولى إلى القرن الحادي والعشرين، مجسدة أمل أمتها العربية بها، ومضيفة إلى دول العالم دولة نوعية طال المخاض قبل ولادتها، ولا مناص من أن تكون دولة حديثة ليس بمنطق الوقت، وإنما بمنطق العصر، وما توصل إليه من إبداع قيمي، وحضاري، وتنموي..

إن أملاً يملأ قلبي من خلال هذه الفرصة الجديدة، وثقة تتعزز في داخلي من خلال وعي صافٍ للمشهد العربي الواحد الموحّد، الذي رأيناه بالأمس القريب في أنابوليس، وسنظل نراه بإذن الله في كل المراحل القادمة، وفي كل قضايا الأمة.

في هذا اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، أتوجه بتحية إعزاز وإكبار لمعتقلينا الذين لن يغمض لنا جفن قبل أن نخرج وبعون الله آخر سجين منهم، إلى أرواح شهدائنا الأبرار، وذويهم الصابرين المحتسبين، الفخورين بذروة العطاء للوطن، وعلى رأسهم رمز نضالنا الرئيس الشهيد ياسر عرفات.

إلى أمتنا العربية والإسلامية، ولكل شعب في هذا العالم وقف معنا، وما يزال ووقفات أخي الرئيس زين العرب زين العابدين بن علي، لها كل المحبة والعرفان والوفاء، وأنتم يا أهلنا، لن نملّ من الثناء على وقفاتكم الأصيلة معنا في كل المحن والمنعطفات، وما أكثرها! إن هذه الوقفات نابعة من أصالة تونسية، عربية إسلامية عريقة.

لكم كل الحب والوفاء، ولتونس الخضراء وشعبها الأصيل كل أمنيات التقدم والازدهار، وأشكركم على استقبالكم ونتطلع إلى استقبالكم في عاصمتنا القدس.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

خطاب السيد الرئيس بالذكرى الـ 43 لانطلاقة "فتح" في رام الله

31/12/2007

بسم الله الرحمن الرحيم
"إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيما"ً
أيتها الأخوات، أيها الأُخوة الحضور،
أيها الفلسطينيون في كل مكان،

أُحييكم في هذا اليوم التاريخي الذي نحتفل فيه بالذكرى الثالثة والأربعين لانطلاقة ثورتنا الفلسطينية المعاصرة، الثورة التي أطلقتها وقادتها حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، هذه الثورة العظيمة التي فجرتها طليعة شُجاعة كانت في ريعان شبابها في العام خمسة وستين، فارتفعت راياتها الخفاقة في سماء فلسطين والعالم، وحملتها أجيال من الذين عاهدوا الله ثم الوطن، فقدموا أرواحهم ودماءهم من أجل حرية واستقلال وطننا الفلسطيني، هذا الهدف الذي يتواصل نضالنا من أجل تحقيقه رغم كل الصعاب..

نحتفل بذكرى الانطلاقة بعد اثنين وأربعين عاماً من النضال الدؤوب، ونحن والعالم بأَسرهِ يستقبل العام الميلادي الجديد والعام الهجري الجديد، يملؤنا الإيمان والأمل، بأن هذا العام سيكون بإذن الله تعالى عام النصر والحرية، عام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها قدسنا الشريف..

في هذا اليوم وفي كل الأيام، نستذكر شهداءنا، كل شهدائنا فلسطينيين وعرباً ومسلمين وأصدقاء من كل الجنسيات وعلى رأسهم، سيد الشهداء وعميدهم ياسر عرفات وأمير الشهداء أبو جهاد ورفيق دربه أبو إياد، والقائمة تطول حين نعد شهداء التأسيس والقيادة الأولى والثانية والثالثة، فمكانتهم جميعاً محفورة في القلوب ولها أرفع منزلة في وجدان كل فلسطيني، حاضراً ومستقبلاً..

نستذكر بكل الفخر والاعتزاز شهداء كل قادة ومناضلي الفصائل الفلسطينية، وننحني بإجلال وإكبار لأرواحهم الطاهرة، ونعاهدهم جميعاً بأن العهد هو العهد، وأن القسم هو القسم، فلا تنازل ولا مساومة على ثوابتنا الوطنية، حتى يرتفع علمنا الفلسطيني فوق مآذن القدس وكنائسها، وحتى يتحرر أسرانا من سجون الاحتلال، ويعود لاجئونا إلى وطنهم.

أيتها الأخوات، أيها الأخوة،

نستحضر في هذا اليوم المجيد، ونحن نحتفل بذكرى الانطلاقة على أرض الوطن وفي الشتات، الميراث العظيم لتجربة أصيلة مُتجذرة بمبادئها وقيمها وسلوكياتها، قامت على مبدأ الوحدة الوطنية رغم تعدد المواقف والاجتهادات، فكانت منظمة التحرير الفلسطينية، هي بيتنا جميعاً، وهي وطننا المعنوي الذي اخترناه جميعاً، فكانت مؤسسات منظمة التحرير وعلى رأسها مجلسنا الوطني، مصدر اعتزاز للممارسة الديمقراطية الحقيقية..

لا سلام دون حل عادل لقضية فلسطين.

باحتفالكم اليوم تجددون العهد للمضي قدماً على الطريق من أجل الحرية والاستقلال، ويملؤني يقين أيها الأحبة بأننا قريبون بإذن الله من هذا الهدف رغم كل الصعاب، شرط إدراكنا لأهمية الصبر والمثابرة وتحصين الذات، فهذا زمن لا مجال فيه للانفعال والمزايدات والمغامرات والمقامرات بمصير الشعب، بل المجال كل المجال ينبغي أن يفسح للتفكير والجدّية والأداء السليم والمدروس للمهام، وتوظيف كل الطاقات الفلسطينية والعربية والعالمية لتحقيق هدف إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف وحل جميع قضايا الوضع الدائم وفي مقدمتها القدس واللاجئين والحدود والاستيطان والمياه، على أساس الشرعيات المتصلة والمتكاملة الفلسطينية والعربية والدولية، مستندين إلى ثوابت لا جدال عليها تؤكد حقوقنا، وقد برهنا للعالم بأسره خلال اثنين وأربعين عاماً من التضحيات، أننا لن نتنازل عن هذه الحقوق، وأنه لا سلام ولا استقرار في هذه المنطقة من العالم بدون حل عادل لقضية فلسطين، وتمكين شعبها من ممارسة حقه المشروع في تقرير المصير كبقية شعوب العالم.

أيتها الأخوات، أيها الأخوة،

لا مستقبل للانشقاق والتمرد على الشرعية:

كما عودتكم بالتزام الصدق والصراحة وقول ما لنا وما علينا دون مواربة أو غموض، أبدأ بالحديث عن بيتنا الفلسطيني، البيت الذي بدون صموده ومتانة أساساته ونبل أخلاقياته وحِكمةِ إدارته فإن العواصف قادرة على تقويضه وتشتيتِ أهله، وتحويلِ أحلامهم وآمالهم إلى وهم.

نعم، لقد صمد بيتنا وشمخ وعلا بفعل وحدتنا الوطنية، التي كانت لثورتكم ثورة الفتح مأثرة تأسيسِها وصيانتِها وتجنيبِها الاقتتال الداخلي، وإبقاء التناقض الرئيس مع الاحتلال من أجل إزالته..

ورحم الله ياسر عرفات الذي كان يردد جملته المشهورة حول ديمقراطية البنادق، فالديمقراطية الفلسطينية أتت باحترام العالم لنا، ولم تكن تلك مجرد وصية أو قول مأثور، بل كانت نهجاً حوّلْنا فتح بمقتضاه من فصيل إلى حاضنة دافئة لجميع القوى الوطنية الفلسطينية وحولنّا منظمة التحرير إلى أمتن وأرسخ إطار جبهوي، حَرِصْنا على أن لا يٌغادره أحد..

لقد تعرضت وحدتنا الوطنية، إلى اهتزازات كثيرة وزُرِع داخل الجسد الفلسطيني آلاف الألغام، وتزاحمت في بيتنا الضيق الصغير كل أجندات الكون، غير أننا نجحنا وبفضل القيادة المستنيرة والمسؤولة لفتح ومنظمة التحرير، من تغليب مصلحتنا الفلسطينية الحقّة على كل الأجندات المدمرة، وتغليب عروبتنا النقية الصادقة على كل خلاف واختلاف، وحظينا باحترامٍ وتقديرٍ على مستوى العالم كله..

لقد سجلت مسيرتنا الطويلة والغنية، حقائق ناصعة وراسخة رسوخ الجبال، أبرزها أنه ما من انشقاق إلا واندثر.

وما من تمرد على الشرعية الوطنية إلا وسقط، وما من محاولة لاستخدام السلاح لحسم أي خلاف داخلي إلا وقبرت قبل أن تبدأ..

هذه الحقائق نستذكرها، وأمامنا درس غزة الأليم، درس الانقلاب الدامي، درس الطعنة التي غاصت عميقاً في الخاصرة، فأضحى الانقلاب سكيناً يسلطه الأعداء على رقابنا، ويستخدمه الكثيرون للتنصل من التزاماتهم، متذرعين ومطلقين فرية أننا غير جديرين بوطن ودول.

أخواتي وإخوتي،

شراكة الحياة على أرض الوطن:

إنني من موقع المسؤولية الوطنية العليا، ولكي نمحو كل الضبابية والسواد عن صورتنا المشرقة كشعب وكمؤسسة وكقضية ورغم الممارسات الإجرامية والمناقضة لتراث شعبنا وقيمه، من قبل قيادات حماس وميلشياتها التي تواصل الاعتقالات والقتل والتعذيب، وتحاول بالقوة منع المهرجانات والاحتفالات بذكرى انطلاقة ثورتنا، رغم كل ذلك وما فيه من مرارة، فإنني أدعو من بادروا إلى الانقلاب أو ما أسموه الحسم العسكري إلى فتح صفحة جديدة من العلاقات في إطار بيتنا الفلسطيني الواحد، صفحة جديدة نخط سطورها باتفاق ذي مصداقية، مبنية على شراكة في الحياة على أرض الوطن، والكفاح من أجل تحريره، فلا مجال لأي طرف أن يكون بديلاً عن الطرف الآخر، ولا مجال لمصطلح الانقلاب أو الحسم العسكري، بل الحوار والحوار والحوار، حتى يتعمق التفاهم وتدوم الشراكة، وأنا أعتبر هذا التوجه مبادرة باسم كل الشعب الفلسطيني وباسم كل أشقائه وأصدقائه والحريصين على مصالحه..

أقول مجدداً وأنا ما زلت تحت القسم على كتاب الله، إن تقاليدنا وأعرافنا وقوانيننا عبر مسيرة العقود الطويلة حَرمّت أي حسم عسكري داخلي، وبالتالي لن أسمح بالاستقواء بأي حل عسكري في صياغة العلاقات الداخلية بمختلف أبعادها، وبحكم مسؤولياتي الدستورية والوطنية وقبل ذلك الأخلاقية، لن أسمح بتسجيل سابقة سوداء مؤلمة في حياتنا، تجعل الحسم العسكري أو الانقلاب سُنّة متبعة، فحين ذاك لن يتوقف الخطر المترتب عليه عند العلاقة بين فتح وحماس أو بين السلطة والمنظمة وحماس، بل ستتجاوزه إلى وضع مدمر لمجتمعنا ومشروعنا الوطني، وهذا ما لا نرضاه ولا يرضاه الشعب الفلسطيني، وامتداداً لذلك لم ولن ترضاه أمتنا العربية والإسلامية والمجتمع الدولي بأسره..

ولذلك فإن التراجع عن الانقلاب أسهل وأفضل ألف مرة من استخدامه كمطلب للحوار، وقد أصبح واضحاً الآن أن نتائج ما أقدمت عليه حركة حماس في قطاعنا الحبيب قد زاد معاناة الناس، وأن المتاجرة بهذه المعاناة لن تجلب لحماس وقيادتها سوى المزيد من إدانة الشعب لها والابتعاد عنها، ومن المؤكد أن شعباً لا يستفيد من تجاربه ويتراجع عن السلبية منها يكون عرضة لأن يصبح الخطأ في حياته مثالاً يحتذى، فتصبح الأخطاء خطايا لا تغتفر..

الانتخابات المبكرة النزيهة هي المخرج

وتجنباً لذلك كله، وإعادة لإحياء الحوار وترميم المؤسسات المتعددة وتمتين ركائز البيت الواقف على حافة الخطر، فلا بد من التراجع عن الانقلاب، والإعلان عن الالتزام بالشرعيات الفلسطينية وبمبادرة السلام العربية، وبالشرعية الدولية، كما أُجدد أيضاً عرض خيار الانتخابات المبكرة كمخرج من الجحيم الذي فرض علينا، وأعد وأتعهد أن أعمل قصارى جهدي كي تكون هذه الانتخابات العتيدة وليدة تفاهم أخوي عميق، وأن تجري بكل نزاهة وشفافية كما حصل في كل انتخاباتنا السابقة، وأدعو الجميع حركة فتح وحماس وكل الفصائل الفلسطينية إلى دراسة هذا الخيار وعدم التسرع "كالعادة" إلى رفضه. فأحياناً يكون ما ترفضه اليوم مطلباً في الغد، وصدق الشاعر حين قال:
رُبَ يوم بكيت منه فلما صرت في غيره بكيت عليه

يا أبناء شعبنا، أيها المناضلون الفتحاويون،

شعبنا أكبر من فصائله:

حين أتحدث عن بيتنا ووحدتنا الوطنية وأحلامنا المشتركة، فالأمر لا يتعلق بتنظيم معين سواء كان حماس أو أي فصيل آخر، فالشعب أكبر بكثير من كل هذا، ومصالحه أشد إلحاحاً وحاجة للصيانة والاستكمال من مصلحة أي تشكيل أو فصيل، إنني أعترف بأننا لم نعط لمنظمة التحرير ما تستحق من اهتمام خلال السنوات القليلة الماضية، كما أننا دفعنا ثمناً باهظاً لسكوتنا عن سلبيات السلطة الوطنية وعدم مسارعتنا لتجاوزها، وهناك موضوع الأمن الذي أضحى تحقيقه شرطاً لحياة شعبناً، وممراً إجبارياً للدولة المنشودة، وهناك الاقتصاد الذي يشكل الثنائية الملازمة للسياسة، فالتنمية المستدامة يستحقها شعبنا صاحب المآثر في بناء المؤسسات والجامعات والصروح الوطنية رغم سنوات الاحتلال العجاف، هذا الشعب الذي نفخر بأن أبناءه بما امتلكوه من علم وخبرة يساهمون ويحتلون مواقع هامة في دول عديدة رغم الهجرة والتشريد.. إن المهمات السياسية الشاقة أمامنا لا يمكن أن تتحقق دون وحدة داخلية، وأقول بعبارات صريحة وواضحة، إن أهدافنا لا تخرج ولن تخرج عن الثوابت التي أرستها منظمة التحرير في دورات مجالسها الوطنية وبرامجها السياسية، وأقترح على إخوتي المواطنين الفلسطينيين في كل مكان أن يصّموا آذانهم عن أبواق التشكيك والاتهام بالتنازل أو التفريط.. فلم يُخلقْ بعد ولن يُخلقْ بإذنِ الله مَن يمحوا مِن أجندتنا أي بند من بنود قضايا الوضع الدائم، والتي سبق وأقرَّت بها حتى إسرائيل في أوسلو، كما أنها موضع إجماع دولي، فليس أمامنا سوى مضاعفة الجهد من أجل تحقيقها مع إدراكنا لأهمية الحذر إذ أن هناك حقول ألغام وشِراك عديدة.

أيتها الأخوات والإخوة،

مؤتمر "فتح" السادس في الربيع المقبل:

عندما أتحدث اليوم عن ذكرى انطلاقة فتح، فإنني لا أنطلق من مواقع تنظيمية محضة، بقدر ما نستحضر مسيرة، ونطرح قضايا، بأفق وطني شمولي كان ولا زال لحركة فتح موقع مركزي في إطاره، بما يجعل من محاولات المس بها والتآمر عليها، محاولات تستهدف المجموع الوطني برمته، بكل مكوناته ونهجه وفصائله وتستهدف التاريخ، والحاضر، والمستقبل للحركة الوطنية الفلسطينية عموماً، بميراثها وقيمها ومبادئها، تستهدف المشروع الوطني الفلسطيني بكل مضامينه التحررية الديمقراطية، ولتنال من وحدة نسيجنا الاجتماعي، وخياراتنا الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، واستقلالية قرارنا والتنوع والتعددية السياسية وكلها مصدر الثراء والقوة، وركيزة الصمود والبقاء، لمجتمعنا وشعبنا الفلسطيني.

لذلك فإن الجهود مستمرة، لمعالجة ما ألمَّ بحركة فتح في السنوات الأخيرة، بحكم موقع فتح، ومسؤوليتها ودورها في استنهاض الحركة الوطنية الفلسطينية، وما تمثل وتهدف، فالجهود مستمرة لإعادة ترتيب الأوضاع الداخلية للحركة، واستخلاص العبر من العثرات والتراجعات، وتقييم الإشكالات، وتشخيص أوجه الأزمات التي تعانيها، والبدء بوضع الحلول الناجعة موضع التنفيذ، تأسيساً على إعادة بعث الحياة الديمقراطية بأطرها التنظيمية، وصولاً إلى عقد مؤتمرها السادس الذي وإن طال انتظاره، فإنه بكل الأحوال سيعقد مع بداية الربيع القادم -إن شاء الله-، بعد أن استطاع الأخ العزيز "أبو العلاء" أحمد قريع ومعه كل أخوته في اللجنة المركزية والمجلس الثوري ومكتب التعبئة ولجان الإشراف والأقاليم، تحقيق إنجازات هامة في مجال العمل التنظيمي وعقد المؤتمرات الحركية، فلهم منا جميعاً فائق التقدير على هذا الجهد المبارك، ومن الطبيعي أن تشمل هذه الجهود الخلاقة والمبدعة السعي لصياغة البرنامج السياسي والاجتماعي والاقتصادي الجديد، الذي يُعبر عن طموحات الشعب الوطنية ومصالحه الحياتية، والذي يطور النظم واللوائح لتتلاءم مع الواقع الجديد، بما يحقق ما نطمح إليه في إطلاق انبعاثةٍ جديدة عصرية للحركة..

إن هذا الانبعاث هو لتجديد الهياكل والأُطر، بدماءٍ شابّة وتحديث أصيل، يحفظ الحق الوطني، والالتزام الثابت والراسخ، بالحقوق والأهداف الوطنية، ويبتكر الأساليب المتجددة في النضال، وحشد الجهود والإمكانات والطاقات، لتعزيز الصمود وتمثيل مصالح المجتمع، وحماية نسيجه وقيمه، وتعزيز وحدتنا الوطنية في إطار منظمة التحرير..

وكلنا ثقة، كما أكدت مسيرتنا المشتركة، أن قوة فتح ستبقى المرتكز الأساس، لقوة الجبهة الداخلية والوحدة الوطنية.

ولقد سمعت من الكثير يرددون "إن كانت فتح بخير فالمسيرة بخير"، فهي ضمانة لحماية وتعزيز السلم الأهلي، والخيار الديمقراطي، والتنوع والتعددية.

أيتها الأخوات، أيها الأُخوة،

تفعيل م.ت.ف استحقاق وطني ملزم:

وضمن هذه الرؤية، فإن استحقاقاً وطنياً لا يقل أهمية، نواصل بذل جهدنا للوفاء به، واستكمال الخطوات التي قطعناها لبلوغه، وهو المضي قدماً وبخطوات حثيثة لإعادة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية.

فالمجلس المركزي للمنظمة وكما اتفقت مع أخي أبو الأديب رئيس المجلس الوطني، مدعو للانعقاد خلال الأسبوعين القادمين ليواصل سلسلة الاجتماعات السابقة، باعتبار ذلك جزءاً من عملية التفعيل، وبهدف مضاعفة الجهد ولتقييم المنجز والبناء عليه بكافة اتجاهات واختصاصات المجلس، فهو المرجعية ذات القرارات الإلزامية والملزمة بين دورات انعقاد المجلس الوطني لمختلف شؤون الوضع الفلسطيني، تمثيلاً لإرادة الشعب، بما في ذلك ما يتعلق بتطورات عملية السلام وآفاقها..

وبهذا الخصوص، فسوف يتضمن جدول أعمال اجتماع المجلس المركزي القريب بنداً لبحث الدعوة لعقد المجلس الوطني الفلسطيني، الذي نرى ضرورة انعقاده في أقرب فرصة، كما يرى ذلك الكثير من الأخوة ممثلي الفصائل والتنظيمات الشعبية في سياق إعادة تفعيل مؤسسات المنظمة وأطرها..

كما ونؤكد بأن عضوية المجلس الوطني اعتباراً من دورته القادمة، ستكون مفتوحة أمام الجميع، وفق أحكام النظام، على قاعدة الالتزام بالبرنامج الوطني وبالشرعية الفلسطينية، وما أقرّته وتبنته من شرعيات عربية تكرس عمقنا القومي، وانتماءنا العربي، بوحدة المسار والمصير، بطموحاتها وإمكاناتها واستراتيجياتها.

أيتها الأخوات والإخوة،
أيها الفلسطينيون في كل مكان،

أنابوليس، محطة هامة لإحياء عملية السلام:

كلكم تابعتم تطورات الأحداث خلال الأشهر الثلاثة الماضية، حيث جرت مفاوضات فلسطينية إسرائيلية استعداداً وتحضيراً لقمة أنابوليس، التي كان من أهم نتائجها إعادة إدراج قضيتنا على جدول الأعمال الدولي، لتحتل موقع الصدارة فيه، تعبيراً عن إرادة العالم في السعي لتحقيق السلام العادل والشامل القائم على مبدأ حل الدولتين، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وقيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف..

لقد أعدنا طرح وتأكيد موقفنا ومفهومنا للسلام، بما في ذلك أهمية البدء الفوري لعملية تفاوض شاملة عميقة، حول قضايا الوضع النهائي كافة، وأهمية تدعيم تلك المفاوضات بخطوات ميدانية ملموسة، في مقدمتها وقف الاستيطان..

وهكذا كانت قمة أنابوليس محطة هامة لإحياء عملية السلام، وإطلاق مفاوضات جادة، من المفترض أن تؤتي ثمارها خلال عام.

الإصلاح الوطني الشامل:

وفي إطار تمسكنا بثوابتنا الوطنية، التي أجمعت عليها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ستتشكل لجنة وطنية عليا لقيادة المفاوضات وسنبذل قصارى جهدنا، بأمل وعزم كبيرين، لنمضي قدماً نحو تحقيق أهداف السلام العادل والشامل والدائم، الضامن لتجسيد حقوق شعبنا الوطنية الثابتة، والتي لا مجال للمساومة عليها أو التفريط فيها، ومهما كانت الظروف والأحوال فعندما ينجز أي اتفاق، فلن يصبح نافذاً وملزماً قبل استفتاء شعبنا عليه، حيث سيكون للشعب كلمة الفصل والحسم.

وكلنا أمل مقترن بالإرادة الصادقة، والعمل الجاد، أن نجعل من العام الجديد عام البشرى والسلام وتجسيد الأمل..

وقد أخذنا على عاتقنا إلى جانب الانخراط بالمفاوضات الجادة، والوفاء بالتزاماتنا، أن نعكف بمثابرة ودون إبطاء، على إعادة بناء وطني شامل، مؤسسياً وتنموياً، بمفهوم تحرري انعتاقي ديمقراطي، يرسي دعائم دولتنا المستقلة، ويهيئ لها أسباب النهوض، ويعزز من مقومات صمود شعبنا، ويقوي جبهتنا الداخلية ويحفظ السلم الأهلي، والاستقرار الاجتماعي، ويضمن الأمن والأمان للمواطن، ويخلق البيئة الاستثمارية التنموية الملائمة، باعتبار ذلك مصلحة وطنية عليا.

سلطة واحدة وسلاح شرعي واحد:

إن الإجماع الوطني يطالب بأن لا تستمر حالة الفوضى والفلتان، وممارسة أبشع الجرائم باسم المقاومة، ليستمر بذلك تقديم المبررات والذرائع لجيش الاحتلال. قرارنا أن هذا الأمر قد انتهى وسنبذل كل طاقاتنا لئلا يعود.

وبقدر احترامنا للتعددية السياسية والشراكة الوطنية، والتزامنا بها، فلن تكون لنا إلا سلطة واحدة، وسلاح شرعي واحد.

ولا بد من الإشارة في هذا السياق إلى ما يسمى بسلاح المقاومة المرفوع بغزة، والذي نعلم علم اليقين مرجعياته وأهدافه ومقاصده، فلم يجلب لغزة وأهلها الصابرين الصامدين، سوى الضحايا والوبال. وليس سراً نكشفه أن أدعياء المقاومة، وعندما باتوا بدائرة التهديد المباشر، سارعوا للمطالبة بهدنة ذليلة لحماية رؤوسهم وامتيازاتهم، في الوقت الذي كانوا يرفضون فيه كل حوار وتوافق وطني، لهدنة مشرفة، تخدم المصالح الوطنية العليا، وهو ما يكشف سماسرة السلاح وتجّاره..

وبمناسبة الحديث عن غزة، أرجو أن يسمعني الجميع وبشكل جيد، أننا سنواصل القيام بدورنا وواجباتنا كاملة غير منقوصة، لأن قطاع غزة هو قطاعنا وشعب القطاع هو جزء من شعبنا الواحد. وكل قطرة دم تسفك من ابن أو أخ وكل دمعة تسيل من عين أم فلسطينية في غزة الباسلة هي مسؤوليتنا أولاً وأخيراً..

وأنا أعرف أن الانقلابيين ينشرون الأكاذيب في كل مكان، بالرغم من أنهم لا ينفقون شيئاً من الأموال التي تصلهم بوسائل غير مشروعة، إلا لتمويل القــوة العسكرية الانقلابية التابعة لهم ولضمان ولاء بعض الأفراد الذين نصبهم الانقلابيون خارج القانون في مواقع القرار، وخاصة بعد استيلائهم على القضاء والبلديات والمؤسسات الحكومية..

وفوق هذا فإنهم يلجأون إلى كل الوسائل لسلب ما يمكن سلبه من أموال المواطنين عبر المتاجرة في السوق السوداء ومن خلال الأنفاق وسواها من الأساليب.

وجميعكم سمعتم عن أعمال الاغتيال والخطف والاعتقالات الكيفية المستمرة والتي تحدث يومياً على يد تلك الجماعات.

أكثر من نصف ميزانية السلطة إلى غزة:

يثيرون كثير من الإشاعات ويقول إن السلطة تحرم القطاع الكثير، وأنا أقول إن السلطة الوطنية تقدم أكثر من نصف ميزانيتها إلى قطاع غزة، وهذا واجبنا وليس منة، وحتى إلى هذه اللحظة، حتى يصمد. وهناك 77 ألف موظف تدفع رواتبهم شهرياً في قطاع غزة، بينما جميع الموظفين في الضفة والقدس لا يزيد عددهم عن 73، فما هو حق لغزة يصلها، ولا نريد سماع كثير من الأراجيف التي بدأت تنطلي على جهات رسمية، وقلت في مؤتمر باريس إننا ندفع أكثر من نصف الميزانية لقطاع غزة، وهذه ليست منة بل واجبنا، فقطاع وأهل غزة جزء منا ونحن مسؤولون عنهم أولاً وأخيراً رغم وجود انقلاب دموي غير ديمقراطي هناك..

إن حق شعبنا في مقاومة الاحتلال حق مقدس، كفلته الشرائع الدينية والدنيوية، ولكن أدوات المقاومة وأساليبها وأشكالها، هو قرار وطني فلسطيني مستقل، تأخذه المجموعة الوطنية، بما يخدم مصالحها العليا ويحقق أهدافها، لجهة شكله ومضمونه، مداه وتوقيته، هو حق غير قابل للمساومة أو البيع والمتاجرة، وبالتالي للاستئثار والتفرد والمقامرة بمصير وقرار المجموع الوطني.

الأخوات والإخوة،

الأساس هو الأمن:

لقد قطعنا شوطاً هاماً لفرض الأمن والنظام، والقضاء على الفوضى والفلتان، ولا بد لي هنا أن أقدر عالياً جهود أبنائنا بالأجهزة الأمنية وما تحققه من تقدم في نطاق رفع جاهزيتها وقدرتها وهيكليتها، وإننا نعبر عن تقديرنا لجهود الحكومة برئاسة الأخ د. سلام فياض والإنجازات التي حققتها خلال فترة وجيزة في مختلف المجالات وهو ما أشادت به جماهير شعبنا التي تدعم الخطة الأمنية وتساعد أبناءها في الأجهزة الأمنية على تنفيذها..

الأساس هو الأمن، هذا ما عملنا به ونحن مصممون على تحقيقه وسينجز بشكل دائم، على الرغم إننا نسمع أصواتاً من الجانب الإسرائيلي إن "السلطة تمارس الإرهاب" نسمعها ونعرف دوافعها ونصم الآذان عن هذه الأقاويل، ونحن ماضون في الخطة، فالأمن والأمان مصلحة فلسطينية، عندما نسعى لتطبيق الأمن والأمان ليس لأنه واجب في خطة خارطة الطريق، بل مصلحة فلسطينية.

أيها الأخوة المواطنون،

التنمية والسلام مسار واحد:

في الوقت الذي نتقدم فيه باسم شعبنا وقيادته، بجزيل الشكر والامتنان للدول الشقيقة والصديقة المانحة، التي قدمت دعمها المالي السخي بمؤتمر باريس، في هذا الحشد الدولي الكبير، جاءت الدول لتقول نعم للشعب الفلسطيني، ونعم للسلطة الوطنية وللدولة الفلسطينية، وتقول لا للاستيطان، فكان حشداً سياسياً لدعم القضية الفلسطينية، وهذا الدعم الذي جاءنا لم يكن مشروطاً، كما قيل وكما نشر من أراجيف، فلسنا نحن الذين نقبل المساعدات بشروط، غيرنا يقبل ذلك..

هذا المؤتمر ذو المضامين السياسية والاقتصادية البالغة الأهمية، لتمويل إقامة ركائز دولة فلسطين المستقلة، ودعائمها الاقتصادية والإعمارية والمؤسسية، فإن ثقتنا كبيرة بأن الأشقاء والأصدقاء سيفون بالتزاماتهم، وأن دعمهم المقدر، سيُدار بكل شفافية من قبل الحكومة، لتنفيذ خطتها الثلاثية، التي حظيت بثقة الشعب الفلسطيني والمانحين الدوليين، بما يحقق الغايات السياسية الأساسية، والأهداف المتوخاة من هذه الخطة التنموية، وخاصة ببعدها التحرري، ورفع أعمدة الاستقلال الوطني الحقيقي، وبناء مقومات الدولة المستقلة الآتية إن شاء الله، وبما يعزز الأمل ويطرد اليأس والتطرف، وينعكس ايجابياً على تسريع عجلة السلام والازدهار والاستقرار بالمنطقة بأسرها.

الاستيطان بؤرة الشر وجوهر العدوان:

غير أننا نعلم جميعا بأن تحقيق خطة تنموية لا يمكن أن تنجز أهدافها إذا لم يتحقق تقدم على المسار السياسي وعلى هذا الأساس فإننا نشارك بفعالية وجديّة والتزام بعملية التفاوض، مذكرين بما قلناه مراراً بأن الاستيطان وعملية السلام أمران متضادان ومتناقضان ولا يلتقيان.

إن استمرار الاستيطان وبناء جدار الفصل العنصري، من شأنه أن يقوّض حتماً أسس قيام الدولة الفلسطينية ويمنع حل الدولتين، الذي عبرت المجموعة الدولية عن قناعتها به، وسعيها لتحقيقه، ولا يمكن لعملية تفاوض جدّية تقود إلى تحقيق هذا الهدف، أن تستمر، إذا لم يتوقف الاستيطان..

لهذا، فإننا ندعو كافة شركائنا بقمتي أنابوليس وباريس، لبذل جهودهم من أجل وضع حدّ نهائي لاستمرار البناء الاستيطاني، وهي نفس الدعوة التي نكررها للحكومة الإسرائيلية وللشعب الإسرائيلي، لأن نتيجة هذه السياسات نقيض لكل المساعي والمبادرات.

إن الاستيطان هو بؤرة الشر وجوهر العدوان وعنوان الاحتلال.. إننا ندعو إلى عدم إضاعة هذه الفرصة التاريخية الفريدة، حقيقة إنها فرص تاريخية، بقدر ما تأتي لنا باستقلال، تأتي لهم بأمن، فالعملية السياسية ليست منة من أحد بل مصلحة للجميع، في ظل هذا الزخم الدولي، والاستعداد الإقليمي والثنائي.

ندعو إلى عدم تبديد الأمل الوليد ونكرر من جديد الدعوة لأن يكون هذا العام، عام البشرى والسلام، وأن يعمل الجميع بتصميم كبير، لبلوغ هذا الهدف، تمشياً مع مجرى التاريخ ومستقبل الشعوب.

على إسرائيل الوفاء بالتزاماتها:

إن المطلوب من الحكومة الإسرائيلية، وقد نفذنا ولا زلنا، بدأنا في تنفيذ كل التزاماتنا، عندما نتكلم عن الأمن، نقول إننا بدأنا بداية جدية، الأمن ليست مسألة مؤقتة، بل دائمة ومستمرة، ومستمرون بالقيام في هذه الالتزامات وبالتزاماتنا المترتبة بخارطة الطريق كافة..

ندعو الحكومة الإسرائيلية أن تتحمل قسطها من المسؤوليات، للوفاء بالتزاماتها، بوقف النشاطات الاستيطانية وإزالة ما يسمى بالبؤر العشوائية، ورفع الحواجز العسكرية، ووقف البناء بجدار الفصل العنصري، وبإعادة فتح المؤسسات المدنية بالقدس، ووقف الاقتحامات والاغتيالات والاعتقالات، والبدء بإطلاق سراح فعلي واسع للأسرى والمعتقلين، تلك القضية التي نُوليها جُل اهتمامنا، وهي تمس كل بيت وعائلة فلسطينية..

بمثل هذه الخطوات الضرورية المتزامنة مع إنهاء احتلال مناطق السلطة الفلسطينية يمكن تأكيد اتجاه مسيرة السلام الحقيقية ومدى جديتها.

الأخوات والأخوة،

إنني لأعتز كل الاعتزاز بشهادة المؤسسات الدولية التي ثمنت عالياً أداءنا في مجال الإصلاح الإداري والمالي وتحقيق مستويات عالية من الشفافية وحسن الأداء والحكم الرشيد.

وفي هذا المجال أود أن أؤكد أن ما خُصص لنا في مؤتمر باريس هو بعض ما نستحق، وهو لم يكن ثمناً لتنازل من أي نوع كما ذهب المشككون والمرجفون..

إن العالم يدرك أنه لولا الاستيطان والاحتلال والحواجز والحصار، لكانت فلسطين في غنى عن أي دعم خارجي، فالشعب الذي يفخر بأنه ساهم في بناء وطنه العربي، وهو لاجئ، سيكون بالتأكيد مبدعاً في بناء وطنه وهو على أرضه وفي أفياء دولته العتيدة.

أيها الفلسطينيون في كل مكان،
يا أبناء شعبنا في الشتات،

اللاجئون جزء من القضية، جزء من الحل:

إن أي حل للصراع لا بد أن ينطلق من حل قضية اللاجئين الذين عانوا أكثر من غيرهم نتيجة النكبة التي حلت بشعبنا، وهذا الحل يجب أن يستند إلى القرار الذي يحظى بالإجماع الدولي، وهو القرار رقم 194، وقد أعلنا مراراً وفي كل المحافل الدولية، بأنه لا يمكن استثناء حل قضية اللاجئين تحت أية ذريعة تدعيها إسرائيل، فهدفنا حل متفاوض عليه يستند أولاً وأخيراً إلى القرارات الدولية..

من أرض الوطن وباسمكم جميعا أوجه التحية إلى أبناء شعبنا في الشتات، وخاصة إلى الأكثر معاناة منهم، اللاجئين الفلسطينيين في العراق الذين بذلنا ونبذل أقصى الجهود لإيجاد حلول لمعاناتهم، وكذلك لأبناء شعبنا في مخيم نهر البارد الذين نأمل بالتعاون مع الحكومة اللبنانية الشقيقة والأشقاء والأصدقاء في الإسراع بإعادة بناء مخيمهم، وكذلك بذل الجهد لرفع المعاناة عن أبناء المخيمات في لبنان عموماً، مقدرين جميعاً حجم التضحيات التي قدمها أبناء شعبنا في مخيمات اللجوء، وخاصة في لبنان، من أجل الثورة ومنظمة التحرير.

الإخوة الأعزاء،

أود أن أطمئن الجميع، إلى أننا لا نذهب إلى موائد المفاوضات ارتجالاً، بل هنالك إعداد مهني محكم لكل الأطقم والملفات تقوم به دائرة شؤون المفاوضات، ونسعى إلى مشاركة وحضور عربي في المفاوضات، ذلك أن معظم قضايا الوضع الدائم تجسد شراكة مصيرية مع أشقائنا العرب، الذين من جانبهم وضعوا كل خبراتهم وإمكانياتهم بتصرفنا..

إذا تحدثنا عن المياه فإنها ليس فقط تهم الفلسطيني والإسرائيلي بل كل الدول المجاورة، وعند الحديث عن البحار، فإن مصر موجودة ولها حدود، وعندما نتكلم عن اللاجئين، والكثير من القضايا لا بد من شراكة عربية، لذا تحدثنا مع أشقائنا العرب لتبادل الرأي والمشورة والموقف، لأنها قضايا لا تهمنا وحدنا بل تهمهم، وحتى لو لم تكن لهم فيها مصالح، فهم مهتمون، كون القضية الفلسطينية تهمهم..

إن قبول إسرائيل للمبادرة العربية للسلام، والالتزام بها، سيوفر لإسرائيل كنزاً من العلاقات الجديدة مع معظم دول العالم، إن لم أقل جميع دول العالم العربي والإسلامي.. العرب والمسلمون مستعدون، إذا حلت قضية فلسطين، عندها لن تكون مشكلة بين العرب والمسلمين وإسرائيل.

نرفض الدولة ذات الحدود المؤقتة:

هنا أقول، بالتزام، فكروا أيها الإسرائيليون بالحقائق الجدّية التي ظهرت في العالم الذي نعيش، وتراجعوا عن الأوهام القديمة التي زينت ولفترة ما، أن بالإمكان وقف عجلة التاريخ عن الدوران، بقوة عسكرية أو بواقع استيطاني، هذا لا يفيد، لن يأتي لكم بالسلام، عليكم أن تخرجوا بجنودكم ومستوطنيكم، من الأرض الفلسطينية والعربية.. وليكن واضحاً وضوح الشمس أننا نرفض رفضاً مطلقاً الدولة ذات الحدود المؤقتة، ولن يستسلم شعبنا للحلول أحادية الجانب التي لن تجلب السلام المنشود للشعبين.. وبخصوص وثيقة سويسرا، أبلغتني رئيسة الجمهورية السويسرية رسمياً، أن هناك من قدم لنا مشروعاً كهذا ، دولة بحدود مؤقتة بلا حديث عن القدس واللاجئين لمدى 15 عاماً، وهذا نرفضه رفضاً مطلقاً.

أيتها الأخوات، أيها الأخوة،

لقد قطعنا خلال ثلاث وأربعين عاما من انطلاق ثورتنا بقيادة حركة فتح شوطاً طويلاً، بدأ بإثبات هويتنا الوطنية، حين غيّرنا كل المعادلات التي استقرت عليها خلاصات الحروب العالمية وشطبتنا من الوجود السياسي، لنعود إليه من أوسع وأشرف الأبواب.

جمع شمل العائلات:

قطعنا شوطاً، بعودة مئات الألوف إلى أرض الوطن في زمن السلطة، التي لا نريدها إلا ممراً منطقياً وعملياً للدولة الحقيقية التي أصبحنا وبإذنه تعالى قاب قوسين أو أدنى منها..

عندما جاءت السلطة دخل الكثيرون بتصاريح، ولم يتمكنوا من الحصول على هوية، ولم يتمكنوا من الخروج وبقوا في الضفة وغزة، مسجونين لا يستطيعون الحركة بين مدينة وأخرى وقرية وأخرى، وهذا العدد هو 54 ألف شخص، فناقشنا هذا الموضوع منذ أكثر من أربع سنوات مع شارون، ووافق من حيث المبدأ وما أسهل أن يتراجع وتراجع، حتى قبل شهرين وافقنا على موافقة أن نأخذ الهويات بالتدريج، ووافق الإسرائيليون على 3500 اسم من الضفة ورفضوا 1500 من غزة، بحجة أنهم من حماس، فقلنا إننا نختلف مع حماس إلا أنه مواطن من حقه أن يحصل على هوية، وفعلاً وافقوا على إعطاء 1500 هويات في غزة، وبدأ مكتب الشؤون المدنية بإعطاء هذه الهويات..

والآن قدمنا طلباً بسبعة آلاف، واعتقد أننا بذلنا الهمة سنحصل عليها خلال اسبوع، وهذا يعني جمع شمل العائلات، قد تكون هذه المسألة لمن لديه هوية مسألة بسيطة، إلا أنها قضية صعبة وخطيرة بالنسبة لهؤلاء الناس، ونحن نسير في هذه الخطة حتى ينتهي ألم هذه العائلات..

وسنكمل المسيرة، وسَنَصَل بإذن الله، واسأل الله أن يرى جيلنا، جيل التأسيس، جيل التحول من النكبة إلى الدولة، جيل القبض على الجمر، الجيل الذي أنجب أحمد موسى وعبد الفتاح الحمود وأبو علي إياد وأبو صبري وكمال عدوان وماجد أبو شرار وأبو المنذر وأبو يوسف النجار وكمال ناصر وأبو جهاد وأبو إياد وأبو الهول وأبو الوليد وأبو السعيد، وفيصل الحسيني ومعهم شهداء المجلس الثوري والإطارات العليا في فتح، جنوداً وضباطاً ومواطنين، ومعهم جميع شهداء الفصائل، بلا استثناء، فكل الإجلال لروح الشهيد أبو علي مصطفى، وغيره من قادة الفصائل والتنظيمات، فذكراهم وتضحياتهم ستبقى خالدة خلود الدهر..

وأود التوقف عند شهيد كبير كان مثالاً لاستخدام العقل في زمن الجنوح والجنون، حريصاً على الدم الفلسطيني، القائد الذي لو ظل على قيد الحياة (واللهم لا اعتراض على قضائك وقدرك)، لما رأينا ربما انقلاباً ولا دماً فلسطينياً يسيل على أرض غزة بأيدٍ فلسطينية، إنه الشيخ أحمد ياسين، رحمه الله وطيّب ثراه، وأدعو من لا يزالون يقيمون وزناً لتاريخه وتضحياته وعقلانيته أن يستذكروه، ويتظللوا به، حين يقررون العودة عما فعلوا..

قد أكون نسيت كوكباً من أكثر الكواكب في سماء تاريخنا وحياتنا، ولكن حين نذكر شهيداً فالمجد كل المجد لكل الشهداء.

مع حق الحياة وضد ثقافة الموت:

أيها الفلسطينيون، أيها المنتظرون في مخيمات الوطن والعالم الأوسع، يا أمهات وأبناء وزوجات الشهداء، أيها الأسرى الممسكون بقضبان السجن كي تنزاح من مكانها، لينفتح فضاء الحرية واسعاً أمامكم وأمام ذويكم وأمام كل أحبائكم، سنظل أوفياء لكم ولحريتكم، وننتظر بفارغ الصبر عودتكم لتشاركونا في بناء دولتنا المستقلة التي من أجلها ضحّيتم بزهرة شبابكم خلف القضبان..

أيها الأطفال الذين من أجلكم نعمل، كل ما نعمل، حتى تذهبوا إلى مدارسكم بأمن وأمان، بعيداً عن الموت المتربص بكم وبأحلامكم، والذي قطف محمد الدرة وأبناء بعلوشة وكثيرين غيرهم..

أيها الآباء والأمهات، أيها الشبان والشابات، كونوا يداً واحدة، وتمسكوا بحلمكم في وطن مزدهر وآمن، ولا تصغوا لمن يحاولون إشاعة ثقافة الموت بديلاً عن حق الحياة، نموت حين لا يكون أمامنا من خيار آخر، أما حين تنفتح الخيارات ومهما كانت صعبة، فالحياة جديرة بأن نحياها، وصدق شاعرنا الحبيب محمود درويش حين قال، على هذه الأرض ما يستحق الحياة. ولماذا نموت بدون ثمن..

وأستعير أجمل قول مأثور قاله الزعيم مصطفى كامل: لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس.. ولولا هذا القول، ولولا فهمه واعتناقه لذهبتْ السنوات العجاف بكل الزرع والضرع، ولتبددت الآمال والأحلام البسيطة والكبيرة، ولمُحيَ من واقع الحياة المعاصرة كلمة فلسطين والفلسطينيين، فالمجد والخلود لفلسطين والفجر والإشراق لحلمنا الوطني برؤية دولتنا والعيش تحت شمسها وسمائها..

المجد والخلود للشهداء، وإلى مزيد من العمل حتى نجعل من الحلم حقيقة، أحييكم مجدداً..

بسم الله الرحمن الرحيم
"ألم نشرح لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك، الذي أنقض ظهرك، ورفعنا لك ذكرك، فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا، فإذا فرغت فانصب، وإلى ربك فأرغب"
"صدق الله العظيم"
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" لا يغلب عسر يسرين" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والسلام عليكم ورحمته تعالى وبركاته.