خطابات الرئيس محمود عباس "أبو مازن" 2005

خطاب السيد الرئيس في حفل أدائه اليمين الدستورية في مقر المقاطعة

رام الله 15-1-2005

بسم الله الرحمن الرحيم
"وقل رب أدخلني مُدخل صدق، وأخرجني مُخرج صدق، واجعل لي من لدنك سلطاناً
نصيراً" صدق الله العظيم.
الأخ رئيس المجلس الوطني الفلسطيني،
الإخوة أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية،
الأخ رئيس وأعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني،
الإخوة رئيس الوزراء والوزراء،
الأخ رئيس المحكمة العليا،
الأخ الضيف وزير المواصلات التركي، ورئيس الوفد الصيني الضيف،
السادة ممثلي الدول العربية الشقيقة والدول الصديقة،
السادة ممثلي الهيئات والمؤسسات الدولية،
السيدات والسادة الضيوف،
أيتها الأخوات أيها الإخوة،

أخاطبكم اليوم وكلي فخر بهذا الأداء الديمقراطي المميز لشعبنا الفلسطيني العظيم. هذا الشعب الذي وقف في وجه الاحتلال ليقول لنفسه أولاً وللعالم ثانياً: إننا ومهما عظمت التحديات، فلن نتراجع عن مشروعنا الوطني، ومهما تراكمت العقبات، لن تثنينا عن مواصلة مسيرتنا الديمقراطية التي نعتز بها جميعاً. إن الذي فاز اليوم في هذه الانتخابات هو الشعب الفلسطيني البطل، صانع هذه المأثرة الديمقراطية وحاميها. لذا فإنني أهدي هذا الفوز باسم كل الشعب إلى روح وذكرى القائد الخالد، رمز مسيرتنا وبطلها، الأخ ياسر عرفات، الذي زرع البذرة الأولى لهذه التجربة الديمقراطية، ورفع رايتها وكرس تقاليدها. فتحية الإجلال والإكبار إلى روحك الطاهرة يا أبا عمار في يوم الديمقراطية الفلسطينية. وفي هذا اليوم التاريخي في مسيرتنا الوطنية أقول، لجميع أبناء شعبنا: الذين شاركوا في التصويت، وفي إحياء شعلة الديمقراطية، لكم جزيل الشكر والعرفان، ولكم العهد مني ببذل كل الجهد لتنفيذ البرنامج الذي انتخبتموني على أساسه، ولمواصلة السير على الدرب لتحقيق أهدافنا الوطنية. والشكر والتقدير لجميع الذين عملوا من أجل نجاح هذه الحملة الانتخابية.

إخوتي في حركة فتح في مختلف المناطق، ولجميع القوى والهيئات والمؤسسات الوطنية، والفعاليات والشخصيات، التي بذلت أقصى الجهد دفاعاً عن برنامجنا الوطني الواضح، الذي يحظى الآن بأوسع دعم شعبي، وإلى جميع الإخوة المرشحين، أقول: إننا نقدر عالياً جهودكم لإنجاح العملية الديمقراطية، ولكم العهد مني بتشجيع وضمان الدور الفاعل لجميع القوى والاتجاهات، وحماية حرية التعبير وفق القانون؛ فنحن وإن اختلفت آراؤنا نبقى أصحاب قضية واحدة، وإن تعددت اجتهاداتنا، ندافع عن هدف واحد، وسنحرص على أن نعمل سوياً لتحقيق تطلعاتنا الوطنية التي نصبو إليها جميعاً.

اليوم وبعد ظهور نتائج الانتخابات واجتياز شعبنا العظيم لهذا الامتحان؛ أقف أمامكم بصفتي رئيساً وممثلاً للشعب الفلسطيني بأسره، لأقول: أننا سنواصل المسيرة من أجل تعزيز الوحدة الوطنية، وتعميق الحوار مع جميع القوى، وكل التيارات الفاعلة في وطننا، والحرص على صلابة بنيان مجتمعنا ومؤسساتنا. كما سنواصل مسيرة ياسر عرفات من أجل تحقيق السلام العادل, سلام الشجعان الذي كان يعمل دوماً في سبيله، والذي أعطى كل حياته وجهده وعرقه من أجل تحقيقه. وأود أن أشكر إدارة وطاقم حملتي الانتخابية على جهدهم الكبير، كما أتقدم بالتحية والتقدير إلى لجنة الانتخابات المركزية برئيسها وأعضائها، وآلاف المعلمين والعاملين لدورهم المميز في ضمان نجاح العملية الانتخابية ونزاهتها. وأعبر عن التقدير لدور السلطة الفلسطينية وأجهزة الأمن التي عملت بكفاءة وفي أوضاع بالغة الصعوبة من أجل ضمان نزاهة الانتخابات وحريتها. وأشكر الحكومات والمنظمات الدولية والشخصيات البارزة، وجميع المراقبين الذين أسهموا في الرقابة على الانتخابات، وضمان تحقيق أهدافها في تعزيز المسار الديمقراطي في فلسطين.

وأود أن أشكر أخي الكريم روحي فتوح الذي قام بدوره بكفاءة واقتدار كرئيس للسلطة الوطنية خلال المرحلة الانتقالية، ووفر أفضل مناخ لإجراء الانتخابات، ولممارسة مؤسساتنا المختلفة دورها وواجباتها.

وأشكر الحكومة وعلى رأسها الأخ أبو علاء والمجلس التشريعي، على جميع الجهود التي بذلوها خلال تلك الفترة الانتقالية، وعلى روح التعاون والعمل الموحد التي أظهروها في أصعب الظروف التي مررنا بها.
وأتوجه بالتحية إلى كل أبناء شعبنا، والى أبناء القدس الشريف، عاصمة دولتنا المستقلة؛ فقد أثبتم للعالم انتماءكم الوطني، وتصميمكم على السير إلى الأمام، وتمسككم بأهدافنا الوطنية وبالخيار الديمقراطي، من خلال هذه المشاركة الواسعة التي نعتز بها، والتي تجاوزت كل التقديرات، بالرغم من المصاعب والعقبات والظروف المعيقة التي اعترضتنا.
 لقد اقترع الشعب من أجل إنهاء الاحتلال، والخيار الديمقراطي والتنمية والإصلاح بكل أشكاله واستمراره وتعميقه. لقد صوت الشعب من أجل سيادة حكم القانون والنظام، والتعددية وتداول السلطة والمساواة بين الجميع. لقد وقف الشعب مع خيار السلام العادل، وإنهاء الاحتلال والتعايش على قدم المساواة وفق الشرعية الدولية.

الأخوات والإخوة،

إن هذا العام هو عام الانتخابات الفلسطينية، الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية؛ فلنحشد كل طاقاتنا الوطنية، لتشمل عملية الانتخابات كذلك كل المؤسسات والنقابات والقوى السياسية والفصائل، حتى نبث روحاً جديدة في حياتنا السياسية الداخلية.
إن التحدي الأكبر، والمهمة الأساسية أمامنا هي مهمة التحرر الوطني، مهمة إنهاء الاحتلال عن أرضنا، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشريف، والتوصل إلى حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين، على أساس الشرعية الدولية، وأولها القرار 194، ومبادرة السلام العربية الصادرة عن قمة بيروت.

ولتحقيق هذه الأهداف؛ فإن نهجنا سيبقى النهج الذي اتخذته منظمة التحرير الفلسطينية خياراً استراتيجياً، خيار السلام العادل الذي يمكن التوصل إليه بالتفاوض من أجل انتزاع حقوقنا الوطنية.
أما الطريق نحو هذا الهدف؛ فهو ما اتفقنا والعالم حوله في خطة خارطة الطريق. لقد قلنا مراراً وتكراراً إننا ملتزمون بالشق المتعلق بنا في خارطة الطريق، وإننا سننفذ التزاماتنا حرصاً على المصلحة الوطنية الفلسطينية، وبالمقابل فعلى إسرائيل أن تنفذ ما عليها؛ ففي الأيام الماضية وقعت جملة من الأحداث، وهي مدانة من طرفنا سواء ما قامت به قوات الاحتلال الإسرائيلي، وردود الفعل من بعض الأطراف الفلسطينية؛ مما لا يساعد على تهدئة الأوضاع التي تتيح الفرصة لعملية سلمية جدية وذات مصداقية.

إننا نسعى للوصول إلى وقف إطلاق نار متبادل لتنتهي هذه الدوامة. إن يدنا ممدودة للشريك الإسرائيلي للمساهمة في صنع السلام. ولكن الشراكة ليست بالأقوال وإنما بالأفعال، إنها بإنهاء الاغتيالات والحصار والاعتقالات ومصادرة الأراضي والاستيطان والجدار الفاصل وتدمير المنازل. إن الشراكة لا يمكن أن تتم في ظل الإملاءات، وإن السلام لن يتحقق أبداً عن طريق حلول جزئية أو مؤقتة، بل من خلال العمل سوياً نحو التوصل إلى حل نهائي ودائم، يعالج كافة القضايا العالقة، ويفتح صفحة جديدة على أساس دولتين جارتين. وأريد التأكيد هنا على استعدادنا التام لاستئناف مفاوضات الوضع النهائي، وتوفر الجاهزية السياسية عندنا للوصول إلى اتفاق شامل حول مختلف القضايا.

ومن على هذا المنبر، وفي هذا اليوم؛ أقول للقيادة الإسرائيلية وللشعب الإسرائيلي: نحن شعبان كتب علينا أن نعيش جنباً إلى جنب، وأن نتقاسم الحياة على هذه الأرض، والبديل الوحيد عن السلام هو استمرار الاحتلال والصراع؛ فلنبدأ في تطبيق خارطة الطريق، وبالتوازي لنبدأ في بحث قضايا الوضع الدائم؛ كي ننهي إلى الأبد الصراع بيننا وبينكم.

كما أنني أتوجه من هذا المنبر إلى جميع الأطراف المعنية وخاصة اللجنة الرباعية الدولية، داعياً إلى قيامها بدورها المباشر في رعاية تنفيذ خارطة الطريق؛ وللحيلولة دون دخولنا مرة أخرى في دهاليز الشروط المسبقة، التي ترمي إلى تعطيل تطبيقها، أو إغراقنا في متاهات الحلول الانتقالية والجزئية طويلة الأمد، التي تستهدف تأجيل دخولنا إلى الحل العادل والشامل. إن السلطة الفلسطينية، إذ تبدي استعدادها لتطبيق كل التزاماتها بموجب خارطة الطريق، فهي تتوقع أن تقوم جميع الأطراف بواجباتها كذلك. ولا يعقل أن نبقى وحدنا مطالبين بتنفيذ ما علينا، بينما الاستيطان مستمر، والجدار يمتد داخل الأرض الفلسطينية، ويفصل بين الفلسطيني والفلسطيني، وبين الفلسطيني وأرضه، ويدمر مقومات الحياة لمئات الألوف من أبناء شعبنا. كما يستمر الإغلاق والحصار والاعتقالات وكل أنواع الانتهاكات، ضد أبناء شعبنا؛ مما ينشر أجواء اليأس والإحباط وعدم الثقة في المستقبل.
إن العالم بأسره مطالب اليوم بأن يمنح شعبنا الأمل، وأن لا يكرر الأخطاء السابقة التي عطلت العديد من المبادرات والجهود الإيجابية في الماضي.

وأنا أتوجه بندائي هذا إلى جميع القادة في دول اللجنة الرباعية والى جميع المسؤولين الحريصين على بدء انطلاقة جدية لمسيرة السلام، وإلى الولايات المتحدة الأمريكية بخاصة؛ لأنها صاحبة الدور الأساسي في هذا السياق. إن الترحيب بالديمقراطية الفلسطينية ودعمها، هو أمر هام، ولكن، هذا الدعم يبقى ناقصاً، إذا لم يعززه العمل على إنهاء الاحتلال بجميع مظاهره وإجراءاته؛ حتى يمكن لهذه الديمقراطية أن تستمر وتزدهر. كما أطالب المجتمع الدولي باتخاذ الإجراءات الضرورية لتنفيذ قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي، التي اعتبرت بناء جدار الفصل العنصري أمراً غير شرعي ودعت إلى إزالته.

إخوتي وأخواتي،
أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات،

إن إنهاء الاحتلال، كان وسيبقى أول أولويات العمل الوطني الفلسطيني، ولكنه ليس الأولوية الوحيدة. ولا أجد مبرراً لإهمال بقية قضايانا الوطنية بذريعة أننا شعب تحت الاحتلال. فالروح الفلسطينية الأبية التي ناضلت لتأمين الاعتراف بقضيتنا العادلة، يجب أن تكون محركنا في معالجة قضايانا الداخلية.

لقد كان الشعب الفلسطيني على مر العقود منارة من منارات الإبداع والبناء، منارة صدّرت القدرات والكفاءات للعالم أجمع، ومن واجبنا أن نواصل وبإخلاص العمل بذات الروح وبنفس التصميم؛ حتى نبني مجتمعاً متنوراً وحضارياً يكون بشقيه الرسمي والأهلي، مثالاً يحتذى في الديمقراطية، ويؤسس لمستقبل مشرق لأجيالنا القادمة.

وأعتقد أنكم تتفقون معي على إن الخطوة الأولى نحو بناء مجتمعنا تكمن في إرساء سيادة القانون، فعندها فقط سيتمتع المواطن بالأمن والأمان والعيش الكريم. عندها فقط سيتم التطوير الحقيقي لمؤسساتنا الحكومية ولنظامنا السياسي، وعندها فقط ستتحقق التنمية ويعم الرخاء الاقتصادي، ونتقدم على جميع الصعد الاجتماعية والثقافية والصحية وغيرها.

إن سيادة القانون تتمثل بوجود سلطة واحدة، وسلاح شرعي واحد، في إطار من التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة. فمن حقنا جميعاً أن نختلف، ومن واجبنا جميعاً أن نحتكم إلى الشعب من خلال صناديق الاقتراع، ولكن أحداً لا يملك الحق في تجاوز إرادة الشعب، وأخذ القانون بيده، وتطبيق أجندته الخاصة. فلتبقى الديمقراطية والقانون هما الطريق الوحيد لمعالجة شؤون حياتنا الداخلية بمختلف جوانبها.

لقد بدأنا مسيرة الإصلاح، وهي مسيرة مستمرة وستستمر بإذنه تعالى. إن إصلاح وتطوير القضاء والمؤسسات الأمنية والحكومية، واستمرار تطوير نظامنا المالي والاقتصادي، وإرساء آلية جدية للتعاون بين القطاع العام والقطاع الخاص، هي أولويات لتمكين السلطة الوطنية من أداء دورها في خدمة مصالح شعبنا الفلسطيني، وهي واجب لإرساء أسس الدولة الفلسطينية التي نصبو إليها. ومن واجبنا جميعاً سلطة ومعارضة ومجتمعاً مدنياً، أن لا نسمح للاحتلال بثنينا عن هذا الطريق، وأن لا نتيح للفوضى الداخلية بأن تعطل هذه المسيرة.
وسوف نعمل على إرساء تعاون وثيق بين مختلف مؤسسات السلطة:- التشريعية، القضائية، والتنفيذية، مع تحديد الفواصل بينها، ودور كل منها بشكل مستقل، استناداً إلى القانون الأساسي الذي يجب أن يتحول إلى قاعدة ثابتة، وتقليد راسخ في حياتنا السياسية؛ من أجل تطوير نظامنا السياسي، والحفاظ على حيويته.
وسوف نسعى بكل جهدنا من أجل إحياء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل دورها الوطني؛ باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، ولزيادة الاهتمام بمصالح شعبنا خارج الوطن، وحتى تتبوأ المنظمة دورها القيادي الذي يعزز دور السلطة الوطنية، ويؤكد على وحدة القرار الوطني الفلسطيني، ويحمي البرنامج الوطني الذي صدر عام 1988م وإعلان الاستقلال الفلسطيني.

أيتها الأخوات أيها الإخوة،

إن الطريق لن يكون سهلاً، فأهدافنا لن تتحقق لا بالأحلام، ولا بالمعجزات، ولكن بالعمل الدائم والدؤوب؛ فالتحديات جسام، والاحتلال لا يزال جاثماً على صدورنا. وهنالك من يتربص لإفشال تجربتنا، ولكن الذين يطمحون إلى رؤية هذه التجربة تنجح وتزدهر، هم الغالبية الساحقة في وطننا وشعبنا وعلى نطاق العالم. إن الطريق طويل، ولكنه طريق سنسلكه، وتحدٍ سنقبل به؛ فالبديل أمامنا هو الجمود والتراجع، وهذا بديل لن نرضى عنه أبداً.

لقد كانت فرصة رائعة أن تستعمل المرأة الفلسطينية حقها بالمشاركة في الانتخابات المحلية والرئاسية، وهذه خطوة هامة على طريق تأمين المساواة للمرأة، بما في ذلك ضمان حقها في أن تتبوأ المناصب العليا في مؤسسات السلطة والمجتمع.

لقد ترك لنا رفيق الدرب الراحل أبو عمار إرثاً ينير دربنا ومسيرتنا، إرثاً يذكرنا دائماً بأنه مهما عظمت التحديات ومهما حيكت المؤامرات، فإن إرادة الشعب وثبات العزيمة، والعمل الدؤوب، كفيل بتحقيق الأهداف. وفي خضم عملية التحرر والبناء، لا مكان لليأس أو التخاذل.

إنني أتوجه في هذا اليوم، إلى عائلات الشهداء الأبرار، مؤكداً أننا سنستمر في الوفاء لذكراهم وحماية مستقبل أبنائهم. وسنواصل رعاية الجرحى والمصابين الذين لحقت بهم إعاقات، وكل الذين تضرروا بسبب انتهاكات الاحتلال، من هدم منازل، وتدمير مزروعات، ومختلف أشكال العقوبات الجماعية.

وأتوجه إلى إخوتي الأسرى والمعتقلين خلف القضبان، مؤكداً لهم أن قضيتهم سوف تبقى في مقدمة جهودنا واتصالاتنا على جميع الصعد، وإن فتح أبواب الحرية أمامهم، هو هدف سام لن نتردد في بذل أقصى الجهود من أجل تحقيقه.

كما سوف نعمل على حماية إخوتنا من المناضلين المطاردين والمبعدين، واستيعابهم وتأمين مستقبلهم. ولقد التقيت خلال جولاتي الميدانية في مخيمات اللجوء في الوطن وفي سوريا ولبنان والعالم العربي، التقيت مع أبناء شعبنا، الذين حملونا أمانة همومهم الوطنية والحياتية، والتي ستبقى جزءاً أساسياً من همومنا.

وإذا كنا نرفض التوطين خارج الوطن، فإننا نحرص أيضاً على أن نضمن لشعبنا أينما كان، أفضل ظروف الحياة والعمل، بالتعاون مع الأشقاء في الدول المضيفة.

وفي هذه المسيرة، وأمام كل عقبة تعترينا، وفي وجه كل المصاعب، سأبقى متسلحاً بالثقة الغالية التي منحتموني إياها، متحصناً بإيماني الراسخ، بنضوج وتماسك شعبنا الفلسطيني، بكل فئاته وأطيافه، وعلى اختلاف آرائه ومشاربه، أستلهم القوة والعزيمة من الله عز وجل أولاً، ثم من عدالة قضيتنا ومن ثبات قائدها التاريخي الرمز ياسر عرفات ثانياً، ومن ثقتكم الغالية دائماً. وأتعهد بتكريس كل ما أوتيت من طاقة وجهد وإيمان؛ من أجل وضع حد لمعاناة شعبنا العظيم.

وأود أن أعبر في هذا اليوم، عن تقديرنا الكبير لموقف جميع الدول العربية الشقيقة، وقادتها الذين اتصلوا بنا مؤكدين استمرار دعمهم لشعبنا وسلطتنا الوطنية، في هذه الظروف التي نحتاج فيها إلى مثل هذا الإسناد الأخوي العزيز.
كما أعبر عن التقدير الكبير لموقف وتأييد العديد من قادة العالم، بمن فيهم قادة الدول الأوروبية، والولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا والصين واليابان وقادة الدول الإسلامية والآسيوية والإفريقية ودول عدم الانحياز، ودول أميركا اللاتينية، والأمين العام للأمم المتحدة والمؤسسات الإسلامية والعربية والدولية المختلفة.

إنها ساعة العمل؛ فلنبدأها متكاتفين من أجل الشعب كل الشعب ومن أجل شبابنا وأجيالنا القادمة، الذين هم مستقبل الأمة، وعليهم يتوقف مصيرها، من أجل الحرية والاستقلال، والإصلاح والتطور الديمقراطي.

أيتها الأخوات، أيها الإخوة،

وبهذه المناسبة أؤكد اليوم ثقتي التامة بالأخ أحمد قريع أبو علاء رئيس الوزراء، وأطلب إليه أن يولي موضوع الأمن والانتخابات التشريعية والبلدية وموضوع الإصلاح، كل اهتمام الحكومة. هذا وسنتشاور حول إعادة تشكيل الحكومة حسب القانون الأساسي.

بسم الله الرحمن الرحيم
"ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة. إنك أنت الوهاب".
صدق الله العظيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


كلمة السيد الرئيس أمام قمة شرم الشيخ الرباعية في مصر

8/ 2/ 2005

بسم الله الرحمن الرحيم
سيادة الرئيس محمد حسني مبارك،
جلالة الملك عبد الله الثاني،
السيد رئيس الوزراء أرئيل شارون،
أيها السادة،

أود في البداية أن أعبر عن الشكر والتقدير للرئيس مبارك، ولجمهورية مصر العربية؛ لاستضافة هذا اللقاء، استمراراً للدور المصري الفاعل في رعاية عملية السلام في منطقتنا، كما أشكر جلالة الملك عبد الله لجهوده وجهود المملكة الأردنية الهاشمية في هذا المجال، وأود تهنئة جلالة الملكة رانية بالمولود الجديد الأمير هاشم، وأهنئه كذلك بعيد ميلاده.

اتفقنا ورئيس الوزراء أرئيل شارون على وقف كافة أعمال العنف ضد الإسرائيليين والفلسطينيين أينما كانوا، إن الهدوء الذي ستشهده أراضينا ابتداءً من اليوم، هو بداية لحقبة جديدة؛ وبداية للسلام والأمل.

ما أعلناه اليوم، بجانب أنه يمثل تنفيذاً لأول بنود خارطة الطريق، التي أسستها اللجنة الرباعية؛ فهو أيضاً خطوة أساسية هامة توفر فرصة جديدة كي تستعيد عملية السلام مسارها وزخمها، وكي يستعيد الشعبان الفلسطيني والإسرائيلي الأمل والثقة في إمكانية تحقيق السلام، وأحسب أننا ندرك جميعاً مسؤولياتنا الكبيرة والمشتركة لتعزيز هذه الفرصة وتطويرها، إن ذلك يكون بالسعي السريع لاستعادة روح الشراكة في السلام والمستقبل، وتكريس التبادلية والإقلاع عن الخطوات أحادية الجانب، ويترتب علينا ابتداءً من اللحظة أن نعمل لحماية ما أعلناه بتوفير الآليات الملائمة لضمان التنفيذ.

ما اتفقنا عليه اليوم هو مجرد بداية لعملية جسر الهوة والخلافات بيننا، نختلف على أمور عدة وربما فيها المستوطنات والإفراج عن الأسرى والجدار والمياه وإغلاق مؤسسات القدس ضمن مواضيع أخرى، لن نتمكن اليوم من حل هذه المواضيع بأكملها، ولكن مواقفنا منها تبقى واضحة ثابتة. إن تكثيف جهودنا لتنفيذ الاستحقاقات سيقودنا إلى التزام آخر من التزامات خارطة الطريق، ألا وهو استئناف مفاوضات الوضع النهائي، بهدف إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ العام 1967م للأراضي الفلسطينية، وحل جميع قضايا الوضع النهائي وهي: القدس واللاجئين والحدود والمستوطنات والمياه، وغيرها من القضايا المحفوظة لمفاوضات الوضع النهائي، وذلك حسب المرجعيات المذكورة في خارطة الطريق.

السيد الرئيس،
جلالة الملك،
السيد رئيس الوزراء،

قبل أقل من شهر توجه الشعب الفلسطيني إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية، التي عقدت بعد رحيل الرئيس ياسر عرفات، وفي ممارسته الديمقراطية المشهودة، فإن الشعب الفلسطيني من خلال هذه الانتخابات، أكد تمسكه بخيار السلام العادل، السلام الذي يضع خاتمة أخيرة لعقود من الحروب والعنف والاحتلال، السلام الذي يعني قيام دولة فلسطينية، أو دولة فلسطين الديمقراطية المستقلة، إلى جانب دولة إسرائيل، حسبما جاء في خطة خارطة الطريق.

إنني هنا في مدينة شرم الشيخ، مدينة السلام، أجدد باسم منظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة الوطنية الفلسطينية، تمسكنا بمرجعية عملية السلام، وقرارات الشرعية الدولية، والاتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين حكومة إسرائيل، وبخطة خارطة الطريق، وأؤكد حرصنا على احترام جميع التزاماتنا وتنفيذ كامل استحقاقاتنا، ولن ندخر أي جهد مستطاع لحماية الفرصة الوليدة للسلام، التي يوفرها ما أعلنا عنه هنا اليوم.

إننا نأمل من أشقائنا في جمهورية مصر العربية، والمملكة الأردنية الهاشمية، مواصلة جهودهم الطيبة، وكذلك فإننا ننتظر أن تتولى اللجنة الرباعية الدولية مهامها، لضمان تحقيق تقدم متسارع على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، مع السعي لبذل الجهود لإحياء عملية السلام على المسارين السوري واللبناني، لقد آن الأوان كي يسترد الشعب الفلسطيني حريته واستقلاله، وآن الأوان لأن تنتهي عقود طويلة من المعاناة والعذابات، وآن الأوان أن ينعم شعبنا بالسلام وبالحق في عيش حياة عادية كبقية شعوب العالم، تحت سيادة القانون، تحت سلطة واحدة، وسلاح واحد، وتعددية سياسية، إننا نتطلع اليوم لحلول هذا اليوم في أقرب وقت كي تحل لغة الحوار محل لغة الرصاص والمدفع، وكي يحل فيه التعايش وحسن الجوار بدل الجدار، وكي نقدم لأبنائنا وأحفادنا من فلسطينيين وإسرائيليين غداً مختلفاً واعداً. ها هي فرصة جديدة للسلام تولد اليوم في مدينة السلام، فلنتعاهد جميعاً على حمايتها، حتى تصبح أمنية السلام حقيقة وواقعاً يومياً في هذه المنطقة.

والسلام عليكم


كلمة السيد الرئيس أمام الأسرى المحررين، الذين وصلوا إلى مقر الرئاسة في مدينة رام الله

21/ 2/ 2005

الحمد لله الذي من علينا بلم الشمل، وعودة الأسرى الأبطال إلينا، إلى أهلهم وذويهم ليعيشوا أحراراً، في وطن سيكون إن شاء الله وطناً حراً. نحن سعداء جداً بهذه الكوكبة من المحررين، وهذه أول الغيث إن شاء الله.

تعرفون أن قضية الأسرى، هي قضيتنا الأساسية وعلى رأس أولوياتنا في الحوار الدائر والحديث الدائم والجهد الدؤوب، من أجل إنهاء وجود كل حر وراء قضبان السجن. نحن نعرف أن هذه الدفعة شملت عدداً لا بأس به، قليل من آلاف الأسرى، وعندما خرج أخونا "أبو السكر"، تفاءلنا كثيراً، ولكن طال الزمن وتأخر، فنحن اليوم نستقبل هذه الدفعة، وبعد فترة قصيرة هناك دفعة أخرى، إلا أن الأهم أننا وصلنا إلى اتفاق بتغيير المعايير والمقاييس، ليشمل كل الأخوة إن شاء الله.

نحن نعرف وأنتم تعرفون بأن القضية صعبة، ولكن ما دام هناك جهود مبذولة، وقضية الأسرى على رأس أولوياتنا، نرجو أن تكونوا مطمئنين بأن إخوانكم الذين تركتموهم وراءكم سيلحقون بكم في أقرب وقت ممكن، لن نتوانى إطلاقاً عن بذل كل جهد من أجل أن تنتهي هذه المأساة، ونعتبرها مأساة إنسانية، ومأساة سياسية واجتماعية، يجب أن نقضي عليها ليعود كل فرد إلى أهله. كما رأيت هنا الأطفال يستقبلون آباءهم، وربما يرونهم لأول مرة، حيث اعتقل آباؤهم وهم في بطون أمهاتهم، ولكن مع ذلك الصبر ضروري ومفيد، لكن مع الصبر جهد وعمل وإصرار على عودتهم إلى أهلهم وذويهم.الحمد لله على سلامتكم، وأهنئكم وأهنئ أطفالكم الصغار بعودتكم إليهم، وأهنئ عائلاتكم، وأهنئ شعبنا الفلسطيني العائلة الكبيرة، بالإفراج عن أول دفعة من الأسرى. بالأمس استقبلت أول دفعة من المبعدين إلى غزة وعددهم 55 شخصاً، أعيد منهم 15 شخصاً، وهؤلاء أول دفعة عادت بالأمس بعد أن ودعوا أهلهم في غزة، وإنهاء مأساة إبعادهم، وسنبقى وراء قضيتهم حتى يعودوا جميعاً، وأهنئ المطاردين الأبطال، بأن قضيتهم حلت، ولكن تحتاج إلى وقت فقط ليعيشوا حياة كريمة وآمنة. نحن الآن وإخوانكم الأسرى كلنا مصممون، من أجل تحقيق أهدافنا، وفي مقدمتها إطلاق سراح الأسرى، وعودة المبعدين، وكلها قضايا مهمة، ولكن هناك قضايا الانسحابات من المدن الفلسطينية، وغيرها من القضايا، لنصل إلى الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

 

 

 

 

 

 

 


خطاب السيد الرئيس أمام المجلس التشريعي بمناسبة افتتاحه الدورة العاشرة

رام الله 8-3-2005

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة
والسلام على سيدنا محمد والتابعين
 السيد رئيس المجلس التشريعي المحترم،
الأخوات والإخوة أعضاء المجلس التشريعي الموقر،
حضرات الضيوف الكرام،

 نفتتح اليوم الدورة الجديدة للمجلس التشريعي، وقد احتفلنا بالأمس بيوم الديمقراطية في بلادنا، وهو اليوم الذي شهد عقد أول جلسة لمجلسكم الموقر في العام 1996م، الأمر الذي يتيح لنا القول بكل الفخر والاعتزاز: أننا نعيش هذا العام عام الديمقراطية في فلسطين.

وأود هنا ونحن نحتفل اليوم بيوم المرأة العالمي أن أتقدم بالتهنئة والتقدير للمرأة الفلسطينية في كل مكان، وهي تواصل القيام بدورها البارز في مسيرتنا الوطنية والتنموية.

لقد أثبتت الشهور الأربعة الماضية، والتي تلت رحيل الرئيس الخالد ياسر عرفات، أن الشعب يكون قوياً عندما تكون للقوانين قوة، حيث تصدت جماهير شعبنا ومؤسساتنا، وأنتم في مقدمتها، للمهمة التاريخية، وللأعباء الجسام التي خلقها ذلك الغياب الأليم، فخلال هذه الشهور تمت عملية انتقال سلسة وهادئة ونموذجية للسلطة، وجاءت كتعبير حي عن الوفاء لشهدائنا وجرحانا وأسرانا.

وانطلقت على إثرها ورشة عمل ديمقراطية شاملة، ستؤدي في ختامها إن شاء الله إلى تجديد نظامنا السياسي، بما يليق بهذا الشعب العظيم، وتطلعاته السامية. وبتقدير وإعجاب راقب العالم أجمع جماهير شعبنا وهي تتوجه إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية لتؤكد تأييدها للخيار الديمقراطي، والتعددية، ومبدأ تداول السلطة، وسيادة القانون، والفصل بين السلطات. وجاءت الانتخابات البلدية لتؤكد كذلك تكريس قاعدة الاحتكام لصناديق الاقتراع، ولتعمق الممارسة الديمقراطية في بلادنا.

إن ما قام به مجلسكم الموقر خلال السنوات التسع الماضية من دور تشريعي ورقابي رسخ قواعد متينة للتجربة الديمقراطية الفلسطينية. وإن مداولات مجلسكم ولجانه أسست وأرست ونشرت الوعي بالتقاليد الديمقراطية في أوساط شعبنا، وإن ما شرعتم من قوانين شكل ويشكل البنية التحتية لنهوض وعمل مؤسساتنا.

واليوم، ونحن نفتتح هذه الدورة وهي الدورة الأخيرة لمجلسكم قبل إجراء الانتخابات التشريعية في تموز المقبل، أحسب أن شعبنا ينتظر الكثير منكم، خاصة في مجال سن وإقرار القوانين اللازمة لتدعيم المسار الديمقراطي، وفي مقدمتها قانون الانتخابات، الذي نأمل أن يشكل إضافة جوهرية لتجربتنا، وفي هذا المجال فإنني آمل أن يأخذ مجلسكم الموقر بعين الاعتبار ضرورة العمل على ضمان تمثيل مناسب للمرأة، كي يتاح للمرأة الفلسطينية أن تقوم بدور في حياتنا السياسية، يرتفع إلى مستوى إنجازاتها ونضالاتها في مسيرة العمل الوطني، ويوفر الفرصة لاستفادة المجتمع من قدراتها وكفاءاتها، وكذلك أن يؤخذ بعين الاعتبار ضمان تمثيل أوسع شريحة من شرائح المجتمع الفلسطيني السياسي.

السيد الرئيس،
الأخوات والإخوة أعضاء المجلس الموقر،
أيتها السيدات والسادة،

منذ أن أقسمنا اليمين الدستورية أمامكم في الخامس عشر من كانون الثاني الماضي، ونحن نعمل وبالتعاون الوثيق مع الحكومة ومعكم من أجل تنفيذ برنامجنا الذي نلنا ثقة وتفويض الشعب على أساسه.

ولمّا كان عنواننا الرئيس هو سيادة القانون، وضمان الأمن للمواطن، فقد تحركنا على عدّة مسارات، أردنا الوصول من خلالها إلى إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، والانتقال بوضعنا من دائرة الاستهداف والاتهام إلى موقع المبادرة والمبادأة والهجوم السياسي والدبلوماسي. وقد بادرنا على الفور إلى إجراء حوار مع مختلف الفصائل والقوى بهدف التوصل إلى اتفاق وتوافق وطني، يؤدي إلى "تهدئة" تسمح لنا بنزع الذرائع والمبررات لاستمرار العدوان على شعبنا، وتوفر لجماهيرنا فسحة لالتقاط الأنفاس لتضميد جراحها ولإعادة إعمار ما دُمّر خلال السنوات الماضية.

وبفضل روح المسؤولية العالية لدى مختلف القوى والفصائل، وبفضل التوافق على قاعدة احترام السلطة الواحدة، وسيادة القانون، وإنهاء الفوضى الأمنية، تمكنا من بلورة موقف وطني فلسطيني، سمح لنا بالانتقال إلى موقع المبادرة، وفتح آفاق العمل السياسي لتحقيق أهدافنا العادلة. وهنا لابد من الإشارة إلى لقاء القاهرة في الخامس عشر من هذا الشهر لتعزيز الوحدة الوطنية. وقد أثبتنا التزامنا وجديتنا باحترام تعهداتنا التي تكرّست في تفاهمات "شرم الشيخ" رغم استمرار الاحتلال وقلة الإمكانات. إلا أن التلكؤ الإسرائيلي غير المبرر في تنفيذ التزاماته ما زال مستمراً على صعيد إطلاق سراح الأسرى، وإعادة المبعدين، وضمان أمن المطاردين، وإخلاء مختلف المناطق في الضفة وصولاً إلى العودة إلى أوضاع ما قبل الثامن والعشرين من أيلول 2000م.

كذلك أكدنا لكل من اجتمعنا به قرارنا بمواصلة التحرك وبذل الجهد مع كافة الأطراف الدولية والإقليمية، لدفع إسرائيل لتنفيذ التزاماتها، وبقية الاستحقاقات التي نصت عليها خارطة الطريق، وأهمها وقف النشاطات الاستيطانية التي يشكل جدار الفصل العنصري الآن أبرزها، وكذلك إعادة فتح المؤسسات الفلسطينية المغلقة في القدس المحتلة.

إن التلكؤ الإسرائيلي في تنفيذ الاستحقاقات يشكل تهديداً لما نجحنا في تحقيقه، ويعطي المبررات للمتربصين بعملية السلام برمتها.

وشدّدنا باستمرار على أن الجهد الأمني المنتظر منا يظل قاصراً وعاجزاً، دون مسار سياسي يطلق المفاوضات لتنفيذ استحقاقات خارطة الطريق، وللبدء بمناقشة قضايا الوضع النهائي وصولاً إلى الحل الذي رسمته قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية، ورؤية الرئيس بوش، بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وقيام دولة فلسطين الديمقراطية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، فوق الأراضي التي احتلت العام 67، إلى جانب دولة إسرائيل، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين وفق قرارات الشرعية الدولية.

مع تأكيدنا هنا لرفضنا لفكرة الدولة ذات الحدود المؤقتة. وينبغي لنا أن نلحظ باهتمام أن أداء مؤسساتنا خلال الشهور الماضية قد نقلنا إلى موقع المبادرة، لكسب التأييد، وربما شكل "مؤتمر لندن" علامة فارقة في هذا الاتجاه، فقد اتخذ انعقاده وهدفه، وحتى اسمه، ونتائجه مساراً نوعياً مختلفاً، حيث أشار إلى مرحلة جديدة من التفهم الدولي للموقف الفلسطيني، ومن التبني والدعم لمشاريع وخطط وبرامج السلطة في مختلف مجالات العمل الداخلي، مع تأكيده على المرجعيات المعتمدة لعملية السلام الشامل.

السيد رئيس المجلس،
الأخوات والإخوة أعضاء المجلس الموقر،
السيدات والسادة الحضور،

نستمع كثيراً هذه الأيام للجدل الإسرائيلي الداخلي حول خطة إخلاء قطاع غزة، وهنا فإننا نجدد موقفنا الذي يلقى تفهماً ودعماً دولياً كاملاً، بالتأكيد على جاهزية السلطة لتسلم كافة مسؤولياتها في المناطق التي يجلو عنها الاحتلال الإسرائيلي، و بالإصرار في الوقت نفسه على أن هذا الإنسحاب الذي يجب أن يكون شاملاً في قطاع غزة، ينبغي ألا يمس بأي شكل من الأشكال بالوحدة السياسية والقانونية بين جناحي الوطن في الضفة وقطاع غزة، كما ينبغي أن يكون خطوة مرتبطة عضوياً بمسار الحل الذي يقود إلى إنهاء الاحتلال لجميع الأراضي التي احتلت العام 1967، ومترافقاً بانسحابات إسرائيلية متزامنة في الضفة، ونشدد على رفضنا المطلق لمحاولات إسرائيل تكثيف نشاطها الاستيطاني في الضفة الغربية، تحت ستار الجدل الداخلي حول انسحابها من قطاع غزة. السيد الرئيس،

السيدات والسادة،

خلال الشهرين الماضيين، ومنذ تسلُّمنا لمسؤولياتنا، عملنا على تنفيذ ما طرحناه ونال ثقة الشعب من برامج تؤكد سيادة القانون، والإصلاح، وتوفير الأمن والأمان للمواطن.

وكان توحيد الأجهزة الأمنية وقيامها بممارسة مهامها ومتابعة أدائها، والسعي لضبط الفوضى الأمنية، ووقف التعديات على الأراضي العامة والخاصة، ومواصلة إجراءات الإصلاح الإداري جزءاً من خطة متصلة، نأمل بمواصلة تنفيذها بالتعاون الوثيق مع الحكومة الجديدة برئاسة أخي أبو علاء، التي منحتموها ثقتكم، والتي نتمنى لها كل النجاح والتوفيق في تنفيذ برامجها وأهدافها بالتعاون مع مجلسكم الكريم.

لقد حققنا نجاحات لا بأس بها في هذا المجال، وسنواصل الإيفاء بما التزمنا به مهما كانت العقبات والشوائب وبعض الأحداث التي حاولت تشويه الصورة بقصد أو بدون قصد.

إن الشهور القليلة القادمة التي تسبق إجراء انتخابات المجلس التشريعي تحمل معها مسؤوليات علينا جميعا التصدي لها وأبرزها:

أولا: مواصلة الجهد لتأكيد سيادة القانون، وإنهاء حالة الفوضى الأمنية، وضمان أمن المواطن في ظل سلطة واحدة وسلاح شرعي واحد، وترسيخ توحيد الأجهزة الأمنية، مع تكثيف برامج تأهيلها وزيادة فاعليتها، وإقرار القوانين الخاصة بعملها وصلاحيتها من قبل المجلس التشريعي.

ثانيا: تعزيز الحوار الوطني الداخلي لصياغة توافق وطني، يتأسس على ما أنجزناه في الأسابيع الماضية، ويشكل مدخلاً لمشاركة جميع القوى والفصائل في الحياة السياسية بمختلف أشكالها وأطرها، ويرتبط بهذا مواصلة الإعداد ومن جميع الجوانب لاستحقاق الانتخابات التشريعية المقبلة في موعدها، وكذلك لاستحقاق انتخابات المجالس المحلية. ومتابعة جهودنا لإعادة تفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية.

ثالثا: تنفيذ برامج محددة في الشهور المقبلة لمواصلة تطبيق خطط الإصلاح الإداري والمالي، ورفع كفاءة الجهاز الحكومي.

رابعا: تنفيذ برامج محددة تستهدف خلق فرص عمل جديدة، واستخدام أمثل لمواردنا وللمساعدات العربية والدولية من أجل التخفيف من حدة وتفاقم الوضع الاقتصادي، ولإعادة إعمار ما دمره العدوان الإسرائيلي من مرافق ومساكن ومنشآت زراعية واقتصادية، والسعي لتوفير أوسع مظلة ممكنة من الرعاية الاجتماعية لأسر الشهداء والأسرى وللمواطنين الأكثر تضررا بالأزمة الاقتصادية، وكذلك خلق فرص عمل للجيل الشاب.

وأخيرا، فإنني إذ أعبر مرة أخرى عن تقدير شعبنا للدور التاريخي لمجلسكم في مسيرة الديمقراطية في فلسطين، أتمنى لكم التوفيق في هذه الدورة الجديدة، لمواصلة عملكم الخلاق المبدع في إرساء لَبِنات ودعائم دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

تحية لأرواح شهدائنا الأبرار ولجرحانا ولأسرانا، ولأخواتنا زوجات وأبناء الشهداء والمعتقلين والجرحى في هذا اليوم، خصوصاً أولئك البواسل القابعين خلف القضبان في سجون الاحتلال. تحيةً إلى أهلنا في مخيمات اللجوء والشتات وجميع أماكن تواجدهم.

بسم الله الرحمن الرحيم " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون".. صدق الله العظيم..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

كلمة السيد الرئيس محمود عباس أمام القمة العربية في الجزائر


22/ 3 2005

بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى:" واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا"
صدق الله العظيم

فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة،
رئيس القمة العربية،
أصحاب الجلالة والسمو والفخامة والسيادة،
القادة العرب،
معالي السيد الأمين العام،
السادة أعضاء الوفود،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يسعدني أن أتقدم بالتهنئة إلى فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لتسلمه رئاسة القمة متمنياً له التوفيق، واثقاً من نجاحه الأكيد في هذه المهمة، كما أحيي فخامة الرئيس زين العابدين بن علي رئيس الجمهورية التونسية على رئاسته الناجحة للقمة السابقة. وأيضاً أتقدم بالشكر والتقدير لمعالي السيد عمرو موسى والأمانة العامة لجامعة الدول العربية على عملهم الدؤوب والخلاق لإنجاح أعمال هذه القمة. وأود هنا أن أتقدم بالشكر والتقدير للجزائر رئيساً وحكومة وشعباً على كرم الضيافة وحسن الإعداد. إن انعقاد هذه القمة على أرض الجزائر التي لها في قلوبنا وأفئدتنا جميعاً موقع خاص ومتميز، يزيدنا تصميماً على الخروج بأفضل النتائج التي تتوخاها شعوبنا العربية.

فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة،
رئيس القمة العربية،
أصحاب الجلالة والسمو والفخامة والسيادة،
القادة العرب،

اليوم ونحن نجتمع مجدداً تحت سقف بيت العرب، جامعة الدول العربية، التي نحتفل هذه الأيام بالذكرى الستين لتأسيسها، ندرك أننا نمر في لحظة تاريخية بالغة الأهمية، نواجه فيها جملة من التحديات المصيرية، التي تتطلب منا التوافق على صياغة موقف عربي موحد، وإجابات محددةً على ما يواجهنا من معضلات، واعتماد وسائل وهياكل ومنظومات عمل تكفل تطوير الأداء وتفعيل الجهد المشترك. فأمتنا العربية بتاريخها وبإمكاناتها وبقدرات وطموحــات دولها وشعوبها قادرة بالتأكيد على حماية مصالحها، وتثبيت موقعها المستَحَق، وإسهامها الحضاري المتصل في عالم علينا أن نحسن قراءة متغيراته المتلاحقة.

وانطلاقاً من إيماننا جميعاً بأن قضية الشعب الفلسطيني واسترداد حقوقه المشروعة هي القضية المركزية لدولنا العربية، فإنها بالتالي تشكل وبالتأكيد نقطة توافق حول واحدٍ من أهم مرتكزات إستراتيجية العمل العربي في المرحلة المقبلة .

وإذ تنعقد القمة العربية للمرة الأولى بعد رحيل القائد الخالد الرئيس ياسر عرفات، أود أن أُعبر باسم الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية عن الشكر والتقدير لجميع الإخوة القادة، وللشعوب العربية على ما أبدوه وعبروا عنه من تضامن صادق مع شعبنا الفلسطيني خلال محنته برحيل الرمز والقائد أبي عمار، الذي كان وعلى مدى عقود أحد أركان ودعامات التضامن والعمل العربي المشترك.

وخلال الشهور الخمسة الماضية استطاع شعبنا الفلسطيني أن يجدد عزيمته ويثبت تماسكه ووحدته، فقدم عبر هيئاته الدستورية ومؤسساته وجماهيره نموذجاً مشرفاً للانتقال الديمقراطي والهادئ للسلطة، وباشر على الفور عاماً متصلاً من الاستحقاقات الانتخابية، دشنه بالانتخابات الرئاسية ثم المحلية، وسيواصله بالانتخـابات التشريعية في شهر تموز "يوليو" القادم.

وقد عبر شعبنا الفلسطيني بمشاركته الواسعة في هذه الاستحقاقات عن تمسكه بالخيار الديمقراطي، وجدارته وقدرته على بناء كيان وطني يليق بتضحياته وطموحاته، كما عبر أيضاً عبر الانتخابات الرئاسية عن تمسكه بحقوقه الوطنية الثابتة، وبخيار السلام العادل، وبما طرحناه من برنامج للعمل الداخلي، يؤكد على سيادة القانون والإصلاح والتعددية السياسية، وتوفير الأمن والأمان للمواطن في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية. وخلال الشهور الماضية عملنا بدأب على عدة أصعدة وفق رؤية محددة تستهدف نقل القضية الفلسطينية إلى موقع الفعل والمبادرة بالهجوم السياسي والدبلوماسي والإعلامي، ونزع الذرائع التي يتسلح بها الجانب الإسرائيلي لمواصلة عدوانه وحملات التدمير والقتل والحصار. وباشرنا العمل على إفشال التشويه المتعمد لنضالنا الوطني، وإحباط المحاولات المحمومة التي أرادت استعداء العالم ضد حقوقنا، ووصم نضالنا التحرري ومقاومتنا المشروعة بالإرهاب.

وبفضل التحلي بأعلــى درجات الإحساس بالمسؤولية توافقت الفصائل والقوى الفلسطينية تحت مظلة منظمة التحرير والسلطة الوطنية على خطوات محددة للتهدئة، تدعم هذه الرؤية التي تنزع الذرائع الإسرائيلية، وتخدم المصالح الوطنية العليا لشعبنا. وقد تكرس هذا النهج في مؤتمر الحوار الوطني الناجح، الذي استضافته واحتضنته طيلة السنوات الأربع الماضية وساهمت في إنجاحه جمهورية مصر العربية، وتوج هذا المؤتمر بإعلان القاهرة.

وقد حظيت نجاحات شعبنا في أداء وممارسة الاستحقاقات الديمقراطية وفي اعتماد موقف موحد بالتهدئة بالتقدير الكبير من قبل المجتمع الدولي، حيث وبمبادرة من السيد "توني بلير" رئيس الوزراء البريطاني عقد مؤتمر لندن لدعم السلطة الوطنية الفلسطينية بمشاركة دولية وعربية واسعة، وصدرت عن المؤتمر قرارات هامة بتقديم الدعم السياسي والاقتصادي للشعب الفلسطيني لإعادة بناء ما دمره الاحتلال الإسرائيلي. وقد سبق ذلك ونتيجة لانتقالنا إلى موقع المبادرة السياسية للتحرك نحو تنفيذ الاتفاقات، أن بادر فخامة الرئيس محمد حسني مبارك بعقد قمة شرم الشيخ وبحضور جلالة الملك عبد الله الثاني والتي أكدت على خطوات إيجابية عدة طبق بعضها ولا زال البعض يخضع للتلكؤ الإسرائيلي.

وهنا نود أن نؤكد أمام مجلسكم الكريم أن مواصلة إسرائيل لسياسة الاستيطان، وبناء جدار الفصل العنصري، على الرغم من الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية،  وإحكام حصار القدس بالمستوطنات والجدار، واحتجاز آلاف الأسرى، تهدد بتدمير فرص إحياء عملية السلام. ونؤكد أيضا على أن يكون تنفيذ الالتزامات متبادلاً. ونشدد على أن ما نقوم به من جهود أمنية يتطلب إحياءً فورياً لمسار سياسي يعيدنا إلى طاولة المفاوضات، لتنفيذ أهداف عملية السلام، وخطة خارطة الطريق.

فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رئيس القمة العربية،
أصحاب الجلالة والسمو والفخامة والسيادة،
القادة العرب،

إن شعبنا الفلسطيني إذ يستمر في تدعيم وحدته الوطنية في إطار منظمة التحرير والسلطة الوطنية، وإذ يواصل برامج الإصلاح والبناء الداخلي، فإنه يؤكد على القضايا الأساسية التالية:

أولاً: أننا متمسكون بخيار السلام، كخيار استراتيجي، وباعتماد المفاوضات والوسائل السلمية للوصول إلى تسوية دائمة بيننا وبين الإسرائيليين. وإن التسوية الدائمة والشاملة التي نسعى إليها هي التي تؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لجميع الأراضي التي احتلت العام 67، كي نقيم عليها دولة فلسطين المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، ولحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين حلاً عادلاً ومتفقاً عليه وفق القرار 194، إنها التسوية التي تنفذ قرارات الشرعية الدولية، وتستند لمرجعية عملية السلام، ورؤية الرئيس الأمريكي جورج بوش، ولمبادرة السلام العربية التي أقرتها القمة العربية في بيروت العام 2002م، ومن ثم تجسدت في قرار مجلس الأمن 1515، والتي نثق أن قمتنا ستعيد التأكيد عليها كبرنامج عربي للسلام على المسارات الفلسطينية والسورية واللبنانية.

وهنا أود أن أستأذن مجلسكم الموقر بالتقدم باقتراح يرمي إلى تنشيط الاهتمام العالمي بمبادرة السلام العربية، وتعزيز المواقف الإيجابية التي صدرت عن الرئيس الأمريكي بوش، بشأن ضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلة ومتصلة وقادرة على الحياة. ويتجسد تحديداً بقرار يتخذه مجلسكم الكريم بأن يقوم وفد رئاسي عربي بزيارة واشنطن، للتباحث مع الرئيس الأمريكي حول الحاجة الماسة والملحة إلى دور أمريكي فاعل، يترجم أقوال ومواقف الرئيس الأمريكي إلى أفعال وخطوات، ويسهم بشكل عملي في إيجاد الآليات التي تؤدي إلى تنفيذ خارطة الطريق ومبادرة السلام العربية، حيث أن الوقت ثمين والفرصة سانحة. كما نرى أن يقوم الوفد بجهد مماثل مع باقي أطراف اللجنة الرباعية. وفي هذا السياق نؤكد على أهمية التوجه الفوري نحو طاولة مفاوضات الوضع النهائي، لإنجاز حل شامل ينفذ قرارات الشرعية الدولية.

ثانياً: إن السلطة الوطنية على استعداد لبسط سيادتها وممارسة مهامها ومسؤوليتها فوق أي أرض فلسطينية تجلو عنها قوات الاحتلال الإسرائيلي، وفي نفس الوقت نؤكد على أن أي انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة تطرحه أو تنفذه إسرائيل يجب أن يكون كاملاً، وأن يكون خطوة في سياق تطبيق خارطة الطريق. كما أن هذا الانسحاب يجب ألا يمس بالوحدة القانونية والسياسية بين الضفة والقطاع باعتبارهما وحدة جغرافية واحدة.

ثالثاً: إننا نؤيد التوجهات الرامية إلى تفعيل دور الجامعة العربية، كبوتقة تنصهر داخلها جميع الجهود التي تسعى إلى توحيد كلمة العرب، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً في عصر التكتلات الكبيرة والتجمعات العملاقة.

ونحن في هذا المجال نقف إلى جانب المقترحات التي تجسد السعي إلى إدخال التعديلات الدستورية على آلية اتخاذ القرارات داخل مؤسسات الجامعة العربية، كما نتطلع إلى قيام البرلمان العربي أسوة بشعوب أخرى وخاصة الأوروبية وذلك من أجل إتاحة الفرصة للإرادة الشعبية العربية لتسهم في تعزيز وحدة وطننا العربي.

رابعاً: إننا في فلسطين، نتابع بقدر كبير من الاهتمام، ما يدور حولنا وخاصة في البلدين الشقيقين لبنان والعراق.

وأؤكد هنا أمامكم، وباسم الشعب الفلسطيني، وخاصة تلك الشريحة المقيمة على أرض لبنان، بأننا لن نكون تحت أي ظرف إلا ضيوفاً على هذا البلد الحبيب، الذي أعطى الكثير للقضية الفلسطينية، وتحمل التضحيات الجسام من أجلها، إننا نؤكد لأشقائنا في لبنان رفضنا المطلق للتوطين، فلبنان لأهله ونتمنى له كل الخير.

وبالنسبة للعراق، فإننا كفلسطينيين، لن ننسى تضحيات الشعب والجيش العراقي من أجل فلسطين، وعلى أرض فلسطين. لذلك ونحن نشعر بالألم لكل قطرة دم تسيل على أرض هذا البلد الشقيق، ندعو الله أن يحفظ العراق ديمقراطياً موحداً، وأن يعود سنداً قوياً لكل قضايا أمته العربية. كما وأننا من هذا المنبر نؤكد إدانتنا الكاملة للإرهاب بكافة أشكاله، وبشكل خاص ما تتعرض له بعض الأقطار العربية الشقيقة.

فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رئيس القمة العربية،
أصحاب الجلالة والسمو والفخامة والسيادة،
 القادة العرب،

لقد خلّفت الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد شعبنا خلال السنوات الماضية حالة واسعة من التدمير للبنية التحتية والمرافق الاقتصادية المختلفة، وهدم البيوت ومصادرة الأراضي لصالح بناء المستوطنات والجدار العنصري، إن هذا كله ألحق أضراراً كارثية باقتصادنا الوطني، ووسع دائرة الفقر، ودائرة العاطلين عن العمل. كما خلّف هذا العدوان آلاف الشهداء والمعاقين والجرحى والأسرى.

إن ما أقرته القمم العربية من دعم مادي لسلطتنا وشعبنا خلال السنوات الماضية لعب دوراً حاسماً في تعزيز صمود شعبنا الفلسطيني، وفي تفادي انهيار اقتصادي واجتماعي شامل. وشعبنا لن ينسى أبداً هذا الإسهام الثمين من إخوانه العرب وهو يدافع عن وجوده في الأرض المقدسة، وفي القدس الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. ومع ثقتنا الأكيدة بأن أشقاءنا سيواصلون تقديم هذا الدعم، فإننا وبسبب هذه الظروف الاستثنائية نتطلع إلى المزيد لأن شعبنا في حاجة ماسة لها.

وفي الختام أؤكد الثقة بقدرتنا على الخروج من اجتماعنا هذا بقرارات وبرامج عمل واستراتيجيات ُتدشن مرحلة جديدة من العمل العربي المشترك، تتعامل بإقتدار وحكمة مع ما يواجه امتنا من تحديات. وفقنا الله جميعاً لما فيه مصلحة شعوبنا وأمتنا العربية المجيدة.

بسم الله الرحمن الرحيم
"كنتم خير أُمة أُخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله"
صدق الله العظيم.

كلمة السيد الرئيس له أمام اجتماع اللجنة المصرية للتضامن المنعقدة في القاهرة


16-4-2005

الأخ المناضل أحمد حمروش،
رئيس اللجنة المصرية للتضامن
الأخوات والإخوة،

يسعدني في مستهل هذه الكلمة، أن أتوجه بالتحية لكم وللإخوة في اللجنة المصرية للتضامن، كما أحيي مصر الشقيقة رئيساً وحكومة وشعباً، معبراً عن الاعتزاز الكبير، لما تولونه من اهتمام، وتبذلونه من جهد، وتقدمونه من دعم، نأمل أن يستمر ويتكثف لقضية شعبنا ونضاله العادل، تجسيداً لدور مصر القومي، وللمبادئ والقيم النبيلة التي كرسها مؤتمر "باندونغ".

ويهمني في هذا المقام، أن أؤكد لكم باسم شعبنا الفلسطيني، وسلطته الوطنية، وباسم منظمة التحرير الفلسطينية، أن شعبنا يسجل لدول وشعوب المنظومة الأفرو- آسيوية، ولحركة عدم الانحياز، ما قدمته وتقدمه من دعم وتضامن صادق لنصرة قضيته ونضاله العادل، وما تتبوؤه قضيتنا من مكانة مرموقة متميزة، وتحظى به من اهتمام ورعاية وتأييد في كافة الميادين والمجالات، وفي كل الأوقات والظروف. إن ذلك الدعم والتأييد، وتلك المواقف الصلبة الثابتة، شكلت رافداً أساسياً يمد نضال شعبنا بعناصر القوة والإسناد، لانتزاع حقوقه الوطنية الثابتة، وتحقيق استقلاله الوطني، وقيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

واليوم، ونحن نحتفل بالذكرى الخمسين لانبعاث الحركة على يد القادة العظام في آسيا وإفريقيا، نحتفل بمرور خمسين عاماً على انعقاد مؤتمر "باندونغ" الذي شهد ميلاد الحركة بمشاركة تسع وعشرين دولة، بينما يزيد عدد أعضائها الآن عن مائة وست عشرة دولة، إنما لنؤكد بأن المبادئ والأهداف الأساسية التي تأسست عليها الحركة وجسدت إطاراً لتفاعل التضامن والإرادة الجماهيرية من خلال منظمة التضامن الأفرو- آسيوي، لم تزل فياضة بالقيم والمثل والمعايير التي تجسد ضمير الإنسانية مهما تغير الواقع الدولي.

الأخوات والإخوة،

إنني على يقين أنكم تتابعون وباهتمام التطورات الجارية على الساحة الفلسطينية، وخاصة في هذه الظروف التي يجتاز فيها شعبنا الفلسطيني مرحلة جديدة ودقيقة في مسيرته النضالية بعد رحيل قائده التاريخي المغفور له ياسر عرفات، سواء على صعيد إعادة البناء الداخلي أو إعادة توجيه مسار النضال الوطني لشعبنا بما يعزز من فعاليته.

لقد أكد شعبنا الفلسطيني وحدته وتماسكه، وقدرته على مواصلة مسيرته، وجدارته في تجسيد استقلاله، وبناء دولته، من خلال ذلك النموذج المتميز، الذي قدمه للعالم بوعي واقتدار، ومسؤولية، بالانتقال الديمقراطي المنظم والهادئ للسلطة، عبر هيئاته الدستورية، مخيباً مراهنات الكثيرين من أعداء شعبنا والمتربصين به، ومؤكداً في نفس الوقت على خياراته الاستراتيجية في تحقيق السلام وممارسة الديمقراطية، والتمسك بثوابته الوطنية.

وفي هذا الاتجاه، فقد انطلق مسار إعادة البناء على أسس ديمقراطية، بإجراء الانتخابات الرئاسية، في الوقت الذي تتواصل فيه عملية الانتخابات المحلية، وننتظر إجراء الانتخابات التشريعية بعد أشهر قليلة، كما شرعنا بعملية إصلاح شامل لكل مكونات حياتنا السياسية على أسس وطنية ديمقراطية، وبمفهوم سياسي وبرنامج عمل، يلتقط مؤشرات الوضع الإقليمي والدولي الراهن، ويحافظ على مصالح شعبنا، ويعزز من قدرته على الصمود، ويضاعف من إمكاناته على تحقيق أهدافه، ويحفظ أمنه واستقراره تحت سلطة واحدة، وتعددية سياسية، ومشاركة مسؤولة لتجديد هياكلنا وبنانا السياسية والتنظيمية، بما فيها أُطر منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا، وسائر أُطر هياكل السلطة الوطنية الفلسطينية.

ويأتي ذلك كله في سياق ممارسة جماعية لحق شعبنا في تقرير مصيره الوطني والديمقراطي، وذلك ما جسدته نتائج الحوار الوطني الفلسطيني، الذي توج قبل فترة وجيزة بإعلان القاهرة، الذي أكد وحدة الصف الفلسطيني، وتوافق كافة الفصائل والقوى الفلسطينية، تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة الوطنية الفلسطينية على خطوات محددة، لتحقيق المشاركة السياسية والتهدئة الميدانية، التي تنزع الذرائع الإسرائيلية لمواصلة العدوان الغاشم على شعبنا، والتشويه المتعمد لنضاله المشروع.

وضمن هذه الرؤية المحددة المرتكزة إلى خدمة المصالح الوطنية العليا لشعبنا، فإننا نواصل العمل ونضاعف الجهد، لإعادة الإمساك بزمام المبادرة، والانتقال إلى دائرة الفعل المؤثر سياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً، بما في ذلك وضع حد للعدوان الإسرائيلي، وإحياء فرص السلام التي تعيدنا إلى طاولة التفاوض، والبدء بتطبيق خطة السلام الدولية ممثلة بخريطة الطريق، حيث شرعنا بتنفيذ ما يخصنا من التزامات بموجب تلك الخطة، وقطعنا شوطاً هاماً في هذا المجال.

ولكن، وفي نفس الوقت الذي نؤكد فيه حرصنا واستعدادنا لتحمل كافة المسؤوليات، وتطبيق كافة الالتزامات المتعلقة بنا، فإن على الجانب الإسرائيلي أن يقوم بدوره بتحمل مسؤولياته والإيفاء بالتزاماته، طبقاً لما نصت عليه خطة خريطة الطريق بصورة تبادلية تزامنية.

لقد مثلت قمة شرم الشيخ الخطوة الأولى بهذا الاتجاه، ورغم نتائجها المتواضعة، إلا أننا مازلنا ننتظر أن يتجاوز الموقف الإسرائيلي حالة التردد والتلكؤ التي تعتريه، وينفذ ما تم الاتفاق بشأنه تعزيزاً للثقة ولمبدأ التبادلية، وبما يفتح المجال أمام خطوات أوسع في نطاق تطبيق خريطة الطريق، وصولاً لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م.

إن استمرار المراوغة والتسويف الإسرائيلي، إلى جانب الكثير من الممارسات الميدانية العدوانية، خاصة على صعيد جدار الفصل والاستيطان، والتمادي في سياسة الإغلاق وتقطيع الأوصال والعقاب الجماعي والاعتقال، لن تبقي على جذوة الأمل، ولا تخدم استئنافاً حقيقياً جدياً لعملية السلام.

إن عملية السلام بحاجة ماسة لتحقيق تقدم نوعي يسهم فعلياً في ترسيخ العودة إلى مسارها وتدرجها المتلاحق السريع المتكامل، بما يفضي إلى الخوض في قضايا الوضع النهائي، بموجب خطة خريطة الطريق، وخاصة ما تضمنته الخطة من إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، بزوال الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ عام 1967م، وحل قضية اللاجئين حلاً عادلاً متفقاً عليه، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.

الأخوات والإخوة،

وعلى ضوء ما تقدم، فنحن أحوج ما نكون لمضاعفة جهودكم وتحركاتكم، لإسناد ودعم هذا التوجه، وهذه المبادرات الفلسطينية، وما أحوجنا لتضافر الجهود المشتركة على كافة المستويات الرسمية والأهلية، وتكثيفها لتوفير مناخ دولي ضاغط بصورة جدية ومؤثرة، سريعة وفعالة، للبدء بتطبيق خطة السلام الدولية، ممثلة بخريطة الطريق، لتمكين شعبنا من ممارسة حقه المشروع في تقرير مصيره وبناء دولته، ولمساعدة شعبنا في إعادة بناء ما تسبب فيه العدوان الإسرائيلي من دمار هائل، إلى جانب الخسائر البشرية والمادية الفادحة، ولمساعدة شعبنا في تحقيق خياره الحر بالسلام، وبناء الدولة المستقلة ذات السيادة الكاملة على أسس متينة من الحرية والديمقراطية.

كلنا ثقة بأنكم لن تدخروا أي جهد لنصرة قضية شعبنا، التي هي قضيتكم، قضية الأمة العربية والإسلامية، قضية التضامن الأفرو- آسيوي وعدم الانحياز الأساسية، قضية العدالة والإنسانية الحقة جمعاء.
وأخيراً، وإذ أكرر لكم أطيب تحياتي، شاكراً لكم دعوتكم الكريمة، لأرجو لكم كل التوفيق في تحقيق الهدف النبيل الذي تجتمعون من أجله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة السيد الرئيس أمام القمة العربية- الأمريكية اللاتينية في البرازيل

10-5-2005

فخامة الرئيس لويس ايناسيو لولا داسيلفا، رئيس القمة ورئيس جمهورية البرازيل،
أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة والسمو،
قادة الدول الأميركية الجنوبية والعربية،
السيدات والسادة الحضور الكرام،

إن هذه القمة العتيدة هي حدث تاريخي في العلاقات الدولية، بفضل المبادرة الكريمة من الرئيس لولا داسيلفا للدعوة لهذه القمة، والجهود المخلصة التي بذلها لالتئامها في العاصمة برازيليا. إننا نعبر عن عميق شكرنا وامتنانا للرئيس لولا وحكومته وشعب البرازيل على احتضان هذه القمة الأميركية الجنوبية-العربية، التي نحرص جميعاً على أن تخرج بقرارات وبرامج وخطط تعزز علاقاتنا في مختلف المجالات السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.

فخامة الرئيس لولا،
القادة والرؤساء،

إن مشاركتنا باسم وطننا فلسطين في هذه القمة، إنما تجسد عمق العلاقات والروابط بين وطننا فلسطين وكافة بلدان أميركا الجنوبية وفي المقدمة جمهورية البرازيل، واسمحوا لي هنا أن أتوجه بالشكر والتقدير والامتنان لكافة دول وشعوب أمريكا الجنوبية، التي وقفت دائماً وأبداً على المستوى الدولي مع القضية العادلة للشعب الفلسطيني، ومع حقه المشروع في التخلص من الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف.

فخامة الرئيس لولا،
القادة والرؤساء،

إن الشرق الأوسط وبؤرته قضية فلسطين لازال يعاني من عدم الاستقرار، وفقدان الأمن، والعنف من جراء عدم الانصياع الإسرائيلي لقرارات الشرعية الدولية التي وقفت دولكم الصديقة إلى جانبها على مدى عقود.

إن الاحتلال الإسرائيلي لأرضنا الفلسطينية يشكل أكبر تهديد للأمن والاستقرار والسلام في الشرق الأوسط، وقد حان الوقت للشرعية الدولية وقراراتها أن تأخذ طريقها إلى التطبيق، وتأمين الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، التي نصت عليها وأكدتها المرة تلو المرة القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي.

لقد بادرنا كما تعلمون إلى اتخاذ قرارات هامة لتهيئة الظروف لاستئناف عملية السلام، فأعلنا وقف إطلاق النار، واتفاق التهدئة والهدنة، ووافقنا على تفاهمات شرم الشيخ وباشرنا تنفيذها، ولابد للجانب الإسرائيلي أن ينفذ بدوره الاستحقاقات المترتبة عليه، بوقف الاستيطان، وبناء الجدار، والانسحاب من المدن، وإطلاق سراح الأسرى من السجون الإسرائيلية. وقد أبلغنا الجانب الإسرائيلي واللجنة الرباعية المسؤولة عن تنفيذ خطة خارطة الطريق استعدادنا للتنسيق المشترك للانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وأجزاء من شمال الضفة في إطار التنفيذ الإسرائيلي لخطة خارطة الطريق، وبإشراف السيد جيمس ولفنسون ممثل اللجنة الرباعية.

إننا جادون في التوصل إلى السلام العادل، وإلى الأمن والتعايش مع إسرائيل، على أساس الانسحاب الإسرائيلي الكامل من جميع الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة عام 67. وقد تبنت القمة العربية الأخيرة في الجزائر مبادرة السلام الشامل العربية التي أصدرتها قمة بيروت.

وكما ترون فإن الظروف مهيأة والفرصة سانحة لإحلال الأمن والسلام والاستقرار في الشرق الأوسط، بعيداً عن الاحتلال والأطماع التوسعية التي لن تجلب لإسرائيل الأمن والسلام.

وأتوجه باسم الشعب الفلسطيني لقمتكم العتيدة للعمل على المستويات كافة لدفع عملية السلام إلى الأمام، وإنهاء هذا الصراع المرير في فلسطين والشرق الأوسط على أساس حل الدولتين، دولة فلسطين، ودولة إسرائيل، لتعيشا معاً في أمن وسلام وجوار حسن.

فخامة الرئيس لولا،
القادة والرؤساء،

إننا نثمن عالياً المبادرة الشجاعة التي أطلقها الرئيس لولا لمحاربة الجوع، بالاشتراك مع المملكة الإسبانية وجمهورية تشيلي، ونعتبرها جديرة باهتمام هذه القمة لمتابعتها على المستوى الدولي للقضاء على الفقر والجوع والمرض في العالم كله وخاصة لدى شعوب ودول الجنوب، ولابد لحوار الشمال والجنوب أن يولي هذه القضية اهتماماً خاصاً لوضع حد للمجاعة التي يسببها الجفاف في مناطق كثيرة في الجنوب.

واسمحوا لي أن أعبر عن اعتزازنا بالتقدم العلمي والتكنولوجي في البرازيل والدول الأميركية الجنوبية، وكذلك الدور المتنامي والقيادي الذي تضطلع به جمهورية البرازيل على المستوى الإقليمي والدولي، والذي يعزز التعاون الدولي في مختلف المجالات وقضية الأمن والسلام الدوليين.

أشكركم على حسن استقبالكم، وضيافتكم الكريمة، وأتمنى المزيد من التقدم لشعب البرازيل وشعوب القارة الأميركية-الجنوبية.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

 

 

 

كلمة السيد الرئيس أمام جلسة خاصة لمجلس النواب التشيلي

12-5-2005

السيد رئيس البرلمان المحترم،
السيدات والسادة النواب الكرام،

أشكركم جزيل الشكر على دعوتكم الكريمة لي لمخاطبة هيئتكم التشريعية الموقرة، التي تجسد في وطنكم العزيز الديمقراطية الحقيقية لشعبكم العريق. إننا في فلسطين نعتز كل الاعتزاز بالعلاقات التاريخية والحضارية والإنسانية بين الشعبين التشيلي والفلسطيني، حيث يحتضن وطنكم العزيز أكبر جالية فلسطينية في العالم.

وإننا نعبر لكم عن شكرنا وتقديرنا وامتناننا للّفتة الكريمة من مجلسكم لروح ذكرى رئيسنا القائد الشهيد ياسر عرفات، إن هذا التكريم يعبر عن تقديركم وعن دعمكم لشعبنا الفلسطيني، الذي يطمح لاستعادة أرضه، وبناء دولته الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف.

السيد الرئيس،
السيدات والسادة النواب،

إن الأمل في الأمن والسلام والاستقرار في وطننا فلسطين وفي الشرق الأوسط يلوح في الأفق، بفضل كافة الجهود والمبادرات الدولية والإقليمية، والتي سعت وتسعى لإحلال الأمن والسلام بيننا وبين جيراننا الإسرائيليين، على أساس تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، واحترام حقوق الإنسان، وقد تبلورت هذه الجهود العربية والدولية بمبادرة السلام العربية، وبخطة خارطة الطريق التي تتولى تنفيذها اللجنة الرباعية الدولية، وقد قمنا من جانبنا بإعلان الهدنة والتهدئة، والتي هيأت الأجواء والظروف لعقد قمة شرم الشيخ، حيث اتفقنا على تنفيذ استحقاقات متبادلة، ونواصل اتخاذ الإجراءات والخطوات التي تعزز جهود السلام وتبني جسور الثقة بين الجانبين، ونأمل من الجانب الإسرائيلي أن ينفذ من جانبه ما تعهد بتنفيذه، وخاصة الانسحاب من المدن، ورفع الحواجز، وإطلاق سراح الأسرى، ووقف بناء الجدار والمستوطنات في أرضنا.

إننا جادون في مساعينا نحو تحقيق السلام العادل والدائم بيننا وبين الإسرائيليين، وفي منطقة الشرق الأوسط كلها، إن العالم كله يتطلع إلى إنصاف الشعب الفلسطيني، وتمكينه من بناء دولته الفلسطينية المستقلة، والفرصة مهيأة أكثر من أي وقت مضى لتطبيق خطة خارطة الطريق ورؤية الرئيس بوش لحل الدولتين، دولة إسرائيل ودولة فلسطين تعيشان جنباً إلى جنب في أمن وسلام وجوار حسن.

السيد الرئيس،
السيدات والسادة النواب الكرام،

إنني باسم الشعب الفلسطيني، أشكركم وأشكر الدولة الصديقة تشيلي رئيساً وحكومةً وشعباً على مواقفها في الأمم المتحدة وخارجها، لدعم القرارات الدولية التي تحمي وتصون حقوقنا الوطنية في وطننا فلسطين، وتؤكد على حق شعبنا في إقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف. ونتطلع إلى تعزيز علاقاتنا الثنائية على كافة المستويات المحلية والدولية، وكلنا ثقة أن بلدكم الصديق سيواصل دعمه ومساندته لشعبنا الفلسطيني، حتى يتحقق الأمن والسلام لشعبنا ولجميع دول المنطقة.

أشكركم والسلام عليكم.

 

 

 

كلمة السيد الرئيس إلى جماهير شعبنا بالذكرى الـ "57" للنكبة

 رام الله 15-5-2005

 يا جماهيرنا الفلسطينية الصامدة في الوطن والمخيمات والشتات
 أيها اللاجئون الفلسطينيون خارج وطنهم وفي وطنهم
 أيتها الأخوات أيها الأخوة،

يصادف اليوم الذكرى السابعة والخمسين للنكبة الكبرى التي أصابت وطننا وشعبنا في عام 48، إن يوم الخامس عشر من أيار من كل عام هو يوم النكبة، الذي لن ينساه شعبنا ولن تنساه الأجيال، لأنه يوم لا مثيل له في التاريخ المعاصر، ففيه تمت جريمة اقتلاع شعب من وطنه، وتدمير كيانه، وتشريده في كل بقاع الدنيا، وفرضت النكبة والكارثة على شعبنا أن يعيش في المخيمات، وسط الإحباط والبؤس والفقر والمرض، وأن يفقد اللاجئ هويته الوطنية.

أيها الصامدون في مخيمات اللجوء والمنفى، إن قضية فلسطين، قضيتنا المقدسة، هي قضية وطن وشعب وأرض ولاجئين، ولا بد للأسرة الدولية أن تدرك خطورة بقاء ملايين اللاجئين الفلسطينيين مشردين خارج وطنهم فلسطين بلا أمل وبلا مستقبل.

إن الفلسطينيين لهم وطن اسمه فلسطين، يحمل تاريخ آبائهم وأجدادهم، ورغم مرور الزمن فالفلسطيني لا ينسى وطنه، ولا شيء في هذه الدنيا يعدل الوطن، ففلسطين وطننا الذي لا وطن لنا سواه.

أيتها الأخوات أيها الإخوة،
في كل مكان،

إن شعبنا الفلسطيني لم يرضخ للظلم والقهر والاضطهاد الذي لحق بنا في عام 48، بل عرف العالم أن هذا الشعب الأبي لا يمكن أن يقبل بهذا الظلم التاريخي الذي أصابه، وبسبب صلابة هذا الشعب وصموده في وجه مؤامرات التوطين والاحتواء والقهر وطمس الهوية وشطب شعبنا من خارطة الشرق الأوسط، لم يسقط وطننا، ولم تسقط قضيتنا كما أراد لها الطامعون والتوسعيون.

إن أكثر من خمسين عاماً قد مرت، والأجيال الفلسطينية تسلم الراية المرفوعة جيلاً بعد جيل، واليوم تحتل قضيتنا "قضية الوطن وقضية الشعب وقضية اللاجئين" مركز الاهتمام العربي والدولي، فالسلام والأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط رهن بإيجاد الحل العادل لقضيتنا العادلة، الحل الذي يقوم على قرارات الشرعية الدولية، التي أكدت على حق شعبنا في إقامة دولته الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، وعلى إيجاد حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفق القرار الدولي 194، وكما نصت مبادرة السلام العربية التي أقرت في قمة بيروت، وتم التأكيد عليها في قمة الجزائر الأخيرة.

إن منظمة التحرير الفلسطينية متمسكة بالحقوق الوطنية الثابتة وغير القابلة للتصرف لشعبنا الفلسطيني، ولا بد أن يعلم الجميع أن شعبنا وأهلنا في المخيمات يرفضون اليوم كما رفضوا بالأمس البعيد والقريب التوطين بكافة أشكاله، ولهذا نؤكد للدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين، أن وجود اللاجئين في هذه الأقطار هو وجود مؤقت، إلى أن يحين الوقت الذي يجري فيه تطبيق قرارات الشرعية الدولية.

إننا نتوجه بالشكر والتقدير لكافة الدول والحكومات التي تستضيف أبناء شعبنا في أراضيها وضمن قوانينها المرعية وسيادتها الوطنية، وما نأمله أن يتمتع اللاجئون الفلسطينيون بحقوقهم المدنية، وفي مقدمتها حق العمل والتنقل، من أجل تأمين لقمة العيش الكريم لأهلنا.

إن منظمة التحرير الفلسطينية تعمل حثيثاً لتوفير الخدمات التعليمية والصحية والحياتية لأهلنا في المخيمات، وخاصة لأسر الشهداء والجرحى والأسرى، والمنظمة تعمل على إحياء وتفعيل الدوائر العاملة في خدمة اللاجئين الفلسطينيين، ولهذا الغرض يقوم الأخ أبو الأديب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني بصفته رئيس اللجنة العليا لتفعيل المنظمة ودوائرها بإجراء الاتصالات واللقاءات مع كافة القوى والفصائل ومع شرائح شعبنا المختلفة في المخيمات والشتات لوضع الخطط والبرامج الكفيلة بالنهوض بمنظمة التحرير الفلسطينية، لمواصلة دورها في قيادة شعبنا، وتأمين الخدمات الحيوية لأهلنا. وسوف ندعو المجلس المركزي الفلسطيني في أقرب وقت للمصادقة على خطة تفعيل المنظمة ودوائرها، وبعد ذلك بإذن الله سندعو المجلس الوطني الفلسطيني إلى عقد دورة جديدة للتأكيد على حقوقنا الوطنية.

أيتها الأخوات أيها الإخوة،
في كل مكان في الوطن والشتات،

في يوم ذكرى النكبة نجدد العهد والقسم لكل أبناء شعبنا الفلسطيني في الوطن والشتات والمخيمات، إننا على العهد والقسم، عهد الوفاء لجميع حقوقنا الوطنية الثابتة.
المجد والخلود للشهداء الذين رووا بدمائهم أرض الوطن في سبيل الحرية والاستقلال.
وتحية لأسرانا خلف قضبان السجون.

بسم الله الرحمن الرحيم

"وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


خطاب السيد الرئيس أمام قمة مجموعة الـ77 والصين في الدوحة

15-6-2005

بسم الله الرحمن الرحيم
 حضرة صاحب السمّو،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمّو،
السادة رؤساء وأعضاء الوفود،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

اسمحوا لي، بدايةً، أن أتوجه باسم الشعب الفلسطيني وقيادته، بأطيب التحيات الأخوية، وبأصدق عبارات الشكر والتقدير العميق إلى صاحب السمو الأخ الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وإلى حكومة وشعب دولة قطر الشقيقة، لاستضافتها هذه القمة الهامة، وعلى حفاوة الاستقبال، وحسن الضيافة الأصيل، الذي حظينا به.

أصحاب الجلالة والفخامة والسمّو،

على الرغم من مضي أكثر من خمس سنوات على انعقاد قمة الجنوب الأولى لمجموعة الـ77 والصين في العاصمة الكوبية "هافانا"، لا تزال قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية وعوامل الاستقرار في الدول النامية، تواجه تحديات متواصلةً ومتجددة، فقد أصبح ترابط العلاقة ما بين التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمعات من جهة، وتحقيق السلام والأمن في عالمنا من جهة أخرى، أكثر وضوحاً.

واليوم، وبمناسبة هذا اللقاء الهام لقمة الجنوب الثانية، تجدد فلسطين التزامها بالهدف المشترك للدول الأعضاء في مجموعة الـ77 والصين، ألا وهو التنمية الاقتصادية، بهدف تحقيق الرخاء لشعوبنا. كما ونجدد التزامنا بإعلان "هافانا"، وندعو إلى أهمية استمرار التنسيق بين مجموعة الـ77 والصين وحركة عدم الانحياز، بهدف تدعيم المواقف المشتركة، من أجل تنفيذ أهدافنا المشتركة.

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والسعادة،

لقد واجه الشعب الفلسطيني لعقود طويلة المعضلة القائمة بين الحاجة والرغبة والسعي لتطوير مجتمعه، وبين العوائق المفروضة عليه من قبل الاحتلال العسكري الخانق والمتحكم بقدراته.

فالاحتلال بإجراءاته العنصرية والقمعية، يقف عائقاً أمام تحقيق التنمية والتطور بأبعاده المختلفة، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. إن الممارسات التي تنتهجها إسرائيل، من استمرار الاستيطان، وبناء جدار الفصل العنصري على أرضنا، بخاصة في منطقة القدس بقصد تهويدها، بالإضافة إلى أنها تمنع وتحول دون قيام دولة فلسطينية متواصلة وقابلة للحياة، فإنها تقفل نوافذ الأمل، وتجعل شعبنا يتشاءم من إمكانية تحقيق وترسيخ الديمقراطية المستمرة في فلسطين، والتي قدمت وتقدم نموذجاً ناجحاً من خلال سلسلة الانتخابات الرئاسية والمحلية والتشريعية.

وقد شكل الاتفاق على التهدئة في "حوار القاهرة" بين الفصائل الفلسطينية كافة، والذي أطلقناه بدعم من أشقائنا جميعاً، رافعةً لوحدة الموقف الوطني الفلسطيني، والتي تقلصت بنتيجتها أعمال العنف إلى أدنى مستوى منذ أربع سنوات، وهنا نؤكد إصرارنا على استمرار الهدنة والحفاظ عليها.

ونطالب الطرف الإسرائيلي بالتوقف عن أعمال الاستفزاز والخروقات، وسنواصل العمل في مجال الإصلاح الأمني والاقتصادي والإداري، والذي يلقى تأييداً واسعاً في أوساط شعبنا، الذي أكد مراراً تمسكه بخيار السلام والحل التفاوضي.

إننا مقبلون على مرحلة الانسحاب من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية. ونحن نأمل تكثيف الدعم الدولي في هذه المرحلة، حتى يكون الانسحاب شاملاً وتاماً وفق القانون الدولي، وأن يتوفر الممر الآمن مع الضفة، وأن يكون ذلك خطوةً على طريق البدء في مفاوضات الحل النهائي، كما أكدت عليها خارطة الطريق، ورؤية الرئيس الأمريكي بوش، بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة إلى جانب إسرائيل، على حدود الرابع من حزيران "يونيو" عام 1967م.

من هنا، فإننا نتوقع أن تتم مساعدة شعبنا لإنجاح تجربته الديمقراطية، وذلك بتوفير حرية التنقل، وفك الحصار، وإزالة الحواجز، والخنق الاقتصادي، وإطلاق سراح الأسرى، وإنجاز الانسحاب الإسرائيلي إلى مواقع ما قبل سبتمبر "أيلول" 2000م، وتنفيذ التفاهمات التي توصلنا إليها مع الحكومة الإسرائيلية في شرم الشيخ، حيث أنه لا يمكن تحقيق وترسيخ الديمقراطية في غياب الحرية.

ونؤكد مجدداً على تمسكنا بخيار السلام والمفاوضات، والتزامنا بتنفيذ خارطة الطريق بشكل متزامنٍ ومتوازٍ، ليتم بنتيجتها تطبيق قرارات الشرعية الدولية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وإيجاد حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين، على أساس القرار 194.

ونشير هنا إلى ما أقرته قمة الجنوب الأولى بأن "السلام يتطلب انسحاباً إسرائيلياً كاملاً من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية.

حضـــرة صاحـب السمــو،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
السادة رؤساء وأعضاء الوفـود،

ختاماً، أشكر لكم دعمكم المتواصل لحقوق شعبنا الفلسطيني في أن يكون حراً مستقلاً سيداً، وأتمنى لمؤتمرنا هذا كل التوفيق والنجاح، للخروج بالقرارات اللازمة التي تلبي طموحات شعوبنا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة السيد الرئيس أمام قمة الاتحاد الإفريقي المنعقدة في مدينة سرت في الجماهيرية الليبية

4-7-2005

فخامة الأخ القائد معمر القذافي، قائد ثورة "الفاتح" من سبتمبر العظيمة،
فخامة الرئيس أولسيجان أوباسنجو، رئيس جمهورية نيجيريا الاتحادية الصديقة، رئيس قمة، الاتحاد الأفريقي
فخامة الرئيس الدكتور ألفا عمر كوناري، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي،
معالي السيد عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية،
معالي السيد خافيير سولانا، مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي،
معالي السيد أدوين كارنغتون، السكرتير العام لتجمع دول الكاريبي،
أصحاب الجلالة والفخامة رؤساء الدول والحكومات الأفريقية الشقيقة،
السيدات والسادة،

تلقينا باعتزاز كبير دعوتكم الكريمة، للمشاركة في أعمال هذه القمة الإفريقية، التي تلتئم في هذا البلد العزيز ليبيا الشقيقة الكريم بأهله وفي ضيافة الأخ القائد معمر القذافي، واسمحوا لي بداية أن أتوجه بالتحية للرئيس أولسيجان أوباسنجو على رئاسته لقمة الاتحاد الإفريقي، كما أحيي جهوده الحثيثة لتعزيز مكانة ودور القارة الإفريقية بدولها وشعوبها بين دول وشعوب الأسرة الدولية.

وأتوجه بالتهنئة القلبية للأخ العزيز القائد معمر القذافي على كرم ضيافته لهذه القمة الخامسة للاتحاد الإفريقي، ونحن على ثقة أن الأخ العزيز القائد معمر القذافي، سيضع كل خبرته القيادية المشهودة وحكمته وجهده في خدمة إفريقيا. وأتوجه لفخامته بالاعتذار لعدم تمكني من حضور القمة الأفريقية الرابعة في أبوجا لظروف خارجة عن إرادتي.

السيد الرئيس،

إن فلسطين وشعبها وقيادتها تكن لإفريقيا العزيزة كل التقدير والاعتراف بالجميل، فعلى مدى القرن العشرين كافحت الشعوب الإفريقية والشعب الفلسطيني ضد الاستعمار والاضطهاد والتمييز العنصري. إنها وحدة التاريخ والكفاح المشترك في سبيل الحرية والاستقلال الوطني، والقضاء على التخلف والتبعية والتمييز العنصري ومن أجل بناء أوطان حرة مستقلة.

ولا يسعني هنا إلا أن أعبر لكم عن الامتنان والتقدير لتضامنكم ووقوفكم دولاً وشعوباً في المحافل الدولية مع شعبنا الفلسطيني، الذي تعرض ويتعرض حتى الآن للعدوان والاحتلال الإسرائيلي، وإقامة المستوطنات في أرضنا، وبناء جدار العزل والتوسع والتمييز العنصري لتمزيق وحدة أرضنا ووطننا، وتحويله إلى "بانتوستانات" معزولة وممزقة، لمنع شعبنا من ممارسة حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

السيد الرئيس،

إن شعبنا الفلسطيني قد اختار طريق المفاوضات والسلام وصولاً إلى حريته واستقلاله الوطني، ومن أجل هذا الهدف أعلنا وقف إطلاق النار والتهدئة، وفي حوار القاهرة أعلنت كافة القوى والفصائل التزامها بالتهدئة والهدنة، وبرعاية الرئيس حسني مبارك والملك عبد الله توصلنا إلى تفاهمات شرم الشيخ.

ولكن هذه التفاهمات لا تجد طريقها إلى التنفيذ، وتقوم الحكومة الإسرائيلية بمواصلة بناء المستوطنات، ومصادرة الأراضي الفلسطينية، وبناء الجدار العنصري، رغم ما قررته محكمة العدل الدولية بعدم شرعية الجدار، ورغم تصويت الجمعية العامة ضده وضد المستوطنات، إضافة إلى احتجاز إسرائيل لآلاف الأسرى، والسعي لتغيير معالم القدس الشريف.

السيد الرئيس،

لقد أعلنا موافقتنا على خريطة الطريق وحل الدولتين الذي أعلنه الرئيس الأمريكي جورج بوش، وعبرت اللجنة الرباعية المكلفة بتنفيذ خريطة الطريق عن دعمها لاستئناف عملية السلام والدخول في مفاوضات جادة وحاسمة لحل كافة قضايا الوضع النهائي على طاولة المفاوضات، بما يحقق طموحات شعبنا في استعادة أرضه وإقامة دولته المستقلة في حدود عام 67 إلى جانب دولة إسرائيل. هذا وقد أعلنا تصميمنا على تنسيق الانسحاب لضمان انسحاب كامل من قطاع غزة وبعض مناطق الضفة الغربية، على أن يكون هذا الانسحاب جزءاً من خارطة الطريق.

السيد الرئيس،

إن السلام والأمن والاستقرار في الشرق الأوسط تشكل اليوم المحور والمركز في الاهتمامات الدولية والإقليمية، وقد حان الوقت لإنصاف الشعب الفلسطيني، ورفع هذا الظلم التاريخي الذي أصابه على مدى أكثر من نصف قرن، ولا بد من وضع قرارات الشرعية الدولية موضع التطبيق، فلم يعد مقبولاً أن تستمر سياسة ازدواجية المعايير تجاه القرارات الدولية التي عالجت القضية الفلسطينية، وأتوجه لقادة إفريقيا وحكمائها من على هذا المنبر لتشكيل لجنة إفريقية عليا للمساهمة مع أطراف الأسرة الدولية لتحريك عملية السلام، ولتنفيذ خطة خارطة الطريق التي أقرها مجلس الأمن الدولي في قراره 1515.

السيد الرئيس،

إننا نتابع باهتمام مسيرة إفريقيا الصديقة على طريق التقدم والتعاون والتضامن، ونحن نهنئكم على تشكيل مجلس السلم والأمن الإفريقي، وانتخاب البرلمان الإفريقي، وتشكيل المحكمة الإفريقية، والتقدم بالمسار الديمقراطي في دول القارة.

إن هذه الإنجازات هي وسيلة هامة في حل النزاعات داخل القارة بالاعتماد على الجهود الإفريقية، كما تسهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية والحد من البطالة والفقر والمرض، ولا شك أن هذه الجهود الطيبة تستحق كل الدعم والتأييد. وفي هذا المجال ندعم جميع المبادرات الإفريقية والدولية الرامية إلى وضع الهموم الإفريقية على رأس أولويات المجتمع الدولي، بما في ذلك تعزيز التنمية الاقتصادية في إفريقيا.

السيد الرئيس،

وإننا وفي هذه القمة الإفريقية العتيدة، نستذكر قادة وزعماء الحرية الأفارقة الذين أسهموا في تحرير القارة الإفريقية من الاستعمار والتمييز العنصري، وننحني بإجلال أمام هؤلاء القادة:أحمد سيكوتوري، وكوامي نكروما، وجوليوس نيريري، وجمال عبد الناصر، وانتهاءً بالزعيم الكبير ورمز الحرية والكرامة نيلسون منديلا، وإذا كان هؤلاء الأبطال قد تركوا إرثاً نضالياً نهتدي به في سعينا لتحرير أرضنا وإقامة دولتنا، فقد ترك لنا الرئيس الراحل ياسر عرفات إرثاً نعتز به من الدعم الإفريقي، الذي تمثل هذه الدعوة الكريمة لمشاركتنا في هذه القمة تعبيراً صادقاً عنه، متمنين استمراره حتى تحقيق أهداف شعبنا في الحرية والاستقلال وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة على كامل أراضيه المحتلة، وعاصمتها القدس الشريف.

أجدد التحية والتقدير العميقين للأخ القائد معمر القذافي، الذي أكن له ويكن شعب فلسطين المناضل كل الحب والوفاء والاحترام، وأتمنى للشعب الليبي الشقيق المزيد من الازدهار والتقدم في ظل قيادته الحكيمة. نتمنى النجاح لأعمال هذه القمة لتحقيق المزيد من الإنجازات والتقدم والازدهار للقارة كلها.

شكراً لحسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


كلمة السيد الرئيس إلى شعبنا عبر قناة فلسطين الفضائية غزة

16-7-2005

بسم الله الرحمن الرحيم
أيتها الأخوات والإخوة،
يا أبناء شعبنا الفلسطيني الصامد،

أتوجه بالحديث إليكم اليوم في هذه اللحظات الصعبة التزاماً بما أكدناه على الدوام من مبدأ المصارحة والمكاشفة، وانطلاقاً من حق الشعب على مسؤوليه المنتخبين أن يعرف الحقائق كاملةً، فالشعب في النهاية هو مصدر السلطات ومصدر الشرعية، وخدمةُ هذا الشعب وحماية مصالحه الوطنية العليا هو الواجب المقدس على كل فرد منا في كل موقع من مواقع المسؤولية والعمل الوطني.

عندما خضتُ الانتخابات الرئاسية في كانون الثاني الماضي بعد رحيل القائد المؤسس والرئيس الخالد أبو عمار، آليتُ على نفسي أن أكون صادقاً كل الصدق، وصريحاً كل الصراحة مع المواطنين، فلم يعد مقبولاً رفع الشعارات الزائفة، ولم يعد مقبولاً خداع الجماهير بطرح مواقفٍ غير واقعية تلحق الضرر بقضيتنا الوطنية، واعتمدت أساساً لبرنامجي الخطابَ الأخير للرئيس الراحل الذي طرح فيه تصوراً شاملاً لمختلف التحديات التي تواجهنا.

ومن هنا صارحنا الجماهير وفي ذروة الحملة الانتخابية بالمهمات الصعبة التي تنتظرنا، وحددنا البرامج التي نرى أن علينا اتباعها، ورفضنا الانجرار وراء المزايدات ومحاولات التملق كسباً للأصوات، وفضَّلنا أن نطرح برنامجنا بكل صراحة ووضوح.

وتذكرون أيتها الأخوات والإخوة أننا في برنامجنا الانتخابي الذي طرحناه باسم حركة " فتح" أكدنا على ثوابتنا الوطنية، وتمسكنا بحقوقنا غير القابلة للمساومة، وفي حين أكدنا تمسكنا بخيار المقاومة والدفاع عن النفس الذي كفلته المواثيق الدولية، فإننا كنا واضحين في رفضنا الحاسم وإدانتنا الشديدة لأشكال العمل التي تتناقض وهذه المواثيق وتتعارض وتقاليدنا ومبادئنا، والتي تلحق أفدح الأضرار بقضيتنا وبمصالحنا الوطنية العليا، والتي تشوِّه نضالنا الوطني وموقعه المتقدم في مسيرة النضال الإنساني، والتي تقدم الذرائع لإسرائيل لتصعِّد حملات الاجتياح والتدمير والقتل والاغتيالات، وتزودها بأسلحة في محاولتها تشويه نضالنا ووصمه بالإرهاب، في حين أن شعبنا هو ضحية لإرهاب الدولة، وأنه يقف ضد الإرهاب بكافة أشكاله.

وتذكرون أننا في برنامجنا وحملتنا الانتخابية رفعنا شعار الدفاع عن الوطن والمواطن في مواجهة الانفلات الأمني، وأكدنا أننا سنطبق إصلاحات واسعة وسنكرِّس سيادة القانون على الجميع، وسنسعى لتوفير الأمن والأمان للمواطن في ظل سلطة واحدة وقانون واحد وسلاح شرعي واحد، وأننا نرفض التستر بأية شعارات لممارسة الانتهاكات بالحقوق الأساسية لأبناء شعبنا الذي تحمَّل ويتحمَّل الكثير من اعتداءات الاحتلال، وكنا صريحين في رفْضِنا للعمليات التفجيرية التي تلحق أضرارا بالغة بالمصالح الوطنية العليا لشعبنا، ورفْضِنا لإطلاق القذائف والصواريخ التي تشكل ممارسات عبثية، عادت وتعود على مواطنينا بالكوارث، ورفْضِنا لأن يحاول أي طرف فرض أجندته الخاصة وبالقوة على شعبنا.

وفي الوقت نفسه أكدنا حرصنا على الوحدة الوطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، ودعونا جميع القوى والفصائل لممارسة جميع أشكال العمل السياسي والتنظيمي والجماهيري ضمن سيادة القانون، وعبر الاحتكام إلى صناديق الاقتراع.

وعندما قال الشعب كلمته في ذلك العرس الديمقراطي الذي أثار إعجاب العالم وتقديره، وعندما حمَّلني الشعب الأمانة فقد أكَّدتُ في يوم أداء القسم أنني سأنطلق بهذا التفويض الشعبي الواضح لتنفيذ البرنامج الذي طرحته وانتُخبتُ على أساسه.

ومنذ اليوم الأول لممارسة مهامي فقد حرصتُ وحرصتْ منظمتنا وسلطتنا على العمل بخطوات محسوبة ومدروسة للتواصل والتفاهم مع جميع القوى والفصائل لتحقيق التوافق والإجماع الوطني على مهام المرحلة، وكان ما أنجزناه من تفاهم لتحقيق التهدئة، والذي تكرّس لاحقاً وبشكل رسمي في اتفاق القاهرة في آذار الماضي، تعبيراً عن حرصنا على تحقيق التوافق وإبعاد مخاطر الاقتتال والصدام الداخلي، وأكدنا في كل مكان في العالم أننا لن ننجر إلى حرب أهلية، وأن تقاليد وأطر العمل السياسي لدينا توفر فرصة حقيقية للتعددية السياسية في ظل السلطة الواحدة.

وكنا حينذاك وفي كل مناسبة وكان آخرها في دمشق قبل أيام حريصين على الإيضاح لإخواننا في قيادات الفصائل والقوى أن توافقنا لن يكون خبراً جيداً لأوساط إسرائيلية عديدة تريد استمرار الاضطراب والفلتان في الأراضي الفلسطينية للتحلل من التزاماتها وللتهرب من ضغوط دولية ستتعاظم نحوها مع نجاحنا في ترتيب بيتنا الداخلي، وأكدنا حينذاك وفي كل مناسبة أننا يجب أن نلتزم بضبط النفس، وألا نستجيب لاستفزازات إسرائيلية متوقعة تريد أن تجرنا إلى مواجهات ندفع فيها أثمانا غالية، وتفقدنا ما بدأنا في تحقيقه من انتقال إلى موقع المبادرة والهجوم السياسي والدبلوماسي، ومن البدء في كسب واستقطاب تأييد دولي شبه كامل لمواقفنا، خاصة نحو قضايا القدس والاستيطان والجدار وضرورة الانسحاب الكامل من قطاع غزة، المرتبط بتنفيذ خارطة الطريق، والمؤمِّن للتواصل بين جناحي الوطن، وصولا لإنهاء الاحتلال، وإقامة دولة فلسطين الحرة الديمقراطية فوق جميع الأراضي التي احتلت العام 1967.

أيتها الأخوات والأخوة،

رغم كل الظروف الصعبة ورغم تحقق ما توقعناه من محاولات إسرائيلية للتهرب من تنفيذ التزاماتها، فقد نجحنا خلال الشهور الستة الماضية، وبعد نجاحنا في الاستحقاق الانتخابي الديمقراطي، في تحقيق تهدئة شبه تامة، ما وفر لنا تأييدا دوليا كبيراً، وما سمح لنا بإطلاق ورشة عمل داخلية كبيرة في الشهور الماضية، عملت السلطة في مجال الإصلاحات الأمنية، عبر توحيد الأجهزة الأمنية، والعمل على وضع تشريعات لعملها والعمل لإعادة تأهيلها وتزويدها بما تحتاجه بعد ما تعرضت له نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية خلال السنوات الماضية. وركَّزنا في مفاوضاتنا واتصالاتنا على ضرورة الإفراج عن أسرانا الأبطال في السجون الإسرائيلية، هؤلاء الفرسان جنودُ الحرية الذين يتوجبُ أن يبدأ الإفراج عنهم في أسرع وقتٍ ليتخذوا موقعهمْ الطليعي في مسيرة شعبنا، وبدأنا بحل مشاكل المطاردين واستيعابهم في أجهزتنا، وبدأنا بإجراءات متواصلة لفرض سيادة القانون، ووقف الانفلات الأمني.

وفي مسار مواز اتخذنا عدة إجراءات لتأكيد سيادة القانون واستقلالية القضاء، وطرحنا مشروعاً للسلطة القضائية يناقشه المجلس التشريعي الآن، وبدأنا عملية جدية لمحاكمة أشخاص في قضايا تتعلق بالفساد وإساءة استخدام السلطة.

وفي مسارٍ موازٍ آخر تقوم الحكومة ووزاراتها بجهود كبيرة من أجل إعادة البناء وتنشيط الاقتصاد ومكافحة الفقر والبطالة، وكان أن تقرر بدء تطبيق قانون الخدمة المدنية بشقيه الإداري والمالي الشهر الجاري لتحسين أوضاع عشرات آلاف الموظفين، وكان أن أُطلق برنامج شبكة الأمان الاجتماعي التي يستفيد منها عشرات آلاف من المواطنين الذين يتأثرون بالفقر والبطالة، ويستمر في الوقت نفسه إطلاق وتنفيذ عشرات من المشاريع في مجال شق وتعبيد الطرق، وبناء المدارس والمستشفيات، وبناء وترميم البيوت التي دمرت أو أضيرت بسبب اعتداءات الاحتلال، بجانب مشاريع عديدة في مجال الزراعة والصحة والتربية والاتصالات ورعاية أسر الشهداء والأسرى ودعم القطاع الخاص لتعظيم دوره في الاستثمار في مختلف المجالات، ونشَّطنا اتصالاتنا الدولية الأمر الذي تَرجم بزيادة كبيرة في حجم المساعدات الدولية المالية للسلطة، وكان أبرزها نتائج مؤتمر لندن، وما أقرته قمة الدول الصناعية الكبرى مؤخراً بتقديم ثلاثة مليارات دولار للسلطة خلال السنوات القادمة.

أيتها الأخوات والإخوة،
يا أبناء شعبنا البطل،

في الأسابيع الماضية كنا نتابع العمل بمثابرة لكي ننجح في الاستحقاق القادم المتمثل في الانسحاب الإسرائيلي المنتظر من قطاع غزة، ونجحنا في استقطاب تأييد دولي لموقفنا ليكون هذا الخروج شاملاً وكاملاً وبحيث لا يبقى أي وجود إسرائيلي من أي نوع كان على أرض غزة، وأن نضمن سيطرتنا على المعابر، وأن يكون هناك ممر آمن بين غزة والضفة، حتى لا يتحول القطاع إلى سجن كبير، وأيضا نجحنا وخاصة خلال زيارتنا إلى الولايات المتحدة في نيل تأييد الإدارة الأمريكية لموقفنا بأن الانسحاب من القطاع هو جزء من عملية تقود إلى إنهاء الاحتلال الذي بدأ العام 67، وإنه ليس مقبولا أن يكون الخروج من غزة على حساب القدس والضفة الغربية.

لقد أصابت نجاحاتنا السياسية الحكومة الإسرائيلية بالضيق، وشعرت أنها ستواجه مزيدا من الضغوط الدولية، فكان أن عادت لاستفزازاتها ولرفضها تنفيذ التزاماتها وللعودة إلى نغمة التشكيك بالسلطة الوطنية وقدرتها.

وقد أوضحنا لإخواننا من قيادات الفصائل خاصة في آخر لقاء عقد في دمشق أبعاد المخطط الإسرائيلي، وحذَّرنا من الانجرار للاستفزازات المتوقعة؛ وشعرنا حينذاك أن هناك توافقاً بين الجميع حول هذه القضايا، ولذلك فوجئنا في الفترة الأخيرة بان هناك قيادات ومجموعات في بعض الفصائل تتجه نحو ممارسات إعلامية وسياسية وعملية على الأرض تتناقض وتفاهماتنا واتفاقاتنا، ممارسات تُلحق الضرر بمكاسبنا السياسية والدبلوماسية، وتوفِّر في الوقت نفسه الذرائع لإسرائيل للتهرب من الضغوط الدولية، ممارسات تُوقِعُ شهداء وجرحى ودماراً في صفوف شعبنا؛ وممارسات تضرب نموذج النضال الشعبي الذي تمارسه جماهيرنا ضد جدار الفصل العنصري ويلقى تقديراً وتأييداً واسعين في العالم، ويبدو أن هناك من أخطأ قراءة حرصنا الأكيد على الوحدة الوطنية وتفاهم وتوافق القوى والفصائل.

ويبدو أيضاً أن هناك من اعتقد أن سعة الصدر والصبر وتحمل التجاوزات من جانبنا هو علامة ضعف ويبدو أن هناك من اعتقد انه يستطيع ممارسة سياسةٍ مزودجة، واحدةٍ تتحدث عن الوحدة والتوافق والتهدئة وأخرى تمارس عكس ذلك تماماً، وتسعى لإضعاف السلطة وكسر هيبتها.

أيتها الأخوات والإخوة،

لقد كان من المؤسف والمحزن أن يعمد البعض لافتعال الصدامات والاعتداء على أفراد قواتنا ومقارِّها ومركباتها، ولمحاولة إشعال نار الفتنة في بيتنا، وقد وقع ما كنا نُحذِّرُ منه، وشاهدنا كيف تحاول إسرائيل استغلال ذلك لتصعيد اعتداءاتها وللعودة لممارسة القتل والاغتيالات بحق شبابنا. لقد تحركنا خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية واتصلنا مع عديد الأطراف الدولية مشددين على ضرورة الوقف الفوري للاعتداءات الإسرائيلية، وحذرنا من العواقب الخطيرة والكارثية لاستمرار هذه الاعتداءات.

إننا نحمل الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن نتائج هذه السياسة التي تعني ارتداداً واضحاً عما أنجزناه من تفاهمات، وإجهاضاً لأي فرصة للحفاظ على التهدئة التي تم إنجازها، والتي شكلت بارقة أمل للتقدم مجدداً نحو طاولة المفاوضات، فلا يمكن لأحد أن يتوقع استمرار التهدئة من طرف واحد.

يا أبناء شعبنا البطل،

أننا نعيد التأكيد هنا وبأوضح الصور على النقاط التالية:

أولاً: أننا نجدد الالتزام بتنفيذ جميع بنود برنامج العمل الوطني، الذي طرحته في الانتخابات الرئاسية، والذي وافقت أغلبية الناخبين عليه، وانتخبتني على أساسه رئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية.

ثانياً: أننا في الوقت الذي ندعو فيه جميع القوى والفصائل لممارسة العمل السياسي والتنظيمي الذي تكفله قوانينا فأننا نقول للجميع: لا سلطة فوق أرضنا إلاَّ السلطة الوطنية الفلسطينية، ولا قانون غير القانون الذي تقرّه مجالسنا المنتخبة، ولا سلاح شرعي في شوارع مدننا وقرانا ومخيماتنا إلا سلاح قوات وأجهزة السلطة، ولن نسمح لأي أحد بأن يرهب المواطنين وأن ينتهك أمنهم وحقوقهم، وبالتالي فلن نتهاون ولن نتسامح مع من يحاول تجاوز أو خرق أو تحدي سلطة القانون، فلا أحد فوق القانون.

وسنلاحق بقوة القانون كل الذين اعتدوا على أفراد القوات الأمنية ومقارها وآلياتها، وكلها ملك للشعب الفلسطيني، ولن نسمح بالمظاهر المسلحة غير الشرعية في شوارعنا لإرهاب المواطنين، وكذلك سنستمر بملاحقة أولئك الذين اعتدوا على أملاك الدولة والأملاك الخاصة والوقفية.

ثالثاً: إننا ملتزمون بما اتفقنا عليه في القاهرة مع جميع الفصائل لتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، وتوسيع أطرها بحيث تشمل جميع القوى، وبما يعمق الوحدة الوطنية الفلسطينية، ولقد بذلنا جهوداً في هذا الاتجاه وكلفتُ الأخ سليم الزعنون، رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، بإنجاز هذا الموضوع الذي نأمل أن يتم في أسرع وقت.

رابعاً: إن اتفاقنا على التهدئة الذي تم في اجتماع القاهرة هو مصلحة فلسطينية عليا، ولن نتساهل مع من يحاول انتهاكه، الأمر الذي سيؤدي إلى عرقلة الانسحاب الإسرائيلي، ولن نسمح لأي شخص أو جماعة أو فصيل أن يجرنا إلى الشَرَك الذي يُنصبُه لنا الإسرائيليون.

ولن نسمح بالتلاعب بقضيتنا الوطنية لصالح اعتبارات حزبية أو فصائلية ضيقة أو صراع بين قيادات، وعبر ممارسات عبثية مدمِّرة. وقد أعطينا تعليمات واضحة وصريحة بذلك لوزير الداخلية والأمن الوطني وكافة القوات والأجهزة.

خامساً: إن الدم الفلسطيني مقدّس، وسفكه خط أحمر، وسنتصدى بقوة لأية محاولات تستهدف افتعال صدامات وحالات اقتتال داخلي خدمة لأهداف خاصة. إن هذا يترافق مع التزامنا بفرض سيادة القانون، واعتبار أي اعتداء على جنودنا وأفراد أجهزتنا الأمنية جريمةً كبرى لن تمرّ دون عقاب وفق القانون.

سادساً: أننا ملتزمون كسلطة بالخيار الديمقراطي والاحتكام لصناديق الاقتراع، ومارسنا ذلك بالفعل، وفي كل إجراءاتنا سنتمسك بالقوانين ولن نتجاوزها على الإطلاق.

وفي هذا لا نُقدِّم منَّة لشعبنا بل هو حق واستحقاق واجب النفاذ، وفي هذا المجال نؤكّد التزامنا بإجراء الانتخابات التشريعية بعد استكمال تعديل النظام الأساسي، وبتوافقٍ وطني.

سابعاً:  أننا نواصل في كل ساعة جهودنا واتصالاتنا لتطويق الموقف الإسرائيلي الذي يصعِّد عتداءاته وتوسُعَهُ الاستيطاني، ونحن نحصد المزيد من الدعم لمواقفنا، وأي إضعاف لمنعة بيتنا الداخلي تصبُّ في خدمة المخططات الإسرائيلية لإضعاف السلطة لمواصلة النشاطات الاستيطانية والاعتداءات ضد شعبنا.

إنني هنا أوجه نداءً إلى جميع القوى والفصائل لإعلان تمسكها بمنطلقات ما توافقنا عليه من احترام السلطة الواحدة ومن الالتزام بقوانينها، ومن التقيد بالتهدئة، كما إنني أتوجه هنا إلى جماهير شعبنا وقواه الحية الفاعلة في مختلف القطاعات لكي يعلو صوتُها عالياً دفاعاً عن حلمهِ ومشروعهِ الوطني.

أيتها الأخوات والإخوة،
يا أبناء شعبنا الفلسطيني العظيم،

لقد تحدثت معكم حديث العقل إلى العقل انطلاقاً مما تفرضه عليَّ الأمانة التي أئتمنتموني عليها، وإنني لعلى ثقة اننا بفضل وعيكم وبفضل توحيد صفوفنا سنتجاوز كل الصعاب وصولاً إلى تحقيق أهداف شعبنا في الحرية والاستقلال وبناء دولة فلسطين المستقلة الديمقراطية الحرة وعاصمتها القدس الشريف.


بسم الله الرحمن الرحيم
"ربنا لا تُزغ قلوبنا بعدَ إذْ هَدَيتَنا وهَبْ لنا منْ لَدُنْكَ رحمةً إِنَّكَ أنتَ الوهاب"
صدق الله العظيم

والله الموفق
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

 

 

 

خطاب السيد الرئيس أمام جلسة خاصة عقدها المجلس التشريعي في مركز رشاد الشوا الثقافي في مدينة غزة

9-8-2005

بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين
السيد الرئيس، الأخوة أعضاء اللجنة التنفيذية،
الإخوة أعضاء اللجنة المركزية،
الإخوة والأخوات، أعضاء المجلس التشريعي،
الإخوة الضيوف الكرام،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نحن على عتبة إنجاز وتحقيق حلم من أحلام الشعب الفلسطيني، حلم كثيراً ما انتظرناه طويلاً، وهو أن يبدأ الاحتلال بالانسحاب عن أرضنا. وشاء القدر ألا يكون بيننا الأخ الرئيس الراحل أبو عمار ليرى بنفسه نتائج جهد شعبنا وجهده، جهد شعبنا على مدى قرن من الزمن، وجهده في قيادة هذا الشعب في مدة 40  عاماً ليرى هذا الإنجاز الذي نرجو الله سبحانه وتعالى أن يتحقق ليكون بداية وليكون مقدمة إنجازات أخرى تصل بنا إلى الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، ولذلك وبهذه المناسبة وقد مضى بضعة أيام على تاريخ ميلاد الأخ أبو عمار وهو الرابع من الجاري، أدعوكم لكي نقرأ الفاتحة لله تعالى على روح الرئيس أبو عمار وعلى أرواح الشهداء.

لا بد لنا ونحن نتحدث عما هو قادم في الأيام القليلة القادمة، ذلك الذي نعتبره فعلاً إنجازاً سيتحقق إن شاء الله، ولا يوجد خيار آخر لا بد لنا أن نعود إلى بداية الموضوع، كيف طرح هذا الموضوع؟ وكيف استقبله العالم؟ وكيف استقبلناه نحن؟

في 14-4-2004 فجرت قنبلة في واشنطن حيث ذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى هناك واتفق مع الرئيس الأمريكي جورج بوش على صفقة سياسية نظر البعض إليها على أنها إنجاز عظيم، ونظر البعض الآخر على أنها مليئة بالألغام. والصفقة هي أن شارون قرر أن ينسحب من كل مستوطنات قطاع غزة ومن أربع مستوطنات في الضفة الغربية، ولكنه أراد أن يحصل على هذا الثمن أي أن توافق معه الولايات المتحدة، على أن "البلوكات" الاستيطانية الموجودة في الضفة الغربية تضم إلى إسرائيل لأنه كما قال: ليس من المعقول أن يتم الانسحاب عنها، وكذلك تحل مشكلة اللاجئين في إطار الدولة الفلسطينية.

كثير من العالم نظر إلى هذا الأمر على أنه خطوة إيجابية، ونحن نظرنا بكثير من التشكك بل الرفض، لأن المشروع الانسحاب اقترن بأثمان باهظة لا يمكن أن نقبل بها، لكن الأمور اختلطت، وقلنا لا نريد هذا ولا نريد ذاك، ما دامت إسرائيل تريد أن تنسحب وحدها، نحن ليس لنا علاقة بذلك، إنما نحن صممنا أن يكون هناك فصل ما بين الانسحاب من غزة والضفة الغربية، وما بين تلك الضمانات التي سميناها في ذلك الوقت وعد بلفور جديد، أي وعد لمن لا يستحق، وعد يجحف بمفاوضات المرحلة النهائية، وعد يجحف بحقوق الشعب الفلسطيني، فإذا أراد شارون أن ينسحب من غزة ومن بعض الضفة الغربية ثم يستكمل هذا فهذا شيء مفيد، ونحن نرحب به، ولكن شريطة ألا يكون مرتبطا بهذه القضية أو تلك، ومضت الأيام تجري، إلى أن جرى لقاء بيننا وبين الرئيس بوش في شهر يونيو الماضي، وتحدثنا بشكل مفصل عن مخاوفنا، وعن طلباتنا، مخاوفنا لا يجوز الإجحاف بمفاوضات المرحلة النهائية، كل شيء يخضع للمفاوضات، وخاصة ما يتعلق بقضايا المرحلة النهائية، ولا يجوز لأحد كائناً من كان أن يقول هذه لي وهذه لك، وتعال نتحاور ونتناقش على الباقي.

ومخاوفنا الأخرى أن تكون غزة أولاً وأخيراً، وألا يكون هناك ربط بين الضفة وغزة، وأن تنفصل فيما بعد وهذا هو الخوف الأكبر غزة عن الضفة لتشكلا كيانين منفصلين، واستمع بوش لنا واتفقنا على النقاط التالية:

قال: لابد من ربط مصير الضفة الغربية بغزة، ولا بد أن تكون غزة أولاً وليس آخراً، أي أن الوضع يجب أن ينتقل مباشرة إلى قضايا أخرى ولا بد أن يتم الانسحاب من حدود 28 سبتمبر كنقطة مرحلية، ولا يجوز تغيير حدود 49 وليس 67 إلا باتفاق الطرفين، وهذا شيء طبيعي، فنحن نعرف ما نريد، والإسرائيليون يعرفون ماذا يريدون، ونحن متفقون تماماً على أن قضايا المرحلة النهائية يجب أن توضع على الطاولة لتبحث كقضية الحدود والمستوطنات والقدس واللاجئين وغيرها، إذاً لا يجوز لأحد أن يستبعد نقطة من هذه النقاط، لكن الأمر يخضع للمفاوضات، ونحن جربنا هذه المفاوضات في كامب ديفيد، وأعتقد أن الجميع مطل على ما جرى في كامب ديفيد، وأن الموقف الفلسطيني الذي جرى في ذلك الوقت والذي كان مفهوماً حتى للطرف الآخر، ولكن بالنتيجة حملنا نحن الفشل وإن كنا لا نحمل الفشل إطلاقاً، ولا أريد أن ادخل في هذا الموضوع.

من النقاط الأخرى التي بحثت مع بوش موضوع الأسرى، وشرحنا ما معنى الأسرى، وما معنى الاستيطان والحائط والقدس، وذكرت معظم هذه الأشياء باستثناء الأسرى، إلا أننا نحن دائماً وأبداً نصر على أن الأسرى يجب ألا يبقوا وراء القضبان، وإنما لا بد من إخراجهم، ونحن بدأنا التنسيق مع الإسرائيليين لمعرفة كيف سينسحبون ومتى، وحصلنا على معلومات ولم نحصل على الكثير، بمعنى نحن بدأنا نعرف تماماً أن الانسحاب سيتم في 15-8، أي بعد 7 أيام، وانه سيستمر 5 أسابيع، وان الجيش الإسرائيلي سيستمر بعده بشهر ثم سينسحب، وفي هذه الأثناء يتم الانسحاب من جنين هذه نقطة، الأمور الأخرى الميناء، متفقون على البدء في بنائه، وهناك اتفاقات حول المعابر، إلى أن يبنى ما نسميه المعبر الآمن بين الضفة وغزة، بالنسبة للمطار لم يتم اتفاق حتى الآن، ولكن بعد الانسحاب لنا الحق في إعادة بنائه في اليوم التالي، أما التشغيل يحتاج إلى اتفاقيات دولية وإقليمية مع مصر وإسرائيل والأردن وغيرها، هذه قضية طبيعية غير قابلة للنقاش.

الاستعدادات من طرفنا بدأت من الناحية الأمنية ومن الناحية المدنية، الأمنية نحن نبذل جهوداً كثيرة لكي تكون الأجهزة الأمنية على مستوى المسؤولية ونتلقى دعماً حقيقياً من أشقائنا في مصر، وهم موجودون بيننا من أجل أن نطور أداءنا الأمني لنكون على قدر المسؤولية، عندما يتم الانسحاب من المناطق والمستعمرات التي سيخليها الإسرائيليون.

بالنسبة للمواضيع المدنية الأخرى، نحن ندرسها بالتفاصيل الكاملة لأننا نريد بصراحة أن نحافظ على ثروة الوطن، الانسحاب سيتم من مستوطنات 97%  منها ملك عام، وهذه ستبقى ملكاً عاماً ولن يمسها أحد، ولن يستفيد منها فلان أو فلان، وإنما ستكون مصلحة وطنية حيوية فلسطينية، و3% الأخرى، من يدعي ملكية عليها منذ ما قبل 67 فليتفضل ونحن عندئذ إما أن نعوضه وإما أن سنتملكها وندفع له، وإما أن نقول له هي بعيدة عن الحدود، فنقول له خذ ملكك وهي فقط 3%. إنما كيف يمكن أن نحافظ على هذه الأملاك فهذه قضية مهمة وأساسية، وهي ليست مسؤولية السلطة فقط، وإنما الشعب بكامله، كلنا يجب أن نكون مسؤولين للحفاظ على هذه الأرض والممتلكات وهذه المنشآت، وكلنا يجب أن نكون مسؤولين عن الأمن، لأنه النقطة الوحيدة والحساسة والأساسية التي تجعل الانسحاب مقبولاً هادئاً حضارياً يعطي الانتباه للعالم ولأنفسنا أننا أناس حضاريون ونستحق دولة، ولابد أن ننتقل إلى مرحلة ثانية ولا هناك خيارات أخرى يجب أن نحمي الأمن جميعاً، ليس مسؤولية فقط جهاز الأمن والسلطة والتنظيمات، وإنما أيضاً مسؤولية الشعب بكامله، من أجل أن يتم هذا الوضع خلال شهرين بحضارة وبموضوعية وبشافية ليطمئن العالم إلينا، لنؤكد للعالم أنا جديرون بدولة، وأن هذه هي البداية وليس النهاية.

وعندما أتكلم عن الأراضي، نحن بدأنا منذ بضعة أشهر بإزالة الاعتداءات على أراضي الدولة في غزة والضفة الغربية وقطعنا شوطاً كاملاً، ولكن ينقصنا الكثير، سوف نتابع هذا الشوط ولن نسمح لأي كان اعتدى على سنتيمتر واحد من أراضي الدولة أو أراضي الوقف أن يحتفظ به، لا بد لنا أن نزيل كل الاعتداءات على الأراضي، لأنها النموذج، وبالتالي يجب أن يكون هناك الشعب يراقب من خلال الشعب هناك المؤسسات واللجنة المتابعة، كل يلعب دوره ومن حقه أن يطلع وأن يرى وأن يراقب وأن يناقش ويتساءل، كلنا حريصون على أن تسير هذه العملية بالاتجاه الصحيح الواضح لا لبس ولا غموض ولا شيء تحت الطاولة، ويجب أن ننتبه إلى هذا، وهذا الامتحان الصعب، ليس فقط أن يخرج الإسرائيليون بطريقة آمنة، وهذا ما ندعو إليه وإنما أيضاً، كيف نحافظ في المستقبل على هذه الأملاك وكيف نستخدمها ويستفيد منها كل الشعب، ليس الحق لأحد يقول أنا سأستفيد أو أن يقوم بأشياء ممكن أن تسيء إلى سمعتنا والى ضميرنا الإنساني.

ومن هنا أقول: هناك تصرفات كثيرة لا نريدها الآن المبالغة في الاحتفالات، ليس وقت الحديث عن الاحتفالات نحن نريدهم أن يخرجوا ثم نحتفل لا أن نبدأ بالاحتفال والإسرائيليون لا زالوا على أرضنا، علينا أن نعمل ونخطط ونفكر لا أن نحتفل ونطلق الصواريخ وأن نطلق الرصاص وهذا عمل غير حضاري، ويجب أن نوقف هذه الأشياء، وكل التصرفات الاستفزازية لا نريدها، يريد الإسرائيليون أن يخرجوا، فليخرجوا، هم جلسوا على أعناقنا 38 سنة منذ 67، و57 سنة منذ 48، والآن يريدون أن يخرجوا فليخرجوا، ويذهبوا حيث شاءوا، وإن كنا نعترض ولا زلنا نعترض أنهم لا يذهبون من الضفة الغربية، لأن ما هو موجود من استيطان في الضفة الغربية غير شرعي، أول حجر بني في أرضنا غير شرعي، ومن هنا مطالبتنا هذه المستوطنات بنيت على أرضنا وهي غير شرعية من أولها إلى آخرها، وبالتالي لا يجوز أن نقبل أو أن نسمح أن ينتقل هؤلاء من هنا إلى هناك.

الوجود المسلح في الشوارع يجب أن ينتهي، ويجب أن تبقى السلطة وحدها، هذا هو المظهر الحضاري ومظهر الدولة، وعندما نقول سلطة واحدة وقانون واحد وسلاح واحد، ليس تعددية سياسيةّّ، لا نقول هذا الشعار للرفاهية وإنما نقول بأن كل بلاد الدنيا تتبعه، ولا أعتقد في بلد من بلاد الدنيا جميعها يقبل بسلطتين أو ثلاث أو أربع أو بسلاحين أو ثلاث أو أربع، ربما ظروف المقاومة احتاجت أن نكون على ما نحن عليه، ولكن حينما تصبح الأرض خالية من الاحتلال يجب أن تنتهي مظاهر السلاح بالكامل.

وأيضاً مظهر من أسوأ المظاهر وتوجت باسوأ النتائج "الصواريخ"، لا أريد أن أتحدث عن أهمية أو عدم أهميتها، ولكن نحن نتحدث عن النتائج، هناك نتيجة حصلت قبل أسبوع، الأخ المناضل هشام عبد الرازق، الذي قضى في السجن 20 عاماً كمناضل، خرج وتزوج وجاءه بنات ثم جاءه ولد، حيث سقط صاروخ على عائلته فأضاع يد الولد وقدمه وهو الوحيد لأسرته، أنا أريد أن أتصور من المسؤول عن هذا ولماذا يحصل هذا لماذا تحصل مثل هذه المآسي؟ من الذي سيكفكف جراح هشام عبد الرازق؟ إضافة إلى أن اثنين توفيا من نفس العائلة، أي العائلة كلها في مأساة إنسانية حقيقية، أنا أستطيع افهم أن صاروخاً إسرائيلياً سقط، نحمل الإسرائيليين المسؤولية عنه، لكن أن نخرب بيوتنا بأيدنا ونقتل إخواننا بأيدينا، نرجو أن تكون هذه القضية عبرة لنا جميعاً، هذا العمل يضرنا ويخرب بيوتنا ومثل هذا الحدث أحداث كثيرة، قذيفة تنزل على هذا البيت وعلى مسجد ومدرسة، ومن المفارقات أن قذيفة نزلت على مستوطنة إسرائيلية فقتلت اثنين فلسطينيين. هذه المواضيع أرجو أن نتحمل جميعاً مسؤوليتنا، هذا موقف شعبي لتوقف مثل هذه الأمور، حتى نلتفت إلى الأمن، وإلى الاقتصاد، إلى الحياة الاجتماعية والمدارس والجامعات، لنعطي نموذجاً أننا عندما ينسحب الإسرائيليون نكون قادرين على العيش بأحسن الظروف.

الكل يتحدث عن الفساد، نعم هناك فساد، ولكننا لدينا الإرادة والرغبة والجهد في إنهائه، نحن أقفلنا كثيراً من أبواب الصرف غير المشروع، ومنهم من أحيل للنيابة والرقابة، وهناك أناس لا زالوا مخالفين لا بد أن يأتوا من أجل أن يقال لهم من أين لك هذا؟ وهذا ما جعلنا أن نتحدث عن الكسب غير المشروع، وتأسيس دائرة للكسب الغير المشروع لتسأل أي كان دون تمييز من أين لك هذا؟ ولكن نريد أن لا نقول في الهواء فلان حرامي، يجب علينا أن نثبت أو أن نقدم دلائل وأن نثبت ونقدم وسائل، أنا قلت لكم في المجلس التشريعي أكثر من مرة نحن مستعدون لتحويل أي قضية للنائب العام فوراً، ولو كانت من رئيس السلطة.

لا أحد فوق القانون، القانون لخدمة الناس وفي مصلحتهم، ويجب علينا أن نتعامل معه على هذا الأساس. كيف يتم الانسحاب وكيف نتعاون جميعاً لأن ينتهي هذا وأن نتعاون ليكون أولاً وليس أخيراً، غزة مرتبطة بالضفة إلى الأبد، كلاهما جسم واحد يجب أن تتصلاً، وهذا متفق عليه منذ البداية، هما جزءان متكاملان علينا أن نعمل على استمرار هذا التكامل.

لابد من التوضيح في القاهرة اتفقنا على ثلاثة أمور، الأمر الأول هو التهدئة، والأمر الثاني تطوير منظمة التحرير الفلسطينية، والثالث الانتخابات التشريعية.

بالنسبة للتهدئة أحب أن أقول: عندما اتفقنا لم نقدم منحة لأحد من أحد، لأنها مصلحة لنا جميعاً، ونحن سعينا إليها، ونحن جميعاً التزمنا بها، ونحن يجب أن نستمر بها ونحافظ عليها، وإذا شعرنا أن هذه التهدئة لم تعد فاعلة وفعّالة، نلتقي ونتفق ونقول الإسرائيليون لا يريدون لنتخذ قراراً، لكن لا أحد أن يأخذ القرار بيده والدفاع عن الشعب الفلسطيني، السلطة مسؤولة على الدفاع الوطني، فلنجتمع ونأخذ قرار، لا أحد يستطيع أن يقول أنا منعت، وأنا قلت: أن الهدنة هي المصلحة الوطنية للجميع، ووافق عليها الجميع برغبته الكاملة وإرادته، وبالتالي يجب علينا أن نحافظ عليها أو أن نتركها معا.

أما الانتخابات التشريعية اتفقنا على الموعد الذي أعلنه الأخ روحي فتوح، رئيس المجلس التشريعي، عندما كان رئيساً للسلطة بأن 17-7 وذهبنا إلى القاهرة وصمم المجتمعون على أن يغير قانون الانتخابات وأن يكون 50% نسبي و50% دوائر، ووعدنا أن أبذل قصارى جهدي ولا سلطة لي على المجلس التشريعي هو له الحق في أن يقرر، لكن وكلما التقيت بلجنة المتابعة أو في اللجنة التنفيذي اسأل ماذا جرى؟ وأحدهم يقول لا تؤثر على المجلس التشريعي؟ الحقيقية غير ذلك، المجلس التشريعي كان يغير القانون، وفوجئنا بقراره ثلثين دوائر وثلث نسبي.

وفي 2/6 وصلني القرار أن الثلثين نسبي، وهذا مخالف لإعلان القاهرة، في نفس اليوم وصلتني رسالة من اللجنة المركزية لم يعد لدينا وقت لإجراء انتخابات في 17-7 فكنت أمام أمرين، إما أن نذهب لانتخابات على القانون القديم، ويفتح باب الترشيح إجبارياً في 5/6 وإما تأجيل الانتخابات، وفضلت تأجيل الانتخابات، فقامت الدنيا ولم تقعد، وقيل أنتم خالفتم إعلان القاهرة، قلت: أن عدلتم القانون وليس لي سلطة على تعديله، ونحتاج إلى قانون لنلبي، وهو 50% نسبي و50% دوائر. سكتت الحملة ولكن لا زالت تعسعس، لأن قانون الانتخابات عدل بعد أن استعملت صلاحيات دستورية، وكان المجلس مقرر أن يصوت بأكثر من ثلثين فلا يستطيع أن يصوت، وبقي 50% وبقي القانون الأساسي، يحتاج إلى تعديل، عدد أعضاء المجلس سيزيد، اليوم أو غداً يأتي النص النهائي للقانون، وأرسله إلى الجريدة الرسمية بعد أن أوقعه، لا حجة من الناحية القانونية، الآن جاهز من أجل التطبيق، كما يقول الفقهاء يحتاج إلى 3 أشهر من أجل التطبيق، ونحن في هذا الوقت رغم انشغالنا بعملية الانسحاب ولذلك قلت سأصدر مرسوماً على أن تكون الانتخابات بعد توقيعه في شهر يناير القادم، سنختار اليوم ولكن في نفس الشهر يناير القادم.

تطوير منظمة التحرير، اتفقنا على أن يذهب إلى دمشق حدث تأخر للأخ أبو أديب، والبعض قال انه تماطل، ونحن فعلاً نريد أن نعمل على تطوير المنظمة، وهي خيمتنا الأساسية ومظلتنا ومرجعيتنا القانونية والشعبية والدستورية والسياسية، ولا نستطيع أن نسمح بإهمالها، ولذلك عندما حصل التأخير التقيت في دمشق بكل الفصائل وطمأنتهم أن الأخ أبو أديب سيذهب إليهم، وذهب فعلاً وجرت نقاشات معمقة، وسيعود من أجل اللقاء مرة أخرى.

في هذه المناسبة كانت لدينا قضايا معلقة عند إخواننا السوريين واللبنانيين. قضية الاتصالات الهاتفية، نحن نتصل وهم لا يتصلون وعدوا بحله. الجواز الفلسطيني نحن نصدره، ونحن مسؤولون عنه، ونحن الضامنون له، وعد السوريون أن هذه المشكلة ستحل. ثالثا المنح الدراسية التي كانت تقدم من البعض، وقال الرئيس الأسد: إن هذه المنح ستستمر. إضافة إلى ذلك فتح السفارة، وبحثت مع الرئيس اللبناني وأبلغناه بشكل صريح نحن ضيوف مؤقتون عندك ولا نتدخل بشؤونكم وسنبقى بعيداً عن أي خلافات أي كانت، نريد أن يعيش الفلسطيني حياة كريمة ولا يحرم من المهن، فوافقوا على هذه النقطة وصدر قرار من مدير العمل اللبناني، أما بالنسبة للسفارة فقالوا عندما تشكل الحكومة الجديدة، وشكلت وهم في دراستها.هذه القضايا التي طرحت في القاهرة للتهدئة وتطوير المنظمة والانتخابات وهذه هي الصورة.

هناك قضايا مهمة جداً لنا قانونية، أمام المجلس التشريعي بعضها اعتمد وبعضها بانتظار الاعتماد والذي اعتمد قانون الخدمة المدنية، والكسب الغير مشروع وغيرها، ويجب أن ينظر لقانون القضاء وهو مهم، وقانون الأحزاب لنبني الانتخابات على الأحزاب الموجودة في كثير من دول العالم، نحن نطالب المجلس التشريعي أن ينهي هذا الموضوع إضافة إلى قانون الانتخابات لمحلية، هناك طلب من كل الفئات أن تكون الانتخابات المحلية نسبية، وأرسلنا للتشريعي من اجل هذا، ونأمل أن يتم ذلك في أقرب فرصة ممكنة.

هناك قصة أثيرت مؤخراً، وهي قضية منح الفلسطينيين جوازات سفر، أنا قلت في مقابلة تلفزيونية لا مانع لدي أن يحصل الفلسطيني على جواز آخر، لأنه لا يوجد عندنا في القانون تحريم جنسيتين، وفسر هذا على انه حرمان وتوطين للاجئ والناس، إذا حصل الفلسطيني على جواز آخر انه يتوطن، أغلب المواطنين في الضفة معهم جواز أردني، وكثير معهم جوازات أمريكية، لا اعتقد ممن يحمل جواز آخر ينسى الوطن، ليس الجواز يعني الوطن. كثير من الأطفال الفلسطينيين في تشيلي يغنون أغان فلسطينية وكلهم يغنون أغان للوطن، مع أنه لم يهاجر أحد منهم هل نسوا ؟.

نحن لا نقول أن تبقى المخيمات كما هي حتى لا ينسى اللاجئ قضيته، يعني إذا نظفنا المخيم ينسى أنه لاجئ، هذه القضية لا نريد أن نتاجر بها، نحن نريد أن نحسن حياة اللاجئ في المخيم من النواحي الصحية والاقتصادية، لا يوجد مياه عندهم ولا كهرباء ولا غيره.

يجب علينا الاهتمام بموضوع اللاجئين عندما كانت تدرس المبادرة العربية وضع موضوع اللاجئين ولا احد يتذكر أو يعرف أو يقتنع أنه لأول مرة يوضع قرار 194 في وثيقة عربية ثم تصبح جزءاً من خارطة الطريق، ثم من قرار مجلس الأمن، رغم أن إسرائيل ترفضه رفضاً قاطعاً، وهذا القرار يقول على التعويض، من حقنا بل من واجبنا أن نضعه على الطاولة ونبحث مصير اللاجئين.

هو لا يتم بالتجنس، والمستغرب الذي كان يهاجم هذه المسألة هو فلسطيني في بريطانيا ويحمل جنسية بريطانية! كيف تقول انه ينسى الفلسطيني بلده وأنت تحمل جنسية بريطانية؟.

أنا يهمني نعم الفلسطيني الذي يستطيع أن يعيش ويحسن حياته في جواز سفر، نعم لذلك النقطة المهمة من  يقول لا نجنس لأن هناك قرار يحرم تجنيس الفلسطينيين، هذا الكلام لا صحة له اطلاقاً، هناك توصية من جامعة الدول العربية وبالتالي لا نريد حجة، الفلسطيني في أي بلد مثله مثل غيره، نحن نقول من أراد ليحسن هذا وهذا غير محرم، كثير من الفلسطينيين موجودون ، كلهم حاصلون على جنسيات ليبية هل نقول أنهم نسوا حقوقهم؟؟

النقطة التي جئنا من أجلها: منذ بضعة أشهر اقترحت إنشاء منصب نائب الرئيس، ولم أرى اعتراضات، والتقيت مع المجلس التشريعي ولم أرى اعتراضات، الفكرة من ورائها نريد استمرارية المؤسسة وعدم الزلازل والهزة، وأنا اعرف أن الحياة هي دالة والأعمال هي دالة ويجب أن ننظر إلى المستقبل لا ننظر إلى أنفسنا، يجب أن نظر إلى أولادنا، كيف تكون الأمور مستمرة ومستقرة حتى لا نتعرض إلى زلازل لا يعلم نتائجها إلا الله.

أنا اقترحت على التشريعي أن أقدم أسماء ولكن المجلس التشريعي له الحق في أن يعتمد هذا، في الانتخابات التي ستأتي، أعتقد أنه سيكون بعد أربع سنوات سيكون الرئيس والنائب في انتخابات واحدة. هذه الفكرة طرأت لي لأنني أخشى الطوارئ، والأعمار بيد الله، لحماية المؤسسة من الزلازل والهزات.

أخيراً، أريد ن أتوجه إلى الأمة العربية إخواننا وأشقائنا لأقول لهم: إن الفلسطينيين جادون في الحصول على دولة فلسطينية مستقلة، وجادون بأن يسيروا في المسار الديمقراطي الذي بدأناه، ونحن نشكرهم على المساعدات ونمن لهم و نريد المزيد، لا نريد أن نحدد، نريد قلوبكم معنا وكل شيء ما أمكن عندكم معنا، لأننا نريد أن ننهض في ارض الوطن. ونشكر العالم أيضاً الذي وقف إلى جانبنا، وقدم مبالغ كبيرة لمدة ثلاث سنوات ولكن الأهم من هذا بعث لنا برجل عظيم ذي خبرة وهو ولفنسون، الذي يعتبر مبعوثاً للجنة الرباعية، وهو مقيم عندنا ويتابع كل القضايا المدينة والاقتصادية والمالية وغيرها، ونحن نوجه الشكر له لوجوده بيننا، نحن نطمع في المزيد.

 

 

 

 

 

خطاب السيد الرئيس إلى شعبنا بمناسبة الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة

13-9-2005

بسم الله الرحمن الرحيم " إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا". صدق الله العظيم.

أيها الإخوة والأخوات،
يا أبناء شعبنا الفلسطيني العظيم،
يا جماهير أمتنا العربية،


اليوم، وفي هذه الساعات التاريخية المجيدة، وبعد ثمانية وثلاثين عاماً من المعاناة والصبر، من الصمود والتضحية، من البذل والعطاء، ينبلج فجر جديد على رقعة غالية عزيزة من الوطن، وتشرق عليها شمس الحرية، بجلاءِ آخر جندي، واقتلاعِ آخر مستوطِن إسرائيلي، ليندثر الاحتلال العسكري المباشر والاستعمار الاستيطاني إلى الأبد، عن ثرى قطاع غزة المعطر بدماء الشهداء.

فتنهض غزةْ على أمل ووعد جديد، تنعم بالحرية وترنو إلى المستقبل لتصنع غدها الواعد بالخير والرخاء، بالديمقراطية والنماء، بالإعمار والبناء، بنفس العزيمة والإرادة، وبمثل الثقة والإيمان، الذي حققت من خلاله نصرها وحريتها، عندما أملَتْ نهايةَ الاحتلال وتفكيكَ المشروع الاستيطاني في سابقة تاريخية تنطلق هنا من غزة هاشم وجنين القسام، ليفرض شعبنا تواصلها واستمرارها حتى يزول الاحتلال بكل أشكاله، ويندثر الاستيطان عن كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 67، وفي القلب منها القدس الشريف.

إنها لحظات تاريخية مجيدة تختلط فيها المشاعر الجياشة، ولا يدرك معانيها وأبعادها العميقة إلا من اكتوى بظلم الاحتلال، وذاق مرارته، وكل من قاوم الاحتلال وضحى وأنتصر، فانتزع حريته وإستعاد إرادته وكرامته ليبقى إنساناً حراً، كما أرادت له مشيئة الله جديراً بالحياة الكريمة.
لهذا نعبر اليوم عن فرحنا وابتهاجنا ونحتفل، لهذا نعبر عن سعادةٍ طال صبرنا وصمودنا لاستعادتها.

وإنني في هذا العيد الوطني السعيد، أقدم التهاني القلبية إلى كل عشاق الحرية والمؤمنين بقيمها، إلى كل أبناء أمتنا العربية والإسلامية، إلى كل مُحبي السلام في هذا العالم، بما فيها قوى السلام في إسرائيل، إلى كل أبناء شعبنا داخل الوطن وخارجه، بنسائه ورجاله وأطفاله، بشيبه وشبانه. مستذكراً قوافل الشهداء الأكرمَ منا جميعاً، منحنياً إجلالاً لقاماتهم المديدة، وفي مقدمتهم شيخ الشهداء القائد الرمز ياسر عرفات، زارعَ بذرة الحرية والاستقلال، داعياً لهم بالرحمة، مستذكرًا طوابير الجرحى، مقدراً كل قطرة دم سالت من عروقهم، لتعطر تراب الوطن، وداعياً لهم بالشفاء، مستذكراً جيشاً من مناضلينا الأسرى الأحباء، القابعين في سجون الاحتلال، مؤكداً أن تحريرهم وحريتهم جزء لا يتجزأ من حريتنا، وعازماً على أن تكون قضية إطلاق سراحهم في مقدمة الأولويات.

كذلك أتوجه بالتهنئة المقرونة بالتقدير والاحترام إلى كافة الفصائل وأطياف العمل السياسي التي عملت بجهد متواصل من خلال لجنة المتابعة وساهمت في صنع هذا الإنجاز العظيم، في إطار الالتزام بالثوابت الوطنية، والوفاق الوطني الذي تجسد في إعلان القاهرة، وخاصة تجاه مسار التهدئة، ومعالجة القضايا الخلافية بالحوار، بما عمق هذه الصورة الحضارية لشعبنا التي تليق بقيمه وصموده، وأتاح المجال أمام خروج هادئ بلا رجعة لجيش الاحتلال ومستوطنيه، الأمر الذي أسقط حسابات المتربصين بشعبنا وخيب توقعاتهم.

تحية لكافة منتسبي قوى الأمن الوطني والشرطة والأجهزة الأمنية الذين رغم قلة الإمكانيات، ورغم كل ما لحق بمؤسستهم من تدمير وتشتيت، أثبتوا بإرادتهم القوية، وصدق انتمائهم ووطنيتهم، جدارة عالية في تحمل مسؤولياتهم والقيام بمهامهم على نحو يبشر بكل خير.

ولا يفوتني أن أتوجه بالشكر والتقدير إلى كافة الأشقاء والأصدقاء  "وبخاصة الشقيقة مصر والأردن"  الذين وقفوا بثبات ولا يزالون، إلى جانب شعبنا في هذه الظروف، وفي صنع هذا الحدث التاريخي، منوها بكل الشكر والتقدير إلى ما أقرته الدول المانحة من دعم مالي سخي لإعادة الإعمار والبناء، الذي نرجو أن يجسد واقعاً يساعد شعبنا على النهوض.

غير أن فرحتنا لن تكون مكتملة إلا باستكمال كافة مقومات وشروط تحقيق السيادة الوطنية، لأن انسحاب جيش الاحتلال ومستوطنيه من قطاع غزة كخطوة أحادية الجانب لا يعني بأي حال من الأحوال، انتهاء الاحتلال. فلا زالت معابر غزة مع العالم، وأجزاء من أراضيها ومياهها وأجوائها والممر الآمن مع الضفة الغربية من القضايا العالقة التي تهدد بتحويلها إلى سجن كبير. وغزة هي جزء لا يتجزأ من أرضنا المحتلة مع الضفة الغربية والقدس الشريف، مما يعني أن انتهاء الاحتلال لا يتحقق فعليا بالنسبة لنا، وبالنسبة لكل مواطن فلسطيني، إلا بإنجاز أهداف عملية السلام المتمثلة بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 67، بعاصمتها القدس الشريف، وحل قضية اللاجئين حلاً عادلاً ومتفق عليه حسب القرار 194، وتحقيق المصالحة التاريخية بين دولتين لشعبين تنعمان بالسلام المتكافئ والاحترام المتبادل والجوار الحسن، وتضع حداً لهذا الصراع الدموي الطويل الذي لن يتوقف إلا بإنجاز تلك الأهداف.

إننا ورغم إدراكنا لنوايا الحكومة الإسرائيلية، وأهدافها من وراء خطة الفصل الأحادية، ورؤيتنا كذلك لممارساتها اليومية، المتحدية للشرعية الدولية وقراراتها، باستمرار بنائها لجدار التوسع والفصل العنصري على أرضنا، أو من خلال تكثيف الاستيطان، وتغيير معالم القدس ومحاولات عزلها عن الضفة الغربية، واستمرار اعتقالها للأسرى، برغم كل ذلك فإننا مصممون على جعل خطوة الانسحاب من قطاع غزة، مقدمة لإنهاء الاحتلال عن جميع الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 67، معزَزين وأقوياءَ بعدالة قضيتنا وبوحدتنا الوطنية وبدعم المجتمع الدولي والشرعية الدولية..

فليكن بناؤنا و إدارتنا لقطاع غزة، نموذجاً حقيقياً لقدرتنا الكبيرة والحضارية على إدارة ورسم مستقبلنا بأيدينا، ورسالة للعالم، نُعزز فيها إنهاء الاحتلال ومظاهره.

إننا نتوجه هذا اليوم إلى المجتمع الدولي وجميع أصدقائنا وأشقائنا مؤكدين أن نجاح خطوة تصحيح الوضع في قطاع غزة يتطلب تعزيزُها التوجهَ نحو الحل الشامل، وعبر الشراكة والمفاوضات، وعلى أساس تنفيذ التزامات خطة خارطة الطريق، واستناداً إلى قرارات الشرعية الدولية، والاتفاقات الموقعة، والمبادرة العربية التي أقرت في قمة بيروت عام 2002.

إن الحلول الأحادية والجزئية والمؤقتة لا توفر فرصاً لسلام حقيقي، ولبناء علاقات قائمة على المساواة وتبادل المصالح. ولهذا نتوجه بصوتنا عاليا إلى الإسرائيليين حكومة وشعباً ونمد لهم أيدينا لنعمل معاً من أجل السلام الحقيقي السلام العادل المتكافئ، وأن تُستكمل الخطوة المفترضة بصورة كاملة وناجزة لا أن تصبح قفزة بالهواء، فخطوة السلام الحقيقية لا تُبقي خلفها عواملَ تفجير الصراع وإدامتَه. كما أدعو الحكومة الإسرائيلية للاستفادة من هذه الفرصة التاريخية، وتنفيذ ما عليها من التزامات، وخاصة وقف النشاطات الاستيطانية، ووقف بناء جدار التوسع والضم، والكف عن فرض الأمر الواقع، وإطلاق سراح الأسرى، وإعادة المبعدين.

أيتها الأخوات أيها الإخوة،

إننا نقف اليوم أمام مهمتين أساسيتين، عقدنا العزم على انجازهما: مهمة الاستقلال والسلام، ومهمة البناء والتطوير.

فعلى الصعيد الداخلي، أَعدت الحكومة خطة وطنية بالتعاون مع الدول المانحة لإعادة الإعمار والبناء وتحقيق التنمية الشمولية بعد هذا الكم الهائل من التدمير الإسرائيلي المنظم لكل مقومات الحياة، وسائر البنى التحتية، وفي ظل افتقار بلادنا للثروات الطبيعة عدا ثروتِها الأساسية ورأسمالها الحقيقي وهو الإنسان الفلسطيني، واليوم، يسعدني أن أعلن أمامكم عن حِزمة من المشاريع التطويرية والتنموية تهدف إلى إنعاش اقتصادنا الوطني في كافة أرجاء الوطن وخلق آلاف فرص العمل ومكافحة الفقر وأبرزُها:

أولاً: في موضوع الإسكان، سنقوم ببناء مدينة الشيخ خليفة بن زايد على أنقاض مستوطنة موراغ سابقا بواقع 3000 وحدة سكنية وبتكلفة 100 مليون دولار، إضافة إلى الحي الإماراتي في رفح بواقع 638 وحدة سكنية. بناء 1210 وحدات سكنية بتمويل من المملكة العربية السعودية في رفح لتعويض الذين هدمت بيوتهم من قبل قوات الاحتلال. ومشاريع لإعادة ترميم البيوت التي دمرها الاحتلال بشكل جزئي. سنقوم بإعادة إنشاء شارع صلاح الدين في غزة بتكلفة 20 مليون دولار، إضافة إلى طرق أخرى. البدء بالعمل على إنشاء الميناء البحري ليكون بوابتنا على العالم، وتطوير المعابر الواقعة على حدود 67.

ثانياً: في مجال المياه، نعلن عن مشاريع للمياه العادمة ومياه الشرب في شمال غزة وخانيونس والخليل وجنين وطولكرم.

ثالثاً: على صعيد التنمية الاقتصادية، فقد أصبح لدينا 54 كم مربع من الأراضي ستكون جاهزة كقاعدة إنتاجية تضم 3300  دونم من الدفيئات الزراعية في غزة ستخلق حوالي 4000 فرصة عمل جديدة. وستدفع بالتجارة الفلسطينية إلى آفاق جديدة عبر تشجيع القطاعات المولدة للصادرات، وإيجاد فرص عمل لتخفيف حدة البطالة ومكافحة الفقر.

رابعاً: في مجال التعليم، علينا بناء حوالي 50 مدرسة جديدة سنوياً، إضافة إلى غرف صفية جديدة لمواجهة الاحتياجات السنوية في الضفة والقطاع، آخذين بعين الاعتبار أنه لدينا 50 ألف طالب جديد كل عام.

خامساً:  في مجال البيئة، سوف نتعاون مع مندوب اللجنة الرباعية لنقل الأنقاض والركام الذي خلفه الاحتلال بعد تدمير المستوطنات.

سادساً: في مجال الصحة، سيتم بناء مستشفى جديد في قلقيلية ليخدم المدينة المحاصرة بالجدار، إضافة إلى المراكز الصحية والعيادات.

سابعاً: في مجال القضاء، فإننا نركز جهدنا على بناء محاكم جديدة وصيانة المحاكم القائمة وتطويرها لتنسجم مع الجهد المبذول نحو فرض القانون والنظام العام.

ثامناً: سنعزز صمود أهلنا في القدس والأغوار عبر مشاريع ذات مردود اقتصادي، ولا يفوتني أن أذكر أن الطريق أصبح ميسراً أمام استثمارات القطاع الخاص، وقد شجعنا المستثمرين لإنشاء مشاريع إنتاجية وخدماتية في جميع أماكن الوطن.

أما على الصعيد السياسي وفي هذا الإطار فإننا نجدد استعدادنا وجاهزيتنا للشروع الفوري بمفاوضات الوضع النهائي، وندعو الرباعية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية إلى تفعيل دورها ومشاركتها، ومواصلة جهودها الخيرة، لتحقيق هذا الهدف والبدء بتطبيق خارطة الطريق وصولاً لتحقيق رؤية الرئيس بوش بإقامة الدولة الفلسطينية، كما ندعو الأشقاء العرب إلى مضاعفة جهودهم وتحركاتهم على كافة المستويات بخطى منسقة للنظر بإحياء مبادرة السلام العربية، ووضع الآليات الكفيلة والمناسبة لتفعيلها في سياق التكامل مع المبادرة الدولية، مؤكدين في هذا المقام اعتزاز شعبنا وإكباره للمواقف الأخوية الأصيلة، والدعم الأخوي السخي لصمود شعبنا ونضاله العادل، ذلك الدعم المعنوي والمادي الكبير الذي نثق بتواصله واستمراره، واتساع نطاقه تجسيداً للعمق الاستراتيجي وللترابط المصيري بين شعبنا وأمته

أيتها الأخوات والإخوة:

منذ تشرفت بحمل هذه الأمانة وتولي هذه المسؤولية، بثقتكم ودعمكم، وضعت نصب عيني باستمرار إتباع أسلوب المكاشفة والمصارحة. وقناعتي راسخة بمستوى الوعي والمسؤولية الذي يتحلى به شعبنا، وثقتي مطلقة بقدرة هذا الشعب وأصالته، وصدق حدسه وإخلاصه لوطنه، وهذا ما أعوّل عليه بعد الاتكال على الله.

ولهذا دعوني أصارحكُم، وأن أصدقَكم القول في هذا اليوم المجيد. إننا أمام فرصة تاريخية، وإزاء إنجاز وطني هام، بما حققناه، وما نطمح لتحقيقه وإنجازه من وضع حجر الأساس القوي والأبدي لمشروعنا الوطني ودولتنا المستقلة.

هذه الفرصة السانحة إنما يعتمد حسنُ اغتنامها وتأكيدها على أدائنا وكفاءتنا، هذه الفرصة لا يجوز أن نسمح لأحد بإضاعتها وتبديدها، لقد صنعتها تضحيات شعبنا ولا يحق لأحد أن يصادرها أو يهدرها تحت أي مبرر أو ذريعة، إنها مستقبل أبنائنا جميعاً ومكانُهم الوحيد تحت الشمس فلا وطن لنا سوى هذا الوطن، ولا حياة لنا إلا فيه، وجميعنا ملزمون بحمايته والحفاظ على أمنه واستقراره بإعلاء القانون وفرض النظام، وكل منا له مصلحة في بنائه وإعماره، وتحقيق نموه وازدهاره، أنه حقً وواجب، ومتى أدى كل منا واجبه، تمتع الآخرون بحقوقهم، فواجبات كل منا حق للمجموعة الوطنية.

اليوم لا مجال لأجندات شخصية أو فئوية، فالأجندة الوحيدة هي الأجندة الوطنية المجسِدة لهوية شعبنا، والمحافِظة على مكاسبه وإنجازاته، الساعية لصياغة غده ومستقبله، وطريقنا إلى هذه الأجندة هو الحوار والمشاركة والديمقراطية بتكافؤ الفرص والحقوق والواجبات، ولن أكون في موقعي إلا الساهر على حماية الدستور وتطبيقه الضامن لتلك الأجندة الوطنية بقوة القانون وقوة إرادتكم، بتفويضكم وثقتكم ودعمكم.

إن شعبنا الطيب، شعبنا الصامد الذي حافظ رغم شدة وصعوبة الظروف الأمنية والاقتصادية على تقاليده وقيمه السامية وعلى وحدته وعراقته وتشبثه بحقه وهويته، لَشعبٌ جدير بالحياة الحرة الكريمة، بالحياة الآمنة المستقرة، ولهذا لن نتهاون بعد اليوم في إنهاء كل الظواهر السلبية التي تشكل خروجاً على القانون والنظام وتهديداً لأمن مجتمعنا، إضافة إلى كونها غريبة ومستهجنة ودخيلة على قيم مجتمعنا وتقاليده، فالمبدأ الذي يحكمنا هو سلطة واحدة، وقانون واحد على الجميع، وسلاح شرعي واحد، وتعددية سياسية.

لن نسمح بعد اليوم باستمرار حالة الفلتان الأمني وفوضى السلاح وأخذ القانون باليد، وبتكرار حوادث الخطف الغريبة على مجتمعنا، أو التعدي على المؤسسات الحكومية وأراضي الدولة التي شرعنا ومنذ فترة بإزالتها كائناً من كان مرتكبها، وبهذه المناسبة أعيد التأكيد مجدداً أن الأراضي الحكومية التي زال عنها الاستيطان الإسرائيلي لن تكون إلا للمنفعة العامة بموجب القانون، أما تلك الخاصة التي تقل نسبتها عن الثلاثة بالمائة فستعاد أو يعوض أصحابها ضمن الأصول القانونية أيضا ولا أحد فوق القانون.

إن هذه المهام ليست مسؤوليتي أو مسؤولية السلطة وحدها، إنها مسؤوليتُنا جميعا فلنكن جميعاً على مستوى هذه المسؤولية التي هي في نهاية الأمر أمانة في أعناقنا، إن حفظناها وأحسنا القيام بها ستكون غزة حجر الزاوية والركن الحصين لاستكمال تجسيد مشروعنا الوطني وحلمنا ببناء دولتنا المستقلة على كامل ترابنا الوطني، ستكون غزة هي الرافعة وهي الحاضنة وهي الواعدة بالخير، بالأمل وبالمستقبل.

إن إيماني عميق ولا يتزعزع أنّ بوسعنا وباستطاعتنا إن شاء الله أن نجعل منها واحة خير واستقرار وقاعدة إرتكاز لتحقيق الحلم بالإيمان والعمل والوحدة الوطنية والمشاركة السياسية التي فُتحت أبوابها للجميع، وتتوالى خطوات بنائها عبر صناديق الاقتراع للانتخابات المحلية الجارية والتشريعية القادمة على طريق إعادة صياغة نظامنا السياسي وآليات عمله طبقاً للمبادئ الديمقراطية بما فيها تداول السلطة في كنف السِلم الاجتماعي.

الإخوة والأخوات:

تواجه شعبنَا تحدياتٌ حقيقية جسيمة، وتتربص به وتَمكر له بعض الجهات، وتشاع بعض التوقعات السوداوية، بل تُعقد المراهنات التي تستهدف النيل من معنويات شعبنا وإضعاف همته، فليكن ردنا بالقول والفعل، وبالمزيد من الوحدة والتلاحم، بالتشمير عن سواعد العمل والانتقال إلى مرحلة البناء والتعمير.


مبارك أيها الشعب العظيم، مبارك أيها النصر العزيز، فاليوم غزة وغداً بإذن الله وهمة الشعب وصموده القدس والضفة الغربية.

بسم الله الرحمن الرحيم
" لله الأمر من قبل ومن بعد، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء، وهو العزيز الرحيم" صدق الله العظيم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

كلمة السيد الرئيس القاها بالنيابة عنه الطيب عبد الرحيم في احتفال جماهيري فوق ما كان يعرف بمستعمرة نفيه دكاليم

14/ 9 / 2005

بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة، في قيادة فصائل العمل الوطني والإسلامي،
أيتها الأخوات والإخوة، من كافة الأطياف السياسية لشعبنا العظيم،

من حق شعبنا أن يفرح ويبتهج بزوال الاستيطان والاحتلال الإسرائيلي البغيض عن أرضه، وفي خضم هذا الفرحة علينا أن نستذكر أرواح شهداءنا الأبرار الذين رفعوا هاماتنا رفعوا رؤوسنا وحققوا أهدافنا, من حقنا أن نتوجه إلى جرحانا البواسل ونقول لهم: إن دماءكم العطرة كانت خير ماء وخير غذاء لأرضنا الطاهرة. من حقنا أن نتوجه إلى أسرانا البواسل خلف قضبان الاحتلال، ونقول: لهم كلنا معكم. وقضيتكم تقف على رأس أولويات السلطة الوطنية، أولويات شعبنا الفلسطيني. من حقنا أن نوجه التحية لكافة الأخوة والقوى في الفصائل الوطنية والإسلامية التي وقفت موقفاً مسؤولاً لأنها جميعها حركات مسؤولة، تضع نصب أعينها مصلحة شعبنا وأهدافه، وقفت موقفاً مسؤولاً أثناء إندحار الاستيطان من فوق أرضنا واندثار الاحتلال من على ترابنا المقدس، جميعكم يستحقون التحية والتكريم شهداؤنا جرحانا أسرانا قواتنا وأطيافنا السياسية.

لقد ضرب شعبنا مثلاً للعالم كله أننا شعب حي ورأسه ينطح السحاب لا يركع إلا لله وحده، لقد اثبتوا جميعاً إننا شعب يستحق أن يكون له مكان تحت الشمس في دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشريف. إننا شعب عظيم كل العالم يرقبنا.

أيها الإخوة والأخوات،

كل العالم يرقب أداءنا، وقد راهنوا على اختلافنا، وخسئت مناوراتهم ومؤامراتهم، لقد راهنوا على أن الشعب الفلسطيني سيقتل وأن الضفة ستذوب في صفوفه، ولكن كان الحوار الأخوي الذي وصلنا من خلاله إلى اتفاقات، هذا هو طريقنا الحوار وليسس غير الحوار، طريقنا الديمقراطية وليس غير الديمقراطية، الانتخابات المحلية قادمة، والانتخابات التشريعية قادمة، وصندوق الاقتراع هو الحكم، ومن ينجح يكون الله في عونه وسنبارك له.

باسم السيد الرئيس أقول لكم بعد أن أنقل تحياته: أن طريقنا فقط وليس هناك طريق أخر إلا الحوار لأننا أخوة كلنا رفاق درب، كنا كلنا رفاق الشهداء، كلنا أبناء قضية واحدة. المشوار أمامنا طويل أيها الإخوة، ولن تكتمل فرحتنا إلا بتحرير أرضنا في الضفة الغربية وعاصمتنا الأبدية القدس الشريف.

 المشوار أمامنا طويل، ولكننا سجلنا هنا في غزة إن الاستيطان لن يكون أبداً حقيقة واقعة، وهو باطل ولابد أن يزول. قالوا عن "كفار داروم" ذات يوم أن أمنها من الأمن القومي الإسرائيلي ومن أمن تل أبيب، واضطروا أمام صمود وإصرار وتلاحم شعبنا، أن يهجروا "نتساريم"، وها نحن نحتفل الآن في قلب الاستيطان في "نفيه دقاليم" لنقول أن "معالي ادوميم" ستزول و"كفارعتسيون" ، وارئيل ستزول بإذنه تعالى، وبهمتكم.

 أيها الإخوة والأخوات،

أقول: إذا كان من حقنا أن نفرح فعلينا أن نستنفر كل قوانا، أن لا ننام على حرير، لان المشوار طويل، الضفة الغربية تناديكم، والقدس تستصرخكم من حقنا أن نفرح، ولكن من حقنا أن نقلق، زعماء إسرائيل يقولون إنهم سيتفردون بالضفة الغربية، نرفض هذا الكلام جملة وتفصيلاً، الضفة الغربية والقدس هي ملك للشعب الفلسطيني كما أقرات ذلك كل الشرائع والقرارات الدولية.

ومن هنا فان نضالنا وصمودنا عادل إلى أن تقوم دولتنا على أرضنا، لسنا هواة قتل ولسنا هواة اقتتال، ولكن عليهم أن يدركوا أن شعبنا الفلسطيني في غزة الصمود والبسالة وفي الضفة الغربية والقدس هو من طينة واحدة، من عجينة واحدة، جبلها الله بالإرادة والتصميم، جبلها الله بالأيمان، جبلها الله بالتمسك بعقيدتنا وبأهدافنا وبقيمنا وبقيم مجتمعنا النبيلة، هذه هي طبيعة شعبنا من جنين حتى رفح ، فلن يراهنوا على إنهم يستطيعون أن يستفردوا بالضفة، أو يستفردوا بالقدس.

هنيئاً لكم ولنا ولكل شعبنا ولكل محبي السلام في هذا العالم، ولا يعرف هذا الهناء إلا لمن اكتوى بنيران الاستيطان والاستعمار، هنيئاً لشعبنا على وقفته الموحدة هذه، هنيئاً ومبارك لفصائل شعبنا وقواه وأطيافه السياسية الوطنية والإسلامية، جنباً إلى جنب وكتفاً إلى كتف و يداً بيد.

وأحذركم وأحذر نفسي من أي فتنة تعم أو يخطط لها أو تعم هذا الوطن لا سمح الله، إننا شعب أصيل، شعب طيب، شعب يستحق الحياة، شعب قدم الشهداء منذ عشرات بل مئات السنين، شعب يستحق أن يكون له مكان تحت الشمس يليق به يليق بنضاله يليق بشهدائه، انبذوا الخلاف والفتنة وأجعلوا من قنوات الحوار بين كل القوى والفصائل هي القناة الوحيدة والمعتمدة، والقواسم المشتركة بيننا كثيرة وكثيرة جداً.

إياكم أن يتسلى البعض من غيرنا بنا، هم ينظرون لنا يحاولون أن يتسلوا بنا، ولكننا حريصون على أمن هذا الوطن، حريصون على القانون في هذا الوطن، حريصون على سيادة القانون في هذا الوطن، بلا استثناء. ومن حمل السلاح دفاعاً عن شعبه وأطفاله عن إيمان حجو لا يمكن أن يرفع السلاح في وجه أخيه، هذا هو إيماننا، هذه هي عقيدتنا، هذا هو نهجنا.

ونعاهدكم باسم الأخ الرئيس، وباسم السلطة الوطنية الفلسطينية، أن نبقى على عهد الشهداء والمعتقلين والجرحى حتى ترفرف هذه الرايات وراية فلسطين فوق المسجد الأقصى، فوق كنيسة القيامة، وأسوار القدس عاصمة دولتنا الفلسطينية الأبدية بإذنه تعالى.

 

 


خطاب السيد الرئيس ‏ألقاه بالنيابة عنه وزير الشؤون الخارجية الدكتور ناصر القدوة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة  في إطار الاحتفال بمرور ستين عاماً على قيامها من نيويورك

16-9-2005

السيد الرئيس،
أصحاب الفخامة و السعادة رؤساء وأعضاء الوفود،
معالي الأمين العام،
السيدات والسادة،

أقفُ أمامكم اليوم ممثلاً لشعبي، ناقلاً رسالته، حاملاً آلامَه وآمَاله وثقتهُ بالتزامكم بحل القضية التي مر على عرضها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة 58 عاما. ومن أجل هذا الهدف النبيل وقف أمامكم القائد الراحل الرئيس ياسر عرفات لأول مرة عام 1974، والقي خطابه التاريخي من أجل شعبه من أجل الأمن والسلام في المنطقة.

إننا في فلسطين نقف اليوم أمام مهمتين تاريخيتين، عقدنا العزم على انجازهما: مهمة الاستقلال و السلام، ومهمة التطوير وبناء مؤسسات الدولة. إن الأولوية الأولى إذن هي إنهاء الاحتلال وتحقيق الحرية السبيل نحو إنهاء الاحتلال واضحٌ حددته القرارات الكثيرة للشرعية الدولية، ورسمت خطواته خارطة الطريق التي اجمع عليها العالم واعتمدها مجلس الأمن في القرار 1515.

أن الهدف وكما جاء في مبادرة السلام العربية ورؤية الرئيس بوش هو تحقيق السلام على أساس حل الدولتين فلسطين وإسرائيل وفقا لخط الهدنة لعام 1949. ونحن إذ نسعى للاستقلال وبناء الدولة، نعمل على تعزيز ثقافة السلام، ونبذ العنف وإزالة أسبابه، لأننا نريد بناء مجتمع يحول المعاناة التي عاشها الشعب الفلسطيني على مدى عقود إلى طاقة خلاقة للبناء، بحيث تصبح القضية الفلسطينية مثالا للديمقراطية والتقدم، لا أداة يستغلها من يريد اللعب على مشاعر الاضطهاد في العالم لتشجيع الإرهاب أو اختلاق صراع بين الحضارات.

السيدات والسادة،

إننا الآن نقف أمام فرصة لإعادة إطلاق عملية السلام، فرصة وفرتها مرحلة ما بعد فك الارتباط في قطاع غزة وبعض مناطق من شمال الضفة الغربية، والذي تعاملنا معه بايجابية على الرغم من كونه خطوة أحادية الجانب، ونجحنا في ضمان سيره بشك هادئ وآمن.

وعلى إسرائيل أن تجعل هذا الانسحاب خطوة ايجابية بشكل حقيقي وإنهاء الأمور الهامة العالقة بشك سريع بما في ذلك معبر رفح الحدودي مع مصر والمطار والميناء وتحقيق الربط بين القطاع والضفة الغربية. بدون ذلك ستبقى غزة سجناً كبيراً.

ينبغي كذلك تنفيذ تفاهمات شرم الشيخ وانسحاب إسرائيل إلى مواقع 28 سبتمبر2000  وإطلاق سراح الأسرى، وخلق أجواء من الأمل و الثقة. غير أن أية إنطلاقة جدية لا يمكن أن تتم بدون وقف تام لكل النشاطات الاستيطانية ولبناء الجدار وللاستمرار في تمزيق الضفة الغربية وتحويلها إلى كانتونات وجزر متناثرة وخاصة في القدس. فالقدس هي عنوان السلام، والقدس الشرقية هي عاصمة دولتنا، وحصارها وإحاطتها بجدران العزل وفصلها عن محيطها وتدمير مقومات الحياة فيها وحرمان المواطنين الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين من الارتباط بمقدساتهم لا يمكن إلا أن ينسف أسس السلام.

إن الشراكة هي مفتاح النجاح في كل الخطوات، لان السياسات الأحادية وأن نجحت جزئياً، فنجاحها سيكون مؤقتاً و ليس شاملا بالتأكيد. بالتالي، فان خير وسيلة للتقدم هي بالتوجه فوراً لمفاوضات الوضع الدائم لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حلاً يضمن إقامة دولة فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف، وحل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين على أساس القرار 194.

سيدي الرئيس،

فور انتخابي رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية، توصلنا إلى اتفاق وطني على التهدئة من جانب واحد، وصمدت الهدنة على الرغم من الاستفزازات المتكررة. كما باشرنا بعملية شاملة لتوحيد وإعادة تأهيل أجهزتنا الأمنية المدمرة، وأحرزنا تقدماً مهماً على الرغم من العراقيل التي تواجهنا.

وبالتوازي، شرعنا بعملية إصلاح، توفر البنية التحتية لقيام دولة فلسطينية ديمقراطية عصرية. فعقدت الانتخابات البلدية وبدأ التحضير للانتخابات التشريعية التي ستعقد بداية العام القادم، باتجاه إرساء التعددية والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.

كما وقطعنا شوطاً هاماً في إصلاح وتنمية مؤسساتنا الحكومية ونظامنا المالي لتهيئة المشروع التنموي الاقتصادي الذي نطمح إلى تأسيسه، و الذي نعمل مع المجتمع الدولي على تحقيقه. وفي هذا الإطار، لا يسعني إلا أن اشكر الدول الشقيقة والصديقة على دعمها المستمر لنا، وكذلك ما تجلى في مؤتمر لندن، وفي قمة الثمانية، ويأمل شعبنا في زيادة هذا الدعم، لان السلم لا يتم في ظل الفقر، والتنمية لن تنجح في ظل الاحتلال.

السيد الرئيس،

واسمحوا لي أن اغتنم هذه الفرصة لأؤكد قناعتنا في فلسطين بضرورة وجود منظمة أمم متحدة قوية تم إصلاحها بما في ذلك مجلس أمنها لمواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين، وكذلك ضرورة الالتزام بمبادئ وأهداف الميثاق والقانون الدولي، وخاصة فيما يتعلق بصون حقوق الإنسان وحريته وكرامته، كي يتمكن المجتمع الدولي من التعامل مع التحديات التي تواجهنا جميعاً من احتلال أجنبي وإرهاب دولي وانتشار لأسلحة الدمار الشامل، والفقر والجوع والأمراض الخطيرة.

أخيرا نؤكد، أننا نقف الآن وفي الشرق الأوسط بالذات على مفترق طرق، فأما التقدم الحثيث والفعَّال نحو السلام والاستقرار والأمن والبناء والتعايش، وأما الدوران مجدداً في الحلقات المفرغة في ظل تهديد دائم بتواصل العنف والإرهاب والابتعاد عن الحلول الجوهرية للتحديات التي تواجهنا، وإنني على يقين بأنكم ستدفعون بالخيار الأول.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

 

 

 


خطاب السيد الرئيس خلال مهرجان الحرية والاستقلال في مدينة رام الله


24-9-2005

بسم الله الرحمن الرحيم
"إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم"
بسم الله الرحمن الرحيم"
"إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت النار يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا" 
صدق الله العظيم

يا جماهير شعبنا الفلسطيني العظيم،
أيتها الأخوات أيها الإخوة،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أحييكم جميعاً يا أبناء شعبنا المناضل الصامد، ونحن اليوم نعيش معاً لحظات الحزن والغضب، التي شوهت فرحتنا بخروج المستوطنين وجيش الاحتلال من غزة وجنين. لقد خسرنا شهداء طولكرم في عملية اعتداء واغتيال جبانة على أهلنا هناك. ولقد أصبنا جميعاً بالذهول والألم نتيجة ما وقع في غزة من مجزرة، رحم الله الشهداء ونتمنى للجرحى الشفاء العاجل، حيث حدث ما كنا نخشاه ونحذر منه دائماً، وصار مطلوباً اليوم أكثر من أي وقت مضى أن تنتهي هذه المأساة المتكررة والناتجة عن الفوضى وفلتان السلاح والاستعراضات، والعبث هنا وهناك في مواقع السكن والمدنيين على حساب العمل الجدي وسيادة القانون والنظام.

يا جماهير القدس ورام الله والخليل، نابلس وأريحا، جنين وبيت لحم، وقلقيلية وطولكرم وسلفيت وطوباس وشبيبة فتح، يا أبناء المخيمات والريف والأغوار، أيها الصامدون في وجه الاستيطان والجدار العنصري، جئت اليوم من غزة البطلة التي غادرها آخر مستوطن وجندي احتلالي لأشارك معكم في هذا المهرجان الوطني الشامل، مهرجان منظمة التحرير بجميع قواها وفصائلها وشخصياتها، مهرجان القدس عاصمة فلسطين بكنائسها ومساجدها، مهرجان الأسرى وعائلات الشهداء، حتى نعلن كلنا بصوت واحد:

لا بديل عن الحل الشامل، وطريق غزة الحرة لا يكتمل إلا بانسحاب الاحتلال عن جميع أراضينا في الضفة الغربية والقدس وقيام دولتنا المستقلة، وعلى حدود عام 1967م، وعاصمتها القدس الشريف، وتوفير حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين وفق القرار 194، وكذلك إزالة الاستيطان عن أرضنا حتى نتمتع بدولة فلسطينية مستقلة متصلة قابلة للحياة، وعاصمتها القدس، إن شاء الله.

الحل الشامل هو الطريق، وليس الحلول الجزئية والمنفردة، الحل القائم على الشراكة والمفاوضات، وليس القائم على الانفراد وفرض الأمر الواقع، الحل الذي يضمن العدالة والمساواة عبر إنهاء الاحتلال، وليس الحل الذي يمزق أرضنا إلى معازل وكانتونات، ويبقي على الصراع مفتوحاً ويدمر بالتالي فرص الأمن والسلام العادل لكلا الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. الحل الذي تسعى إليه قوى السلام بين الشعبين وتعمل من أجل أن يبدأ عهد جديد من المصالحة التاريخية وحسن الجوار بديلاً عن الحرب والقتل والاستيطان والعزل العنصري والإرهاب.

أيتها الأخوات والإخوة،

إن دربنا صعب ومليء بالمخاطر، ويجب أن نتسلح بالوعي والوحدة حتى لا نقع في الأفخاخ التي ينصبونها لنا، يجب أن نتسلح بالأمل الدائم، وإننا واصلون إلى هدفنا بإقامة الدولة.

إننا نتمسك ببرنامج منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني، وإننا نلتزم ببرنامجها، وبرنامج السلام الذي أقرته في مجالسها الوطنية وبالمبادرة العربية، ولن نخرج عنها أو نرضى بحلول تدمر مصالح شعبنا، مثل الحل الذي يسمى الدولة ذات الحدود المؤقتة، وعلينا أن نقول جميعاً لا للدولة ذات الحدود المؤقتة.

فالقدس هي أساس كل حل كما هو توفير الحل العادل للاجئين من شعبنا، وإطلاق سراح جميع الأسرى، ولا نتحدث عن أسرى من هنا وهناك نتحدث عن جميع أسرانا لابد أن تبيض كل السجون الإسرائيلية حتى يعود الأبطال إلى أهليهم وذويهم.

نحن نقول لأنفسنا ولأشقائنا العرب: أنتم جئتم بالمبادرة العربية وأقرتها القمة العربية في بيروت 2002 وأقرتها كل القمم، تمسكوا بهذه المبادرة ولا تخرجوا عنها ولن نخرج عنها.

لقد التزمنا معاً كقوى فلسطينية في لقاء القاهرة، بأن تعزيز الديمقراطية يكون من خلال انتخابات حرة يشارك فيها الجميع بدون قيود أو شروط، ومعلوم أن تجربتنا الديمقراطية أصبحت نموذجاً، وبالتالي لن نرضخ لأية إملاءات أو استفزاز من أي مصدر جاء. نحن الشعب الفلسطيني من نقر قانوننا الانتخابي ولا "فيتو" لأحد علينا من الذي يشارك أو لا يشارك، ليس لأحد قرار يفرضه علينا.

وسنجري انتخاباتنا البلدية والتشريعية في مواعيدها المحددة، نحن ملتزمون بقرارات القاهرة التي أتخذت لتفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، الوعاء الشامل لكل الشعب ولن نتخلى عن المنظمة.

نحن نحتاج إلى الأمن لأنه مصلحة فلسطينية، يجب علينا جميعاً أن نحرص عليه ونحول دون من يحاول أن يعبث في هذا الأمن ويعبث بحياة أبنائنا، ولن تكون غزة أولاً وأخيراً، بالأمس كانت غزة، وأقول لم تحرر غزة بعد وإن خرج الجيش والمستوطنون منها، وكانت جنين وجنين لم تحرر بعد إنما خرج المستوطنون منها ولن نقبل أن تكون غزة أولاً وأخيراً، بل هي أولاً من أجل الحل الشامل وصولاً إلى الدولة الفلسطينية المستقلة.

أيتها الأخوات و الإخوة،

نلتقي اليوم إلى جانب ضريح زعيمنا الخالد أبو عمار، ونعاهد الله أن تظل الراية الفلسطينية، راية الحرية والاستقلال مرفوعة وخفاقة، مؤكدين على أن تبقى السياسة الواقعية الوطنية التي تنطلق من مصالح شعبنا الأساسية والتي تحمي حقوقه، هي السياسة التي نسير على هديها لنكمل المشوار، ولنتحد كلنا على درب الاستقلال الوطني، وباسمكم أرسل اليوم التحية، كل التحية إلى كل أبناء شعبنا في جميع أماكن تواجده. شعبنا الذي بقي مزروعاً في أرض وطنه ولم يغادرها وشعبنا في منافي اللجوء في كل مكان. شعبنا العظيم الذي يتوق للحرية والسلام العادل.

كما أرسل التحية إلى قوى السلام في إسرائيل وفي العالم التي تسير معنا على طريق العدل والمساواة وإنهاء الاحتلال، وإلى العالم كله كما أتوجه بالتحية إلى ضيوفنا الأعزاء ميشيل روكار، رئيس وزراء فرنسا الأسبق، الصديق الحبيب لشعبنا الفلسطيني، وإلى رجال الدين مسلمين ومسيحيين، وأريد أن أبعث بالتحية لرمزين من رموز شعبنا الشاعرين محمود درويش وسميح القاسم، نقول اليوم : نحن بدأنا في غزة لنثبت أننا شعب جدير بالحياة، وغزة يجب أن تنفتح على العالم لا أن تتحول إلى سجن كبير. كما أن إنجاز غزة لا يمكن حمايته إلا بالبدء في السير نحو الحل الشامل، وهو الحل الذي يؤمن مصالح الجميع وليس مصلحة الشعب الفلسطيني وحده.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


خطاب السيد الرئيس في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد الرئيس الخالد ياسر عرفات رام الله

11-11-2005

بسم الله الرحمن الرحيم
"ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون"
صدق الله العظيم

السادة أعضاء السلك الدبلوماسي،
الإخوة قيادات القوى والفصائل الفلسطينية،
الإخوة الوزراء والنواب،
الأخوات والإخوة الكرام،
يا أبناء شعبنا العظيم في الوطن وفي الشتات،

ونحن نقف بين يدي الذكرى الأولى لرحيل القائد الخالد ياسر عرفات، تجددت لحظة الحزن، ورفرفت أجنحة الموت السوداء فوق عاصمة الأردن الشقيق، حين ارتكب المنحدرون من كهوف الماضي، أعداء الحياة والشمس والحرية، ذوو الضمائر الميتة جريمتَهم تحت جنح الظلام، فأوقع وباءُ إرهابهم الأعمى عشرات الضحايا، من شهداء وجرحى من الأبرياء، وانضم إلى قافلة شهداء شعبينا الفلسطيني والأردني العشرات منهم، ومن ضمنهم الأخ الشهيد بشير نافع، وجهاد فتوح وعبد علون وغيرهم.

إننا إذ نعلن تضامننا ومساندتنا لشعبنا في الأردن الحبيب، وقيادته وحكومته، نتقدم باسم شعبنا الفلسطيني وقيادته، إلى ذوي الضحايا بأحر التعازي، ونؤكد وقوفنا إلى جانب الأردن ملكاً وحكومة وشعباً في هذه المحنة، وكلنا ثقة بقدرتهم على التصدي لخطر الإرهاب، الذي استهدف أرواح الأبرياء، والنيل من أمن واستقرار الأردن.

أيتها الأخوات،
أيها الإخوة،

قبل عام مضى، وفي مثل هذا اليوم، وبالرغم من تواتر الأخبار عن تدهور صحة الرئيس الخالد ياسر عرفات من مشفاه الباريسي، لم يكن أحد يتصور مهما كانت واقعيته، أن الرجل الذي عاش طوال أربعة عقود في فم الموت يصارعه ويغلبه مرات عديدة بفضل العناية الإلهية، قد امتدت إليه يد القضاء والقدر ليموت كباقي البشر. منذ أربعين عاماً، ونحن نعايشه كما تُعايش الشجرة ظلها، ومنذ أربعين عاماً وهو يعمل على تكييف صورته مع صورة فلسطين نفسها، فتماهيا كل في واحد.

قصة ياسر عرفات لا تشبه أحداً سواه، قصةٌ استثنائية، صنعتها إرادته وتضحيات شعبه ومواقفه عند المنعطفات وقدرته السحرية على الإطلال من بين الركام، رافعاً شارة النصر قاطعاً الطريق على غيوم الهزيمة ووقائع الخسائر الفادحة هاتفاً: "سترفع زهرة من زهراتنا وشبل من أشبالنا علم فلسطين فوق أسوار القدس ومآذن القدس وكنائس القدس".

قبل عام من الآن، رحل واحد من أولئك الرجال الذين لا يتسع لهم الزمان أو المكان. نفوذهم أوسع من مواقعهم، أدوارهم أكبر من ألقابهم، جاذبيتهم غير قابلة للتطويق أو الاستنزاف، وأحلامهم بحجم وطن.

قبل عام من اليوم، عاد قائد ورمز شعب فلسطين إلى هذه الساحة من رحلته الأخيرة التي لا رحيل بعدها ولا منفى، عاد مرفوعاً على أكف بل على قلوب مئات الآلاف من أبناء شعبه، عاد ليعانق الأرض التي أحبها وأحبته، عناقاً أبدياً، ليذوب فيها، ويصير بعضاً منها.

في مثل هذا اليوم قبل عام، ثاب حارس الحلم الفلسطيني من رحلته الأخيرة، وغادر صحراء التيه عائداً إلى بلاده، وإلى المكان الذي شهد آخر فصول حياته، محاصراً بالتهديد بالنفي والموت فاختار بإرادة الأحرار، وجسارة العمالقة، الموت على أرض الرسالات السماوية، ووطن الأنبياء. في مثل هذا اليوم عاد إلى فلسطين رافُع رايتها، وباعث اسمها، ليرقد في ثراها بعدما سافر طويلاً وناور طويلاً، قاتل طويلاً وفاوض طويلاً، لم يرتح ولم يستكن، قرع كل باب واغتنم كل فرصة، تسلل إلى كل تجمع ومحفل ليرفع في وجه النسيان الشاسع خارطة وطن كاد أن يشطب عن الخريطة. في معاندته الموت صدى لمعاندته المديدة التي واجه بها كل الأعداء والخصوم، فكانت أيامه الأخيرة اختزالاً لحياة استثنائية تأرجحت دوماً بين شبح الموت وإرادة الحياة. فما من فلسطيني ارتبط اسمه بفلسطين مثل ياسر عرفات. وما من قائد معاصر ملأ الدنيا وشغل الناس على امتداد أربعة عقود مثله، لم يعرف التاريخ الفلسطيني شخصية لها ما له من كاريزما، ورمزيه.

 فمؤسس الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، قاد صواريها وسط الأمواج العاتية، وعرف كيف يصل بها إلى تخوم أسوار القدس. رحل ولم يغب، باعث الهوية الوطنية الفلسطينية، ومنقذها من اقتراحات الغياب والتغييب. رحل رافع راية ومكرس منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً، بعد مخاضات قاسية ودامية لصيانة القرار الوطني المستقل في مواجهة محاولات السيطرة والاحتواء والإقصاء والإلغاء. رحل ياسر عرفات، وفي رحيله أيضاً كان استثنائياً،ً رئيس بلا دولة، وزعيم بلا حرية، ومواطن ليس له سوى القليل من الأرض، ومع ذلك كان رحيله مجلجلاً، رحيل يليق بموقعه ومكانته كواحد من كبار القرن العشرين، الذين ساهموا في صنع تاريخ شعب وأمة، وشاركوا في كتابة تاريخ العالم.

ضيوفنا الأعزاء،الأخوات والإخوة،

منذ رحيل الرئيس الخالد أبو عمار، جرت مياه كثيرة في الأنهر، وتحت الجسور، فقد أينعت أول بذور الحرية والاستقلال التي زرعها ياسر عرفات، وانحسر الاحتلال الإسرائيلي عن قطاع غزة بعد ليل طويل، وجاء ثمرة طيبة من ثمار نضال وصمود شعبنا على امتداد نحو أربعة عقود من الزمن، ولم يكن منًة أو صدقةً أو تقدمةً مجانية، غير أن ذلك، لا يعني بأي حال من الأحوال نهاية للاحتلال التي لن تكتمل إلا بتحقيق أهداف شعبنا، وإنجاز الحل الشامل والعادل بقيام دولة فلسطين على كامل أرضنا التي احتُلت عام 1967م، وعاصمتها القدس الشريف، من خلال مفاوضات جادة وذات مصداقية، وليس من خلال إجراءات وقرارات وممارسات أحادية الجانب.

فهذا الانسحاب من جزء من أرضنا الطاهرة، يعكس وجها آخر لشتى أنواع الانتهاكات والممارسات الإسرائيلية المخالفة للأسس التي نهضت عليها عملية السلام، فهو يعكس إصرار الحكومة الإسرائيلية على تنفيذ حلٍ أحادي الجانب يقوم على تغييب الشريك الفلسطيني، ويكشف عن الإمعان في إدارة الظهر للشرعية الدولية وقراراتها، وللمبدأ الذي جعل عملية السلام ممكنةً، عندما انطلقت في مؤتمر مدريد على أساس الأرض مقابل السلام.

إن الممارسات والإجراءات الإسرائيلية، التي سبقت وواكبت وتلت الانسحاب من غزة، تشير بما لا يدع مجالاً للشك، أن إسرائيل التي نفذت هذا الانسحاب هي ذاتها التي تقيم أوهاماً على الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية، تعتبرها واقعاً ونعتبرها فعلاً من أفعال الاحتلال يجب أن ينتهي مع نهايته، فالبناء في جدار الضم والفصل العنصري يجري على قدم وساق، ويلتهم المزيد من ممتلكات الشعب الفلسطيني، سرقة الأراضي والتوسع الاستيطاني، لم يقف يوماً واحداً، والقدس عاصمة فلسطين، باتت معزولة عن باقي الأرض الفلسطينية، ومحاطة بالجدران من كل جانب، ويجري تغيير معالمها، وإغلاق مؤسساتها، وتسلب هوية أهلها باسم شتى الذرائع..

وفي أرجاء الأرض الفلسطينية تهدم البيوت، ويشرد أهلها، والأشجار تُقتلع وتُباد، وتُقطع معها سبل العيش ومصادر الرزق، وآلاف الأسرى ما زالوا يقبعون في السجون، وحملات الاعتقال تتواصل في طول الأراضي الفلسطينية وعرضها، والحصار والحواجز والإغلاقات وكل إجراءات العقوبات الجماعية ما زالت من ثوابت السياسة الإسرائيلية.

وعملية السلام وخطة "خارطة الطريق" ورؤية الرئيس الأمريكي جورج بوش بإقامة دولة فلسطينية مستقلة ومتصلة وقابلة للحياة إلى جانب إسرائيل، ومفاوضات الوضع الدائم، كلها ما زالت هي الأخرى أسيرة للإرادة الإسرائيلية، التي تدير الظهر للعودة إلى طاولة المفاوضات وكسر دائرة العنف من أجل الوصول إلى الحل الشامل والعادل الكفيل بإنهاء الصراع، والقادر على توفير الأمن والاستقرار والسلام لجميع شعوب المنطقة، وإنهاء عقود من الحروب والعذابات والآلام، وسفك الدماء.

أيتها الأخوات أيها الإخوة ،

إن جميع وقائع يوميات الاحتلال الإسرائيلي تحمل على الجزم بأن الوجه الآخر للانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة هو وضع اليد بقوة الاحتلال الغاشمة على معظم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، ومحاولة فرض خطة فك الارتباط فيها من خلال ما يسمى بحل الدولة ذات الحدود المؤقتة، أو حل مؤقت طويل الأمد، يحذف من جدول أعماله جميع ملفات مفاوضات الحل النهائي كالقدس، واللاجئين، والمستوطنات، والحدود، وغيرها من ملفات لا يستقيم السلام بدون حلها حلاً عادلاً وشاملاً ونهائياً، وعلى أساس قرارات الشرعية الدولية.

إن وضوح رؤية السياق الذي جاء فيه الانسحاب الإسرائيلي من جزء عزيز من بلادنا، والأهداف المعلنة والمضمرة التي تقف خلفه، ودون أية أوهام أو ادعاءات، لم تقعدنا أبداً عن بذل كل ما بوسعنا لتحويل انحسار الاحتلال عن غزة إلى مدخل لإنهاء الاحتلال من جميع الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967م، وفي القلب منها القدس.

لذلك، فإن جميع الخطوات، والإجراءات التي اتخذناها سواء تلك المتعلقة بتأمين انسحاب هادئ، أو بإرساء دعائم الأمن والاستقرار وسيادة القانون والنظام، وعودة الهـدوء إلى شوارع مـدن الضـفة والقطاع، وضبط حالة الفلتان الأمني، وفوضى السلاح، وكذلك إصرارنا على أن يكون هذا الانسحاب بمثابة نهاية لاحتلال قطاع غزة، وتصفية جميع مظاهره وأشكاله المباشرة وغير المباشرة، وفتح معابر غزة، ووصلها بباقي الوطن الفلسطيني وفي العالم الخارجي، وأيضاً ترسيخ التهدئة التي توافقنا عليها مع جميع الفصائل والقوى الفلسطينية في القاهرة، باعتبارها مصلحة فلسطينية أولاً وقبل أي شيء آخر، وعليه، فإن أمر الالتزام بها وعدم جواز خرقها، وفق أجندات وجداول أعمال فئوية، لا يمكن القبول به أو التسامح معه، وتكريس سلطة القانون، وسيادته على الجميع، ووضع حد فاصل لكل مظاهر أخذ القانون باليد، والاعتداء على حياة وممتلكات وحرمات الشعب، لا يمكن التساهل حيالها، لقد فعلنا ذلك ومستعدون لفعل ما هو أكثر لإسقاط جميع الرهانات التي عقدت على انفجار الوضع الداخلي الفلسطيني بعد الانسحاب، لإسقاط حقنا الطبيعي في الحرية والاستقلال.

إن خطوة الانسحاب من غزة، فتحت عيون العالم لمراقبة الكفاءة والجدارة الفلسطينية، وقدرة الشعب الفلسطيني على تطوير وتعميق بناء نظامنا السياسي على أسس واضحة من الديمقراطية، والتعددية والشفافية، واحترام حقوق الإنسان، وحماية الحريات العامة والخاصة، وحق الاختيار، لذلك كان قرارنا الذي لا رجعة عنه، بإجراء الانتخابات التشريعية في موعدها المقرر وبمشاركة كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني على أساس قانون الانتخابات المعدل، ولا شيء سواه، ورفض أية اشتراطات أو إملاءات، من أية جهة كانت، تنتقص من ديمقراطيتنا، وتقيد إرادة شعبنا، لنخطو خطوة جديدة على طريق توسيع وتعزيز المشاركة السياسية، ولنبني مدماكاً آخر في بناء صرح سلطة القانون ونظام المؤسسات، النابعة من إرادة الشعب ومشاركته، وحقه المقدس في اختيار ممثليه، عبر صناديق الاقتراع، حيث تسقط من بعدها أية ادعاءات بأية شرعيات مهما اتخذت من أسماء، ومسميات لا تعبر عن الإرادة الشعبية ولا تمت لها بصلة..

وعلى ذات الخطى فإننا عاقدو العزم على مواصلة ما بدأناه من تفعيل وإصلاح لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، كي تنهض بدورها في قيادة نضال شعبنا داخل فلسطين وفي الشتات، وبمشاركة جميع ألوان الطيف السياسي الفلسطيني..

أيتها الأخوات أيها الإخوة،

لا يستقيم الحديث عن إقامة نظام ديمقراطي، دون بناء نظام متكامل من النزاهة والشفافية والمساءلة، وسلطة قضائية مستقلة، لذلك فإننا مصممون، وبإرادة صلبة على مواصلة عملية الإصلاح والتنمية، ومحاربة الفساد بكافة أشكاله الإدارية والمالية والأمنية والسياسية في جميع مجالات عملنا، ولن تثنينا عن عزمنا هذا أية صعوبات مهما تعددت وكبرت، كائناً من كان مصدرها، سواء تلك الناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي وتداعياته أو من صعوبات الوضع الداخلي وتعقيداته.

ضيوفنا الأعزاء،
أخواتي وإخوتي،

في فلسطين وفي الشتات، في مختلف أرجاء المعمورة، لقد ألقت الأقدار بعد استشهاد الرئيس الخالد ياسر عرفات، على كاهلي حفظ الأمانة، وحملني شعبي أثقالها، لنكمل المسيرة معاً محافظين على الثوابت التي استشهد من أجلها أبو عمار، وإنني من هنا من جوار المرقد المؤقت لقائدنا الخالد، ومن عرينه الذي صمد فيه صمود الأبطال، دفاعاً عن حقوق شعبنا الوطنية كاملة غير منقوصة في الحرية والاستقلال وإقامة دولتنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، أجدد العهد والقسم على مواصلة الطريق الذي بدأه، وبذل الغالي والرخيص من أجل بلوغه، حتى ترتفع راية فلسطين عالية خفاقة فوق أسوار ومآذن وكنائس القدس، وأن يبقى شعبنا واحداً موحداً خلف ممثله الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية.

في مثل هذا اليوم، رحل حارس الحلم الفلسطيني على مرمى حجر من الموعد الآتي وإن تأخر، لم يحلم "أبو عمار" بقصر في فلسطين، حلم بقبر في القدس وسيدفن في القدس إن شاء الله . وسنحقق حلمه،  الرحمة لشهيدنا الخالد أبو عمار ولجميع من سبقوه على درب الشهادة: عبد الفتاح حمود، و أبو علي إياد، وكمال عدوان، وأبو يوسف النجار، وكمال ناصر، وأبو صبري، وماجد أبو شرار، وأبو الوليد، وأبو جهاد، وأبو إياد، وأبو الهول، وأبو المنذر، وأبو السعيد، وفيصل الحسيني، وغسان كنفاني، وأبو علي مصطفى، والشيخ أحمد ياسين، وإسماعيل أبو شنب، وعبد العزيز الرنتيسي، وفتحي الشقاقي، وعمر القاسم، وعبد الرحيم أحمد، وآلاف مؤلفة من الشهداء رحمهم الله.

وفي الختام اسمحوا لي أن أقول لزعيمنا الراحل ياسر عرفات من هنا من جوار ضريحه الطاهر وأقول لجميع إخوانه وأبنائه الشهداء وأثق أنهم يسمعوننا الآن ويراقبوننا، أقول لهم باسمنا وباسم شعبنا كله إننا على العهد باقون متمسكون بحقوقنا المعترف بها لنا دولياً وفق قرارات الشرعية الدولية، ومتمسكون بالقدس عاصمة لفلسطين أبدية للروح والوطن الفلسطيني لا بديل عنها مهما كانت الطريق صعبة، ونردد ما كان يردده دائماً شهيدنا أبو عمار "ليس منا، وليس معنا، وليس فينا من يفرط بحبة تراب من القدس الشريف عاصمتنا الأبدية".

رحم الله جميع شهداء شعبنا، والمجد والخلود لهم، وكل التحية والتقدير لأسرانا الأبطال في سجون الاحتلال، ولشعبنا البطل في صموده وتضحياته، وتحية خاصة لنصفنا الأحلى المرأة الفلسطينية المناضلة التي تبحث عن حقوقها ونؤيدها في الوصول إلى حقوقها حتى النصر إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

 

 

 


كلمة السيد الرئيس للشعب الفلسطيني بمناسبة مرور 17 عاماً على إعلان دولة فلسطين

15-11-2005

بسم الله الرحمن الرحيم
أيتها الأخوات،
أيها الإخـوة،
أبناء شعبنا العظيم في فلسطين والشتات،

من الجرح النازف والصمود الأسطوري لشعبنا الفلسطيني في الشتات، وانتفاضته الأولى على امتداد أرض الوطن، التي أعادت الموضوع الفلسطيني إلى أرضه، سطع إعلان استقلال دولة فلسطين، وأقر برنامج السلام الفلسطيني في دورة المجلس الوطني الفلسطيني المنعقدة في العاصمة الجزائرية في الخامس عشر من شهر تشرين ثاني "نوفمبر" عام 1988م،  بإجماع ممثلي الشعب وقواه المختلفة.

منذ ذلك اليوم، مرت سبع عشرة سنة على إعلان استقلال دولة فلسطين، وعاصمتها القدس الشريف. وعلى مسافة أربعة أيام من مرور الذكرى الأولى لرحيل صاحب الإعلان التاريخي القائد الرمز ياسر عرفات، مازال سؤال: متى ستقوم الدولة ويحقق الشعب الفلسطيني حريته واستقلاله؟ مطروحاً أمام ضمير العالم حتى يومنا هذا.

لقد ولد إعلان الاستقلال، وبالتوازي معه برنامج السلام استجابة للظروف والشروط التي نشأت بفعل التضحيات والبطولات التي اجترحها شعبنا العظيم خلال سنوات الجمر في الشتات، والانتفاضة الأولى، معمدةً بنار الصمود على أرض الِّرباط، فكان لا بد من استثمار هذه التضحيات حتى لا تذهب هباء، فبزغ إعلان الاستقلال.

وكان لابد أيضاً من صياغة رؤيةٍ ورسالة فلسطينية إلى شعب فلسطين والعالم، فأصبح برنامج السلام أمراً واجباً، وتطويراً ضرورياً وخلاقاً للبرنامج الوطني الفلسطيني، برنامج الدولة الفلسطينية المستقلة، وحق العودة، وتقرير المصير.

ولم يطل الوقت، حيث وصلت الرسالة الفلسطينية إلى مشارق الأرض ومغاربها، بلغة واضحة لا لبسَ فيها ولا غموضَ وإلى كل من يعنيه الأمر، فتتابعت وتتالت الاعترافاتُ بإعلان الاستقلال من معظم دول وشعوب الأرض، وخطى شعب فلسطين وقيادته خطوة واسعةً أخرى باتجاه تحقيق حلم الدولة، والاستقلال الوطني الناجز.

وعلى أَثر إعلان الاستقلال وإقرار برنامج السلام، انفتحت طرق، وشُرِّعَت نوافذ وأبواب ظلت موصدة سنوات طويلة في وجه الحق الفلسطيني، فبدأ الحوار الفلسطيني الأمريكي، وعلى مقربة زمنية منه انطلق مؤتمر مدريد للسلام، وبحضورٍ مدوٍ هو الأول من نوعه لوفدٍ فلسطينيٍ _ أردنيٍ مشترك، بمسارين، كرّس حضور ممثلي الشعب الفلسطيني، بعدما باءت بالفشل حروب الإقصاءَ والتغييب والاحتواء، وجلس الوفد الفلسطيني قبالة الوفد الإسرائيلي، على مرأى من العالم أجمع. لقد أملت تطورات المفاوضات في واشنطن آنذاك، وانسداد أفقها، على القيادة الفلسطينية فتح قناة أوسلو الخلفية، التي عُرف فيما بعد الاتفاق الفلسطيني _ الإسرائيلي للمرحلة الانتقالية باسمها، وأسفر عن نتيجتين حاسمتين ما تزالان ماثلتين أمام كل عين: الأولى بدء المرحلة الأولى من رحلة الإياب الفلسطيني إلى الأرض الفلسطينية، بعد نحو نصف قرن من اللجوء والشتات، وثانياً الاعتراف الإسرائيلي بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني، وبهذا المعنى فقد حقق اتفاق أوسلو رغم طابعه الانتقالي، تطوراً استراتيجياً لا يمكن التقليل من شأنه.

فإسرائيل التي قامت على وهم نفي وجود الشعب الفلسطيني، اضطُرت للاعتراف به وبممثله الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية، واستطراداً، اخترق هذا الحق أوساطاً واسعةً في الطبقة السياسيةِ الإسرائيلية، وأصبح أمر الاعترافِ بحق شعب فلسطين في إقامة دولته أمراً متداولاً، بعدما كان من المحرّمات، ومجردُ ذكره يثير عواصف سياسية هوجاء، كما أعادت قيادة الشعب الفلسطيني إلى أرضها، حيث أقامت على تخوم القدس، وزَرعت في أرض فلسطين لأول مرة في التاريخ سلطةً وطنيةً فلسطينية، ودَشنت فعلياً مشروع قيام الدولة.

أيتها الأخوات،
أيها الأخوة،

إن التطورات التي أملتها سنوات الانتفاضةِ الخمسِ الماضية، مضافاً إليها ما شهده العالم من تطورات هائلة نقلته من مقامٍ إلى مقام، أضافت إلى السؤال الذي طرح عام 1988 متى تقوم الدولة؟ سؤالاً آخر لا يقل صعوبة ولا تعقيداً حول حدود وماهية هذه الدولة؟

فتسليم معظم الطبقة السياسية الإسرائيلية، وبضمنها بعض من يحكمون إسرائيل بإقامة الدولة الفلسطينية على أهميته، لا يثير لدينا أي وهم بأن تحويل إعلان دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف على حدود الأراضي التي احتلت عام 1967، من إعلان إلى حقيقة ماثلة على الأرض، ما زال يحول دونه التعنت والرفض الإسرائيلي، المدجج بشتى الذرائع، رغم الأسس التي نهضت عليها عملية السلام، بدءاً من مبدأ الأرض مقابل السلام، وتحديد الهدف النهائي لهذه العملية بتطبيق قرارات الشرعية الدولية، وما يعنيه ذلك من انسحاب كامل من الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة عام 1967، وإيجاد حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين حسب القرار 194 مروراً بخطة خارطة الطريق، وأخيراً، رؤية الرئيس الأمريكي جورج بوش القائلة بإقامة دولة فلسطينية متواصلة وقابلة للحياة إلى جوار دولة إسرائيل.

رغم كل ذلك، فإن حكومة إسرائيل انقلبت على جميع هذه القواعد، وما زالت تتصرف على أساس الحلول المنفردة والأحادية، والمؤقتة، وتغييب الشريك الفلسطيني، وتسعى إلى فرض خيار بالغ الخطورة، هو الحل الأحادي المؤقت طويل الأمد، وجوهره إقامة دولة بحدود مؤقتة "دائماً" خاضعة للرقابة الإسرائيلية، تُقطِّعُ أوصالَها المستوطنات، وتحيلها إلى مجردِ معازل وكانتونات.

وعلى النوايا الإسرائيلية هذه قرائن كثيرة، ليس أولها الإصرار على مرور الشعب الفلسطيني بطور الحرب الأهلية، من أجل ما يسمونه تفكيك "الإرهاب" باعتباره شرطاً لبدء أي مفاوضات مستقبلية والاستعاضة عن الانتخابات وبناء سلطة المؤسسات والقانون بنظام "نفاق ديمقراطي" يكّبلُ إرادة الشعب الفلسطيني، ويفرض عليه إملاءات تسلب الديمقراطية جوهرها، مروراً بالزّج بخطة خارطة الطريق في نفق مظلمٍ من التحفظات واللاءات وإدارة الظهر للعودة لطاولة المفاوضات بخاصة المفاوضات المتعلقة بملفات الوضع النهائي القدس، الحدود، الاستيطان واللاجئين، إضافة إلى محاولة تكرار نموذج الانسحاب الأحادي دون مفاوضة الشريك الفلسطيني، ذلك النموذج الذي تم في غزة، على الضفة الغربية.

إخوتي، وأخواتي،
يا أهلنا في فلسطين وفي الشتات،

إن نقل الدولة الفلسطينية من الإعلان بعد سبعة عشر عاماً إلى تحقيقها على الأرض، يتطلب استيلادها من رحم مأزق عملية السلام الذي سببته الاستعصاءات الإسرائيلية البالغة التعقيد، وهو ما يستدعي سلوك دروب وعرة، وسياسات واقعية، لا تكتفي بما لدينا وما نملكه من فائض في الحق، وفي عدالة القضية الفلسطينية، وقدرتنا على إقناع العالم بذلك، ولا تقدم على أسئلة الواقع وتعقيداته، أجوبة تستند إلى شعارات وبلاغات أدبية، ومع ذلك نحن على يقين أن هذه الدولة التي تقف في خضم هذه المرحلة وأسئلتها اللاهبة، ليست مستحيلة.

فالشعب الفلسطيني الذي خرق المستحيل ذات مرة حين أطلق ثورته المعاصرة قبل أكثر من أربعين عاماً، عندما كان مجرد جموع من اللاجئين والمشردين، تحول بفضل تضحياته وبطولاته إلى شعب مكافح، دفع عن نفسه خطر الفناء، واجترح معجزة بقائه، وانتزع الاعتراف بحقه في تقرير المصير، وأقر العالم بجدارة هذا الشعب في إقامة دولته العتيدة، وهو قادر على فعل الشيء ذاته وخرق كل المستحيلات في سبيل حقه في الحرية والاستقلال.

فالدولة الفلسطينية الحرة والمستقلة ليست ضرباً من ضروب المستحيل، حتى وإن تأخر انبلاج فجرها العتيد. فمعركتنا الحقيقية تدور على إقامتها بشروط شعبها المناضل لا بشروط الاحتلال البغيض.

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.
الحرية لأسرانا الصامدين في سجون الاحتلال.
والتحية إلى شعبنا العظيم الصامد الصابر في الوطن والشتات.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


خطاب السيد الرئيس أمام القمة العالمية حول مجتمع المعلومات في تونس

16-11-2005

بسم الله الرحمن الرحيم
فخامة الرئيس زين العابدين بن علي،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي،
سعادة الأمين العام للأمم المتحدة،
سعادة الأمين العام للاتحاد الدولي للاتصالات،
الحضور الكرام،

يسعدني، ويشرفني أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير للجمهورية التونسية رئيساً وحكومةً وشعباً على استضافتهم لهذا المؤتمر، وعلى كرم الضيافة العربية الأصيلة وحسن الاستقبال، كذلك نتقدم بالشكر والتقدير لمنظمة الأمم المتحدة والاتحاد الدولي للاتصالات لجهودهم الكبيرة والمتميزة في التنظيم والإعداد لهذا المؤتمر.

نلتقي اليوم، هنا على أرض تونس الخضراء، وفي كنف ضيافة وحفاوة القيادة والشعب التونسي الشقيق، في المرحلة الثانية من القمة العالمية حول مجتمع المعلومات، من أجل إيجاد الحلول لتحقيق هدف أممي مشترك يتمثل في بناء مجتمع المعلومات والمعرفة.

السيد الرئيس،

لقد أولت السلطة الوطنية الفلسطينية اهتماماً خاصاً بقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، لما يمثله من دور حيوي ومحوري في عملية التنمـية، باعتـباره يشكل مدخلاً لا غنى عنه في مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، والتي لم تعد ذات مسار محلي فحسب، بل أصبحت عملية يتطلب القيام بها درجة كبيرة من الارتباط الإقليمي والعالمي بمواقع الإنتاج، فضلاً عن كونها تعديلاً جذرياً في نمط الحياة لمجتمعنا، وهو ما لا يمكن تصوره دون التركيز على تقنيات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، واعتمادها في صلب عملية التنمية والتخطيط للمستقبل.

ومن هذا المنطلق، فقد أولت السلطة الوطنية الفلسطينية اهتمامها بتنمية وتطوير الموارد البشرية، والتركيز على تطوير البنية التحتية وإعادة تأهيلها، وتكوين الأطر القانونية والتنظيمية الواضحة وخلق بيئة تمكينية وتنافسية تفسح المجال أمام شراكة فاعلة وحقيقية بين القطاعين الحكومي والخاص، جسدتها الإجراءات والقرارات الأخيرة التي اتخذتها السلطة الوطنية الفلسطينية والخاصة بفتح السوق، والبدء بتنفيذ عدد من المشاريع في إطار الإستراتيجية الوطنية لتكنولوجيا المعلومات وأبرزها:

1- البدء بإنشاء وتكوين هيئة تنظيم قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
2-  الشروع بتطبيق مشروع الحكومة الالكترونية.
3- إطلاق مبادرة التعليم الالكتروني مع ما تتضمنه من إعادة صياغة برامج تعليمية وتدريبية شاملة.
4-  تنفيذ مشروع ربط الجامعات والمعاهد والمؤسسات الأكاديمية الفلسطينية من خلال مشروع يورميد.
5- الإعداد لإطلاق مشروع حاسوب لكل بيت..

السيد الرئيس،

يواجه شعبنا الفلسطيني ومنذ ثمانية وثلاثين عاماً المعضلة القائمة بين الحاجة والسعي لتطور مجتمعه وبين العوائق المفروضة عليه من قبل الاحتلال واحتجاز تطوره. فالاحتلال بإجراءاته العنصرية والقمعية يقف عائقا أمام تحقيق التنمية والتطور بأبعاده المختلفة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس العربية، وقطاع غزة، الذي رغم انحسار الاحتلال عنه، إلا أنه ما زال يرزح تحت وطأة مختلف القيود، وما زالت معابره مغلقة، واتصاله بالعالم ممنوعاً ومقطوعاً، وجدار الفصل العنصري والاستيطان يلتهم بخاصة مدينة القدس ويسجنها خلف جدران سامقة ويفصلها عن باقي الأراضي الفلسطينية التي تئن تحت أنياب جرافات الاستيطان الذي يحيل مدن وقرى الضفة الغربية إلى معازل وكانتونات. بالإضافة إلى تطبيق شتى صنوف إجراءات العقوبات الجماعية من حصار وإغلاقات، وحواجز، وزج الآلاف من المواطنين في السجون، وارتكاب جرائم القتل والاغتيالات في عموم الأرض الفلسطينية..

إن الأخذ بأسباب التطور، وركوب طريق المعرفة لا يمكن أن يتحقق دون إحلال السلام العادل والشامل، سلام يضمن أمن واستقرار جميع شعوب المنطقة، وحقها بالعيش ضمن حدود آمنة ومعترف بها، وهو ما يقتضي العودة إلى طاولة المفاوضات دون أي إبطاء، وفتح جميع ملفات عملية السلام بما فيها ملفات الحل النهائي على أساس قرارات الشرعية الدولية، وتطبيق خطة خارطة الطريق، وتنفيذ رؤية الرئيس الأمريكي جورج بوش، بإقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً، قابلة للحياة إلى جانب دولة إسرائيل..

لقد أخذ شعبنا الفلسطيني وقيادته وبقناعة راسخة بالسلام خياراً استراتيجياً لا رجعة ولا عودة عنه، خيار السلام الذي ينهض على أساس قرارات الشرعية الدولية وذلك بإعطاء الحقوق الوطنية الثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني غير منقوصة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف على الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967. وإيجاد حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين على أساس القرار 194. إن إحقاق الحقوق المشروعة لشعب فلسطين، هو الضمانة الأساسية لإقامة سلام يتمتع بصفة الثبات والدوام، وهو الكفيل بفتح نوافذ المستقبل أمام شعوب المنطقة، بعد أن تقفل أبواب الحروب وتنخرط المنطقة وشعوبها ودولها في بناء صرح التعاون المشترك، وإقامة البنية العلمية والمعرفية للسلام، ومحاصرة أسباب الفقر والجهل والعنف، واجتثاث أسباب الإرهاب من جذورها التي تضرب المنطقة، وتوقع المزيد من الضحايا الأبرياء.

الأخ الرئيس،
السادة الحضور،

لقد أولت المرحلة الأولى من القمة العالمية في جنيف 2003 وفي سياق إعلان المبادئ المادة 16 اهتماما خاصا باحتياجات البلدان والأقاليم الخاضعة للاحتلال، وقد عانى شعبنا الفلسطيني ولا زال يعاني من الحرمان المتواصل للحاق بركب التطور التكنولوجي بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي والذي يطال الأرض والهواء من خلال احتلاله واستمرار سيطرته على الطيف الترددي لفلسطين ووضع المعوقات والعراقيل أمام نمو وتطور هذا القطاع وحرمان شعبنا من حق النفاذ المباشر إلى خدمات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.

ومن هنا، ومن على هذا المنبر، فإننا نطالب المجتمع الدولي بإلزام سلطات الاحتلال الإسرائيلي باحترام المواثيق والقرارات الدولية ذات الصلة،وبخاصة ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادتان 6 و7 من دستور الاتحاد الدولي للاتصالات، والذي يعطي الحق في إيصال مزايا التكنولوجيا الجديدة في الاتصالات إلى جميع سكان العالم والترويج لاستعمال خدمات الاتصالات في سبيل تسهيل العلاقات السلمية".

كما نطالب المجتمع الدولي بإلزام سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتمكين شعبنا من حق النفاذ المباشر وتشغيل البوابة الدولية لفلسطين بكامل أشكالها بما في ذلك الاتصالات السلكية واللاسلكية والفضائية، والتوقف الفوري عن السيطرة على الطيف الترددي لفلسطين، وكذلك وقف التغلغل غير المشروع لشركات الاتصالات الإسرائيلية في السوق الفلسطيني حتى يتمكن شعبنا من ممارسة حقه المشروع في استخدام وتسخير الإمكانات الهائلة التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التنمية المستدامة والاندماج الفعال في الاقتصاد العالمي وتقليص الفجوة الرقمية وتوفير فرص العمل والقضاء على الفقر.

إن السلطة الوطنية الفلسطينية تؤكد على ضرورة احترام وتعزيز التنوع الثقافي واللغوي، واحترام القيم الأخلاقية والاجتماعية والتقاليد والهوية الوطنية والتراث الحضاري والمعتقدات الدينية للشعوب وحماية حقوق الملكية الفكرية.

السيد الرئيس،
الحضور الكرام،

وفي الختام أرجو لمؤتمرنا النجاح والتوصل إلى النتائج التي نصبو إليها جميعا لبلوغ الأهداف الواردة في إعلان الأمم المتحدة، وضمان توزيع عادل ومنصف للثروات والإمكانات التي توفرها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، من أجل بناء مجتمع المعلومات والمعرفة، وتحقيق التنمية، لتنعم شعوبنا وأجيالنا القادمة بالسلم والعدل والرخاء.


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

 

كلمة السيد الرئيس أمام قمة برشلونة الأورومتوسطية

27-11-2005

السيد الرئيس ثباتيرو،
 السيد الرئيس بلير،

اسمحوا لي سيادة الرئيس أن أعبر لكم عن بالغ شكرنا وتقديرنا لحسن الاستقبال وكرم الضيافة الذي قوبلنا به، منذ أن وطأت أقدامنا أرض برشلونة الجميلة، تلك المدينة التي شهدت أول قمة للشراكة الأوروبية المتوسطية، والتي كانت ثمرة عملية السلام بين فلسطين وإسرائيل.

لا شك أن عملية برشلونة قد أحدثت بعض المتغيرات الهامة على المسرح الدولي، وفي الجانبين العربي والأوروبي، الأمر الذي يستدعي مواصلة العمل المشترك، ورفد تلك الشراكة بكل الإمكانات المتاحة، كي تظل مواكبة لتطورات العصر ومتطلباته، وتتمكن من مواجهة كل أنواع التحديات والمخاطر في المنطقة.

إنها، لمناسبة هامة، أن يتم إحياء الذكرى العاشرة هذه وعلى مستوى الرؤساء، برئاسة كل من المملكة المتحدة وأسبانيا. وفي هذا السياق نثمن الدور الهام الذي لعبته أسبانيا في إرساء أسس صرح العلاقات المتوسطية.

ولعل أهمية هذه القمة تكمن في كونها تأتي بعد سنوات من العمل الدؤوب والمتواصل، لترسيخ المبادئ والمفاهيم التي تم الاتفاق عليها في قمة برشلونة الأولى، حيث تم ترجمة هذه الاتفاقات والتفاهمات على أرض الواقع، من خلال برامج عمل واضحة على جميع الأصعدة.

إن مشاركة السلطة الوطنية الفلسطينية الفعالة، منذ بداية عملية برشلونة تنبع من إيماننا العميق والصادق بأهمية المسار الذي يصب في خدمة مصالح الأطراف المعنية، وخلق واقع حقيقي إيجابي وفعال من الشراكة، يساهم إلى حد بعيد في تعزيز التقارب بين شعوب وحكومات الدول الأوروبية والمتوسطية، وكذلك المساهمة في إرساء أسس السلام والأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط..

السلام القائم على قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بما فيها حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على الأراضي التي احتلت عام 1967. وهو ما يعزز ثقة الشعب الفلسطيني بإرادة المجتمع الدولي الداعم لنضاله وسعيه للحصول على حريته واستقلاله.

السيد الرئيس،

إن الوضع الذي يرزح تحت وطأته الشعب الفلسطيني، يستدعي التأكيد على أهمية وضرورة أن يستمر الجانب الأوروبي بالقيام بدور رئيسي في تطبيق خارطة الطريق، وتحقيق رؤية الرئيس بوش، والعودة إلى المسار السياسي التفاوضي، من أجل إيجاد حل عادل وشامل لجميع قضايا الوضع النهائي، وصولاً إلى إقامة الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشريف.

السيد الرئيس،

لقد شكل الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وأجزاء من شمال الضفة الغربية خطوة مهمة نحو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لتلك الأراضي. غير أن نجاح هذه الخطوة مرتبط بحل سريع وجدي لكافة القضايا العالقة ما بعد الانسحاب، وفي هذا الإطار فإن الاتفاقية حول الحركة والعبور تشكل خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح، وإن الدور الأوروبي بالمشاركة كطرف ثالث مراقب في معبر رفح له أثر كبير في إنجاح هذا الاتفاق. وقد افتتحنا هذا المعبر للجمهور اعتباراً من يوم 25- 11- 2005 م.

إننا في السلطة الوطنية الفلسطينية ملتزمون بالحفاظ على التهدئة، وضبط الأمن، وبإجراء الانتخابات التشريعية في موعدها المحدد، من أجل تجديد الحياة السياسية، وبناء مؤسسات ديمقراطية، وتعزيز سيادة القانون. ونحن نتطلع إلى مساعدة الجانب الأوروبي في هذه المهمة الصعبة، خصوصاً لجهة العملية الانتخابية، والتدخل لدى إسرائيل لتسهيل إجراء هذه الانتخابات في كافة المناطق الفلسطينية بما فيها القدس الشريف.

السيد الرئيس،

إن القضية الفلسطينية تشكل لب الصراع في المنطقة، وتقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية كبرى من أجل تطبيق قرارات الشرعية الدولية، التي تضمن لشعبنا الفلسطيني حقوقه المشروعة، وإننا على يقين أن المبادرة العربية للسلام تشكل إطاراً يساهم إيجاباً في حل الصراع العربي الإسرائيلي والتوصل إلى السلام الشامل.

إن الهجمات الإرهابية التي تعرض لها الأردن الشقيق مؤخراً وراح ضحيتها أناس أبرياء كانت نتيجة لإرهاب أعمى ندينه بكل قوة، وهو يستوجب منا جميعاً التعاون والعمل المشترك لوضع حد لهذه الظاهرة، بما في ذلك معالجة الأسباب الكامنة التي تغذي هذه الأعمال الإرهابية.

وفي الختام، نتوجه بالشكر الجزيل للاتحاد الأوروبي على دعمه المستمر للشعب الفلسطيني والسلطة الوطنية الفلسطينية، ونأمل في استمرار هذا الدعم لما له من أثر إيجابي في تمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة الديمقراطية.

إننا نتطلع إلى جارتنا أوروبا أن تساهم بدور فاعل وكبير في دعم السلام والاستقرار في منطقة البحر المتوسط، على أساس احترام القانون الدولي في كافة المجالات، وإعلاء شأن الحوار وتعزيز التعاون وتفاعل الثقافات واحترام الآخر حتى نتمكن من البناء على ما تم إنجازه في السنوات العشر الماضية نحو غدٍ أكثر إشراقاً.

وشكراً

 

 

 

 

 

 

 

كلمة السيد الرئيس بمناسبة "اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني": ألقاها نيابةً عن سيادته، د. رياض منصور، مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة

29-11-2005

سعادة الأخ السفير السنغالي بول بادجي، رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف،
سعادة الأمين العام للأمم المتحدة، السيد كوفي عنان،
سعادة رئيس الدورة الستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، السفير السويدي السيد يان إلياسون،
سعادة رئيس مجلس الأمن، السفير الروسي السيد أندريه دينيسوف،
السادة الكرام،

نجتمع اليوم ومعنا كل المدافعين عن الشرعية الدولية ومبادئ العدل والسلام لنحيي معاً اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، يوم تضامن العالم مع حرية واستقلال الشعب الفلسطيني، ولنعلن رفضنا لسياسات الظلم والهيمنة والاحتلال.

في هذا اليوم يتلقى الشعب الفلسطيني رسالة سنوية من العالم، أنه ليس وحده في مسيرة نضاله لنيل حقوقه الشرعية التي كفلتها له الشرعية الدولية، بل يقف من خلفه كل المؤمنين بهذه الحقوق والمبادئ السامية والمدافعين عنها، والذين يمثلون الضمير العالمي ويصرون على رفع المعاناة والظلم التاريخي الذي عانى منه الشعب الفلسطيني لما يزيد عن 57 عاماً.

إليكم جميعاً أبعث بأسمى آيات التقدير والشكر على كل ما بذلتموه وتبذلونه لتمكين الشعب الفلسطيني من تحقيق حريته واستقلاله على أرضه، أرض فلسطين.

اسمحوا لي أن أخص السيد الأمين العام للأمم المتحدة السيد كوفي عنان بالشكر على جهوده الحثيثة لتحقيق السلام في منطقتنا، وأود أيضاً أن أخص بالشكر والتقدير السيد بول بادجي، ورفاقه المحترمين أعضاء المكتب التنفيذي، وأعضاء اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف على الجهود الصادقة التي بذلوها ويبذلونها لتمكين الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه الشرعية غير القابلة للتصرف.

السادة الكرام،

لقد شهد العام المنصرم تطورات هامة لا يمكن لنا أن نقفز عنها، فمنذ رحيل الرئيس الخالد ياسر عرفات، أينعت أول بذور الحرية والاستقلال التي زرعها خلال مسيرة نضاله الطويلة، وانسحبت قوات الاحتلال من داخل قطاع غزة بعد احتلال طويل دام لنحو أربعة عقود.

إن هذا التطور الهام جاء كثمرة من ثمار نضال وصمود شعبنا، وكنتيجة لدعمكم اللامحدود، وبفضل الإدراك المتزايد للقوى الدولية المؤثرة باستحالة استمرار الوضع على ما هو عليه. بالرغم من أحادية الخطوة، إلا أننا تعاملنا بجدية معها، إدراكاً منا بأهمية انحسار الاحتلال عن جزء عزيز من أرضنا، ورغبتنا في تعزيز أية خطوة تأخذنا باتجاه التسوية الشاملة والسلام.

ولكن الوقائع على الأرض لا تدعو إلى التفاؤل، فما هو ظاهر من ممارسات الاحتلال الإسرائيلي على الأرض بعد الانسحاب من غزة يبين أنه جاء كخطوة فرضها الواقع، وتستهدف تسهيل استمرار احتلال، واستعمار الضفة الغربية والقدس، وعرقلة التسوية النهائية. فجميع الممارسات الإسرائيلية التي سبقت وواكبت وتلت الانسحاب من غزة، تشير بما لا يدع مجالاً للشك، أن إسرائيل قوة الاحتلال، التي نفذت هذا الانسحاب هي ذاتها التي تقوم باستكمال مخططها الاستعماري على الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية في انتهاك خطير للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية. فبناء الجدار، الذي أقرت محكمة العدل الدولية في فتواها الاستشارية الصادرة بتاريخ 9 يوليو 2004، بعدم شرعيته، والتي تبعها العالم بقراره داط-15/10 المؤرخ في 20 يوليو 2004 بإدانته، لم يتوقف يوماً واحداً، ومصادرة الأراضي الفلسطينية لبناء المستوطنات لم تتوقف، والقدس عاصمة فلسطين باتت معزولة عن باقي الأرض الفلسطينية، ومحاطة بالجدران من كل جانب ويجري تغيير معالمها، وإغلاق مؤسساتها، وسلب هوية أهلها تحت مختلف المسميات، وعملية السلام، وخطة خارطة الطريق التي رحب العالم أجمع بها واعتمدها مجلس الأمن في قراره 1515(2003)، والتي تنص على إقامة دولة فلسطينية مستقلة ومتصلة وقابلة للحياة، ومفاوضات الوضع النهائي، كلها ما زالت هي الأخرى أسيرة لإرادة الاحتلال الإسرائيلي ورغباته التوسعية على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

فإسرائيل ما زالت تدير ظهرها للعودة إلى طاولة المفاوضات وكسر دائرة العنف من أجل التوصل إلى الحل الشامل والعادل الكفيل بإنهاء الصراع، والقادر على توفير الأمن والاستقرار والسلام لجميع الشعوب في المنطقة، وينهي عقوداً من الحروب ومن المعاناة والآلام وسفك الدماء.

إن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي اليومية تحمل على الجزم بأن الوجه الآخر للانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة هو محاولة فرض خطة فك الارتباط من خلال ما يسمى بحل الدولة ذات الحدود المؤقتة، أو حل مؤقت طويل الأمد، يحذف من جدول أعماله جميع ملفات مفاوضات الحل النهائي كالقدس، واللاجئين، والمستوطنات ،والحدود. وغيرها من ملفات لا يستقيم السلام بدون حلها حلاً عادلاً وشاملاً ونهائياً، وعلى أساس قرارات الشرعية الدولية. إن وضوح رؤية السياق الذي جاء فيه الانسحاب الإسرائيلي من جزء عزيز من بلادنا، ودون أية أوهام أو ادعاءات، لن توقفنا أبداً عن بذل كل ما بوسعنا لتحويل انحسار الاحتلال عن غزة إلى مدخل لإنهاء الاحتلال من جميع الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 وفي القلب منها القدس. فالقدس هي عنوان السلام، والقدس الشرقية هي عاصمة دولتنا، وحصارها وإحاطتها بجدران العزل، وفصلها عن محيطها، وتدمير مقومات الحياة فيها، وحرمان المواطنين الفلسطينيين- مسلمين ومسيحيين- من الارتباط بمقدساتهم لا يمكن إلا أن ينسف أسس السلام.

السادة الكرام،

إننا في فلسطين اخترنا سلام العدل والحرية لتحقيق أهدافنا المشروعة بالاستقلال والتحرر وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس، كما حددته قرارات الشرعية الدولية، ورسمت خطوطه خطة خارطة الطريق، لكن السلام والعدل والحرية لا يمكن لها أن ترى النور في ظل الاحتلال والسيطرة، وفي ظل التوسع وبناء الجدار، على حساب حقوق الغير، ولا يمكن لها أن تتحقق عن طريق حلول أحادية الجانب ترسم الواقع على الأرض وتستبق مفاوضات الحل النهائي. إن طريق السلام واضحة، فهي تمر عبر الإقرار أولاً بالظلم التاريخي الذي وقع على الشعب الفلسطيني، والإقرار بحقوقه غير القابلة للتصرف، ويتكلل بإقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية.

السادة الكرام،

لقد كان للأمم المتحدة دور بارز في حياة الشعب الفلسطيني، فمنذ نشأتها وقع على كاهلها حمل هذه القضية حتى تجد حلاً عادلاً وشاملاً لكل جوانبها. وقد عملت الأمم المتحدة عبر السنين على صون هذه الحقوق وحمايتها من التآكل والضياع، وكانت دوماً مصدراً للأساس القانوني والعادل لحل القضية الفلسطينية. لذلك لا يسعني إلا أن أعبر لكم عن امتنان وتقدير شعبنا لهذا الدور التاريخي الهام في تأكيد حقوقنا الوطنية المشروعة وخاصة في السنوات الأخيرة.

وإننا ندعو الأمم المتحدة ومعها المجتمع الدولي إلى الاستمرار في مسيرة الدعم والإصرار على تطبيق قرارات الشرعية الدولية، وتنفيذ الفتوى القانونية لمحكمة العدل الدولية، والقرارات 242 (1967)،338 (1973)، 1515 (2003)  كإطار أساسي للحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية، وعدم السماح لإسرائيل، قوة الاحتلال، بالالتفاف عليها أو التنصل من تطبيقها.

السادة الكرام،

إن هذا اليوم يجسد الوقفة العالمية في وجه قوى الظلام، التي تأبى أن ترى منطقتنا النور، نور السلام، وإن دعمكم وتضامنكم مع شعبنا يؤكد لشعبنا مجدداً أن العدل والقانون سينتصران في النهاية على القوة والطغيان، إن دعم الأمم المتحدة التي تجسد إرادة المجتمع الدولي مطلوب اليوم كما كان دوماً، ونحن على ثقة أن هذا الدعم والتضامن سيستمران حتى ذلك اليوم، الذي ترى فيه فلسطين والشعب الفلسطيني الحرية والاستقلال.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

 

 

 

 

 


كلمة السيد الرئيس خلال وضعه حجر الأساس لمجمع المحاكم في غزة

10-12-2005

بسم الله الرحمن الرحيم "وإذا حكمتم بين الناس أن أحكموا بالعدل" صدق الله العظيم

الشعار الأساسي للمحاكم والقضاء والعدل، هو العدل أساس الحكم، أي أنه بدون عدل لا يوجد حكم ولا يوجد ملك ولا توجد سلطة وحتى لا توجد غابة، لأن العدل إذا شاع بين الناس شاع كل شيء حسن، وكل شيء جيد وكل شيء يريح الضمير والبال، إذا كان لدينا محكمة وقضاة قادرون على أن يقولوا كلمة الحق.

لقد وضعنا أيدينا على الحقيقة وبطبيعة الحال لابد من مكملات للقضاء حتى يستطيع أن يؤدي مهامه على أكمل وجه، أي أنه لابد أن يكون لنا سلطة تنفيذية، قادرة على تنفيذ القضاء، وقادرة على جلب الجناة والمعتدين والمخالفين والمخربين إلى القضاء، ثم يحكم القضاء بالعدل وتأتي السلطة التنفيذية مرة أخرى لتنفذ هذه القرارات.

وهنا نقول، أصبح لدينا مجتمع قادر على أن يضاهي الأمم في كل أنحاء العالم، من هنا نعتبر أن قصر العدل الذي يبنى في هذا المكان سيكون بإذن الله رمزاً للعدالة، رمزاً للمساواة، رمزاً للحرية، رمزاً لكل شيء.

كنت دائماً أستعمل مثلاً سمعته عن ونسون تشرشل في الحرب العالمية الثانية حيث إنه كان في عز الحرب يذهب إلى بيته في الظهيرة ويتناول طعام الغذاء، ويتفرج على بعض الأفلام، وينام ولا أحد يمكن أن يزعجه، وفي يوم من الأيام اضطر معاونوه إلى طرق الباب وإيقاظه فقال لهم: ما بالكم قالوا: إن لندن تدمر بالطيران الألماني، والوضع أصبح خطيراً جداً ولا يحتمل، قال: ألهذا توقظوني قالوا: نعم إن الأمر جلل، قال: وماذا عن القضاء؟ قالوا: لهم القضاء يعمل، قال: اتركوني أنام لأن القضاء مادام يعمل لا تهتموا بأي شيء، هذه الأمور كلها نعالجها، وعاد لينام.

نحن الآن أيها الأخوة،

لا نزعم أن أمننا واستقرارنا مستتب، ولا نزعم أننا بنينا المؤسسات التي تشيع الأمن والأمان والعدالة في الوطن، ولكننا نؤكد أننا عازمون على تحقيق هذا حتى يتمتع كل إنسان بأمنه في بيته وأكله ورزقه وعيشه وعافيته. الأوضاع عندنا لا نقول إنها جيدة، نحن مقبلون على كثير من الأمور، وقمنا ببعض هذه الأمور، وأقول من الأمثال التي حصلت وغيرت وجه الوطن بخاصة الجزء الذي نعيش فيه الآن وهو قطاع غزة، إننا لم نعد نرى مستوطنين في كل القطاع، وهذا من نعم الله، وبفضل معاناة وكفاح شعبنا بدون أدنى تأكيد.

كذلك كانوا يريدون أن يحولوا قطاع غزة إلى سجن كبير، والحمد لله وبإصرار لم نقبل هذا، والآن معبر رفح مفتوح للمواطنين في كل يوم، وقد زالت كل أنواع المعاناة والقهر والاضطهاد والتي كانت معروفة، وتمارس على شعبنا. كان المواطن إذا أراد أن يذهب من بيت حانون إلى رفح يأخذ أياماً سواء في الطريق أو عند المعبر، الآن يستطيع أن يذهب من بيت حانون إلى رفح المصرية في نصف ساعة، وهذا من نعم الله، ولكن هل هذا يكفي؟ بالتأكيد هذا غير كافٍ، وبالتالي لابد لنا أن نعمل ونكافح ونستمر في بناء مؤسساتنا.

من الأشياء التي نعاني منها مع الأسف الشديد أن الأمن لازال مضطرباً، وبالذات في قطاع غزة، وهذا الأمر لن يستمر ولن نقبل به أن يستمر مهما كانت الظروف، يجب أن يشيع الأمن في البلد، يجب أن تتوقف كل المظاهر المسلحة، إذا كان هناك من لازالوا يمارسون هذه المظاهر أو غيرها من الأعمال فإنهم يعملون ضد شعبهم، نحن توافقنا على تهدئة، توافقنا على هدنة مستمرة، وبالتالي يجب علينا أن نستمر فيها، حتى يستتب الأمن بشكل كامل في الوطن وحتى يشعر الإنسان أنه لم يعد مهدداً، لا للطيران ولا للمدفعية ولا للصورايخ، وكل من يقوم بمثل هذه الأعمال التي تستفز الآخرين وتستفز بالذات إسرائيل فإنه يعمل عملاً غير مسؤول، بل إنه يعمل ضد مصلحة وطنه وضد مصلحة أهله.

لقد بدأنا حملة أمنية ناجحة في الضفة الغربية وفي مدن معينة مثل رام الله وبيت لحم وطولكرم وغيرها والآن نابلس والآن الأمور مستتبة بنسبة عالية جداً، حيث اختفت كثير من مظاهر الفلتان، كثير من مظاهر السيارات المسروقة، كثير من مظاهر التهريب وغيره، كثير من مظاهر الأقنعة والمقنعين، أصبح الناس يعيشون بارتياح إلى حد ما لا أقول إن الناس الآن ارتاحوا بنسبة مئة بالمائة، وإنما بدؤوا يرتاحون.

هذه الحملات ستطبق في غزة ولا بد أن نبدأ بها وفي أقرب فرصة ممكنة، وفي أقرب وقت ممكن، حتى ننتهي من كل هذه المظاهر، وهنا نريد من كل مواطن أن يعيننا على هذا العمل، حتى نتمكن من أن يستتب الأمن في بلدنا وأن نعيش باستقرار وأمان.

نحن الآن مقبلون على انتخابات تشريعية وهذه الانتخابات لأول مرة يشارك بها كل طيف فكري سياسي عقائدي فلسطيني، ونحن نرحب بكل هذه الأطياف دون استثناء، هناك قوائم ودوائر، وكل يريد أن يدخل هنا أو هنا، فأهلاً وسهلاً بكل من يريد أن يشارك في هذه الانتخابات، وكلما اتسعت رقعة المشاركين، كلما عبرنا عن ديمقراطية حقيقية فلسطينية، سبق أن أثبتنا ذلك في الانتخابات السابقة..

نريد أن نثبت هذا أيضاً في الخامس والعشرين من الشهر القادم، هناك من يرى أنه لابد من تأجيل الانتخابات لأسباب مختلفة، نقول لن تتأجل الانتخابات وإنما ستكون في وقتها، هناك على ما سمعت كثير من القوائم من أطراف مختلفة تريد أن تنزل وهذه بادرة خير ومؤشر طيب نحن نشجعها ونتمنى للجميع أن يحققوا أمانيهم ورغباتهم والنجاح الذي يصبون إليه..

لذلك نريد من هنا حتى الانتخابات، أن نعمل بكل جد واجتهاد من أجل أن تكون الانتخابات حرة نزيهة شفافة لا خطأ ولا خطايا فيها، ولذلك مطلوب الوعي كل الوعي والمسؤولية كل المسؤولية من الجميع، حتى نثبت للعالم أننا شعب قادر رغم الاحتلال على أن نمارس ديمقراطيتنا..

هناك أمور كثيرة كنت أريد أن أتحدث عنها ولكن المجال ضيق هنا وإنما فقط أقول من هنا من قصر العدل، إن شاء الله ستشيع العدالة والحرية والنظام، ونحن مع القضاة، ونعرف أن القضاة تعرضوا إلى كثير من المآسي في الماضي ولكن من الآن فصاعد نرجو أن يتمتعوا بالحماية الكاملة والحرية الكاملة ليمارسوا أعمالهم بقناعاتهم وضمائرهم بالشكل الذي يرونه مناسباً حتى يشعر كل مواطن أنه آمن في بيته، آمن على حياته، ورزقه آمن على عائلته، آمن على أولاده.

والسلام عليكم.

 

 

 

 

 

 


كلمة السيد الرئيس بمناسبة أعياد الميلاد المجيدة في بيت لحم

24-12-2005

يا أهلنا وأحبتنا في فلسطين وديار المنافي والشتات،

 يسعدني أن أتوجه إليكم بأحر التهاني وأطيب التبريكات، في هذه اللحظات التي نحتفل فيها، ومعنا العالم بأسره، بأعياد الميلاد المجيدة، على هذه الأرض الطاهرة المقدسة، أرض مهد سيدنا المسيح، رسول المحبة والسلام عليه السلام، ومسرى ومعراج نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. إنني أغتنم هذه المناسبة المقدسة لأتقدم لجميع أبناء شعبنا الفلسطيني، ولأهلنا وإخوتنا المسيحيين منهم خاصة، ولكافة المؤمنين في أرجاء العالم، الذين تهفو قلوبهم إلى هذه الديار المقدسة، أرض المهد والقيامة والأقصى الشريف، بأصدق التهاني، وأطيب التمنيات القلبية الحارة، سائلاً الله جلت قدرته، أن يجعل هذا العام، عام خير ويمن وبركة وسلام على شعبنا الفلسطيني، والإنسانية جمعاء، وقد نعم بتحقيق تطلعاته، وأمانيه الوطنية في الحرية والعودة وتقرير المصير، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وعم الأمن والسلام والاستقرار ربوع منطقتنا، ورفرفت رايات الوئام والمحبة على جميع شعوبها، في إطار من الثقة والاحترام المتبادل والجوار الحسن..

وفي الوقت الذي نحتفل فيه بهذه المناسبة العزيزة، فإن معاناة شعبنا وعذاباته، لا زالت مستمرة جراء سياسات الاحتلال البغيضة، التي تشكل مساساً صارخاً بحرية شعبنا وكرامته، وتنتهك أبسط حقوقه الإنسانية، وتمتهن إنسانيته على نحو صارخ.

إننا في هذه الأيام المقدسة المباركة لأحوج ما نكون لبناء جسور الثقة والسلام، بديلاً عن جدار الفصل والعزل العنصري، ومع ذلك فإن حكومة إسرائيل لا زالت ماضية في سياساتها التدميرية، وعمليات القتل والاغتيال، والاستيلاء على الأراضي، وبناء وتوسيع المستعمرات، وحصار وخنق مدينة القدس الشريف، وبيت لحم، وتحويلهما وكافة أراضينا إلى سجن كبير.

وفي ظل هذا الواقع المرير المؤلم نغتنم هذه المناسبة الدينية والروحية العطرة لكي نتوجه برسالة سلام لجيراننا الإسرائيليين، داعينهم وكافة القوى الدولية الفاعلة والمؤثرة في العالم، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، واللجنة الرباعية الدولية، والأمم المتحدة، والاتحاد الروسي، وكافة القوى والهيئات والمؤسسات المحبة للعدل والسلام والداعية له، داعينها لتتضافر جهودنا جميعاً للعمل بكل إخلاص وتفانٍ لجعل عام 2006، عام صنع السلام في ربوع هـذه الديار المقدسة، قائلاً لهم جميعاً، ما قاله سيدنا المسيح عليه السلام: "طوبى لصانعي السلام".

مرة أخرى أحييكم أطيب تحية، مجدداً لكم جميعاً أصدق التهاني والتمنيات، راجياً لكم أعياد ميلاد مجيدةٍ، يكللها الهناء والسعادة والتوفيق، وقد عم العدل والسلام أرض السلام. المجد لله في الأعالي وفي الناس المسرة وعلى الأرض السلام.

وكل عام وأنتم بخير
والسلام عليكم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 


كلمة السيد الرئيس في الذكرى الواحدة والأربعين لانطلاقة الثورة الفلسطينية رام الله

31-12-2005

بسم الله الرحمن الرحيم
واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا
صدق الله العظيم
يا أبناء شعبنا العظيم في الوطن والشتات،
أيتها الأخوات،
أيها الإخوة،


يصادف اليوم الأول من كل عام، يوم الانطلاقة المباركة للثورة الفلسطينية في مطلع عام 1965م، في ذلك اليوم الخالد من تاريخ شعبنا أعلنت حركة فتح أن هدفها الذي لم ولن تحيد عنه أبداً، هو استعادة الأرض الفلسطينية المحتلة، ورفع الظلم التاريخي الذي وقع على شعبنا، بتشريده من وطنه.

إن هدفنا اليوم كما كان بالأمس نيل الحرية والاستقلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف عاصمتنا الخالدة، وإطلاق سراح أسرانا ومعتقلينا البواسل، وعودة المشردين إلى ديارهم ووطنهم، أهداف كبيرة ضحى في سبيلها شعبنا وطلائعنا المناضلة بقيادة رئيسنا الشهيد الخالد ياسر عرفات، الذي قاد ثورتنا ونضالنا الوطني في أحلك الظروف وأصعب الأوقات، وقاد سفينة الخلاص الوطني حتى وصلت إلى بر الأمان، إلى أرض فلسطين المباركة، وأقام السلطة الوطنية نواة دولتنا الفلسطينية المستقلة.

وإننا اليوم في ذكرى الانطلاقة ننحني إجلالاً وإكباراً لروح قائد ثورتنا ومسيرتنا الرئيس الشهيد الخالد ياسر عرفات ولكل رفاقنا وإخوتنا القادة والمناضلين الشجعان الذين عمدوا بدمائهم الزكية الطريق للوصول إلى أهدافنا الوطنية، ونعاهدهم: إن شعبنا الفلسطيني الذي يواجه الاحتلال والاستيطان والفقر والحرمان، لن يساوم على أي من حقوقنا الوطنية الثابتة في الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية.

أيتها الأخوات، أيها الإخوة،

لقد حقق شعبنا الفلسطيني في العام الماضي، إنجازاً وطنياً عزيزاً على قلوبنا جميعاً بانسحاب جيش الاحتلال وإخلاء المستوطنات في غزة، وعن جزء من شمال الضفة. وعلى الرغم من أن الانسحاب الإسرائيلي قد تحقق دون مفاوضات ودون تنسيق مع السلطة الوطنية، إلا أننا ومعنا كل شعبنا أينما وجد، قد تعاملنا مع هذا الانسحاب على أنه خطوة إلى الأمام، لتحقيق الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الضفة الغربية والقدس الشريف، وقد أعلنا في حينه ونعلن اليوم أن هذا الانسحاب الإسرائيلي ليس نهاية المطاف، وأن على إسرائيل أن تنسحب من الضفة الغربية انسحاباً كاملاً كما انسحبت من قطاع غزة، وأنه قد آن الأوان للجلوس على طاولة المفاوضات والبدء في تطبيق خارطة الطريق التي تمثل الشرعية الدولية، لأن تجميدها والمراوحة في جهود السلام، واستمرار حكومة إسرائيل في بناء المستوطنات وجدار الفصل العنصري وإنشاء المنطقة العازلة في شمال قطاع غزة، واحتجاز الآلاف من أبنائنا الأسرى، والحصار المفروض والاغلاقات وأعمال الاغتيالات والعمليات الإسرائيلية التي لم تتوقف عن تهديد أمن وحياة المواطن الفلسطيني في مختلف أماكن الوطن، لا يمكن إطلاقا أن يحقق الأمن والسلام للشعبين، وان عدم تقدم عملية السلام إنما هو خدمة مجانية لاستمرار العنف والتصعيد بما يبدد فرص السلام ، إن الشعب الفلسطيني لن يقبل إلا بالسلام الذي يعيد له أرضه المحتلة في عام 1967، وفي مقدمتها القدس الشريف، ويضمن حلاً عادلاً ومتفقاً عليه لقضية اللاجئين حسب القرار 194 والمبادرة العربية للسلام ويحرر أسرانا ومعتقلينا من السجون والمعتقلات الإسرائيلية.

أيتها الأخوات، أيها الإخوة،

إن التحديات الكبيرة والخطيرة التي تواجهنا لا يمكن التغلب عليها وتذليلها إلا بوحدة شعبنا وفصائله، وتعزيز سلطته الوطنية، وفرض سلطة القانون والنظام، فالفوضى والفلتان الأمني هما التربة الخصبة التي يعمل فيها أعداؤنا على اختلافهم لقطع الطريق على شعبنا وهو يكافح في سبيل حريته واستقلاله الوطني، وقد نجحنا في حوار القاهرة في الاتفاق على قواسم مشتركة، وعلى التهدئة مع إسرائيل، والالتزام بوقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه بجهود مصرية، وقد حقق هذا الاتفاق وهذه التهدئة بعض ما رجونا تحقيقه.

إن السلطة الوطنية تجد في الفلتان الأمني وتحدي سلطة القانون والنظام خطراً يهدد المشروع الوطني كله، حيث يصب في مجرى الرغبة الإسرائيلية في التهرب من الاستحقاقات التي أكدتها القرارات والمبادرات الدولية، وفي مقدمتها خارطة الطريق.

لقد حان الوقت لفرض سلطة الأمن والنظام والقانون، ولن ندخر جهداً لحل كافة قضايا أبنائنا بقدر استطاعتنا وإمكانياتنا، إلا أن ما يقع بين فترة وأخرى يضر بمصداقيتنا الدولية، ويقوي حجة إسرائيل في تعطيل السلام وعدم الانسحاب، والأخطر أنه يعطل كافة المشاريع الاقتصادية لإعادة الحياة والعمل لاقتصادنا الوطني. في سبيل تأمين الحياة الكريمة وتوفير الأمن والأمان للوطن والمواطن.

أيتها الأخوات، أيها الإخوة

لقد باشر شعبنا منذ مطلع العام الماضي تجديد حياته السياسية بإجراء الانتخابات الرئاسية والبلدية والتي تمت بنزاهة تامة بشهادة المراقبين الدوليين. إن يوم الخامس والعشرين من يناير 2006 سيكون يوماً للمظاهرة الديمقراطية الفلسطينية، وفي نفس الوقت امتحاناً لجدارة شعبنا في اجتياز هذا الامتحان أمام المجتمع الدولي، وليثبت مرة أخرى أنه قادر على صنع مستقبله، وإدارة شؤونه بنفسه، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة. وإن نجاح الخيار الديمقراطي في مجتمعنا، وبناء الهيئات التشريعية على الأساس الديمقراطي هو خطوة كبيرة إلى الأمام لإنهاء الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي لأرضنا.

وهنا يهمنا أن نؤكد أن الانتخابات التشريعية ستجري في كافة المناطق والمحافظات وفي القدس الشريف في يوم واحد، وتوقيت واحد، وقد أعلنا تمسكنا بإجرائها في القدس الشريف عاصمة دولتنا الفلسطينية، وأي تعطيل لإجرائها في القدس إنما يعني تعطيل الانتخابات التشريعية كلها.

أيتها الأخوات، أيها الإخوة،

أتوجه في ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية، بالتحية لأبناء شعبنا حيث أنه لم يكن لها بلوغ الممكن لولا تصديها للمستحيل، وأثبتت للعالم أن أقوى الأشجار ترتفع من بين الصخور. ومع ذكرى الانطلاقة الغالية نقف بخشوع أمام أرواح شهدائنا الطاهرة، الذين سقطوا دفاعاً عن أماني شعبنا، وحفاظاً على قراره المستقل، وعلى رأسهم القائد الرمز الشهيد ياسر عرفات، وكذلك أتوجه بالتحية لأسرانا البواسل، الذين يسطرون بصمودهم أروع آيات التضحية والفداء، متمسكين بقيادتهم الشرعية، وأقول لهم: إن حريتهم من حرية الوطن، وإطلاق سراحهم هو اهتمامنا الرئيس، وأتوجه إلى الجرحى والمصابين وأقول لهم: إن تضحياتهم لن تذهب هدراً.
 تحية لأبناء شعبنا الصامد الوفي في الوطن والشتات وفي جميع أماكن تواجده.

بسم الله الرحمن الرحيم
وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين
صدق الله العظيم

وكل عام وأنتم بخير