كلمة الرئيس ياسر عرفات المتلفزة ألقاها في الندوة الأفريقية للأمم المتحدة لممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه كيب تاون 29 حزيران 2004
فخامة السيد الرئيس ثابو مبيكي،
سعادة السيد بيتر هانسن،
سعادة السيد بول باجي،
السيدات والسادة الضيوف والحضور الكريم،
يطيب لنا، أيها الإخوة والأصدقاء ان نتوجه إليكم بهذه الكلمات عبر مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في جمهورية جنوب أفريقيا الصديقة، وأنتم تعقدون ندوتكم العتيدة هذه، ندوة الأمم المتحدة لدعم حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وإننا لنشكركم من صميم قلوبنا، على جهودكم القيمة والنبيلة لعقد هذه الندوة التي يأتي التئامها في ظل ظروف بالغة الدقة والخطورة، حيث لازالت إسرائيل ماضية في عدوانها الاحتلالي والمتصاعد، وحربها المستمرة على شعبنا في كافة مدنه ومخيماته وقراه، وتقوم بارتكاب أبشع أساليب القتل والاغتيال والاعتقال والتنكيل واحتلالها الغاشم وتصعيداتها العسكرية المستمرة، واجتياحاتها اليومية المستمرة لمدننا ومخيماتنا وقرانا، وتقوم بتدمير منهجي للبنية التحتية الشعبية والرسمية لمجتمعنا الفلسطيني بهدف كسر إرادة شعبنا، وتكريس احتلالها وتكثيف نشاطاتها الاستيطانية على أرضنا ومقدساتنا، وحرمان شعبنا من تجسيد حقه المقدس في الحرية وتقرير المصير، هذا الحق الذي كفلته له الشرعية الدولية في حين تستمر الحكومة الإسرائيلية التي تحتل أراضينا ومقدساتنا المسيحية والإسلامية، في رفضها للقانون الدولي، حين تمارس إرهاب الدولة المنظم، ضد شعبنا، وتضرب عرض الحائط، بكافة المواثيق والأعراف والقوانين الدولية، وبقرارات الشرعية الدولية، والقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، واتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين، وبالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بجانب تهديداتها المستمرة لمقدساتنا المسيحية والإسلامية في هذه الأرض المقدسة، وخاصة في القدس الشريف، وبيت لحم، والخليل ونابلس وجنين وغزة، وفي بقية المناطق في الضفة وغزة.
وإننا إذ نحييكم ونكبر فيكم التفاتتكم الكريمة والنبيلة وتضافر جهودكم الطيبة لعقد هذه الندوة؛ فإننا نتطلع إليكم جميعاً وإلى كافة المشاركين فيها وإلى جميع الأحرار والشرفاء في العالم أجمع، من أجل رفع الصوت عالياً، والتحرك الفاعل لحمل إسرائيل قوة الاحتلال، على وقف حربها وعدوانها ضد شعبنا، ووقف حصارها الاقتصادي الخانق، وعمليات القصف والغارات الجوية والتدمير المستمر لمدننا ومخيماتنا وقرانا وللبنية التحتية لشعبنا، بجانب سياسة الإغلاق والعقاب الجماعي التي تنتهك أبسط الحقوق الإنسانية والمدنية الأساسية لشعبنا، وفي مقدمتها حقه في حرية الحركة والتنقل، والعمل والسفر وكسب قوته وقوت أطفاله؛ وإننا نهيب بكم، أيها الأصدقاء الأعزاء والشرفاء، للعمل إقليمياً ودولياً، وفي إطار الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، ولدى القوى الدولية المؤثرة بما فيها اللجنة الرباعية، لإلزام إسرائيل قوة الاحتلال بالتنفيذ الدقيق والأمين لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بفلسطين، وخاصة القرارات 242، 252، 338، 425، 1397، 1515، 1544، والقرار 194 الخاص باللاجئين؛ وكذلك القرار 58/292، الذي رفض السيادة الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما في ذلك القدس الشريف، إلى جانب حملها على تطبيق خطة خارطة الطريق التي وضعتها اللجنة الرباعية الدولية والتي وافق عليها مجلس الأمن الدولي، ووضع عليها شارون أربعة عشر تحفظاً؛ في حين قبلناها نحن كرزمة واحدة، بل لقد ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير بعد تلقيه رسائل الضمانات الأمريكية الأخيرة، حيث أعلن عن نيته المساس بنا شخصياً، وأن خارطة الطريق قد ماتت هذا ما أعلنه بكل وضوح وكأنه لا يهمه شيئاً إطلاقاً في العالم لا الحق ولا مجلس الأمن ولا الشرعية الدولية ولا حقوق الإنسان، وها هو اليوم يتحدث عن خطة للانسحاب من غزة؛ في حين أن ممارساته على الأرض تؤدي لكل ما هو عكس ذلك تماماً؛ فالحصار والإغلاق مستمران، والاجتياحات والغارات الجوية والتصعيد العسكري، وعمليات القتل والاعتقال والتنكيل مستمرة ويومية ليلاً ونهاراً، وتزداد كل يوم دموية، هذا إلى جانب بناء المزيد من المستوطنات وتوسيع القائم منها، ومضيهم قدماً في بناء جدار الفصل والعزل العنصري، الذي يعتبر جدار برلين قزماً بجانبه، حيث يدخل بعمق أكثر من 20 كم في أراضي الضفة الغربية، ويصادر أكثر من 58% من مساحتها، وسيبلغ طوله 752 كم، وبذلك يمزق عشرات المدن والمخيمات والقرى والأراضي الزراعية الفلسطينية، ويحول مناطقنا إلى غيتوات وسجون معزولة عن بعضها البعض بالجدار والمستوطنات، إضافة إلى حرمان شعبنا من مصادر مياهنا الجوفية التي تضع إسرائيل يدها عليها، والاستمرار في خطتها لتشريد أكثر من 500 ألف مواطن فلسطيني من ديارهم وممتلكاتهم وأراضيهم الزراعية التي هي مصدر أرزاقهم وعيشهم؛ في محاولة لمؤامرتهم في استمرار عملية التهجير لشعبنا ولإحداث خلخلة كبيرة وواسعة في التوازن الديموغرافي خدمة وتحقيقاً لمخططهم للترانسفير وخلق نظام فصل عنصري جديد، بعد أن أدى نضالكم في جنوب أفريقيا إلى هدم وتدمير نظام الفصل العنصري في بلدكم إلى لا عودة، يريدون أن يعيدوه إلى فلسطين هذه الأرض المقدسة بجانب السيطرة جواً وبراً وبحراً فماذا يبقى؛ وكذلك السيطرة على مقدساتنا المسيحية والإسلامية فمن يقبل ذلك.
إننا أيها الأصدقاء دعاة سلام وطلاب سلام، وإن السلام الذي ننشده هو السلام الدائم والعادل والشامل، سلام الشجعان، الذي وقعناه مع شريكي الراحل يتسحاق رابين، والقائم على أساس قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بفلسطين، والاتفاقات الموقعة، هذا السلام الذي يعيد الحقوق لأصحابها، ويمكن شعبنا من ممارسة حقوقه غير القابلة للتصرف، وفي طليعتها الحرية لشعبنا، وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
إن شعبنا أيها الإخوة والأصدقاء قدم التضحيات الجسام، من أجل السلام هذا السلام العادل والدائم والشامل؛ فلقد قبلنا بأقل من ربع مساحة فلسطين التاريخية، وتعاملنا بإيجابية وتعاون تام مع كافة الجهود والمبادرات الدولية، وآخرها خطة خارطة الطريق الدولية التي أشرنا إليها، وارتضينا بالشرعية الدولية وقراراتها سبيلاً كمخرج من هذا الصراع وحل مقبول له؛ وأمام ندوتكم العتيدة هذه فإننا نمد أيدينا من جديد لجيراننا الإسرائيليين وخاصة لقوى السلام فيه، ونقول لهم تعالوا لنصنع السلام الذي بدأته مع شريكي الراحل يتسحاق رابين من أجل أطفالكم وأطفالنا، ومن أجل مستقبل عامر بالرخاء والازدهار والتعاون البناء المثمر في منطقتنا وفي إطار من الثقة والاحترام المتبادل وحسن الجوار في كل منطقتنا في الشرق الأوسط.
مرة أخرى نجدد لكم التحية مقرونة بعميق التقدير والامتنان على جهودكم وتعاونكم معنا ودعمكم لحقوق شعبنا الفلسطيني غير القابلة للتصرف بما فيها مبادرة السلام الدولية والعربية التي وافقت عليها القمة العربية في بيروت وفي تونس، راجين لندوتكم الموقرة، النجاح والتوفيق، والخروج بما ترجونه منها من إنجازات وتوصيات تسهم في صنع السلام العادل والدائم والشامل في منطقتنا، وفي جعله حقيقة واقعة ناجزة؛ فبوركتم وبوركت جهودكم وعطاؤكم المخلص والنبيل الذي نثمنه عالياً، ونعتز به اعتزازاً كبيراً وصادقاً.
والسلام عليكم رحمة الله وبركاته
كلمة الرئيس ياسر عرفات إلى القمة الثالثة للاتحاد الأفريقي 6 تموز 2004
دولة السيد الرئيس مليس زيناوي رئيس القمة الثالثة للاتحاد الإفريقي،
أصحاب الجلالة والفخامة الرؤساء والإخوة القادة في إفريقيا،
السادة والسيدات الحضور الكرام،
يسرنا بداية أن نتقدم بخالص التحية وعميق التقدير إليكم، أيها الإخوة والأصدقاء، أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة والدولة، وأنتم تعقدون مؤتمر القمة الثالثة للاتحاد الإفريقي؛ كما نتوجه كذلك بتحية خاصة لكل من فخامة السيد الرئيس جواكيم ألبرتو سيشانو، رئيس جمهورية الموزامبيق، رئيس القمة الثانية للاتحاد الإفريقي، مثمنين عالياً جهوده أثناء رئاسته لقمة الاتحاد الإفريقي؛ وكذلك لدولة السيد الرئيس مليس زيناوي رئيس وزراء جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية، رئيس القمة الحالية على كرم الضيافة وحرارة الاستقبال، مهنئينكم برئاسة قمة الاتحاد الإفريقي هذه، ومتمنين لكم ولبلدكم الصديق النجاح في مهمتكم السامية هذه؛ ولا يفوتنا كذلك أن نوجه تحية خاصة لفخامة الأخ البروفيسور ألفا عمر كوناري، المفوض العام للاتحاد الإفريقي على جهوده القيمة لخدمة قارتكم العظيمة، إعداداً وتنظيماً لإنجاح هذه القمة وإدارتها.
ونود في هذا المقام أن نعرب كذلك عن مشاركتنا لكم في قارتكم العملاقة التي تواجه في هذه المرحلة هذه التحديات الجسام، ونعلم كم تبذلون من جهود مضنية من أجل استكمال بلورة الأسس والهياكل الخاصة باتحادكم العتيد، الاتحاد الإفريقي الوليد، وندرك وأنتم تعقدون قمتكم حجم التحديات والقضايا الكبيرة المطروحة على أجندة اتحادكم، وكلها قضايا مصيرية تمس بحياة مواطنيكم، ومستوى معيشتهم، ومستقبل أقطاركم وشعوبكم، بل وقارتكم بأسرها.
إن ما تقومون به من عمل وجهد، سواء كان ذلك على المستوى الفردي أم على المستوى الجماعي لمكافحة الجهل، والفقر، والمرض، والبطالة، والجوع، والجفاف، والمشاكل المتعددة ليستحق كل التقدير، وإن هذا العمل القيم يحتاج لكي يؤتي ثماره إلى التضامن والدعم الدولي والإقليمي لإحداث انتعاش اقتصادي، وتنمية اجتماعية حقيقية في كافة دول قارة إفريقيا، هذه القارة التي أُخذ منها الكثير، ولم تحصل إلا على النزر اليسير، ومن هنا؛ فإن تضامن القوى الاقتصادية الكبرى ولا سيما دول G8، هو ضرورة ملحة لمساعدة إفريقيا على النهوض، وإصلاح اقتصادها، وخلق عوامل دفع داخلية لاقتصادياتها، وليس فقط التعامل مع هذه القارة من منظور أنها سوق استهلاكية ومصدر للموارد الخام الرخيصة؛ فإفريقيا نعم قارة غنية بمخزونها الكبير من الثروات الطبيعية، غير أن الديون التي تثقل كاهل دولها وشعوبها، تعوق فرص خلق ديناميكية اقتصادية كفيلة بتوفير الرخاء والازدهار الذي تنشدونه لشعوبكم وبلدانكم، ولذا؛ فإن ضرورة إعادة إرساء أسس الحوار بين دول الشمال والجنوب تفرض نفسها؛ كما وإن الدول الغنية مدعوة لكي تساهم في التخفيف من مديونية القارة الإفريقية ان لم نقل شطب ديونها كافة؛ إذ ليس من العدل أن تترك دول هذه القارة وشعوبها فريسة للفقر وغيرها من المعوقات التي هي سبب كل الآفات التي تعاني منها دول القارة، وإن إيجاد مثل هذه الحلول ضرورة ملحة لا تحتمل التأجيل؛ وكلنا ثقة بكم، أيها الإخوة والأصدقاء، وبحكمتكم وحنكتكم لوضع السياسات والبرامج والخطط للنهوض بدولكم وشعوبكم، والمضي بها نحو آفاق رحبة من الرخاء والتقدم والازدهار.
وإننا في فلسطين أرضاً وشعباً وقضية نقف إلى جانبكم بقلوبنا ومشاعرنا وتضامننا الأخوي الراسخ، ونتطلع إلى اليوم الذي نتمكن فيه من رد الجميل لهذه القارة، ولكافة الإخوة والأصدقاء فيها، الذين ظلوا على الدوام نعم الإخوة والأصدقاء والنصير والداعم والمؤيد لحقوق شعبنا الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وفي مقدمتها حقه في الحرية والعودة، وتقرير المصير، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وتعلمون، أيها الإخوة والأصدقاء اننا في الوقت الذي أعلنا فيه ولا نزال نعلن، وعلى الملأ عن تمسكنا بقرارات الشرعية الدولية، وجميع الاتفاقات المبرمة، وآخرها خطة خارطة الطريق الدولية، وإدانتنا دوماً لكافة أشكال العنف والإرهاب ضد المدنيين، وخاصة الإرهاب ضد المدنيين الفلسطينيين، والذين يتعرضون لإرهاب الدولة المنظم، وبالرغم من إدانتنا لكافة أشكال الإرهاب ضد المدنيين الإسرائيليين، ومن أي جهة جاءت،؛ إلا أن إسرائيل، قوة الاحتلال، لا زالت مستمرة في شن حملة التشويه والدعاية الكاذبة ضدنا في إفريقيا وفي سواها من أقطار العالم؛ في محاولة منها لذر الرماد في العيون وخداع الرأي العام العالمي حول حقيقة ممارساتها وتصعيداتها العسكرية ضد شعبنا وأرضنا واقتصادنا وحتى ضد مقدساتنا المسيحية والإسلامية، بجانب الاستمرار بجرائمها البشعة؛ في حين لا تزال إسرائيل وجيشها المحتل ومستعمروها المستوطنون وحتى هذه اللحظة، يشنون عدوانهم المتصاعد واجتياحاتهم اليومية المستمرة وحربهم الدموية الغاشمة التي أقل ما يقال فيها أنها حرب إبادة وتطهير عرقي ضد جماهير شعبنا الفلسطيني في كافة مدننا وقرانا ومخيماتنا من رفح جراد جنوباً، مروراً بخان يونس فدير البلح فغزة وبيت حانون إلى الخليل؛ وكذلك إعادة احتلال مدينة بيت لحم وتحويلها إلى منطقة عسكرية مغلقة، ورام الله ونابلس وقلقيلية وطولكرم، وسواها من التجمعات السكنية الفلسطينية، وحتى جنين جراد، حيث تمارس أبشع عمليات القتل والاغتيال والاعتقال والتنكيل والإذلال، هذا إلى جانب التدمير المنهجي لمدننا ومخيماتنا وقرانا، وتجريف الحقول والمزارع، واجتثاث الأشجار المثمرة، وتشريد عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين الآمنين من بيوتهم، وإن هذه الممارسات الإسرائيلية هي جرائم حرب ضد الإنسانية؛ إذ تمثل انتهاكاً صارخاً وفاضحاً لاتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين زمن الحرب، وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وللقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، وقرارات الشرعية الدولية، واضعة نفسها فوق هذه القوانين كافة، وغير عابئة بها، وهذا بشهادة الأمم المتحدة، وممثليها ومبعوثيها المقيمين وغير المقيمين؛ وكذلك منظمات حقوق الإنسان الدولية واليونسكو، والمنظمات غير الحكومية، ويكفي أن نشير هنا لتقرير رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في قطاع غزة، حيث يذكر فيه أن نسبة البطالة تصل إلى 50%، ونسبة الفقر84% في غزة، وأن دخل الفرد هو أقل من 2 دولار يومياً؛ ويضيف بأن الممارسات العسكرية السلبية للجيش الإسرائيلي والمستوطنين أوقعت خلال ثلاث السنوات الماضية أكثر من 4000 آلاف شهيد، و25 ألف جريح، إضافة إلى تدمير البنية التحتية في قطاع غزة، وهدم ما يقارب أربعة آلاف منزل، وتجريف آلاف الدونمات واقتلاع ما يزيد على 100 ألف شجرة، وتدمير عشرات الورش الصناعية والمصانع والبيوت البلاستيكية، أي الدفيئات الزراعية، وآبار الري وشبكات الكهرباء والمياه والهاتف، ونحن نقول إن حجم الخسائر والأرقام تفوق هذه المعطيات من بعيد بنسبة أكثر من الضعفين، إذا ما أضفنا حجم الخسائر في الضفة الغربية، وليس بخافٍ عليكم أن هذه السياسات والممارسات الإجرامية ترمي إلى تكريس وتشريع الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي البغيض لأرضنا ومقدساتنا المسيحية والإسلامية، في إطار محاولاتهم المستمرة لطرد شعبنا من وطنه فلسطين، وفق خطتهم للترانسفير، وذلك بإقامة المزيد من المستوطنات الاحتلالية، وتوسيع القائم منها ومصادرة مساحات كبيرة من أراضينا لأغراض عسكرية، ولتقطيع أوصال مناطقنا ببناء جدار الفصل والعزل العنصري، الذي يصادر 58% من مساحة الضفة الغربية، ويحاصر ويفصل القدس الشريف عن بيت لحم وبقية أراضينا، ويحكم وضع يد إسرائيل على أحواض المياه الجوفية في فلسطين، ويحول مناطقنا وأراضينا إلى جيتوات وسجون محاصرة ومغلقة، ناهيكم عن سياسة العقاب الجماعي الإجرامي الظالم، والحصار الاقتصادي الخانق، واحتجاز أموالنا من ضرائبنا والتي وصلت خلال هذه الفترة إلى مبالغ كبيرة جداً، هذا بجانب حرمان جماهير شعبنا من أبسط حقوقهم الدينية والمدنية والإنسانية، في حرية الحركة والتنقل والعمل والسفر، إضافة للمساس بمقدساتنا المسيحية والإسلامية وحرمان جماهيرنا من أداء شعائرهم الدينية فيها، وتدمير البنية التحتية والفوقية لمجتمعنا وخاصة مؤسساتنا الرسمية والشعبية بجانب مقدساتنا.
وكما تعرفون؛ فإن حكومة إسرائيل وبعد تسلمها رسائل الضمانات من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية؛ فقد استغلها شارون وأعلن عن نيته المساس بنا شخصياً؛ كما وأعلن أن خارطة الطريق التي وضعتها اللجنة الرباعية الدولية ووضع عليها 14 تحفظاً، وأعتبر أن اتفاق اوسلو وعملية السلام قد ماتت، في حين أننا قبلناها من طرفنا وتعاملنا معها كرزمة واحدة، وقد شاهدتم كما شاهد العالم بأسره شروع حكومة إسرائيل في تنفيذ مخططها الرامي إلى تدمير نصف مدينة رفـح والاستمرار في تصعيد العدوان، وإعادة احتلالهم لمناطق واسعة في غزة والضفة، وخاصة مدينة بيت لحم، وبيت حانون، وبيت لاهيا، وإن ما يزعمونه عن خطتهم ونيتهم للانسحاب الوهمي من قطاع غزة، ما هو إلا محاولة تهدف للتهرب من السلام واستحقاقاته، وفرض وقائع جديدة على الأرض، تجعل تحقيق إقامة الدولة الفلسطينية، الذي هو أمر شرعي وواقعي جداً، هدفاً بعيد المنال، وخاصة بإصرارهم على السيطرة الجوية والبحرية والبرية بما فيها المعابر الدولية.
وفي ظل هذا الوضع المأساوي الذي نعيشه وشعبنا؛ فإننا نهيب بكم، العمل والتحرك الفاعل، سواء كان ذلك على المستوى الفردي لدولكم، أو على المستوى الجماعي لاتحادكم الإفريقي الموقر، لدى الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والقوى الدولية الفاعلة والمؤثرة، لإلزام إسرائيل، قوة الاحتلال، وحملها على احترام وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية 242، 338، 252، 425، 1397، 1515، 1544، 194، إضافة للقرار 58/292 الذي رفض السيادة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشريف الشرقية؛ وكذلك لتطبيق خطة خارطة الطريق المقدمة من اللجنة الرباعية تطبيقاً دقيقاً وأميناً، وتحت إشراف ومراقبة دولية، ووفق جدول زمني محدد يؤدي لانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين إلى حدود 4/6/1967، وتفكيك المستعمرات الاحتلالية، وإزالة ووقف بناء جدار الفصل والعزل العنصري، حتى يتسنى لنا تحقيق السلام العادل والدائم والشامل، سلام الشجعان، الذي نؤمن به، ووقعناه مع شريكي الراحل اسحق رابين، الذي اغتالته هذه القوى المتطرفة الحاكمة في إسرائيل، هذا السلام الذي ورغم كل المعوقات فإننا نعمل بكل تفان وإخلاص لجعله حقيقة واقعة في فلسطين من أجل أطفالهم وأطفالنا، وعلى نحو يضمن الأمن والاستقرار للجميع في المنطقة، بما في ذلك الإسرائيليين، ويكفل لشعبنا الفلسطيني العيش بكرامة وحرية وسيادة في وطنه فلسطين، وبعاصمته القدس الشريف الشرقية.
ختاماً، نجدد لكم التحية وعميق التقدير، ونتمنى لقمتكم المبجلة تحقيق جلّ ما تصبون إليه من أهداف وتطلعات سامية، والخروج بالتوصيات والقرارات التي تنشدونها لتعزيز الوحدة والتكامل بين أقطاركم، مجددين لكم، أيها الإخوة والأصدقاء، أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة، والدولة والسعادة، التعبير عن أطيب تمنياتنا وشكرنا الجزيل لكل ما تقدمونه لشعبنا وقضيتنا، ونتمنى لكم جميعاً، ولشعوبكم وبلدانكم الشقيقة والصديقة اضطراد الرخاء والتقدم؛ كما ونكرر كذلك للأمانة العامة لمؤتمركم وطواقمها الفنية، ومن خلال شخص المفوض العام لاتحادكم العتيد، الاتحاد الإفريقي، فخامة الأخ البروفيسور ألفا عمر كوناري، شكرنا لهم، بجانب تقديرنا لجهودهم في سبيل انعقاد هذه القمة وتنظيمها وإنجاح أعمالها.
كلمة الرئيس ياسر عرفات ألقاها نيابة عنه فاروق القدومي أمام الاجتماع الخاص للجنة فلسطين التابعة لحركة عدم الانحياز 19 آب 2004
معالي الأخ العزيز الوزير حامد البار،
أصحاب السيادة والمعالي والسعادة،
الإخوة والأصدقاء الحضور والضيوف الأعزاء،
تحية طيبة وبعد،
نخاطبكم اليوم وأنتم تعقدون هذا الاجتماع الهام في جمهورية جنوب أفريقيا كأصدقاء وأشقاء وأعزاء علينا وعلى شعبنا الفلسطيني، الذي يكن لكم ولهذا البلد الصديق المناضل ولرئيسه فخامة الصديق العزيز ثابو مبيكي كل المودة والاحترام والتقدير، لوقوفكم المستمر إلى جانب قضايا الشعوب العادلة، قضايا الحق والعدالة والحرية والسلام التي تجسّدها قضية شعب فلسطين، الذي يواصل نضاله العادل والمشروع بعزيمة قوية وإرادة لا تلين، وبدعم وتأييد من كل الأعضاء الموقرين في حركة عدم الانحياز، وفي لجنة العمل الأفرو آسيوية، وكافة الشرفاء والأحرار في العالم من أجل نيل وتجسيد حقنا المقدس والمشروع في الحرية والسيادة والاستقلال، وحماية مقدساتنا المسيحية والإسلامية.
ونود في هذه المناسبة ان نثمن عالياً انعقاد هذا المؤتمر الهام الذي يعكس حاجتنا القصوى جميعاً لأن يكون هناك في قارتينا آسيا وأفريقيا، وبالاشتراك مع أصدقاء أعزاء من أمريكا اللاتينية مثل هذا اللقاء، من أجل تعزيز مبدأ الحوار والتفاعل ومفهوم التشاور، وهو سيكون بلا شك نقطة الانطلاق لوضع آليات التعاون والأمن الجماعي في قارتينا، وترجمة ذلك على أرض الواقع لمواجهة الأزمات والتحديات الجسام التي تواجهها قارتينا والعالم بشكل عام، من فقر ومجاعة وتخلف وأزمات في البيئة والتصحر وأسلحة الدمار الشامل، وحرمان الشعوب من حقها في تقرير مصيرها، والخطر الكبير الذي يهدد حياة شعوب العالم والمتمثل بالإرهاب، بما في ذلك إرهاب الدولة المنظم، وفي هذا الإطار؛ فإننا ندين بشدة الإرهاب بكافة أشكاله، حيث أكدنا على ذلك مراراً، وأعلناه في أكثر من مناسبة، وخاصة وأن شعبنا الفلسطيني لا زال يتعرض لأبشع أنواع الإرهاب الرسمي المنظم، المتمثل في استمرار الاحتلال الإسرائيلي بأشكاله المختلفة لأرضنا ومقدساتنا، والذي يمثل قمة إرهاب الدولة المنظم.
وكما تعلمون، أيها الإخوة والأصدقاء الأعزاء؛ فإن شعبنا ما زال يعيش ظروفاً بالغة الصعوبة والخطورة، بسبب التصعيد العسكري الإسرائيلي المجنون، والحصار المأساوي الخانق المفروض عل مدننا وقرانا ومخيماتنا من قبل إسرائيل، قوة الاحتلال والاستعمار، على مدار أكثر من أربع سنوات، قام خلالها جيش الاحتلال المدجج بأحدث أسلحة القتل والتدمير والمحرمة دولياً، بمواصلة حرب الإبادة والتطهير العرقي التي يشنها ضد شعبنا، وبتدمير كل مناحي حياته من بنى تحتية، ومؤسسات ومرافق حيوية ومدنية وأمنية، وأمام سمع وبصر العالم كله، الأمر الذي جعل عملية السلام تدخل في مأزق دائم وطريق مسدود.
وكما تعلمون جميعاً، أيها الإخوة والأصدقاء الأعزاء فقد قمنا وانطلاقاً من حرصنا على تحقيق السلام العادل في المنطقة بالاستجابة لكافة المبادرات الإقليمية والدولية الرامية إلى تحقيق السلام، وأكدنا على الدوام بأن العنف ليس هو السبيل إلى الحل المنشود، وأن المفاوضات السياسية يجب أن تشكل الوسيلة الوحيدة لحل الصراع القائم؛ ولكن المشكلة تكمن في الجانب الإسرائيلي الذي لا يزال يرفض التعاون معنا لإنجاح جهودنا من أجل تحقيق التهدئة، بل ويقوم بتصعيد الأمور وتشديد الحصار والإغلاق، ويصر على مواصلة قطع كل العلاقات والاتصالات مع السلطة الوطنية الفلسطينية، ويقوم بتدمير منشآتها ومقرّاتها المدنية والأمنية، ويحظر تنقل أفراد الشرطة الفلسطينية، مما يعيق تنفيذ مهامها والواجبات الموكلة إليها؛ وما يقوم به من إجراءات قمعية وممارسات وحشية على الأرض يشكل انتهاكاً صارخاً لقواعد القانون الدولي ولاتفاقيات حقوق الإنسان، وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو يشكل كذلك خرقاً صارخاً للاتفاقيات الموقعة بين الجانبين وتكريساً لنظام "الأبارتايد" الذي دأبت إسرائيل، قوة الاحتلال، على انتهاجه وتطبيقه في الأراضي الفلسطينية المحتلة، منتهكة بذلك الأعراف والاتفاقات الدولية؛ وإن استمرار إسرائيل في هذه السياسات العدوانية والحرب المدمرة، سيحرم شعبنا من ممارسة حقه في الانتخابات البرلمانية والرئاسية والمحلية التي نحاول منذ مدة طويلة عقدها، وسيعيق كذلك خططنا لمواصلة الإصلاحات وإعادة الإعمار والبناء لأجهزتنا ومؤسساتنا.
ولقد قمنا من جانبنا بالوفاء بكل تعهداتنا والتزاماتنا،؛ إلا أن السياسات والإجراءات الإسرائيلية والتدمير المنهجي التي ما زال جيش الاحتلال الإسرائيلي يقوم بتنفيذها في إطار خططه المعلنة وغير المعلنة وتحت مسميات مختلفة، يزيد الأمر تعقيداً وتفجراً، وينسف كل الجهود الصادقة التي نبذلها للخروج من الأزمة لراهنة، وتحقيق التهدئة وصولاً لتنفيذ الاتفاقات والتفاهمات التي تم التوصل إليها، واستئناف المفاوضات على أساس قرارات الشرعية الدولية، وخاصة قرارات مجلس الأمن الدولي 242، 338، 194، 425، 1397، 1402، 1403، 1515، وعلى أساس مبدأ الأرض مقابل السلام ومبادرة السلام العربية ووفقاً لخارطة الطريق والتفاهمات الأخرى.
إننا في ظل هذه الظروف الصعبة والدقيقة التي نعيشها وتمر بها عملية السلام، والتي تضع المنطقة بأسرها على حافة الانفجار الشامل ونقطة اللاعودة جراء إمعان إسرائيل قوة الاحتلال في حربها التدميرية وحصارها الخانق وفرض سياسة الأمر الواقع بقوة المدفع والدبابة، نهيب بكم جميعاً العمل الفوري والتحرك العاجل والفاعل من أجل إلزام إسرائيل بأحكام قواعد الاتفاقات الدولية والرجوع عن إجراءاتها وقراراتها، ورفع الحصار المفروض على شعبنا وقيادته المنتخبة، ووقف عدوانها وحربها الظالمة علينا.
الإخوة والأصدقاء الأعزاء،
إننا نقدر كل التقدير قرار الجمعية العامة رقم بـ أ ط 10- 15، الذي أقر بفتوى محكمة العدل الدولية، تلك الفتوى التي تعد التطور الأهم في منظومة الأمم المتحدة حول القضية الفلسطينية منذ قرار التقسيم التي تحسم موضوع الجدار وتنقل القضية إلى مستوى جديد يؤكد ضرورة حل الصراع على أساس القانون الدولي، ونشيد عالياً بذلك القرار وما تضمنه من إجراءات على مستوى الأمم المتحدة وأطراف اتفاقية جنيف، وخاصة ما أكد عليه بشأن عودة الجمعية العامة للانعقاد، بهدف تقييم الوضع وإنهاء الحالة الناشئة عن الجدار؛ وفي هذا السياق؛ فإننا نأمل أن يلتزم الجميع بالرأي الاستشاري للمحكمة، وبقرار الجمعية العامة بما في ذلك قوة الاحتلال، وفي حال تواصلت سياسة التهرب والمماطلة والتسويف الإسرائيلية؛ فإن على المجتمع الدولي، وعلى أطراف اتفاقية جنيف أن تمارس دورها ومسؤولياتها في حمل الحكومة الإسرائيلية على الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، ولقد تقدمنا إليكم بمجموعة من الاقتراحات كخطوات عملية باتجاه الالتزام بفتوى المحكمة وتنفيذ قرار الجمعية العامة انطلاقاً من اعتقادنا بضرورة وجود موقف دولي حازم وحاسم يرفض التعامل مع نتائج السياسات الإسرائيلية غير الشرعية في أرضنا المحتلة، ويعاقب الجهات المنخرطة في تنفيذ هذه السياسات انسجاماً مع القانون الدولي، بل استجابة لما يتطلبه تطبيق هذا القانون، وإننا لعلى يقين بأن الجهة التي تبادر إلى قيادة مثل هذا التحرك هي بطبيعة الحال حركة عدم الانحياز والدول الشقيقة بموقفها المبدئي الداعم لنضال شعبنا، ولحل سياسي عادل للصراع، يقوم على أساس مبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، ونحن واثقون بأن الاجتماع الوزاري للحركة سيتخذ المواقف اللازمة في هذا المجال بما يوقف العدوان على شعبنا، ويلزم قوة الاحتلال بقرار الجمعية العامة حول الجدار، ويعيد فتح مسار السلام بموجب خارطة الطريق، تلك الخارطة التي لن تبقى على قيد الحياة دون توقف الجدار وإزالته وبدون التوقف التام لكافة النشاطات الاستعمارية.
إن شعبنا الفلسطيني يستمد إيمانه الذي لا يتزعزع من عدالة قضيته ومن دعم وتضامن كل الأشقاء والأصدقاء والحريصين على تحقيق السلام، وبالتالي فإننا نعول كثيراً عليكم وعلى تدخلكم ودعمكم لإيجاد آلية دولية ملزمة توقف هذا العدوان والحصار الإسرائيلي بكل أشكالهما على شعبنا وبتنفيذ المرجعية التي استندت إليها مسيرة السلام، لما فيه مصلحة وخير كافة شعوب المنطقة ودولها؛ ونحن نؤكد أنه للوصول إلى هذا الهدف؛ فإن اتخاذ إجراءات دولية شاملة رسمية بما فيها إرسال قوات حماية دولية وفرض المقاطعة الدولية مثلما حصل في أماكن كثيرة في العالم، بما فيها ما حصل مع نظام الفصل العنصري البغيض في جنوب أفريقيا الذي اندثر إلى الأبد، سيحمل إسرائيل قوة الاحتلال الغاشمة على الإذعان لإرادة المجتمع الدولي وتنفيذ قراراته التي تدعو إلى تحقيق وإقامة السلام العادل والشامل في المنطقة على أساس هذا السلام، سلام الشجعان، الذي يكفل وحده الأمن والاستقرار لشعوب ودول المنطقة ولشعبنا حقه في إنهاء الاحتلال بكل أشكاله وخاصة الاستيطان لأرضنا ومقدساتنا المسيحية والإسلامية، واستعادة حقوقنا في العودة وتقرير المصير، وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، باعتبارها الضمانة الأساسية واللازمة لنجاح وتوطيد السلام والاستقرار في المنطقة وفي العالم.
ونحن من على هذا المنبر نؤكد لكم كما أكدنا دائماً ترحيبنا بانسحاب إسرائيل قوة الاحتلال، من كافة أراضينا المحتلة، ونحن على استعداد كامل وفوري لتسلم قطاع غزة والمناطق التي سيتم الانسحاب منها في الضفة الغربية؛ ولكن ما يعلنه شارون في هذا السياق يحمل في طياته الكثير من المخاطر الشديدة؛ فهو يستهدف استبدال خارطة الطريق وتقويض إمكانية قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على كل أرضنا الفلسطينية، ونعتقد أن كل ذلك فقط من أجل التغطية على الجرائم الإسرائيلية المتواصلة ضد شعبنا، ومحاولة لبث نار الفتنة والاقتتال الداخلي بين صفوف شعبنا؛ ولهذا نصر بأن يكون الانسحاب من غزة كاملاً وشاملاً، وأن لا تتحول غزة إلى سجن كبير، وأن يتزامن مع هذا الانسحاب من قطاع غزة إن تم انسحاباً مماثلاً من الضفة الغربية، وإجراءات مواكبة بشأن الجدار والاستيطان؛ ولهذا لابد من موقف دولي واضح بهذا الشأن، وخاصة من الرباعي الدولي، حتى تكون مسألة الانسحاب من غزة وشمال الضفة جزءاً من خارطة الطريق وضمن جدولها الزمني والضمانات الدولية، وأن يكون خطوة أولى لتطبيق خارطة الطريق، وبإشراف دولي وعبر المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وبما يقود إلى إنهاء الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي بصورة كاملة لأرضنا المحتلة عام 1967
إننا وشعبنا أيها الأشقاء والأصدقاء، نعول كثيراً على تحرككم وجهودكم الخيّرة والمخلصة، مثمنين عالياً الدور الذي تقوم به حركتنا الرائدة حركة عدم الانحياز، وعلى رأسها ماليزيا الشقيقة، لجهودها الصادقة في تعزيز وتطوير دورها الريادي، وشكرنا الجزيل لفخامة الرئيس ثابو مبيكي، ولمعالي الوزيرة زوما على استضافة هذا المؤتمر، وعلى ما قاموا به من جهود لعقد هذا المؤتمر، ولكم جميعاً أيها الإخوة والأصدقاء المشاركون بهذا الاجتماع ولكافة الدول الصديقة بحركة عدم الانحياز، وكافة الدول العربية الشقيقة وخاصة الأشقاء بمصر والأردن، آملين لكم التوفيق والنجاح في أعمال مؤتمركم هذا، وأن يخرج بالتوصيات والقرارات الفاعلة التي تساهم في وقف هذه الحرب البربرية، والعدوان السافر على شعبنا وأمتنا والمنطقة بأسرها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلمة الرئيس ياسر عرفات ألقيت نيابة عنه أمام المؤتمر الخامس لـمجلس الكونغرس الفلسطيني الأمريكـي فـي شيكاغو19 كانون الثاني 2004
الإخوة والأخوات رئيس وأعضاء مجلس أمناء الكونغرس الفلسطيني الأمريكي الإخوة والأخوات منتسبون الكونغرس الفلسطيني الأمريكي إنه لمن دواعي سعادتنا وبهجتنا ان نكتب إليكم هذه الرسالة، وأنتم تعقدون مؤتمركم السنوي للكونغرس الفلسطيني الأمريكي في شيكاغو، معبرين لكم في البداية باسم شعبنا الفلسطيني وقيادته، وباسمي شخصياً، عن صادق تحياتنا الأخوية، وخالص تمنياتنا القلبية، راجين لكم ولكافة أبناء الجالية الفلسطينية الأحبة، ولأعمال مؤتمركم الذي تعقدونه في الفترة من 16-18 كانون الثاني-يناير 2004، كل التوفيق والنجاح، وتحقيق جل ما تصبون إليه من أهداف وتطلعات وضعتموها نصب أعينكم، لخدمة قضاياكم وشؤونكم كمجتمع فلسطيني أمريكي في وطنكم الثاني الولايات المتحدة الأمريكية؛ كما نود في هذا المقام أن نعرب لكم، أيها الأخوات والإخوة والأحبة، عن اعتزازنا بكم وبعطائكم وجهودكم ونشاطكم من أجل الحفاظ على انتمائكم وهويتكم الوطنية الفلسطينية، وارتباطكم بوطنكم الأم فلسطين، والعمل بإخلاص وتميز كما هو عهدكم دوماً لوطنكم؛ فأنتم خير سفراء لشعبكم وقضيتكم العادلة في وطنكم الثاني الولايات المتحدة الأمريكية.
ويأتي انعقاد مؤتمركم، أيها الأخوات والإخوة والأحبة، في ظروف بالغة الدقة والخطورة يعيشها شعبنا الفلسطيني، الذي يتعرض منذ ثلاث سنوات ونيف لحصار اقتصادي خانق، وإغلاق محكم وشامل، وعمليات اجتياح عسكرية همجية غاشمة ودموية، وعدوان شرس ومتصاعد، تشنها عليه إسرائيل قوة الاحتلال والاستيطان، حيث أطلقت العنان لجيشها المحتل ومستوطنيها الصهاينة، ليعيثوا تخريباً وقتلاً واغتيالاً واعتقالاً، وتنكيلاً بحق جماهير شعبنا الفلسطيني في كافة مدنه وقراه ومخيماته، حتى أن المضارب البدوية لم تسلم من ذلك، إضافة إلى التدمير المنهجي والمبرمج، الذي ألحقته إسرائيل قوة الاحتلال والاستيطان، بالبنية التحتية والفوقية لمجتمعنا الفلسطيني، مثلما هو حاصل الآن في كل من رفح ونابلس وجنين وسواها من مدننا وقرانا، بهدف كسر إرادة شعبنا الفلسطيني وروح المقاومة عنده، وسلبه كل مقومات الصمود والثبات على حقه المقدس والمشروع في أرضه ومقدساته، هذا إلى جانب استمرارها في بناء "جدار الفصل العنصري" البغيض والمدان دولياً على أراضي الضفة الغربية شرقي" الخط الأخضر"، والذي يبلغ طوله 720 كم، أي ما يزيد على ضعفي طول "الخط الأخضر"، مع ما يترتب على ذلك من تقسيم وعزل لعشرات المدن والقرى الفلسطينية، ومصادرة للأراضي، ومصادرة المياه، تمهيداً لعملية طرد و"ترانسفير" قسري لما يزيد على مائتي ألف مواطن فلسطيني من بيوتهم وممتلكاتهم وأراضيهم، والسيطرة على ثاني أكبر حوض للمياه الجوفية في أراضينا، مع الاستمرار في بناء "جدار برلين الجديد" حول القدس، من أجل عزلها عن محيطها العربي الفلسطيني، لتغيير هويتها الروحية والتاريخية والدينية، والمس بمقدساتنا الإسلامية والمسيحية في القدس وبيت لحم والخليل، وتقييد الحركة والتنقل والعمل حارمة مواطنينا من أبسط حقوقهم الإنسانية الأساسية ان كل هذه السياسات الإسرائيلية تعد انتهاكاً واضحاً وصريحاً لكافة المواثيق والأعراف والقوانين والقرارات الدولية، والاتفاقات المبرمة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين زمن الحرب، واستهتاراً فظاً وفاضحاً بالشرعية الدولية التي تريد وتدعم السلام العادل والشامل، سلام الشجعان، كل ذلك يجري في الوقت الذي نبذل فيه جهوداً صادقة ومخلصة، وبدعم إقليمي ودولي لتحقيق التهدئة المطلوبة والتي تؤدي إلى الخروج من المأزق الراهن، والعودة لمائدة المفاوضات لاستئنافها من حيث انتهت إليه في طابا، نعم هذا هو رد حكومة إسرائيل على تلك الجهود والمبادرات الدولية والإقليمية المبذولة لإحياء مسيرة السلام، بل وأكثر من ذلك فإنها تهددنا بتطبيق خطتها للفصل العنصري من جانب واحد، ومن خلال فرض الوقائع على الأرض، بعيداً عما وضعته "خارطة الطريق" من حل مدعوم دولياً، والقيام المستمر من هذه القوى الإسرائيلية وحكومتهم الحالية، للمساس بمقدساتنا المسيحية والإسلامية.
وأما هذا الواقع المأساوي والمرير الذي يعانيه ويعيشه شعبنا يومياً؛ فإننا نهيب بكم أيها الأحبة، وكل منكم من خلال موقعه وعمله وعلاقاته، وبصورة فردية وجماعية إيصال صوت شعبكم العادل وقضيته العادلة، وما يتعرض له من حرب وإرهاب وعدوان وانتهاكات واجتياحات دموية على يد قوات جيش الاحتلال والمستوطنين، الذين يواصلون نهب وسرقة أراضينا، بل وضمها، وإقامة المزيد من البؤر الاستيطانية الاستعمارية، وتوسيع وتسمين القائم منها، وما الحديث الإسرائيلي عن إخلاء لبعض المواقع الاستيطانية إلا لذر الرماد في العيون، ولتضليل الرأي العام الدولي، كل ذلك يجري بوتيرة منظمة، بهدف تشريع وتكريس احتلالهم أرضنا ومقدساتنا، وحرمان شعبنا من تجسيد حقه المقدس في العودة وتقرير المصير، وإقامة دولته الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، من خلال تحويل مناطقنا إلى "كانتونات" معزولة معدومة التواصل فيما بينها انه وضع أسوأ بكثير من نظام "الأبر تهايد"، الذي كان مطبقاً في جنوب إفريقيا، ناهيكم عن الحواجز العسكرية والاستيطانية المقامة على الشوارع والطرقات وقمم الجبال، وعلى مداخل كل قرية ومدينة ومخيم، والتي تجاوز عددها 750 حاجزاً، بل إن بعض مدننا وقرانا أصبحت تغلق وتفتح ببوابة حديدية، وفق هوى ومزاج جنود قوات الاحتلال الإسرائيلي، وترتب على ذلك ارتفاع نسبة الفقر في المجتمع الفلسطيني؛ إذ إن ما يزيد على اثنين مليون ونصف المليون من مواطنينا، يعيشون تحت خطر الفقر، جراء سياسة العقاب الجماعي الإسرائيلية، وفقاً لإحصاءات منظمات دولية ذات مصداقية.
ومن هنا فأنتم مدعوون أكثر من أي وقت مضى لمضاعفة تحرككم وجهودكم، من أجل كسر الحصار والإغلاق ورفعهما عن شعبنا وقيادته المنتخبة شرعياً وديمقراطياً، وأن الأمر يقتضي عملاً متواصلاً وفاعلاً في الأوساط الأمريكية وخاصة الإعلامية ولدى الشعب الأمريكي، والإدارة الأمريكية من أجل اتخاذ مواقف متوازنة، غير منحازة بعيداً عن سياسة الكيل بمكيالين إزاء قضية فلسطين؛ إذ لو تعاملت وتتعامل الولايات المتحدة الأمريكية التي تمتلك مفاتيح الحل، بنفس الحزم والصرامة مع قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بفلسطين، مثلما هو الأمر مع سواها من قرارات مجلس الأمن في مناطق أخرى من العالم، لكان قد تحقق التقدم المنشود في عملية السلام، ووفرنا على شعوبنا الكثير من المعاناة والآلام والتضحيات؛ كما وأن رؤية الرئيس بوش الخاصة بإقامة دولة فلسطينية، لا زالت تحتاج إلى تفعيل لترى النور، وذلك من خلال إلزام إسرائيل قوة الاحتلال بالتنفيذ الدقيق والأمين، وتحت إشراف ومراقبة دولية ل لخارطة الطريق التي وافقنا عليها التي وضعتها اللجنة الرباعية الدولية، وكرزمة واحدة، وليس وفقاً للبرنامج السياسي لحكومة شارون المتطرفة، حيث وضعت عليها 14 تحفظاً، حتى يتسنى لنا الوصول إلى السلام الشامل والعادل، سلام الشجعان، الذي يضمن وحدة فقط لكافة شعوب ودول المنطقة الأمن والاستقرار في إطار من التعايش والتعاون البناء المثمر، وبما في ذلك إسرائيل، ويكفل لشعبنا العيش بكرامة حراً سيداً مستقلاً في دولته فلسطين بحدود الرابع من حزيران لعام 1967م.
ختاماً أحييكم، أيها الإخوة الأحبة، وأرجو لكم ولمؤتمركم العتيد، المؤتمر السنوي الخامس للكونجرس الفلسطيني الأمريكي، اطراد التوفيق والنجاح، وتحقيق كل ما تصبون إليه من تطلعات سامية نبيلة، تعود بالخير عليكم، وعلى وطنكم الأم فلسطين، وطن آبائكم وأجدادكم، وعلى وطنكم الثاني الولايات المتحدة الأمريكية، لتظلوا تلك الشجرة الفلسطينية الطيبة الراسخة الجذور، أصالة وانتماء وعطاءً تؤتي أكلها كل حين.
مرة أخرى تقبلوا تحياتنا ومحبتنا الخالصة، مقرونة بتمنياتنا لكم جميعاً بالصحة والسعادة، راجين لكم أعياد ميلاد مجيدة وعاماً ميلادياً جديداً سعيداً وهانئاً.
كلمة الرئيس ياسر عرفات ألقيت نيابة عنه في حفل تكريم العلماء وحفظة القرآن الكريم 9 تشرين الثاني 2004
بسم الله الرحمن الرحيم
"إنه لقرآن كريم، في كتاب مكنون" صدق الله العظيم
سماحة الأخ الشيخ يوسف سلامة،
الإخوة أصحاب الفضيلة،
الإخوة الضيوف الكرام،
اسمحوا لي أن أتوجه إليكم جمعياً بالشكر الجزيل على إتاحتكم الفرصة لي للتحدث في هذا لاحتفال الهام، نيابة عن فخامة الأخ الرئيس ياسر عرفات، الذي نلتقي فيه لتكريم كوكبة من علمائنا، ومن حفظة كتاب الله عز وجل، ولتكريم أبنائنا الفائزين بمسابقة الأقصى المحلية الرابعة للقرآن الكريم، مثمنين عالياً في هذه المناسبة الطيبة، الدور الكبير الذي تقوم به وزارة الأوقاف، وعلى رأسها سماحة الأخ الشيخ يوسف سلامة، وبالمجهود المتميز الذي تبذله، والإنجازات الكبيرة التي تحققها والتي تمثلت أخيراً وليس أخراً بطباعة مصحف بيت المقدس، لأول مرة في فلسطين والذي نعتز به، ودورها في إثراء حركة التطور الثقافي والديني لشعبنا الفلسطيني، والتوعية، وتشجيع مثل هذه المسابقات والمنابر الدينية الهامة انطلاقاً من قيم ديننا الإسلامي الحنيف السامية التي تدعو إلى التكافل والتضامن والتآخي، والتي نعمل جميعاً من أجلها، وتجسيداً لاهتمامات سلطتنا الوطنية الفلسطينية التي أولت منذ قيامها على أرض الوطن وما زالت تولي اهتماماً كبيراً وأساسياً للنشء استجابة وتجسيداً لدعوة رئيسنا ومعلمنا وقائدنا أبو عمار، الذي يحرص دوماً على المشاركة في مثل هذه الاحتفالات التي تكرم العلماء وحفظة القرآن، وإنشاء ودعم مراكز التحفيظ التي تضاعف عددها أضعافاً مضاعفة في عهد سلطتنا الوطنية؛ مما ضاعف عدد الحافظين لكتاب الله الذي شاركوا في المسابقات العربية والإسلامية والدولية، وحازوا على المراكز الأولي ومراكز متقدمة فيها ورفعوا اسم فلسطين عالياً على المستوى العربي والإسلامي والدولي في هذا المجال، رغم ما نعيشه من ظروف مأساوية جراء الاحتلال الإسرائيلي، مغتنمين هذه المناسبة لنضرع إلى المولي جلت قدرته أن يمن عليه بالشفاء العاجل ويعيده سالماً معافى إلى وطنه، ليواصل مسيرته المظفرة في قيادة شعبنا نحو الحرية والسيادة والاستقلال.
ونحن أيها الإخوة جميعاً، وفي هذه الظروف الصعبة التي نعيشها وشعبنا، جراء استمرار الهجمة الاحتلالية وحرب التدمير الشرسة التي تشنها إسرائيل قوة الاحتلال والاستعمار علينا بكل ما في ترسانتها من أسلحة القتل والفتك والتدمير وللعام الخامس على التوالي، لأحوج ما نكون إلى مضاعفة الجهود وخاصة دوركم كعلماء أجلاء ووعاظ ومرشدون وحفظة لكتاب الله وخطباء للمساجد، لتكثيف جهودكم وتعزيز دوركم في الدعوة لتوحيد الصف والكلمة، وتعزيز وحدتنا الوطنية، والالتفاف حول قيادتنا وسلطتنا الوطنية، ودعمها لفرض سيادة القانون ووحدانية السلطة وملاحقة العابثين بأمن الوطن والمواطن، ورفض كل الممارسات التي تلحق الأضرار والمعاناة لأبناء شعبنا ولا تنسجم مع ديننا الحنيف ولا مع أخلاق شعبنا وبرامجه الوطنية والمرحلة التي يعيشها، لمواجهة التحديات الخطيرة والمصيرية التي تواجهنا، ولتفويت الفرصة على كل المتربصين بنا، الذين لا يريدون الخير لشعبنا، ويريدون المس بوحدتنا الوطنية التي هي أيها الإخوة، أعز ما نملك؛ فهي مصدر قوتنا وسر انتصارنا، وهي السبيل لتحقيق أهداف شعبنا في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الغاشم لأرضنا ومقدساتنا؛ فلا بد لنا أن نكون جميعاً على قدر المسؤولية، وأن نلتقي جميعاً على قلب رجل واحد وكلمة سواء، أساسها خدمة وطننا ورفعة شأنه وإعلاء كلمته؛ فالوطن للجميع، ويحتاجنا جميعاً، يحتاج عقولنا وسواعدنا، والمهام الجسام التي أمامنا تدعونا للوحدة والتآخي والتكاثف والتماسك والالتفاف حول أهداف شعبنا وقيادته الوطنية، ومشروعنا الوطني المتمثل في حق العودة وتقرير المصير، وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، على تراب هذه الأرض الطاهرة التي جبلت بدماء الشهداء وبعرق أبناء هذه الشعب الصابر الصامد المرابط، والتي سنواصل الذود عن حماها ومقدساتها، وخاصة مسرى نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى المبارك، الذي يتعرض لحملة تهويد شرسة وصلت التهديد للمساس به من قبل غلاة المستوطنين اليهود، والذي هو بحاجة إلى وقفة عز وشموخ وتحد مشرفة من كافة أبناء هذه الأمة، للدفاع عنه والعمل على تخليصه وتحريره من براثن الاحتلال، وإفشال كل المخططات والمؤامرات التي تهدف إلى المس به، وكلنا ثقة بأن شعبنا الذي عركته المحن والتجارب والخطوب بوعيه وحكمته، وبهذه الروح التي حكمت سلوكنا جميعاً عبر مسيرتنا الطويلة سيواصل السير على هذا الطريق، إيماناً بأهدافنا الوطنية وبطموحاتنا وأمانينا السامية، وسيظل هذا الشعب متمسكاً بحقوقه، مؤمناً بربه، ولن يتزعزع إيمانه حتى تجسيد هذه الأهداف السامية على أرض الواقع قريباً إن شاء الله تعالي.
ختاماً، نجدد لكم أمتناننا وعرفاننا، داعين الله أن يوفقنا جميعاً وأن يسدد خطانا، وأن يكلل احتفالكم هذا بالنجاح والتوفيق، وأن يعيد رئيسنا وقائد مسيرتنا فخامة الأخ أبو عمار إلى أرض فلسطين سالماً غانماً معافى، وأن يمن علينا بنصره المؤزر، وسائلينه سبحانه أن يكون احتفالنا القادم إن شاء الله تعالي في القدس الشريف، عاصمة دولتنا المستقلة.
كلمة الرئيس ياسر عرفات إلى القمة غير العادية للعمال وتخفيض الفقر في إفريقيا
بوركينا فاسو 11 أيلول 2004
صاحب الفخامة الرئيس أولسيجان أوبا سانجو، رئيس المؤتمر،
أصحاب الفخامة رؤساء الدول والحكومات الإفريقية،
صاحب الفخامة الأخ الرئيس ألفا عمر كوناري، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي،
السيدات والسادة رؤساء الوفود،
تحية طيبة وبعد،
يشرفني أن أتقدم بتحياتي وتقديري لمؤتمركم الموقر ولفخامة الرئيس بليز كمباوري، وإلى حكومة وشعب بوركينا فاسو لاستضافتهم القمة غير العادية للعمال وتخفيض الفقر في أفريقيا، وأتمنى لمؤتمركم الموقر النجاح لما فيه فائدة الشعوب الإفريقية وقضايا السلام والتطور العالمي. وانتهز هذه الفرصة لأعبر عن دعمنا لجهود الاتحاد الإفريقي الهادفة إلى معالجة هذه المواضيع، وإشاعة الأمل لإفريقيا بالنجاح في التغلب على هذه المشاكل.
إن معاناة إفريقيا عبر العقود الماضية من الظلم والاضطهاد واستغلال الأراضي الأفريقية ومالكيها هي نفس المعاناة التي يواجهها الشعب الفلسطيني حالياً.
الإخوة والأصدقاء الأعزاء،
ما يزال شعبنا صامداً مرابطاً في أرضه المقدسة ومدافعاً عنها ويقدم الغالي والنفيس في صراعه مع النظام الاستعماري العنصري الذي يستخدم قوته العسكرية ضدنا، حيث يتعرض شعبنا لانتهاكات متواصلة ومقدساتنا المسيحية والإسلامية ومدننا ومخيماتنا وقرانا ومزارعنا ومصانعنا ومساكننا وتدمير بنيتنا التحتية مع التصعيد العسكري المستمر ليلاً نهاراً؛ مما أدى إلى قتل وجرح عشرات الآلاف من شعبنا، أطفالاً ونساءً ورجالاً بجانب حجز أموالنا من جماركنا الضرائبية لأكثر من الأربعين شهر الماضية، بجانب الجرائم اللاإنسانية ضد أسرانا ومعتقلينا في سجونهم ومعتقلاتهم وبناء الجدار العنصري الذي يصادر 58% من أرضنا، ويمزق مدننا إلى سجون وجيتوات محاصرة والذي أدانته محكمة العدل الدولية في لاهاي مؤخراً مع الجمعية العامة للأمم المتحدة.
إن العوائق الداخلية والخارجية المفروضة على حركة شعبنا إضافة إلى سياسة العقاب الجماعي قد دمرت بشدة فرص العمل؛ كما رفعت بشكل دراماتيكي مستوى البطالة والفقر في فلسطين، وتأثرت قوة العمل الفلسطينية تأثيراً كبيراً نتيجة للأساليب غير الإنسانية مثل سياسة الإغلاق والحصار والاعتقال الإسرائيلية؛ فالعديد من هؤلاء العمال الفلسطينيين اعتقلوا منذ بداية الانتفاضة، ويشاركون حالياً من داخل السجون في الصراع ضد الانتهاكات الإسرائيلية، وذلك من خلال الإضراب المفتوح عن الطعام، للحصول على الحد المشروع من حقوقهم المتعارف عليها من قبل الأمم المتحدة والقانون الدولي ومعاهدة جنيف الرابعة.
أصحاب الفخامة والسيادة والمعالي الإخوة والأصدقاء رؤساء الوفود
إننا نناشدكم ومؤتمركم الموقر لدعم قضية العمال الفلسطينيين، وبذل جهودكم في الأمم المتحدة للضغط على إسرائيل للالتزام بالقانون الدولي الإنساني وباتفاقية جنيف الرابعة لإنهاء انتهاكاتها ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وبشكل خاص حقوق العمال وبحماية أسرانا وأسيراتنا الفلسطينيين والعرب في السجون الإسرائيلية، المستمرون في إضرابهم المفتوح عن الطعام انتصاراً لحريتهم وكرامتهم.
مرة أخرى، نعبر لمؤتمركم الموقر عن تمنياتنا الخالصة بالنجاح في تحقيق أهدافكم النبيلة بالتقدم والرخاء، والسلام والأمن لدولكم وشعوبكم ولكافة أبناء القارة الإفريقية الأحبة والأعزاء علينا، وشكراً لكم.
مع أطيب تمنياتي وتمنيات شعبنا لفخامتكم ولشعوبكم الشقيقة والصديقة ومعاً حتى القدس عاصمة دولتنا الفلسطينية المستقلة بعونه تعالى.
كلمة الرئيس ياسر عرفات أمام الجلسة الخاصة للمجلس التشريعي 18 آب 2004
بسم الله الرحمن الرحيم
"إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا* لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا" صدق الله العظيم
الأخ رئيس المجلس التشريعي،
أخي رئيس الوزراء
الأخوات والإخوة أعضاء المجلس التشريعي
السادة السفراء والقناصل المحترمين
الأخوات والإخوة الضيوف المحترمين الكرام
في بداية اجتماعاتنا اليوم، أودّ أن أتقدم بكل تحية الإكبار والإجلال والمحبة إلى أسرانا ومعتقلينا الأبطال في السجون والمعتقلات الإسرائيلية كوادر وقيادات ومناضلين فلسطينيين وعرب، وأقول لفرسان شعبنا الشجعان الذين نعتز بهم وبصبرهم وصمودهم وهم حالياً يخوضون نضالهم ومعركتهم داخل هذه السجون الكئيبة نعم الكئيبة وأبو غريب خير مثال على ذلك؛ فقد انتقل من هنا إلى هناك نعم هم حالياً يخوضون نضالهم ومعركتهم بالإضراب عن الطعام: إن شعبكم وأمتكم العربية معكم ان كل الأحرار والشرفاء في العالم وإن تحريركم هو على رأس اهتماماتنا جميعاً وواجباتنا كلها، ولقد اتفق عبر القيادة الفلسطينية وكل الفصائل والقوى الوطنية بمشاركتكم اليوم بالصيام والتحرك الجماهيري في الوطن والشتات والتحرك عربياً ودولياً وقد بدأ هذا التحرك العربي والدولي من أجلكم لمواجهة ومعالجة ما تعانونه في سجونكم ومعتقلاتكم ولإطلاق سراحكم بإذنه وعونه تعالى وشكلت لجنة قيادية لذلك وإن شاء الله معاً وسوياً وجنباً إلى جنب حتى القدس الشريف بعونه تعالى وهنا أرجو الموافقة الجماعية لخصم يوم عمل من جميع العاملين لهؤلاء الأحبة في معتقلاتهم وسجونهم.
وهنا أقول نقطة أخرى هامة، في الوقت الذي يقول فيه وزير الأمن الداخلي هانغبي "فليمت هؤلاء" فنحن جميعاً مشاريع شهادة ولا نخاف الموت وعندما يقوك خليهم يضربوا حتى الموت فهذا الكلام ضد كل القوانين الإنسانية والحضارية والعالمية وفي نفس الوقت من حقي أن أقول إنهم أعلنوا أنهم بدأوا يوزعون حبوب بعد التنفس الذي حدث بديش أقول أكثر من أنو تنفس في ديمونة طب في ثلاثة سجون عندنا هناك حرام لا يوزع عليهم حبوب كمان ولا هم مش محسوبين بشر، طب يوزعوا حبوب هناك لماذا أبطالنا وأسرانا لأ، ضد كل القواعد والقوانين الإنسانية؛ ولكن إنا لها.
أيتها الأخوات والإخوة
يحمل اجتماعنا اليوم عدة إشارات ومعانٍ؛ فاجتماعُنا هو إشارةٌ واضحةٌ للجميع تؤكد إصرارَنا جميعاً شعباً وقيادةً ومؤسساتٍ على مواصلة العمل والنهوض رغم استمرار الحصار والاحتلال والاعتداءات، واجتماعُنا اليوم هو دليلٌ على حيوية مؤسساتنا التي تتعرض منذ سنوات لحملات عدوانية لا تتوقف لحظة واحدة، هذه التي لا تتوقف لحظة واحدة في محاولة إضعافِها وضربِها، وصولاً إلى تصفية سلطتنا وكياننا الوطني؛ ولكن عبثاً يفعلون، وإنا لها.
وأخاطبكم في اجتماعنا اليوم، وقد مضى أربع سنوات على انتفاضة الأقصى، بعد أن أذن له بالذهاب إلى الحرم الشريف، ضد كل القواعد والقرارات إذا كان هم يحترموا القرارات طب موسى ديان بطلهم جاء بعد احتلال القدس الشريف ونزع العلم الإسرائيلي الذي وضعه المتطرفون وأصدر في 17-6 قراراً بعدم الزيارة لهذه الأماكن المقدسة، زي ما أنا قلت لبراك، وكنت معي يا أبو علاء وصائب وأبو مازن وأبو ردينة ورحت لبيته وقلت له، لا تفعل هذه الغلطة، وعمل هذه الغلطة وحصلت المذابح، 19 شهيد وثمانين جريح يوم الخميس ويوم الجمعة؛ ولكن إنا لها.
نرجع نقول: على انتفاضة الأقصى التي انطلقت بعد هذه المذبحة وقد مرت 10 سنوات على قيام سلطتنا الوطنية، وهي مناسبة تستدعي منا وقفةً لكي نتأمل مسيرةَ هذه السنوات العشر، وقفة لكي نقيّم ونقوّم، وقفة لكي نتبين أين أصبنا، وأين أخطأنا، وما فيش حدا ما عنده خطأ وإللي ما عنده خطأ يرمينا بحجر ولا أذكر أحد بهذا الكلام، وما هو السبيل لمعالجة الخطأ، وقفة موضوعية مع النفس، لا نمارس فيها تعذيباً للذات يطمس ما أنجزناه، ولنحاول تجاهل أو تغطية النقص والخلل والتقصير أينما كان، وما في حدا إلا عنده خطأ. “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلى الْمَسْجِدِ الْأقصى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” ولا تنسوا أنكم أنتم في الأرض المقدسة، وقفة تتبصر في جميع الظروف الذاتية والموضوعية التي كوّنت ورافقت مسيرتنا وتضعها في سياقها التاريخي بكل معطياته الوطنية والإقليمية والدولية والعربية؛ وقفة تتطلب تأكيد شجاعتنا في الاعتراف بالخطأ؛ نعم ما حدا لا يخطئ أمال الإنس والجن عشان إيش "الذي يوسوس في صدور الناس" أديش منكم بيوشوشو؛ لكن الجن بيوسوس أكثر منكم. سيدنا المسيح قابل وين الشيطان في أريحا، سيدنا المسيح طلع للسماء وترك لنا الشيطان، وإرادتنا المصمّمة على التصويب له وتعديله. هذه الوقفة تتطلب منا أن نستخلص الدروسَ المستفادة لنطبقها بما يخدم المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا. وفي حيوية شعبنا الفلسطيني العظيم وفي تراث مسيرته الوطنية الطويلة، معين هائل من التجربة والإصرار والانتصارات التي سجلناها عبر التاريخ على مواصلة دربِه بقوة وصلابة وبعزيمة وإيمان في كل مرحلة وأمام كل تحدٍ. إنه شعبٌ محاصرٌ وقيادته محاصرة معه؛ ولكنه متمسكٌ بحقوقه وأهدافه الوطنية متمسك بأرضه أرض الرباط "وهم في رباطٍ إلى يوم الدين" و"شهيدهم بعض الروايات تقول 40 وبعضها تقول 70 إحنا راضيين شهيد بشهيد انه شعبٌ جريحٌ؛ ولكنه مفعمٌ بالثقة والأمل والإيمان بقضيته.
إنه شعبٌ تحت هذا العدوان العنصري المستمر والشرس؛ لكنه يواصل اجتراح معجزة البقاء والصمود والبطولة والإبداع "لأن فيها قوماً جبارين وهم في رباط إلى يوم الدين".
أيتها الأخوات أيها الإخوة،
منذ اليوم الأول لإنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية أكدنا وطرحنا خلال حملة الانتخابات الرئاسية والتشريعية أن أمامنا مهمّة تحقيق برنامج عمل وطني يقوم لإنجاز مهمتين وطنيتين، هذه المهمة التاريخية الأولى: لإنهاء هذا الاحتلال الغاشم لأرضنا ومقدساتنا المسيحية والإسلامية، لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. والثانية: بناء السلطة الوطنية، قاعدة وحجر الأساس لبناء دولتنا المستقلة الفلسطينية إن شاء الله. وبالنسبة للمهمّة الأولى فقد كنا نؤكد طوال الوقت على نقاطٍ أساسيةٍ هامة: أولاً: أن أهداف الشعب الفلسطيني (كما حددتها مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية) تتحدد في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف على جميع الأراضي التي احتلت العام 67؛ ارتضينا بهذا في مجلسنا الوطني الفلسطيني في 88 وفي المجلس الوطني الفلسطيني في 73 واحد في القاهرة وواحد في الجزائر. وحماية مقدساتنا المسيحية والإسلامية في هذه الأرض المقدسة والمباركة، وخاصة مواجهة ما يتعرض له المسجد الأقصى من تهديدات المتطرفين الصهاينة، وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفقاً لقرارات الأمم المتحدة. وهذا ما توصلنا إليه في كامب ديفيد؛ طلبوه منا، وقلنا: نبدأ في إخواني وأحبائي الموجودين في لبنان؛ وأما النازحين فأنتم كما تعرفون في لجنة رباعية مصرية- أردنية - إسرائيلية - فلسطينية اللي في 67 وبدأ حضور منهم أعداد وأعداد كبيرة.
ثانياً: أن طريق السلام يمثل لشعبنا خياراً استراتيجياً كما ذكرت لكم في مجالسنا الوطنية في قممنا العربية بدأنا في المؤتمر في مدريد ومشينا فيها عربياً ودولياً منذ اعتماد البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية في دورة المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر وقبلها في القاهرة عام 1988. وأننا ملتزمون بخيار التفاوض لحل الصراع كما حددت اتفاقات السلام التي بدأت في مدريد وواشنطن وأسلو وقعّناها مع الحكومة الإسرائيلية منذ 93 في البيت الأبيض برعاية الرئيس كلينتون ومع شريكنا الراحل يتسحاق رابين الذي قتلته هذه القوى المتطرفة في إسرائيل التي لا تريد السلام وتابعناها في القاهرة وفي الوطن وفي أماكن كثيرة في العالم.
ثالثاً: عندما طرحنا خيار المصالحة التاريخية بشجاعة، ومن أجل السلام مؤكدين أننا نناضل لإقامة دولة فلسطين المستقلة إلى جانب إسرائيل؛ فقد كنا نُحذر، ومنذ اليوم الأول من عواقب أية ممارسات إسرائيلية، وخاصة في مجال الاستيطان لضرب إمكانيات قيام دولتنا وأنا أذكركم أن أحد الاتفاقات بين شريكي الراحل يتسحاق رابين قال: لا مستوطنات جديدة لا إضافة لأي بيت جديد في أي مستوطنة سياج المستوطنة الأخير لا يزيد عن خمسين متراً عن آخر منزل والمفروض أن هذه المستوطنات تزال بين حوالي عام 1998 وهي لسه مبارح بيزداد ويقولون 1115 وحدة سكنية. نرجع نقول يا إخواني إلى جانب إسرائيل فقد نحذر منذ اليوم الأول من عواقب أي ممارسات إسرائيلية وخاصة في مجال الاستيطان.
وقد دخلنا وعلى مدى سنوات في ماراثون المفاوضات التي لا تنتهي مع الطرف الإسرائيلي وخاصة قوى السلام فيه، وكان علينا أن نتحمل تبعات تغيير الحكومات والأيديولوجيات في إسرائيل؛ ولكن وعلى مدار السنوات، ونحن نتمسك بقوة بكل حقوقنا، كنا حريصين على دعم خيار التفاوض، وسلام الشجعان، ونرفع شعار المطالبة بتنفيذ الاتفاقات الموقّعة والاستحقاقات المتوجبة على كلا الطرفين، والأطراف الراعية لعملية السلام للقيام بدورها مؤكدين أن السلام ليس مصلحة إسرائيلية وفلسطينية، بل للمنطقة كلها، بل وهو مصلحة لجميع دول العالم حتى في أحلك الظروف وأصعبها، مشددين، وعلى الدوام، على دور المجتمع الدولي والأطراف الراعية لعملية السلام للقيام بدورها، مؤكدين أن السلام ليس مصلحة فلسطينية وإسرائيلية فقط، بل للمنطقة كلها وهو مصلحةٌ لجميع دول العالم.
وطوال تلك السنوات، لم نترك باباً إلا وطرقناه، ولا بارقة أمل إلا وتلمسناها، ولم نترك أي اقتراح أو مبادرة أو مشروع أو خطة إلا ودرسناها ودققنا فيها وتعاملنا معها بعقل مفتوح ومنفتح مسترشدين بالمصلحة الوطنية والقومية العليا لشعبنا ولأمتنا.
وها هي الشهادات تنطلق خلال السنوات الأخيرة من مسئولين دوليين وأميركيين وإسرائيليين سابقين وحاليين تشهد بأننا لم نضيع أية فرصة حقيقية لاحت أمامنا لصنع السلام وتحقيق آمال شعبنا لإقامة السلام العادل والدائم والشامل ليس فقط في فلسطين، بل في المنطقة كلها.
؛ ولكن، وفي الطرف الآخر فقد كان الشعار الأساسي للحكومة الإسرائيلية وخاصة الحالية أن لا مواعيد مقدسة، وأن الأولوية للأمن الإسرائيلي، وكان اغتيال العناصر اليهودية المتطرفة للشريك يتسحاق رابين بداية انقلاب جذري في المسرح السياسي الإسرائيلي، وأصبحت الحكومة الإسرائيلية تتنكر لجوهر عملية السلام وللشراكة بيننا وبينهم من أجل صنع هذا السلام، سلام الشجعان وهدف هذا السلام لقيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل لصنع مستقبل جديد لنا ولهم ولجميع شعوب المنطقة وللعالم أجمع.
وكان التجسيد الأبرز لمحاولات تدمير عملية السلام هو حملة الاستيطان المستمر لأراضينا والتي بلغت ذروتها بمشروع إقامة جدار الفصل العنصري اللي بسموه جدار برلين الذي يصادر 58% من أراضينا بما فيها القدس الشريف التي أغلقها إغلاقاً كاملاً وقطع هذا التواصل التاريخي الديني بين كنيسة المهد وكنيسة القيامة وضمها لإسرائيل، ولتفتيت الوحدة الجغرافية والديمغرافية الفلسطينية، وتهجير أبناء شعبنا، ومحاصرة البقية في معازل وسجون محاطة بالمستوطنات والجدران لتدمير أية فرصة لإقامة الدولة الفلسطينية؛ ولكن عبثاً يفعلون وإنا لها.
وعندما انتفض شعبنا ضد الحملة الاستيطانية وضد مصادرة الأراضي وضد الاعتداء على المسجد الأقصى وما يتعرض له هذا المسجد المبارك من التهديدات الحالية الخطيرة مش أنا إللي بقول وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي اللي بيقول تابعت إسرائيل خطتها بالحرب الشاملة على شعبنا الفلسطيني وسلطته وأرضه ومقدساته المسيحية والإسلامية. وإعادة احتلال الضفة الغربية كلها وأجزاء الرئيسية من قطاع غزة ذروة هذه الحرب الهادفة لتدمير سلطتنا الوطنية وصولاً لمحاولة تصفية الأهداف والحقوق الوطنية لشعبنا. ورفضت كل الحلول والجهود الدولية والعربية في كامب ديفيد وشرم الشيخ وباريس وطابا وتفاهمات جورج تنت وتقرير ميتشل وجهود اللجنة الرباعية وخارطة الطريق اللي إحنا قبلناها والدول العربية قبلتها في القمة العربية ووضعت عليها إسرائيل تحفظات أكثر من نصوص الخطة.
واستمرت في القصف والتوغلات والاجتياحات والاغتيالات والاعتقالات، وتشديد الحصار والحواجز، وتدمير البنية التحتية التي شيدناها، واستهدفت مزارعنا وحقولنا ومصانعنا في حملة سوداء لتدمير إنجازات الشعب الفلسطيني وإفقاره وتجويعه، واستمرت في تدمير مدننا ومخيماتنا وقرانا في جنين ونابلس وتدمير البلدة القديمة فيها يعني حتى تاريخهم لا يحترمونه ولا يعرفونه، سيدنا يوسف وأمه أين كانوا قبل ما يروحوا على مصر وبيت حانون ورفح وقلقيلية وطولكرم والخليل وما حدث في الحرم الإبراهيمي وتدمير المساكن الأثرية في وادي النصارى علشان تصبح كريات أربع جزءاً لا يتجزأ من الحرم الإبراهيمي ومخيماتنا في الضفة وغزة وغيرها من مدننا وقرانا. وتهدف إسرائيل من وراء ذلك لضرب ارتباطنا الأزلي بأرضنا المقدسة.
وحملة سوداء استهدفت أماكننا المقدسة المسيحية والإسلامية، وركزت على الإضرار بمدننا القديمة بكل ما تحمله من أصالة التاريخ وشواهد الحضارة، وإبداع الإنسان كما شهدنا في نابلس والخليل وبيت لحم وإغلاق الطريق الديني بين كنيسة المهد وكنيسة القيامة بالقدس بهذا الجدار العنصري وبجانب ذلك لاستخدام الأسلحة المحرمة بما فيها الديلوورايتوم واكتشفت البعثة الأوروبية والأمريكية ذلك وازدادت نسبة السرطان والعقم في أبناء شعبنا واستخدامهم للدمدم اللي ضربوا به نبيل عمرو المحرم دولياً. كل يوم، بل كل لحظة، ويدفع شعبنا ثمنه آلاف الشهداء والجرحى في الشوارع وداخل البيوت الآمنة وعلى الحواجز، واقع تابعه العالم على شاشات أجهزة التلفزيون ومن خلال الوفود لقوى السلام في العالم والوفود الرسمية التي وصلتنا.
لقد ركزت الحملة العدوانية الإسرائيلية على تدمير مراكز ومقرات قواتنا وأجهزتنا الأمنية ووزاراتنا ومؤسساتنا، وعلى تشديد الحصار الخانق لتعطيل عمل جميع مؤسساتنا التنفيذية والتشريعية والقضائية.
وكان هدف الاحتلال ولا يزال ضرب وتدمير السلطة الوطنية وخلق حالة من الفراغ ليزعموا بأنه (لا يوجد شريك فلسطيني) يا سلام أما في واي ريفر مين وقع معنا مش نتنياهو وشارون ومين وقع في باريس وواشنطن وأوسلو مش شايفين هذا الشريك اللي موجود أمامهم يا سلام أشباح إحنا وليحاولوا تمرير مخططات الصهيونية لنسف حقوق شعبنا الثابتة في أرضه المقدسة.
وترافق ذلك مع حملة مسعورة لتشويه نضالنا الوطني، والإساءة إلى منطلقاته وأهدافه الإنسانية، ولمحاولة ربطه بالإرهاب.
وقد كنا أول من أدان كما تذكرون تلك الاعتداءات الوحشية التي نفذت في نيويورك وواشنطن العام 2001، وحذرنا بوضوح من محاولة التذرع بالقضية الفلسطينية، أو التمسّح بالدين الإسلامي السمح من أي طرف كان لتنفيذ أعمال نرفضها وندينها أشد الإدانة انطلاقاً من تراثنا ومبادئنا وقيمنا ومن كوننا ضحايا لإرهاب الدولة الإسرائيلي والمتطرفين الصهاينة فيهم. وأكدنا على الدوام على الارتباط العضوي لنضال شعبنا وبتوجهه نحو الحرية والسلام.
ومن المؤكد أن قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي حول قضية جدار الفصل العنصري وما تلاه من تصويت كاسح في الجمعية العامة للأمم المتحدة أنتم كلكم تعرفوها تأييداً لقرار المحكمة أكدا وبصورة لا تقبل التأويل أن العالم لم ينخدع بالحملة الإسرائيلية. لقد أعادت أعلى هيئة قضائية دولية، وأعلى محفل أممي توضيح الصورة الحقيقية التي حاولت الحكومات الإسرائيلية طمسها وهي أن هناك احتلالاً إسرائيلياً توسعياً ينبغي أن يزول ليسترد الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة وحريته ويبني دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف أسوة بباقي الشعوب في العالم نحن الآن الشعب الوحيد تحت الاحتلال في العالم.
وفي هذا المجال، وأمامكم أيتها الأخوات والإخوة أعضاء المجلس التشريعي وأمام العالم أجمع أؤكد مرة أخرى أن الشعب الفلسطيني الذي يقاوم للخلاص من آخر احتلال في العالم مصمم على السير في طريق السلام من أجل نيل حريته وإنهاء الاحتلال وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
إنني أؤكد، مرة أخرى، وباسم القيادة والشعب الفلسطيني تمسكنا بخيار السلام، ودعوتنا لتنفيذ الاتفاقات الموقّعة وآخرها "خارطة الطريق" وتمسكنا برؤية الرئيس الأميركي جورج بوش، وبمبادرة السلام العربية التي أقرت في قمة بيروت وتم التأكيد عليها في قمة تونس للتوصل إلى حلّ تفاوضي للصراع ينفذ قرارات الشرعية الدولية.
إنني أؤكد هنا، مرة أخرى، الموقف الفلسطيني الصارم بإدانة ورفض جميع العمليات التي تستهدف المدنيين فلسطينيين أو إسرائيليين هذه هي قواعدنا ومبادئنا وديننا المدنيين يحترمون، رفضاً ينطلق من قناعاتنا وقيمنا ومبادئنا وتراثنا، ومن المصالح العليا لشعبنا. وقد حذرنا مراراً من أن هذه العمليات تقدم ذريعة لإسرائيل لتصعيد عدوانها ضد شعبنا وتقدم لها سلاحاً لاستخدامه سياسياً وإعلامياً؛ في محاولة تشويه نضالنا الوطني وتشويه هدفنا لإقامة دولتنا المستقلة.
ولقد قدم شعبنا في تصديه لبناء جدار الفصل العنصري نموذجاً للمقاومة الجماهيرية الباسلة التي استقطبت تأييد العالم وتعاطفه، وهو النموذج الذي يجب تعزيزه لصهر كل طاقات شعبنا في بوتقة النضال الوطني.
إنني من هنا أوجه نداءً إلى الحكومة الإسرائيلية وأقول: كفى، لنعطِ السلام فرصةً، ولنَعُد، وعلى الفور، إلى طاولة المفاوضات لتنفيذ الاتفاقات وللتوصل إلى حل نهائي وأقول لجيراننا الإسرائيليين: إن الشعب الفلسطيني المتمسك بحقوقه متمسك بالسلام، دعونا نوقف نزيف الدماء والدمار على الفور، دعونا نعمل معاً من أجل سلام يوفر الأمن والاستقرار والازدهار لأجيالنا القادمة وللمنطقة كلها.
ومن هنا، أوجه النداء إلى أطراف اللجنة الرباعية الدولية لكي تتحرك من أجل وقف العدوان الإسرائيلي والاحتلال الإسرائيلي لشعبنا والبدء بتنفيذ خارطة الطريق لتوفير المناخ المواتي للاستئناف الفوري لمفاوضات السلام في المنطقة.
وأشير هنا إلى ما يتردد وما يُطرح عن خطط الحكومة الإسرائيلية للانسحاب من قطاع غزة اننا وإذ نرى أن إسرائيل تمارس على الأرض حملة تدمير شاملة تتناقض مع ما تدعيه من نوايا؛ فإننا نؤكد على جاهزية السلطة الفلسطينية لبسط السيادة الوطنية الفلسطينية وتولي كامل المسؤوليات على أية أراضٍ يجلو عنها الاحتلال الإسرائيلي.
ونحن نرى أن أي انسحاب من قطاع غزة يجب أن يكون متزامناً بانسحابات متزامنة في الضفة الغربية بما يحفظ الوحدة الجغرافية والديمغرافية والسياسية لجناحي الوطن، وأن يكون هذا الانسحاب كاملاً وشاملاً من القطاع وأن يكون جزءاً من تنفيذ خارطة الطريق لتحقيق الانسحاب عن كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 67 لإقامة الدولة الفلسطينية إلى جانب إسرائيل.
وفي هذا المجال، أود أن أذكر بالتقدير موقف وجهود الرئيس المبارك حسنى مبارك وأشقائنا في جمهورية مصر العربية الذين لم يتوقفوا لحظة واحدة عن بذل الجهود المخلصة لدعم شعبنا في هذا الموضوع والعمل من أجل إحياء عملية السلام وقد تجاوبنا مع كل أفكارهم وجهودهم؛ وكذلك أذكر بمواقف إخواني الدول العربية وخاصة أشقاءنا في المملكة العربية السعودية الذين داوموا على نصرة قضيتنا وعلى توفير الدعم المالي لشعبنا الذي يعيش في أصعب الظروف؛ وكذلك الإخوة في كل الدول العربية في تونس والأردن وسوريا وبقية الإخوة العرب من اليمن والسودان جنوباً حتى عُمان والعراق شرقاً وأمريكا اللاتينية واليابان والصين والقمة الإسلامية والإفريقية وعدم الانحياز والموقف الأوروبي والروسي والأمم المتحدة وإصرار الرئيس بوش على إقامة دولة فلسطين بجانب دولة إسرائيل.
أيتها الأخوات والإخوة
إذا انتقلنا للحديث عن الشق الثاني من برنامج العمل الوطني الذي تصدى شعبنا ومؤسساتنا لإنجازه منذ تأسيس السلطة قبل عشر سنوات فإننا نقول إن هدفنا كان وما زال أن نضع البنيان الملائم لبناء دولة تقدم نموذجاً متقدماً يليق بقدرات شعبنا وإمكاناته وطموحاته وآماله وتضحياته. هدفنا كان وما زال أن نحقق الأحلام التي كنا نبنيها ونحن في الوطن والمنافي خلال سنوات الثورة والمقاومة الوطنية للاحتلال، حلم أن تبعث فلسطين من جديد، دولة تزهو بتقدمها وبإبداع شعبها وبديمقراطيتها لتكون منارة تؤكد مواصلة الإسهام الحضاري لشعبنا ولأمتنا العربية في مسيرة المنطقة والعالم.
لقد كانت هذه المهمة تتداخل وتتأثر بالمهمة الأولى، وكانت سياسات الاحتلال والحصار والتدمير تنعكس آثاراً سلبية وتدميرية على مجمل جهودنا، ورغم العوائق والقيود والاشتراطات فقد بدأنا منذ قيام السلطة بعملية بناء شاملة ومن الصفر لوطن عاث فيه الاحتلال خراباً ودماراً ومصادرة واستيطاناً واحتلالاً وكل أنواع العنصرية.
وبدأنا البناء على مدى عدة سنوات نزيل الركام، ونعيد الإعمار، وما الإنجازات التي تحققت على صعيد بناء المدارس وتطوير التعليم، وفي المجال الصحي من بناء مستشفيات جديدة وتطوير القديمة وتحديث أجهزتها وفتح عشرات العيادات في مختلف المناطق، وفي مجال البنية التحتية من شق وتعبيد الطرق، وبناء شبكات المياه والصرف الصحي، ومشاريع الإسكان والمناطق الصناعية إلا نماذج لقدرة شعبنا ومؤسساتنا على العمل والعطاء.
كما أننا اعتمدنا سياسة فتح الأبواب أمام دور القطاع الخاص، كنا نبدأ حيث انتهى الآخرون؛ فكان أن تعزز دور القطاع الخاص وهو المحرك الأكبر لاقتصادنا وهو المساهم الأساس في القطاعات الاقتصادية الكبرى ويأتي أهلنا من تشيلي واستراليا وكل مكان في العالم للمساهمة في البناء كالاتصالات والكهرباء، ووضعت نواة المشاريع الكبرى كميناء غزة، ومطار غزة، الذي بدأنا بتشغيله كما تذكرون قبل سنوات. ووفرنا كل متطلبات نشوء ونمو الصناعات الوطنية، وشهدنا طفرات كبرى في قطاع البناء وقطاع السياحة وخاصة ما حدث احتفالاتنا في بيت لحم عام 2000 لميلاد سيدنا المسيح عليه السلام 28 رئيس دولة ولأول مرة عقدنا اجتماع لـ 13 كنيسة في العالم أليس هذا إنجاز تاريخي؛ كما وسجل اقتصادنا أرقام نمو جديدة، وكثير من هذه الإنجازات تقع منذ سنوات في مرمى فوهات المدافع وصواريخ الطائرات الإسرائيلية التي ألحقت وتلحق بهذه الإنجازات دماراً شاملاً لمعظمها.
أيتها الأخوات والإخوة،
لقد استهدفت سلسلة الاعتداءات الإسرائيلية تدمير السلطة الوطنية من خلال الحصار وتدمير المقرات، ومن خلال إعادة احتلال الضفة ومعظم قطاع غزة والاجتياحات المستمرة للقطاع تولد فراغ أمني في عديد من المناطق نتيجة منع قواتنا وأجهزتنا من القيام بمهامها ونتيجة ما لحق بهذه القوات والأجهزة من تدمير لمقراتها وأسلحتها ومرافقها ومركباتهم ما عندنا إلا سجن واحد.
إن هذا الفراغ الذي أراد المحتلون صنعه لتمرير مخططاتهم ساهم في توليد حالة من الاضطراب الأمني الذي يمس بأمن المواطن الفلسطيني وفي غياب سيادة القانون. إن المسؤولية الكبيرة والأساسية للاحتلال عن هذا الوضع ينبغي ألا تدعنا نغفل القيام بما هو متاح وممكن أمامنا لإنهاء هذا الوضع ولمنع أية تجاوزات تمس بالمواطن وبالمؤسسات.
ويجب أن تتوقف جميع الممارسات المنفلتة لأنها تتعارض مع القانون ولأنها تقدم ذرائع للحكومة الإسرائيلية لتوسع نطاق عدوانها ولإلحاق مزيد من الضرر والدمار بممتلكات مواطنينا الفلسطينيين.
ويجب على الجميع الالتزام بالقرار الوطني وبالمصلحة الوطنية العليا؛ كما تحدّدها هيئات ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية.
أيتها الأخوات وأيها الضيوف الكرام
أيها الإخوة
عندما نشير إلى ما أُنجز في مسيرة السلطة، وعندما نؤكد على الدور المعوق والتدميري للاحتلال الإسرائيلي لها، وعندما نشير للأخطاء التي تصاحب عادة البدايات والمراحل الأولى للتأسيس؛ فإننا أيضاً نصارح شعبنا ونكون صادقين مع أنفسنا عندما نشير إلى مواطن الخلل والتقصير في أدائنا خاصة تحت ظلا الاحتلال والاستيطان والتدمير الإسرائيلي المبرمج بما فيها حجز ضرائبنا الجمركية لأكثر من أربعين شهراً وحتى الآن يعني بلايين الدولارات محجوزة الضرائب 70 مليون سنوياً الاتفاقية نصت أنهم يأخذوا 3% فقط والوضع مستمر من 40 شهر احسبوا أنتم والتي يتوجب بالرغم من ذلك أن نسارع لتقويمها وتصليبها وتصويبها وتصحيحها، نعم، لقد وقعت ممارسات خاطئة "وما في حد ما عنده أخطاء حتى الأنبياء أخطؤوا مش قال له أرني وجهك" ومرفوضة من قبل بعض المؤسسات، وأساء البعض استخدام مواقعهم وأساءوا لأمانة وظائفهم، ولم تتابع عملية البناء المؤسّساتي كما ينبغي، ولم يبذل الجهد الكافي لتعزيز سيادة القانون وتفعيل الجهاز القضائي، ولتكريس مبدأ المحاسبة والذي بدأنا الآن نعالج معهم كل ذلك.
وتذكرون أنني تحدثت إليكم في حزيران عام 2002 عندما أطلقنا برنامج الإصلاح كمهمة وطنية فلسطينية نابعة من احتياجات جماهيرنا، وتبنيتم في مجلسكم الموقر وثيقة تفصيلية دقيقة لخطوات الإصلاح المنشودة عملت الحكومات المتعاقبة على تنفيذ العديد من بنودها. وعندما نتطلع إلى ما تحقق من هذه الخطوات خلال العامين الماضيين فيكفينا شهادات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وهيئة المانحين وكلها أشادت بما أُنجز على صعيد الإصلاح المالي، واعتبرت الإدارة المالية وإدارة الموازنة والمال العام في بلادنا من بين الأفضل في المنطقة هذا مش كلامي هذا كلام المؤسسات الدولية. إن هذه الخطوات التي عمل أخي الدكتور سلام فياض من خلالها على تصويب العديد من الأمور وعلى إرساء قواعد سليمة تجعلنا نفاخر بشفافية وكفاءة إدارة المال العام في بلادنا. وهنا لا بد من الإشارة إلى ما حققنا من عمل رائع في مجال التربية والتعليم والذي يتابعه د.نعيم مع إخوانه في هذا الجهاز في المدارس والجامعات والتي نفتخر بها في المنطقة كلها؛ وكذلك في مجالات أخرى عديدة بالرغم من ظروفنا الصعبة والتحديات التي نواجهها وخاصة من هذا الاحتلال العنصري الغاشم.
وعلى صعيد آخر؛ فقد كان استحداث منصب رئيس الوزراء عندما كلفت أخي وحبيبي ورفيق دربي أبو مازن اللي يشوفوا يسلم لي عليه بتشكيل الحكومة العام الماضي إشارة للتطور الطبيعي لنظامنا الديمقراطي الناشئ والمستهدف والمحاصر، وتأكيداً للفصل بين السلطات، ولتعزيز ديناميكية العمل المؤسساتي.
غير أن ما أُنجز غير كافٍ، وما زال أمامنا الكثير من العمل؛ ولذلك فأنا أدعوكم هنا رسمياً لكي نطلق معاً اليوم ورشة للإصلاح الشامل، ورشة تشمل جميع مناحي عمل سلطتنا، وتسعى عبر برنامج عمل متكامل لإنجاز كل ما يمكن إنجازه في ظل وضع الاحتلال والحصار والعدوان المستمرين. إن ورشة برنامج الإصلاح الشامل ترتكز على محاور ثلاثة:
أولاً: على الصعيد السياسي: لقد رفعنا خلال مسيرة الثورة الفلسطينية في المنافي شعار "ديمقراطية غابة البنادق"، وعملنا على بناء مؤسسات تمثيلية يصاغ فيها القرار الوطني الفلسطيني بمشاركة جميع الفصائل والتيارات تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية.
وعند تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية لم نقبل بأن نكتفي بالشرعية الثورية التي منحتنا إياها مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، بل صممنا على الشرعية الشعبية من خلال صناديق الاقتراع، لتكريس مبدأ الانتخابات والديمقراطية وتداول السلطة والتي نحن نعتز بها.
وفوق أرض وطننا ونحن نشيّد كياننا الوطني ينبغي العمل على تجديد نظامنا السياسي باستمرار كل ما نلاقي حاجة نجدد مش عيب ومش غلط على قاعدة الديمقراطية التي تكفل التعددية السياسية في جميع منظماتنا الفلسطينية وحرية التعبير وممارسة النشاط السياسي ضمن القانون ما شاء الله في عندنا ما فيش حد بيسكت يقولون كل حاجة.
إن هذا يلزمنا بالتحرك لسنّ بعض القوانين اللازمة في هذا المجال، ولمراقبة الأداء لضمان التطور الديمقراطي في بلادنا.
والركيزة في هذا كله تكريس مبدأ الانتخابات. ولقد تحركت السلطة لتوفير متطلبات عقد الانتخابات كما تعرفون الرئاسية والتشريعية والمحلية من عام 2003 في 20 يناير كان المفروض هذه الانتخابات وكان المقرر تجرى عام 1999 في ظل الدولة الفلسطينية وفقاً لاتفاقي مع شريكي الراحل رابين، ونضع في الاعتبار أن الاحتلال الإسرائيلي باجتياحاته وتوغلاته واعتداءاته يريد وضع العوائق أمام إجرائها ولازال والله يعينا.
إن هذا ينبغي ألا يثبط عزيمتنا، بل علينا مواصلة إنجاز كل ما هو مطلوب لعقد الانتخابات على جميع المستويات الرئاسية والتشريعية والإدارية والتنظيمية، وتكثيف اتصالاتنا مع الأطراف الدولية الفاعلة لإجبار إسرائيل على إفساح المجال أمام شعبنا لقول كلمته كما حدث في الانتخابات السابقة وأن نبدأ بالانتخابات المحلية يا شوبكي المتوفرة احتياجاتها، وينبغي أيضاً أن تنشط مختلف النقابات والجمعيات والاتحادات الأهلية لعقد انتخاباتها ولا تضطهدوا المرأة الفلسطينية وحسب العدد حقها 54 % من المجلس وفي مجلسنا الوطني المرأة الفلسطينية حاضرة ويجب أن تكون حاضرة في كافة مؤسساتنا.
إننا نناضل من أجل عقد الانتخابات وعلى كل صعيد من أجل تعميق الممارسة الديمقراطية، ولإتاحة المجال أمام شعبنا لإعلاء صوته واختيار ممثليه وإعطاء الثقة للبرامج التي يؤيدها، ومن أجل فتح الأبواب أمام الأجيال الشابة لتأخذ فرصتها في خدمة شعبنا.
وفي هذا المجال، أوجه النداء إلى جميع القوى والفصائل والتيارات للانخراط في هذه العملية؛ فالأبواب مفتوحة أمامها للعمل السياسي والجماهيري والتنظيمي دون قيود إلا التي تحددها القوانين، وفي إطار احترام وحدانية السلطة والتزاماتها، ومن منطلق الحرص على بلورة توافق وطني يصون المصالح الوطنية العليا لشعبنا كما حددتها مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسسات السلطة الوطنية وكما يعلم الجميع أننا بدأنا هذه البداية الطيبة مع جميع القوى والفصائل الوطنية وفي الشتات، وعلينا جميعاً الحرص على عدم تزويد الإسرائيليين بأية ذرائع لمواصلة العدوان، والحرص على تقديم الصورة الإيجابية الإنسانية لنضال ومقاومة شعبنا من أجل نيل حقوقه. وفي هذا المجال علينا أن نواصل بفعالية هذه المسيرة بين الفصائل الفلسطينية من أجل تعزيز الوحدة الوطنية لمواجهة التحديات. شاكرين لكل الجهود العربية معنا في هذا المجال بقول هذا الكلام لأننا عندنا حاجات كثيرة يجب مواجهتها.
ثانياً: على صعيد الأمن وسيادة القانون:
ندرك جميعاً أنه من المستحيل تحقيق أمن كامل في ظل استمرار الاحتلال والعدوان الإسرائيلي خاصة أنه يتابع وضع عراقيله المختلفة الأشكال والأحجام لمنعنا من ذلك، غير أن هذا يجب ألا يمنعنا من بذل كل طاقاتنا وجهودنا من أجل توفير أقصى قدر ممكن من الأمن لمواطنينا. لقد اعتمد مجلس الأمن القومي ومجلس الوزراء مؤخراً خطة أمنية بدأت بعمل هذه الأجهزة الأمنية وخاصة أجهزة الشرطة، ونسعى لتوفير كل متطلبات نجاحها، وأجرينا اتصالات بإشراف اللجنة الرباعية من أجل ذلك. وقد اعتمد وزير الداخلية سلسلة من المناقلات والتعيينات في قيادات الشرطة، وأدعوكم للعمل من أجل سنّ كل القوانين اللازمة لضمان الأداء الفعال المنضبط لعمل أجهزة الأمن لتقوم بدورها في بسط هيبة السلطة وتنفيذ القانون وحماية الأمن للمواطنين من كافة الأطراف. إن قرار توحيد الأجهزة الأمنية وإعادة تنظيمها وتدريبها هدف لإعدادها للقيام بدورها في إنهاء حالات الفوضى الأمنية، وتوفير الأمان للمواطن في حياته اليومية. وعلينا أن نتحرك معاً لتصويب وإصلاح أية ممارسة خاطئة؛ فلا تهاون مع أي مساس بأمن المواطن وبحقوقه الأساسية، أو استغلال للموقع، ولا تساهل مع أي خروج على القانون، وأي تهديد لأمن المواطن، أو الاعتداء على ممتلكاته، أو على أراضي الدولة، وكافة المظاهر المسلحة وغيرها من الممارسات الخارجة على القانون. وفي هذا المجال؛ فإن توصيات المجلس التشريعي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، وفي هذا المجال علينا أن نركز دائماً على أن تعزيز سيادة القانون هو الركيزة الأساسية للعمل في هذا المجال. وقد تم إنجاز خطوات خلال العامين الماضيين لإصلاح وضع الجهاز القضائي والمحاكم لتعزيز استقلاليتها وإمكانياتها وأمامنا خطوات أخرى يجب أن نعمل لسرعة تثبيتها ولإنجازها ليشعر المواطن بمظلة أمان يوفرها القانون الذي يسري على الجميع ابتداءً من رئيس السلطة وانتهاءً بأي مواطن. فلا أحد فوق القانون، الذي يجب أن تسهر أجهزتنا الأمنية، وأجهزتنا الأمنية فقط على تنفيذه وحمايته. وأؤكد لكم يا أخي أبو علاء الدعم الكامل لعمل حكومتكم في هذا المجال، ومن شعبنا ومؤسساتنا الرسمية كلها.
ثالثاً: على صعيد الإصلاح الإداري والمالي:
إن ما أُنجز على هذا الصعيد خلال السنين الماضية يوفر قاعدة متينة لإنجاز المزيد بهدف تحقيق أعلى درجات الشفافية والرقابة والمساءلة، وإعادة تقييم وضع كادر وزاراتنا ومؤسساتنا من أجل التطوير وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص والعدالة.
وفي هذا المجال، أحث مجلسكم الموقر على إنجاز القوانين اللازمة للرقابة المالية والإدارية والكسب غير المشروع، وقانون التقاعد، وأية قوانين أخرى تشعرون أنها توفر أطراً قانونية لازمة في هذا المجال ويحب يحاسبني بيني وبينه مستعد وفي لجنة مستعد وفي اجتماع مثل هذا مستعد. وأؤكد على التعاون الكامل مع مجلسكم في هذا المجال.
كما وإنني أؤكد على ضرورة متابعة أية قضايا تتعلق بممارسات ومخالفات إدارية أو مالية، وإحالتها على الفور إلى النائب العام حسبما صدر له لمتابعتها، ولن نتسامح أو نتساهل في هذا المجال.
أيتها الأخوات والإخوة
عندما نتحدث عن هذه الرزمة من الإصلاحات فنحن لا نمنّ على شعبنا، هذا واجب علينا فتوفير الأمن وتعزيز سيادة القانون وسلامة الأداء في إدارة المال العام حقوق واجبة الأداء، ونحن لا نتفضل على أحد فهذه استحقاقات واجبة النفاد، وهي التزامات واجبة التنفيذ كوننا انتخبنا على أساس تحقيقها، ونالت الحكومات المتعاقبة الثقة منكم ومن شعبنا بناءً على البرامج المعدة لتنفيذها.
وإن علينا أيضاً أن نضع مهمة رفع المعاناة عن شعبنا على رأس جدول أعمالنا، وعلينا أن نجند كل طاقاتنا واتصالاتنا مع دول العالم لتوفير كل دعم ممكن للتخفيف من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي نعيشها، وأوجه النداء إلى أحبائي أشقائي العرب لمواصلة تنفيذ قرارات القمم العربية الخاصة بدعم الشعب الفلسطيني وشكراً للدول الشقيقة والصديقة التي تدعمنا وباستمرار وخاصة الدول الشقيقة والاتحاد الأوروبي واليابان والصين ومن بقية الإخوة الأشقاء والأصدقاء في العالم الذين يستمرون بدعمنا سواء كان بتدريب كوادرنا الأمنية والمدنية أو بإرسال نصائحهم أو باستقبال وفود مؤسساتنا التي تريد التعلم منهم والاستفادة من خبراتهم.
أيتها الأخوات والإخوة
ونحن ندعو لإطلاق ورشة للإصلاح الشامل؛ فإن علينا تعزيز التعاون بين جميع مؤسساتنا، وإنني أؤكد هنا مرة أخرى ثقتي بأخي ورفيق دربي أبو علاء رغم أنفكم ودعمي الكامل لعمل حكومته في جميع المجالات؛ كما أوجه تحية التقدير لجهدكم في المجلس التشريعي ولدوركم الرقابي والتشريعي الذي يعد حجر الأساس في حياتنا وتجربتنا السياسية والديمقراطية.
وفي الختام، وإذ نستذكر أرواح شهدائنا الأبطال الذين سقطوا لينهض شعبهم ولتبعث فلسطين حرة، وإذ نوجه مرة أخرى تحية الإكبار لأبطالنا الأسرى والمعتقلين الذين يصنعون هذه الأيام ملحمة جديدة من ملاحم الحركة الأسيرة، أقول لأبناء شعبنا، هذا الشعب العنيد، هذا الشعب شعب الجبارين والمرابط إلى يوم الدين، والمتمسك بحقوقه وحلمه، والذي يمتلك بصيرة نفاذة لمواجهة المؤامرات منذ سايكس بيكو الأولى وحتى الثانية، لنواصل دربنا بثقة كما تعودنا.
فالفجر آتٍ آت، والحرية آتية آتية لا محالة. ومعاً وسوياً وجنباً إلى جنب حتى يرفع شبل من أشبالنا وزهرة من زهراتنا علم فلسطين فوق مآذن القدس وكنائس القدس، يرونها بعيدة ونراها قريبة.
"إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ" "وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ" "وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا" "ان الله لا يخلف وعده"
كلمة الرئيس ياسر عرفات أمام القمة العربية السادسة عشر في تونس عبر الأقمار الصناعية22 أيار 2004
بسم الله الرحمن الرحيم
“ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين... ونمكن لهم في الأرض”.
صدق الله العظيم
فخامة الأخ الرئيس زين العرب زين العابدين بن علي، رئيس القمة العربية،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والسيادة القادة العرب.
اسمحوا لي بداية ان أتوجه بالشكر لصاحب العظمة الأخ الملك حمد بن عيسى آل خليفة على رئاسته للقمة العربية السابقة، وأهنئ الأخ الرئيس زين العرب زين العابدين بن علي على هذه الرئاسة للقمة العربية، المنعقدة في رحاب تونس الشقيقة، متمنياً لفخامتكم التوفيق في هذه المهمة الهامة في ظل هذه الظروف والتحديات التي نواجهها كأمة عربية.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
من فلسطين من القدس الشريف أرض الآباء والأجداد، أحييكم باسم شعبنا الفلسطيني الصامد المرابط في أرض الرباط المباركة، وأنتم تجتمعون اليوم في تونس الشقيقة في هذه الأوقات الحاسمة من تاريخ أمتنا العربية، ولوضع الاستراتيجية العربية الموحدة دفاعاً عن الوجود والمستقبل وعن الأمن القومي العربي، ولمساعدة شعبنا في فلسطين والقدس الشريف وشعب العراق الشقيق.
وإن شعبنا الفلسطيني على يقين بأن فلسطين التي يُغيّب الاحتلال الإسرائيلي رئيسها عن حضور هذه القمة التاريخية، ليست غائبة، بل حاضرة فيكم وبكم؛ ففلسطين كانت وستبقى في القلب والوجدان لإخوتنا القادة العرب، ولأمتنا العربية جمعاء، كون قضيتها هي القضية المركزية للأمة العربية، والخطر القابع في فلسطين اليوم، حيث يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة وإقامة "الجدار العنصري"، والاستيطان، والجرائم اليومية البشعة ضد جماهيرنا في الضفة وغزة، وآخرها ما يجري الآن في منطقة رفح، بجانب ما يجري في القدس الشريف، وضد مقدساتنا المسيحية والإسلامية فيها وفي بيت لحم التي أعيد احتلالها وغزة وخان يونس وبيت حانون ودير البلح والخليل وطولكرم وقلقيلية وجنين ونابلس وغيرها؛ مما يحتاج إلى وقفة جادة؛ ففلسطين يا إخوتنا القادة العرب هي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، مسرى نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم)، ومهد ورفعة سيدنا المسيح (عليه السلام)، والمؤامرة عليها كما يعرف الجميع منذ سايكس بيكو الأول، والمؤتمر الصهيوني في بازل سنة 1897 وحتى الآن.
فخامة الرئيس زين العرب زين العابدين بن علي
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والسيادة
منذ أكثر من أربعين شهراً وأرضنا وشعبنا يتعرضان لتصعيد غير مسبوق في العدوان الإسرائيلي الغاشم انه عدوان غاشم يطال الأرض والإنسان والمقدسات والبنية التحتية، ومحاولة تنفيذ خطط التهجير لشعبنا الصامد والمرابط في أرض الرباط المباركة بصلابة وعزيمة وإيمان.
كما وإن حكومة إسرائيل تستخدم كما تعرفون مختلف أسلحة ترسانتها العسكرية بما فيها الأسلحة المحرمة دولياً، مثل: اليورانيوم المستنفذ والغازات وغيرها، وتشنّ حرباً مفتوحة وتصعيداً عسكرياً آثماً ضد الشعب الفلسطيني ان ما حدث هذه الأيام في مدينة رفح، يعد من أبشع جرائم العصر الحديث ومنافياً لكل الأعراف الإنسانية والأخلاقية لحجم عدد الضحايا من الشهداء والجرحى من أبناء شعبنا أطفالاً ونساءً ورجالاً، وقوة التدمير الهائل لمساكن ومنازل مواطنينا وبنيتنا التحتية الشعبية والرسمية، وكأنه زلزال، وضاربة عرض الحائط بكل المواثيق والاتفاقات والأعراف الدولية والإنسانية، وآخرها قرار مجلس الأمن 1544 وهذه الإدانة العالمية الواسعة، ومع ذلك لازالوا مستمرين في ممارسة أبشع أنواع جرائم الحرب والتمييز العنصري، وهي سياسة بلغت ذروتها بإقدام الاحتلال الإسرائيلي على "بناء الجدار العنصري" الذي يصادر 58% من أراضي الضفة، لمنع إقامة دولتنا المستقلة فوق أرضنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف؛ فهل هذا مقبول؟ وتواصل حكومة إسرائيل تصعيدها العسكري في كل مكان في أرضنا وممارسة الإرهاب. وارتكاب جرائم الاغتيالات للقيادات والكوادر الوطنية، مثلما حدث باغتيال أخي الشهيد الشيخ أحمد ياسين، وأخي الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وأخي الشهيد أبو علي مصطفى، وغيرهم الآلاف من الإخوة الشهداء والجرحى، والأسرى والمعتقلين من القادة والكوادر المناضلين والمناضلات.
إن حكومة إسرائيل بهذه الحرب الشاملة وبإعادة الاحتلال الشامل لأرضنا انما تؤكد استمرار رفضها لخطة السلام العربية، ولقرارات الشرعية الدولية، والاتفاقات الموقعة بما فيها القرارات 242، 338، 425، 252، 1397، 1515، 1544، 194 وخطة "خارطة الطريق" التي وضعت عليها 14 تحفظاً لتفريغها من مضمونها ولتعطيل دور اللجنة الرباعية، للتقدم في عملية السلام لأن هذه الحكومة الإسرائيلية لا تريد السلام، بل تعمل بإصرار على تكريس الاحتلال، وهنا أتوجه إليكم إخوتي القادة العرب لأهمية اجتماع "لجنة القدس" بصفة دائمة وبأسرع وقت ممكن، لمتابعة ما تتعرض له المدينة المقدسة من خطر التهويد والتدمير الزاحف على المدينة وأهلها ومقدساتها، ولأن القدس الشريف أمانة في أعناقنا جميعاً، وإن شاء الله سنصلي سوياً في القدس الشريف، شاء من شاء وأبى من أبى بعونه تعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم
" وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علو تتبيرا"
"إن الله لا يخلف وعده "
صدق الله العظيم
فخامة الرئيس أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والسيادة
وبالرغم من ذلك، وفي مواجهة هذه الحرب لم ولن تنكسر إرادة شعبنا وصموده وإيمانه، في مواجهة هذا التصعيد العسكري الشامل بكل جرائمه ضد شعبنا وبنيتنا التحتية وتجريف مزارعنا ونسف مصانعنا، والتدمير المستمر لبنيتنا التحتية ولاقتصادنا بما فيها اقتحام البنوك وسرقتها، ومواصلة حجز أموالنا الجمركية منذ أكثر من أربعين شهراً؛ كما تعرفون وأمام هذا الطغيان لهذا الاحتلال الغاشم، لم يهتزّ إيمان شعبنا العميق بحقوقه في الحرية والاستقلال، وهنا يأتي أهمية التحرك دولياً للضغط على هذه الحكومة الإسرائيلية، لوقف عدوانها واحتلالها لأرضنا وشعبنا والعودة إلى سلام الشجعان وإلى "مبادرة السلام السعودية العربية"، و"خارطة الطريق"، والجهود الطيبة المبذولة دولياً وعربياً ومن اللجنة الرباعية ومن إخوتنا القادة العرب جميعهم، وخاصة جيراننا الإخوة في مصر والسعودية والأردن.
وفي مواجهة هذه الحرب العدوانية يا إخوتي يا أحبتي القادة، نؤكد مجدداً تمسّكنا بخيار السلام العادل والدائم والشامل، الذي يلبي الحقوق الوطنية الثابتة لشعبنا من خلال الانسحاب الإسرائيلي الكامل من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ عام 67، بما فيها الجولان والجنوب اللبناني، ولإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وإيجاد الحلّ العادل لعودة اللاجئين الفلسطينيين على أساس القرار الدولي (194) ومبادرة السلام العربية.
إننا نؤكد أمامكم وأمام العالم أجمع، رفضنا الدائم والقاطع لاستهداف المدنيين سواء كانوا فلسطينيين أو إسرائيليين؛ لأن ذلك يتناقض مع قيمنا وأخلاقنا ومبادئنا ونضالنا الإنساني، وضد عقائدنا الدينية القويمة الرافضة للإرهاب، وقد أعلنا تجاوبنا مع مختلف المبادرات والمشاريع التي طرحها المجتمع الدولي منذ أوسلو، وشرم الشيخ، وكامب ديفيد، والواي ريفر، وطابا، وتوصيات "ميتشل"، و"تفاهمات تينت"، ووافقنا على خطة "خارطة الطريق" التي أقرتها اللجنة الرباعية الدولية ومجلس الأمن، ولتنفيذ رؤية الرئيس بوش بإقامة دولة فلسطين بجانب دولة إسرائيل.
فخامة الرئيس زين العرب زين العابدين بن علي،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والسيادة،
أمامكم في هذه القمة العربية فإنني أعلن اليوم لكم وللعالم اننا ملتزمون بسلام الشجعان، وأن (منظمة التحرير الفلسطينية)، وسلطتنا الوطنية، وأجهزتنا الأمنية، على أتم استعداد لتسلم كافة المسؤوليات الأمنية المترتبة عليها في الاتفاقات الأمنية المشتركة، في جميع المناطق والمدن التي تنسحب منها قوات الاحتلال الإسرائيلي، ولمباشرة تنفيذ "خارطة الطريق"، ونحن نرحب بآلية عربية – ودولية لمراقبة وتنفيذ هذه الخطة مع حكومة إسرائيل والقوة الدولية لحماية شعبنا.
لقد صدرت في الآونة الأخيرة تصريحات ومواقف إسرائيلية، تتحدث عن نية هذه الحكومة الإسرائيلية في الانسحاب من قطاع غزة، وإخلاء بعض البؤر الاستيطانية في الضفة، ونحن نؤكد هنا أن الانسحاب الإسرائيلي وفق الاتفاقات جميعها منذ أوسلو، يجب أن يشمل قطاع غزة والضفة الغربية بشكل متزامن؛ فالضفة الغربية بما فيها القدس الشريف، وقطاع غزة وحدة جغرافية واحدة وسياسية وقانونية وينطبق على الضفة الغربية ما ينطبق على قطاع غزة من إجراءات وقرارات، وتحت الإشراف والرعاية الدولية والعربية، وأنا أعلن من قلب الحصار أن الاحتلال والحل العسكري الإسرائيلي لن يوفر الأمن والسلام والاستقرار للإسرائيليين، وأن طريق المفاوضات فقط وعلى أساس قرارات الشرعية الدولية و"خارطة الطريق" و"المبادرة العربية"، هي التي تحقق الأمن والسلام والجيرة الطيبة بين الشعبين وفي المنطقة كلها، ومن أجل مستقبل زاهر لأطفالنا وأطفالهم.
فخامة الرئيس زين العرب زين العابدين بن علي،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والسيادة،
إن تحديات كبيرة وخطيرة ومتعددة تواجه أمتنا العربية اليوم، وإنني أدعو من موقعي المحاصر، إلى تعزيز التضامن العربي بكل السبل والوسائل؛ فلن يحمي الأمة العربية والوطن العربي غير وحدتها وتضامنها وتكاتفها أمام هذه التحديات، وإن جماهير الأمة العربية تتطلع اليوم لملوكها ولرؤسائها ولقادتها، لمزيد من التعزيز للتضامن والأخوة العربية والمزيد من تفعيل دور الجامعة العربية - بيت العرب.
واسمحوا لي أن أدعو القمة العربية إلى دعم العراق الشقيق، والمحافظة على حريته ووحدته الراسخة أرضاً وشعباً، لكل أبناء العراق الأعزاء علينا جميعاً.
أحييكم من أرض فلسطين، أرض الشهداء والصمود وأرض الرباط والإسراء والمعراج لسيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، ومهد ورفعة سيدنا المسيح (عليه السلام)، وأقول: إن صمود شعبكم الفلسطيني المعتزّ بانتمائه العربي وصلابة وقوة مساندة ودعم أشقائنا العرب، وأنتم أيها الأحبة قادة وشعوباً لتعزيز هذا الصمود البطولي لشعبنا الفلسطيني، دفاعاً عن أرضنا ومقدساتنا المسيحية والإسلامية، ولا بد لي إلا أن أشكر إخوتنا العرب، الذين واصلوا دعمهم ومساعداتهم لشعبنا؛ وكذلك كل الأصدقاء في العالم أجمع.
أتمنى لكم النجاح والتوفيق
بسم الله الرحمن الرحيم
"إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد"
صدق الله العظيم
ومعاً وسوياً حتى القدس حتى القدس حتى القدس بعونه تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
"وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة..."
صدق الله العظيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلمة الرئيس ياسر عرفات أمام المؤتمر الإسلامي المسيحي في فلسطين 10 آب 2004
بسم الله الرحمن الرحيم
"ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون"
صدق الله العظيم.
"المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة".
غبطة البطريرك ميشيل صباح، سماحة الشيخ تيسير التميمي، الأرشمندريت عطا الله حنا، الشيخ عبد الله نمر درويش.
أصحاب الغبطة والسماحة والفضيلة الكرام.
السيدات والسادة المشاركون والضيوف والحضور الكرام.
إنه لشرف كبير لنا ان نلتقي بكم اليوم، هنا في مقرنا المحاصر، مرحبين بكم، وأنتم تعقدون مؤتمركم الإسلامي ـ المسيحي الدائم في فلسطين، وبحضور هذه النخبة المميزة من رجال الدين وأهل الكلمة والفكر، هذا المؤتمر العتيد الذي تعقدونه تحت شعار: مسلمون ومسيحيون يجسدون الوحدة الوطنية في الدفاع عن فلسطين ومقدساتها.
إننا في فلسطين أقوياء بهذه الوحدة، وهذا التكافل الأخوي والوطني الراسخ، وإن فلسطين أرضاً وشعباً وقيادةً لتعتز بذلك؛ فوطننا هو مهد المسيحية الأول؛ فعلى هذه الأرض الطاهرة المقدسة المباركة، ولد السيد المسيح عليه السلام، ومنها كانت رفعته إلى السماء إلى العلا، ومن على أرضها انطلق تلامذته إلى آفاق الدنيا قاطبة، ليبشروا برسالته، رسالة المحبة والسلام، وإلى هذه الأرض، أرض فلسطين الأرض المباركة وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إلى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ، كان مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلام، ومنها كان معراجه إلى السماوات العلا، وفي رحاب القدس الشريف كانت العهدة العمرية التي نحن جميعاً في فلسطين مسيحيين ومسلمين ورثناها، ونحافظ عليها بكل إخلاص وأمانة، وشعبنا بوحدته وتماسك صفه ولحمته، يقدم للإنسانية بأسرها نموذجاً فريداً في التسامح والتعايش والتآخي والتفاهم فيما بين أبنائه، الأمر الذي نعتز به اعتزازاً كبيراً، ونحميه بقلوبنا وعيوننا؛ فشعبنا، وعبر كل المحن، وفي السراء والضراء، كان ولا زال على الدوام واحداً متوحداً يعيش على هذه الأرض ويدافع عنها، ويحميها بدمه وتضحياته الجسام، يوحده إيمانه وانتماؤه لهذه الأرض المباركة بمقدساتها وبمقدساتنا المسيحية والإسلامية ولتاريخه العريق وحضارته المشعة في نموذج إنساني نفتخر به وتعتز.
وها نحن جميعاً اليوم نواجه هذه الغطرسة، وحرب الإبادة، والمجازر الدموية والاجتياحات العسكرية، وعمليات القتل والاغتيال والاعتقال والتنكيل والإذلال وجدار الفصل العنصري الذي يلتهم ويصادر 58% من أرضنا وهذا الاستيطان المتزايد ليلاً نهاراً وفي كل مكان؛ ولكن إحنا وإياكم والزمن طويل ويا جبل ما يهزك ريح، الاستيطان الذي يلتهم مزيداً من الأرض وآبار المياه ومزارعنا بجانب الجرائم العنصرية التي تمارسها إسرائيل، قوة الاحتلال، ضد جماهير شعبنا، إلى جانب التدمير المنهجي لبنيتنا التحتية كلها الرسمية والشعبية ولمؤسساتنا العامة والخاصة، في كافة مدننا وقرانا ومخيماتنا وتحويلها إلى سجون مغلقة، وحرمان مواطنينا من أبسط حقوقهم الإنسانية الأساسية التي كفلتها لهم كافة الشرائع السماوية والقوانين والمواثيق والأعراف والقرارات الدولية؛ هذا بالإضافة إلى استمرار إسرائيل، قوة الاحتلال، بانتهاك حرمة مقدساتنا المسيحية والإسلامية، وتهديداتها المستمرة للمساس بها وإغلاق الطريق التاريخي والديني بين كنيسة المهد في بيت لحم وكنيسة القيامة في القدس الشريف بهذا الجدار العنصري، نعم وآخر تلك المؤامرات ما يحاك ضد الحرم القدسي الشريف، والمسجد الأقصى المبارك، وقبة الصخرة المشرفة من نوايا مبيتة لتدميره من قبل غلاة المستوطنين والمتطرفين اليهود فيهم والذين تحميهم هذه القوة العسكرية إلي حولنا والتي بعيدة عنا وأنتم تعرفون ومنع أهلنا المسيحيين والمسلمين من الدخول إلى القدس الشريف وعدم الصلاة في كنيسة القيامة والحرم الشريف؛ وكذلك تدمير المباني القديمة الأثرية في البلدة القديمة بالخليل ما يجري اليوم في وادي النصارى لعمل الطريق من كريات أربع حتى الحرم الشريف من أمس حتى اليوم في وادي النصارى حوالي 30 مسكناً لشق الطريق من مستوطنة كريات أربع للسيطرة الكاملة على الحرم الإبراهيمي الشريف؛ وكذلك تدمير الكنيسة الأثرية لستنا بربارة في قرية عابود؛ وكذلك الكنائس والمساجد في البلدة القديمة في نابلس وفي كثير من المناطق في الضفة والقطاع؛ ولكن يا جبل ما يهزك ريح ان شاء الله سيعيد شعبنا بناءها شجرة شجرة وغصناً غصناً وحجراً حجراً واحنا وإياهم والزمن طول.
إن فلسطين اليوم، أرضاً وشعباً وقضيةً، لهي أحوج ما تكون إلى دعم وتضامن كل الأشقاء والأصدقاء والشرفاء والأحرار، ومحبي العدل والسلام والديمقراطية في العالم، لوقف هذه الممارسات الإجرامية ضد أرضنا وشعبنا ومقدساتنا، ولا بد من رفع الصوت عالياً في وجه بناء وتوسيع المستوطنات والمستعمرات الاستيطانية الاحتلالية، ومصادرة الأراضي، وبناء هذا الجدار العنصري للعزل والتمييز، جدار الفصل العنصري الذي تقيمه إسرائيل في أراضينا في الضفة، بجانب السيطرة على مياهنا الجوفية، وتهجير حتى الان وطرد أكثر من 600 ألف مواطن فلسطيني من ديارهم ومساكنهم ومزارعهم وممتلكاتهم، وحرمانهم من مصادر رزقهم، كل ذلك يتم في الوقت الذي أعلنت فيه محكمة العدل الدولية، والجمعية العامة للأمم المتحدة، إدانتها لهذا الجدار العنصري، واعتبرته غير قانوني وغير شرعي وتجب إزالته، وطالبت بتعويض شعبنا عما لحق به من أضرار مادية ومعنوية من جرائه، هذا الجدار الذي يقام في وقت أصبح فيه العالم بأسره قرية كونية واحدة؛ ولذلك قداسة البابا قال: بدلاً من الجدار ابنوا جسور السلام ونحن فيه أحوج ما نكون إلى جسور محبة وتفاهم وتعايش وحسن جوار، واحترام وثقة متبادلة، وليس لجدار عزل وفصل وتمييز عنصري، وإنني أوجه بهذه المناسبة الطيبة معكم التحية والإكبار والاعتزاز إلى زعماء ورعية كنيسة بروسبيتريان في أمريكا إلى كنيسة أبيسكوبيليان على مواقفهم الشجاعة التي صدرت مؤخراً ضد ما يحدث ضد شعبنا ومقدساتنا نعم وقراراتهم المتعلقة بسحب استثماراتهم من إسرائيل نتيجة للسياسة الإسرائيلية العدوانية ضد الشعب الفلسطيني.
كما نوجه التحية لجميع المصلين المسيحيين الكوريين المتضامنين مع شعبنا؛ وكذلك مع جميع المسيحيين المتضامنين مع شعبنا في أوروبا وفي أمريكا اللاتينية وكندا وفي العالم أجمع في أفريقيا وآسيا، هؤلاء الذين يقفون معنا بقوةٍ وصلابةٍ وايمان، وهذه المسيرة التي تمت إلى بيت لحم رغم المسافة الطويلة التي قاموا بها ونود في هذا المقام أن نؤكد لكم، ومن خلالكم للعالم أجمع، على اننا تمسكنا ولازلنا متمسكين بخيار السلام الشامل والدائم والعادل، سلام الشجعان، الذي يضمن الأمن والاستقرار للجميع "وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ"، الذي يضمن الامن والاستقرار للجميع بما في ذلك لجيراننا الإسرائيليين، وخاصة القوى المحبة للسلام ومن يكفل لشعبنا العيش بكرامة وحرية وسيادة واستقلال في وطنه فلسطين بعاصمتها القدس الشريف؛ وإننا لنتطلع لرؤية السلام يسود ربوع بلادنا، ومن مؤتمر الحوار هذا نمد يدنا لجيراننا الإسرائيليين، وندعوهم للحوار والتفاوض، لإيجاد حل عادل يقوم على الحق والعدل، ويضمن لكل ذي حق حقه، ويفضي إلى السلام المنشود، الذي ستنعم بثماره كافة شعوب ودول المنطقة.
كما بدأناها سوياً في الإسكندرية سوياً في الاسكندرية ونتابعها هنا في القدس الشريف إن شاء الله.
مرة أخرى أحييكم، أيها الإخوة الأحبة أحييكم إخواني رجال الدين المسيحي والإسلامي أحييكم وأتمنى لمؤتمركم العتيد كل النجاح والتوفيق، والخروج بالقرارات والتوصيات التي تعود بالخير على شعبنا وأرضنا ومقدساتنا، ومستقبل أجيالنا على هذه الأرض الغالية.
ومعاً وسوياً وجنباً إلى جنب حتى القدس الشريف، حيث سيرفع شبل من أشبالنا وزهرة من زهراتنا علم فلسطين فوق أسوار القدس وكنائس القدس ومآذن القدس عاصمة دولتنا المستقلة الفلسطينية، شاء من شاء وأبى من أبى، ومعاً وسوياً وجنباً إلى جنب حتى القدس.
والسلام عليكم.
كلمة الرئيس ياسر عرفات عبر الهاتف خلال المهرجان الذي أقامته وزارة الأوقاف والشؤون الدينية لمناسبة الذكرى السنوية الخامسة والثلاثين لإحراق المسجد الأقصى على يد الجماعات الصهيونية المتطرفة 19 آب 2004
قال تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
"سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَام إلى الْمَسْجِدِ الْأقصى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ..."
صدق الله العظيم
إخوتي وأحبتي وأهلي وربعي في غزة الصمود والبطولة والتضحيات الجسام.
يصادف اليوم الذكرى المشؤومة لمحاولة لإحراق المسجد الأقصى المبارك، عندما اعتدى هؤلاء المتطرفون والمتعصبون على منبر صلاح الدين وأحرقوه وأرادوا من وراء هذا الحريق المشؤوم، حرق مسجدنا الأقصى، ولولا حماية الله وصونه ويقظة وسهر القدس الشريف وأبنائها ورجالها ونسائها لكان المسجد الأقصى اليوم أثراً بعد عين؛ ولكن الله سلمه وأنقذ المسجد الأقصى من غائلة الحقد والتعصب الأعمى، وهذا الابتلاء الذي ابتلى به شعبنا منذ أكثر من مائة عام من هؤلاء الصهاينة، ولا زال هذا الشعب الصامد المرابط البطل في أرض الرباط وهم في رباط إلى يوم الدين، يذودون بأرواحهم ودمائهم وشيبهم وشبانهم وزهراتهم وأشبالهم ورجالهم ونسائهم عن وطنهم وأرضهم ومقدساتهم، وعن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين مسرى النبي محمد - صلى الله عليه وسلم- ومهد ورفعة سيدنا المسيح -عليه السلام-، وفي هذا اليوم الذي يؤكد فيه الشعب الفلسطيني إصراره وتصميمه على التحرر ودحر الاحتلال، وحماية المقدسات، يقف أبطال الحرية والرجولة والشجاعة والفداء في سجون الاحتلال الإسرائيلي ومعتقلاته وأقبية زنازينه في وجه جلاوذة وجلادي الاحتلال الإسرائيلي قائلين بصوت رجل واحد لا للاضطهاد لا للقهر لا للإذلال، ولن ننحني ولن نركع؛ فإن هذا الشعب لا ينحني ولا يركع إلا لله تعالى، بل نعلن بصوت واحد الإضراب عن الطعام حتى تلبى المطالب الإنسانية والحياتية التي حرمهم منها المحتلون الإسرائيليون، بتركيعهم وكسر إرادتهم وإجبارهم على الرضوخ لهذا الاحتلال الصهيوني؛ لكن هذا الشعب الفلسطيني في هذه الأرض المباركة أرض الرباط، يقف مع أبنائه في معركة الأمعاء الخاوية، ولا بد لهذه المعركة أن تجبر المحتلين الإسرائيليين على وقف وحشيتهم واضطهادهم لأبنائنا الأسرى والمعتقلين.
إنني في يوم حريق المسجد الأقصى، هذه المحاولة الآثمة، أهيب بشعبنا وبالأمة العربية والأمة الإسلامية والأحرار والشرفاء في العالم، لتفتح عيونها على الخطر الزاحف الاستيطاني وجدار الفصل العنصري وجدار برلين الجديد، وخطر ما تدبره الجماعات الاستيطانية المتطرفة، والتي باعتراف حكومة إسرائيل نفسها تعد العدة للاعتداء على مسجدنا الأقصى المبارك، وعلى كنائسنا، لتدمير تاريخنا وتراثنا ومقدساتنا، وإنني باسمكم وباسم كل الأمة العربية والإسلامية، وباسم كل الأحرار والشرفاء في العالم، أطالب الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومنظمة "اليونسكو"، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والقمة الأفريقية، ودول عدم الانحياز، والأشقاء العرب، وفي المقدمة لجنة القدس الشريف، للتحرك فوراً لحماية مقدساتنا المسيحية والإسلامية، ولوقف بناء جدار برلين العنصري حول مدينة القدس الشريف المباركة، وإني واثق من أن الأسرة الدولية لن تقف موقفاً متفرجاً على جرائم المستوطنين والمتطرفين الصهاينة، والمدعومين من حكومة إسرائيل بالمال والسلاح والحماية لهذه العصابات.
يا إخوتي يا أحبتي أحييكم يا إخوتي يا أحبتي وأبنائي، في يوم القدس الشريف، يوم العهد، ويوم الوفاء، ويوم الفداء، دفاعاً عن قدسنا الشريف عاصمة دولتنا الفلسطينية المستقلة، وليس منا وليس بيننا من يفرط بذرة تراب من أرض القدس الشريف، ومسجدها الأقصى المبارك، ومقدساتنا المسيحية والإسلامية.
بسم الله الرحمن الرحيم
" وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا".
صدق الله العظيم
"إن الله لا يخلف وعده"
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة الرئيس ياسر عرفات في احتفال أقيم بمناسبة منحه درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة القدس أبو ديس 1 آب 2004
“إنا فتحنا لك فتحاً مبينا* ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر* ويتم نعمة عليك ويهديك صراطاً مستقيا*وينصرك الله نصراً عزيزاً” صدق الله العظيم. "الحمد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وللناس المسرة".
الإخوة الأعزاء أعضاء القيادة الفلسطينية المحترمون.
الأخ العزيز منيب المصري، رئيس مجلس أمناء جامعة القدس المحترم.
الإخوة أعضاء مجلس الأمناء المحترمون.
الأخ الدكتور سرى نسيبة رئيس جامعة القدس المحترم.
الإخوة والأخوات أعضاء مجلس الجامعة وأعضاء الهيئة التدريسية إخواني أحبائي رجال الدين الكرام السادة أعضاء السلك الدبلوماسي.
السيدات والسادة الحضور الكرام.
ليس أسعد على قلبي من هذه اللقاء الذي يضم نخبة كريمة من رجال الفكر والعلم، في رحاب جامعة القدس التي تشكل اليوم منارة مضيئة للعلم والتقدم في دروب الحضارة الإنسانية والقلعة الراسخة في قدسنا الشريف، ولتقدم للعالم كله صورة قدسنا الشريف أولي القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، مسرى نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم-، ومهد ورفعت سيدنا المسيح- عليه السلام-، وبجانب ذلك كله صورة الانفتاح والتسامح والتعايش الخلاق، نقيضاً إنسانياً رائعاً للانعزال والانكفاء والحصار والانغلاق والتعصب، الذي يجسد واقع الاحتلال الإسرائيلي وجدار برلين الجديد الذي يبنيه المحتلون الإسرائيليون في أرضنا الفلسطينية يصادرون 58% من أرضنا، وخاصة حول مدينتنا المقدسة والمسجد الأقصى والحرم الشريف وكنيسة القيامة؛ في محاولة فاشلة لتغييب وجودنا الوطني وطمس هويتنا وسرقة تاريخنا واقتلاع جذورنا التي تضرب في عمق الأرض وعمق التاريخ والحضارة والمقدسات لأرضنا المباركة "ونجيناه لوطا في الأرض التي باركنا فيها للعاملين " مش للعالم بس.
إن هذا اللقاء وهذا الحفل الذي تقيمه جامعة القدس إنما يجسد رسالة هذه الجامعة التي تحمل اسم مدينة القدس عاصمة دولة فلسطين الأبدية شاء من شاء وأبى من أبى "الأبدية" انها رسالة السلام والمحبة والتعايش الإنساني.
السيدات والسادة
إنني فخور بكم وفخور بجامعة القدس التي يعتز بها شعبنا منذ ميلادها العظيم، وكما تذكرون فقد أصدر المؤتمر الفلسطيني في القدس في عام 1931 قراراً بإنشاء جامعة القدس الفلسطينية، لتكون منارة للعلم والبناء الوطني.
ولقد تأخر هذا الميلاد إلى عام 1996، حين ولدت جامعة القدس، لتضم اليوم أكثر من 7200 طالب وطالبة، يتلقون العلم في 14 كلية، إضافة إلى المراكز العلمية في خدمة المجتمع، وفي جامعة القدس أنشأت أول كلية للطب في الوطن، وتقيم جامعة القدس علاقات دولية واسعة مع جامعات العالم المختلفة، حاملة مضمونها الإنساني والأخوي ورسالة القدس الشريف إلى العالم، داعية رجال الفكر والعلم إلى رفع الصوت عالياً لإنهاء الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي، الذي يحاولون به تشويه هذه المدينة المقدسة، ويحيطونها بجدران برلين الجديدة كما أذكركم يمنعون كمسلمين ومسيحيين من الصلاة في القدس الشريف في مساجدها وكنائسها؛ ولكن إحنا وإياهم والزمن وطويل، ويا جبل ما يهزك ريح، للفصل العنصري؛ في محاولة فاشلة لفصلها عن بيت لحم وعن بقية أرضنا، وليعلم العالم أجمع أن قدسنا الشريف تبني جسور السلام والمحبة والتعايش، كما قال قداسة البابا الفاتيكان: بناء جسور المحبة بدل هذا الجدار؛ ولهذا فلا مستقبل للاحتلال الإسرائيلي ومستوطناته وجدار الفصل العنصري حول مدينة القدس الشريف، وفي أرضنا ووطننا في هذه الأرض ومقدساتها المباركة، ولا شك أن لجامعة القدس دوراً أساسياً وخلاقاً في هذه الحركة العالمية في أوساط الجامعات، لمناهضة الاحتلال الإسرائيلي والمطالبة بإنهائه، وهدم جدار الفصل العنصري، ولا بد لنا هنا من توجيه التحية لجامعة القدس بكل ما فيها من طلاب وطالبات وأساتذة ورجال علم ورجال وطنيه نفتخر بهم ونعتز بهم على وقفتها المبكرة ضد جدار الفصل العنصري، والتي أدت إلى قيام حملة عالمية كما تتذكرون للتضامن مع الجامعة، لإبعاد هذه الجدار العنصري عن حرم الجامعة ومجال نشاطاتها المختلفة ثم تابعناه بعد ذلك محكمة لاهاي والجمعية العامة للأمم المتحدة.
الأخ رئيس مجلس الأمناء
الأخ رئيس الجامعة
السيدات والسادة
يشرفني أن أتلقى اليوم من جامعة القدس التي تحمل اسم عاصمتنا الخالدة القدس الشريف، درجة الدكتوراه الفخرية التي أعتز بها كل الاعتزاز؛ لأنها تؤشر إلى مستقبل قريب بإذن الله، مستقبل قريب ومشرق لشعبنا ولوطننا ولدولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وجامعتها العريقة جامعة القدس.
إن درجة الدكتوراه الفخرية التي أتلقاها اليوم من جامعة القدس، هي عهد وميثاق للقدس الشريف ولأرضنا المباركة؛ فلا تفريط بذرة من ترابها، طال الزمن أم قصر، وهذا عهد وقسم باسم شعبنا الفلسطيني الصامد المناضل المرابط فوق أرض الرباط، ومن جنينجراد إلى بيت حانونجراد ورفحجراد وكل مدننا ومخيماتنا وقرانا في أرضنا المباركة الطيبة، ولإقامة السلام العادل والدائم والشامل في فلسطين وفي المنطقة كلها، وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
"وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة* وليتبروا ما علو تتبيرا * إن الله لا يخلف وعده"
الأخ رئيس مجلس الأمناء
الأخ رئيس الجامعة، جامعة القدس
الإخوة ضيوفنا الكرام، أحبائي رجال الدين الكرام
السيدات والسادة من أحبائنا في السلك الدبلوماسي
اسمحوا لي وأنا أقف أمام هذه النخبة من رجال الفكر والعلم والثقافة والسياسة ان أؤكد لكم ومن خلالكم للمجتمع الدولي كله، بأن السلام العادل بيننا وبين الإسرائيليين هو خيار استراتيجي ثابت لشعبنا ولأمتنا العربية، كما قررته القمم العربية لا رجعة عنه، ورغم بطش الاحتلال والحصار والتدمير والقتل والاغتيالات المتصاعدة وجرائمه بحق شعبنا ومقدساتنا المسيحية والإسلامية، في هذا المنعطف الدولي الخطير؛ فإن الشعب الفلسطيني لن يتخلى عن أرضه، ولن يتخلى عن حريته، ولن يرضخ للاحتلال والاستيطان مهما اشتد القمع والوحشية الإسرائيلية؛ فيا جبل ما يهزك ريح، وهنا أقول مخاطباً الإسرائيليين، وخاصة لقوى السلام الأخوية فيه: إن الأمن لنا ولكم لن يتحقق بغير إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرضنا، والاعتراف الكامل وغير المنقوص بحقنا في إقامة دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ونحن جاهزون لمتابعة ذلك السلام العادل الدائم والشامل، والذي وقعته مع شريكنا الراحل إسحق رابين، ولتنفيذ خارطة الطريق، وفي ظل الرعاية الدولية والعربية، وما قررته اللجنة الرباعية والمجتمع الدولي، والتي قال فيها الرئيس بوش: "دولتين متجاورتين".
إن يدنا ممدودة من أجل السلام الحقيقي والدائم والشامل والعادل، القائم على الانسحاب الإسرائيلي الكامل لجيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين، وإلى حدود عام 1967، وهذا السلام والأمن لن يتوفرا بغير السلام العادل والدائم والشامل بين الشعبين والدولتين، وفي المنطقة كلها مع كل أخواتنا العرب، طبقاً لقرارات الشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة وقرارات الدول العربية ودول عدم الانحياز والقمم الإسلامية والأمم المتحدة.
أشكر جامعة القدس على هذا التكريم، ومنحي درجة الدكتوراه الفخرية من هذه الجامعة التي تحمل اسم القدس، العاصمة الخالدة لدولتنا الفلسطينية المستقلة ومعا وسويا وجنباً إلى جنب حتى القدس حتى القدس حتى القدس.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة الرئيس ياسر عرفات المتلفزة ألقاها في الندوة الأفريقية للأمم المتحدة لممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه كيب تاون 29 حزيران 2004
فخامة السيد الرئيس ثابو مبيكي،
سعادة السيد بيتر هانسن،
سعادة السيد بول باجي،
السيدات والسادة الضيوف والحضور الكريم،
يطيب لنا، أيها الإخوة والأصدقاء ان نتوجه إليكم بهذه الكلمات عبر مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في جمهورية جنوب أفريقيا الصديقة، وأنتم تعقدون ندوتكم العتيدة هذه، ندوة الأمم المتحدة لدعم حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وإننا لنشكركم من صميم قلوبنا، على جهودكم القيمة والنبيلة لعقد هذه الندوة التي يأتي التئامها في ظل ظروف بالغة الدقة والخطورة، حيث لازالت إسرائيل ماضية في عدوانها الاحتلالي والمتصاعد، وحربها المستمرة على شعبنا في كافة مدنه ومخيماته وقراه، وتقوم بارتكاب أبشع أساليب القتل والاغتيال والاعتقال والتنكيل واحتلالها الغاشم وتصعيداتها العسكرية المستمرة، واجتياحاتها اليومية المستمرة لمدننا ومخيماتنا وقرانا، وتقوم بتدمير منهجي للبنية التحتية الشعبية والرسمية لمجتمعنا الفلسطيني بهدف كسر إرادة شعبنا، وتكريس احتلالها وتكثيف نشاطاتها الاستيطانية على أرضنا ومقدساتنا، وحرمان شعبنا من تجسيد حقه المقدس في الحرية وتقرير المصير، هذا الحق الذي كفلته له الشرعية الدولية في حين تستمر الحكومة الإسرائيلية التي تحتل أراضينا ومقدساتنا المسيحية والإسلامية، في رفضها للقانون الدولي، حين تمارس إرهاب الدولة المنظم، ضد شعبنا، وتضرب عرض الحائط، بكافة المواثيق والأعراف والقوانين الدولية، وبقرارات الشرعية الدولية، والقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، واتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين، وبالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بجانب تهديداتها المستمرة لمقدساتنا المسيحية والإسلامية في هذه الأرض المقدسة، وخاصة في القدس الشريف، وبيت لحم، والخليل ونابلس وجنين وغزة، وفي بقية المناطق في الضفة وغزة.
وإننا إذ نحييكم ونكبر فيكم التفاتتكم الكريمة والنبيلة وتضافر جهودكم الطيبة لعقد هذه الندوة؛ فإننا نتطلع إليكم جميعاً وإلى كافة المشاركين فيها وإلى جميع الأحرار والشرفاء في العالم أجمع، من أجل رفع الصوت عالياً، والتحرك الفاعل لحمل إسرائيل قوة الاحتلال، على وقف حربها وعدوانها ضد شعبنا، ووقف حصارها الاقتصادي الخانق، وعمليات القصف والغارات الجوية والتدمير المستمر لمدننا ومخيماتنا وقرانا وللبنية التحتية لشعبنا، بجانب سياسة الإغلاق والعقاب الجماعي التي تنتهك أبسط الحقوق الإنسانية والمدنية الأساسية لشعبنا، وفي مقدمتها حقه في حرية الحركة والتنقل، والعمل والسفر وكسب قوته وقوت أطفاله؛ وإننا نهيب بكم، أيها الأصدقاء الأعزاء والشرفاء، للعمل إقليمياً ودولياً، وفي إطار الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، ولدى القوى الدولية المؤثرة بما فيها اللجنة الرباعية، لإلزام إسرائيل قوة الاحتلال بالتنفيذ الدقيق والأمين لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بفلسطين، وخاصة القرارات 242، 252، 338، 425، 1397، 1515، 1544، والقرار 194 الخاص باللاجئين؛ وكذلك القرار 58/292، الذي رفض السيادة الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما في ذلك القدس الشريف، إلى جانب حملها على تطبيق خطة خارطة الطريق التي وضعتها اللجنة الرباعية الدولية والتي وافق عليها مجلس الأمن الدولي، ووضع عليها شارون أربعة عشر تحفظاً؛ في حين قبلناها نحن كرزمة واحدة، بل لقد ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير بعد تلقيه رسائل الضمانات الأمريكية الأخيرة، حيث أعلن عن نيته المساس بنا شخصياً، وأن خارطة الطريق قد ماتت هذا ما أعلنه بكل وضوح وكأنه لا يهمه شيئاً إطلاقاً في العالم لا الحق ولا مجلس الأمن ولا الشرعية الدولية ولا حقوق الإنسان، وها هو اليوم يتحدث عن خطة للانسحاب من غزة؛ في حين أن ممارساته على الأرض تؤدي لكل ما هو عكس ذلك تماماً؛ فالحصار والإغلاق مستمران، والاجتياحات والغارات الجوية والتصعيد العسكري، وعمليات القتل والاعتقال والتنكيل مستمرة ويومية ليلاً ونهاراً، وتزداد كل يوم دموية، هذا إلى جانب بناء المزيد من المستوطنات وتوسيع القائم منها، ومضيهم قدماً في بناء جدار الفصل والعزل العنصري، الذي يعتبر جدار برلين قزماً بجانبه، حيث يدخل بعمق أكثر من 20 كم في أراضي الضفة الغربية، ويصادر أكثر من 58% من مساحتها، وسيبلغ طوله 752 كم، وبذلك يمزق عشرات المدن والمخيمات والقرى والأراضي الزراعية الفلسطينية، ويحول مناطقنا إلى غيتوات وسجون معزولة عن بعضها البعض بالجدار والمستوطنات، إضافة إلى حرمان شعبنا من مصادر مياهنا الجوفية التي تضع إسرائيل يدها عليها، والاستمرار في خطتها لتشريد أكثر من 500 ألف مواطن فلسطيني من ديارهم وممتلكاتهم وأراضيهم الزراعية التي هي مصدر أرزاقهم وعيشهم؛ في محاولة لمؤامرتهم في استمرار عملية التهجير لشعبنا ولإحداث خلخلة كبيرة وواسعة في التوازن الديموغرافي خدمة وتحقيقاً لمخططهم للترانسفير وخلق نظام فصل عنصري جديد، بعد أن أدى نضالكم في جنوب أفريقيا إلى هدم وتدمير نظام الفصل العنصري في بلدكم إلى لا عودة، يريدون أن يعيدوه إلى فلسطين هذه الأرض المقدسة بجانب السيطرة جواً وبراً وبحراً فماذا يبقى؛ وكذلك السيطرة على مقدساتنا المسيحية والإسلامية فمن يقبل ذلك.
إننا أيها الأصدقاء دعاة سلام وطلاب سلام، وإن السلام الذي ننشده هو السلام الدائم والعادل والشامل، سلام الشجعان، الذي وقعناه مع شريكي الراحل يتسحاق رابين، والقائم على أساس قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بفلسطين، والاتفاقات الموقعة، هذا السلام الذي يعيد الحقوق لأصحابها، ويمكن شعبنا من ممارسة حقوقه غير القابلة للتصرف، وفي طليعتها الحرية لشعبنا، وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
إن شعبنا أيها الإخوة والأصدقاء قدم التضحيات الجسام، من أجل السلام هذا السلام العادل والدائم والشامل؛ فلقد قبلنا بأقل من ربع مساحة فلسطين التاريخية، وتعاملنا بإيجابية وتعاون تام مع كافة الجهود والمبادرات الدولية، وآخرها خطة خارطة الطريق الدولية التي أشرنا إليها، وارتضينا بالشرعية الدولية وقراراتها سبيلاً كمخرج من هذا الصراع وحل مقبول له؛ وأمام ندوتكم العتيدة هذه فإننا نمد أيدينا من جديد لجيراننا الإسرائيليين وخاصة لقوى السلام فيه، ونقول لهم تعالوا لنصنع السلام الذي بدأته مع شريكي الراحل يتسحاق رابين من أجل أطفالكم وأطفالنا، ومن أجل مستقبل عامر بالرخاء والازدهار والتعاون البناء المثمر في منطقتنا وفي إطار من الثقة والاحترام المتبادل وحسن الجوار في كل منطقتنا في الشرق الأوسط.
مرة أخرى نجدد لكم التحية مقرونة بعميق التقدير والامتنان على جهودكم وتعاونكم معنا ودعمكم لحقوق شعبنا الفلسطيني غير القابلة للتصرف بما فيها مبادرة السلام الدولية والعربية التي وافقت عليها القمة العربية في بيروت وفي تونس، راجين لندوتكم الموقرة، النجاح والتوفيق، والخروج بما ترجونه منها من إنجازات وتوصيات تسهم في صنع السلام العادل والدائم والشامل في منطقتنا، وفي جعله حقيقة واقعة ناجزة؛ فبوركتم وبوركت جهودكم وعطاؤكم المخلص والنبيل الذي نثمنه عالياً، ونعتز به اعتزازاً كبيراً وصادقاً.
والسلام عليكم رحمة الله وبركاته
كلمة الرئيس ياسر عرفات إلى القمة الثالثة للاتحاد الأفريقي 6 تموز 2004
دولة السيد الرئيس مليس زيناوي رئيس القمة الثالثة للاتحاد الإفريقي،
أصحاب الجلالة والفخامة الرؤساء والإخوة القادة في إفريقيا،
السادة والسيدات الحضور الكرام،
يسرنا بداية أن نتقدم بخالص التحية وعميق التقدير إليكم، أيها الإخوة والأصدقاء، أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة والدولة، وأنتم تعقدون مؤتمر القمة الثالثة للاتحاد الإفريقي؛ كما نتوجه كذلك بتحية خاصة لكل من فخامة السيد الرئيس جواكيم ألبرتو سيشانو، رئيس جمهورية الموزامبيق، رئيس القمة الثانية للاتحاد الإفريقي، مثمنين عالياً جهوده أثناء رئاسته لقمة الاتحاد الإفريقي؛ وكذلك لدولة السيد الرئيس مليس زيناوي رئيس وزراء جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية، رئيس القمة الحالية على كرم الضيافة وحرارة الاستقبال، مهنئينكم برئاسة قمة الاتحاد الإفريقي هذه، ومتمنين لكم ولبلدكم الصديق النجاح في مهمتكم السامية هذه؛ ولا يفوتنا كذلك أن نوجه تحية خاصة لفخامة الأخ البروفيسور ألفا عمر كوناري، المفوض العام للاتحاد الإفريقي على جهوده القيمة لخدمة قارتكم العظيمة، إعداداً وتنظيماً لإنجاح هذه القمة وإدارتها.
ونود في هذا المقام أن نعرب كذلك عن مشاركتنا لكم في قارتكم العملاقة التي تواجه في هذه المرحلة هذه التحديات الجسام، ونعلم كم تبذلون من جهود مضنية من أجل استكمال بلورة الأسس والهياكل الخاصة باتحادكم العتيد، الاتحاد الإفريقي الوليد، وندرك وأنتم تعقدون قمتكم حجم التحديات والقضايا الكبيرة المطروحة على أجندة اتحادكم، وكلها قضايا مصيرية تمس بحياة مواطنيكم، ومستوى معيشتهم، ومستقبل أقطاركم وشعوبكم، بل وقارتكم بأسرها.
إن ما تقومون به من عمل وجهد، سواء كان ذلك على المستوى الفردي أم على المستوى الجماعي لمكافحة الجهل، والفقر، والمرض، والبطالة، والجوع، والجفاف، والمشاكل المتعددة ليستحق كل التقدير، وإن هذا العمل القيم يحتاج لكي يؤتي ثماره إلى التضامن والدعم الدولي والإقليمي لإحداث انتعاش اقتصادي، وتنمية اجتماعية حقيقية في كافة دول قارة إفريقيا، هذه القارة التي أُخذ منها الكثير، ولم تحصل إلا على النزر اليسير، ومن هنا؛ فإن تضامن القوى الاقتصادية الكبرى ولا سيما دول G8، هو ضرورة ملحة لمساعدة إفريقيا على النهوض، وإصلاح اقتصادها، وخلق عوامل دفع داخلية لاقتصادياتها، وليس فقط التعامل مع هذه القارة من منظور أنها سوق استهلاكية ومصدر للموارد الخام الرخيصة؛ فإفريقيا نعم قارة غنية بمخزونها الكبير من الثروات الطبيعية، غير أن الديون التي تثقل كاهل دولها وشعوبها، تعوق فرص خلق ديناميكية اقتصادية كفيلة بتوفير الرخاء والازدهار الذي تنشدونه لشعوبكم وبلدانكم، ولذا؛ فإن ضرورة إعادة إرساء أسس الحوار بين دول الشمال والجنوب تفرض نفسها؛ كما وإن الدول الغنية مدعوة لكي تساهم في التخفيف من مديونية القارة الإفريقية ان لم نقل شطب ديونها كافة؛ إذ ليس من العدل أن تترك دول هذه القارة وشعوبها فريسة للفقر وغيرها من المعوقات التي هي سبب كل الآفات التي تعاني منها دول القارة، وإن إيجاد مثل هذه الحلول ضرورة ملحة لا تحتمل التأجيل؛ وكلنا ثقة بكم، أيها الإخوة والأصدقاء، وبحكمتكم وحنكتكم لوضع السياسات والبرامج والخطط للنهوض بدولكم وشعوبكم، والمضي بها نحو آفاق رحبة من الرخاء والتقدم والازدهار.
وإننا في فلسطين أرضاً وشعباً وقضية نقف إلى جانبكم بقلوبنا ومشاعرنا وتضامننا الأخوي الراسخ، ونتطلع إلى اليوم الذي نتمكن فيه من رد الجميل لهذه القارة، ولكافة الإخوة والأصدقاء فيها، الذين ظلوا على الدوام نعم الإخوة والأصدقاء والنصير والداعم والمؤيد لحقوق شعبنا الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وفي مقدمتها حقه في الحرية والعودة، وتقرير المصير، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وتعلمون، أيها الإخوة والأصدقاء اننا في الوقت الذي أعلنا فيه ولا نزال نعلن، وعلى الملأ عن تمسكنا بقرارات الشرعية الدولية، وجميع الاتفاقات المبرمة، وآخرها خطة خارطة الطريق الدولية، وإدانتنا دوماً لكافة أشكال العنف والإرهاب ضد المدنيين، وخاصة الإرهاب ضد المدنيين الفلسطينيين، والذين يتعرضون لإرهاب الدولة المنظم، وبالرغم من إدانتنا لكافة أشكال الإرهاب ضد المدنيين الإسرائيليين، ومن أي جهة جاءت،؛ إلا أن إسرائيل، قوة الاحتلال، لا زالت مستمرة في شن حملة التشويه والدعاية الكاذبة ضدنا في إفريقيا وفي سواها من أقطار العالم؛ في محاولة منها لذر الرماد في العيون وخداع الرأي العام العالمي حول حقيقة ممارساتها وتصعيداتها العسكرية ضد شعبنا وأرضنا واقتصادنا وحتى ضد مقدساتنا المسيحية والإسلامية، بجانب الاستمرار بجرائمها البشعة؛ في حين لا تزال إسرائيل وجيشها المحتل ومستعمروها المستوطنون وحتى هذه اللحظة، يشنون عدوانهم المتصاعد واجتياحاتهم اليومية المستمرة وحربهم الدموية الغاشمة التي أقل ما يقال فيها أنها حرب إبادة وتطهير عرقي ضد جماهير شعبنا الفلسطيني في كافة مدننا وقرانا ومخيماتنا من رفح جراد جنوباً، مروراً بخان يونس فدير البلح فغزة وبيت حانون إلى الخليل؛ وكذلك إعادة احتلال مدينة بيت لحم وتحويلها إلى منطقة عسكرية مغلقة، ورام الله ونابلس وقلقيلية وطولكرم، وسواها من التجمعات السكنية الفلسطينية، وحتى جنين جراد، حيث تمارس أبشع عمليات القتل والاغتيال والاعتقال والتنكيل والإذلال، هذا إلى جانب التدمير المنهجي لمدننا ومخيماتنا وقرانا، وتجريف الحقول والمزارع، واجتثاث الأشجار المثمرة، وتشريد عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين الآمنين من بيوتهم، وإن هذه الممارسات الإسرائيلية هي جرائم حرب ضد الإنسانية؛ إذ تمثل انتهاكاً صارخاً وفاضحاً لاتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين زمن الحرب، وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وللقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، وقرارات الشرعية الدولية، واضعة نفسها فوق هذه القوانين كافة، وغير عابئة بها، وهذا بشهادة الأمم المتحدة، وممثليها ومبعوثيها المقيمين وغير المقيمين؛ وكذلك منظمات حقوق الإنسان الدولية واليونسكو، والمنظمات غير الحكومية، ويكفي أن نشير هنا لتقرير رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في قطاع غزة، حيث يذكر فيه أن نسبة البطالة تصل إلى 50%، ونسبة الفقر84% في غزة، وأن دخل الفرد هو أقل من 2 دولار يومياً؛ ويضيف بأن الممارسات العسكرية السلبية للجيش الإسرائيلي والمستوطنين أوقعت خلال ثلاث السنوات الماضية أكثر من 4000 آلاف شهيد، و25 ألف جريح، إضافة إلى تدمير البنية التحتية في قطاع غزة، وهدم ما يقارب أربعة آلاف منزل، وتجريف آلاف الدونمات واقتلاع ما يزيد على 100 ألف شجرة، وتدمير عشرات الورش الصناعية والمصانع والبيوت البلاستيكية، أي الدفيئات الزراعية، وآبار الري وشبكات الكهرباء والمياه والهاتف، ونحن نقول إن حجم الخسائر والأرقام تفوق هذه المعطيات من بعيد بنسبة أكثر من الضعفين، إذا ما أضفنا حجم الخسائر في الضفة الغربية، وليس بخافٍ عليكم أن هذه السياسات والممارسات الإجرامية ترمي إلى تكريس وتشريع الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي البغيض لأرضنا ومقدساتنا المسيحية والإسلامية، في إطار محاولاتهم المستمرة لطرد شعبنا من وطنه فلسطين، وفق خطتهم للترانسفير، وذلك بإقامة المزيد من المستوطنات الاحتلالية، وتوسيع القائم منها ومصادرة مساحات كبيرة من أراضينا لأغراض عسكرية، ولتقطيع أوصال مناطقنا ببناء جدار الفصل والعزل العنصري، الذي يصادر 58% من مساحة الضفة الغربية، ويحاصر ويفصل القدس الشريف عن بيت لحم وبقية أراضينا، ويحكم وضع يد إسرائيل على أحواض المياه الجوفية في فلسطين، ويحول مناطقنا وأراضينا إلى جيتوات وسجون محاصرة ومغلقة، ناهيكم عن سياسة العقاب الجماعي الإجرامي الظالم، والحصار الاقتصادي الخانق، واحتجاز أموالنا من ضرائبنا والتي وصلت خلال هذه الفترة إلى مبالغ كبيرة جداً، هذا بجانب حرمان جماهير شعبنا من أبسط حقوقهم الدينية والمدنية والإنسانية، في حرية الحركة والتنقل والعمل والسفر، إضافة للمساس بمقدساتنا المسيحية والإسلامية وحرمان جماهيرنا من أداء شعائرهم الدينية فيها، وتدمير البنية التحتية والفوقية لمجتمعنا وخاصة مؤسساتنا الرسمية والشعبية بجانب مقدساتنا.
وكما تعرفون؛ فإن حكومة إسرائيل وبعد تسلمها رسائل الضمانات من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية؛ فقد استغلها شارون وأعلن عن نيته المساس بنا شخصياً؛ كما وأعلن أن خارطة الطريق التي وضعتها اللجنة الرباعية الدولية ووضع عليها 14 تحفظاً، وأعتبر أن اتفاق اوسلو وعملية السلام قد ماتت، في حين أننا قبلناها من طرفنا وتعاملنا معها كرزمة واحدة، وقد شاهدتم كما شاهد العالم بأسره شروع حكومة إسرائيل في تنفيذ مخططها الرامي إلى تدمير نصف مدينة رفـح والاستمرار في تصعيد العدوان، وإعادة احتلالهم لمناطق واسعة في غزة والضفة، وخاصة مدينة بيت لحم، وبيت حانون، وبيت لاهيا، وإن ما يزعمونه عن خطتهم ونيتهم للانسحاب الوهمي من قطاع غزة، ما هو إلا محاولة تهدف للتهرب من السلام واستحقاقاته، وفرض وقائع جديدة على الأرض، تجعل تحقيق إقامة الدولة الفلسطينية، الذي هو أمر شرعي وواقعي جداً، هدفاً بعيد المنال، وخاصة بإصرارهم على السيطرة الجوية والبحرية والبرية بما فيها المعابر الدولية.
وفي ظل هذا الوضع المأساوي الذي نعيشه وشعبنا؛ فإننا نهيب بكم، العمل والتحرك الفاعل، سواء كان ذلك على المستوى الفردي لدولكم، أو على المستوى الجماعي لاتحادكم الإفريقي الموقر، لدى الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والقوى الدولية الفاعلة والمؤثرة، لإلزام إسرائيل، قوة الاحتلال، وحملها على احترام وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية 242، 338، 252، 425، 1397، 1515، 1544، 194، إضافة للقرار 58/292 الذي رفض السيادة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشريف الشرقية؛ وكذلك لتطبيق خطة خارطة الطريق المقدمة من اللجنة الرباعية تطبيقاً دقيقاً وأميناً، وتحت إشراف ومراقبة دولية، ووفق جدول زمني محدد يؤدي لانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين إلى حدود 4/6/1967، وتفكيك المستعمرات الاحتلالية، وإزالة ووقف بناء جدار الفصل والعزل العنصري، حتى يتسنى لنا تحقيق السلام العادل والدائم والشامل، سلام الشجعان، الذي نؤمن به، ووقعناه مع شريكي الراحل اسحق رابين، الذي اغتالته هذه القوى المتطرفة الحاكمة في إسرائيل، هذا السلام الذي ورغم كل المعوقات فإننا نعمل بكل تفان وإخلاص لجعله حقيقة واقعة في فلسطين من أجل أطفالهم وأطفالنا، وعلى نحو يضمن الأمن والاستقرار للجميع في المنطقة، بما في ذلك الإسرائيليين، ويكفل لشعبنا الفلسطيني العيش بكرامة وحرية وسيادة في وطنه فلسطين، وبعاصمته القدس الشريف الشرقية.
ختاماً، نجدد لكم التحية وعميق التقدير، ونتمنى لقمتكم المبجلة تحقيق جلّ ما تصبون إليه من أهداف وتطلعات سامية، والخروج بالتوصيات والقرارات التي تنشدونها لتعزيز الوحدة والتكامل بين أقطاركم، مجددين لكم، أيها الإخوة والأصدقاء، أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة، والدولة والسعادة، التعبير عن أطيب تمنياتنا وشكرنا الجزيل لكل ما تقدمونه لشعبنا وقضيتنا، ونتمنى لكم جميعاً، ولشعوبكم وبلدانكم الشقيقة والصديقة اضطراد الرخاء والتقدم؛ كما ونكرر كذلك للأمانة العامة لمؤتمركم وطواقمها الفنية، ومن خلال شخص المفوض العام لاتحادكم العتيد، الاتحاد الإفريقي، فخامة الأخ البروفيسور ألفا عمر كوناري، شكرنا لهم، بجانب تقديرنا لجهودهم في سبيل انعقاد هذه القمة وتنظيمها وإنجاح أعمالها.
كلمة الرئيس ياسر عرفات أمام المجلس الثوري لحركة “فتح” 26 شباط 2004
الأخ حمدان عاشور أمين سر المجلس الثوري
الأخوات والإخوة أعضاء المجلس
بسم الله الرحمن الرحيم
“إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ”
يجتمع المجلس الثوري لحركتنا “فتح” اليوم وحركتكم الرائدة حركة “فتح” وحركة شعبنا الفلسطيني الصامد المرابط والقابض على الجمر وكل قوى وفصائل الشعب الفلسطيني، نواجه جميعاً تحديات ضخمة وغير مسبوقة في محاولة من حكومة إسرائيل لإجهاض كفاحنا ونضالنا الوطني التحرري وعبثاً يفعلون ولمنع شعبنا من نيل استقلاله الوطني في دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف في أرض فلسطين الحرة المباركة، ولا بد لهذا الاجتماع الهام والأساسي لمجلسنا الثوري أن يرسم البرنامج وأن يحدد الطريق السليم للوصول إلى هدفنا في الاستقلال والحرية.
واسمحوا لي بحكم موقعي ومسؤولياتي في حركتنا “فتح” وفي منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا الفلسطيني وفي رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية وكرئيس لدولة فلسطين، أن أضع أمامكم القضايا والمواقف التي تتطلب من مجلسنا الثوري الحوار المعمق والقرارات الصائبة سياسياً وتنظيمياً وأمنياً ووطنياً وقومياً، لتعزيز قدرة “فتح” وقدرة الشعب الفلسطيني على مواجهة تحديات الاحتلال والاستيطان وجدار الضم والتوسع والحصار الظالم والعقوبات الجماعية المفروضة على الشعب الفلسطيني وقيادته وعلى “فتح” التي قال عنها الرئيس البطل المرحوم عبد الناصر بعد معركة الكرامة: وجدت لتبقى، ووجدت لتنتصر.
أولاً: على الصعيد السياسي وعملية السلام.
إن حركة “فتح” قد شقت الطريق أمام الحل السياسي بيننا وبين الإسرائيليين وسارت دون تردد في عملية السلام الشاقة والطويلة وانطلاقاً من قرارات المجلس الوطني الفلسطيني سنة 1988 في الجزائر، ولم تتردد حركتكم “فتح” في اتخاذ القرارات المصيرية التي عززت مكانة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد على الصعيد الوطني والعربي والدولي ولا أخفيكم أيتها الأخوات أيها الإخوة، أن مسيرة السلام لم تكن سهلة ولم تكن بسيطة، بل كانت في غاية الصعوبة والتعقيد خاصة بعد اغتيال شريكنا الراحل يتسحاق رابين على يد المتطرفين الإسرائيليين، وفي الواقع دخلت عملية السلام في نفق مظلم وممتد بعد ذلك ولكننا حافظنا على رؤيتنا الصحيحة للسلام ليخدم شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية والمنطقة كلها على أساس المبادرة السعودية التي تبنتها القمة العربية في بيروت، فالسلام مصلحة أكيدة للشعب الفلسطيني، كما الأمن والسلام مصلحة أكيدة للشعب الإسرائيلي، وخاصة لقوى السلام “وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ”، ورأيتم كيف في لاهاي حاخامات وقوى سلام وقفت وسارت في القدس كذلك وفي غيرها جنباً إلى جنب معكم ضد ما يحدث ضد الشعب الفلسطيني. وللمنطقة كلها طبقاً لقرارات الشرعية الدولية، وخاصة 242، 338، 425، 1397، 1515، 194 وغيرها، إن موقفنا السياسي ينبع من مصلحة شعبنا ومن إدراك عميق للمعطيات والمتغيرات التي تؤثر بدورها في وضعنا الفلسطيني ووضعنا العربي ووضع العالم العربي كله وفي عملية السلام في المنطقة كلها.
ومن هنا تمسكنا ونعلن اليوم أمام مجلسنا الثوري أن حركة “فتح” تتمسك بخيار السلام العادل والدائم والشامل وبالمفاوضات وبكافة قرارات الشرعية الدولية وآخرها خارطة الطريق التي تمثل اليوم الشرعية الدولية بمختلف قواها الفاعلة، كما وافق عليها طبقاً للمبادرة الروسية الآن في مجلس الأمن الدولي.
نعم، هناك أصوات تقول عكس ما نقول لكن تجربتنا النضالية والتاريخية الطويلة تلزمنا ألا نكون محكومين بردود الفعل التي تصدر نتيجة الجرائم الإسرائيلية اليومية والحصار والقتل والتدمير لبنيتنا التحتية كلها وحجز أموالنا الجمركية والضرائبية منذ 42 شهراً الماضية وإلى جانب 28 مليار شيكل حقوق عمالنا. وهذه الجرائم التي ترتكبها حكومة إسرائيل الحالية والتي كانت قبلها كما تعرفون الاتفاق السري بين باراك وشارون بما فيها هذا الجدار العنصري الذي يلتهم 58% من أرضنا وفي زيادة الآن من الحدود المصرية الفلسطينية وشمال منطقة بيت لاهيا، ويعزل حوله القدس عن بيت لحم وعن الضفة كلها بجانب الاستيطان الخطر ضد شعبنا الفلسطيني الصامد المرابط، إن علينا أن نحسن رؤية الواقع السياسي المحلي والإقليمي والدولي وبالتالي نعلن للعالم أن خيار السلام هو خيار شعبنا الفلسطيني وإننا ملتزمون بخريطة الطريق وندعو إلى تطبيقها بحذافيرها كما تعرفون لا زالت إسرائيل وآخرها في خطاب هرتسليا من شارون 14 تحفظاً على خارطة الطريق، وبشكل متزامن ومتوازن بما يحقق هدفنا الوطني في إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وإيجاد الحل العادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفق القرار 194، وإطلاق سراح أسرانا ومعتقلينا الأبطال من السجون والمعتقلات الإسرائيلية، وهنا نؤكد أن الأمن ليس فقط مطلباً إسرائيلياً بل هو مطلب فلسطيني وعربي ودولي وإنني أدعو الجانب الإسرائيلي واللجنة الرباعية بسرعة لإرسال المراقبين أو القوات الدولية للإشراف الدولي على الانسحاب الإسرائيلي إلى خطوط 28 أيلول 2000 كنقطة بداية، وإن أجهزتنا الأمنية مستعدة لتسلم مسؤولياتها كاملة والالتزام الدقيق بالاتفاقات التي سبق ووقعنا عليها مع الجانب الإسرائيلي وبالحضور الدولي والرباعي والعربي.
وفي هذا السياق لقد أعلنا دائمًا أننا ضد الأعمال التي تستهدف المدنيين سواء كانوا إسرائيليين أو فلسطينيين. وهنا أؤكد رفضنا وإدانتنا لكل العمليات التي استهدفت المدنيين الإسرائيليين.
ثانياً: على صعيد الوحدة الوطنية.
إن حركة “فتح” قد تمسكت على الدوام بالوحدة الوطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهذه الوحدة الوطنية أثبتت على الدوام أنها أقوى سلاح بيد شعبنا لمواجهة مخططات العدوان والاحتلال الإسرائيلي، واليوم صار لزاماً علينا تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وتوسيع إطارها ليشمل كافة القوى الفلسطينية في الوطن وفي الشتات كما فعلنا دائمًا في الماضي ونفعله الآن، ومن هنا أوجه الدعوة لكل القوى للدخول في منظمة التحرير الفلسطينية؛ لأن بقاء أية قوة خارج المنظمة إنما يشتت الجهد ويعطي الذريعة لكل من في نفسه مرض ليتذرع بعدم وجود الوحدة أو ليصطاد في الماء العكر وأنتم تعرفون ماذا أعني، إن حركة “فتح” تريد وحدة وطنية شاملة ولا اعتراض على أية قوة فلسطينية ولا نضع فيتو على أحد، ولكننا لا نقبل بالتشرذم، والاجتهادات الخاصة والممارسات الخاطئة والمتداخلة هنا وهناك التي لا تخدم قضيتنا.
وهنا أدعو إلى تشكيل لجنة من حركة “فتح” للاتصال الفوري والعاجل بكل القوى الفلسطينية لتوحيد الصف والهدف والممارسة كما تعرفون فإنني أصر منذ فترة طويلة على اجتماع مشترك للجنة التنفيذية ولكل القوى الفلسطينية ونرحب بكل قوة فلسطينية لا زالت خارج هذا الإطار، فنحن في سفينة واحدة وليس من حق أحد سواء نحن أو غيرنا أن يوجه السفينة في غير اتجاه المصلحة الوطنية والقومية لشعبنا ولأمتنا العربية في هذا الوقت العصيب الذي يواجه منطقتنا كلها، إن الإجماع الوطني يتركز اليوم على الانسحاب الإسرائيلي الكامل من أرضنا لهذا "جيش احتلال والمستوطنين" ولإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، في الضفة وغزة والقدس الشريف تطبيقاً لقرارات المجلسين الوطني والمركزي ووثيقة إعلان الاستقلال الوطني. أدعو الجميع إلى الوحدة والتلاحم ورص الصفوف فمصلحة شعبنا فوق كل الاعتبارات الحركية والحزبية والتنظيمية مهما كانت أهميتها وصحتها.
ثالثاً: على الصعيد الداخلي والتنظيمي في حركتنا فتح.
إن حركتنا “فتح” بحاجة إلى تجديد مستمر وكامل على كافة المستويات، كما هو عادتنا وطرقنا التي سرنا بها منذ البداية وحتى الآن، وبعد هذا الكفاح الطويل الذي نخوضه سوياً من أجل أن ينتصر الحق الفلسطيني وتنتهي إلى الأبد معاناة شعبنا.
أريد أن أقول لكم فقط من الذاكرة: كان المفروض أن ننطلق في عام 64 ولكن انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني الأول في القدس، أخذنا القرار فوراً تأجيل الانطلاقة العسكرية أمام هذا الظلم التاريخي الذي يواجهنا من هذا الاحتلال العنصري الظالم ومع ذلك أخذنا القرار بالتأجيل هذا فقط مثل من الأمثلة لا أكثر.
إن حركة “فتح” عبر تاريخها الطويل تمثل ظاهرة وطنية رائعة وهي من أعرق وأطول وأصلب حركات التحرر في العالم أجمع وليس من قبيل الصدف في 73 تسلمنا علم التحرير الثوري العالمي في برلين إذا لا زلتم تذكرون من فيتنام، ونحن في رباط إلى يوم الدين، ولقد استطاعت أن تقود النضال وتحقق الأهداف في أصعب الظروف وأحلكها، وإن تضامن ووحدة “فتح” وصلابتها هي أهم ما نحرص عليه في هذه الظروف حيث تشتد الحاجة إلى التجديد والتغيير وضخ دماء جديده أصيلة في القيادة من اللجنة المركزية وحتى أصغر خلية تنظيمية أو عسكرية.
واسمحوا لي هنا أن أكون صادقاً وواضحاً معكم في هذه الأمور وأقول من واقع تجربة “فتح” عبر عشرات السنين: حافظوا على الوحدة بين صفوفكم، وإن اختلفت الآراء والاجتهادات وحافظوا على كوادركم ومناضليكم، رغم تعدد الاجتهادات وتباين الآراء؛ فليس بين أبناء “فتح” تناقضات خطيرة والحمد لله يصعب حلها، والتعارضات التي تحصل هنا وهناك أمور طبيعية في كل الثورات في العالم بل في كل الدول والشعوب من المفروض علينا جميعاً أن نجد لها الحل دائمًا وباستمرار، وفي كل الظروف والأوقات والمواقع والمسؤوليات، وكلكم أبناء “فتح” وكلكم مناضلون أشداء من أجل أسمى وأنبل وأقدس قضية لشعبكم ولأمتكم ولجميع الأحرار والشرفاء في العالم وهي استعادة أرضه وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وحماية مقدساتنا المسيحية والإسلامية في هذه الأرض المباركة أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين مسرى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومهد ورفعة سيدنا المسيح عليه السلام، وحول كافة هذه القضايا والتنظيمية منها وتجديد المواقع والأطر فإنني لا أضع أمامكم حلاً جاهزاً بل أترك لكم وأنتم كمجلس ثوري أعلى هيئة في غياب المؤتمر العام، أن تشكلوا لجنة عمل تعمل مع اللجنة المركزية تقدم الدراسات والقرارات التي يقبلها الجميع والتي تحمي وحدتنا وتعززها وأرى أن علينا منذ الآن أن نشكل لجنة تحضيرية للمؤتمر العام السادس لحركتكم “فتح” والتي عليها مسؤوليات كبيره ولنضع لعقد المؤتمر سقفاً زمنياً معروف أن هذا ليس سهلاً ونأمل أن تكون الظروف مواتية لعقده في أسرع ما يمكن.
وحتى تقدم “فتح” إنجازها الديموقراطي الأهم للشعب الفلسطيني وهي ديموقراطية حركة فتح، لا بد أن تعلموا انه حتى تنجح الديموقراطية الفلسطينية والتعددية السياسية، فإن على “فتح” أن تشق الطريق الديموقراطي باعتماد بنائها على الأساس الديمقراطي وليس على أي أساس أخر، إن تجربتنا التنظيمية بحاجة دائمة إلى مراجعة شاملة كما تعودنا في جميع الظروف والأوقات الحرجة والصعبة التي مررنا بها ولا تزال، بما في ذلك أهمية ضم إخوة لمجلسنا الثوري هذا والمزيد المزيد من توضيح برنامجنا السياسي للقواعد والكوادر ولجماهير الشعب الفلسطيني ولأمتنا العربية ولجميع الأصدقاء والشرفاء في العالم أجمع.
قد أكون أيتها الأخوات أيها الإخوة قد أغفلت كثيراً من بعض القضايا التي تهمكم وتهم الشعب الفلسطيني، وأرحب بكل ما يمكن أن يقدم من اقتراحات من هنا أو هناك، ولكنني أختم كلمتي هذه بهذا النداء للأسرة الدولية والإخوة العرب وللجانب الإسرائيلي على السواء، نحن مع السلام سلام الشجعان ومع الشرعية الدولية وقراراتها ومع خريطة الطريق، وندعو حكومة إسرائيل إلى وقف عدوانها وتصعيداتها العسكرية الإجرامية المتواصلة وحصارها وجرائمها ضد شعبنا وضد مقدساتنا والموافقة على وقف إطلاق النار دون قيد أو شرط ونعلن التزامنا الكامل بالأمن وباتفاقات الأمن بيننا وبين الإسرائيليين على أساس التبادل والتزامن في تنفيذ الاتفاقات، أشكركم وأدعو لمجلسنا الثوري هذا بالتوفيق في هذه الظروف المصيرية لشعبنا ولأمتنا ولكل العالم.
بسم الله الرحمن الرحيم
“إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ* وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً” صدق الله العظيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلمة الرئيس ياسر عرفات في الذكرى الـ 56 للنكبة 15 أيار 2004
بسم الله الرحمن الرحيم
“وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ”
صدق الله العظيم
بسم الله الرحمن الرحيم
“ونرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ”
صدق الله العظيم
يا أهلنا الصامدون المرابطون في ربوع الوطن ومخيمات المنفى والشتات،
يا أهلنا اللاجئون النازحون الذين شردوا من وطنهم فلسطين بغير حق،
اليوم هو يوم النكبة، يوم الخامس عشر من أيار، اليوم الذي شرد فيه هذا الشعب الفلسطيني بقوة سلاح العدوان والمجازر بموازاة مسلسل التآمر والتواطؤ والتخاذل والوعود الكاذبة، وكذلك ضرب قرارات الشرعية الدولية ولتنفيذ قرارات المؤتمر الصهيوني في بازل سنة 1897 ضد شعبنا وأرضنا ومقدساتنا المسيحية والإسلامية. ولا بد لشعبنا الفلسطيني الذي يرزح تحت هذا الاحتلال والمشرد في وطنه واللاجئ والمشرد خارج وطنه أن يعرف كيف ولماذا وقعت النكبة.
وفي هذا اليوم، اليوم الأسود الذي شكل منعطفاً حاسماً وخطيراً بكل نتائجه وأبعاده الأليمة والخطيرة على شعبنا الفلسطيني شعب الجبارين وعلى المنطقة العربية كلها وتأثيراتها على العالم أجمع منذ سايس بيكو ولكن شعبنا الفلسطيني ظل ولا زال يخوض هذا الصراع الطويل والمرير والمليء بالتضحيات الجسام فوق هذه الأرض، أرض الرباط المباركة، ودفاعاً عنها وعن مقدساتها وفي الخندق الأول دفاعاً عن أمتنا العربية حتى لا تضيع فلسطين أرضنا وأرض الآباء والأجداد، والمباركة للعالمين؛ والتي ظل هذا الشعب الفلسطيني الصابر والعريق والأصيل يدافع ويناضل مقدماً التضحيات الجسام من أجل حريته وأرضه ومقدساته وهم في رباط إلى يوم الدين.
نعم تعرض شعبنا لهذه النكبة الكبرى التي صنعتها وشاركت فيها قوى دولية واستعمارية وصهيونية، وتوهمت هذه القوى أن القوة والبطش والمجازر والتآمر والتواطؤ والتخاذل والعدوان يمكنها أن تعطي من لا يستحق ما لا يملك لمن لا يملك؛ ولكن خاب فألهم، ورد شعبنا بعون الله ومشيئته كيدهم إلى نحورهم؛ فالشعب الفلسطيني لم يمت وسيبقى صامداً هذا الصمود البطولي الأسطوري؛ فسرعان ما تحولت هذه الأرض المقدسة وكذلك مخيماته في اللجوء والشتات إلى معاقل للفداء والتضحية والصمود والثورة لتعلن للعالم أن فلسطين هي وطن الشعب الفلسطيني الذي لا وطن له سواه، وأن هذا الشعب لن يرضى بديلاً عن وطنه طال الزمن أم قصر لأن هذه الأرض أرض فلسطين أرض الآباء والأجداد. وانطلقت قضية فلسطين تعود إلى الحياة بسواعد أبنائها المجاهدين الذين مزقوا عار النكبة والهزيمة وفرضوا قضيتهم الفلسطينية على الأسرة الدولية كلها وعلى العدو قبل الصديق. ويومها- كما تذكرون- وقف الزعيم العربي الخالد جمال عبد الناصر ليقول للعالم: "إن هذه الحركة الفلسطينية وجدت لتبقى ووجدت لتنتصر"؛ لأننا أصحاب حق أكيد في هذه الأرض عبر التاريخ.
نعم يا إخوتي، نعم يا أحبتي
وكانت الانطلاقة الثورية الفدائية وكان البلاغ الأول في الفاتح من يناير عام 65 رسالة واضحة إلى العالم أجمع، قال فيها شعبنا: إن النكبة التي أصابت شعبنا وشردت ملايين الفلسطينيين ليست قدراً لا يمكن مقاومته. نعم كان هذا الهدير الثوري هو صوت الشعب الفلسطيني وصوت لاجئيه الفلسطينيين الذين رفضوا النكبة، ورفضوا اللجوء القسري، وأصروا على مواصلة الدفاع عن هذا الوطن ومقدساته، إيماناً منهم بعدالة قضيتهم وللعودة إلى هذا الوطن؛ فلا شيء عند الفلسطيني أغلى من وطنه المبارك ومقدساته المسيحية والإسلامية فيه. وعبثاً حاولوا حرف المسيرة، وعبثاً حاولوا القضاء عليها بالتآمر والتواطؤ والطعن في الظهر؛ ولكن إرادة شعبنا من إرادة الله العلي القدير. نعم واستمرت المسيرة الظافرة بكل صلابة دون توقف ودون تردد ودون خوف أو وجل، وحتى بعونه تعالى يرفع شبل من أشبالنا وزهرة من زهراتنا علمنا الفلسطيني فوق أسوار القدس وكنائس القدس ومآذن القدس الشريف. "يرونها بعيدة ونراها قريبة وإن الصادقون".
بسم الله الرحمن الرحيم
“ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا”
صدق الله العظيم
يا أهلنا ويا أحبتنا الصامدين في الوطن وفي المخيمات.
واليوم بعد مرور 56 عاماً على النكبة ها هو الشعب الفلسطيني شعب الجبارين يبرهن على أن فلسطين ليست أرضاً بلا شعب؛ بل إن شعبها البطل اليوم هو حديث العالم لشجاعته وروعة عطائه وصموده وبسالة أبنائه وبسالة بناته في وجه هذه القوة العسكرية الإسرائيلية العدوانية الاحتلالية التي تحاول عبثاً وبلا طائل الوقوف في وجه حركة التاريخ التي هي حركة الشعب الفلسطيني ضد الظلم التاريخي الذي أصاب شعبنا دون وجه حق.
ونقول لأهلنا من قلب هذا الأتون المشتعل في فلسطين ومن أجل فلسطين وشعب فلسطين ولاجئيه الفلسطينيين الذين ليس لهم وطن سواه، نقول لأهلنا: إن فلسطين تنهض؛ لأن فلسطين وأهلها هم الحتمية التاريخية والدينية لهذه الأمة المباركة والتي تبدعها السواعد الفلسطينية كل يوم على أرض فلسطين؛ فلا مكان للاحتلال في أرضنا ولا للاستيطان الإسرائيلي وجدارهم العنصري في ربوعنا وأرضنا. إن هذا زائل لا محالة بقوة صمودكم وإيمانكم، وإن حق العودة للاجئين إلى وطنهم فلسطين حق مقدس تحميه وتؤكده الشرعية الدولية وتكافح عنه سواعد أبطال فلسطين الصامدين في وجه الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي، ليس فقط ضد هذا السرطان الإسرائيلي. ونكافح ضد هذا العدوان بسواعد الفلسطينيين وضد جدار الضم والتوسع العنصري، ودفاعاً عن مقدساتنا المسيحية والإسلامية. والذين هم في هذا الرباط المقدس إلى يوم الدين.
أيها اللاجئون في مخيمات الصمود.
ليس من حق أحد في هذا العالم أن يتنازل عن حق لاجئينا الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم، ولن تستطيع حكومة إسرائيل أن تعفي نفسها من المسؤولة الأخلاقية والسياسية والدولية وقراراتها عن هذه المأساة التي أصابت اللاجئين الفلسطينيين.
إن قضية اللاجئين هي قضية الشعب والأرض، وقضية الوطن وقضية المصير القومي كله؛ فلا تفريط ولا تنازل ولا مساومة ولا توطين؛ بل حق مقدس لكل لاجئ فلسطيني في العودة إلى وطنه فلسطين، تطبيقاً لقرارات الشرعية الدولية، وفي مقدمتها القرار الخاص بعودة اللاجئين رقم 194. وإننا نؤكد هنا التزامنا القوي لإقامة السلام العادل والدائم والشامل (سلام الشجعان) على هذه الأرض المقدسة وفي المنطقة كلها؛ وطبقاً لقرارات الشرعية الدولية، ومن أجل مصلحة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، نعم الفلسطيني والإسرائيلي، وفي جيرة طيبة واحترام متبادل، ومن أجل مستقبل زاهر لأطفالنا وأطفالهم. وأقول للشعب الإسرائيلي وقوى السلام فيه: بأن يدنا ممدودة إليهم لصناعة سلام الشجعان في هذه الأرض.
أيها الصامدون في مخيمات الشتات واللجوء.
من قلب هذا الأتون المشتعل في فلسطين في مواجه هذا الظلم والعدوان والاحتلال والاستيطان والغطرسة الإسرائيلية أحييكم يا أحبائي يا أبناء فلسطين في الوطن وفي الشتات والمنفى واللجوء القسري وأقول لكم: فلسطين وطنكم طال الزمن أم قصر، فالصمود الصمود الأسطوري، والمثابرة المثابرة الجادة، والوحدة الوحدة الأصيلة، والصبر الصبر القوي الأمين؛ فنحن أصحاب الأرض والتاريخ والوطن والحق. وما ضاع حق وراءه مطالب. إنها حياتنا وتاريخنا ومستقبلنا الذي نبنيه بسواعد رجالنا وسواعد نسائنا، فالعهد هو العهد، والقسم هو القسم، وإنا لصادقون.
أيها الصامدون في الوطن وفي مخيمات وفي الشتات
إن حرب الإبادة الشاملة والتدمير والقتل والتهجير القسري الواسع والمتواصل التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي من رفح غراد إلى جنين غراد وما بينهما، وخاصة في حي الزيتون والأحياء الأخرى في غزة وبيت حانون وخان يونس ودير البلح ونابلس والخليل وطولكرم وقلقيلية وأريحا وبيت لحم، التي أعادوا أخيراً احتلالها وجعلوها منطقة عسكرية مغلقة- كل هذا لا يثني شعبنا عن مواصلة صموده الذي لا يلين، وعن عطائه المنقطع النظير في وجه هذه الغطرسة العسكرية الإسرائيلية في هذا الزمن، زمن التحدي؛ وسيبقى شعبنا مرابطاً متلاحماً معتزاً كل الاعتزاز بهذه الوحدة الوطنية الرائعة التي تتجسد أمام هذه الهجمة العدوانية الإسرائيلية.
ولا بد لنا هنا أن نستذكر الأكرمين منا جميعاً، شهداء الحرية وشهداءنا الأبرار، ونحيي أبطالنا الجرحى متمنين لهم الشفاء العاجل جميعاً، نعم الشفاء العاجل. وشعبنا سيبقى أمام هذا التحدي مترابطاً ومتلاحماً ومعتزاً كل الاعتزاز بهذه الوحدة الوطنية الرائعة التي تتجسد أمام هذه الهجمة العدوانية الإسرائيلية، للعودة إلى مواقعهم. ونزجي بكل التحية والتقدير إلى إخوتنا الأسرى والأسيرات الأبطال في السجون والمعتقلات، ونقول لهم: إن الفجر آت آت آت.
بسم الله الرحمن الرحيم
“وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ “
صدق الله العظيم
بسم الله الرحمن الرحيم
“وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ”
صدق الله العظيم
وحتى إقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف بعونه تعالى.
شاء من شاء وأبى من أبى
وما النصر إلا صبر ساعة
ويا جبل ما يهزك ريح
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ومعاً وسوياً وجنباً إلى جنب حتى القدس الشريف