خطابات الرئيس الراحل ياسر عرفات، 2002

كلمة الرئيس ياسر عرفات ألقيت نيابة عنه في احتفال الأمم المتحدة باليوم العالمي للتضامن مع شعبنا

 29 تشرين الثاني 2002

صاحب السعادة السفير بابا لويس فول،

رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف

صاحب السعادة رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة،

صاحب السعادة السيد كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة،

صاحب السعادة رئيس مجلس الأمن للأمم المتحدة،

 

نحييكم جميعًا، ونحن نحتفل اليوم، ومعنا كل محبي وأنصار الحرية والعدالة والسلام والإنسانية في العالم باليوم العالمي للتضامن مع شعبنا الفلسطيني الذي أقر في 29-نوفمبر-1977م، من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، واعتبر يوما عالميا للتضامن مع النضال العادل لشعبنا، تعبيراً وتجسيداً لعدالة قضية ونضال شعبنا التحرري، وحقه المقدس والمشروع في نيل الحرية والاستقلال، ورفضًا للظلم والقهر والمعاناة التي يمثلها الاحتلال الإسرائيلي، والذي ما زال يحرم شعبنا من استعادة وممارسة حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف التي أكدتها الشرعية الدولية في قراراتها العديدة.

ويأتي الاحتفال بهذا اليوم التضامني هذا العام والشعب الفلسطيني يعيش ظروفاً صعبة ومأساوية غير مسبوقة. فمنذ 28/9/2000 (26 شهرا) أعادت إسرائيل احتلال معظم أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية، إلى جانب إلغاء الاتفاقات وعدم تنفيذ التفاهمات، وأصبحت مناطقنا باندوستانات إذلالية منفصلة عن بعضها البعض؛ وبناء السور الواقي الذي صادر من منطقة واحدة 83000 دونم من أخصب مناطقنا الزراعية؛ بالإضافة لحائط برلين الجديد حول القدس، ومنع الفلسطينيين في الضفة وغزة من الذهاب للصلاة في أماكنهم المقدسة المسيحية والإسلامية. واستخدمت، وما تزال تستخدم مختلف أسلحة ترسانتها، بما فيها المحرمة دولياً؛ في محاولة لقهر إرادة شعبنا، ولمحاولة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وتدمير ونسف وتخريب البنية التحتية الكاملة لشعبنا في مدننا وقرانا ومخيماتنا ومناطقنا كلها، وتحويلها إلى كانتونات محاصرة تماماً، وتصعيد عسكري بكل أنواع الأسلحة والدبابات والطائرات والمجنزرات والبوارج براً وجواً وبحراً؛ والهدف تدمير جميع فرص التوصل إلى السلام (سلام الشجعان) الذي وقعناه مع شريكنا الراحل يتسحاق رابين الذي اغتالته هذه القوى المتطرفة في إسرائيل.

إن هذا الاحتلال الذي تخضع له مدننا وقرانا ومخيماتنا، والمترافق بعمليات التوغل والقصف والاغتيالات والتدمير والهدم، وارتكاب المذابح بحق المدنيين ومجزرة جنين ورفح ونابلس وطولكرم وخان يونس والخليل وغزة وقلقيلية، أدى إلى إحداث دمار شامل للبنية التحتية التي ساعدتنا دول العالم، لإعادة بنائها خلال السنوات الماضية، وإلى شل مختلف مناحي الحياة عبر إلحاق الدمار بالمرافق المختلفة الشعبية والرسمية، وتعطيل عمل مؤسسات السلطة المدنية والأمنية والحياتية، بما فيها الطبية والاجتماعية والإنسانية والاقتصادية وغيرها، وآخرها إعادة احتلال والسيطرة على بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور.

إن هذا الاحتلال الجديد خلق (كما أشارت لذلك مختلف الهيئات الدولية) وضعاً إنسانيا بالغ الخطورة نتيجة تدمير الاقتصاد الفلسطيني وزيادة معدلات الفقر والبطالة إلى نسب مرتفعة خطرة وصلت في قطاع غزة إلى 70%من السكان، وإلى حوالي 55% من السكان في الضفة الغربية، وخاصة استمرار إسرائيل بعدم دفع أموالنا التي تحتجزها من ضرائبنا منذ أكثر من 27 شهراً؛ ووصل الأمر إلى حد تعطيل عمل المؤسسات الإنسانية الدولية وإطلاق النار على أفرادها، والتي ذهب ضحيتها أحد العاملين في وكالة الغوث الدولية وإصابة عاملة أخرى في الأسبوع الماضي؛ وكذلك عدداً آخر من الصحفيين وممثلي الهيئات الطبية والدولية.

 

إن هذه الحرب المسعورة المستمرة منذ أكثر من سنتين، يجب أن تدفع المجتمع الدولي للتحرك إلى ما هو أبعد من بيانات الشجب والأسف والتنديد، وللانتقال إلى مرحلة ممارسة الضغط الفعال على الحكومة الإسرائيلية، لوقف عدوانها وإنهاء احتلالها، وللعودة إلى طاولة المفاوضات من أجل تنفيذ قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة التي يجب أن تحترم وتطبق في كل مكان في العالم بشكل متماثل. ومن المؤسف أن إصرار الحكومة الإسرائيلية على إفشال جميع جهود التهدئة وعرقلة وإعادة إطلاق عملية السلام، لم يقابل بما يستحق من موقف حازم لفرض احترام قرارات الشرعية الدولية التي لم تحترمها إسرائيل على الإطلاق؛ مما يستدعي وجود ضمانات لتنفيذ الاتفاقات.

إن المعادلة لحل وإنهاء الصراع أصبحت واضحة للجميع، خاصة للأطراف والقوى المعنية بنجاح السلام في منطقتنا؛ فتحقيق وبناء سلام الشجعان في منطقتنا، وإيجاد حل نهائي عادل ومقبول للصراع الدائر فيها لإنهاء الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي (وهو غير الشرعي بمختلف أوجهه ومعاييره) في الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، بما فيها القدس الشريف (الشرقية)، وحل قضية اللاجئين حلاً عادلاً وفق قرارات الشرعية الدولية- وعندها يمكن فقط أن يتحقق الأمن والاستقرار لكافة الشعوب والدول، والعيش في إطار من حسن الجوار والاحترام المتبادل، وأن يتمكن شعبنا الفلسطيني من تجسيد استقلاله وسيادته الوطنية وإقامة دولته المستقلة على أرض وطنه فلسطين طبقاً لقرارات الشرعية الدولية وأخرها القرار 1435 والذي تتهرب إسرائيل من تنفيذه، والاتفاقيات الموقعة، وخاصةً جهود واقتراحات اللجنة الرباعية (أمريكا وروسيا وأوروبا والأمم المتحدة) جنباً إلى جنب مع مبادرة السلام التي أعلنها سمو ولي العهد السعودي الأمير عبد الله، وتبنتها القمة العربية بالإجماع في مؤتمر القمة في بيروت، وجهود الصين واليابان ودول عدم الانحياز، ودول أمريكا اللاتينية والأفريقية والإسلامية.

إننا، إذ نجدد تأكيد تمسكنا بطريق السلام كخيار استراتيجي، وتمسكنا نحن شعب فلسطين مع جميع شعوب أمتنا العربية بما صدر عن مؤتمرات القمم العربية، وآخرها قرارات قمة بيروت في آذار – مارس الماضي، وما شكلته هذه القرارات من فتح لآفاق مستقبل من السلام والتعايش وحسن الجوار بين جميع دول منطقتنا، منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك دولة فلسطين المستقلة؛ حيث أصبحت قرارات القمة العربية هذه؛ إضافة إلى قرارات مجلس الأمن الأخيرة الصادرة هذا العام وما سبقها من قرارات تشكل مع التوجهات والرؤية الأمريكية


(كما عبر عنها خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش في حزيران الماضي)؛ وكذلك المبادرة الأوروبية، وما لحق ذلك من تصورات إيجابية وعملية عبر ما صدر عن اللجنة الرباعية، كل هذا يشكل باباً واسعاً ويفتح أفقاً لسلام شامل وعادل ودائم في منطقتنا، يتوجب على إسرائيل التعامل معها بجدية وإيجابية، على غرار ما تعاملت وتتعامل معها منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية. ومع إصرارنا على نيل حقوقنا الوطنية غير القابلة للتصرف؛ فإننا ندعو المجتمع الدولي للتدخل الفوري لوقف العدوان والاحتلال الإسرائيلي، وتمكين السلطة الوطنية الفلسطينية من ممارسة أعمالها وواجباتها ومسؤولياتها، وللاستئناف الفوري للمفاوضات من أجل تنفيذ الاتفاقيات الموقعة، والانطلاق نحو تحقيق اتفاق سلام نهائي ينفذ قرارات الشرعية الدولية ويتطلب مراقبين دوليين؛ فالسلام، والسلام وحده هو الكفيل بتوفير الأمن لجميع شعوب المنطقة ودولها ولفتح آفاق الازدهار والاستقرار لها؛ فالواقع يثبت كل يوم أن مفتاح السلام والاستقرار في المنطقة يوجد في فلسطين، أرض السلام والأرض المقدسة للمؤمنين في العالم.

وفي هذا اليوم؛ فإننا وإذ نوجه تقديرنا لكل الأشقاء والأصدقاء والأحرار والشرفاء في العالم والمناضلين من أجل الحرية، الذين لم يفتر تضامنهم لحظة مع قضية شعبنا؛ فإننا ندعوهم لتعزيز هذا التضامن الأمر الذي يستدعي سرعة عقد المؤتمر الدولي لتسريع طي صفحة آخر احتلال في العالم، والمتمثل في الاحتلال الإسرائيلي لأراضينا الفلسطينية، ولتمكين الشعب الفلسطيني من نيل حريته واستقلاله وبناء دولته وحماية مقدساته المسيحية والإسلامية.

وفي الختام، نحن وشعبنا من قلب الحصار الخانق والتصعيد العسكري الغاشم، نتوجه بالشكر إلى سعادة الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة لجهوده وعمله المتواصل من أجل حقوق شعبنا الوطنية غير القابلة للتصرف؛ وكذلك نشكر شكراً جزيلاً رئيس وأعضاء اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه الثابتة، وعلى جهودهم وعملهم الصادق والمتواصل والشجاع، لحشد التضامن والدعم الدولي لتمكين شعبنا من تجسيد وممارسة حقوقه الوطنية على أرض وطنه فلسطين، وتحقيق إقامة السلام العادل والدائم والشامل، سلام الشجعان، الذي وقعته مع شريكنا الراحل اسحق رابين في الأرض المقدسة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفي المنطقة كلها في الشرق الأوسط، وقد دفع شريكنا الراحل رابين حياته من هذه العناصر المتطرفة في إسرائيل ثمناً لهذا السلام؛ كما ونشكر أيضاً كل الأحرار والأصدقاء والمخلصين الذين يتضامنون معنا ومع النضال العادل لشعبنا، ويدعمون مسيرتنا من أجل تحقيق السلام العادل ونيل شعبنا لحريته واستقلاله وسيادته.

والسلام عليكم

 

 

 

 

 

 كلمة الرئيس ياسر عرفات ألقاها نيابة عنه فتحي أبو العردات في مهرجان تضامني في بيروت  25 أيلول 2002

الإخوة أصحاب السيادة والمعالي والسعادة،

الإخوة والأخوات في لجنة المتابعة لدعم الأسرى والمعتقلين اللبنانيين في السجون الإسرائيلية،

الإخوة والأخوات الحضور الكرام،

تحية طيبة وبعد،

اسمحوا لي بداية وأنتم تحتفلون على هذه الأرض الطيبة والصامدة، أرض لبنان الشقيق، حيث وحدة الدم الفلسطيني اللبناني، بمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيس لجنة المتابعة لقضية إخواننا الأسرى الفلسطينيين واللبنانيين والعرب في سجون الاحتلال الإسرائيلي البغيض- أن أحيي لبنان الأخوة الحقّة، رئيساً وحكومة وشعباً؛ وأن أحييكم في هذه المناسبة التي تقومون فيها بتنظيم هذا المهرجان التضامني الكبير والمعبّر، إحياءً وتقديراً وتأكيداً منا جميعاً على دور أولئك الأبطال الذين ذادوا عن حياض هذا الوطن، وضربوا أروع المثل والبطولة دفاعاً عن عزته ورفعته، ومن أجل تحرير الأراضي العربية المحتلة، وانتزاع حقوق شعبنا الوطنية الثابتة في العودة والاستقلال والتحرر وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

ودعوني أعود بكم إلى سنوات طويلة خلت من النضال، عانى فيها شعبنا، ولا زال يعاني، مر الحياة، وخاض خلالها معارك قاسية للحفاظ على وجوده وهويته، وقدم فيها فلذات أكباده، فداءً لذلك الهدف النبيل؛ فمنهم من قضى نحبه شهيداً وراء القضبان على دروب العزة والكرامة رافضاً الذل والخضوع والهوان، مسطراً بصموده الأسطوري داخل باستيلات الاحتلال الإسرائيلي البغيض، أروع الملاحم. ولا يتسع المجال هنا لذكر كل أولئك الأبطال، الذين ننحني إجلالاً وإكباراً لتضحياتهم الجسام، وستبقى ذكراهم أبد الدهر محفورة في ذاكرة أمتنا وشعبنا الفلسطيني وأجياله المتعاقبة؛ ومنهم من لا يزال يقبع في هذه الباستيلات المظلمة، يعاني من ظلم السجان وبطشه، ويواجه كل أشكال القمع والتنكيل والتعذيب صابراً صامداً، يسطر أروع صور البطولة والصمود والتضحية، والذين حوّلوا بنضالهم وصمودهم سجون الاحتلال ومعتقلاته إلى قلاع نضالية، وكليات وطنية لتخريج المناضلين وتعزيز صمودهم وصمود أهلهم وذويهم من أبناء شعبنا الصامد المرابط دفاعاً عن هويته وحقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف.

 

وكما تعلمون أيها الإخوة والأخوات الأفاضل، فقد وضعنا في مقدمة أولوياتنا، ومنذ اليوم الأول لإقامة سلطتنا الوطنية الفلسطينية، إعادة بناء ما دمره الاحتلال الإسرائيلي ورفع المعاناة عن شعبنا الفلسطيني، وصيانة كرامة الإنسان الفلسطيني والحفاظ على حقوقه في الأمن والأمان والاستقرار والعيش الكريم، والعمل على تحرير كافة الأسرى والمعتقلين الذين أثخنتهم حراب الاحتلال وبطشه وإرهابه، وعودتهم إلى أسرهم وذويهم، ولم ندخر جهداً في سبيل الإفراج عنهم؛ فهم في صلب اهتمامنا وعلى رأس سلم أولوياتنا، وقضيتهم تستحوذ على كل جهودنا، وهي قضيتنا الملحة، باعتبار أن إخوتنا الأسرى مقاتلون من أجل الحرية؛ فهم الذين دفعوا حياتهم وحريتهم ثمناً من أجل حرية الأرض وكرامة شعبنا وأمتنا؛ فشعبنا لن ينسى أولئك المناضلين والفرسان الذين ضحوا بدمائهم الذكية من أجل حريته واستقلاله وسيادته.

ولا شك، أيها الإخوة الأخوات، أنكم تتابعون ما يعيشه شعبنا الفلسطيني الصابر المرابط في أرض وطنه المباركة فلسطين، من حرب تدميرية شرسة، وحصار ظالم يشنها عليه هذا الاحتلال الإسرائيلي بكل ما في ترسانته من أسلحة الدمار والقتل، بهدف إخضاعه والنيل من صموده، وتكريس احتلاله واستيطانه لأرضنا ومقدساتنا؛ ولكننا نؤكد لكم أن شعبكم الفلسطيني وقيادته الوطنية بدعمكم وبدعم كل الشرفاء والأحرار في أمتنا المجيدة، سيواصلون صمودهم ونضالهم المعمد بالدماء الذكية، ولن تستطيع كل سياسات الحصار، والإغلاق، والاغتيال والهدم والاعتقال، والتدمير المنهجي لمجتمعنا الفلسطيني، والاعتداء على الشرعية الفلسطينية المنتخبة ومحاولات عزلها وتغييرها، وجبروت الاحتلال الإسرائيلي الظالم من كسر إرادة هذا الشعب، شعب الجبارين.

وإن هذه السياسة الإسرائيلية، سياسة غطرسة القوة والتدمير، لن تثنيه عن مواصلة كفاحه ونضاله بكل السبل، وتشبثه بكل ما أوتي من قوة، بحقوقه الوطنية الثابتة في العودة والحرية وتقرير المصير وتمسكه بمقدساته المسيحية والإسلامية؛ فهذه ثوابت وطنية لا يمكن المساس بها تحت ضغط استمرار العدوان والإجرام الإسرائيلي.

وفي هذه المرحلة، فإننا أحوج ما نكون إلى رص صفوفنا، وتعزيز وحدة شعبنا، التي تجلت بأروع صورها على أرض الرباط المقدسة، وتلاحمه الوطني في كافة أماكن تواجده؛ من أجل إفشال كل المخططات والمؤامرات التي تستهدف وجوده، ومواجهة هذا العدوان العسكري الإسرائيلي البشع.

وندعو كافة إخوتنا وأشقائنا وأصدقائنا إلى مواصلة تضامنهم، وتكثيف جهودهم ودعمهم لشعبنا وقيادته الوطنية من خلال إقامة مثل هذه الفعاليات والمهرجانات والمسيرات التي هي بالتأكيد تشد من أزرنا وتعزز صمودنا، وترفدنا بكل أسباب الثبات والصمود والعزم والإصرار على مواصلة نضالنا على أرضنا لدحر هذا الاحتلال الإسرائيلي الغاشم وإنجاز مشروعنا الوطني بإقامة دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين؛ ونحن في المقابل نؤكد لكم أننا كنا ولا زلنا دعاة سلام حقيقي، ومن منطلق حرصنا على هذا السلام العادل والشامل القائم على الحق والعدل، سنظل صامدين صابرين ومرابطين، ومتمسكين بسلام الشجعان، وليس بسلام الاستسلام الذي تريد فرضه حكومة إسرائيل علينا بقوة الدبابة والمدفع، حتى نفوت الفرصة على مخططات أعدائنا، ولنبقي على آمالنا حريصين رغم كل الصعاب والتحديات على جذوة الأمل والتفاؤل متوقدة فينا، مع الإيمان الكامل بأن النصر سيكون حليفنا لتحقيق مستقبل أفضل يكفل لشعبنا حقه في استعادة وممارسة حقوقه غير القابلة للتصرف، والعيش حراً كريماً مستقلاً في وطنه.

 ولا بد لنا هنا من التأكيد أنه لن يكون معنىً لهذا السلام طالما بقي هناك أراض عربية محتلة، وبقي شعبنا يرزح تحت نير الاحتلال، وظل إخوة لنا يئنون تحت القيد، ويرزحون في سجون الاحتلال؛ ذلك أن احتجازهم يتنافى وكل شرائع حقوق الإنسان، واتفاقية جنيف، ومع الاتفاقات التي تم توقيعها.

ومن هنا، فإنني أرجو ألا يقتصر تضامننا ودعمنا لإخواننا الأسرى على إحياء مثل هذه المناسبات؛ بل أن يتواصل هذا التضامن ويتعزز هذا الدعم من خلال التعبير عنه في حياتنا وممارساتنا اليومية، حتى نتمكن من خلق التضامن والتعاطف المؤثر والفاعل مع قضيتهم على كافة المستويات العربية والدولية؛ وأن لا يقتصر دعمهم على الجهود الرسمية فقط؛ بل أدعو كافة شعوبنا للإسهام بكل ما تستطيع لدعم إخوتنا وأحبتنا وأبنائنا الأسرى ودعم عائلاتهم وأسرهم، انطلاقاً من مبدأ تحقيق التكافل والتضامن الاجتماعي في هذه الظروف العصيبة.

وختاماً، نتوجه بالتحية والإكبار لكم على هذه الجهود الصادقة وهذه الوقفة المبدئية، التي يقفها لبنان الشقيق وحكومته وكل قواه إلى جانب نضال شعبنا عبر مسيرته النضالية الطويلة التي جبلت فيها هذه العلاقة الأخوية والمصير المشترك بالدم؛ كما نتوجه بالتحية لشعبنا الفلسطيني الأبي الذي يتصدى بكل بطولة وشموخ لهذه الغطرسة والعنجهية العسكرية الإسرائيلية؛ وبتحية إكبار وإجلال إلى أسرانا الذين يقبعون خلف جدران الزنازين المظلمة، والذين يؤكدون، شأنهم شأن كافة أبناء شعبنا البطل، كل يوم بصبرهم وإرادتهم التي لا تلين، وبصمودهم الأسطوري، بل وبمشاركتهم الحية في معركة الاستقلال حتى وهم خلف القضبان- أن شعبنا عصي على الخضوع والاحتواء وكسر إرادته الوطنية الصلبة، وهو قادر دوماً على مواصلة العطاء رغم كل الصعاب والمؤامرات التي تحاول بشتى السبل شطبه عن الخارطة السياسية، وأن جذوره راسخة رسوخ الجبال في قلب هذه الأرض الطاهرة المباركة، ولن يستطيع أحد أياً كان اجتثاثها. ونؤكد لكم أننا سنظل على العهد باقون، وعلى دروب العز والنصر سائرون؛ ولن نساوم ولن نفرط بحقوق شعبنا مهما غلت التضحيات، ونقول لكم ولشعوب أمتنا ولشعبنا البطل ولكل أسرانا ومعتقلينا وجرحانا: بأن الفجر آت، وأن شمس الحرية ستشرق إن شاء الله على ربوع وطننا الحبيب، وقد زال الاحتلال والاستيطان والقهر والظلم، وسنحتفل جميعاً بعون الله معاً وسوياً بتحرير أسرانا ومعتقلينا في القدس الشريف عاصمة دولتنا الفلسطينية المستقلة.

بسم الله الرحمن الرحيم

"ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين"

"ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض"

صدق الله العظيم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

كلمة الرئيس عبر الهاتف خلال اعتصام تضامني مع سيادته في مخيم المية ومية 24 أيلول 2002

 

يا إخواني، يا أحبائي، يا شعب الجبارين، أحييكم تحية النضال، أحييكم تحية الإخوة والزمالة، أحييكم وأقول لكم: سنبقى معاً وسوياً من أجل أن نثبت للعالم أننا شعب الجبارين، وسنبقى نناضل من أجل هذه الأرض المباركة، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، مسرى نبينا محمد، ومهد سيدنا المسيح، معاً وسوياً من أجل هذه الأرض؛ وسنحمي هذه الأرض، سنحمي أشجارنا ومساكننا وقوانا ومدننا وقرانا ومخيماتنا؛ ونحن بذلك لا نصنع تاريخ فلسطين فقط؛ وإنما نصنع تاريخ الأمة العربية والعالم. وإن شاء الله سنصلي معا وسويا في القدس الشريف عاصمة دولتنا الفلسطينية.

 

 

 

 

 

 

كلمة الرئيس ياسر عرفات إلى احتفال تكريم المبعوث الأوروبي 7 حزيران 2002

دولة الرئيس الصديق العزيز مانويل فراغا،

رئيس حكومة غاليثيا،

سعادة السيد ميجيل أنجيل موراتينوس،

ممثل الاتحاد الأوروبي لعملية السلام في الشرق الأوسط،

حضرة السيد غالب جابر رئيس مؤسسة الأرجواناي،

السيدات والسادة،

يسعدنا وأنتم تلتقون اليوم للاحتفال بتكريم سعادة الصديق العزيز موراتينوس ان نتقدم من صديقنا الكبير المبجل دولة الرئيس مانويل فراغا رئيس حكومة جاليثيا ولشعبها الصديق بأجمل وأطيب التحيات، باسمي شخصياً وباسم الشعب الفلسطيني وقيادته، وبأصدق الأمنيات بتحقيق المزيد من التقدم والازدهار لبلدكم وشعبكم.

ويسرنا اليوم أن نشارككم بوجداننا وقلوبنا هذه المناسبة السعيدة بتكريم ومنح جائزة الأرجواناي دي أورو التاسعة لسعادة السيد موراتينوس، هذا الصديق المبجل الذي نعتز بصداقته، والذي عرفناه منذ سنين وفياً ومخلصاً في عمله، مثابراً وشجاعاً، يصل الليل بالنهار من أجل حماية مسيرة السلام في الشرق الأوسط، والحفاظ على زخمها واستمراريتها، كيف لا وهو الدبلوماسي المحنك والخبير الفذ الذي خدم أيضاً دون كلل بلاده أسبانيا الصديقة، وهو اليوم يعمل بجد وجدارة كممثل للاتحاد الأوروبي في عملية السلام في الشرق الأوسط، حيث كان لمساهمته الإيجابية وجهوده العظيمة والمخلصة الأثر الكبير في استمرار مسيرة السلام، رغم العقبات والأزمات التي تواجهها؛ ولهذا فإن تكريمه اليوم منكم ومن مؤسستكم انما هو تكريم وتقدير لشخصه وجهده وعمله الملتزم، وتكريم لبلده وللاتحاد الأوروبي، ولكل الأحرار والأصدقاء ومحبي الحرية والعدالة والسلام في العالم، فأطيب التحيات والتهاني للصديق العزيز موراتينوس.

السيد الرئيس

السيدات والسادة

وكما تعلمون فقد كنا نود أن نشارككم هذا الاحتفال الكريم لولا أننا نتابع تطورات الوضع في الشرق الأوسط وخاصة في بلادنا فلسطين التي لا زال الوضع فيها خطيراً ومتدهوراً، ويسير باتجاه الانفجار من جديد جراء استمرار وتصاعد العدوان والحصار والتوغلات، وأعمال القتل والاغتيال والتدمير والاعتقال التي يشنها ويمارسها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد شعبنا وأرضنا ومقدساتنا وممتلكاتنا ومؤسساتنا؛ فهذا العدوان الغاشم قد دمر كافة مناحي الحياة عند شعبنا، وخاصة بناه الاقتصادية والتحتية والتعليمية والمؤسساتية والأمنية؛ وبالتالي فإنه ما لم يقم المجتمع الدولي والأمم المتحدة بتحمل مسؤولياتهم، بإلزام إسرائيل، قوة الاحتلال، بسحب قواتها ووقف حربها وعدوانها وفقاً للقرارين 1402، و1403، وبيان مدريد للجنة الإطار الرباعي، وتمكين شعبنا من ممارسة حقوقه الوطنية الثابتة وسيادته على أرضه ومقدساته وثرواته، وبتجسيد حقه المقدس في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وما لم يتم ذلك؛ فإن الوضع سيتفجر في المنطقة كلها، وسيكون له تداعيات ونتائج خطيرة على الأمن والسلم العالميين.

إننا دعاة سلام، وملتزمون بقوة وثبات بسلام الشجعان، ونناشد المجتمع الدولي والقوى الدولية المعنية بالسلام، لبذل مزيد من الجهد، والتدخل الفاعل لإلزام حكومة إسرائيل التي تدير ظهرها للسلام وتدمر كل الفرص والمبادرات لتحقيقه، باحترام قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ومبدأ الأرض مقابل السلام، والقبول بمبادرة السلام العربية، حتى يتحقق ويتوطد السلام العادل والشامل في المنطقة باعتباره الوسيلة الوحيدة والأفضل لضمان الأمن والاستقرار لكافة شعوبها وللشعب الإسرائيلي، ولشعبنا الفلسطيني إنهاء الاحتلال، والاستيطان الإسرائيلي لأرضه ومقدساته، ليعيش في دولته، حراً، سيداً ومستقلاً وبحسن جوار، وتعايش واحترام متبادل مع جيرانه الإسرائيليين.

السيد الرئيس

السيدات والسادة

ونغتنم هذه المناسبة الطيبة، لنعرب باسمنا وباسم شعبنا الفلسطيني وقيادته، عن خالص وعظيم شكرنا وتقديرنا لأسبانيا الصديقة، ملكاً وحكومةً وشعباً، على مواقفهم الشجاعة والداعمة لنا ولعملية السلام في المنطقة؛ إنها مواقف لن تُنسى وستبقى في ذاكرة شعبنا ووجدانه وستسجل في تاريخه بأحرف من نور.

كما نود أن نتوجه بالتحية والشكر الجزيل للسيد غالب جابر رئيس مؤسسة الأرجواناي على مبادرته هذه التي تعكس إيمانه الصادق بالسلام ودعمه للسادة الأفاضل العاملين على تحقيق ونجاح هذا السلام في منطقتنا، ونكرر ثانية أسفنا واعتذارنا لعدم الحضور نظراً للظروف الصعبة التي نمر بها، ونتمنى لكم جميعاً دوام الصحة والسعادة والنجاح.

 

والسلام عليكم

 

 

كلمة الرئيس ياسر عرفات أمام الجلسة السابعة للمجلس التشريعي 9 أيلول 2002

بسم الله الرحمن الرحيم

"وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين ونُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ…"

صدق الله العظيم

الأخ رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني المحترم،

الأخوات والإخوة أعضاء المجلس التشريعي المحترمين،

السيدات والسادة الحضور،

إن أنظار شعبنا الفلسطيني الصامد الصابر تتطلع إلينا اليوم ونحن نعقد هذه الجلسة التاريخية الهامة لمجلسنا التشريعي الفلسطيني الذي انتخبه شعبنا في انتخابات حرة وديمقراطية وتحت الإشراف الدولي ليكون قاطرة الخلاص من الاحتلال الإسرائيلي وقاعدة البناء المؤسساتي والديمقراطي لدولة فلسطين المستقلة.

وإن أنظار أمتكم العربية المجيدة وأنظار دولنا العربية الشقيقة وأنظار دول العالم وشعوبه تتطلع إلى هذا الاجتماع التاريخي والهام لمجلسنا التشريعي بعد مرور عامين على هذه الحرب الضروس التي أعلنتها حكومة إسرائيل ضد شعبنا الفلسطيني لكسر إرادته، ولمنعه من التمتع بالحرية والاستقلال في دولته الفلسطينية دولة فلسطين المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف التي (وحسب الاتفاق مع شريكنا الراحل يتسحاق رابين) والمفروض إننا سنة 1999، كنا أعلنا دولتنا المستقلة؛ ولكن للأسف جرى ما جرى.

وإن أنظار الشعب الإسرائيلي تتطلع إليكم اليوم لتسمع منكم مرةً أخرى كلمة السلام والأمن للشعبين وللدولتين بعد أن غيبت عمليات التصعيد العسكري والاحتلال الغاشم بجانب البرامج والحملات الإعلامية الخطيرة والمشبوهة ومن كل حدب وصوب آفاق السلام لدى الإسرائيليين كما لدى الفلسطينيين، وسلام الشجعان الذي وقعناه مع شريكنا الراحل يتسحاق رابين الذي اغتالته هذه القوى المتطرفة التي تتمتع بالهيمنة الآن في إسرائيل والتي أحلت إراقة الدماء لشعبنا وأطفالنا وضربت بنيتنا التحتية والاقتصادية والصحية والتعليمية وحتى المس بمقدساتنا المسيحية والإسلامية، وأعلنت أن أوسلو وطابا وكامب ديفيد وغيرها ليست قائمة، بديلاً عن استمرار الحوار والنوايا الطيبة والالتزام بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة والمبادرات العربية والدولية وحسن الجوار بين الدولتين والشعبين، بل وفي المنطقة كلها.

وإن القوى الدولية المختلفة والمعنية بالأمن والاستقرار والسلام في الشرق الأوسط، وفي المقدمة إخوتنا العرب واللجنة الرباعية (روسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ومعهم الولايات المتحدة الأمريكية التي تربطها علاقات خاصة وعميقة مع إسرائيل؛ ولكن في نفس الوقت لها مصالح إستراتيجية وحيوية في الشرق الأوسط) بجانب الصين واليابان ودول عدم الانحياز والدول الأفريقية والدول الإسلامية ودول أمريكا اللاتينية والأحرار والشرفاء في العالم ان كل هذه القوى الكبرى التي تمسك بالقرار الدولي تنتظر من شعبنا وقيادتنا ومجلسنا التشريعي الفلسطيني تكرار وتأكيد مواقف واضحة وأجوبة حاسمة بالنسبة للسلام مع إسرائيل والشعب الإسرائيلي وحول الديمقراطية والإصلاح الديمقراطي في مجتمعنا وسلطتنا الوطنية – نواة دولتنا المستقلة.

وإنني أصارحكم وأقول لكم بكل إخلاص وحرص أكيد على مستقبل شعبنا وحقوقه الوطنية وتطلعه المشروع إلى الاستقلال والحرية: بأن الموقف الدولي وقوى السلام في إسرائيل يؤيدون موقفنا ومس؛ لكنا واستعدادنا للعيش بسلام وأمن وحسن جوار مع الإسرائيليين في دولتنا المستقلة فلسطين، وإقامة السلام العادل والدائم والشامل في المنطقة انطلاقاً من قرارات الشرعية الدولية 242، 338، 425، 194، 1397، 1402، 1403. وإني أضع أمامكم وبين أيديكم هذه الأوضاع المصيرية لتأخذوا القرارات والمواقف التاريخية الصائبة التي تحفظ شعبكم وحقوقه ومستقبله الوطني في دولته الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.

 

الأخ رئيس المجلس التشريعي

الإخوة والأخوات الأعضاء

إن الشعب الفلسطيني يقف بكل قوة ضد كافة أشكال الإرهاب سواء اقترفته دولة أو فئة أو أفراد، وفي الذكرى السنوية الأولى لجريمة الإرهاب الدولي الأعمى الذي ضرب الولايات المتحدة الأمريكية في نيويورك وواشنطن، نعبر عن استنكارنا وإدانتنا لهذا الإرهاب كما نعبر عن تضامننا مع الشعب الأمريكي الذي تعرض لهذه الجريمة التي لم يسبق لها مثيل.

ونعلن للعالم أجمع، وللولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص اننا على استعداد كامل للمشاركة في أي جهد دولي لقطع دابر هذا الإرهاب الدولي الأعمى في إطار الأمم المتحدة والشرعية الدولية.

الأخ رئيس المجلس التشريعي

الإخوة والأخوات الأعضاء

الأخوات والإخوة الحضور

إن الجريمة الإرهابية الكبرى التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية قد قلبت المناخ والمعايير والمواقف الدولية تجاه الصراع في الشرق الأوسط بينا وبين الإسرائيليين خاصة وأنه سرعان ما وظفت حكومة إسرائيل المحتلة والمعتدية هذه المتغيرات الدولية نتيجة جريمة الإرهاب في 11/ أيلول في أمريكا، لمحاولة وصمنا ووصم نضال شعبنا بالإرهاب ونحن ضحايا هذا الإرهاب. وبالذات العمليات الانتحارية ضد المدنيين داخل الخط الأخضر للتغطية على إعادة احتلال مدننا وأراضينا وهذا الحصار الخانق لشعبنا وهذا التصعيد العسكري والاحتلال الغاشم الذي يستخدم كل أسلحة الدمار بما فيها المحرمة دولياً ضد شعبنا وأجهزتنا الرسمية والشعبية والأمنية ومزارعنا ومؤسساتنا ومدننا ومساكننا ومخيماتنا وقرانا ومقدساتنا وتراثنا واقتصادنا بجانب مصادرة آلاف الدونمات الزراعية حالياً في هذه الأيام يتم تدمير عشرات الآلاف من الدونمات وتدمير 13 بئراً ارتوازياً في قلقيلية وحدها وآبار المياه لإقامة ما يسمونه بالسور الواقي في أراضينا بجانب إقامة حائط برلين حول القدس الشريف وخطورة ذلك دينياً وفلسطينياً وعربياً وإسلامياً ومسيحياً، وكما تعلمون انه لا يوجد من بيننا مسلم ولا مسيحي قادر على الذهاب للصلاة لا في الحرم القدسي ولا في كنيسة القيامة، بما في ذلك حجز أموالنا، ما هو ذنب مستشفياتنا وطلابنا ومدارسنا وجامعاتنا، أصبح لها 24 شهراً محجوزة وهي ما بين 1.8 و1.9 مليار دولار، وغيرها من المآسي التي لم يواجهها شعب إلاّ شعبنا المرابط في أرض الرباط ودفاعاً عنها إلى يوم الدين.

إلاّ أن مصلحتنا الوطنية وضرورة الحرص على الدعم الدولي لقضيتنا العادلة والمشروعة في مقاومة الاحتلال العسكري والاستيطان والحصار الإسرائيلي الغاشم لأرضنا وشعبنا تفرض علينا أن نكرر موقفنا بإدانة هذه العمليات ضد المدنيين الإسرائيليين؛ وكذلك أية عمليات ضد مدنيينا الفلسطينيين خاصة وأن حكومة إسرائيل قد استخدمتها لإخفاء جرائمها واحتلالها واستيطانها.

لقد أعطت هذه العمليات التي ندينها بشدة الذريعة والأرضية والغطاء لحكومة إسرائيل وجيش احتلالها لتضرب وتدمر وتقتل وتغتال وتحاصر وتفرض العقاب الجماعي وتنتهك القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة وتضرب عرض الحائط بكل الاتفاقات بيننا، ولا يخفى عليكم أن تحرك إسرائيل الدولي في هذا الاتجاه دفع بعض القوى الدولية والأمريكية بصفة خاصة للتراجع عن كثير من مواقفها الموضوعية نتيجة لهذه العمليات ضد المدنيين، ولا يجب أن يغيب عن إدراكنا لحظة واحدة أن أمن ووجود إسرائيل والشعب الإسرائيلي هو في حقيقة الأمر مسؤولية قوى دولية عظمى منذ سايكس بيكو وحتى الآن أكثر مما هو إسرائيلياً؛ فإسرائيل أقامتها هذه القوى الدولية أولاً وأخيراً، وهي تضمن حمايتها، وهذه المسألة يجب أن نضعها نصب أعيننا ونحن في دفاعنا المشروع عن حقوقنا وأرضنا ومقدساتنا ووجودنا في مواجهة هذا الاحتلال الإسرائيلي الغاشم لأرضنا المقدسة وشعبنا الصامد والمرابط – فهذا الاحتلال الإسرائيلي لا يجيزه القانون الدولي وتعمل القوى الدولية وخاصة الصديقة والصادقة منها ومعها كل الأحرار والشرفاء في العالم على إنهائه وإنصاف شعبنا وبالذات بعد مؤتمر مدريد للسلام وعلى أساس القرارات الدولية 242، 338، 425 و194 ومبدأ الأرض مقابل السلام العادل والدائم والشامل في المنطقة والاتفاقيات الموقعة وخاصة سلام الشجعان الذي وقعناه مع شريكنا الراحل يتسحاق رابين في البيت الأبيض في واشنطن والمعترف به إسرائيلياً وفلسطينيا وعربياً ودولياً وجاءت مبادرة سمو ولي العهد الأمير عبد الله آل سعود والتي تبنتها القمة العربية في بيروت وقبلها اجتماعات ومفاوضات واتفاقات القاهرة وشرم الشيخ والواي ريفر وكامب ديفيد والرسائل المتبادلة وطابا وباريس لتكون الأرضية الصلبة للموقف العربي والفلسطيني. وللتحديد القاطع والنهائي بين المقاومة المشروعة ضد احتلال إسرائيلي لأرضنا وبين العمليات ضد المدنيين الإسرائيليين كما هي كذلك ضد مدنيينا الفلسطينيين وجماهيرنا وشعبنا وبنيتنا التحتية حتى وصل عدد شهدائنا وجرحانا خلال السنتين الماضيتين أكثر من 66 ألف شهيد وجريح حتى أن بعض هذه الأرقام أقل بسبب عدم وصول شهداء القرى الذين يتأخر التبليغ عنهم، 38% منهم أقل من 17 عاماً وحوالي 30% منهم معاقين؛ وكذلك أعداد كبيرة من أخواتنا وزهراتنا.

 

الأخ رئيس المجلس التشريعي

الإخوة والأخوات الأعضاء

الإخوة والأخوات الحضور

إن المجلس التشريعي الفلسطيني جنباً إلى جنب مع القيادة التنفيذية الفلسطينية مدعوان اليوم إلى حماية المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا في الاستقلال والحرية في دولة فلسطين المستقلة والقدس الشريف عاصمتها، وهذا لن يأتي بغير التأكيد القاطع والعمل الدؤوب لإقامة الأمن والسلام (سلام الشجعان) للشعبين الإسرائيلي والفلسطيني وشعوب المنطقة طبقاً للمبادرات العربية والدولية وقرارات الشرعية الدولية.

إن الوضع الفلسطيني الداخلي يستأثر اليوم باهتمامنا جميعاً، وقد خاطبت مجلسكم الموقر قبل أربعة أشهر، يوم 15/ أيار ذكرى نكبة شعبنا وتشريده ودعوت إلى إعادة البناء والإصلاح وتعزيز الحياة الديمقراطية والمساءلة والشفافية والمكاشفة وتلقيت من مجلسكم الموقر رداً مسؤولاً ومقترحات هامة وأساسية لتعزيز البناء الوطني، وقد قمنا بتعديل وزاري بما يحقق أهدافنا الوطنية، ويدور بينكم جدل ونقاش من منطلق الحرص على تصويب المسيرة وعملية البناء الداخلي والديمقراطي ويتمحور بعض الجدل والنقاش حول إعادة تشكيل مجلس الوزراء وهل هو تعديل وزاري أم تغيير وزاري والثقة للوزراء الجدد، وبعيداً عن هذا الجدل الديمقراطي، بل وتعزيزاً له، أترك لكم الاحتكام إلى أحكام القانون الأساسي لتقرير هذه المسألة، وقبل قرار مجلسكم الموقر أدعوكم إلى عقد جلسة خاصة في إطار هذه الدورة للاستماع إلى خطة الإصلاح التي اعتمدها مجلس الوزراء؛ كما أدعو مجلسكم الموقر إلى الاستماع لخطط الوزارات المختلفة من خلال الاستماع إلى أعضاء مجلس الوزراء كل في مجال اختصاصه، ليمارس المجلس التشريعي بعد ذلك دوره في الرقابة والإشراف على حسن سير الأعمال وفق ذلك بهدف تطوير وتفعيل المؤسسات وتصلي هيكليات العمل الوطني والإداري والأمني والصحي والتعليمي والعمالي والمالي والزراعي والاقتصادي وغيرها، وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات وإرساء سيادة القانون ومبادئ الشفافية والمساءلة.

إن مصدر صمود شعبنا في وجه الاحتلال الإسرائيلي الغاشم يعتمد أولاً وأخيراً على وحدة وصلابة مؤسساتنا وفي المقدمة السلطات الثلاث القضائية والتشريعية والتنفيذية، وهنا أدعوكم جميعاً إلى الوحدة والتماسك والصلابة ورص الصفوف لتفويت الفرصة على الحكومة الإسرائيلية التي تتوهم أنها قاب قوسين أو أدنى من تحقيق هدفها الخبيث على شعب الجبارين بتقويض سلطتنا الوطنية وضرب عملية السلام والقضاء على حلم وهدف شعبنا في الحرية والاستقلال وإثارة الفوضى في منطقة الشرق الأوسط.

إن حياتنا الديموقراطية التي نعمل جميعاً على تعزيزها وترسيخها هي مفخرة شعبنا ومصدر قوته وليست علامة ضعف أو تفكك في الوحدة الوطنية وصلابة مؤسساتنا الدستورية وإن الضربات الإسرائيلية الفتاكة لشعبنا ومدننا وأجهزتنا وبنيتنا الأساسية لن تزيد شعبنا الصامد إلا مزيداً من الوحدة والصلابة لتحقيق هدف شعبنا في الأمن والسلام والدولة المستقلة.

لا أريد أيتها الأخوات – أيها الإخوة أن أجمِّـل الصورة أو أهون من الأعباء الجسام الملقاة على عاتقنا جميعاً في إطار إعادة البناء الداخلي؛ لكنني أقول لكم وبكل أمانة أن الإصلاح وإعادة البناء وتعزيز الديمقراطية وسيادة القانون في ظل الهجوم الإسرائيلي الشامل وإعادة احتلال مدننا ومخيماتنا ومناطقنا وضرب الأجهزة وفرض الحصار بما فيها حصار الرئيس، -وأشكركم أنكم جئتم إلى هنا-، ومقر الرئاسة وتدمير ما حولـه وأجزاء منه والعقاب الجماعي علينا وعلى شعبنا، لم تكن مهمتنا في إعادة البناء بالمهمة السهلة؛ ولكننا والحمد لله أعدنا البناء لكثير من مؤسساتنا، هذه المؤسسات التي تقف صلبة رغم كل الضربات الإسرائيلية والتحديات الكثيرة التي يواجهها شعبنا على كافة المستويات.

ولا أخفي عليكم أن إعادة البناء في مثل هذه الظروف والحصار والتصعيد العسكري والخنق الاقتصادي لشعبنا ولسلطتنا الوطنية والتدمير الكبير لبنيتـنا التحتية المتعمد والمرسوم والمخطط له في ظل هذا الصمت الدولي وعدم وجود قوات دولية أو مراقبين دوليين، –لا يوجد سوى 9مراقبين يا دوب يغطون بيت لحم-، هو عملية شاقة وعسيرة وتعتمد الخطأ والصواب، ودوركم اليوم تعزيز الصواب وإزالة الخطأ أينما وجدتموه، وهنا أتوجه بالشكر لإخواني العرب وأصدقائنا الذين لم يتوقفوا عن دعمنا يوماً؛ فليس لدينا ما نخفيه عنكم أو عن شعبنا شعب الجبارين المرابط الصامد على أرضه المباركة للعالمين، نريد إدارة سليمة وحياة ديمقراطية وسيادة كاملة للقانون في ظل استقلال القضاء، الذي نفتخر به، وقد صادقنا على القانون الأساسي وقانون استقلال القضاء وغيرهما الكثير من القوانين التي أقرها مجلسكم الموقر بالقراءة الثالثة والتي من شأنها تعزيز بنائنا الوطني في مختلف المجالات.

 

الأخ رئيس المجلس التشريعي

الإخوة والأخوات الأعضاء

الإخوة والأخوات الحضور

نحن مقبلون على إجراء الانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية، ونحن متفقون على ذلك، وإننا وبمجرد أن ذكرتها أمام المجلس فهي مرسوم، وخاصة أنه لا يوجد أي اعتراض في أوائل العام المقبل؛ وكذلك الانتخابات المحلية، وهي خطوات أساسية على طريق إعلان قيام دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وإن قرارات وخطوات الإصلاح وإعادة البناء التي اتخذناها ونتخذها في مجال السياسة والأمن والإدارة انما تشكل الضمانات الأكيدة حتى تجري هذه الانتخابات في جو ديمقراطي يعزز مكانة شعبنا وقضيته لدى دول وشعوب العالم أجمع، وهنا أدعو المجتمع الدولي الذي يطالبنا بالإصلاح والشفافية أن يساعد شعبنا في مسيرته الديمقراطية لإرسال المراقبين الدوليين مثلما فعل في الانتخابات السابقة، وأن يمارس ضغوطاً جدية على حكومة إسرائيل لوقف عدوانها ولرفع الحصار والعقاب الجماعي والانسحاب من أراضينا وسحب الدبابات والقوات والحواجز وإنهاء احتلالها للمدن والمخيمات والقرى والمناطق الفلسطينية كافة حتى يمارس شعبنا حياته الديمقراطية بعيداً عن الاحتلال والقمع والدبابات والمصفحات الإسرائيلية ومروحيات الأباتشي وطائرات F15 وF16والصواريخ المدمرة والأسلحة المحرمة دولياً التي أدين استعمالها من جيش الاحتلال الإسرائيلي رسمياً ودولياً حتى من بعض الإسرائيليين من اتباع السلام وعلى نطاق صريح وواضح.

 

الأخ رئيس المجلس التشريعي

الإخوة والأخوات الأعضاء

إن السلام والأمن مطلب فلسطيني قبل أن يكون مطلباً إسرائيلياً أو دولياً، وهنا أقول بكل وضوح إن شعبنا الفلسطيني قد اختار السلام العادل منذ عام 1974، وفي عام 1988 في المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر على أساس حل الدولتين دولة فلسطين ودولة إسرائيل تعيشان جنباً إلى جنب وفي جوار حسن وتعايش سلمي، وقد تبادلنا الاعتراف بيننا منذ سلام الشجعان في أوسلو وقطعنا خطوات كبيرة لتحقيق هذا السلام المنشود الذي يوفر لشعبنا وللإسرائيليين وللمنطقة العربية الأمن والطمأنينة المشتركة ومن جانبنا نعلن اليوم مجدداً استعدادنا لتحقيق الأمن والسلام والطمأنينة لنا ولهم على قاعدة التكافؤ والاعتراف المتبادل وعلى أساس الانسحاب الإسرائيلي من أرضنا المحتلة وتمكين شعبنا من إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، لقد دفع شعبنا ثمناً باهظاً لتعثر عملية السلام، والحكومة الإسرائيلية تتذرع بكافة الأعذار والأسباب الكثيرة والمتناقضة لضرب وتدمير عملية السلام والاستمرار في احتلال أرضنا ومحاولة تقويض سلطتنا الوطنية.

واسمحوا لي أن أخاطبكم من على هذا المنبر التشريعي الفلسطيني وأخاطب الجمهور الإسرائيلي والأحزاب الإسرائيلية والحكومة الإسرائيلية وأقول لهم جميعاً رداً على من يعلنون: إن السلام لم يعد قائماً أننا نريد تحقيق السلام معكم، ونريد الأمن والاستقرار لنا ولكم وللمنطقة كلها، على أساس قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات بيننا، وإن سلام الشجعان الذي وقعته مع رابين ودفع حياته ثمناً له، أمامنا وليس خلفنا، أقول بعد خمسين عاماً من الصراع والمعاناة الدامية، كفى صراعاً، وكفى إراقة دماء وتعالوا نجلس بقلوب مفتوحة على طاولة المفاوضات لإكمال أوسلو والقاهرة وشرم الشيخ وطابا وباريس وواي ريفر وكامب ديفيد ومبادرة السلام العربية التي تبنتها القمة العربية في بيروت وخطاب الرئيس بوش في الأمم المتحدة كأول رئيس أمريكي يعلن رسمياً عن إقامة الدولة الفلسطينية وقرارات اللجنة الرباعية وألـ G8 والأمم المتحدة لإحلال السلام الدائم والعادل والشامل في المنطقة كلها.

واسمحوا لي أيتها الأخوات، أيها الإخوة أن أتوجه مرة أخرى بهذا النداء من هذه الأرض المباركة من أجل السلام بيننا وبين الإسرائيليين إلى الأسرة الدولية وإلى اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة) والصين والهند واليابان ودول عدم الانحياز والدول الإفريقية والدول اللاتينية والإسلامية وإلى إخوتنا المسيحيين وإلى الأحرار والشرفاء في العالم، وإلى الأشقاء العرب جميعا الذين اعتمدوا في قمة بيروت المبادرة السعودية للسلام العادل والشامل والدائم، مبادرة السلام العربية التي عرضها الأمير عبد الله، والتي كانت فرصة ذهبية؛ ولكن للأسف لم يوافق عليها حتى الآن، الأمة العربية كلها توافق ويكون الرد المزيد من العمل العسكري علينا، وأقول بكل وضوح: بأننا نريد مساعدتكم العملية والفورية من أجل تحقيق هذا السلام المنشود في هذه الأرض المقدسة والذي يخدم شعوبنا وأطفالنا وأطفالهم ويرسخ الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط كلها، ومن أجل هذا التحرك الدولي المطلوب والضروري؛ فإن الجانب الفلسطيني قد اتخذ ويتخذ قرارات وإجراءات شاملة في مجال الموقف السياسي وفي مجال الأمن وفي مجال الإصلاح وإعادة البناء ونحن عازمون على إجراء الانتخابات الديمقراطية الرئاسية والتشريعية والمحلية في أوائل العام القادم ونحن اتفقنا على أن تكون بأول شهر يناير كأساس لقيام دولتنا الفلسطينية المستقلة، وكما تعرفون؛ فإن دولتنا كان من المفروض أن تعلن عام 1999، هذا ما اتفق عليه مع رابين، وفي هذه المواقف والإجراءات ما يسحب كل ذريعة يمكن أن يستغلها الطرف الإسرائيلي لتعطيل عملية السلام والمفاوضات الجادة حول كافة قضايا الوضع النهائي والتي قطعنا فيها شوطاً كبيراً في مفاوضات طابا قبيل الانتخابات الإسرائيلية والرسالة الأخيرة للرئيس كلينتون وتفاهمات تنت وتقرير ميتشل، وإن اللجنة الرباعية التي ستجتمع في نيويورك يوم 16-17/9 الجاري وسيُعرض عليها المبادرة الأوروبية التي استلمناها من وزير الخارجية الدنماركي، مدعوة بدورها إلى وضع الآليات الدولية التي تضمن استئناف عملية السلام بيننا وبين الإسرائيليين وخلق الظروف الأمنية المناسبة من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وسرعة إرسال قوات دولية أو مراقبين دوليين على الأقل، والتي تسمح ببناء جسور الثقة واستعادة المصداقية المفقودة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وإنهاء هذا الاحتلال المسيطر حالياً على جميع أراضينا ومقدساتنا، وإن المساعدة الدولية بسرعة انسحاب القوات الإسرائيلية وإنهاء الاستيطان غير الشرعي دولياً ولإعادة بناء الإدارات والمؤسسات الشعبية والرسمية الفلسطينية المدمرة وإعادة بناء الأجهزة الأمنية ومقراتها وتجهيزاتها وبنيتنا التحتية واقتصادنا وإعادة أموالنا المحجوزة لديهم هي أمر ملح وضروري حتى تقوم السلطة الوطنية بالوفاء الكامل بكافة التزاماتها الأمنية ومن أجل سيادة القانون والنظام على المستوى الوطني والقومي وفي المنطقة كلها.

ومرة أخرى، أشكر إخواني العرب وكل المتبرعين من أوروبيين وروس وصينيين وأفارقة وتوجد دول فقيرة؛ ولكنها أصرت على إرسال حتى لو أشياء بسيطة يقطعونها عن أفواههم وشكراً لهم.

إنني أتوجه إلى شعبنا الفلسطيني الصامد المرابط في كافة أماكن تواجده في الوطن والشتات داعياً شعبنا البطل إلى الصبر والصمود والصلابة والوحدة الوطنية الراسخة حتى يحقق شعبنا هدفه في استعادة أرضه المحتلة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وإيجاد الحل العادل لقضية اللاجئين المشردين في بقاع الأرض وفي المخيمات على أساس قرار الأمم المتحدة 194.

لقد تعرض شعبنا لأكبر مأساة في التاريخ حين شرد من وطنه وحين لم تسعفه الظروف والمتغيرات الدولية لإقامة دولته المستقلة كما نص على ذلك قرار الجمعية العامة 181، وشعبنا اليوم يقف بفعل نضاله وتضحياته الجسام على مدى عقود على أبواب الاستقلال الوطني، وفي هذا المخاض العسير لولادة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف يشتد القمع الإسرائيلي وتتكالب المؤامرات ويتزاحم المتآمرون على شعبنا وقضيتنا وحقوقنا؛ ولكننا صامدون بصمود شعبنا؛ لأننا على حق وما نطلبه ونكافح في سبيله هو الحق المشروع لشعبنا في الاستقلال والحرية؛ ولهذا أدعوكم إلى التركيز على رص الصفوف والتلاحم الوطني؛ لأننا نقف اليوم على مفترق طرق، ويجب ألا ننحرف قيد أنملة عن هدفنا الوطني في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة تحت ضغط القمع الإسرائيلي أو شراسة الممارسات العسكرية الإسرائيلية أو تحت ضغط أو عروض أو إغراء إستراتيجية غريبة عنا لمحاولة فرض الحلول على شعبنا وأمتنا وتركيعنا والتي لن تقربنا من هدفنا الوطني، بل تبعدنا عنه. وهنا أرجو أن يتم حل المشكلة مع الإخوة في العراق حلاً سياسياً دولياً بعيداً عن العنف العسكري للمساعدة في إيجاد السلام والاستقرار في المنطقة كلها منطقة الشرق الأوسط المهمة للعالم أجمع.

وما أكدت عليه اليوم أمام مجلسكم التشريعي من مواقف إنما ينطلق من الحرص على مصلحتنا الوطنية والقومية أولاً وأخيراً، وتقريب ساعة خلاصنا الوطني من ربقة الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي لأرضنا ووطننا ولإنقاذ مقدساتنا المسيحية والإسلامية من خطر الضياع والتهويد الزاحفين على تاريخنا وتراثنا وهويتنا وأرضنا ومقدساتنا، وحتى يرفع شبل من أشبالنا وزهرة من زهراتنا علم فلسطين فوق أسوار القدس وكنائس القدس ومآذن القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين مسرى نبينا محمد (صلوات الله عليه وسلم) ومهد سيدنا المسيح (عليه السلام).

وأتمنى على الرئيس جورج بوش أن يكمل رسالة أبيه الرئيس بوش الذي بدأ مؤتمر مدريد للسلام لإقامة السلام العادل والدائم والشامل في المنطقة طبقاً لقرارات الشرعية الدولية خاصة وأن أرضنا المقدسة هذه الأرض المقدسة ليست للفلسطينيين والإسرائيليين فقط، بل هي لجميع العرب مسيحيين ومسلمين ويهود والأحرار والشرفاء في العالم أجمع.

أحيي شعبنا الفلسطيني الصامد في الوطن والشتات.

أحيي أسرانا ومعتقلينا في السجون الإسرائيلية وخاصة الأخ عبد الرحيم ملوح عضو اللجنة التنفيذية والأخ مروان البرغوثي عضو المجلس التشريعي والإخوة القادة والأحبة المعتقلين والأسرى الأبطال الآخرين.

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار وأدعو بالشفاء العاجل لجرحانا البواسل.

أحيي مجلسنا التشريعي الفلسطيني ومجلسنا الوطني الفلسطيني

بسم الله الرحمن الرحيم

"إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ"

صدق الله العظيم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

كلمة الرئيس ياسر عرفات أمام المجلس التشريعي في جلسة نيل الثقة على الحكومة

 29 تشرين الأول 2002

بسم الله الرحمن الرحيم

“إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)

صدق الله العظيم

يا جماهير شعبنا الصامد،

أيتهـا الأخـوات أيها الإخوة،

أخواتي إخواني أعضاء المجلس التشريعي،

زملائي وأحبائي السفراء والقناصل للدول العربية والصديقة،

نجتمع اليوم مرة أخرى، تحت سقف هذا المجلس، وعلى هذه الأرض المباركة، من أجل أن أقدم أمامكم حكومتكم الفلسطينية الرابعة منذ الانتخابات التشريعية والرئاسية العامة التي جرت في العام 1996، ولكي نقوم سوياً ومعاً بإجراء هذه الوقفة مع الذات، هذا الحوار الفلسطيني العظيم. الذي هو ميراث تقاليدنا الديمقراطية، من أجل ان نعرف ما هي النقطة التي وصلنا إليها، وكيف نمضي من هنا، لئلا نخطئ البصر أو نفقد البوصلة. حيث أنظار شعبنا تتطلع إلينا، ويترقبنا العالم بأجمعه في ظل هذه الظروف الدولية الخطيرة وخاصة في مناطقنا كما تترقبنا امتنا العربية، وجيراننا على حد سواء؛ لأنها تكتب بأحرف من نور ونار في سجل التاريخ، نعم وأحرف من نور ونار في سجل التاريخ، وحيث نستطيع بالرغم من كل شيء، القيام بهذه المهمة الوطنية، والقومية والحضارية والدينية في الأرض المقدسة أرض الرباط وللحفاظ عليها ولتحقيق وإنجاز حلمنا التاريخي ليرفع شبل من أشبالنا أو زهرة من زهرات شعبنا شعب الجبارين علم فلسطين فوق أسوار القدس وكنائس القدس ومآذن القدس الشريف عاصمة دولتنا الفلسطينية المستقلة بعونه تعالى، وهي الحفاظ على استقرار الشرعية والنظام السياسي الفلسطيني على أرض وطننا الحبيب فلسطين.

لقد أرادونا شعباً مشتتاً من المهجرين واللاجئين في العالم، ومحرومين من وطنهم المقدس وأرضهم أرض الرباط بدون عنوان، واليوم نحن شعباً موحداً لقضيته التي هي اليوم في صلب الأجندة العالمية، ووجدان الأحرار والشرفاء في العالم أجمع، وهي التي ارتفعت وسمت، بفعل النضال الوطني لشعبنا، وصموده الأسطوري الرائع الذي أدهش العالم، ولتصبح في قلب الضمير والوجدان العالميين، ورمزاً للعدالة الكونية في زمننا المعاصر. وبات الآن الهدف الشرعي الوحيد الذي يشكل موضوع الإجماع من قبل العالم هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف التي أصبحوا يرونها قريبة وقد كان هذا هو إيماننا الدائم وهدفنا ويقيننا الوجداني الأصيل.

وهنا فإننا نريد أن نؤكد، وان نعيد تذكير أنفسنا من أي نقطة بدأنا والى أين وصلنا، لئلا يغفو البعض منا، عند اللحظة المصيرية العظيمة، أو يزُغ منا البصر، ولقد بدا أحياناً كما لو أن مسارنا يتبع خطى ذلك البطل الأسطوري، الذي قدر له ان يحمل الصخرة إلى قمة التل، ليعود أدراجه للانطلاق من نقطة الصفر؛ ولكن انبعاثنا من حطام النكبات وأنقاض الدمار الذي حل بنا مثل طائر الفينيق، كان في كل مرة يندفع من إيماننا العميق ليمدنا بهذه الروح الوثابة وبهذه الإرادة المقدسة التي هي مصدر قوتنا، واستعصاءنا على الكسر أو الاستسلام، وهي الروح التي تنفخ في قوة جماهير شعبنا الفلسطيني، شعب الجبارين الذي جسد في صموده وجهاده وبذله وعطائه، وبطولته وتحمله، قوة المثال أمام الأمم في توقه وإصراره على الحرية. وهو الذي يستحق ان ننحني أمام عظمته، وهامته الشامخة في هذه الأوقات العصيبة والمصيرية علينا جميعاً في هذه المنطقة.

تحية لكم أيها الفلسطينيون، يـا شعب الجبارين، أينما كنتم في جنين البطلة، جنينجراد، ونابلس، وطولكرم، وقلقيلية، وطوباس، ورام الله، وبيت لحم، والخليل، والقدس، وأريحا، وغزة، وخانيونس، ورفح (رفح جراد). وفي أماكن الشتات واللجوء، في مخيمات لبنان والأردن وسوريا ومصر وبقية الدول العربية، وفي دول العالم كافة، محافظين على العهد، والصمود والنضال والثبات حتى يوم الاستقلال وهو ليس ببعيد بعونه تعالى.

أيتها الأخوات أيها الإخوة

يا شعب الجبارين

أيها الضيوف الأعزاء

لم ينجحوا في قهر خيالكم أو حلمكم ولن يفلوا إرادتكم وعزيمتكم وإيمانكم ولم ولن يستطيعوا المساس بهذه الحمية الجبارة في وعيكم ووعي هذا الجيل الذي يرمز إليه فارس عودة. ولقد كانت تلك المسيرة جهد متواصل، ومثابر لا يلين، من أجل التغلب على ما بدا أحياناً انه المستحيل، وقهر هذا المستحيل على حد سواء، مهما كانت التضحيات ومهما كان الثمن “وَلا تَهِنُوا وَلا تحْزَنُوا وَأنتم الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ”

 

ولقد دفعنا هذا الثمن، هذه الضريبة عن طيب خاطر، تلك الضريبة التي دفعتها كل الشعوب التي سبقتنا، نظير توقها إلى الحرية والكرامة. ولقد كان علينا ان نتعرف على طريقنا بأنفسنا، ونعلم أنفسنا بأنفسنا، وان نخطئ وأن نصيب، ونختبر كل المرارات، وأن نقوم ثانية، وننهض، لإعادة بعث قوة الشعب وتلاحمه وتوحيده حول قضيته، بعد النكبة، ومن شعب معظمه لاجئين، إلى شعب من المناضلين من أجل الحرية، ومن طليعة، إلى حركة ثورية كبيرة، أصعب وأطول الثورات، ومن الحركة الثورية إلى سلطة، ومن السلطة إلى الدولة الفلسطينية بعونه تعالى، وعاصمتها القدس الشريف “وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مرة” وعند هذا المنعطف المصيري هنالك محاولات متعددة ومتنوعة ومن مختلف الجهات والجبهات لوقف التدفق التاريخي الفلسطيني، ومحاولة تحطيم السلطة الوطنية، بعد ان أصبحت الدولة على الأبواب. على عتبة الدولة والقدس الشريف يحاولون بكل جهدهم وإمكانياتهم وقدراتهم توجيه ضربة قاصمة للمسيرة الفلسطينية، على أمل إعادتنا إلى الوراء وعبثاً يفعلون أمام شعب الجبارين.

لأن شعبنا الفلسطيني بدعم إخوانه العرب والأحرار والشرفاء في العالم والقوى الدولية الصديقة صامد في هذه الحرب الشرسة التي خططوا لجرّ الشعبين إليها، بعد أن كنا قاب قوسين أو أدنى من التوصل إلى إنجاز السلام "سلام الشجعان" المشرف لنا ولهم، وبعد ان اقتربنا كل هذا الحد من تحقيق المصالحة التاريخية وسلام الشجعان. لقد قتلوا الشريك الراحل إسحاق رابين، وكما تعمل قواتهم ومستوطنيهم بالتصعيد العسكري والحصار الخانق والتدمير الشامل والمجازر والاغتيالات والاعتقالات وحجز أموالنا ومحاولات إذلال شعبنا لتدمير اتفاقيات السلام وإعادة السيطرة علينا وعلى منطقة الشرق الأوسط وبما يتلقوه من الدعم من بعض القوى العالمية.

وفي ذروة هذه الحرب، إعادة احتلال أراضينا، ومدننا، وقرانا، وتمزيق الاتفاقات التي وقعناها معهم، وتحدثوا عن ذلك على الملأ، وفي وضح النهار. ومنعوا أولادنا من الذهاب إلى المدارس، أين يحدث هذا في العالم؟ ومنعوا مزارعينا من قطف الزيتون، ودمروا المباني، والطرقات، والمشاريع التنموية التي أقمناها، مشروع بيت لحم 2000، ومطار غزة الدولي، والميناء في بدايته، وجرفوا الأراضي والحقول، وأقاموا حقول الأشواك بدل أشجار الزيتون، يمارسون العنف الأكثر قسوة وشراسة؛ في محاولة كسر إرادة الشعوب، وسقط منا ما يقارب68,000 شهيد وجريح، وثلثهم من الأطفال والنساء و85% منهم من المدنيين، بجانب آلاف المعتقلين. لقد فعلوا كل شيء، كل ما لا يمكن تخيله، في عالم نفض عنه تقاليد الحروب البربرية، ولم يتورعوا عن قتل الأسرى، واغتيال بعضهم.

لقد فعلوا كل التنكيل الممكن، حتى قال وزير جيشهم: إن جعبة خيارهم العسكري قد نفذت. إذًا ماذا يمكن أن يبقى: طائرات ألـ ف 16، والاباتشي، ودبابات الميركافا، والقصف، والاغتيالات، والاجتياحات، بعض المدن الفلسطينية اجتاحوها 60 مرة، بل 61 مرة وفي قطاع غزة سجل منذ شباط الماضي 45 اجتياحاً. وعدة مجازر، في غزة وبيت حانون وخانيونس ورفح، وجنين، ونابلس، وطولكرم وقلقيلية وبيت لحم والخليل وأريحا؛ وكذلك محاصرتي في مقر المقاطعة؛ ولذلك اضطررت لدعوتكم للاجتماع وتدمير مكاتب المقر ومحاولة قتل من فيها، مرحباً بالشهادة.

لقد حاولوا إيلامنا، وإيجاعنا وتحدثوا عن الهزيمة والنصر بصورة وقحة، وعلانية ووصفنا رئيس هيئة أركانهم بالسرطان، واعرف كما تعرفون، كم عانى الشعب وتحمل، كم عانينا جميعنا، ولا زالت السكين مشهرة على رقبة الشـعب الفلسطيني؛ لكن المطرقة الثقيلة التي تملكها إسرائيل، جوبهت بالبطولة الفلسطينية التي هي معجزة الشعب الفلسطيني، بهؤلاء الأطفال، الذين يرمز لهم، فارس عودة، داوود الفلسطيني، وبهذا الشعب العظيم الذي خرج في تلك الحلكة المظلمة، في تلك الليلة العظيمة كجيش الليـل، الذي تحدث عنه فرانز فانون، صاحب كتاب المعذبون في الأرض. لقد خرج هؤلاء المعذبون الجدد في الأرض، في الظلمة، يدقون طبول الحرية، نشيد الحرية للشعب الفلسطيني، ورفضه الذل والهوان، خرجوا مرفوعي الرؤوس نساء ورجالًا، شيوخًا وأطفالًا تتقدمهم المرأة الفلسطينية حامية بقائنا حارسة نارنـا الدائمة. هنـا في شوارع رام الله البطلة، وفي كل الضفة وغزة خرج الشعب الفلسطيني، ليحمي مشروعه الوطني، ويقلب كل التوازنات التي يخططون من ورائها وعلى أساسها.

لقـد أعادوا احتلال الأرض والمدن؛ لكنهم فشلوا في احتلال وعينا، وإرادتنا، أو كسر عزيمتنا، أو قهر خيالنـا، أو ضرب روحنا، وكان بجانبنا هذا الدعم العربي والدولي والأحرار والشرفاء والأصدقاء في العالم، وهذا مصدر فخارنا واعتزازنا وقوتنا؛ لأننا لم نعد نشعر أننا وحدنا؛ فالعالم كله أصغى إلى صوت الشعب الفلسطيني، الصوت الذي شق وحشة البرية، يلتف حول قضيتنا، العادلة دفاعاً عن أرضه ومقدساته المسيحية والإسلامية وحتى اليهودية، كما احترمناها وقلنا هذا في اجتماع كامب ديفيد؛ لأن هدف الحرب هو حرماننا من حريتنا، واستقلالنا، ودولتنا المستقلة ومن قدسنا ومقدساتنا.

 

أيهـا الإسرائيليون ما الـذي تريدونـه من هـذا القتـال والحـرب؟

إلى أين تمضون؟ هل تريدون الأمن والأمان؟ حسناً نحن نريد أن نعيش وإياكم جيراناً بحسن الجيرة، وحيث لا يفصل بيننا بحرٌ أو محيطٌ، أو جبال وأنهر؛ كما انطلقنا في عام 1988 في المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر، ولأن جداراً أطول من جدار برلين حول القدس الشريف وحول غيرها لن يكون بديلاً عن النوايا الحسنة، وان الخط الفاصل بيننا اسمه الخط الأخضر وليس الخط الواقي الذي يبنوه؛ فهـيا نتوصل لمفهوم مشترك حول الأمن الذي تريدونه، والأمن الذي نريده. الأمن المشترك لنا ولكم وللمنطقة كلها والعودة للسلام العادل والشامل والكامل والأرض مقابل السلام، وأيضاً انطلاقاً من مبادرة السلام التي أعلنها سمو ولي العهد السعودي وتبنتها القمة العربية في بيروت وما تم في أوسلو وواشنطن والقاهرة وكامب ديفيد والواي ريفر وباريس وشرم الشيخ وطابا ومدريد لتحرير أرضنا الفلسطينية والعربية طبقاً للقرارات الدولية والاتفاقات والاقتراحات الدولية بما فيها القرارات 242، 338، 425، وحتى القرار 1435؛ وكذلك 194 الخاص باللاجئين؛ وكذلك القدس الشريف المحتلة سنة 1967 عاصمة دولتنا الفلسطينية شاء من شاء وأبى من أبى.

ولقد اعترفنا لكم بدولتكم على مساحة 78% من أرض فلسطين، وقبلنا أن نقيم دولتنا على 22% من هذه البلاد بلاد اليبوسيين؛ فلماذا تريدون أن تلاحقونا حتى على هذه الرقعة الصغيرة؟ والمحاولات المستمرة لضرب عملية السلام ولمنع إقامة دولتنا المستقلة وتحرير أرضنا ومقدساتنا.

أيهـا الإسرائيلـيون:

ها نحن نمد إليكم يد المصالحة، وللسلام غصن الزيتون، لاستئناف الطريق التي بـدأنـاها في مدريد، وأوسلو وواشنطن والقاهرة وباريس وغيرها، لإزالة الاحتلال، وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة والانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة، وتحقيق السلام المشرف لنا ولكم، لأطفالنا ولأطفالكم ان خيار السلام هو خيار استراتيجي بالنسبة لنا، ولن نحيد عنه. وعليكم أن تعرفوا ان صمودنا هو من أجل التحرر الوطني هو حق مشروع لنا، ولن نتنازل عن حقنا في الاستقلال والحرية أسوة ببقية شعوب العالم.

ونحن نقـدر الأصوات المتعقلة التي تصدر عنكم، والتي ترى ضرورة التـفوق على هذا النزاع، والعودة إلى طريق الحلول السلمية. ولقد أعلنت سابقاً، ومراراً، وأعود لإعلان ذلك والتأكيد عليه، على أسماعكم، وأسماع شعبي، وإسماع العالم اننا ضد جميع الإعمال التي تمس بالمدنيين، المدنيين الفلسطينيين والمدنيين الإسرائيليين؛ فلكل إنسان الحق بالحياة، للفلسطينيين هذا الحق، وللإسرائيليين هذا الحق، ولكل الأحرار هذا الحق ونحن ندين كل الأعمال الإرهابية التي تستهدف المدنيين في أي مكـان في العالـم. وهذا موقف أخلاقي تمليه علينا قيمنا، وديننا كما هو موقف سياسي وإنساني، لا يـرى في هذه الأعمال أسلوباً لحل المشاكل السياسية.

ومن المؤسف، ويجب أن نكون صريحين، كانت المبادرة إلى تصعيد العنف تأتي من جانب قيادتكم في كل مرة نحاول تهدئه الأمور من جانبنا، ونسيطر عليها، وكانت حكومتكم وجيشكم يوجهون الضربات لنا، لأجهزتنا الأمنية، لإضعافنا، وحتى لا نقوى على القيام بالتزاماتنا، وحتى عندما نجحنا بوسائل الإقناع فيما بيننا، وقف هذه العمليات التي تستهدف المدنيين انظروا ما كان يحدث، يذهبون لقصف حي سكني في مكان مكتظ، لاغتيال أحد الأشخاص، من أجل ان يستثيروا إعـادة العنف المتبادل، ولقد تكرر ذلك للأسف، طوال الوقت وبدلاً من الاعتراف بذلك، استمروا في حملة التحريض والتضليل، على القيادة الفلسطينية، وعلى شخصي، من أجل محاولة إقناعكم انه لا يوجد شريك فلسطيني على الطرف المقابل، بمحاولة تحطيم السلطة الوطنية ولتحطيم عمليه السلام، وقتل المشروع الذي بدأته وشريكي رابين لتحقيـق المصـالحة التـاريخيـة بين الشعبين.

أيتهـا الأخـوات، أيها الإخوة: أيها الضيوف:

وإذ أخاطب الشعب الإسرائيلي في هذه المصارحة؛ فإنني أتوجه إلى شعب الجبارين الشعب الفلسطيني، وأقول لكم، أيها الفلسطينيون: إنه بالرغم من كل المعاناة، والالم؛ فإنني أرى الضوء في نهاية النفق، أرى أملاً أرى القدس الشريف. ومحظور علينا أن نفقد اتزاننا، وأعصابنا، وأملنا فهذا هو المحك التاريخي، لجدارتنا، وصمودنا وقوتنا، وصلابتنا، وقيمنا، وأخلاقنا.

أيهـا الفلسطينيون في الـوطن والشـتات أينما كنـتم:

إن العالم بأجمعه يعترف بحقوقنا، وأصبحت الدولة الفلسطينية موضع إجماع، خارج أى نقاش، وهي في صلب الأجندة الدولية في خطاباتهم وتصريحاتهم، ومبادرتهم، وهذا شيء عظيم حققناه، والنقاش الآن يدور حول جلاء الاحتلال عن أراضي الدولة الفلسطينية. ولننظر إلى المستقبل بأمل والأيمان والثقة وتفاؤل ولنعمل من أجل المستقبل بتكاتف من أجل تحقيق هدفنا الوطني الأول، هدف لتجسيد دولتنا المستقلة في هذه الأرض المقدسة والمفاخرة بها وبإسهاماتنا بدفعات دينية وحضارية وإنسانية تؤمن بالحق والخير والتسامح والعدل.

أيهـا الفلسطينيون: أيها الجبارون

لقد فهمكم العالم، ورسالتنا وصلت إليه، لقد عبرنا عن رفضنا للاحتلال، والعالم يحترم نضالنا وصمودنا في تحقيق هذا الهدف؛ فهذا الوضع الصعب، هو ربع الساعة الأخير، بل ودليلاً على نهوضنا، وبأسنا، وإرادتنـا، وبطولتنا؛ لأن هذا الصراع هو نشيد الاستقلال، ولأن هدفه العـدالـة، وإنهاء الاحتلال.

؛ ولكن تفهم العالم لنـا، وتضامنه معنا، يفرض علينا، القيام بهذه المراجعة الصريحة مع أنفسنا، من أجل أن نحافظ على تحالفاتنا، وكسب المزيد من الأصدقاء، وان نثبت للعالم صدقية الحفاظ على التزاماتنا، وجديتنا، وجدية رسالتنا إلى الجميع، بما في ذلك، جيراننا الإسرائيليين.

إخوتي وأخواتي أعضاء المجلس التشريعي

هذه رؤيتنا للصراع والسلام ولحقوق شعبنا، وحتى يمكن لنا أن نخرج من هذا الصراع إلى آفاق المستقبل المشرق، اسمحوا لي أن أضع أمامكم الخطوط العريضة لبرنامج حكومتنا.

وهذه الخطوط يمكن إيجازها فيما يلي:

أولاً: مواصلة الصمود الوطني والصلابة من أجل الاستقلال والحرية وإنهاء الاحتلال باعتباره الهدف الذي يؤطر وحدة الفلسطينيين ويشكل النظام السياسي لمجموع فعالياتنا السياسية والمدنية، وصولا إلى إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين، وذلك انطلاقا من تمسكنا باستراتيجيتنا السلام الشامل والعادل، وعزمنا الأكيد على تفعيل مسيرة السلام لتحقيق هذا الهدف.

ثانياً: العمل على تعزيز صمودنا الوطني والعمل على تخفيف المعاناة عن شعبنا الفلسطيني بما في ذلك مواجهة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الناشئة عن هذا الاحتلال، وبذل الجهود لحماية القدس ومقدساتها والتصدي للاستيطان وحماية معتقلينا وأسرانا توطئة لتحريرهم، وتوفير الحماية الدولية لشعبنا الفلسطيني.

ثالثاً: الحفاظ على الوحدة الوطنية في إطار من تقاليدنا الديموقراطية ومكتسباتنا السياسية في إطار السلطة الواحدة واحترام القانون. وبناء الديموقراطية من خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية والمحلية في ظل رقابة دولية تحقق أكبر قدر من الشفافية والنزاهة والمصداقية لها ومواصلة الإصلاحات الداخلية في كافة الحقول، وعلى رأسها الأمن والقضاء والتعليم والصحة والاقتصاد والعمل لعمالنا ومزارعينا وإدارة المال العام، وإعادة بناء ما دمره الاحتلال وترميم البنية الاقتصادية الفلسطينية والنهوض بالمؤسسات الوطنية إعداداً للدولة الفلسطينية المستقلة القادمة بعونه تعالى.

رابعاً: تعزيز علاقاتنا العربية والإسلامية والمسيحية والدولية والعمل على تطوير جبهة تحالفاتنا بما يخدم تحقيق أهدافنا.

واسمحوا لي بعرض هذا البرنامج الهام عليكم باختصار بندا بنداً؛ لأنني أريد أن أسلم لأخيكم أبو علاء

أولاً: مواصلة الكفاح الوطني من أجل الاستقلال واستمرار استراتيجية السلام

علينا الاستمرار في الدفاع عن مشروعنا الوطني الذي يقوم على الحرية والاستقلال ولإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف حتى أقول للناس إللي بين حائط برلين لن يمر علينا حائط برلين على حدود الرابع من حزيران 1967، وحل مشكلة اللاجئين حلاً عادلاً طبقاً للقرار 194 والشرعية الدولية. لقد وفرت الشرعية الدولية الأسس القوية لهذا الحل والمتمثلة في قرارات مجلس الأمن 242، 338، 425، 1397، 1402، 1403، 1435، وغيرها من القرارات العديدة؛ كما إن مبادرة السلام العربية أضافت بعداً عربياً هاماً أقرته قمة بيروت العربية واعترفت بأهمية المبادرات الدولية اللاحقة. ونحن ملتزمون بهذه المبادرة وبهذه القرارات. كما أننا نناقش بجدية وإيجابية المشروع الذي قدمته اللجنة الرباعية والذي استند إلى خطاب الرئيس بوش في 26/4/2002 والى المبادرة الأوروبية، ومبادرة السلام العربية، والقرارات الدولية والدول الأفريقية والدول الإسلامية ودول عدم الانحياز والأحرار والشرفاء والأصدقاء في العالم، ونحن ندعم كل عمل عربي أو دولي يؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وللأراضي العربية وفتح الباب أمام العودة إلى طريق السلام وبناء الدولة الفلسطينية ان انتفاضة الشعب الفلسطيني الباسل ورفضه للاحتلال والاستيطان لا يعني إطلاقا رفض السلام العادل والشامل؛ فالسلام هو خيارنا الاستراتيجي؛ كما أنه خيار كل أشقاءنا العرب، بل خيار عالمنا المعاصر. ولسوف تبذل هذه الحكومة إذا وافقتم عليها قصارى جهدها لوقف أي انحراف عن هذا الطابع من كفاحنا النبيل وهدفنا في الحرية والاستقلال وحماية مقدساتنا.

ثانياً: العمل على تعزيز الصمود الوطني والعمل على تخفيف المعاناة عن شعبنا وتوفير الحماية له

إن استمرارنا في الصمود والنضال من أجل تحقيق مشروعنا الوطني والسلام العادل والشامل يتطلب بذل كل الجهد لتعزيز صمود شعبنا والتخفيف عن معاناته والعمل على توفير الحماية الدولية له. لقد عاش شعبنا شعب الجبارين تحت الحصار، وبقدر ما كنت أطلب الشهادة وأرفض الاستسلام، كنت أستلهم من صمود شعبنا شعب الجبارين إيماناً وصموداً وثباتاً. أنا أعرف ما يعانيه شعبنا وأحس فيه في جسدي وضميري. أحس بجراح الأطفال وبحرقة الأمهات، وبإهانات العجائز والحوامل على الحواجز، وبالجوع، واستحالة الوصول إلى المستشفيات. يغص قلبي عندما أرى العائلات التي شردها تدمير البيوت في غزة والضفة، أحس بالأسى لرؤية أشجار الزيتون تقتلع والمستوطنين يمنعون القطاف في مزارعنا، لهفي على أطفال القدس يصعدون الجبال تحت إطلاق الرصاص لكي يصلوا إلى مدارسهم وأدرك أنه لولا التكافل الأسري الفلسطيني لوصل شعبنا إلى المجاعة نعم لولا بعد توقف الدخل وذوبان المدخرات وتفاقم الديون.

؛ لكن هل يتفهم العالم ما فعله الاحتلال والحصار الإسرائيلي باقتصادنا. هل يعقل أن يفقد شعب أكثر من نصف دخلة القومي وأن يتحول 70% من عماله إلى البطالة وأن تصبح 70% من العائلات تحت خط الفقر وان تحتجز أموال الحكومة بين 85%- 75% من إيرادات الحكومة والتي وصلت في الـ25 شهر الماضية إلى حوالي 1.8 مليار دولار أو أكثر من ذلك. لقد سجل البنك الدولي والأمم المتحدة والدول المانحة عظم الكارثة التي سببها الاحتلال الإسرائيلي للشعب الفلسطيني في هاتين السنتين.

إني أدرك تماما هذه المعانة وآلامها، وأحس بعظمة هذا الشعب وصموده في وجهها، أرادوا استسلامه وتخليه عن حقوقه فأزداد شموخا وإباءً وإيماناً. إن هذا الشعب العظيم الذي كنت أقول دائماً أنه يتفوق على قيادته لا يحتاج لأن نعلمه معنى الصمود لأنه المعلم الأكبر وهو صانع هذه المعجزة ويحمل الراية جيلاً بعد جيل على مدى قرن كامل، القرن الأخير منذ المؤتمر الصهيوني في بازل منذ عام 1897. وإني هنا احيي المبادرات الشعبية الخلاقة في تنظيم برامج التعليم المنزلي التي قامت بها أجهزتنا التعليمية ووزارة التعليم وقدمها شعبنا للتغلب على قيود الاحتلال؛ كما أحيي الفلاحين الفلسطينيين الذين يتحدون المستوطنين وجيش الاحتلال ويواصلون العمل جماعات في قطف الزيتون والزراعة؛ كما أحيي عمالنا الذين تحملوا، وكما أحيي المؤسسات الحكومية والأهلية التي تقدم الخدمات لشعبنا في أصعب الظروف؛ كما وأحيي باسمي وباسم الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية وباسمكم الأصدقاء الأجانب المتطوعين للدفاع بأجسادهم عن الشعب الفلسطيني ووقفوا بجانبه وقت الحصار؛ والبعض منهم يشارك الآن في قطف الزيتون اننا نحتاج إلى هذه المبادرات الشعبية والدولية وتعزيزها. إني أريد أن أحيّي باسمكم أبطال وزارة الصحة الفلسطينية في المستشفيات والعيادات الميدانية وفرق الهلال الأحمر الفلسطيني والصليب الأحمر الدولي وكل فرق الإغاثة الرسمية والشعبية والأخوية العربية والصديقة التي استمرت تؤدي دورها رغم كل الصعاب وأحيي كل المعلمين والمعلمات وأطقم وزارة التربية والتعليم والجامعات والتي استمرت تقدم العلم لأكثر من مليون تلميذ وتلميذة ورغم الحصار ورغم الدمار، ولكل رجال البلديات وخدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وجميع عمالنا يقدرون الظروف وأحيي رجال ونساء الخدمات الاجتماعية وخدمة المعاقين وغيرهم في كل مجال. لقد سعينا إلى دعم شعبنا العربي وحكوماته؛ وكذلك دعم الأسرة الدولية، ونجحنا في توفير الغذاء والدواء لجزء كبير من أبناء شعبنا؛ وكذلك في استمرار الخدمات الرئيسية لأبناء شعبنا رغم الاحتلال، وإنني لأسجل هنا كل التقدير والاعتزاز لكل أشقائنا العرب ولكل الأصدقاء وخصوصا من الاتحاد الأوروبي الذين قدموا لنا المال والغذاء والدواء، ولأطقم الصليب الأحمر ولكل نشطاء السلام، ولكل الإخوة والأصدقاء والأشراف في العالم أجمع ويؤسفني القول أن الدعم المالي الخارجي قد تقلص في الأشهر الأخيرة؛ فلم يعد يفي باحتياجاتنا. ومازالت إسرائيل تحجب عنا أموالنا؛ مما زاد في صعوبة قيامنا بدفع الرواتب للموظفين والدعم المالي للعاطلين عن العمل والمتضررين، ومع ذلك؛ فإن الحكومة سوف تلتزم باستمرار العمل لتقديم العون لمختلف فئات شعبنا لدعم صموده، وهنا؛ فإن على الوزارات الجديدة أن تزيد من فعالية الأداء وتنظيمه؛ فكلما شحت الموارد كلما زادت أهمية الكفاءة في استخدامها، وأهمية وضع الأولويات الصحيحة في تخصيصها. ونحن سنستمر في مطالبة أشقائنا وأصدقائنا لتقديم العون وسنستمر في جعل الأولوية الأولى للغذاء والدواء والتعليم والصيانة والترميم وإعادة البناء، استمرار المرافق، ومكافحة الفقر، وخلق فرص العمالة، وتعويض العاملين، وتوفير المساكن المؤقتة إلى حين إعادة البناء، وإعادة بناء أدوات الإنتاج؛ كذلك الدعوة لمزيد من العمل التطوعي والتكافلي، وتوزيع الأعباء بعدالة وتقليص الإنفاق والتوفير في كل مجال؛ ولكني أدرك أيضا أن كل إجراءات تخفيف المعاناة هي إجراءات مؤقتة، وأن المطلوب هو إنهاء المعاناة وهذا لن يتحقق إلاّ بإزالة الاحتلال وانتهاء الغمة وتحطيم الحصار والتقدم باتجاه السلام والحرية والاستقلال، إلى أن يتحقق هذا الأمل العظيم وسوف يتحقق بعونه تعالى، سوف نستمر في السعي لتحقيق حماية أكبر لشعبنا الفلسطيني تحت الاحتلال والحصار والعدوان. إن للأمم المتحدة ما يزيد على خمسين بعثة مسلحة في العالم تحافظ على السلام وتحمي الشعوب من العدوان، في البوسنة وكوسوفو وتيمور، ولبنان وسورية ومصر وسيراليون وغيرها. أو ليس الشعب الفلسطيني في حاجة لمثل هذه الحماية أيضاً مثل غيره.

 

 

كلمة الرئيس ياسر عرفات أمام المؤتمر الوطني للتنمية البشرية ألقاها نيابة عنه أمين عام الرئاسة 16 حزيران 2002

الأخوات والإخوة،

إنه لمن دواعي سعادتي واعتزازي ان أكون معكم في هذا الملتقى الهام، الذي ينعقد في آن واحد في غزة ورام الله، بنفس المحاور والأهداف، وبكل إصرار على الرد على محاولات الاحتلال المستمرة، لتقسيم وتجزئة أوصال وطننا الواحد.

ويطيب لي أن أرحب بكم، وأن أحييكم جميعاً، باسم السيد الرئيس الذي شرفني بتكليفي حضور لقائكم بالنيابة عن سيادته، حرصاً منه وتأكيداً على ما يوليه من اهتمام بمثل هذه اللقاءات النوعية، وخاصة في مثل هذه الظروف الاستثنائية التي نعيشها سواء على صعيد تجسيد أهدافنا الوطنية، أو على صعيد إعادة ترتيب بيتنا الداخلي بمعنويات عالية، وعلى كافة المستويات، غير عابئين بحملات التيئيس المدروسة أو ملتفتين لكل محاولات الإحباط، وبما يبلور تجسيد تلك الأهداف من خلال المسار الجديد الذي شرعنا بتدشينه، لتحقيق المزاوجة ما بين المهام النضالية لإنهاء الاحتلال لأرضنا، والمهام الوطنية لبناء دولتنا المستقلة عليها.

من هنا أيتها الأخوات والإخوة، تتضاعف الأهمية الكبرى لمؤتمركم وللقضية الأساسية التي يتصدى لها من خلال هذه الثلة من الأساتذة ورجال الاختصاص بمنهجية علمية مستنيرة ستفضي إن شاء الله إلى بلورة توصيات قيمة تلبي احتياجاً ماساً، وسيكون لها دور مباشر في مساعدة السلطة الوطنية الفلسطينية لترجمة سياستها في هذه المرحلة الجديدة. خاصة وأن جميعنا على دراية ووعي كامل بأن رأسمالنا الوطني الأكبر والأهم على الإطلاق هو الإنسان الفلسطيني، وهو أعز ما نملك، وأعز ما يملكه إنساننا هو أرضه وكرامته، بمعنى ممارسته لحقوقه على تراب وطنه في كنف الحرية والاستقلال الوطني، وتلك هي المعادلة التي يخوض فيها محور هذا الملتقى: التنمية البشرية ومقومات الدولة الفلسطينية.

وإذا ما تجاوزنا النظر إلى هذا المحور باعتباره مهمة أو مسؤولية إرادية أو هدفاً وطنياً؛ فإنه وبمقاييس العدالة والشرعية وبشقيه التنمية والدولة جزء لا يتجزأ من منظومة الحقوق… حق الشعب الفلسطيني في ممارسة حريته وتجسيد استقلاله، وحق الإنسان الفلسطيني في التنمية.

أيتها الأخوات أيها الإخوة،

إننا اليوم على أبواب منعطف حاسم لتجسيد هذه الحقوق، وهكذا فإننا وباختصار ووضوح، معنيون جميعاً بأن نثبت لأنفسنا أولاً وللعالم اننا شعب جدير باستحقاق الدولة، دولة تليق بشعبنا ونضالاته وتضحياته وتليق بوعيه وكفاءاته.

إن العالم بأسره في هذه الآونة ينظر إلينا، ويحسب خطواتنا ونحن نصيغ أسس دولة القانون والمؤسسات والتعددية السياسية التي ناضل وضحى شعبنا وعانى أشد المعاناة لإقامتها.

وجميعنا نتابع ما تستحوذ عليه مسألة إقامة الدولة الفلسطينية من اهتمام وتركيز عالمي، حتى لقد أصبح على رأس سلم أولوياته، هذا الاستحواذ الذي لم يكن أبداً منّةً أو استجداءً من أحد بقدر ما هو نتيجة لعدالة موقفنا وشرعية حقنا وبالدرجة الأولى لصمود شعبنا وتضحياته الكبيرة ونضاله البطولي… لقد باتت مسألة إقامة الدولة الفلسطينية حقيقة راسخة لا ينكرها أحد في هذا الكون ولا يتجاهل حتمية وجودها أي مكابر، بعد أن تأكد للبعيد والقريب وللصديق والخصم انه لا أمن ولا استقرار في هذه المنطقة الحساسة من العالم، إلا بإحقاق حقوق شعبنا الوطنية الثابتة، وأن الحل العسكري ومهما بلغت شراسةُ وجبروت أدواته ووسائِله لن يجدي نفعاً ولن ينال من عزيمة شعبنا وإصراره المستمر عبر السنيين لنيل حقوقه الوطنية مهما كانت التضحيات وبلغت التكاليف.

لقد بقي شعبنا متماسكاً موحداً، قوي الإرادة، ملتفاً حول قيادته، لم يرفع الراية البيضاء، رغم قساوة العدوان، بل يمضي شعبنا قدماً على طريق الحرية والاستقلال الذي تلوح بشائره، وأصبح موضوع إقامة الدولة أولوية العالم، ويتصدر الجهود الدولية من موقع التعامل مع الدولة الفلسطينية كحقيقة راسخة، تتوج نضال شعبنا وصموده، رغم استمرار العدوان الهمجي الذي يستهدف فيما يستهدف إلى جانب هدم المؤسسات والبنى التحتية، هز ثقتنا بأنفسنا، واغتيال الروح المعنوية لشعبنا، كما يقول قادة اليمين في إسرائيل.

؛ ولكن وكما أثمرت الانتفاضة السابقة لشعبنا إنجاز إقامة سلطتنا الوطنية، وتأكيد الحقيقة الكيانية الفلسطينية؛ فإن هذا الصمود الأسطوري سينجز حتماً إقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة.

وعلى هذا الطريق وفي نطاق التصدي للمحاولات والمخططات الإسرائيلية، يأتي العمل الفلسطيني الدؤوب الذي لا يعرف الكلل أو الملل، ليدفع بزخم إضافي ونوعي للاستعداد لولادة الدولة التي نريدها، بل نصر على أن تكون دولة سيدة عمادها القانون والمؤسسات، تضمن الحريات والمساواة والمساءلة والشفافية، والمشاركة والتعددية والديمقراطية كأداة لتداول السلطة بالطرق السليمة والسلمية.

هذا هو خيارنا وقرارانا نحن، وتلك هي رؤيتنا وقناعاتنا التي نؤمن بها ونعمل على ترجمتها.

وهذا هو مفهومنا للدولة التي نؤسس ونضع لبنات بنيانها الراسخ، والتي نراها في هذا المجال، مسؤولية فلسطينية محضة، تجسد كل تطلعات وأماني أبناء شعبنا، بما في ذلك تطلعنا وإرادتنا في بناء دولة قابلة للحياة والاستمرار، تساهم في حماية صرح السلام والاستقرار العالمي، وهذا ما يستلزم من العالم بأسره أن يوفر لهذه الدولة مقومات الدعم والإسناد، لتكون شريكاً حقيقياً مسؤولاً وعضواً فاعلاً في حماية السلم والأمن وإشاعة الازدهار والاستقرار والتعاون والاعتماد المتبادل.

وعلى هذه الأسس الواضحة ترتكز الاستجابة الفلسطينية المستمرة مع الجهود الدولية الخيرة، وخاصة تلك الجهود الحثيثة المبذولة مؤخراً، من قبل المجتمع الدولي، وفي المقدمة منها الجهود البناءة واللجنة الرباعية، الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.

وبالتالي؛ فإن هذه الجهات الدولية، وفي مقدمتها الإدارة الأمريكية مطالبه بأن تحدد بوضوح لا يقبل التأويل ضرورة أن يؤسس تصورها للدولة الفلسطينية المستقلة، القادرة على البقاء والاستمرار في كنف السلام والتعايش والاعتراف المتبادل، وفقاً لأسس وقرارات الشرعية الدولية، ومرجعية عملية السلام برمتها، وخاصة المبادرة العربية في قمة بيروت، الضامنة لحقوق شعبنا الوطنية الثابتة، بما فيها حقه في تقرير مصيره بنفسه، وإقامة دولته على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشريف والحل العادل لقضية اللاجئين.

 أيتها الأخوات أيها الإخوة،

وإذ أعود مجدداً لأربط بين حقيقة الدولة الفلسطينية التي باتت حتمية، وبين مفهومنا للتنمية البشرية، هذا المفهوم الذي ترسخت أهميته عندما تبناه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي؛ فإننا نعود لتأكيد القول بأن الإنسان هو صانع التنمية، وفي نفس الوقت هدفها.

فهذا الإنسان هو الثروة الحقيقية، وأن التنمية كما نراها ويحدد مفهومها البرنامج الإنمائي، هي عملية توسيع الخيارات للبشر، ولا شك أن الاستقلال وإقامة الدولة هو الإطار الذي تتفاعل فيه كل المعطيات الخاصة بهذا المفهوم.

ومن هنا وفي غياب الاستقلال وعدم وجود الدولة، كانت أهداف التنمية الفلسطينية تصطدم باستمرار بالمعوق الإسرائيلي على كافة المستويات، وفي مختلف مجالات التنمية. غير أنها وبعد قيام السلطة الوطنية بشكل خاص ورغم العوائق الإسرائيلية وربما غياب الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة بمفهومها الوطني الشامل،؛ إلا أن قوة الدفع بقيت حية في مجتمعنا الفلسطيني كما استمرت المحاولات الرسمية وغيرها للنظر في بعض المجالات التنموية دراسة وتطبيقاً ومواكبة لمعطيات العصر.

والأهم ان شعبنا ومؤسستنا الناشئة لم تفقد صورة المستقبل الأفضل بالإمكانات المتاحة ومضاعفة الجهود والإرادة القوية الواثقة حتى بمعايير المستقبل الأجمل والأكثر إشراقاً وأملاً تجسيداً لشعارنا الأول: نعيش بأحلامنا فنصنعها حقائق اعتماداً على تطوير قدرات وإمكانات هذا الإنسان الفلسطيني ذو الطاقة المتجددة القادر دوماً على تخطي الصعاب على طريقته وبإمكاناته فهو دوماً قادر على الإبداع والابتكار واستيعاب "المنقول" أفكاراً ومادة، والرقي به في سائر المجالات، وهو يجسد ملحمة الصمود والتحدي والبقاء واجتراح النصر.

وهذه ليست مسألة سلوكية لها أهميتها بمعايير التنمية البشرية فقط، بل هي ركيزة أساسية من ركائز المفهوم التخطيطي المستقبلي والعلمي للتنمية البشرية، وتلك مسؤولية رجال الاختصاص وذوي الخبرة في هذا الملتقى وفي الملتقيات وورش العمل المماثلة على طريق بلورة استراتيجية وطنية للتنمية البشرية في بلادنا.

من هنا تنبع أهمية هذا المؤتمر الذي نحيي كافة المشاركين فيه من مختصين وأساتذة وإداريين والمنظمين لها خاصة "جامعة بير زيت" العريقة، وبالسادة ممثلي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذين نكن لهم كل تقدير واحترام والإخوة الأعزاء في وزارة التخطيط.

إننا نتطلع إلى ما سوف يتمخض عن هذا المؤتمر من توصيات أجزم بأن يكون لها قيمة مضاعفة للمساهمة في صياغة المستقبل، رؤية وواقعاً، الذي نسعى لأن تعبر عنه دولتنا الفلسطينية المستقلة الحديثة.

مكرراً لكم أطيب تحيات السيد الرئيس وداعياً من الأعماق لكم بالتوفيق، والسلام عليكم ورحمة الله.

 

كلمة الرئيس ياسر عرفات عبر الهاتف لأبناء شعبنا في الذكرى الثانية للانتفاضة وبثها تلفزيون فلسطين على الهواء مباشرة من غزة 28 أيلول 2002

 بسم الله الرحمن الرحيم

“إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ”

يا أهلي، يا ربعي، يا كل أهلي، أحييكم من هذا الحصار؛ ولكننا كفلسطينيين لا يهمنا حصار ولا تهمنا محاولات تآمرية هنا أو هناك؛ لأننا شعب الجبارين، كما قال فيهم نبينا الكريم: "لا تزال فئة من أمتي على الدين محافظين لعدوهم ظاهرين لا يضرهم من عاداهم وإنهم لمنتصرون بحول الله"، قيل: "يا رسول الله، أين هم، ومن هم؟" قال: "في بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس، وهم في رباط إلى يوم الدين".

هذه هي المسيرة وهذا هو الطريق وهذا هو الهدف لنقوم به جميعاً بعونه تعالى.

يا شعب الجبارين لنقوم جميعاً حيث يقوم طفل من أطفالنا زميل فارس عودة وزهرة من زهراتنا ترفع علم فلسطين فوق أسوار القدس ومآذن القدس وكنائس القدس، “إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً”، “وإنا لصادقون”، “وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً”، “إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ”.

نعم إن الله لا يخلف وعده فيا إخوتي يا أحبتي يا شعب الجبارين ليعلم القاصي والداني أن هذا الشعب لا يمكن؛ إلا أن ينفذ هذه الإجراءات والمطالبة المنبعثة من إيمانه بالله العلي القدير، هنا ندافع من بيت هنا ومن بيت هناك؛ ولكننا في أرض الرباط ندافع عن مقدساتنا المسيحية والإسلامية والقدس الشريف، وندافع عن كل بقعة من أرضنا ومن تاريخنا ومن حضارتنا ومن مقدساتنا هذا عهد قد قطعناه، ليس كأفراد؛ ولكن كشعب الجبارين، رفعناه إلى كل العالم أجمع من أقصاه إلى أدناه ومن أدناه إلى أقصاه ان هذه الثورة باقية ومنتصرة بعونه تعالى.

يأتون ويدفعون الآن بكل ما لديهم من قوات ومن أسلحة من ذخيرة، وإنني أقول لهم لا يمكن لأحد أن يكسر إرادة الجبارين فإرادة الجبارين أن القدس عاصمة دولة فلسطين شاء من شاء وأبى من أبى، نحن نقول هذا؛ ولكنها إرادة العلي القدير الذي يقول “وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً” نعم المسجد الحرام أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين مسرى نبينا محمد صلوات الله عليه وسلم ومهد سيدنا المسيح عليه السلام.

نعم يا إخوتي نعم يا أحبتي نعم يا شعب الجبارين معاً وسوياً حتى النصر حتى النصر حتى النصر.

“إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ”

ومعاً وسوياً حتى القدس عاصمة دولة فلسطين

يا إخوتي يا أحبتي

معاً وسوياً حتى النصر حتى النصر

والسلام عليكم

 

 كلمة الرئيس ياسر عرفات عبر الهاتف للمشاركين في مهرجان التضامن مع الشعب الفلسطيني الذي تنظمه اللجنة المصرية للتضامن الإفريقي الآسيوي المنعقد في القاهرة 5 حزيران 2002

الإخوة الكرام أعضاء اللجنة المصرية للتضامن الإفريقي الآسيوي،

الإخوة والأخوات المنظمون لمهرجان التضامن مع الشعب الفلسطيني،

السيدات والسادة، تحية طيبة وبعد،

يطيب لنا، أيها الإخوة والأخوات الأحبة والأصدقاء الأعزاء ان نتحدث إليكم في هذه اللحظات العصيبة، وأنتم تقيمون مهرجانكم التضامني هذا مع شعبنا الفلسطيني الصابر الصامد والمرابط في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، دفاعاً عن وطنه ووجوده وحقوقه ومقدساته وكرامته وكرامة أمتنا المجيدة، ويأتي هذا المهرجان الذي تنظمونه تضامناً ودعماً لشعبنا الفلسطيني في ذكرى العدوان الإسرائيلي الهمجي على أمتنا العربية المجيدة، ذكرى الخامس من حزيران، في هذه المعركة التي حاولت إسرائيل من خلالها فرض واقع نفسي ومعنوي على أمتنا، بإظهار أن جيشها هو جيش لا يقهر، وأن الإنسان العربي لا حول له ولا قوة، بالرغم من أنها كانت معركة خسرناها لأسباب ذاتية وإقليمية ودولية،؛ إلا أن معركة الكرامة سنة 1968 جاءت بعدها لتؤكد أن إرادة أمتنا العربية قادرة على التغلب على التحديات والمصاعب، وتبعتها معارك كثيرة أهمها معركة أكتوبر 1973 حيث سطر فيها الجندي العربي أروع ملاحم البطولة والفداء والصمود، وهزم أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وهزم كذلك الإحباط واليأس الذي حاولت إسرائيل أن تبثه في نفوسنا وقلوبنا؛ وها هو شعبنا الفلسطيني اليوم، يسطر بصموده وانتفاضاته المتتابعة وثباته على الحق والأرض وبدعم وتضامن جماهيري عربي وإسلامي ودولي عارم، صفحات خالدة من الفداء والدفاع عن الحقوق والمقدسات المسيحية والإسلامية في وجه آلة الحرب الدموية والوحشية التي لا زالت إسرائيل، قوة الاحتلال، تشنها على شعبنا الفلسطيني؛ في محاولة لتقويض سلطته الوطنية وبناها المدنية والأمنية والتحتية، وفي المحاولات المستمرة لإخضاعه لسياسة الأمر الواقع بقوة الدبابة والمدفع وحتى الأسلحة المحرمة دولياً؛ لكن شعبنا الفلسطيني المرابط في أرض الرباط الذي يملك الإرادة والعزيمة والإيمان القوي والراسخ، صامد بإيمان وببسالة في وجه هذه التصعيدات العسكرية الإسرائيلية، وتمكن من إفشال أهدافها المعلنة وغير المعلنة، وأثبت للعالم أجمع وللشعب الإسرائيلي بالذات أن القوة العسكرية والاغتيال والحصار لن تحقق الأمن الذي ينشده الشعب الإسرائيلي، ولن ترهب شعبنا ولن تثنيه عن نضاله من أجل الحرية والسيادة والاستقلال، ومن أجل سلام الشجعان الذي وقعته مع شريكي الراحل إسحق رابين، الذي اغتالته هذه العناصر الصهيونية المتطرفة، وسنتابع الصمود والنضال لإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، إلى جنب دولة إسرائيل طبقاً للقرارات الدولية والاتفاقات المبرمة.

وتعلمون، أيها الإخوة الكرام اننا طلاب سلام، وأعلنا منذ البداية أن السلام العادل، سلام الشجعان، هو خيارنا الاستراتيجي، ومثلما هو خيار أمتنا، وتجسد ذلك في مبادرة السلام العربية الأخيرة التي أعلنها سمو ولي العهد السعودي الأمير عبد الله، وتبنتها القمة العربية، وبرغم والآلام والجراح النازفة، عملنا ولا زلنا نعمل بكل إخلاص وإيمان وتفان، من أجل إقامة وبناء السلام، وقدمنا التضحيات الجسام في سبيله، غير أن حكومة إسرائيل، قد قابلت جهودنا وجهود أمتنا ومحبي السلام في العالم، بشنها هذه التصعيدات العسكرية الشرسة على شعبنا وسلطته الوطنية، ولضرب سلام الشجعان، ولتفرض رؤيتها للأمن في المنطقة كلها ضاربة عرض الحائط بكل جهد دولي وإقليمي وعربي، وذلك بالاستمرار في عمليات الاجتياح والتوغل والقتل والتدمير، بما في ذلك الاعتداءات والتدمير والعقاب الجماعي، وتدمير للمقدسات المسيحية والإسلامية، كما حدث ويحدث باستمرار؛ وكذلك العمل على تكريس الاحتلال والاستيطان عبر تمزيق أجزاء الوطن الفلسطيني بمعازل وكانتونات منفصلة عن بعضها البعض، تنفيذاً لسياسة الفصل العنصري التي تستمر في تنفيذها؛ هذا إلى جانب الاستمرار في سياسة الخنق والحصار والإغلاق الظالم على شعبنا الصامد المناضل من أجل إحقاق حقوقه الوطنية الثابتة في الحرية والعودة وتقرير المصير، وحل مشكلة اللاجئين، وبإذنه تعالى سيرفع شبل من أشبالنا وزهرة من زهراتنا علم أمتنا العربية فوق أسوار القدس ومآذن القدس وكنائس القدس عاصمة دولتنا الفلسطينية المستقلة.

وفي الختام، نجدد من خلال مهرجانكم القومي هذا عهد القسم والثبات والصمود في أرضنا، واثقين أن جماهير أمتنا العربية والأحرار والشرفاء في العالم سيقفون إلى جانبنا داعمين ومؤيدين لقضية شعبنا؛ لأنها تجسد الحق والعدل بأسمى معانيهما.

نحييكم أيها الإخوة والأخوات، ونثمن عالياً جهودكم ومواقفكم التضامنية والداعمة لشعبنا، والتي تعبر بصدق عن أصالتكم وأصالة انتمائكم؛ وكذلك التحية الخاصة للشعب المصري الشقيق ورئيسه المبارك حسني مبارك، وأمتنا العربية للتضامن القوي المتين عربياً وإفريقياً وآسيوياً وللأحرار والشرفاء في العالم؛ فهذا هو دأبكم على الدوام ودأب أرض مصر وشعبها وقيادتها الذين ظلوا على الدوام ولا زالوا يقفون في السراء والضراء إلى جانب شعبنا الفلسطيني ونضاله العادل في أرض الرباط في فلسطين.

“إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ” صدق الله العظيم

أشكركم جميعاً، ومعاً وسوياً حتى القدس الشريف بعونه تعالى

 

 

كلمة الرئيس ياسر عرفات عبر الهاتف لمنتدى كرانز مونتانا في سويسرا مونتانا 30 حزيران 2002

السيد رئيس منتدى كرانز مونتانا،

أصحاب المعالي والسعادة،

السيدات والسادة،

يطيب لنا أن نتوجه إليكم بداية بالتعبير عن خالص الشكر، وعميق التقدير على دعوتكم لنا لتوجيه هذه الكلمة لمنتداكم الموقر، والذي يأتي انعقاد مؤتمره الثالث عشر هذا، في ظروف دولية وإقليمية بالغة الدقة والخطورة والتعقيد، والتي ولا ريب تؤثر تأثيراً مباشراً وعلى نحو كبير على الاقتصاد والنمو العالميين، وخاصة في منطقتنا منطقة الشرق الأوسط، حيث لا زال شعبنا الفلسطيني، يعاني أشد المعاناة جراء الاحتلال الإسرائيلي؛ إذ إنني أكتب إليكم من تحت الحصار، والاحتلال الإسرائيلي الغاشم الذي يتعرض له بلدي فلسطين، وشعبي الفلسطيني، الذي يعاني أشد المعاناة بفعل هذه الحرب الهمجية والدموية العنصرية والوحشية التي تشنها عليه إسرائيل قوة الاحتلال الغاشم، مستخدمة أبشع أساليب القتل والاغتيال والتدمير، وكافة صنوف الأسلحة والذخائر المدمرة والفتاكة، وحتى المحرمة منها دولياً، والتي تشتمل على اليورانيوم المستنفد، والغازات السامة وغيرها.

نعم، أيها الإخوة والأصدقاء ان هذه الحرب الإرهابية والدموية الشرسة التي تفرضها إسرائيل قوة الاحتلال، وجيشها المحتل ومستوطنوها على شعبنا ومدننا وقرانا ومخيماتنا، جعلت حياته جحيماً لا يطاق، وقلصت مداخيله الاقتصادية لأدنى حد، ووضعته في حالة من التردي الاقتصادي والفقر المدقع، والبطالة الخانقة؛ فإسرائيل أطلقت العنان لجيشها المحتل ليعيث في أرضنا الفلسطينية تخريباً وترهيباً واعتقالاً وتدميراً، واقتلاعاً للأشجار المثمرة، كشجرة الزيتون التي تشكل أحد عناصر الإنتاج والدخل القومي الفلسطيني الرئيسة؛ وكذلك عمدت إلى تجريف الحقول والمزارع، ودمرت بصورة منهجية كافة المؤسسات العامة والخاصة، بل واقتحمت العديد من البنوك والمؤسسات المصرفية؛ وكذلك دمرت كل مقراتنا الأمنية والرئاسية، ضمن برنامج حكومة إسرائيل التدميري الشامل والممنهج للبنية التحتية لوطننا ومجتمعنا وعلى مختلف الصعد الصحية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية وغيرها الكثير، كل ذلك في إطار سياسة الإذلال والتنكيل والاحتلال، وعمليات الاغتيال والقتل والاعتقالات الجماعية، والاجتياحات المتصاعدة والمتكررة والمتواصلة يومياً حتى لحظة كتابة هذه الكلمة إليكم، إضافة للحصار والإغلاق الذي أشرنا إليه، وسياسة العقاب الجماعي، ومصادرة الحريات، وانتهاك وامتهان أبسط حقوق الإنسان في حرية الحركة والتنقل وكسب لقمة العيش الحر الكريم، ناهيكم عن عمليات السطو والنهب والسرقة التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي، دون أن ننسى ذكر مصادرة أموالنا الضرائبية طوال الـ[23] شهراً الماضية، إضافة إلى ما تلحقه الممارسات الوحشية والتخريبية لقطعان المستوطنين من خسائر بشرية ومادية بشعبنا وبيئتنا الفلسطينية، وذلك ضمن حملاتهم التخريبية في كافة الطرقات والقرى، والمتمثلة على سبيل الذكر لا الحصر بحرق المزروعات في موسم الحصاد، وغمر حقولنا وبساتيننا ومزارعنا، ومصادر مياهنا بالمياه العادمة، والمواد السامة والملوثة، كل ذلك يجري تحت سمع العالم وبصره، وشهد عليه كثيرون من المراقبين الأجانب، ووثقته البعثات الإنسانية والحقوقية الدولية التي زارت بلادنا.

وتعلمون أن السلام الشامل والعادل والمتكافئ القائم على الحق والعدل هو خيارنا الاستراتيجي، مثلما هو خيار أمتنا، والذي تجلى في المبادرة العربية التي قدمها صاحب السمو الملكي الأخ الأمير عبد الله ولي العهد السعودي، واعتمدتها القمة العربية ببيروت؛ كما قبلنا بالحل الذي ارتأته الشرعية الدولية وقراراتها التي نصت على انسحاب إسرائيل قوة الاحتلال من كافة الأراضي العربية والفلسطينية وإلى حدود الرابع من حزيران لسنة 1967، وفقاً لقرارات مجلس الأمن [242، و338، و425، و1397، و1402، و1403]؛ وكذلك القرار [194]، الذي وضع الحل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، غير أن إسرائيل لا زالت مستمرة ومنذ عقود طويلة برفض الالتزام بقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بفلسطين، وتضع نفسها فوق القانون الدولي، وتمارس إرهاب الدولة المنظم، وسياسة التمييز العنصري، والفصل والآبار تهيد، وتتنكر للاتفاقات الموقعة التي بدأناها في مؤتمر مدريد للسلام، ووقعنا اتفاق أوسلو مع شريكي الراحل يتسحاق رابين في البيت الأبيض في واشنطن.

ختاماً، نجدد لكم جميعاً صادق التحية والتقدير، ونتمنى لمنتداكم الاقتصادي العالمي والقائمين عليه والمشاركين فيه كل النجاح والتوفيق، والوصول إلى النتائج المبتغاة من انعقاده، من أجل خير ورخاء ورفاه كافة الدول والمؤسسات المشاركة فيه، ومن أجل تنمية اقتصادية مستدامة ومتميزة، وكلنا أمل أن يكون لنا شرف استقبالكم، وعقد منتداكم القادم في بيت لحم أو في القدس الشريف عاصمة دولتنا الفلسطينية المستقلة، والتي يسعى شعبنا الفلسطيني بعزم وتصميم وإرادة لا تلين لإنجازها وتجسيدها على ترابه الوطني الفلسطيني، لتكون نموذجاً يحتذى في منطقتنا، وعلى كافة الصعد اقتصادياً وسياسياً ومالياً وقانونياً واستثمارياً، وليتمتع شعبنا في ظلالها بكرامته وحريته وسيادته واستقلاله، وحماية مقدساته المسيحية والإسلامية، جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل.

مرة أخرى أحييكم وأتمنى لكم جميعاً دوام الصحة والسعادة، ولمنتداكم، منتدى كرانز مونتانا العتيد اضطراد النجاح والازدهار.

 

كلمة الرئيس ياسر عرفات في الجلسة الأولى للحكومة الفلسطينية الجديدة 13 حزيران 2002

في البداية، أرحب بالزملاء الجدد، الذين انضموا إلينا، وأنا على ثقةٍ بأنهم، بكفاءتهم وخبراتهم، سيضيفون الكثير إلى جهود زملائهم وزميلاتهم في تنفيذ برامجنا.

نحن نجتمع اليوم، بعد أن عطل الاجتياح الإسرائيلي لرام الله والبيرة اجتماعنا الذي كان مقرراً يوم الاثنين الماضي. ونجتمع اليوم لنؤكد إصرارنا وإصرار شعبنا- شعب الجبارين- على العمل والبناء، رغم استمرار العدوان والحصار، الذي يستهدف تركيع شعبنا، ويستهدف ضرب عملية السلام. ويحاولون فاشلين أن يعطلوا هدفنا السامي الكبير، ومسيرتنا النضالية لإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، طبقاً للقرارات الدولية 242 و338 و1397 و194. ولا بدّ من إعطاء مسيرة سلام الشجعان، الذي وقعناه مع شريكي الراحل إسحاق رابين، الذي قتلته هذه الفئات المتطرفة في إسرائيل. نعم، لا بدّ من إعطاء مسيرة سلام الشجعان الفرصة التي تستحق، من أجل أمن وسلام الشعبين، الإسرائيلي والفلسطيني وكافة شعوب المنطقة، بعيداً عن دوامة العنف ودوامة إراقة الدماء والفوضى، ومن أجل أطفالنا وأطفالهم، ومن أجل إقامة السلام العادل والدائم والشامل في منطقة الشرق الأوسط، وفي أرض الرباط، الأرض المقدسة في فلسطين.

إن التعديل الذي أجريناه، ضمن خطوات الإصلاح التي أعلنا عنه، وخاصةً في خطابي إلى المجلس التشريعي في الشهر الماضي، يهدف إلى تفعيل عمل الحكومة وتعزيز فعالية الأداء، لمواجهة التحديات المتعاظمة. وإننا مطالبون كحكومة، بعد التعديل الذي أجريناه، بثلاث مهام رئيسية:

أولاً- يجب أن نضع سريعاً وننفذ الخطط الكفيلة بإعادة هيكلة الوزارات والمؤسسات، لكي نكون أكثر كفاءةً وأكثر فعاليةً وأكثر قدرةً على إنجاز مهامنا. إن الإصلاح الإداري هام وضروري جداً، لكي نعزز فوائد المساءلة والشفافية. ونحن مشهورون كشعبٍ فلسطيني منذ القدم، بهذه الشفافية وهذه الروعة، وهذه الصلابة وهذا الإيمان. نعم، الشفافية في عملنا.

ثانياً- تقع علينا مهمة كبيرة، هي إعادة الإعمار والبناء لإزالة آثار العدوان الإسرائيلي المتصاعد والمستمر، والذي وجّه ضرباتٍ تدميرية متعمدةً إلى البنية التحتية لشعبنا التي قضينا سنوات وسنوات في تشييدها بما فيها مزارعنا، وخاصةً أشجار الزيتون، الأشجار الرومانية كما نقول، أي منذ عهد الرومان القديم، هذه الأشجار التي قطعوها؛ وكذلك إلى نابلس التي كان يعيش بجوارها سيدنا يوسف عليه السلام، هو وأبوه وإخوانه، قبل ذهابهم إلى مصر، وهم من يصفون أنفسهم باحترام تاريخهم! وإن شاء الله سنكون بمستوى المسؤولية التي حمّلنا إياها شعبنا المناضل المجاهد.

ونحن في هذا المجال نتطلع إلى دعم أشقائنا العرب، وأصدقائنا في العالم أجمع، وفي مختلف الدول والقارات، لتقديم المساعدة في مجال الإغاثة، وفي مجال إعادة البناء والإعمار، لبناء هذا الحلم الفلسطيني والعربي، حلم الأحرار والشرفاء في العالم أجمع، والدفاع عن أرضنا، أرض الرباط، وعن مقدساتنا المسيحية والإسلامية، وإنا لها.

ثالثاً- وأمامنا، أيضاً، مهمة بالغة الأهمية، هي الإعداد لعقد الانتخابات- وأولاً المحلية كما اتفقنا- في أسرع وقتٍ إن شاء الله؛ وكذلك الإعداد لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في شهر كانون الثاني، أو كانون الأول، حسب ظروفنا. وإن شاء الله سأصدر مرسوماً، خلال الأيام القليلة القادمة، لتحديد الموعد الرسمي لهذه الانتخابات.

وفقنا الله جميعاً لنكون قادرين على خدمة شعبنا ومواصلة مسيرتنا، من أجل انتزاع حقوقنا في الحرية والاستقلال، وبناء دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

تحية إخلاصٍ ووفاءٍ لشهدائنا الأبرار، ولجرحانا، ولأسرانا كلهم، تحيةً من أعمق

أعماق قلوبنا إليهم في جنات النعيم، لشهدائنا الأبرار، ولهؤلاء الجرحى، أينما كانوا؛ وكذلك لهؤلاء الأبطال الأسرى والمعتقلين.

"إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد"، "وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة"، "إن الله لا يخلف وعده". "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة".

 

كلمة الرئيس ياسر عرفات في مؤتمر القمة الثامنة والثلاثين لمنظمة الوحدة الإفريقية ألقاها نيابة عنه السيد فاروق القدومي 8 تموز 2002

فخامة الأخ الرئيس ثابو امبيكي،

أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة،

أصحاب المعالي والسعادة،

يطيب لنا أن نتوجه في البداية بخالص التحية والتقدير، لكل من فخامة السيد الرئيس فريدريك شيلوبا، الرئيس السابق لجمهورية زامبيا، الذي عقدت القمة السابقة برئاسته، ولفخامة السيد الرئيس ليفي باتريك مواناواسا، رئيس جمهورية زامبيا؛ كما ونحيي فخامة الصديق العزيز السيد الرئيس ثابو امبيكي، رئيس القمة الثامنة والثلاثين لمنظمة الوحدة الإفريقية ورئيس القمة الأولى للاتحاد الإفريقي، ونشكره على كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال، معربين له عن ثنائنا وتقديرنا الكبير لخطة التنمية الإفريقية الجديدة نيباد Nepad التي هي محل فخرنا كما هي محل فخر الرئيس امبيكي وزعماء وقادة القارة الإفريقية، ونثمن عالياً الجهود التي تبذلونها من أجل الانبعاث الإفريقي، وكلنا ثقة بأن هذا الانبعاث سيتجسد بهمة أبناء هذه القارة العملاقة وقادتها، للمضي بها نحو آفاق أسمى وأرحب من التقدم والازدهار والرخاء.

ولا يفوتنا أن نعبر كذلك عن الإكبار لجهودكم، أيها الإخوة والأصدقاء، مع افتتاحكم القمة الأولى للاتحاد الإفريقي، والتي من خلالها فإنكم إنما تربطون إنجازات وجهود الماضي بتطلعات المستقبل للقرن الحادي والعشرين؛ فتشكيل هذا الاتحاد وانعقاد قمته الأولى يفصح عن رغبات جامحة في تطوير منظمة الوحدة الإفريقية سياسياً واقتصادياً، من أجل خدمة وتأمين أهداف وحدتكم الإفريقية؛ وكلنا ثقة بأن مساعيكم ستكلل بالنجاح لأن إرادتكم صلبة وتصميمكم لا يفل للوصول إلى هذه الغاية، ومعكم كل أصدقائكم الذي يتمنون لكم النجاح والتوفيق، ولا ريب بأن هذا القرن سيكون قرن الانبعاث الإفريقي الذي تصبون إليه ويتطلع إليه العالم وينتظره إخوانكم العرب.

كما ولا يفوتنا أن نتوجه في هذا المقام بتحية إكبار واحترام لسيادة الأخ القائد معمر القذافي، على جهوده القيمة والتي بدأت منذ قيام فكرة العمل للاتحاد الأفريقي جنباً إلى جنب مع إخوانه الزعماء الأفارقة والعرب في بعث هذا الاتحاد الإفريقي للوجود.

 

نعم أيها الإخوة والأصدقاء الأعزاء انه لمن دواعي سعادتنا أن نخاطبكم اليوم، وأنتم تعقدون قمتكم الموقرة هذه، والتي تأتي في ظروف إقليمية ودولية بالغة الدقة والخطورة والحساسية بالنسبة للأمن والسلم العالميين؛ وإنني لأستحضر في ذاكرتي وأنا أوجه إليكم هذه الكلمة النضال والكفاح الشجاع الطويل والمرير الذي خاضته شعوبكم، وما قدمته من تضحيات جسام، والتي بحكمة رجالاتها وقادتها التاريخيين أمثال نيلسون مانديلا وجمال عبد الناصر وغيرهما من هؤلاء القادة العظام، وحكمائها استطاعت أن تنتزع استقلال أقطارها، وحريتها بعد أن دفعت ثمناً باهظاً من الدماء والألم والمعاناة بسبب الظلم والقهر والاستعباد والتمييز العنصري الذي تعرضت له في عهود الاستعمار البائدة.

واليوم، أيها الإخوة والأصدقاء، وأنا أحدثكم باسم الشعب الفلسطيني من تحت الحصار والاحتلال الإسرائيلي الغاشم لبلدي فلسطين، هذا الشعب الذي يفتخر ويعتز بديمقراطيته في انتخاب قيادته والذي لا ولن يسمح بفرضها عليه مثلما تحاول الآن بعض القوى المعروفة، ومثلما عانت شعوبكم وكابدت؛ فإن شعبنا الفلسطيني قد عانى ولا زال يعاني الضنى ويتعرض لحرب همجية ودموية وعنصرية ووحشية تشنها عليه إسرائيل قوة الاحتلال الغاشم، مستخدمة أبشع أساليب القتل والاغتيال والتدمير، وكل ما في ترسانتها العسكرية من الأسلحة والذخائر المدمرة الفتاكة وحتى المحرمة دولياً، والتي تحتوي على اليورانيوم المستنفد والغازات السامة وغيرها، في إطار حربها الإرهابية والدموية الشرسة التي تشنها على شعبنا ومدننا وقرانا ومخيماتنا، حيث تعيث فيها تخريباً وترهيباً واعتقالاً واقتلاعاً للأشجار، وتجريفاً للحقول والمزارع، وتدميراً منهجياً للمؤسسات العامة والخاصة، والمقرات الأمنية والرئاسية، والبنية التحتية والصحية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها الكثير في إطار سياسة الإذلال والاحتلال والاغتيالات والقتل والاعتقالات الجماعية والاجتياحات المتكررة واليومية والحصار والإغلاق، ومنع حرية التنقل والحركة، ناهيكم عن عمليات النهب والسرقة، بما فيها مصادرة أموالنا الضرائبية طوال ألـ 23 شهراً الماضية، والممارسات الوحشية لقطعان المستوطنين في الطرق والقرى وحرق المزروعات في موسم الحصاد كل ذلك يجري تحت سمع العالم وبصره، وشهد عليه المراقبون والبعثات لحقوق الإنسان الدولية.

فخامة الأخ الرئيس ثابو امبيكي،

أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة،

أصحاب المعالي والسعادة،

تعلمون، أيها الأصدقاء ان السلام الشامل والعادل والمتكافئ، القائم على الحق والعدل، والذي عقدته مع شريكي الراحل إسحق رابين والذي اغتالته هذه القوى الصهيونية المتطرفة في إسرائيل، وهذا السلام سلام الشجعان هو خيارنا الاستراتيجي الثابت، مثلما هو خيار أمتنا، والذي تجلى في المبادرة العربية التي قدمها سمو ولي العهد السعودي الأمير عبد الله واعتمدتها القمة العربية في بيروت، والذي قدمنا من أجله التضحيات الجسام، غير أن حكومة إسرائيل قد قابلت جهودنا، وجهود أمتنا ومحبي العدل والسلام في العالم بشنها هذه التصعيدات العسكرية الشرسة على شعبنا وسلطته الوطنية بهدف تقويض عملية السلام، ولفرض رؤيتها للاحتلال والسيطرة على المنطقة، ضاربة بذلك عرض الحائط بكل الاتفاقات الموقعة والقرارات الدولية وبكل جهد دولي وإقليمي وعربي للخروج من الأزمة الراهنة.

وها هي الآن تحتل كافة المدن والمخيمات والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية، بهدف إعادة فرض الإدارة العسكرية التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وفقاً لخطة طويلة المدى، لضرب عملية السلام والأمن والاستقرار في أرضنا المقدسة فلسطين، وفي منطقة الشرق الأوسط وتأثيرات ذلك على السلام العالمي والاقتصاد العالمي.

نعم، أيها الإخوة والأصدقاء، لقد قبلنا بالحل الذي ارتأته الشرعية الدولية، وقراراتها التي نصت على انسحاب إسرائيل قوة الاحتلال من الأراضي العربية والفلسطينية وإلى حدود الرابع من حزيران لسنة 1967، وفقاً لقرارات مجلس الأمن 242، و338، 425؛ وكذلك القرار 194، الذي وضع الحل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين غير أن إسرائيل لا زالت مستمرة ومنذ عقود طويلة برفض الالتزام بقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بفلسطين، وتضع نفسها فوق القانون الدولي، وتتنكر لكافة المواثيق والأعراف والقوانين والقرارات الدولية، والقانون الدولي الإنساني، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقية جنيف الرابعة، ناهيكم عن تنكرها لكافة الاتفاقات التي تم توقيعها معنا، والتي لو نفذت بأمانة وصدق وفي مواعيدها المحددة؛ لكنا قد وصلنا إلى السلام المنشود، سلام الشجعان؛ ولكن لقد بات واضحاً وبما لا يدع مجالاً للشك بأن هذه الحكومة الإسرائيلية لا تريد السلام، وإنما تريد الأرض والسيطرة واستمرار الاحتلال، وتريد أن تفرض شروطها وإملاءاتها على المنطقة كلها وعلى شعبنا بهدف بسط هيمنتها على أرضنا ومقدساتنا المسيحية والإسلامية في هذه الأرض المقدسة أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومهد سيدنا المسيح عليه السلام.

فخامة الأخ الرئيس ثابو امبيكي،

أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة،

أصحاب المعالي والسعادة،

إن انعقاد قمتكم هذه، وفي هذا الوقت وهذه الظروف، ليكتسب أهمية كبيرة، وذلك لمواجهة التحديات وإيجاد الحلول الناجعة التي تواجهها قارة إفريقيا خاصة، وجيرانها والعالم بأسره من فقر ومجاعة وتخلف وأزمات بيئية ومشكلات صحية واقتصادية وتعليمية واجتماعية خطيرة ومتفاقمة، وما يواجهه العالم من خطر الإرهاب، بما في ذلك إرهاب الدولة المنظم، وحرب الإبادة والتطهير العرقي التي تقوم بها إسرائيل قوة الاحتلال ضد شعبنا الفلسطيني؛ وتعلمون جميعاً بأننا أدنا وندين الإرهاب بكافة صورة وأشكاله وكل أعمال تمس حياة المدنيين من أي مصدر كان وأياً كانت جنسيتهم إسرائيليين أو فلسطينيين، وقد أكدنا على موقفنا هذا مراراً وتكراراً ولطالما أعلناه على الملأ وفي مناسبات عديدة، وأعربنا عن استعدادنا للمشاركة في الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب، لاسيما وأن شعبنا الفلسطيني يتعرض يومياً ودون توقف لأبشع صور الإرهاب الرسمي والتصعيد العسكري المنظم والذي يجسده الاحتلال الإسرائيلي بأقبح صوره وأكثرها وحشية وغطرسة وامتهاناً للكرامة الإنسانية ولحق شعبنا في تقرير مصيره، وبسط سيادته على أرضه ومقدساته، وليس بخاف عليكم أن هذا الاحتلال هو آخر الاحتلالات الموجودة في العالم، ومن هنا فإننا نطالب المجتمع الدولي واللجنة الرباعية (أمريكا وروسيا وأوروبا والأمم المتحدة) وكل الأحرار والشرفاء في العالم، بل ونناشدهم لتحمل مسؤولياتهم، وتفعيل دورهم في مكافحة هذا الإرهاب، وحماية شعبنا من إرهاب المستوطنين وجيش الاحتلال وجرائمهم ضد شعبنا وأرضنا ومقدساتنا.

وحرصاً منا على تحقيق السلام العادل والشامل في منطقتنا، منطقة الشرق الأوسط؛ فقد استجبنا لكافة المبادرات الإقليمية الهادفة لتحقيق السلام منذ مؤتمر مدريد للسلام، ومن هذا المنطلق فقد أعلنا عن وقف فوري وشامل لإطلاق النار عدة مرات، وعن حالة الطوارئ، واتخذنا سلسلة من الإجراءات والقرارات للحفاظ عليه، ولقد أكدنا على الدوام بأن العنف والاحتلال والتصعيد العسكري الخطير ليس هو السبيل إلى الحل المنشود، وإنما هي المفاوضات السياسية التي لا بد وأن تكون هي الوسيلة الوحيدة لحل الصراع؛ ولكن رغم كل ما نبذله من جهد وما قبلنا به من مبادرات ومساعي دولية بما فيها ما قام به الرئيس امبيكي باسم أفريقيا ودول عدم الانحياز؛ وكذلك الرئيس مبارك وإخوانه القادة العرب؛ فلا زالت إسرائيل ترفضها، ولا زال جيشها يمعن في القتل والاغتيال والاعتقال لجماهيرنا، والتدمير والتخريب لمؤسساتنا كل ذلك بهدف تكريس نظام الكانتونات، والفصل الذي يفرضه على شعبنا وأراضينا ومقدساتنا من خلال مستوطناتها اللاشرعية، وطرقها الالتفافية، وأخيراً ما يسمونه بالجدار الأمني الذي يذكر بجدار برلين حول القدس الشريف والجدار الإلكتروني الفاصل، وهذا يهدف إلى ضم عشرات آلاف الدونمات من أراضينا، وتهجير عشرات الآلاف من جماهير شعبنا منها ومن قراهم ومخيماتهم، حيث ستدمر هذه الجدران كل مقومات البقاء والوجود لهم في بيوتهم وأراضيهم ومزارعهم التي هي مصدر عيشهم الأوحد في ظل هذا الحصار التجويعي والإغلاق المفروض على أراضينا التي يسعى الاحتلال لتحويلها إلى كانتونات وباستونتانات، تحت احتلالهم الهمجي العنصري الخطير.

وفي ظل هذه الظروف المفروضة على شعبنا وأرضنا؛ فإن الاحتلال يهدف لحرمان الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في الانتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية التي أعلناها، وسيحول دون تمكيننا من تنفيذها في مواعيدها المحددة، وسيعيق خططنا، ويعرقل جهودنا في الإصلاح، وإعادة الإعمار والبناء لوطننا ومؤسساتنا التي دمرتها آلة الحرب الهمجية والدموية الإسرائيلية.

إن هذه السياسة الإسرائيلية تهدف إلى تقويض السلطة الوطنية الفلسطينية، وتدمير كل مقومات وجودها، وذلك في الوقت الذي تجاوبنا فيه مع كافة الجهود والمبادرات الإقليمية والدولية، وأخرها المبادرة العربية التي حظيت بالإجماع العربي في مؤتمر قمة بيروت، والقائمة على أساس مبادرة صاحب السمو الملكي الأخ الأمير عبد الله بن عبد العزيز وعلى مبدأ الانسحاب من كافة الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة وفقاً للقرارات الدولية 242، 338، 425مقابل التطبيع الكامل، غير أن إسرائيل قوة الاحتلال لم تدع وسيلة لنسف كل جهد يرمي للخروج من الأزمة الراهنة، وإنه ليس من العدل في شيء استخدام المعايير المزدوجة والكيل بمكيالين، وإنما العدل والمنطق يقضيان بأن يقوم كل طرف باحترام التزاماته وتعهداته، والاحتكام لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بفلسطين، وتطبيق التفاهمات والاتفاقات المبرمة، واستئناف المفاوضات من حيث انتهت إليه في طابا، ووفقاً لمبدأ الأرض مقابل السلام، وطبقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي 242، و338، و425، و1397، و1402، و1403؛ وكذلك القرار 194، لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين؛ لأن مثل هذا التنفيذ الدقيق والأمين لهذه القرارات هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام، الذي يحفظ الأمن والاستقرار لكافة شعوب ودول المنطقة، ويضمن لشعبنا العيش بكرامة حراً سيداً مستقلاً آمناً في دولته الفلسطينية المستقلة، وفي إطار من التعايش والثقة والاحترام المتبادل مع كافة جيرانه بما فيهم إسرائيل، ومن أجل أطفالهم وأطفالنا، والأجيال القادمة.

إننا، أيها الأصدقاء، لنعول كثيراً على جهودكم وتدخلكم ودعمكم وتضامنكم، لتفعيل الجهود الدولية، لوقف العدوان الهمجي والوحشي المتواصل على شعبنا، ولحث الأمم المتحدة على الاضطلاع بدورها وتحمل مسؤولياتها، لحمل إسرائيل قوة الاحتلال على سحب جيشها من أراضينا وإلى حدود 4/6/1967؛ وكذلك العمل لدى القوى الدولية الفاعلة والمؤثرة في العالم، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها اللجنة الرباعية للاطلاع بدورها بأمانة وإخلاص ووفقاً لبرنامج زمني واضح وصادق ومتوازن، لا لبس فيه، ولا يشوبه الغموض، وصولاً للحل العادل والمتكافئ والمنشود؛ إذ إن كل مبادرة تتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني، ولا تلبي تطلعاته وطموحاته الوطنية لن تكون مقبولة عليه، وإنما ستشكل تخليداً وإذكاء للصراع، ودفعاً للعودة إلى مربعات العنف والصراع وانعدام الأمن والاستقرار في المنطقة.

ختاماً أحييكم وأشكركم، وأتمنى لهذه القمة العتيدة كل النجاح والتوفيق والخروج بالقرارات والتوصيات التي تعود بكل الخير على شعوب ودول قارتكم الصديقة.

والــســلام عليكــم

 

كلمة الرئيس ياسر عرفات للشعب والأمة أمام أعضاء المجلس التشريعي15 أيار 2002

 “إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ”

صدق الله العظيم

الأخ أحمد قريع أبو علاء رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني المحترم،

الأخوات والإخوة أعضاء المجلس التشريعي المحترمين،

السيدات والسادة الحضور،

إنه ليسعدني ويشرفني أن أتحدث إليكم اليوم وأنتم تعقدون هذه الجلسة الهامة لمجلسنا التشريعي الفلسطيني المنتخب والذي حمل ويحمل إلى جانب المجلس الوطني الفلسطيني، الأعباء الجسام والمسؤوليات التاريخية الملقاة على كاهلهم، وشعبنا الفلسطيني الصامد الصابر المرابط يجتاز بعناد وصلابة، هذه المرحلة الانتقالية والتي طال أمدها بين الاحتلال وبين الاستقلال (المفروض 1999 كنا نعلن استقلالنا ولا ناسيين هذا الكلام) وبين العبودية والحرية، وكان قدرنا جميعاً وقدر جيلنا وقدر شعبنا أن نعاني كل هذه المعاناة؛ لأن مطلبنا وهدفنا وحلمنا هو الحرية الحقيقية والاستقلال الكامل في دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف (شاء من شاء وأبى من أبى).

واسمحوا لي أيها الأعزاء أعضاء المجلس التشريعي ان نذكِّر أنفسنا بهذا اليوم الخامس عشر من أيار ذكرى نكبة شعبنا الفلسطيني وما عاناه ولا زال يعانيه شعبنا من آلام وهو صامد أمام كل هذه الظروف الصعبة والتحديات التاريخية لشطبه من الخريطة السياسية والجغرافية في منطقة الشرق الأوسط وهذا الشعب شعب الجبارين "إن فيها قوماً جبارين" يدافع عن أرضه المقدسة ومقدساته المسيحية والإسلامية ويكتب هذه الملحمة البطولية التي خاضها ويخوضها شعبنا الفلسطيني البطل وكل قواه المناضلة من أجل أن يظفر بالحرية والاستقلال، ومن أجل أن يعيش أبناؤنا وأجيالنا في أمن وسلام في وطن حر مستقل بعيداً عن الاحتلال بعيداً عن الاستيطان بعيدا عن القمع والاضطهاد والاغتيالات والاعتقالات على نحو لم يسبق له مثيل في المجتمع الدولي المعاصر حيث شعبنا هو الشعب الوحيد الآن في العالم الذي يعيش تحت الاحتلال.

إن السلام كان وسيبقى خيارنا الاستراتيجي، ولن نتخلى عن خيار السلام بيننا وبين الإسرائيليين؛ لأن في السلام مصلحة مشتركة للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، ولأن كافة الخيارات التي لجأت إليها الحكومة الإسرائيلية للقضاء على خيار السلام، سلام الشجعان الذي وقعته مع شريكي الراحل رابين الذي اغتالته هذه القوى المتطرفة قد ثبت فشلها وبطلانها، ها هو الحل العسكري الإسرائيلي رغم ما ارتكبته قوات الاحتلال من قتل ونسف وتشريد وتدمير للبنية التحتية لمؤسساتنا الرسمية والتعليمية والصحية والاجتماعية والأمنية وغيرها، لا ولم ولن يغير شيئاً من تصميمنا على إحراز الاستقلال والسيادة والحرية وعلى إقرار سلام الشجعان الذي تم في مؤتمر مدريد والاتفاقات التي وقعت للسلام العادل والشامل والدائم خاصة بعد إقرار المبادرة السعودية لولي العهد الأمير عبد الله في مؤتمر القمة العربي في بيروت مؤخراً، والاجتماع الأخير في شرم الشيخ بين الرئيس مبارك وسمو ولي العهد الأمير عبد الله آل سعود والرئيس بشار الأسد.

لقد مددنا ولا زلنا نمد يدنا إلى السلام العادل، سلام الشجعان، السلام الذي يحقق الأمن والعدل للفلسطينيين والإسرائيليين وللمنطقة العربية والشرق الأوسط وللعالم أجمع (وللعالم أجمع) ليكن معروفاً هذا للعالم أجمع فهذه هي الأرض المقدسة هي الأرض المقدسة للعالم أجمع، والسلام لهذه الأرض، الأرض المقدسة للجميع وبكل أمانة ومسؤولية أؤكد لكم اليوم أن المحادثات التي أجريناها في كامب ديفيد كانت في منتهى الصعوبة والدقة والحساسية وشملت جميع القضايا الهامة والأساسية ورغم الجهود الخيرة والمضنية التي بذلها الرئيس كلينتون وفريقه إلا أننا لم نصل إلى اتفاق لهذه القضايا الأساسية وتابعنا كما تعرفون في شرم الشيخ التي رعاها فخامة الأخ الرئيس مبارك وفي باريس التي حضر جلستها الأخيرة فخامة الرئيس شيراك وقد جاء التقدم في مفاوضات طابا كما تعرفون ويكفي أن نعود للمؤتمر الصحفي بعد اتفاقات طابا التي تكلم به عن الجانب الفلسطيني أخي أبو علاء وعن الجانب الإسرائيلي بن عامي ويدل دلالة واضحة على ما توصلنا إليه ويقولون كل شوية أنتم لا تأخذون ولا تغتنمون الظروف التي تقدم لكم انا فقط جبت هذه الحقائق والوقائع حتى بعض الناس لا يسرحون شمالا ويميناً بنا؛ ولكن نقولها بإصرار وعناد وتصميم وإرادة جاء التقدم في مفاوضات طابا وكان من المفروض أن نتابع تنفيذها بعد الانتخابات الإسرائيلية وكلكم عشتم وعانيتم مع شعبكم وسلطتكم من جراء ما حدث بعد ذلك وما قبلها وخاصة أمام تحرك الجيش الإسرائيلي مع خططه المعدة والمرسومة سلفا كحقل الأشواك الإسرائيلي ضد شعبنا الأعزل والتي كانت شرارتها التفجيرية بعد اقتحام الحرم القدسي الشريف في عمل استفزازي سافر للمصلين في المسجد الأقصى المبارك، وما جره هذا الاقتحام الاستفزازي من إطلاق النار على المصلين وسقوط الضحايا من الشهداء والجرحى من أبناء شعبنا.

الأخ رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني

الأخوات والإخوة الأعضاء

في مواجهة هذه الحرب العدوانية الظالمة على شعبنا من حقل الأشواك إلى معركة المائة يوم إلى جهنم إلى المتدحرجة إلى المتلونة إلى السور الواقي الأخير وجماهيرنا في كل مدينة وفي كل مخيم وفي كل قرية صامدة في وجه الاحتلال والحصار والمجازر والعدوان.

وقدمت جماهيرنا وسلطتنا الوطنية التضحيات الجسام على مدى عامين تقريباً ودخلنا واحداً وعشرين شهراً حتى لم تسلم مدينة أو مخيم أو قرية أو بيت أو كوخ من الاستهداف العسكري الإسرائيلي بالدبابات والطائرات، والحصار الخانق، للمدن والقرى وانتشرت الحواجز الاحتلالية في كل مكان وأصابت القنابل أطفال المدارس والأمهات ودمرت البيوت على رؤوس ساكنيها، ويشهد التاريخ على ما حدث في مخيم جنين وفي جنين، وستظل الجريمة الإسرائيلية ضد أهلنا في هذا المخيم البطل وفي بلاطة وعسكر ونور شمس وعايدة والفوار والدهيشة والأمعري وقدورة وبقية المخيمات، وفي نابلس ونابلس القديمة، يا إخواننا التي كان يعيش جنبها كما تعرفون سيدنا يوسف عليه السلام وأبوه وإخوته ومنها ذهبوا إلى مصر، أتوا يهدمونها وتدمير أحد أقدم الكنائس والمساجد فيها، وفيها يجلس إخواننا السامريين الذين نعتز بوجود ممثلهم بيننا، وفي رام الله وبيت لحم وكنيسة المهد المقدسة فيها والمقدسة مسيحياً وإسلامياً، فسورة ستنا مريم سورة خاصة في القرآن الكريم؛ ومسيحيا مولد سيدنا المسيح عليه السلام.

وفي غزة وجباليا وخانيونس ودير البلح ورفح ومخيمها الذي أزيل كله من أوله لآخره وعبسان وبيت حانون وطولكرم وقلقيلية والخليل، الذي لا يستطيع أحد دخولها ويفرض عليها منع التجول والمقرات الرئاسية في مختلف المناطق والمحافظات والتخريب الكامل فيها والتخريب الكامل لمطار غزة الدولي وتدمير الطائرات والميناء والوزارات والإذاعة والتلفزيون وتقسيم قطاع غزة إلى كانتونات منفصلة ومقسمة.

علشان توصل من مكان لمكان تريد تسع ساعات! معلش “وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ” إن طريق الحرية والاستقلال والكرامة، أيتها الأخوات أيها الإخوة لم يكن يوماً مفروشاً بالورود والرياحين، بل بالصمود والرباط وبالصبر والمثابرة وبالقدرة على مواجهة العدوان والمعتدين، وإن المؤامرة على شعبنا ووطننا ولحرماننا من حريتنا واستقلالنا ودولتنا لم تتوقف وفصولها تتلاحق فصلاً بعد فصل، ومنذ ليلة 29 آذار- مارس الماضي ونحن نتعرض لعدوان إسرائيلي شامل بكل أنواع الأسلحة من دبابات وطائرات وصواريخ، بما فيها الأسلحة المحرمة دولياً؛ ولكن لم يكن أمامنا غير الصبر والصمود في ظل هذا الحصار العسكري لمدننا ومخيماتنا ولمقر الرئاسة في رام الله، ولكنيسة المهد والمقدسة ولجامع عمر بن الخطاب في بيت لحم، ورغم رفع الحصار عن مقر الرئاسة وعن كنيسة المهد في ظل أقسى الظروف وأحب أن أذكركم بأن الاتفاق مع المندوبين الأمريكي الأوروبي بأن تبدأ قوات الاحتلال برفع الحصار أولاً عن كنيسة المهد؛ إلا أن الحكومة الإسرائيلية تواصل توغلها واعتداءاتها اليومية في كافة المناطق غير عابئة بالاستنكار الدولي المتزايدة لاعتداءاتها وجرائمها، بل وصل بها الأمر لمنع وصول لجنة التحقيق الدولية لإجراء التحقيق في جريمة جيش الاحتلال ضد أهلنا في مخيم جنين؛ وكذلك وضع شروط تعجيزية إسرائيلية للمؤتمر الدولي.

 

 وإنني لأحيي الرئيس بوش الذي دعا لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة في الجمعية العامة الذي حضرناه سوياً وهو أول رئيس أمريكي يعلن عن هذا.

أعرف أيتها الأخوات أيها الإخوة ان هنالك بعض الملاحظات حول ما تم الاتفاق عليه بالنسبة للإخوة في رام الله وبيت لحم، لرفع الحصار وسحب قوات الاحتلال، إلا أنني أتحمل كامل المسؤولية حول كل ما جرى خاصة وأن ما تم كان اقتراحات وضمانات دولية أمريكية وأوروبية وروسية والأمم المتحدة أمام هذه الظروف الحرجة والصعبة التي تعرفونها ولا أريد الخوض كثيراً فيها قياساً للوضع والظروف التي تعرفونها جميعاً، وأترك لكم تقييم هذه التطورات بكل صدق وأمانة وانفتاح وليس هناك مسيرة ليس فيها أخطاء، بعيدا عن العواطف والمؤثرات لنتوخى الأمانة في مواجهة ما يتعرض له شعبنا وقضيتنا على مختلف الصعد.

الأخ رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني،

الأخوات والإخوة الأعضاء،

إن العدوان الإسرائيلي على شعبنا قائم ومستمر ومتصاعد ما دام الاحتلال والاستيطان جاثمين على أرضنا وشعبنا وفي هذه الصلابة والمرابطة الدامية (يكفى أن نرى فارس عودة وهذه الزهرة واقفين بالحجر أمام الدبابة الإسرائيلية) والمستمرة لجماهيرنا فإننا أحوج ما نكون لمراجعة خططنا وسياساتنا ولتصويب وتصحيح مسيرتنا نحو الاستقلال الوطني بكل أمانة وصدق وإيمان وصلابة "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون"، وفي هذا المجال أعلنا قبل فترة ونعلن اليوم رفضنا للعمليات التي تستهدف المدنيين الإسرائيليين؛ وكذلك ما يتعرض له المدنيون الفلسطينيون مثل ما حدث في جنين في جنينجراد وإن الرأي العام الفلسطيني والعربي قد وصل إلى هذه القناعة بأن هذه العمليات لا تخدم أهدافنا، بل تؤلب علينا أجزاء كبيرة وكثيرة من المجتمع الدولي الذي خلق إسرائيل وزودها بالمال والسلاح والحماية التي تثير جدلاً وإني أدعو مجلسكم الموقر إلى التوقف عند هذه القضية الخطيرة التي تثير جدلاً، في ساحتنا الفلسطينية والعربية وأن نتذكر صلح الحديبية انطلاقاً من الحرص على المصلحة الوطنية، والقومية لشعبنا وأمتنا وعلى تعزيز التضامن العالمي مع شعبكم وقضيتكم؛ كما أدعو مجلسكم أن يتولى رعاية حوار وطني شامل ومعمق حول كافة قضايانا السياسية التي تحتل مكان الصدارة في الاهتمامات الوطنية والقومية والدولية والتي مركزها ترسيخ وتمحور نضالنا الوطني بكافة أشكاله لتحقيق حلم شعبنا بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، في أرضنا المحتلة عام 67 كما قرر مجلسنا الوطني الفلسطيني لحظة إعلان الاستقلال وقيام الدولة المستقلة في المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر في عام 88.

الأخ رئيس المجلس التشريعي

الأخوات والإخوة الأعضاء

إن وضعنا الداخلي ونظامنا السياسي بعد هذا العدوان الإسرائيلي يحتاج منا إلى مراجعة شاملة تطال كافة مناحي حياتنا الوطنية، وأنتم تعلمون أننا أقمنا نظامنا السياسي على قاعدة الديموقراطية والانتخابات الحرة النزيهة التي أشرف عليها قادة من العالم أجمع، وأقمنا الأجهزة الأمنية وقوات الأمن الوطني والشرطة في إطار تصور مسبق بأن الفترة الانتقالية التي وردت في أوسلو ستنتهي في عام 99، وبعدها نعيد النظر في البناء السياسي والإداري والأمني لدولتنا،؛ إلا أن الأمور سارت في اتجاه مغاير تماماً بعد أن رفضت حكومة إسرائيل احترام وتنفيذ الاتفاقات وشنت منذ ذلك الوقت هذه الحرب الظالمة علينا وعلى أرضنا وشعبنا ومقدساتنا المسيحية والإسلامية.

واسمحوا لي أيتها الأخوات وأيها الإخوة أن أطرح أمامكم بكل إخلاص وبكل مسؤولية الإعداد السريع للانتخابات وتنفيذ ما يمكن منها على كافة المستويات الرسمية والشعبية واعتماد الانتخابات الحرة الوسيلة الأساسية لاختيار القيادات سواء في هيئات المجتمع الوطني أو في التنظيمات والاتحادات والنقابات والمؤسسات الشعبية كأدوات أساسية في بناء المجتمع المدني.

والتقيد بمبدأ الفصل بين السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية، والمحافظة على الوحدة الوطنية وحقوق الإنسان؛ كما إنني ومن واقع التجربة في بناء الإدارة والسلطة أدعو إلى إعادة النظر في كافة تشكيلاتنا الإدارية والوزارية والأجهزة الأمنية بعد أن ظهرت جوانب قصور هنا وهناك لا يمكن إخفاؤها عن الرأي العام الذي يكتوي بنار الاحتلال الإسرائيلي وقد بذلنا جميعنا الجهود في البناء والعمل وقد نكون قد أخطأنا أو أصبنا في هذا الجانب أو ذاك أو في هذه المسؤولية أو تلك إلا أننا حافظنا على الأمانة وعلى الأهداف الوطنية وفي مقدمتها الاستقلال والحرية والدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، “وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة)، عندما أقول هذا الكلام فإننا نعني جميع الأراضي العربية المحتلة حسب قاعدة مؤتمر مدريد.

الأخ رئيس المجلس التشريعي،

الأخوات والإخوة الأعضاء،

هذه الأرض المقدسة أمانة في أعناقنا جميعاً وسنبقى دوماً أوفياء لدماء شهدائنا ولأسرانا وجرحانا ومعتقلينا.

والآن ونحن نواجه هذا الحصار الخانق وهذا العدوان المستمر وهذه الظروف التاريخية المصيرية والصعبة؛ فإن الهدف والحلم يقتربان رغم كل هذه المعاناة والتضحيات والآلام وإنني أصر على تقديم صياغة كاملة وجديدة لوضعنا الوطني برمته وللسلطة وإداراتها ووزاراتها وللأجهزة الأمنية من أجل إعادة البناء على قاعدة أصلب وأرسخ وأقوى وأصح وبما يحقق طموحاتنا الوطنية في الاستقلال والحرية والدولة الفلسطينية المستقلة.

هذه أيتها الأخوات أيها الإخوة، ساعة العمل والبناء وساعة التغيير والإصلاح بالرغم من كل المحاولات التي تحاول أن تعيق إعادة البناء الوطني ولميلاد دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

فليكن مجلسنا التشريعي الفلسطيني المنتخب ورشة عمل لمراجعة المسيرة بإيجابياتها وسلبياتها من أجل إعادة بناء نظامنا السياسي على قواعد أصلب من الديموقراطية وسيادة القانون واستقلال القضاء وإعادة بناء أجهزتنا ومؤسساتنا المختلفة بما فيها الاقتصادية والمالية والبنية التحتية لتكون القاعدة المتينة لشعبنا على طريق الاستقلال والحرية.

بسم الله الرحمن الرحيم

"قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقاً حسناً وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ان أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب".

" المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة "

أحييكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كلمة الرئيــس ياسر عرفات لمناسبة انطلاقة الثورة الفلسطينية والعام الميلادي الجديد 31 كانون الأول 2002

"إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً، ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً، وينصرك الله نصراً عزيزاً "

صدق الله العظيم

أخواتي إخواني،

يا جماهير شعبنا المجاهد المرابط في الوطن وفي الشتات،

إن يوم العزة والكرامة يوم الأول من يناير سنة 1965 يوم نفض فيه طائر الفينيق الفلسطيني رماد الكارثة والنكبة ليحلق عالياً في سماء الوطن فلسطين معلناً للعالم أجمع أن فلسطين أرضنا المقدسة ووطننا المبارك، وإذ يمجد شعبنا الفلسطيني في الأول من يناير من كل عام يوم عيدنا الوطني الفلسطيني ويومَ احتفالات شعبنا وشعوب العالم بالعام الميلادي الجديد، وبهذه المناسبة الوطنية والقومية والعالمية أتوجه بالتهنئة إلى شعبنا الفلسطيني في الوطن والشتات ولأبطاله في المعتقلات والزنازين الإسرائيلية ولجرحانا المناضلين على أسرة الشفاء وللأكرمين منا شهداء الوطن والمسيرة ولإخوتنا العرب وللأحرار والشرفاء في العالم، وأقول لهم جميعاً: بأن مسيرة شعبنا في انطلاقته النضالية في الأول من يناير عام 65 قد أنهت وإلى الأبد محاولات التغييب القسري لشعبنا عن مسرح التاريخ والحياة، وشعبنا اليوم هو الرقم الصعب في معادلة السلام والأمن والاستقرار في عموم منطقة الشرق الأوسط؛ فلا أمن ولا سلام ولا استقرار إلا بإنهاء الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي لأرضنا الفلسطينية ومقدساتنا وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف التي تشكل بحق الضمانة الأكيدة والراسخة للأمن والسلام على المستويين الإقليمي والدولي. كما أتوجه بتحية الإجلال إلى أرواح شهدائنا وإلى جرحانا الأبطال الذين يتساقطون للدفاع عن أرضنا ارض الرباط المباركة ولحماية مقدساتنا المسيحية والإسلامية في مواجهة هذا العنف والتصعيد العسكري الإسرائيلي الغاشم ضد جماهيرنا ومقدساتنا في الأرض المقدسة والمباركة، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين مسرى نبينا محمد صلوات الله عليه، ومهد ورفعة سيدنا المسيح عليه السلام، وهم في جهادهم وفي رباطهم إلى يوم الدين.

 

وإني أدعو الله أن يتحقق الأمن والسلام في هذا العام الميلادي الجديد في هذه الأرض المباركة المقدسة على أساس قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات ومبدأ الأرض مقابل السلام والمبادرة العربية السعودية لسمو ولي العهد الأمير عبد الله التي تبنتها القمة العربية ببيروت بقيام السلام العادل والشامل والدائم وبالانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي الفلسطينية والعربية والحل العادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفق القرار الدولي 194، ومن أجل أطفالنا وأطفالهم ونرجو أن تسرع اللجنة الرباعية لإرسال مراقبين فاعلين للتنفيذ وللإشراف على حماية عملية السلام على هذه الأرض المقدسة لكل المؤمنين في العالم ولكل الأحرار والشرفاء على الأرض.

وفي هذا العام الجديد فإنني أتوجه إلى الأسرة الدولية من أجل أن يشهد هذا العام الميلادي الجديد انفراجا على المستوى الدولي والإقليمي، واعتماد الوسائل السياسية والسلمية والمفاوضات المباشرة طريقاً لحل كافة القضايا والنزاعات الدولية، وإن شبح الحرب الذي يخيم على الشرق الأوسط، يشكل اليوم الفرصة السانحة لحكومة إسرائيل وجيش احتلالها لمواصلة حربها الاستعمارية المدمرة ضد شعبنا الفلسطيني ومقدساتنا المسيحية والإسلامية في القدس وبيت لحم والخليل وجنينجراد ورفح جراد ونابلس وطولكرم وقلقيلية وعابود ورام الله وقطاع غزة من شماله لجنوبه؛ وكذلك المستوطنين والبشاعة والقساوة والطغيان لجيش الاحتلال والقتل والاغتيال والتنكيل لجماهيرنا والتدمير المتعمد لمؤسساتنا وبنيتنا التحتية ومصانعنا ومزارعنا لإدامة الاحتلال والاستيطان، هذا الاستيطان السرطاني المتزايد لأرضنا الفلسطينية ومصادرة 83000 دونم من أخصب مناطقنا الزراعية في طولكرم وقلقيلية وغرب جنين للسور الواقي بجانب حائط برلين حول القدس الشريف ومنع من هم أقل من 50 سنة من دخولها حتى للصلاة في المقدسات المسيحية والإسلامية؛ لكنيسة القيامة والحرم الشريف؛ وكذلك تدمير آبار المياه في كثير من المناطق والتجريف المستمر لأراضينا الزراعية والدفيئات الزراعية وحظائر المواشي؛ وكذلك اقتلاع أكثر من 55% من أشجار الزيتون وغيرها من الأشجار الأخرى وحتى منع الصيادين من الصيد في بحر غزة وإنها خطة خطيرة ضد شعبنا لمصادرة رزقه واقتصاده، ولمنع شعبنا من استعادة أرضه وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

وإني في يوم العيد الوطني الفلسطيني والعام الميلادي الجديد أقول بكل وضوح بأن الشعب الفلسطيني يتطلع إلى قيام السلام العادل والدائم والشامل – سلام الشجعان الذي وقعناه مع شريكنا الراحل إسحق رابين على أساس قيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف إلى جانب دولة إسرائيل.

 

ولقد وقعت مع شريكي الراحل إسحاق رابين وثائق الاعتراف المتبادل والسلام الدائم؛ ولكن السلام شيء والاستسلام شيء آخر، وكيف يمكن أن يتحقق السلام والأمن والاحتلال والتصعيد العسكري الغاشم مستمر ومتصاعد ضد شعبنا ومقدساتنا، والاستيطان السرطاني الزاحف يومياً على أرضنا بالجبروت وبالقوة والمصادرة، ومقدساتنا المسيحية والإسلامية تُدمر وتُخرب وتحيطها الأطواق الاستيطانية والأمنية بهدف تهويدها وطمس معالمها الدينية والحضارية والتاريخية؟ إن السلام لا يقوم إلاّ بوقف محاولات التهرب من الاعتراف بحقنا المشروع لإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وللعيش معاً في أمن وسلام في هذه الأرض المقدسة طبقاً لمؤتمر مدريد، واتفاقية أوسلو، والواي ريفر، وكامب ديفيد، وشرم الشيخ، وباريس، وطابا، واللجنة الرباعية، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن.

لقد مددنا أيدينا ونمدها اليوم من أجل السلام لأننا نحترم ما نوقع عليه، رغم الجراح النازفة ورغم القتل والحصار والاعتقال والتدمير الشامل لشعبنا وأرضنا ومصانعنا ومزارعنا وبنيتنا التحتية، وأقول للشعب الإسرائيلي ولقوى السلام فيه: بأن الشعب الفلسطيني يريد تحقيق السلام العادل والدائم والأمن لنا ولكم؛ ولكن السلام مستحيل في ظل الاستيطان الزاحف على أرضنا، والأمن كذلك مستحيل في ظل استمرار الاحتلال التعسفي لأرضنا من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي وتصعيداته العسكرية الغاشمة على شعبنا وأرضنا ومقدساتنا والمستوطنين المسلحين واعتداءاتهم على جماهيرنا وقرانا ومخيماتنا.

إن حكومة إسرائيل قد أصرت على تدمير كل الاتفاقات ونسفت كل الجسور وألغت كافة الترتيبات الأمنية بيننا، بل دمرت أجهزتنا الأمنية واهمة بأن هذا القتل والتدمير والحصار والاغتيالات ستجبر شعبنا على الاستسلام لإرادة المحتلين والمستوطنين الذين يسرقون أرضنا ويعتدون على مقدساتنا، وبعد أكثر من عامين (27 شهر) من هذه الحرب التدميرية والاستعمارية والتي وصل عدد شهدائنا وجرحانا إلى أكثر من 69000 شهيد وجريح أقول للإسرائيليين جميعاً بأن قهر إرادة الشعب الفلسطيني هي المستحيل بعينه ولا يمكن للسلام أن يتحقق وللأمن أن يدوم إلا بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من أرضنا الفلسطينية والعربية وأقامه دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف طبقاً لقرارات الشرعية الدولية والاتفاقات والمبادرات والحفاظ على سلام الشجعان الذي وقعناه مع شريكنا الراحل إسحق رابين الذي دفع حياته ثمناً لهذا السلام من بعض العناصر المتطرفة التي لا تريد السلام ولا الأمن ولا الاستقرار.

وإنني أتوجه إلى شعبنا الفلسطيني الصامد الصابر المرابط وأقول للجميع: بأننا ضد أي أعمال عنف ضد المدنيين الإسرائيليين وضد المدنيين الفلسطينيين، على الرغم من الجرائم الوحشية والبشعة التي يرتكبها جيش الاحتلال والمستوطنون يومياً ضد المدنيين الفلسطينيين؛ ولهذا قلت وأقول: بأننا ومنذ البداية ضد استهداف المدنيين سواء كانوا إسرائيليين أو فلسطينيين ونحن نناضل من أجل حريتنا واستعادة أرضنا المحتلة وإقامة دولتنا المستقلة طبقاً لقرارات الشرعية الدولية وانطلاقاً من مبادئنا وأخلاقنا وقيمنا الوطنية والدينية والإنسانية والنضالية بالرغم من هذه الحرب التدميرية المتصاعدة التي تشنها حكومة الاحتلال الإسرائيلي ضد شعبنا ومقدساتنا وضد بنيتنا التحتية واقتصادنا بما فيها حجز أموالنا الضرائبية منذ أكثر من 28 شهراً حتى الآن.

وإني هنا أتوجه بالتحية الصادقة إلى الرئيس المبارك حسني مبارك رئيس جمهورية مصر العربية وإلى شعب مصر الشقيقة وحكومتها؛ وكذلك لهذا الجهد السعودي الشقيق لدفع الحوار الوطني الفلسطيني بين كافة القوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية بهدف التوصل إلى وثيقة العمل الوطني الموحد والتي تحدد أهداف شعبنا والوسائل الكفيلة بإنجاز استقلالنا الوطني وإقامة دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وإيجاد الحل العادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين طبقاً للشرعية الدولية.

كما أتوجه إلى اللجنة الرباعية التي تمثل الإرادة الدولية لضرورة اعتماد خريطة الطريق بما يتفق وقرارات الشرعية الدولية لتحقيق الانسحاب الإسرائيلي والاستيطان من أرضنا الفلسطينية والعربية وتحقيق الأمن والسلام لدول وشعوب منطقه الشرق الأوسط بما فيها شعبنا ودولته الفلسطينية المستقلة.

كما أؤكد على ترحيبنا بدعوة اللجنة الرباعية لوقف إطلاق النار بين الجانبين وفي كافة المناطق وأدعو اللجنة الرباعية إلى مباشرة مهامها ودورها؛ وكذلك اليابان ودول عدم الانحياز والدول الإسلامية والآسيوية والإفريقية واللاتينية إلى الأحرار والشرفاء في العالم، ولأهمية إرسال المراقبين الدوليين منهم بأسرع ما يمكن لاتخاذ الترتيبات والإجراءات الكفيلة بوقف العدوان على شعبنا في أرضنا المقدسة والانسحاب الفوري من أراضينا. وفي هذا العام الميلادي الجديد الذي نأمل أن نحقق فيه السلام العادل والدائم في المنطقة كلها بما فيها أرض العراق الشقيق.

ولابد لي هنا أن أتطرق لموضوع الإصلاح والديموقراطية الفلسطينية لأؤكد أن خيار الديموقراطية هو خيار أصيل لدى شعبنا؛ فالسلطة الوطنية الفلسطينية قامت بعدة إجراءات للانتخابات العامة النيابية والرئاسية والمحلية والبلدية بما فيها ممارسة لجنة الانتخابات المركزية أعمالها برئاسة الأخ د. حنا ناصر، وإن حكومة إسرائيل بإعادة احتلالها لأرضنا وحصارها الخانق وضرب أجهزتنا الأمنية إنما ترمي إلى تعطيل إجراء الانتخابات العامة التشريعية والرئاسية والبلدية والمحلية في موعدها المقرر في 20 يناير 2003، والقيادة تواصل الاتصالات الدولية؛ وكذلك دراسة توصية لجنه الانتخابات المركزية حول أفضل السبل لإجراء هذه الانتخابات فور انتهاء الاحتلال وانسحاب القوات الإسرائيلية إلى مواقعها في 28 أيلول 2000. إن القيادة ومعها كل الشعب الفلسطيني عاقدة العزم على استكمال الحياة الديموقراطية والبرلمانية على أساس مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، وقيام حكومة برلمانية أسوة بكل الحكومات الديموقراطية في العالم؛ وكذلك دعوة لجنة صياغة الدستور لدولة فلسطين لإنجاز عملها لإعداد دستورنا الديمقراطي بالتعاون مع الخبراء العرب وخاصة في الجامعة العربية والخبراء المصريين والعرب والأصدقاء والدعوة العاجلة للمجلس المركزي لذلك طبقاً لقرار المجلس الوطني الفلسطيني لبحث الدستور المقدم من اللجنة؛ كما وندعو اللجنة الرباعية إلى تحمل مسؤولياتها لتمكين شعبنا من ممارسة حياته الديمقراطية بعيداً عن الاحتلال ودباباته؛ فلا يمكن أن تكون هناك حرية وديموقراطية في ظل جيش الاحتلال الإسرائيلي وما يقوم به من تصعيد لحملته العسكرية (خطة الدفاع الهجومي) وممارسة الضغط على جماهيرنا بكل الوسائل العسكرية والاستيطانية والاقتصادية والحصار والتدمير والاعتقالات والاغتيالات.

وإنني هنا أدعو مجلس الأمن الدولي واللجنة الرباعية إلى العمل على سرعة إرسال المراقبين الدوليين للأراضي الفلسطينية لوقف حمام الدم الذي يرتكبه جيش الاحتلال ومستوطنوه ضد شعبنا، ومن أجل وضع الترتيبات الأمنية للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لتنفيذ الاتفاقيات وقرارات الشرعية الدولية وخطاب الرئيس بوش لإقامة الدولة الفلسطينية وتقرير ميتشل وتفاهمات جورج تينت وخطة الطريق المعدلة على أساس المبادرة السعودية التي تبنتها القمة العربية في بيروت، ونحن نرحب بكل العون والمساعدات والجهود العربية والدولية الخيرة التي تبذل حاليا لتحريك عملية السلام بيننا وبين الإسرائيليين، وفي هذا المجال نرحب بدعوة السيد طوني بلير لمؤتمر لندن الذي سيبحث ترسيخ عملية السلام وتعزيز الديموقراطية الفلسطينية، ونعتبر هذا المؤتمر خطوه هامة في الاتجاه الصحيح.

تحيه لشعبنا الفلسطيني الصامد المناضل شعب الجبارين في يوم عيده الوطني والذين هم في رباط إلى يوم الدين وتحية وتهنئه لكل شعوب العالم بالعام الميلادي الجديد الذي نأمل أن يكون عام السلام العادل بيننا وبين جيراننا الإسرائيليين وعام العمل لإبعاد شبح الحرب عن الشرق الأوسط، ولإقامة السلام العادل والدائم والشامل في المنطقة كلها.

" إننا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد "

" وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة "

صدق الله العظيم

وأقول ختاماً: كل عام وأنتم بخير

كلمة الرئيس ياسر عرفات لمؤتمر وزراء خارجية دول عدم الانحياز في ديربان 27 نيسان 2002

معالي السيدة الدكتورة نكوسازانا زوما،

وزيرة خارجية جنوب إفريقيا،

أصحاب المعالي والسعادة وزراء خارجية دول عدم الانحياز،

تحية طيبة وبعد

نخاطبكم اليوم وأنتم تعقدون اجتماعكم الطارئ في مدينة ديربان في جمهورية جنوب إفريقيا، كأصدقاء وأشقاء أعزاء علينا وعلى شعبنا الفلسطيني، الذي يكن لكم كل المودة والاحترام والتقدير لوقوفكم إلى جانب قضايا الشعوب العادلة، قضايا الحق والعدالة والحرية والسلام التي تجسدها قضية شعب فلسطين الذي يواصل نضاله العادل والمشروع بعزيمة قوية وإرادة لا تلين، وبدعم وتأييد من كل الأعضاء الموقرين في حركة عدم الانحياز، والأحرار والشرفاء في العالم، من أجل نيل وتجسيد حقه المقدس والمشروع في الحرية والاستقلال والسيادة، وحماية مقدساته الإسلامية والمسيحية وحتى اليهودية انه حق أقرته وكفلته له كافة الأعراف والمواثيق والقوانين، وقرارات الشرعية الدولية؛ فهذه الأرض هي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومهد سيدنا المسيح عليه السلام.

تعلمون، أصحاب المعالي والسعادة اننا وشعبنا الفلسطيني نعيش ظروفاً بالغة الدقة والصعوبة، بل ومأساوية، ونواجه أمام أعين العالم ومنذ أكثر من تسعة عشر شهراً عدواناً غاشماً، تستخدم فيه إسرائيل أحدث أسلحة الفتك الأمريكية والتدمير والقتل والإرهاب والحصار لشعبنا الذي طال كل مناحي الحياة عنده، عدواناً همجياً دمر كل شيء في وجهه من حجر وشجر وبشر وبنى تحتية واقتصادية ومدارس وجامعات، ويستهدف هذا العدوان والإرهاب الإسرائيلي تدمير عملية السلام برمتها، وكل الفرص والمبادرات لإحيائها وإنجاحها؛ وكذلك تقويض سلطتنا الوطنية وقيادتها من خلال ضرب الشرعية الفلسطينية، وهيئاتها القيادية، وبنيتها التحتية الاقتصادية والمالية والأمنية ولإيجاد قيادات بديلة تقبل بالحل بالكانتونات الإسرائيلية التي يسيطر عليها جيش الاحتلال والإرهاب الإسرائيلي، بعد هذا التدمير المنظم والمتعمد لكافة مرافقنا الحيوية، ومؤسساتنا المدنية والأمنية بعد سرقة كافة محتوياتها، وقتل واعتقال أفراد وموظفي السلطة الوطنية من مدنيين وعسكريين، وقيادات هامة من شعبنا بجانب الاعتقالات العشوائية لمواطنينا، هذا بالإضافة إلى الحصار الخانق الذي تفرضه إسرائيل على مدننا وقرانا ومخيماتنا ومقرنا، الذي حولته إلى مناطق معزولة ومعتقل فعلي محاصر بإحاطته بالأسلاك الشائكة وبالخنادق والحواجز العسكرية، بحيث لا يستطيع أحد دخوله أو الخروج منه، وحتى اقتحامه، بجانب قيام قواتها المحتلة بعمليات مداهمة لمنازل الموطنين وسرقتها واعتقال الآلاف منهم، ونسف وتجريف الكثير منها، ولعل ما حصل في مخيم جنين والبلدة القديمة في نابلس من تدمير همجي ووحشي ومجازر جماعية بحق أبناء شعبنا، دليل قاطع على استمرار الحكومة الإسرائيلية برئاسة شارون في جرائمها العنصرية ومجازرها المجنونة ولتدمير شعبنا وسلطته وبنيته، لتنفيذ خططها العسكرية الموضوعة سلفاً من خطة جهنم إلى الخطة المتدحرجة، وأخيراً الجدار الواقي؛ كما تواصل قوات الاحتلال الفاشي اعتداءاتها العنصرية البربرية على مقدساتنا المسيحية والإسلامية، بل وحتى تدميرها مثلما حصل في جامع عمر بن الخطاب قرب كنيسة المهد في بيت لحم، وخمسة جوامع وكنيسة أثرية في مدينة نابلس، ولا زالت هذه القوات تحاصر وتقصف أقدس وأقدم وأهم مكان ديني في العالم للمسيحيين والمسلمين وهو كنيسة المهد في بيت لحم، وتجويع من بداخلها من رهبان وراهبات ومواطنين، وتحاول بشتى الوسائل اقتحامها واعتقال أو قتل المتواجدين فيها، بجانب ما قامت وتقوم به من تدمير وجرائم داخل مدينة بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور الخضر ومخيمات العزة وعايدة والدهيشة حولها، وقد تم إحراق كنيسة مارجريس داخل كنيسة المهد وكنيسة تعميد الأطفال وأماكن إقامة الرهبان وغيرها من الاعتداءات الإجرامية.

إن العدوان الإسرائيلي الفاشي المتواصل لغاية الآن على شعبنا وقيادته، وعلى مدننا وقرانا ومخيماتنا ومقدساتنا، قد طال أيضاً المستشفيات واعتقال الجرحى من داخلها، وقصف سيارات الإسعاف واعتقال طواقمها، ومنعها من القيام بواجباتها الأمر الذي أدى إلى وفاة المئات من أبناء شعبنا الجرحى، وتعفن وتحلّل جثث العشرات من الشهداء مثلما حصل في مخيم جنين والبلدة القديمة في نابلس التي تم تدميرها بطائرات F15 وF16، والأباتشي والصواريخ والدبابات والمجنزرات والبلدوزرات؛ وكذلك داخل كنيسة المهد في بيت لحم، وقد يسبب هذا انتشار الأوبئة والأمراض وهو ما حذرت منه الهيئات والمؤسسات الإنسانية والطبية والإغاثية، بسبب تدمير البيوت على ساكنيها، وكما أن قوات الاحتلال والإرهاب فرضت قيوداً شديدةً على تحركات الصحافة المحلية والعالمية، بل أطلقت النار على بعضهم وقتلت وجرحت العديد منهم بهدف إخافتهم ومنعهم من نقل وكشف حقيقة ما يجري من جرائم نازية عنصرية يقوم بها للعالم وللإنسانية جمعاء، وعن جرائمها ومجازرها العنصرية البشعة والوحشية التي ارتكبتها قوات الجيش الإسرائيلي، ولا زالت ترتكبها ضد شعبنا الفلسطيني؛ إن هذه الجرائم والمجازر هي من أبشع أشكال الجرائم ضد الإنسانية في العصر الحديث وفي هذا القرن انها وكما وصفتها مؤسسات دولية وإنسانية وطبية وحقوق إنسان، جرائم حرب يجب أن يحاكم مرتكبوها ومخططوها أمام محاكم خاصة لجرائم الحرب أسوة بما حصل في مناطق عديدة في العالم، ووصل الوضع إلى رفض قرار مجلس الأمن وقراره بإرسال الوفد الأخصائي وعدم السماح له بدخول إسرائيل، وهذا تثبيت للجرائم والمجازر التي قام بها الجيش الإسرائيلي ضد مدننا ومخيماتنا وقرانا وضد جماهير شعبنا القاطنين في هذه المناطق.

إنها حرب وحشية وظالمة تشنها علينا إسرائيل بتواطؤ وصمت من بعض القوى الدولية برغم تجاوبنا وتعاملنا بمسؤولية ومرونة مع كافة الجهود والمبادرات الدولية والإقليمية لإحياء مسيرة السلام وحمايتها، ولوقف هذه الحرب البربرية ضد شعبنا، وقبلنا بكل التفاهمات والاتفاقات التي تمت من أجل وقف إطلاق النار وتثبيته، وخاصة تفاهمات تينت وتقرير لجنة ميتشيل، ودعمنا مبادرة السلام العربية التي قدمها سمو ولي العهد السعودي الأمير عبد الله، والتي تبنتها القمة العربية في بيروت / لبنان، والتي منعوني من الذهاب للاشتراك فيها، وأيدنا خطاب الرئيس بوش الذي ألقاه مؤخراً حول تفاقم الوضع في منطقتنا؛ وكذلك بيان اللجنة الرباعية من (أمريكا وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة) في مدريد الذي صدر في 10/4/2002، وقبله رحبنا بعودة الجنرال انتوني زيني لتنفيذ مهمته؛ وكذلك جهود السيد كولن باول الطيبة، وتعاملنا ولا زلنا مع جهودهم ووساطتهم باهتمام ومسؤولية ومرونة؛ لكن هذا الموقف الفلسطيني المسؤول والمرن والملتزم بالسلام لم يلقى من حكومة إسرائيل إلا الرفض المتواصل المقرون باستمرار غطرسة القوة والاملاءات وفرض الشروط علينا، إضافة إلى التصعيد في حربها التدميرية والإرهابية ضد شعبنا؛ فإسرائيل لا زالت ترفض كل الجهود والمبادرات الدولية والاتفاقات، وقرارات مجلس الأمن الدولي (1397)، و(1402)، و(1403)، وكلها تطالبها بسحب قواتها فوراً من الأراضي الفلسطينية المحتلة والمدن والقرى والمخيمات، ووقف عدوانها وحصارها المتواصل على شعبنا؛ وللأسف؛ فإن ما يجري هو حرب عنصرية نازية على الإنسانية بكل ما فيها من مثل وقيم ومبادئ وتسامح ومحبة انه تدمير لكل شيء عند شعبنا، بل تدمير لتاريخ هذه الأرض المقدسة وللوعي وللذاكرة الفلسطينية كما صرح بذلك الجنرال موفاز رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، وأكدها رئيس الحكومة شارون، والمحصلة انه تدمير سافر وصارخ لكافة الجهود والمبادرات الدولية المبذولة لإقامة وتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة، سلام الشجعان، الذي وقعته مع شريكي الراحل رابين، والذي دفع حياته من هذه العناصر المتطرفة والتي تحكم الآن في إسرائيل، ولضرب الآمال التي بنيت عليها؛ إن استمرار هذه الحرب الوحشية والظالمة علينا يعني إعادة المنطقة في الشرق الأوسط كلها إلى دائرة الحروب والدمار التي عانت منها كثيراً في الماضي، وبالتالي نشر الفوضى واللااستقرار والعنف في المنطقة وفي العالم أجمع؛ وفي هذا السياق؛ فإن إعلان حكومة شارون عن إنهاء المرحلة الأولى من عدوانها والادعاء الكاذب بالانسحاب من المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية ليس سوى تضليل فعلي وذر للرماد في العيون، هدفه الالتفاف على تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي (1402)، و(1403)، وبيان مدريد الرباعي وإعلان الرئيس بوش، وقرارات القمم العربية، ومواقف القادة الدوليين والمؤسسات الدولية وفي مقدمتها حركتنا حركة عدم الانحياز ورئيسها السيد مبيكي الذي نشكره على الدعوة لهذا الاجتماع،؛ إلا أن قوات الاحتلال لا زالت تحتل الأحياء الرئيسة في جميع المدن في انتهاك فاضح للاتفاقات الموقعة وقرارات الشرعية الدولية، وبهدف إلغاء المناطق الخاضعة للسيادة الفلسطينية الكاملة، وإقامة المناطق العازلة مثل الكانتونات التي شرعت فيها فعلاً، وتمزيق وحدة الأراضي الفلسطينية ضمن سياسة إقامة هذه الكانتونات، بما في ذلك حصار مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله وقطع الاتصالات معنا ومع شعبنا وقيادتنا وكوادرنا ووزرائنا، ومؤسساتنا الرسمية والشعبية والأمنية، بما في ذلك القصف والتدمير المستمر للمباني الملحقة والملتصقة بمقر الرئاسة وقطع التليفونات والكهرباء والمياه والمواد الطبية والتموينية بجانب استمرار تدمير البنية التحتية للشعب الفلسطيني وقيادته.

لقد أصبح واضحاً للجميع أن إسرائيل تريد فرض الحل الذي يحقق لها مصالحها وأطماعها وأمنها على حساب حقوق شعبنا وأمنه وأرضه؛ وكذلك ضرب عملية السلام انها تريد بالفعل إخضاع شعبنا وجعله تابعاً لها يخدم أمنها ومطامعها وأجيراً عندها، وهذا ما لا يمكن لشعبنا الفلسطيني وقيادته أن يقبلوه مهما كانت التضحيات، ومهما بلغت التحدّيات، لقد أصبح الوضع عند شعبنا مسألة حياة شريفة وكرامة وحقوق مشروعة لا بد من استعادتها، خاصة وأننا الشعب الوحيد في العالم الذي لا زال تحت الاحتلال والمدافعين فوق الأرض المقدسة أرض السلام عن مقدساتنا المسيحية والإسلامية وحتى اليهودية.

وفي ظل استمرار هذا العدوان والإرهاب، والحرب الضروس البربرية ضد شعبنا الفلسطيني، والذي يهدده في مصيره ومستقبله وحقوقه وأرضه ومقدساته؛ فإننا من موقع استمرار التزامنا الثابت بالسلام، سلام الشجعان، المستند إلى مبدأ الأرض مقابل السلام، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، نناشدكم كأصدقاء وأشقاء لشعبنا، يدركون تماماً معنى الحرية والاستقلال والكرامة الوطنية، ونناشد أيضاً من خلالكم كل الأحرار والشرفاء ومحبي الحرية والسلام والعدالة في العالم، بضرورة التدخل العاجل والفاعل والتحرك على كافة المستويات الدولية وخاصة مجلس الأمن الدولي، واللجنة الرباعية (الأمريكية الروسية مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة)، من أجل توفير الحماية العاجلة لشعبنا من هذا الإرهاب والبطش والقمع للاحتلال الإسرائيلي، وهنا نرحب باقتراح معالي السيد كوفي عنان، الأمين العام للأمم المتحدة لإرسال قوة مسلحة متعددة الجنسيات، وقرار مجلس الأمن الأخير بإرسال لجنة التحقيق في الجرائم في مخيم جنين ونابلس، وغيرهما، ونرجو دعم هذا الاقتراح ودفعه إلى الأمام ليترجم عملياً لتحقيق هذه الحماية، وإيجاد آلية دولية ملزمة توقف هذا العدوان والحصار بكل أشكالهما على شعبنا، وتنفيذ المرجعية التي استندت إليها مسيرة السلام لوصولها إلى غاياتها المنشودة، لما فيه مصلحة وخير كافة شعوب ودول المنطقة بما فيهم إسرائيل؛ وفي هذا الإطار وللوصول إلى هذا الهدف؛ فإن اتخاذ إجراءات دولية شاملة رسمية بما فيها إرسال قوات بيننا وبين إسرائيل، وفرض المقاطعة الدولية مثلما حصل في أماكن كثيرة في العالم، بما فيها ما حصل مع نظام الأبارتايد العنصري في جنوب إفريقيا سيحمل إسرائيل، قوة الاحتلال الغاشمة، على الإذعان لإرادة المجتمع الدولي، وتنفيذ قراراته التي تدعو إلى تحقيق وإقامة السلام العادل والشامل في المنطقة على أساس هذا السلام، سلام الشجعان، الذي وقعته مع شريكي الراحل رابين الذي دفع حياته ثمناً لهذا السلام القائم على الحق والتكافؤ، هذا السلام الذي يكفل وحده الأمن والاستقرار لشعوب ودول المنطقة، ولشعبنا الفلسطيني إنهاء الاحتلال بكل أشكاله وخاصة الاستيطان لأرضنا ومقدساتنا المسيحية والإسلامية، واستعادة وممارسة حقوقنا الوطنية الثابتة في العودة، وتقرير المصير، وإقامة دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، باعتبارها الضمانة الأساسية واللازمة لنجاح وتوطيد السلام والاستقرار في المنطقة وفي العالم، وحتى لا يحطم هذا المخطط الإسرائيلي فرص السلام والأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط كلها وانعكاساتها الخطيرة والسيئة على السلام العالمي؛ فهذه الأرض هي الأرض المقدسة.

إننا وشعبنا، أيها الأشقاء والأصدقاء، نعوّل كثيراً على تحرككم وجهودكم الأخوية الخيّرة والمخلصة من أجل إنهاء هذه المأساة الإنسانية التي يعيشها شعبنا بكل أشكالها، ولوضع حد لدوامة سفك الدماء والقتل الجارية في المنطقة، والتي سيكون لاستمرارها عواقب وخيمة وانعكاسات خطيرة على الأمن والسلام العالميين، ونأمل أن يخرج اجتماعكم الطارئ هذا بالقرارات الفاعلة التي تساهم في وقف هذه الحرب البربرية، والعدوان الإسرائيلي السافر على شعبنا وأمتنا العربية والمنطقة كلها.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ياسر عرفات رئيس دولة فلسطين

رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية

رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية

 

كلمة الرئيس ياسر عرفات مخاطباً المشاركين في القمة العالمية الثالثة لحاملي نوبل للسلام ألقاها الدكتور نبيل شعث وزير التخطيط والتعاون الدولي 19 تشرين الأول 2002

صباح الخير أيها السيدات والسادة،

عزيزي الرئيس ميخائيل غورباتشوف،

الأصدقاء والزملاء الحائزون على جائزة نوبل للسلام،

السيد فيلتروني رئيس بلدية روما،

أحييكم باسم شعبنا الفلسطيني وقيادته، وباسمي شخصياً، معبراً عن تقديري لهذه المبادرة الهامة التي تجمع قادة ومسؤولين نالوا جائزة نوبل للسلام نتيجة إيمانهم وما أثبتوه عملياً من التزام بقضية السلام التي تطلبت أحياناً الكثير من الشجاعة من أجل الخروج من حالة الحرب والصراع والعنف إلى حالة من السلام والأمن والاستقرار والتقدم.

من المؤسف أن هذا الوضع لم يتحقق في فلسطين وفي منطقتنا عامة، بالرغم من أن العالم بأسره بنى آمالاً كبيرة على السلام ما بيننا وبين جيراننا الإسرائيليين وما بينهم وبين العالم العربي، بما في ذلك الدول العربية التي لازالت أرضها محتلة من قبل الإسرائيليين، كما هي محتلة أرضنا الفلسطينية.

تتابعون بلا شك أيها السادة الأصدقاء العدوان اليومي المستمر على شعبنا الفلسطيني، والأعمال التصعيدية العسكرية التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي بتعليمات علنية من الحكومة الإسرائيلية، حيث يتم قتل الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ بدم بارد؛ كما يتواصل حصار الشعب الفلسطيني بأسره، الذي يعيش في أوضاع أكثر سوءاً بكثير مما كان عليه وضع الكانتونات في ظل التفرقة العنصرية البغيض في أفريقيا.

لقد كان توجهنا نحو السلام صادقاً وأميناً، وإذا كان قد تم تطبيق ما اتفق عليه في البداية أثناء رئاسة شريكي الراحل يتسحاق رابين، الذي وقعت معه اتفاق أوسلو سلام الشجعان من أجل أطفالنا وأطفالهم؛ إلا أن ما تقوم به القيادة والحكومة الإسرائيلية هدفهم الذي أعلنوه رسمياً ضد عملية السلام وتصرفوا على أساس التصعيد العسكري ضد جماهيرنا وبنيتنا التحتية ومقدساتنا المسيحية والإسلامية والتطرف الاستيطاني غير الشرعي دولياً، متجاهلين القرارات الدولية وتطبيق الاتفاقات الموقعة معنا دولياً؛ فكان أن تواصل العدوان والحصار والتدمير والاعتقالات والقتل، الذي شمل أعداداً كبيرة من أطفالنا ونسائنا والذي وصل عدد جرحانا وشهدائنا أكثر من ستين ألفاً.

لا أريد أن أسرد مسلسل الانتهاكات الإسرائيلية من إغلاق لقطاع غزة في البداية وتحويله إلى سجن كبير، ثم إغلاق مدينة القدس أمام المواطنين الفلسطينيين مسيحيين ومسلمين، واتباع مختلف الأساليب من أجل تهويد المدينة عبر إجراءات وقوانين تذكر بأبشع أشكال التطهير العرقي.

لقد حاولنا ولازلنا نحاول رغم كل الصعوبات أن ننقذ عملية السلام، وأن نوقف بلا شك الدم الذي يذهب ضحيته أبرياء من الجانبين؛ ولكن ذلك لا يعتمد على رغبتنا لوحدنا، حيث توجد الآن الحكومة الإسرائيلية التي تضم بعض الأحزاب المتطرفة مصرة على تجاهل عملية السلام والاتفاقات الموقعة بما فيها القرار 1435 بجانب القرارات السابقة والاستمرار في عدوانها العسكري وحصارها الخانق؛ مما يستدعي تحركاً دولياً سريعاً وحازماً لإنقاذ عملية السلام في فلسطين وفي المنطقة العربية والشرق أوسطية كلها وانعكاساتها على العالم أجمع؛ فهذه الأرض أرض فلسطين هي الأرض المقدسة للمؤمنين في العالم أجمع وهذا يستدعي إرسال قوات دولية ومراقبين دوليين، مثلما يحدث في بقية المناطق التي تتعرض لعدوان عسكري، وحكومة إسرائيل ترفض ذلك للأسف.

أيتها السيدات والسادة،

أيها الأصدقاء،

إنني أعتقد أن قضية السلام تتطلب شجاعة أكثر من خوض الحروب؛ كما إنها قضية نزيهة؛ لأن السلام يعني الحياة، والحروب لا تجلب سوى الدمار والموت، وهذه القضية تتطلب أن يرفع كل الشرفاء صوتهم مطالبين بإيقاف العدوان الإسرائيلي، وبالعودة إلى طاولة المفاوضات ضمن إطار دولي تشارك فيه الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية، ومنظمة الأمم المتحدة والدول العربية وأهمية اشتراك اليابان والصين ودول عدم الانحياز والأحرار والشرفاء في العالم لتطبيق قرارات الأمم المتحدة بما فيها قرارات مجلس الأمن 242، 338، 425، و194 وحتى القرار الأخير من مجلس الأمن رقم 1435؛ فإننا نستطيع أن نتوصل إلى حل يلبي تطلعات شعبنا في إقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشريف،

وكذلك ضمان أمن إسرائيل وأمن بقية دول المنطقة، ومن أجل مستقبل أطفالنا وأطفالهم.

 

إن ما نطالب به هو بالتحديد ما أقرته الشرعية الدولية، أي قيام دولتين تكون القدس عاصمة لكل منها، وأن تبقى المدينة مفتوحة، لتكون رمزاً للسلام والتعايش ما بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني؛ وكذلك المؤمنين بالديانات السماوية السمحاء اليهودية والمسيحية والإسلام.

أتطلع ومعي شعبي الفلسطيني المحاصر، الذي يعاني من أسوأ الظروف الإنسانية وكافة أشكال التنكيل والإهانة والمعاناة والحصار والقتل أن ترفعوا صوتكم، وأن تقوموا بكل المبادرات الممكنة من أجل وضع حد لهذه المأساة، عبر ممارسة الضغط على الحكومة الإسرائيلية الحالية للتوقف عن عدوانها، والعودة إلى طاولة المفاوضات، وإنني متأكد من أن أكثرية الشعب الإسرائيلي، تماماً مثل أغلبية الشعب الفلسطيني تريد السلام، وتريد العيش بحرية وكرامة جنباً إلى جنب؛ فارفعوا صوتكم وبقوة من أجل السلام.

أتمنى النجاح لمؤتمركم، وأتطلع إلى اللقاء بكم، آملاً حضور وفد من الزملاء الحائزين على جائزة نوبل للسلام، للاطلاع على الوضع ولمناقشة سبل الخروج من حالة الحرب القائمة إلى حالة السلام الدائم والعادل والشامل في المنطقة كلها.

مع أطيب التمنيات لكم جميعاً لإقامة السلام العادل والدائم والشامل، سلام الشجعان في الأرض المقدسة وفي المنطقة كلها، والسلام عليكم.

 

كلمة الرئيس ياسر عرفات وجهها لأهالي نابلس 28 نيسان 2002

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

“إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ”

صدق الله العظيم

يا أهلي يا ربعي يا عزوتي في جبل النور والنار يا من سطرتم أعظم صور الصمود والفداء والتضحية دفاعاً عن المشروع الوطني الفلسطيني في وجه أعتى قوة غازية في الشرق الأوسط.

يا إخوتي وإخواني في بلاطة وعسكر وأبو ديس والعيزرية وقلنديا والرام والبيرة ورام الله وبيت لحم والعزة والدهيشة وعايدة وبيت ساحور وبيت جالا وجنين وطولكرم وقلقيلية ورفح وجباليا وخانيونس ودير البلح والخليل ودورا وسلفيت وأريحا والظاهرية وبني نعيم وفي جميع والقرى والمخيمات الذين صنعوا ملحمة الصمود والرباط على أرض الرباط حتى وصلت صرخاتكم أرجاء الدنيا بأسرها ولامست مسامع العالم الحر في كل مكان وأنتم تواجهون بدمائكم وأرواحكم أحدث الأسلحة العسكرية وخطط الأورانيم (جهنم) والمتدحرجة والسور الواقي، لقد قدمتم على درب الشهادة كوكبة من الشهداء رجالاً ونساءً وشيوخاً وأطفالاً وبالرغم من ذلك سجلتم في رباطكم مع إخوانكم في أرض الرباط صورة جلية لشعب الرباط الذي يريد الحياة الحرة الكريمة والاستقلال الوطني مهما عظمت التضحيات دفاعاً عن مقدساتنا المسيحية والإسلامية ودفاعاً عن أمتنا العربية وعن كل الأحرار والشرفاء في العالم.

ومن قلب الحصار الذي نتعرض إليه جميعاً كنت معكم لحظة بلحظة أتابع عن كثب وصلابة وإيمان شجاعة جبل النور والنار برغم كل ما تعرضتم له من دمار وقتل وتخريب وخاصة ما حصل في البلدة القديمة؛ وكذلك ما تتعرض له المساجد والكنائس والتراث الأثري التاريخي فيها فهذه هي سمة الأوفياء والشجعان المرابطين في أرض الرباط في فلسطين.

كل التحية والتقدير والاعتزاز لكل شبل وزهرة وامرأة وشيخ وشاب وشابة شاركوا في هذا الصمود الأسطوري والله معكم ومع هذا الشعب الفلسطيني شعب الجبارين الصامد الصابر المرابط في أرض الرباط وفي القدس الشريف عاصمة دولتنا الفلسطينية المستقلة أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومهد السيد المسيح عليه السلام.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

"وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً"

“وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ”

صدق الله العظيم

 

كلمة الرئيس ياسر عرفات أمام لجنة القدس 25 كانون الثاني 2002

بسم الله الرحمن الرحيم

“سبحان الذي أسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير”

صدق الله العظيم

صاحب الجلالة الأخ الملك محمد السادس،

الإخوة ممثلي الدول المشاركين في اجتماع لجنة القدس،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

باهتمام وتقدير كبيرين، تلقينا رسالتكم الأخوية، التي تضمنت دعوتكم لنا لحضور اجتماع لجنة القدس، الذي سيعقد برئاستكم اليوم الجمعة 25/1/2002م، ونحن إذ نشكر لجلالتكم دعوتكم الكريمة، لنثمن عالياً جهودكم الحثيثة والمتواصلة، وتضامنكم الفاعل مع شعبنا الفلسطيني في نضاله العادل لإنهاء الاحتلال لأرضه ومقدساته المسيحية والإسلامية، وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

وإنني لأعبر لأخي صاحب الجلالة الملك عن صادق الامتنان على دعوتكم الكريمة، والتي كنت آمل من أعماق قلبي أن أتمكن من تلبيتها غير أن الظروف البالغة الدقة والحساسية

التي يعيشها شعبنا، وتمر بها قضيتنا حالت دون ذلك، ولا سيما في ظل التصعيد العسكري الخطير، والحرب التدميرية الشرسة، وسياسة الإرهاب المنظم التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد أرضنا وشعبنا ومقدساتنا المسيحية والإسلامية، وفق خطة مبرمجة أقرتها وأعلنتها الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، بهدف تدمير سلطتنا الوطنية، وفرض حلولها على شعبنا، وتكريس وتشريع احتلالها واستيطانها لأرضنا ومقدساتنا، والنيل من عزيمة وصمود شعبنا وتصميمه على الصمود أمام هذا الاحتلال الإسرائيلي، وليعيش شعبنا بحرية وكرامة في أرض الرباط في وطنه فلسطين، ونحن إذ نعرب، يا أخي صاحب الجلالة، عن عظيم ثقتنا بكم، وبسديد رأيكم وجهودكم القيمة، لنعوّل على دوركم ومواقفكم ومواقف إخواني ممثلي الدول المشاركين في اجتماع لجنة القدس لتوجيه رسالة واضحة وقوية للعالم أجمع، من خلال اجتماعكم هذا ومن خلال اتصالاتكم الثنائية، وخاصة للقوى الدولية الفاعلة والمؤثرة في العالم، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الروسي، ودول الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، وكذلك الصين واليابان ودول عدم الانحياز والدول الصديقة، لحثها على ضرورة العمل لوقف هذه الحرب التي تشنها إسرائيل قوة الاحتلال ضدنا، ولتوفير حماية دولية لشعبنا، وإيجاد آلية دولية تلزم إسرائيل بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بفلسطين، وكذلك الاتفاقات المبرمة، وإنهاء احتلالها وإزالة الاستيطان من على أرضنا، لأن ذلك سيكون الضمانة الأكيدة والأساسية لبناء وتوطيد الأمن والسلام في المنطقة، كما ونعوّل كثيراً على تكثيف مساعيكم الخيرة، وجهودكم الأخوية الكريمة لحشد طاقات أمتنا المجيدة، ورص صفوفها لمواجهة هذه الحرب الهمجية، ورفع هذا الحصار والإغلاق الشامل والخانق المفروض على شعبنا، ومقدساتنا المسيحية والإسلامية والتي هي أمانة غالية في أعناقنا جميعاً.

كان بودي أن أكون معكم وبينكم لأنقل لكم صورة مشرفة لتضحيات شعبنا في وجه هذه الهجمة العسكرية الإسرائيلية، لقد قدم شعبنا أكثر من ألفي شهيد وأكثر من 42000 جريح على مدى سبعة عشر شهراً، وشلال الدم الفلسطيني لا يزال حتى الساعة يروي الأرض الفلسطينية الطيبة، فالعدوان الإسرائيلي علينا يزداد شراسة وضراوة ووحشية بعد أن وصلت الغطرسة الإسرائيلية إلى درجة إعادة احتلال أجزاء واسعة من مناطق السيادة الفلسطينية وتطويق كافة المدن الفلسطينية في الضفة والقطاع وتطويق مقر القيادة في رام الله ومحاصرتها بالدبابات من كل جانب، ولا تبعد مدافع الدبابات الإسرائيلية عن مقر القيادة إلاّ عشرين متراً. وكما تعلمون فقد دمرت الطائرات المروحية الإسرائيلية مهبط طائرات الرئاسة في مدينة غزة، ودمرت المروحيات الخاصة بتنقلات الرئاسة، كما دمرت مطار غزة الدولي، التي ساعدتنا فيه المغرب الشقيقة، ومنشآت ميناء غزة التي جرى عملها مع الشركات الفرنسية والهولندية والإسبانية والألمانية وبقية الدول الأوروبية واليابانية وغيرها من الدول الصديقة التي ساعدتنا ببناء هذه المنشآت التي جرى تدميرها من الجيش الإسرائيلي، وقيامه مؤخرًا بتدمير محطة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية، واستمراره بتدمير وتجريف منازل المواطنين في رفح وفي القدس الشريف وتشريد أبناء شعبنا الفلسطيني.

ولا يفوتنا في هذا المقام، يا أخي جلالة الملك، أن نعرب لكم عن عظيم اعتزازنا بأواصر الأخوة المتينة التي تربط بيننا، والتي نحن على يقين تام، بأنها تحظى بجليل عنايتكم ورعايتكم، مثلما نوليها جل عنايتنا ورعايتنا، مثمنين عالياً مواقفكم وتأييدكم وتأييد إخواننا في الدول الإسلامية وجميع المسيحيين والأصدقاء في العالم لحقوق شعبنا الفلسطيني العادلة في العودة وتقرير المصير، للعيش بسيادة واستقلال في الأرض المقدسة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، مسرى نبينا محمد صلى الله علية وسلم ومهد سيدنا المسيح علية السلام، مثله في ذلك مثل كافة شعوب ودول العالم.

نجدد لجلالتكم ولإخواننا ممثلي الدول المشاركين في هذا الاجتماع الهام للجنة القدس الشريف جزيل شكرنا وخالص عرفاننا، متمنين من صميم قلوبنا لهذا الاجتماع الهام برئاسة جلالتكم وتحت رعايتكم الملكية السامية، كل التوفيق والنجاح للخروج بالقرارات والتوصيات التي تخدم القدس الشريف، وتحمي مقدساتنا المسيحية والإسلامية وتحمي حقوق أمتنا فيها، ومع قضيتنا الوطنية العادلة، وراجين الله تعالى لكم دوام الصحة والسعادة، ولبلدكم وشعبكم الشقيق ولبلداننا العربية والإسلامية جميعها اضطراد الرفعة والتقدم والسؤدد في ظل القيادة الحكيمة والشجاعة.

وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة”

صدق الله العظيم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته مع الدعاء أن نلتقي سوياً في القدس الشريف بعونه تعالى.