كلمة الرئيس ياسر عرفات أمام وزراء خارجية مؤتمر الشراكة الأوروبية - المتوسطية الثالث في بروكسل تشرين الثاني 2001
معالي السيد الرئيس لوي ميشيل،
أصحاب المعالي،
السيدات والسادة،
يسرني أن أكون بينكم مسار اليوم في هذا الاجتماع الثالث لوزراء خارجية مؤتمر الشراكة الأوروبية -المتوسطية -برشلونة، المنعقد هنا في هذا البلد الصديق الذي نكن له ملكاً وحكومةً وشعباً كل التقدير والاحترام، وفي مقر الاتحاد الأوروبي الذي يعمل وكافة دوله الصديقة بإخلاص من أجل إحلال السلام الشامل والعادل والدائم (سلام الشجعان) في ربوع منطقتنا، منطقة الشرق الأوسط، مثمنين عالياً ما يقدمه الاتحاد الأوروبي ودوله جماعياً وفردياً من دعم مادي ومعنوي لشعبنا الفلسطيني من أجل إعمار وطنه وبناء مؤسساته الاقتصادية، وتعويض خسائره الفادحة نتيجة للتصعيد العسكري علينا، وإقامة بناه التحتية واستعادة وممارسة حقه المقدس في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ولحماية مقدساته المسيحية والإسلامية. ولا بد من أن نقف هنا عند ما وقع بتاريخ 11/9/2001 في كل من نيويورك وواشنطن من أعمال إرهابية إجرامية، أدناها بشدة من اللحظة الأولى، وعبرنا عن تعازينا وتعاطفنا وألمنا للولايات المتحدة الأمريكية وللرئيس بوش وللشعب الأمريكي الصديق، وكذلك عن مشاطرتنا لهم ولأسر الضحايا الأبرياء أحزانهم بهذه الفاجعة الوحشية والهمجية الرهيبة، وأعربنا عن استعدادنا للعمل والمشاركة في أي جهد جماعي دولي لمحاربة الإرهاب، بما في ذلك إرهاب احتلال الدولة المنظم؛ حتى يعيش المجتمع الدولي بأسره بأمن وطمأنينة وسلام واستقرار، وفي إطار من التعاون والتفاهم والاحترام المتبادل. وأود في هذا المقام أن أؤكد على تمسكنا بمسار برشلونة وبروح الإعلان الذي صدر عنه وما تضمنه من قضايا هامة وتعرض له من جوانب اقتصادية واجتماعية وثقافية، وتركيز على حق تقرير المصير للشعوب، وعلى حقوق الإنسان. وإننا لنتطلع بأمل كبير لتحقيق مجمل الطموحات التي تصبو إليها شعوب الدول الأعضاء في مؤتمر الشراكة الأوروبية -المتوسطية على شاطئي البحر الأبيض المتوسط الذي كان عبر التاريخ ولا زال معبراً للتبادلات الحضارية الخصبة بين شعوبنا. وإننا لنأمل أن نتوصل جميعاً إلى إقامة سوق للتبادل الحر للدول الأعضاء، لما يحمله ذلك من خير ويمثله من مصلحة لجميع بلداننا؛ فمنطقة البحر الأبيض المتوسط ذات أهمية استراتيجية وحضارية كبيرة، وعلينا أن نعطي لعلاقاتنا الحاضرة والمستقبلية بعداً جديداً يقوم على التعاون الشامل والتضامن، والإبقاء على الطبيعة المميزة لتلك العلاقات التي تولدت عبر التاريخ، والمجاورة الحضارية؛ كما وعلينا أن نأخذ كذلك في الحسبان القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية على جانبي المتوسط، والتي تشكل تحديات تستدعي منا رداً جماعياً منسقاً في إطار متعدد الجوانب من العلاقات القائمة على روح الشراكة مع ما يستلزمه ذلك من أخذ في الحسبان للقيم والخصائص التي تميز كل بلد مشارك، ومع التأكيد كذلك على أن الشراكة الأوروبية -المتوسطية ليس المقصود منها أن تحل محل العلاقات الثنائية والنشاطات الأخرى التي تجمع بين دول هذه المجموعة السبع والعشرين. وتعلمون، أيها الأصدقاء والأشقاء، بأن عملية السلام في الشرق الأوسط، وعلى كافة المسارات عامة، والمسار الفلسطيني؛ فالأرض المقدسة بوجه خاص، تمر بأزمة خطيرة، وتواجه مأزقاً صعباً ودقيقاً؛ فشعبنا الفلسطيني يعيش في ظل ظروف من التصعيد العسكري والاحتلال الخطير ومن الإغلاق والحصار الاقتصادي الخانق طبياً وصحياً وتعليمياً ومالياً واقتصادياً، مع ما يترتب على ذلك من أوضاع مأساوية حادة من الفقر والبطالة والحرمان. وبالرغم من ذلك فإنني أود في هذا المقام أن أؤكد لكم على تمسكنا بالسلام كخيار استراتيجي. ومن أجل إحلال هذا السلام في منطقتنا فقد تجاوبنا مع كافة الجهود والمبادرات الدولية، وأعلنا عن وقف إطلاق نار فوري وشامل، ووجهنا نداء سلام فلسطيني لجيراننا الإسرائيليين مع حلول رأس السنة العبرية؛ ولكن مع كل جهودنا للتهدئة إلا أن حكومة إسرائيل لا زالت مستمرة في اجتياح واحتلال مناطق السيادة الفلسطينية، ويعمد جيشها المحتل مع قطعان المستوطنين للقتل والاغتيال، ولتدمير البنية التحتية والمصانع والمنازل في مدننا وقرانا وبلداتنا ومخيماتنا، إلى جانب تدمير الحقول والمزارع واقتلاع الأشجار المثمرة؛ مما يقوض كل جهد نبذله من أجل التهدئة والخروج من المأزق وصولاً لتطبيق كافة الاتفاقات المبرمة تطبيقاً دقيقاً وأميناً، وكذلك تنفيذ تفاهمات جورج تينيت وتوصيات لجنة ميتشل؛ بل إننا دعونا مراراً وتكراراً، ونجدد دعوتنا أمامكم هنا إلى الشروع في مفاوضات الوضع النهائي فوراً، ومن الآن ودون شروط مسبقة، وبإشرافكم وإشراف راعيي عملية السلام (أمريكا وروسيا وأوروبا والأمم المتحدة) وسرعة حضور المراقبين الدوليين لمتابعة ذلك وأهميته القصوى.
معالي السيد الرئيس، أصحاب المعالي، السيدات والسادة، ونحن إذ نثمن عالياً جهودكم ودولكم في دعم حقوق الشعب الفلسطيني، لننظر بإكبار وتقدير وشكر جزيل إلى ما صدر من تصريحات عديدة بشأن إقامة دولة فلسطين المستقلة من قادة دولكم، وغيرهم من القيادات العالمية، ومن الدول الصديقة والشقيقة في العالم، ونتطلع إلى عمل جماعي عالمي، وأنتم في صلبه، ترعاه بحزم وتصميم الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الروسي، ودول الاتحاد الأوروبي، والصين، واليابان، ودول عدم الانحياز، والدول العربية والإسلامية، والأمم المتحدة وبجهد فاعل وخلاق، من أجل تحقيق السلام العادل والدائم والشامل، السلام القائم على الحق والعدل والتكافؤ وتطبيق الاتفاقات الموقعة وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، بأمانة ودقة وإخلاص كامل، بما فيها قاعدة مؤتمر مدريد، “الأرض مقابل السلام”، وخاصة القرارات 242 و338 و425، وكذلك القرار 194 الذي وضع الحل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين. كما ونُهيب بكم وبجهودكم للعمل الآن بحزم وبأقصى سرعة على سحب إسرائيل لقواتها العسكرية وشبه العسكرية من المناطق A، ورفع الحصار عن المدن والبلدات والقرى والمخيمات الفلسطينية، وسحب الدبابات والمظاهر العسكرية، ووقف عمليات القتل والاغتيال والتدمير ضد شعبنا ومدننا وقرانا، والإفراج عن أموالنا المحتجزة من الضرائب منذ أكثر من أربعة عشر شهراً، وفتح المطار والمعابر، وتسهيل حرية الحركة والتنقل لمواطنينا، ورفع القيود المفروضة على شعبنا، وعودة العمال إلى أعمالهم؛ فكل ذلك من شأنه أن يخفف من معاناة شعبنا، ومن الاحتقان في الشارع الفلسطيني، ويُسهم بشكل فاعل في إنجاح جهودنا من أجل التهدئة، ووقف إطلاق النار، والأعمال العسكرية، والتي أدت إلى قتل أكثر من (1800)، وجرح أكثر من (37000) من شعبنا، خاصةً وأن مرأى الجنازات اليومي والناتجة عن سياسة الاغتيال والقتل والتدمير والعدوان المتواصل، وكذلك المساس بالمقدسات المسيحية والإسلامية في بيت لحم والقدس وبيت جالا والخليل وغيرها، التي تنتهجها حكومة إسرائيل-يقوض كل جهودنا ومساعينا لتثبيت وقف إطلاق النار، الذي نبذل 100% من الجهد لأجل تكريسه ميدانياً؛ ناهيكم عما تواجهه أجهزتنا الأمنية من مصاعب وعقبات في أداء عملها ومهامها الميدانية؛ بسبب تدمير مواقعها ومقارها ومنشآتها وسجونها من قبل إسرائيل، وبفعل ما تضعه من عقبات وعراقيل في سبيل قيامها بمسؤولياتها الأمنية على أكمل وجه.
أنا اعرف أن المجتمع الإسرائيلي، وبمناسبة ذكرى رحيل شريكي اسحق رابين سيعقد هذه الليلة تجمعاً، ومن هنا أتوجه لهم جميعاً لأؤكد على التزامي التام بسلام الشجعان الذي بدأته مع شريكي الراحل إسحق رابين، وشريكي شمعون بيرس، السلام الذي يضمن الحرية والاستقرار والأمن للإسرائيليين والفلسطينيين، ولكافة شعوب المنطقة، سلام الشجعان، السلام العادل والشامل والدائم، ولإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشريف، وهذا ما يجب أن نعمل من أجله لأطفالنا وأطفالهم؛ ومن هنا فإني أدعو الحكومة الإسرائيلية إلى استئناف مفاوضات الوضع النهائي ولتنفيذ قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة.
معالي السيد الرئيس، أصحاب المعالي، السيدات والسادة، إننا نتطلع إلى اليوم الذي نستقبلكم فيه في القدس الشريف عاصمة دولة فلسطين المستقلة، والذي تكون فيه قد أصبحت عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة والمجتمع الدولي؛ فقيامها وتكريسها على ترابنا الوطني الفلسطيني يُشكل الضمانة الأكيدة لإرساء أسس السلام والأمن والاستقرار في ربوع منطقتنا، ولكي تنعم به شعوبها في إطار من الثقة والاحترام المتبادل وحسن الجوار، ويعيش شعبنا بكرامة حراً، سيداً، مستقلاً في دولته المستقلة جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل، ومن أجل حياة ومستقبل أفضل لأطفالنا وأطفالهم، ومن أجل الأمن والاستقرار في المنطقة.
أُحييكم وأشكركم جميعاً، وأتمنى لاجتماعنا هذا كل التوفيق والنجاح، والخروج بما نطمح إليه من توصيات وقرارات، تخدم الشراكة الأوروبية - المتوسطية، وتُلبي ما تعقده شعوبنا من آمال على تحقيق هذه الشراكة.
والسلام عليكم
كلمة الرئيس ياسر عرفات ألقيت نيابة عنه في احتفال نظمته الأمم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني 30 تشرين الثاني2001
صاحب السعادة السفير بابا لويس فول، رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف
صاحب السعادة رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة،
صاحب السعادة السيد كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة،
صاحب السعادة رئيس مجلس الأمن للأمم المتحدة،
بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني أتوجه إليكم وإلى الأسرة الدولية، وإلى الأمم المتحدة وشعوب العالم بتقديرنا العميق، للدور البارز والمؤثر الذي تقومون به، من أجل حماية حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف. وتوفير كافة أشكال الدعم للقضية الفلسطينية العادلة وتعزيز مكانتها المميّزة في قضايا عالمنا المعاصر.
إن مواظبة الأمم المتحدة، على إحياء هذا اليوم العالمي، وتزامن هذا الاحتفال السنوي مع ذكرى صدور قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين دولة فلسطين ودولة إسرائيل، إنما يجسد سداد رؤية المجتمع الدولي، بأهمية قيام دولة فلسطين كركن أساسي من أركان الأمن والاستقرار الدوليين، وكتعبير عن مصداقية قرارات الشرعية الدولية، التي تَعطل تطبيقها في الشرق الأوسط، وخاصة القرارات (181) و(194) و(242) و(338) و(425)؛ مما أدى إلى وضع منطقتنا في حالة دائمة من الاضطراب وعدم الاستقرار، وهدد وما زال يهدد الاستقرار الدولي برمته.
إنني بهذه المناسبة، أؤكد باسم الشعب الفلسطيني، على أن الشرعية الدولية، تظل وستبقى، المرجع القانوني والسياسي لحل جميع قضايا النزاع الإقليمي في العالم وخاصة قضية فلسطين التي هي قلب الصراع في الشرق الأوسط، ولاعتبارها الأرض المقدسة لجميع المسلمين والمسيحيين في العالم، ولما تتعرض له المقدسات المسيحية والإسلامية فيها من أخطار واعتداءات ومتاعب بسبب الاحتلال الإسرائيلي وأطماعه التوسعية والاستيطانية ومحاولتهم لتهويدها والعدوان على المقدسات المسيحية والإسلامية.
وأود التذكير هنا، بأن الحقوق الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، تتطلب -وفق الشرعية الدولية- وضع حد للاحتلال الإسرائيلي والاستيطاني لبلادنا فلسطين، وتثبيت حق العودة للاجئين، وممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وحماية مقدساته المسيحية والإسلامية. إن تجسيد هذه الحقوق على أرض الواقع، يتطلب تدخلاً أكثر فاعلية من جانب الأمم المتحدة ومجلس الأمن؛ وهذا التدخل سيوفر دعماً جدياً للجهود المبذولة حالياً، من أجل استئناف عملية السلام، ووضعها على مسارها الصحيح كي تبلغ أهدافها في تحقيق السلام الدائم والعادل في الشرق الأوسط.
إن دوامة العنف المتصاعدة في منطقتنا، والتي مصدرها الرئيسي العدوان الإسرائيلي؛ حيث بلغ عدد الشهداء أكثر من (1800) شهيد والجرحى أكثر من (37000) جريح، بجانب التصعيد العسكري والحصار الاقتصادي والمالي والطبي، وتدمير الكثير من المنشآت والمنازل وآبار المياه والمصانع والطرق، وجرف الأشجار والمزروعات ومصادرة أموالنا- أضحت بأمس الحاجة، كي تتوقف، إلى توفير حماية دولية عاجلة لشعبنا، بعد أن بلغت ضحايا العدوان الإسرائيلي- بشرياً واقتصادياً- أعلى معدلاتها حتى الآن.
لقد حان الوقت لتدخل دولي فعّال، لتطبيق قرارات الشرعية الدولية، والكف عن سياسة المعايير المزدوجة، التي ألحقت أفدح الضرر بالهيئة الدولية والفاعلية لتطبيق قراراتها على مدى عقود.
وإني إذ أناشدكم العمل من أجل تثبيت الشرعية الدولية وحضورها وقراراتها، أؤكد لكم من جديد، على خيار شعبنا الاستراتيجي بالسلام الدائم والعادل، سلام الشجعان الذي يوفر الأمن والاستقرار للفلسطينيين والإسرائيليين ولكافة شعوب المنطقة، وإن يدنا ستظل ممدودة لنثبت هذا السلام، من أجل أطفالنا وأطفالهم، في دولتي فلسطين وإسرائيل. وإذا كانت الأقدار قد منعت ولادة دولتنا منذ صدور قرار التقسيم في العام 1947، فإن الحقائق والدروس المستفادة على مدى أكثر من نصف قرن، تؤكد حتمية قيام دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشريف في أقرب وقت؛ فهذا هو حق شعبنا الطبيعي في تقرير مصيره، وهذا هو الضمان الأعمق والأرسخ للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وخاصة بعد الخطاب الهام للرئيس بوش في افتتاح الأمم المتحدة لهذا العام حول الدولة الفلسطينية، وتبعه الاجتماع الرباعي الأمريكي الأوروبي والروسي والأمم المتحدة بهذا الخصوص، ثم جاء خطاب وزير الخارجية الأمريكية السيد باول التوضيحي لهذا وللبدء الفوري بتنفيذ تفاهمات تينت وتقرير ميتشل؛ مما يستدعي أهمية سرعة إيفاد المتابعين لتنفيذ ذلك وسرعة إرسال المراقبين الدوليين معهم والتعاون مع الإخوة العرب في ذلك وبقية جهود الدول الصديقة في العالم.
أُحييكم ثانيةً، وأقدر جهودكم المخلصة، في حماية حقوق شعبنا غير القابلة للتصرف، وأقدر جهودكم المميزة لتحقيق السلام الدائم والشامل والعادل في المنطقة وفي أرض السلام أرض فلسطين المباركة. لأنها الركن الأساسي للاستقرار في عموم الشرق الأوسط وفي العالم أجمع.
كلمة الرئيس ياسر عرفات أمام دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة 11تشرين الثاني2001
السيد الرئيس،
أصحاب الفخامة والسيادة،
معالي الأمين العام للأمم المتحدة،
أصحاب المعالي والسعادة،
أود في هذا المقام أولاً أن أبدأ بتقديم التهنئة لكم شخصياً يا سيادة الرئيس على انتخابكم لرئاسة هذه الدورة للجمعية العامة، وأتوجه أيضاً إلى معالي الأمين العام (السيد كوفي عنان) بالتهنئة على إعادة انتخابه لفترة ثانية أميناً عاماً للأمم المتحدة، وعلى فوزه ومنظمة الأمم المتحدة بجائزة نوبل للسلام.
كما ويهمني أن أكون معكم اليوم في هذه الدورة التي تنعقد في ظروف دولية بالغة الدقة والأهمية، لا سيما وأنها تأتي بعد هذا العمل الإرهابي والإجرامي البشع والمروع الذي وقع في 11/9/2001م، في مدينتي نيويورك وواشنطن، والذي أدناه بشدة. وفي هذا الإطار فإننا نعبر مجدداً عن تعازينا القلبية الحارة، ومواساتنا المخلصة للرئيس بوش ولحكومة وشعب الولايات المتحدة الأمريكية الصديق، وأوجه تعازينا هذه لأسر الضحايا بوجه خاص. ولقد أكد الشعب الفلسطيني استعداده، لمواجهة الإرهاب الدولي بكافة صوره وأشكاله، بما في ذلك إرهاب الدولة المنظم، ولبناء عالم جديد يحقق الأمن والعدالة والسلام والحرية لشعوبه كافة، ويستند إلى الشرعية الدولية وحقوق الإنسان؛ وإننا ندعو إلى تنسيق كل الجهود الدولية في إطار الأمم المتحدة والشرعية الدولية، مع التأكيد على أهمية وضرورة استمرار وتشجيع الحوارات بين الديانات والحضارات.
وأود هنا أن أعبر عن التقدير الكبير لإعلان الرئيس جورج بوش في خطابه يوم أمس عن ضرورة تحقيق السلام العادل من خلال حل يقوم على تنفيذ قراري 242 و338، وكذلك القرار 425، وعلى أساس دولتين: (إسرائيل، وفلسطين)، والعمل على استئناف عملية السلام سريعاً؛ ومن جانبنا فإننا نبدي أقصى الاستعداد لتحقيق هذه الأهداف؛ وقد بذلنا، وسنواصل بذل الجهد لتأمين أفضل الظروف والشروط من أجل ذلك؛ كما أتوجه بالتحية والتقدير لجميع الإخوة الذين تكلموا قبلي وأشاروا هذه الإشارات الواضحة والبليغة تجاه قضية الشعب الفلسطيني وحقه في انتزاع حقوقه طبقاً للشرعية الدولية.
السيد الرئيس،
في العام الماضي كان لي شرف التحدث إليكم في القمة الألفية، وهأنذا أعود حاملاً آلام شعبي وقضيته العادلة التي لا زالت تنتظر الحل العادل. وكما تعلمون فعن الجمعية العامة للأمم المتحدة صدر القرار 181 الذي نص على تقسيم فلسطين إلى دولتين إحداهما يهودية والأخرى فلسطينية؛ غير أن الدولة الفلسطينية لم يتم الاعتراف بها حتى الآن في الأمم المتحدة؛ فشعب فلسطين الذي تعرض لظلم تاريخي رهيب، ولعملية اقتلاع وتشريد- يتطلع لرؤية حقه في العودة وتقرير المصير الذي نصت عليه كافة الأعراف والمواثيق والقوانين والقرارات الدولية، والقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يجسد ويكرس على ترابه الوطني الفلسطيني.
تعلمون، أيها السيدات والساده، بأننا قبلنا بالحل الذي ارتأته الشرعية الدولية. نعم لقد قبلنا بأقل من ربع مساحة فلسطين التاريخية؛ بينما أعطتنا جمعيتكم العامة الموقرة نصف مساحة فلسطين تقريباً، بموجب القرار رقم 181 للعام 1947. وعلى هذا الأساس الجديد ذهبنا إلى مؤتمر مدريد للسلام الذي عقد طبقاً لمبدأ "“الأرض مقابل السلام”"، ومن أجل تطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بفلسطين، وخاصة القرارات 242، و338، و425، وكذلك القرار 194، الخاص باللاجئين الفلسطينيين، ثم كانت اتفاقات أوسلو التي وقعت في البيت الأبيض بواشنطن، وبحضور وشهادة الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا الاتحادية، والاتحاد الأوروبي، والصين، واليابان، ومصر، والأردن، وغيرها من الدول العربية والإفريقية والآسيوية والأمريكية وكذلك دول أمريكا اللاتينية والعالم أجمع، ثم وقعنا العديد من الاتفاقات والبروتوكولات التنفيذية؛ غير أن حكومات إسرائيل المتعاقبة، وبعد رحيل السيد يتسحاق رابين (شريكي في عملية السلام) عملت وبشكل واضح على عدم الالتزام وعدم تنفيذ ما عليها من استحقاقات والتزامات مترتبة عليها من الاتفاقات الموقعة والتي عطلت جهودنا المخلصة من أجل التوصل إلى السلام الشامل والعادل والدائم ("سلام الشجعان") حتى إن عدد المستوطنين ومساحة الاستيطان تضاعفت منذ أن بدأنا عملية السلام الأمر الذي يكشف عن مدى جدية التزام إسرائيل بها وبالاتفاقيات التي وقعناها.
ثم كانت تلك الزيارة لشارون للحرم القدسي الشريف، والتي حذرت شخصياً ورسمياً من عواقبها الوخيمة على عملية السلام في منطقتنا، بمثابة الشرارة التي فجرت الانتفاضة الفلسطينية تعبيراً عن رفض الشعب الفلسطيني المساس بمقدساته المسيحية والإسلامية، بجانب عدم التزام إسرائيل في الانسحاب وتنفيذ الاتفاقات الموقعة وبسياسة الاستيطان، التي عمقت الاحتلال بدلاً من إنهائه؛ وعمدت حكومة إسرائيل الحالية وسابقتها على إطلاق العنان لجيشها المحتل، يمارس إرهاب الدولة في أرضنا وضد شعبنا، مستخدماً كل ما في ترسانته الحربية من وسائل القتل والفتك والتدمير، ومستخدماً طائرات أف15، أف 16، والأباتشي، والدبابات والمصفحات والسفن الحربية والأسلحة الفتاكة بما فيها الأسلحة الدولية المحرمة؛ بجانب التركيز على عمليات الاغتيال والتدمير وهدم البيوت والمؤسسات العامة والخاصة، وتخريب وتجريف المزارع والحقول واقتلاع مئات الآلاف من أشجار الزيتون والفواكه وغيرها، وقتل الأطفال والنساء والشيوخ، حيث سقط لنا خلال ثلاثة عشر شهراً حوالي 1800 من الشهداء وحوالي 37000 من الجرحى والمعاقين، وأعداد كبيرة من المعتقلين؛ ناهيكم عن الخسائر الاقتصادية الجسيمة، التي تقدر بأكثر من سبعة مليارات من الدولارات؛ إضافة إلى قيامهم مؤخراً بتشديد الإغلاق، والحصار الاقتصادي والمالي والتمويني والطبي والغذائي، وحرمان شعبنا من حرية الحركة والتنقل، وحتى الطلاب والمدرسين يمنعون من الوصول إلى مدارسهم وجامعاتهم؛ وإغلاق المعابر والحدود الدولية والمطار، منتهكة بذلك أبسط حقوق الإنسان لشعبنا، ومنع العمال من الوصول إلى أماكن عملهم، لكسب أقوات أسرهم وأطفالهم.
وأمام هذا العدوان المتصاعد، وهذه الحرب الدموية، التي تشنها حكومة إسرائيل على شعبنا وأرضنا ومقدساتنا وفي القدس الشريف بصورة خاصة ومعها بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور، وما قامت، وتقوم به من اجتياحات لمدننا وقرانا ومخيماتنا، وما ترتكبه من مذابح همجية في عدة أماكن في الضفة وغزة، فإننا نتطلع إلى المجتمع الدولي بأسره، ممثلاً بكم، ولكل محبي العدل والحرية والسلام، والمدافعين عن حقوق وكرامة بني الإنسان في العالم- العمل بعزيمة وتصميم وإخلاص لوقف هذه الحرب، وإرسال مراقبين دوليين، لحماية شعبنا من الاحتلال والإرهاب والتطهير العرقي الذي تمارسه إسرائيل، ومن أجل الإشراف على تنفيذ وتثبيت وقف إطلاق النار الذي أعلنا تمسكنا به مراراً وتكراراً وظلت حكومة إسرائيل تواصل انتهاكه.
السيد الرئيس،
إن الرعاية الدولية لعملية السلام في الشرق الأوسط، هي الضمانة الأكيدة لنجاح جهود ومساعي المجتمع الدولي من أجل جعل السلام حقيقة ناجزة في منطقتنا؛ وإن الغياب الدولي عن هذا النزاع وعن البحث الجاد لإيجاد حل للقضية الفلسطينية طبقاً لروح الحق والعدل ومبادئ القانون الدولي- يعيد المنطقة إلى مربعات العنف والصراع ودوامة الدماء، ويجعل الـوضع هشاً ومتفـجـراً في منطقتنا؛ ومن هنا فإننـا نـدعـو المـجـتـمـع الـدولـي لمضاعفة جهوده المخلصة للخروج من الوضع الراهن والأزمة المتفاقمة والمأزق الذي آلت إليه عملية السلام والذي يهدد بانفجار لا تحمد عقباه في المنطقة بأسرها.
لذا لا بد من مشاركة فاعلة من المجتمع الدولي، والقوى العظمى المؤثرة في العالم، لإنقاذ عملية السلام، قدماً وإعادتها إلى مسارها الصحيح، وتحريكها بفاعلية وإخلاص وإرادة بناءة؛ فالسلام الدائم لن يتحقق، ولن يكتسب هذه الصفة إلا إذا طبقت الشرعية الدولية وعملت على إيجاد آلية دولية ملزمة وفعالة لتنفيذ وتطبيق قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ذات الصلة بفلسطين تطبيقاً دقيقاً وأميناً؛ لأن في مثل هذا التطبيق حقناً للدماء وترسيخاً وتحقيقاً للسلام وإرساءً لجذوره في منطقتنا.
وانطلاقاً من إيماننا بالسلام، وحرصنا على تحقيقه كخيار استراتيجي لا رجعة عنه لشعبنا؛ فإننا تعاملنا بتجاوب وتعاون مع كافة الجهود والمبادرات الدولية، بما فيها المبادرة المصرية - الأردنية، وتفاهمات تينت، وتوصيات لجنة ميتشل التي قبلناها كرزمة واحدة وشاملة، بل وأعلنا من طرف واحد عن وقف إطلاق نار فوري وشامل، وبذلنا جهوداً قصوى لتثبيته، وأعلنا كذلك عن نداء السلام الفلسطيني بمناسبة رأس السنة العبرية الجديدة في شهر سبتمبر الماضي، وتوجهنا فيه إلى الشعب الإسرائيلي بالتهنئة الصادقة، ودعوناهم لأن تكون هذه المناسبة بداية عهد جديد من السلام والأمن والتعايش السلمي بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي وشعوب المنطقة في الشرق الأوسط، وأوضحنا لهم، وبلغة لا لبس فيها، تمسكنا بخيار السلام والمفاوضات والحلول السياسية لحل القضايا العالقة بيننا وبين الحكومة الإسرائيلية؛ ولكن للأسف الشديد، فإن حكومة إسرائيل أوعزت لجنرالات حربها وجيشها لتصعيد إجراءاتهم العسكرية ومواصلة حصارهم وعدوانهم ضد شعبنا ومدننا وقرانا ومخيماتنا؛ هذا إلى جانب خطة العزل والحصار الذي أغلق مساحات واسعة من القرى والمدن والمناطق الزراعية؛ حيث قام الجيش والمستوطنون بتدمير الحقول والمزارع واقتلاع الأشجار المثمرة في من الضفة الغربية وقطاع غزة.
واسمحوا لي أن أتوجه من هنا بالتقدير الكبير، والتحية المخلصة، لكافة الدول الشقيقة والصديقة، والقوى العظمى التي باتت تدرك، أكثر من أي وقت مضى، أن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، هي صمام الأمان للسلام والاستقرار، ونزع فتيل التوتر في المنطقة والعالم، وهي ركيزة أساسية من ركائز إقامته وترسيخه؛ وإننا نهيب بتلك القوى، وأخص الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، والاتحاد الروسي، وفرنسا، والصين، واليابان، وكافة دول الاتحاد الأوروبي ودول عدم الانحياز والمجتمع الدولي منفردة ومجتمعة- للعمل على جعل هذه الأقوال والتصريحات أفعالاً ناجزة على الأرض، لتمكين شعبنا الفلسطيني من العيش بحرية وكرامة وسيادة واستقلال، في دولته الفلسطينية المستقلة على ترابه الوطني، وعاصمتها القدس الشريف؛ وذلك بحمل إسرائيل (قوة الاحتلال) على الانسحاب الكامل والشامل من كافة الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشريف، وإلى حدود الرابع من حزيران 1967 طبقاً لأسس مؤتمر مدريد للسلام وإنهاء الاستيطان ورحيل المستوطنين من أراضينا، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين، طبقاً للقرار 194 الذي نص على هذا الحق، وتعويض من لا يرغب منهم في العودة.
إننا نرحب بالمواقف الإيجابية الصادرة عن الرئيس جورج بوش، وزعماء آخرين، والمؤيدة للدولة الفلسطينية، ونعتقد أنها تشكل خطوة هامة على طريق إنهاء النزاع، وإقامة السلام في الشرق الأوسط. وأصارحكم القول هنا أن إعادة عملية السلام إلى الحياة، واستكمال هذه العملية يحتاج إلى دفعة نوعية جديدة؛ ولن يكون ممكناً بعد كل ما حدث الاكتفاء بإجراءات مرحلية، وسيكون مستحيلاً بالطبع التوصل إلى اتفاق مرحلي كما يدعو البعض.
إن جهود السيطرة على الوضع على الأرض وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 28 سبتمبر 2000 تحتاج كي تتكلل بالنجاح إلى أفق سياسي وإلى إعادة الأمل. وما تحتاجه عملية السلام الآن، وما يمكن أن يقود فعلاً إلى السلام العادل والدائم، هو قيام راعيَيّْ عملية السلام (الولايات المتحدة، وروسيا الاتحادية)، والأطراف الدولية الفاعلة، بما فيها الاتحاد الأوروبي، وبالطبع الدول العربية والإسلامية الشقيقة، والدول الصديقة الأخرى في حركة عدم الانحياز، قيامها بطرح إطار للحل النهائي، يستند للشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة، على أن يقوم الطرفان بالتفاوض بشكل سريع على هذا الحل ويسبق هذا بالطبع التطبيق الفوري لتقرير ميتشل وتفاهمات تنيت. ولقد أصبح واضحاً أننا نحتاج لمزيد من الجهد الدولي، وبما يشمل كذلك التواجد الدولي على الأرض، لمساعدة الأطراف على المضي قدماً. وفي كل الأحوال يجب أن تقوم الأمم المتحدة، وأمينها العام، بدورها الطبيعي والضروري حتى تتمكن من تحقيق غايتنا بالسلام المنشود.
وإنني أتوجه بنداء إلى الحكومة الإسرائيلية، وإلى الشعب الإسرائيلي، للتجاوب مع هذا الطرح حتى نستطيع سوياً بناء السلام في أرض السلام الأرض المقدسة الأرض المقدسة الأرض المقدسة، ولا حاجة لي هنا للإشارة إلى أن الوضع يحتاج إلى عمل سريع، ولا يحتمل التأجيل خاصة في ظل الظروف الدولية السائدة، ونحن جاهزون للقيام بنصيبنا من المسؤولية ونثق بأنكم جاهزون كذلك.
أنا أعرف أن المجتمع الدولي، وبمناسبة ذكرى رحيل شريكي إسحاق رابين، يتطلع لعملية السلام؛ ومن هنا أتوجه لهم جميعاً لأؤكد على الالتزام التام بعملية السلام التي بدأتها مع شريكي الراحل إسحاق رابين وشريكي شمعون بيرس، السلام الذي يضمن الحرية والاستقرار والأمن للإسرائيليين والفلسطينيين ولكافة شعوب المنطقة، "سلام الشجعان" السلام العادل والشامل والدائم ولإنهاء الاحتلال الإسرائيلي عن جميع الأراضي الفلسطينية والعربية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وهنا يجب أن نعمل من أجله لأطفالنا وأطفالهم ومن هنا فإنني أدعو الحكومة الإسرائيلية إلى استئناف مفاوضات الوضع النهائي ولتنفيذ قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة.
أحييكم جميعاً، وأتمنى لهذه الدورة الخروج بالقرارات والتوصيات، التي تعود على شعوبنا ودولنا، والإنسانية جمعاء، بالخير والرخاء والمزيد من التقدم والنجاح.
والسلام عليكم
كلمة الرئيس ياسر عرفات أمام الدورة الطارئة لوزراء خارجية الدول الإسلامية في الدوحة 10 تشرين الأول 2001
صاحب السمو الأخ الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني،
الأخ المناضل والحبيب رئيس المؤتمر الإسلامي معالي الأخ عبد الواحد بلقزيز،
معالي الأخ عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية،
وزير خارجية مالي رئيس الدورة الحالية لمنظمة المؤتمر الإسلامي،
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدات والسادة،
اسمحوا لي أن أتوجه بالشكر الجزيل إلى سمو الأخ الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر على دعوته الكريمة لنا لحضور هذا الاجتماع الإسلامي الهام في مدينة الدوحة العاصمة الجميلة لدولة قطر الشقيقة.
يأتي هذا الاجتماع الطارئ لوزراء خارجية دول المؤتمر الإسلامي في ظروف إقليمية ودولية بالغة الدقة والخطورة، بعد تلك الإعمال الإرهابية المروعة التي ضربت الولايات المتحدة الأميركية يوم 11/ سبتمبر الماضي وأوقعت هذا الكم الهائل من الخسائر البشرية والمادية، ووضعت النظام الدولي والعلاقات الدولية أمام تحديات خطيرة وغير مسبوقة تفرض على المجتمع الدولي وعلى الأمم المتحدة - التوقف أمامها ورفضها وعمل اللازم لمنعها، وإرساء أسس جديدة للعلاقات بين دول وشعوب الأسرة الدولية؛ لندخل القرن الحادي والعشرين مسلحين بالقيم والمثل الإنسانية السامية، وبالعمل المشترك؛ لتخليص البشرية وإلى الأبد من كافة أشكال الإرهاب الأسود وكذلك الاحتلال والاستغلال والتمييز العنصري البغيض.
وإنني أنتهز هذه المناسبة لتهنئة سوريا الشقيقة على عضويتها في مجلس الأمن بعد عضوية تونس الشقيقة في هذا المجلس، وكذلك الإخوة في السودان الشقيق لرفع الحصار والعقوبات. وأتمنى أن يتم هذا عن اخوتنا في العراق الشقيق وليبيا الشقيقة
صاحب السمو،
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدات والسادة،
إن شعوبنا الإسلامية -مثل كل شعوب العالم- تتطلع إلى الحرية والتقدم والحياة الأفضل، وإلى الخلاص النهائي من كافة أشكال القهر والاستعمار والاستغلال، وقد قطعت شعوبنا شوطاً بعيداً في هذا المضمار على صعيد التحرر السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأخذ بأسباب التقدم العلمي والتكنولوجي الذي يمثل خلاصة كفاح البشرية كلها وحضاراتها على مدى العصور. ولقد كان للحضارة العربية والإسلامية إسهامها الكبير في خدمة البشرية، وشكلت الحلقة الوسيطة المبدعة التي صهرت واستوعبت حضارات وثقافات العالم القديم، وصولاً إلى حضارة عصرنا الراهن التي هي حضارتنا كما هي حضارة كل الأمم والشعوب. ومن الخطأ القاتل بحق الإنسانية والحضارة أن يجري تقديم تفسير مضلل لهذا الإرهاب الأعمى على أنه صراع حضارات أو صراع أديان أو صراع أعراق بشرية. وهنا تكمن أهمية مراجعة واقع العلاقات الدولية لتنظيم العلاقات بين الدول والشعوب على اختلافها.
ويجب أن يكون واضحاً أن هذا الإرهاب الأعمى ليس له ما يبرره؛ لأنه يستهدف الحق المقدس للإنسان في الحياة، دون أن يكون هذا الإنسان طرفاً في أي صراع سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي؛ وهذا يستحق المعالجة الفورية من قبل الأسرة الدولية كلها.
صاحب السمو،
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدات والسادة،
وقد سارعت دولنا وشعوبنا وهيئاتنا العامة والخاصة إلى إصدار إدانات صارمة وقاطعة ضد هذه الأعمال الإرهابية، واعتبرتها مساساً خطيراً بالقيم الإنسانية، وفي مقدمتها حق الحياة، والتي لا يجوز المساس بها على هذا النحو الذي لا سابق له.
وقد جاءت دعوتكم الكريمة يا سمو الأمير لعقد هذا الاجتماع الطارئ لوزراء خارجية الدول الإسلامية لتأكيد مواقفنا المشتركة في إدانة هذا الإرهاب الأعمى ووقوفنا في وجهه وفي وجه القوى المغرضة، وخاصة إسرائيل التي حاولت وتحاول تحميل الإسلام والمسلمين مسؤولية هذه الأعمال الإرهابية والإسلام والمسلمون منها براء
بسم الله الرحمن الرحيم "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"
صدق الله العظيم
ولقد فشلت الحملة الإسرائيلية فشلاً ذريعاً، لأن العالم بدوله وشعوبه الذي أعلن وقوفه في وجه الإرهاب الدولي الأعمى يدعم دون تردد المقاومة المشروعة ضد الاحتلال. ودعوني هنا أتوجه بالشكر والعرفان بالجميل لجميع الدول والشعوب ولكل ذوي الضمائر الحية الذين سارعوا إلى الوقوف في وجه هذا التصعيد الإسرائيلي العسكري وحصاره وعدوانه على شعبنا الذي هو ضحية الاحتلال والقمع والتمييز والاستيطان والقهر اليومي الذي لم تتمكن الأسرة الدولية على مدى عشرات السنين من وضع حد له، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه المشروع في تقرير مصيره والعودة إلى أرضه وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وحماية مقدساتنا المسيحية والإسلامية.
صاحب السمو.
أصحاب المعالي والسعادة.
السيدات والسادة،
وإذا كانت القوى الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية قد أكدت على أهمية رفع الظلم والإجحاف والقهر والقتل الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني من جراء استمرار الاحتلال الإسرائيلي لوطنه ولقدسه الشريف ولمقدساته المسيحية والإسلامية، فإننا نرحب كل الترحيب بهذا الموقف الدولي والأمريكي الذي ينسجم وشرعة حقوق الإنسان وقرارات الشرعية الدولية التي عطلت حكومة إسرائيل تطبيقها على مدى سنوات لغياب الآلية الدولية الملزمة.
إننا نتطلع إلى تطبيق عادل ومنصف لقرارات الشرعية الدولية والتخلص من ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين تجاه القضايا الدولية المتماثلة. وفي هذا المجال فإن شعبنا الفلسطيني الذي اختار طريق السلام والمفاوضات والوسائل السلمية لحل كافة قضايا الصراع مع إسرائيل، وفي مقدمتها الاحتلال والاستيطان؛ وبدأنا، كما تعرفون، بكل الأمم المتحدة بما فيها اجتماع مدريد للسلام. يتعرض في هذا الوقت بالذات والعالم منشغل بمواجهة الإرهاب الدولي الأعمى، لأبشع حملة تصعيد عسكري إسرائيلي، حيث تواصل حكومة إسرائيل حصارها الخانق للشهر الثالث عشر على التوالي، معرضة شعبنا وأرضنا للدمار والهلاك. إن حكومة إسرائيل تحول أرضنا الخضراء إلى أرض محروقة ولا تتورع عن قصف مدننا وقرانا ومخيماتنا بالطائرات المقاتلة والمروحيات التي تلقي حممها القاتلة على أبناء شعبنا الذين أعطاهم القانون الدولي والشرعية الدولية كل الحق في الخلاص من هذا الاحتلال والاستيطان.
إن حكومة إسرائيل التي ترفض السلام وترفض المفاوضات وتصر على قهر شعبنا بالحل العسكري وبآلتها الحربية المدمرة تستغل المأساة الأميركية والانشغال العالمي لتصعيد عدوانها على أرضنا وإعادة احتلال أجزاء واسعة من أرضنا المحررة، ولعلكم تشاهدون يوميًا هذه الدبابات والطائرات والمروحيات وهي تقصف وتغير على مدننا بهدف تدميرها والقضاء على حق شعبنا في الحياة والحرية والاستقلال والسيادة، ومستخدمة في كل ذلك كل الأسلحة بما فيها الأسلحة المحرمة دولياً.
إن الوضع الخطير في أرضنا يزداد خطورة يوماً بعد يوم، ولا بد لهذه اليقظة الدولية وهذا الموقف الدولي تجاه قضيتنا أن يجد ترجمته الفورية بإصدار قرار عاجل من مجلس الأمن الدولي لإرغام حكومة إسرائيل على احترام وقف إطلاق النار ووقف اعتداءاتها وتوغل دباباتها ومجنزراتها في أرضنا المحررة. ولأن حكومة إسرائيل باحتلالها واستيطانها تشكل على الدوام خروجاً على قرارات الشرعية وتحدياً لها؛ فلا بد من وضع الآلية الدولية المناسبة لمراقبة اتفاق وقف إطلاق النار. وفي هذا المجال فإن إرسال مراقبين دوليين إلى الأراضي الفلسطينية لوقف الاعتداءات الإسرائيلية ولحقن دماء الشعب الفلسطيني هو الخطوة الضرورية والأساسية لتوفير قدر من الهدوء والعمل من أجل حلٍ سياسي يقوم على أساس الانسحاب الإسرائيلي الكامل والشامل من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة وحتى خط الرابع من حزيران ولتطبيق قرارات الشرعية الدولية 242 و338 و425 و194 لتحقيق السلام العادل والدائم وتوفير الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط؛ هذه المنطقة الحيوية بموقعها وتاريخها للمجتمع الدولي كله، ولأهمية المباشرة لتنفيذ الاتفاقات الموقعة؛ وكذلك تطبيق تفاهمات تينت وتقرير ميتشل وتوصياته والمبادرة المصرية الأردنية وجهود المملكة العربية السعودية.
صاحب السمو،
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدات والسادة،
اسمحوا لي في هذا الاجتماع الهام لوزراء خارجية الدول الإسلامية أن أعلن باسم الشعب الفلسطيني إدانتنا القاطعة والحازمة للجريمة الإرهابية التي ضربت نيويورك وواشنطن وأودت بحياة الآلاف من المواطنين الأميركيين الأبرياء، وإننا نعبر عن تعازينا وعن تضامننا الصادق مع الرئيس الأميركي جورج بوش ومع الشعب الأميركي ومع أسر الضحايا، ونعلن وضع إمكاناتنا المتواضعة إلى جانب دول العالم قاطبة ومع المجتمع الدولي والأمم المتحدة لحماية المجتمع الدولي من خطر هذا الإرهاب الدولي الأعمى الذي يشكل تهديداً للأسرة الدولية وللسلام والاستقرار والتعايش بين الشعوب.
وفي هذا المجال فإننا نرحب بالموقف السياسي الهام الذي أعلنه الرئيس الأميركي جورج بوش ونشكره عليه، والذي أكد فيه على أن الدولة الفلسطينية كانت دوماً من ضمن رؤية الولايات المتحدة الأميركية للحل والسلام في الشرق الأوسط. إن هذا الموقف الدولي الأمريكي المعزز بإجماع دولي بما فيها الدول العربية والإسلامية والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين واليابان ودول عدم الانحياز والأمم المتحدة حول حق شعبنا في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف- يشكل حجر الزاوية لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في الشرق الأوسط. وإننا على استعداد كامل للتعامل بكل جدية وإيجابية مع هذا الموقف الأمريكي والدولي الذي يلبي تطلعات شعبنا في الحرية والاستقلال، ويضع حداً حاسماً لسنوات الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي لأرضنا ومقدساتنا، وفي المقدمة القدس الشريف ومقدساتنا جميعها المسيحية والإسلامية
وفي الختام أشكركم على حسن استماعكم وأتمنى لمؤتمركم التوفيق والنجاح واتخاذ القرارات الصائبة والحاسمة لنصرة الشعب الفلسطيني وأمتنا العربية حتى يستعيدوا أرضهم ووطنهم بما فيها دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف
وأتوجه بالشكر إلى صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر، وإلى شعب قطر الشقيق على الأخوة الصادقة والدعم والإسناد لشعبنا الفلسطيني الصامد المثابر
"إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ"
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلمة الرئيس ياسر عرفات في المؤتمر العالمي الثالث لمناهضة العنصرية والتمييز العنصري في مدينة ديربان في جنوب أفريقيا 1 أيلول 2001
فخامة الرئيس ثابو مبيكي
فخامة الرئيسة ماري روبنسون،
أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،
معالي السيد كوفي أنان،
أيها السيدات والسادة،
بدايةً، أتوجه بالشكر الجزيل لأخي وصديقي العزيز ثابو مبيكي (رئيس جمهورية جنوب إفريقيا) والرئيسة ماري روبنسون (المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان) على دعوتكم الكريمة لنا لحضور هذا المؤتمر الهام، المؤتمر العالمي الثالث لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري، والذي ينعقد في مدينة ديربان بمشاركة دولية واسعة، تؤكد الاهتمام المشترك لمواجهة آثار وتركات سياسة الاضطهاد والتمييز العنصري
لقد عانى شعب جنوب إفريقيا كما عانت القارة الإفريقية وكثير من شعوب العالم معاناة أليمة وكبيرة جراء هذه السياسة العنصرية لعقود طويلة، وتوج صمودها ونضالها العادل بالنصر، بتضامن ودعم من الأسرة الدولية؛ وكان انتصاركم وانتصار هذه الشعوب على هذه السياسة اللاإنسانية واللاأخلاقية هو انتصار لكافة الشعوب التي لا زالت تعاني وبشكل مريع من هذه السياسة العنصرية، وخاصة شعبنا الفلسطيني الذي يناضل ويكافح من أجل التحرر والتخلص من براثن الاحتلال الإسرائيلي، وما يشكله هذا الاحتلال من تجسيد حي وصارخ لسياسة التمييز العنصري بأبشع صورها وأشكالها.
إن المواضيع التي سيناقشها هذا المؤتمر هي في غاية الأهمية، وتحظى باهتمام واسع وكبير من كافة المشاركين فيه؛ كما أن انعقاد هذا المؤتمر، والذي هو أول مؤتمر عالمي للأمم المتحدة في الألفية الجديدة، يشكل قناعة راسخة ورغبة مشتركة في إيجاد النهج الملائم لمواجهة تداعيات وآثار سياسة الاضطهاد والتمييز العنصري والتعامل الجاد والفاعل مع كوارث هذه السياسة التي لا زالت مستمرة في مناطق عديدة من العالم، وخاصة في فلسطين، والتي تأخذ أشكالاً وصوراً أكثر تعقيداً وخطورةً، تتطلب منا جميعاً تفعيل وتعزيز التنسيق والتعاون والتشاور بيننا من أجل وضع الاستراتيجية المناسبة لمكافحة هذه السياسة، ومحاصرتها والتخلص منها ومن آثارها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
إن النضال المشترك ضد استمرار سياسة الاضطهاد والتمييز العنصري، يجري على قدم المساواة مع النضال من أجل التحرر والاستقلال والتخلص من الاحتلال الأجنبي بأشكاله المختلفة؛ فالاحتلال الإسرائيلي المستند على القوة العسكرية وإقامة المستوطنات، يتعارض تماماً مع أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة؛ بل يشكل خرقاً صارخاً وخطيراً لها ولحقوق الإنسان الدولية والقانون الإنساني؛ إنه نوع جديد ومتطور من التمييز العنصري، وتهديد خطير للسلام والأمن العالميين.
السيد الرئيس،
أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،
أيها السيدات والسادة،
إن خدمة الإنسانية وقضاياها العادلة، وخاصة حقوق الإنسان، يجب أن تكون في صلب اهتماماتنا، وعلى رأس أولوياتنا، وأن تتم بمعيار واحد لا يقبل التأويل أو التغليف بمواقف وسياسات ضيقة، تخدم مصالح دول معينة، وتغطي على جرائم دول أخرى؛ فخدمة الإنسانية وحقوق الإنسان لها عنوان واضح كل الوضوح، ومعيار واحد، وينطبق هذا المعيار على الجميع دون استثناءات أو انتقاءات، هذا إذا ما كنا بحق نريد خدمة هذه القضية السامية بكل شفافية ومسؤولية؛ وفي هذا السياق فإن الجرائم التي ترتكب يومياً ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، فمنطق القانون والحق والعدل يحتّم معاقبة مرتكبيها أياً كانوا وفي أي مواقع عملوا؛ ومن هنا فإن أهمية مؤتمر ديربان تنبع من كونه يخلق الفرصة الملائمة لبلورة وصياغة السلوك السياسي للأخلاق الدولية وللرأي العام المتنور، ومن الاهتمام والإجماع الدولي المصمم على تطهير العالم من العنصرية بكافة أشكالها؛ وهذا بحد ذاته يعد مؤشراً موضوعياً تقدميّاً يشير إلى صحوة الضمير الإنساني.
السيد الرئيس،
أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،
أيها السيدات والسادة،
كما تعلمون، فإن شعبنا الفلسطيني تعرض لظلم تاريخي مؤلم وفادح بسبب تنافس وتآمر القوى الاستعمارية في المنطقة آنذاك، وهو يناضل منذ عقود طويلة من أجل التحرر والاستقلال، وعانى ولا زال يعاني من أشد سياسات الاضطهاد والتمييز العنصري جراء استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأرضه ومقدساته؛ فهذا الاحتلال البغيض وهو آخر احتلال عسكري استيطاني في هذا العالم، وعلى مدار كل هذه السنين، مارس ولا زال يمارس كل أشكال القمع والقهر والتعذيب، والقتل والاغتيال والتهجير القسري ضد أبناء شعبنا، من أجل إخضاعه وفرض الحل الذي يشرّع ويكرّس الاحتلال باستيطانه وقوانينه لأرضنا ومقدساتنا وثرواتنا؛ فإسرائيل (سلطة الاحتلال) انتهجت سياسات التمييز العنصري التي ترقى إلى مستوى الجرائم التي ارتكبت في مناطق معينة من العالم؛ فبالإضافة إلى احتلال الأراضي الفلسطينية والعربية بالقوة في عدوان عام 1967، عملت حكومات إسرائيل المتعاقبة وبكل السبل والوسائل على تغيير الواقع الجغرافي والديمغرافي للأراضي المحتلة، وخاصة في القدس الشريف، وضد مقدساتها المسيحية والإسلامية في فلسطين، وفي هذه المدينة بالذات مع بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور والخليل، والتي تتعرض الآن لهجمة شرسة من قوى الاحتلال والقوى المتطرفة لطمس معالمها العربية والإسلامية والمسيحية عبر محاولة تهجير قسري وبالقوة بحق جماهيرنا، هذا إلى جانب عزل مواطنينا الفلسطينيين ومحاولة منعهم من ممارسة شعائرهم الدينية وحقهم في العمل والتنقل والعيش بسلام، وهدم بيوت السكان والاستيلاء على أراضيهم للتوسع والاستيطان، وتدمير المنشآت العامة، وتخريب المزروعات وجرفها، وتحويل المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية إلى سجون محاصرة من كل الجهات. ولقد ظهرت وتجلّت بشاعة هذه السياسات ضد شعبنا الفلسطيني خلال انتفاضته الشعبية المستمرة منذ أحد عشر شهراً؛ حيث تستخدم إسرائيل في حربها العدوانية ترسانتها العسكرية بكل ما فيها من أسلحة القتل والتدمير والاغتيال، وحتى المحرمة دولياً بشهادة العديد من المنظمات الدولية؛ وبلغت هذه السياسة ذروتها ضد شعبنا بدعوة بعض المتطرفين من حاخاماتهم، وبشكل سافر وتحريضي، إلى قتل الفلسطينيين والعرب باعتبارهم أفاعي وحشرات، بل وأكثر من ذلك؛ فإن إسرائيل تمارس وبشكل علني ورسمي إرهاب الدولة ضد شعبنا من خلال تطبيقها لسياسة الاغتيالات والتصفيات، والتي آخرها اغتيال الشهيد القائد البطل أبو علي مصطفى (الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين)، وكذلك التدمير بطائرات (F15) و(F16) والأباتشي والصواريخ الموجهة عن بعد، وإغلاق الطرق العامة في وجه المواطنين وإذلالهم على الحواجز العسكرية، وفرض الحصار العسكري والطبي والتمويني على مدن بكاملها وشعب بكامله للشهر الحادي عشر على التوالي؛ وحتى منع صيادينا من الصيد في بحر غزة، وحجز أموالنا ومستحقاتنا المالية.
إن استمرار إسرائيل في جرائمها ضد شعبنا دون أدنى رادع إنما يشجعها على المضي قدماً في احتلالها واستيطانها في تحد صارخ للقانون الدولي والإنساني.
السيد الرئيس،
أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،
أيها السيدات والسادة،
وبرغم الظلم التاريخي الفادح والمؤلم الذي حل بشعبنا الفلسطيني، والذي لا يوازيه أي ظلم في التاريخ المعاصر إلا أننا، وانطلاقاً من إيماننا العميق بقيم الحرية والسلام والعدل في العالم، اخترنا طريق السلام العادل عن قناعة ورغبة صادقة من أجل إيجاد حل عادل ودائم على أساس قرارات الشرعية الدولية (242) و(338) و(425) و(194)، ومبدأ “الأرض مقابل السلام”، واشتركنا في مؤتمر مدريد للسلام، ودعونا إلى تحقيق سلام الشجعان. وكما تعلمون تم التوصل بعد مفاوضات إلى توقيع "اتفاق أوسلو" في العام 1993، مع شريكي الراحل إسحق رابين، وما تلاه من اتفاقات لاحقة ومكملة؛ وبعد اغتياله لم نصل إلى تحقيق هذا السلام المنشود المستند إلى قرارات الشرعية الدولية المذكورة؛ لأن حكومة إسرائيل اعتمدت سياسة المناورة والمماطلة والتهرب؛ فلم تنفذ إلا الجزء القليل القليل من الاتفاقات المبرمة، وسعت مراراً إلى تغيير مرجعية عملية السلام، وضربت بكل قرارات الشرعية الدولية عرض الحائط، ومبدأ “الأرض مقابل السلام”، وأقدمت حكومة إسرائيل، بعد أن أحبطت وأفشلت المفاوضات الثنائية والمبادرات الدولية لتنفيذ الاتفاقات، على العودة مجدداً إلى الوسائل والحلول والتصعيد العسكري لتركيع شعبنا وإرغامه بالقوة والقمع على الرضوخ لاحتلالها واستيطانها. وللشهر الحادي عشر على التوالي يتعرض شعبنا لهجمة عسكرية إسرائيلية، لإرغامه على الاستسلام وقبول الأمر الواقع الاحتلالي والاستيطاني لوطننا فلسطين، وفرضت حصاراً خانقاً عسكرياً وأمنياً على أرضنا وشعبنا، وشلت كافة أشكال الحياة الاقتصادية والطبية والاجتماعية والتعليمية، ودمرت البنية الأساسية لاقتصادنا، وقصفت مدننا وقرانا ومخيماتنا، وقتلت السكان المدنيين ورجال الشرطة، ودمرت المساكن والمزروعات والمؤسسات والمنشآت الصناعية، ونسفت الجسور واعتدت بوحشية على المقدسات المسيحية والإسلامية في محاولة مكشوفة لتدميرها، وخاصة بالقدس الشريف وبيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور والخليل وغيرها
إن هذه الحرب التي تشنها إسرائيل على شعبنا، والتي تسميها الآن بالعبرية "خطة يورانيم" (أي خطة جهنم)، والتصعيد العسكري المستمر يضع الأسرة الدولية، وأنتم في طليعتها، أمام مسؤولياتها؛ إذ لا يجوز أن يبقى الموقف الدولي على ما هو عليه من شلل وعجز أمام العدوان، ولا بد من إيجاد الآلية الدولية المناسبة التي تجبر إسرائيل على وقف حربها ضد شعبنا، وتوفير الحماية الدولية له، وإلزامها بقبول مراقبين دوليين من أجل الإسراع والإشراف على تطبيق المبادرة المصرية – الأردنية وتوصيات تقرير لجنة ميتشل، التي وافقت عليها قمة G8 والصين، والقمم العربية والإسلامية والإفريقية وعدم الانحياز، وكذلك احترام التزاماتها في الاتفاقات المبرمة، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وتفاهمات قمة شرم الشيخ ولإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرضنا ولجميع الأراضي العربية المحتلة، وتمكين شعبنا من استعادة أرضه وممارسة حقه في تقرير مصيره، وحقه في الحياة الحرة الكريمة في دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وتأمين الحل العادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين استناداً للقرار الدولي رقم 194.
إن الوضع المتفجر في الأراضي الفلسطينية لا يحتمل الانتظار، ولا يحتمل المماطلة؛ ونأمل أن تطبق قرارات الشرعية الدولية في فلسطين كما طبقت في أنحاء كثيرة في هذا العالم؛ لأن ازدواجية المعايير تقوّض مصداقية الهيئات الدولية؛ فإقامة وتوطيد السلام في فلسطين ليس مصلحة فلسطينية فحسب؛ إنه أيضاً مصلحة إسرائيلية وإقليمية ودولية؛ فالسلام الذي نريده ونضحي من أجله، هو السلام الذي يعطي كل طرف حقوقه وأمنه. وإن شعبنا الفلسطيني الذي طالما تاق إلى هذا السلام وحُرم من حقوقه لعقود طويلة، يكافح بكل إخلاص وتفان لتحقيق هذا السلام الذي يمكنه من العيش الحر الكريم، والاستقلال، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ويوفر لكافة شعوب المنطقة الأمن والسلام والاستقرار من أجل أطفالنا وأطفالهم
وعلى العالم أن يدرك، أن تمكين ومساعدة شعبنا الفلسطيني من بلوغ هذا الحق المقدس والمشروع في الاستقلال والسيادة لن يكون على حساب أحد؛ فالدولة الفلسطينية المستقلة هي الضمانة الأساسية والأكيدة لنجاح وإحلال وتوطيد السلام العادل والدائم، سلام الشجعان، في المنطقة كلها
السيد الرئيس،
أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،
أيها السيدات والسادة،
إننا من فلسطين، أرض الأنبياء المقدسة، نعاود، رغم كل جراحنا وآلامنا، إطلاق نداء السلام؛ لأن السلام العادل القائم على قرارات الشرعية الدولية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، يوفر، وحده، الأمن والاستقرار لكلا الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، ولشعوب المنطقة كلها. وأقول هنا: إن إيماننا بالسلام راسخ لا يتزعزع، وهذا الإيمان نابع من أن الله تعالى قد خلق الناس سواسية؛ فكلنا ننتسب إلى أب واحد هو آدم عليه السلام، وإلى أم واحدة هي حواء، وأن التفاضل بين البشر لا يستند إلى التمييز والعنصرية، وعقدة التفوق، بل يجب أن يكون الأساس هو التسامح واحترام الآخرين، والمساواة. هذا هو المعيار الصحيح الذي نريد أن تقوم الإنسانية عليه؛ ولا يجوز لأحد احتكاره؛ بل يجب أن يبقى المجال مفتوحاً لكل البشر للإبداع والتواصل والتفاعل من أجل ترسيخ قيم الخير والعدل والمساواة، ونبذ كل أشكال الحقد والكراهية والتعصب والعنصرية.
وفي الختام، نُجدّد الشكر لكافة الذين أشرفوا وساهموا في عقد هذا المؤتمر العالمي الهام، وخاصة الأمم المتحدة، ولجنة حقوق الإنسان، والأصدقاء في جمهورية جنوب إفريقيا، التي استضافت هذا اللقاء العالمي، آملين أن يخرج المؤتمر ببرنامج عمل يقود إلى تحقيق النتائج والأهداف المرجوة منه، والتي ستخدم بالتأكيد الإنسانية جمعاء، وتطوي وإلى الأبد صفحة العنصرية بكل أشكالها وصورها البغيضة.
والسلام عليكم
كلمة الرئيس ياسر عرفات خلال اجتماعات لجنة المتابعة العربية في عمان 18 حزيران 2001
أصحاب المعالي، الإخوة وزراء الخارجية العرب/ أعضاء لجنة المتابعة والتحرك،
معالي الأخ الكريم عمرو موسى/ أمين عام جامعة الدول العربية،
معالي الأخ الكريم عبد الإله الخطيب/ الرئيس الحالي لهذه اللجنة،
الإخوة والأخوات الكرام/ أعضاء الوفود العربية المشاركة في هذا الاجتماع الهام،
سيداتي وسادتي،
اسمحوا لي بداية أن أتوجه بالتحية لأخي جلالة الملك عبد الله الثاني ولشعب الأردن الشقيق المعطاء والمقدام على استضافة هذا الاجتماع الهام للجنة المتابعة والتحرك العربية، والذي نأمل أن يخرج بقرارات حاسمة وفاعلة لنصرة الشعب الفلسطيني وتعزيز صموده أمام هذا العدوان الإسرائيلي الذي يدخل شهره التاسع لتركيع الشعب الفلسطيني، وفرض الاحتلال والاستيطان إلى الأبد على أرضنا الفلسطينية التي هي جزء لا يتجزأ من الوطن العربي الكبير، وفي القلب منها القدس الشريف التي تتعرض للتهويد الزاحف وتحاصرها المستوطنات الإسرائيلية من جهاتها الأربع في مسعى إسرائيلي يائس لطمس المدينة المقدسة تاريخاً وحضارةً وتراثاً دينياً؛ أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومهد سيدنا المسيح عليه السلام.
سيدي الرئيس،
السادة الوزراء،
السادة الحضور،
إن تصعيد الحرب العدوانية الإسرائيلية والمستمرة ضد الشعب الفلسطيني، والتي تستخدم مختلف الأسلحة بما فيها المحرمة دولياً، والتي توشك على دخول شهرها التاسع- تجسد اتجاهاً إسرائيلياً خطراً يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي والدولي. هذا الاستقرار الذي كاد أن يتكرس بفضل عملية السلام، والتقدم المحدود الذي تحقق على طريقها. ولقد تنبه المجتمع الدولي لخطورة ما تفعله إسرائيل على الصعيدين الإنساني والسياسي؛ إذ بادرت اللجنة الدولية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بإدانة الجرائم الإسرائيلية من خلال العدوان الشامل ضد الشعب الفلسطيني، وكذلك مجلس الأمن الدولي الذي دان عبر القرار 1322 استخدام إسرائيل المفرط للقوة، وكذلك الموقف الأمريكي الأخير بالطلب منهم الانسحاب الفوري من الأراضي الفلسطينية (A) بعد عدوانهم الأخير على قطاع غزة؛ إضافة إلى قرارات الاتحاد الأوروبي، وروسيا، والصين، واليابان، ودول عدم الانحياز، والدول الإسلامية والعربية، التي شكلت إجماعًا عالمياً على إدانة العدوان والتحذير من أخطاره إقليمياً ودولياً.
لذا فإنني أنظر باهتمام واعتزاز لمبادرتكم هذه، وأراهن بصدق على فاعلية جهدكم الجماعي، سواء في إطار عدم الانحياز أو في أي إطار دولي آخر، واضعاً في الاعتبار انتشار أعضاء لجنة فلسطين وكوكس، عدم الانحياز في الحياة الدولية بكل مستوياتها.
أيتها الأخوات، أيها الاخوة،
لقد استجابت الأمة العربية لنداء شعب فلسطين الصامد في أرض الرباط وعقدت القمة العربية الأولى والثانية وشكلت لجنة المتابعة والتحرك، وقررت إنشاء صندوق الأقصى وصندوق القدس، وأسمعت العالم كله موقف الأمة الواحد دولاً وشعوباً بالتلاحم والتكاتف مع الشعب الفلسطيني في معركته العادلة في سيبل الاستقلال الوطني واستعادة الأرض والمقدسات المسيحية والإسلامية حتى تعود فلسطين دولة عربية حرة، وتواصل دورها الحضاري ودورها القومي العربي إلى جانب الدول العربية الشقيقة من أجل رفعة شأن الأمة واستعادة مكانتها المرموقة في المجتمع الدولي.
ومن المحيط إلى الخليج تواصل شعوب الأمة العربية وقواها السياسية تحركها على المستوى الوطني والقومي وعلى المستوى الدولي كذلك، لتؤكد للمحتل الإسرائيلي أن فلسطين وشعب فلسطين وانتفاضة الأقصى المباركة ليسوا وحدهم في معركة العدالة والحق القومي في فلسطين، وأن على المحتل الإسرائيلي إن أراد السلام والأمن والاستقرار أن يقبل بقرارات الشرعية الدولية التي تقضي بانسحاب قواته وقطعان مستوطنيه من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية وحتى خط الرابع من حزيران طبقاً لقرارات الشرعية الدولية، وخاصة 242 و338 و425 والقرار 194 لحق العودة.
أيتها الأخوات، أيها الإخوة،
إن الصمود الفلسطيني في وجه آلة الحرب والعدوان الإسرائيلي في ظل حصار عسكري واقتصادي ومالي وتمويني وطبي خانق على مدى الثمانية الأشهر الماضية، إنما يستمد قدرته وقوته على الصمود من عدالة قضيته ومن الثقة المطلقة بأمته العربية بدولها وجماهيرها وجيوشها؛ فمعركة فلسطين ومعركة القدس هي معركة كل عربي، معركة كل دولة عربية وكل شعب عربي؛ ويخطئ المحتل الإسرائيلي حين يبني حساباته الاحتلالية والاستيطانية والتوسعية على غطرسة القوة العسكرية العمياء التي بحوزته وعلى فرضية استعمارية تقوم على الفصل القسري بين المصير الفلسطيني والمصير العربي.
وإن عدالة كفاحنا ضد الاحتلال وهذا النهوض العربي الشامل في وجه العدوان الإسرائيلي على شعبنا قد حَّرك الإرادة الدولية التي أخذت تدرك أكثر من ذي قبل خطورة ترك المحتل الإسرائيلي يعيث فساداً في الأرض، ويقصف شعبنا الأعزل بطائرات ف16 والأباتشي الأميركية، ويستخدم الأسلحة المحرمة دولياً مثل اليورانيوم المستنفذ والغازات السامة ضد جماهيرنا ويدمر بالمدفعية والصواريخ المساكن في المدن والقرى وكذلك مقراتنا ومراكزنا، ويحول أرضنا الطيبة الخضراء إلى أرض محروقة بالدبابات والجرافات والبلدوزرات والحرائق.
وقد أخذ التحرك الدولي أشكالاً مختلفة لوقف العدوان الإسرائيلي على شعبنا، وكانت قمة شرم الشيخ وتقرير ميتشل وتوصياته والمبادرة المصرية - الأردنية، التي حظيت بالتأييد الدولي -محطات هامة لتقييد العدوان الإسرائيلي والدعوة الجادة لاستئناف مسيرة السلام، إلا أن المحتل الإسرائيلي ظل يناور ويداور، يحركه وهم القوة العسكرية ووهم حقل الأشواك ووهم الحل العسكري الذي يحركهم في كافة الاتجاهات؛ ولكن دون جدوى، فعلى صخرة صمود جماهيرنا وإيمانهم سوف تتحطم كل أشكال العدوان الإسرائيلي؛ وإن جماهير شعبنا المجاهدة والمؤمنة لن ترهبها الدبابات والطائرات وأشكال الحصار، بل إنها تقدم الدليل من دمها في كل يوم بأنها لن تفرط في ذرة تراب من أرض وطنها فلسطين، ولن تفرط بالقدس الشريف العاصمة الخالدة لدولة فلسطين، ولن تفرط جماهيرنا المنتفضة بالمقدسات المسيحية والإسلامية.
أيتها الأخوات، أيها الاخوة،
وإذا كان شعبنا قد رحب كل الترحيب بالمبادرات والتحركات الدولية لوقف العدوان على شعبنا، فإن المحتل الإسرائيلي لم يغير شيئاً من سياسته القائمة على مناوراته السياسية للتغطية على عدوانه وخطته العسكرية للعدوان على شعبنا، وقد حاول توظيف حادثة تل أبيب والتي استهدفت المدنيين لحرمان شعبنا من التأييد الدولي، وبالتالي مواصلة العدوان الإسرائيلي على شعبنا تحت مظلة دولية.
وأمام حرص القوى العربية والدولية ووقوفها على خطورة وأبعاد خطة العدوان الإسرائيلي الشامل على شعبنا ومؤسساتنا ومراكزنا ومقدساتنا، تجاوبنا مع الإرادة الأخوية والصديقة والدولية، وأعلنا في بيان سياسي استعدادنا للعمل من أجل وقف إطلاق النار في الثاني من حزيران/ يونيو الجاري، وبحضور السيد فيشر وزير الخارجية الألماني والسيد لارسن مبعوث السيد كوفي عنان؛ وقد أعقب قرارنا هذا بوقف إطلاق النار ضمن مناطق السيادة الوطنية الفلسطينية تحرك أوروبي لتثبيت واحترام هذا القرار، ولأول مرة أرسل الاتحاد الأوروبي عدداً من المراقبين مع المبعوث الأوروبي الدائم السيد موراتينوس. وقد أعطى حضورهم في منطقة بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور، نتائج هامة في الحد من العدوان الإسرائيلي على جماهيرنا في تلك المناطق بالأسلحة الثقيلة من مدفعية وصواريخ وطائرات؛ إلا أن المحتل الإسرائيلي في المناطق التي لا زالت تعاني من الاحتلال في محافظة بيت لحم وفي غيرها من المحافظات، يترك العنان للمستوطنين لتدمير الأرض والمزروعات والاعتداء على المواطنين، وإقامة البؤر الاستيطانية؛ كما يقوم جيش الاحتلال ببناء الأسوار الإسمنتية الضخمة والأبواب الحديدية الضخمة على مداخل القرى والبلدات لشل حركة المواطنين الفلسطينيين للدفاع عن أرضهم أمام هجمة الاستيطان الذي يرعاه ويحميه ويساعده جيش الاحتلال الإسرائيلي.
إننا ونحن نحيي الاتحاد الأوروبي على مواقفه المؤيدة للحق الفلسطيني وعلى الخطوات العملية التي اتخذها بإرسال مراقبين ندعوه إلى المزيد من العمل والمساهمة الفعلية وإرسال عدد أكبر من المراقبين الأوروبيين إلى كافة المناطق لوضع حدٍ للعدوان الإسرائيلي على شعبنا.
أيتها الأخوات، أيها الإخوة،
وكما تعلمون، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تبقى العامل المؤثر الأقوى على حكومة إسرائيل؛ بحكم ما تلقاه إسرائيل من دعم ومعونات مادية وعسكرية وحماية سياسية في المجتمع الدولي. وقد ارتضينا على مدى سنوات الرعاية الأمريكية لعملية السلام، ونادينا بمشاركة أكثر نشاطاً وفاعلية لروسيا الاتحادية (الشريك الثاني في رعاية عملية السلام)؛ كما طالبنا ونادينا بمشاركة دولية وأوروبية وصينية ويابانية، ومن دول عدم الانحياز، ومن جميع الأصدقاء والأشقاء في هذه الجهود للسلام وتحت مظلة الأمم المتحدة، إلا أن حكومة إسرائيل التي ترفض الشرعية الدولية وقراراتها وخاصة القرارات 242 و338 و425 و194 رفضت كل هذه المبادرات والجهود الدولية؛ وهنا نرحب بالقرار الخاص بالشرق الأوسط وقضية فلسطين الصادر عن القمة الأوروبية الأمريكية، كما نرحب بالجهود التي يقوم السيد كوفي عنان (الأمين العام للأمم المتحدة)؛ وكذلك بالجهد الروسي، وإرسالهم مندوبهم الدائم السيد أندريه فيدوفين
أيتها الأخوات، أيها الإخوة،
إن تقرير لجنة ميتشل التي تشكلت طبقاً لقرارات قمة شرم الشيخ بجانب المبادرة المصرية الأردنية والتحرك الأوروبي والأمريكي والروسي والعربي مع منظمة الأمم المتحدة -وضع الأساس السياسي المحدد لإحياء عملية السلام؛ وقد أعقب قرارنا بوقف إطلاق النار تحرك أمريكي هام وسريع؛ حيث أرسل الرئيس بوش ووزير خارجيته السيد باول إلى المنطقة السيد وليم بيرنز الموفد الأمريكي لعملية السلام والسيد جورج تينيت مدير المخابرات المركزية الأميركية. وقد تم التوصل إلى الورقة الأمنية التي قدمها تينيت بعد مفاوضات شاقة وعسيرة، إلا أننا أكدنا للموفدين الأميركيين أنه لا يمكن الفصل بين الترتيبات الأمنية والإطار السياسي؛ انطلاقًا من رفضنا للإدعاء الإسرائيلي الذي يحصر الصراع في جانبه الأمني ويرفض الخوض في إبعاده السياسية، وخاصة أن فقدان الأمن والاستقرار هو النتيجة الطبيعة والمنطقية لوجود الاحتلال الإسرائيلي ولهجمة الاستيطان والمستوطنين على أرضنا وشعبنا.
ولهذا فنحن نتعامل مع تقرير لجنة ميتشل وتوصياته مع تفاهمات قمة شرم الشيخ والمبادرة المصرية - الأردنية وقرارات الشرعية الدولية- كرزمة واحدة، والعمل على تنفيذها بالتوازي، وليس بالتتالي. وهنا أؤكد أن وقف إطلاق النار وأية إجراءات واتفاقات واجتماعات أمنية لا يمكن لها أن تدوم إذا لم يقم الجانب الإسرائيلي بوقف الاستيطان قديمه وحديثه، وإذا لم يتخذ على الأرض خطوات سريعة لوقف عدوانه ورفع حصاره العسكري والاقتصادي والمالي وطوقه الأمني، وفتح معابرنا الدولية ومباشرة المفاوضات السياسية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإزالة الاستيطان الإسرائيلي، وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس القرار الدولي 194
أيتها الأخوات، أيها الإخوة،
وكما ترون، فنحن اتخذنا من جانبنا كل القرارات وكل الخطوات التي اعتبرها المجتمع الدولي والأشقاء العرب لازمة وضرورية للوصول إلى السلام العادل والدائم والشامل وعلى جميع المسارات العربية، ولاستعادة جميع الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة؛ إلا أن ما اتخذناه من قرارات وإجراءات وخطوات على الأرض لا تكفي للأسف؛ لأن الحكومة الإسرائيلية الحالية مأخوذة بجنون القوة والحرب، وهي أبعد ما تكون عن الاستعداد الجدي لمفاوضات جادة وحقيقية من أجل سلام عادل وأمن واستقرار على المستوى الإقليمي والدولي. وبناءً على هذه السياسة الإسرائيلية المناهضة للسلام والمفاوضات، فإن الوضع الراهن -للأسف- لا زال على حاله في أرضنا الفلسطينية؛ بل أصبح أكثر عنفاً؛ والعدوان مستمر ومتصاعد من المستوطنين بحماية ودعم الجيش الإسرائيلي لهم ضد شعبنا وقرانا ومزارعنا، والحصار العسكري والاقتصادي مستمر؛ بل يزداد خطورة بسبب النوايا الإسرائيلية؛ بل الخطط الإسرائيلية المعلنة والمستمرة ضد الشعب الفلسطيني وضد السلطة الوطنية وتهديدها الدائم بمهاجمة المدن الفلسطينية وضرب السلطة وتدمير ما بناه شعبنا بكده وعرقه من مؤسسات سياسية واقتصادية واجتماعية.
ولهذا كله فإن قضية إرسال مراقبين دوليين بقرار من مجلس الأمن الدولي تظل القضية الأولى المطلوب البت فيها على وجه السرعة، بعد أن استخدمت الولايات المتحدة الفيتو في مجلس الأمن الدولي، وعطلت إرسال المراقبين الدوليين قبل التدهور الخطير في الأشهر الأخيرة. نعم إن المطلوب هو إرسال مراقبين دوليين، دون إبطاء، إلى الأراضي الفلسطينية لتثبيت وقف إطلاق النار ولإيقاف التصعيد العسكري المستمر من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وإن المجتمع الدولي الذي دعانا لوقف إطلاق النار خشية انفجار الموقف وضياع عملية السلام مدعو كذلك إلى التحرك على أساس تقرير لجنة ميتشل والمبادرة المصرية - الأردنية وتفاهمات قمة شرم الشيخ وقرارات مجلس الأمن 242 و338 و425 والقرار 194 الخاص باللاجئين الفلسطينيين للتوصل إلى سلام عادل وحقيقي وأمن واستقرار لدول وشعوب المنطقة.
وأؤكد هنا أن الوضع الراهن خطير، وخطير جداً؛ ولا بد من جهود دولية مكثفة وعاجلة لنزع فتيل الصراع والمواجهة قبل أن يفلت زمام الأمور من أيدينا جميعاً؛ فالشعب الفلسطيني الذي ضحى في سبيل السلام، لم يلق من حكومة إسرائيل وجيشها ومستوطنيها غير الحصار والإغلاق وقتل الأطفال والنساء والاستمرار بقصف الأحياء السكنية وتدمير حقولنا ومزروعاتنا ونسف طرقنا وجسورنا. ولا مجال لمزيد من المناورات الإسرائيلية للتهرب من استحقاقات عملية السلام وأن على الاحتلال الإسرائيلي أن يرحل ولا بد للاستيطان أن يزول وأن ينتهي إلى الأبد من الأراضي الفلسطينية وفي مقدمتها القدس الشريف؛ وشعبنا الذي قدم التضحيات الجسام في وجه العدوان الإسرائيلي مستعد ومستعد دائماً لتقديم المزيد منها في سبيل استعادة أرضه ومقدساته المسيحية والإسلامية وحقوقه الوطنية وقدسه الشريف، وإقامة دولته المستقلة.
ونحن واثقون أن الأمة العربية بدولها وشعوبها ستواصل دعم هذا الصمود، ولن تبخل على شعبنا الذي يجاهد ويناضل بإيمان وعزيمة لا تكل وإرادة لا تلين.
إن الدمار الذي أحدثه العدوان الإسرائيلي قد وصل كل قرية وكل مدينة وكل حقل وكل جسر وكل مزرعة، والخسائر في الأرواح طالت كل بيت؛ فعدد الشهداء يزيد على 600 شهيد وعدد الجرحى يزيد على 29 ألف جريح، آلاف منهم أصيبوا بعاهة دائمة. وكما تعلمون فالحصار الخانق قطع أرزاق شعبنا العامل حتى وصلت نسبة البطالة في قطاع غزة إلى 80 % من القوة العاملة؛ وفي الضفة الغربية إلى 60 بالمئة من القوة العاملة؛ ناهيك عن التدمير المتعمد الذي أوقعه الاحتلال في اقتصادنا الوطني ومنشآته والبنية التحتية للاقتصاد الفلسطيني؛ وتقدر الهيئات الدولية خسائرنا بأكثر من 4. 5 مليار دولار منذ اندلاع الانتفاضة المباركة وحتى اليوم.
ونقول لإخوتنا وأشقائنا: إن الشعب الفلسطيني يشكركم على كل دعم تلقاه في هذا المحنة القاسية في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وهو لن ينسى كل من مد له العون في ساعة المحنة والصمود. وندعو أشقاءنا الحريصين على فلسطين وشعب فلسطين ومقدساتنا المسيحية والإسلامية الغالية علينا جميعاً إلى وضع خطة عربية شاملة لدعم الصمود الفلسطيني فوق أرض فلسطين تشارك فيها الأنظمة والجماهير العربية. ونحيي هنا مبادرة الأمين العام لجامعة الدول العربية (الأخ عمرو موسى) الذي أعلن عن فتح باب التبرعات على المستوى الشعبي لدعم الانتفاضة ولدعم الصمود الوطني الفلسطيني.
وأؤكد لكم أن الشعب الفلسطيني يتطلع إلى دعمكم ومساندتكم على كافة المستويات كلما اشتدت وطأة العدوان الإسرائيلي المستمر عليه. وشعب فلسطين العربي الأصيل يعتز بأمته العربية المجيدة دولاً وشعوباً وجيوشاً وقوى جماهيرية، ويؤمن إيماناً راسخاً أن أمته لن تتردد في دعمه وإسناده بكل السبل والوسائل والإمكانات والطاقات.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلمة الرئيس أمام مجلس الاشتراكية الدولية في لشبونة حزيران 2001
السادة الكرام أعضاء المجلس،
السيدات والسادة الحضور الكرام،
أشكركم من كل قلبي على دعوتكم الكريمة لي، للمشاركة في هذا الاجتماع الهام، لمجلس الاشتراكية الدولية، في مدينة لشبونة، العاصمة الجميلة لجمهورية البرتغال الصديقة. وقد قررت المشاركة في اجتماعكم هذا، رغم ما يتعرض له وطني فلسطين وشعبنا الفلسطيني من حملة عسكرية عدوانية تديرها حكومة إسرائيل، وجيشها ومستوطنوها للشهر التاسع على التوالي؛ فأنا على يقين أن اجتماع مجلس الاشتراكية الدولية في لشبونة، يشكل مساهمة هامة وأساسية لوقف العدوان العسكري، والحصار الاقتصادي والتمويني والطبي المستمر على الشعب الفلسطيني، ويفتح الباب أمام آمال السلام التي تحطمت بالقذائف والصواريخ الإسرائيلية وداستها جنازير الدبابات، واقتلعتها الجرافات الإسرائيلية، التي تدمر الأخضر واليابس في فلسطين، وتحول الأرض الخضراء إلى خطوط قتال وحصار ضد شعب ضاق ذرعًا بالاحتلال، وضاق ذرعًا بالاستيطان، ولا يطمح لغير الحرية والسلام والأمن له ولجيرانه ولأطفاله وأطفالهم؛ لأن شعبنا يدرك أن طريق السلام هو الذي يحقق له ما يصبو إليه من حرية وأمن واستقلال، ويضع نهاية مطلقة لسنوات الاحتلال والاستيطان والحصار والمعتقلات، والعذاب اليومي على الحواجز وكمائن التفتيش، ومداهمة الأحياء السكنية ونسفها، وإلقاء سكانها في العراء؛ ولعلكم شاهدتم أطفالنا وهم يبحثون بين ركام منازلهم عن كتبهم المدرسية، وعن ألعابهم، وعن ملابسهم. وقد زارت وفود كريمة منكم أسرنا المشردة في خيام منصوبة على عجل، في ضواحي المدن الفلسطينية، وقبالتها دبابات إسرائيلية تصوب مدافعها ورشاشاتها، وتطلق نيرانها على أطفالنا ونسائنا وشيوخنا بعد أن دمروا منازلهم وشردوهم
السيد الرئيس،
السيدات والسادة الأعضاء،
الحضور الكرام،
إنكم تتابعون بلا شك هذه المأساة الدامية، التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني على يد المحتلين الإسرائيليين، فالشعب الذي اختار السلام وآمن به خياراً إستراتيجيا، وقدم البراهين والمواقف السياسية على المستوى الدولي والإقليمي، التي تجسد رغبته في السلام العادل_ لم يلق من حكومات إسرائيل غير الإصرار على تدميره أرضاً وشعباً ومؤسسات ومقدسات مسيحية وإسلامية، وتدمير تاريخه وحضارته بالاستيطان السرطاني الزاحف، بدل الاستجابة لنداء السلام وخيار السلام. ولعلكم تعلمون أن حكومات إسرائيل بعد اغتيال شريكي الراحل اسحق رابين تصرف سنويا مليار دولار، لبناء المزيد من المستوطنات، وشق الطرق الالتفافية التي تمزق أوصال وطننا إلى بانتوستانات معزولة، وأتساءل أمامكم: متى كان السلام ممكناً، والاحتلال جاثم على صدر أي شعب في هذا العالم؟ إن السلام لا يمكن أن يتحقق إلا بعد وقف التصعيد العسكري والحصار الاقتصادي والمالي، وبعد رحيل الاحتلال وإزالة الاستيطان، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه المشروع في تقرير مصيره، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف
السيد الرئيس،
السيدات والسادة الأعضاء،
الحضور الكرام،
لقد صفق العالم، وتنفس شعبنا الصعداء، يوم توقيع اتفاق أوسلو مع شريكي في السلام المرحوم اسحق رابين الذي اغتالته رصاصات المتطرفين؛ ولكن فرحة شعبنا والعالم لم تدم طويلاً، لأن حكومات إسرائيل المتعاقبة، بدأت بتعطيل عملية السلام بكافة الأساليب، بما فيها الحصار الاقتصادي، والتصعيد العسكري، والمزيد من المستوطنات، بالرغم من عدم شرعيتها دوليا، وما يقوم به المستوطنون من اعتداءات على قرانا وشعبنا، وتخريب وحرق للمزروعات والأشجار، بحماية جيش الاحتلال الإسرائيلي
السيد الرئيس،
السيدات والسادة الأعضاء،
الحضور الكرام،
لم تنفذ حكومات إسرائيل الاتفاقات المبرمة بيننا على مدى السنوات الثمانية الماضية، لأن إسرائيل فضلت مواصلة الاحتلال والاستيطان على مواصلة السلام، ومضت الفترة الانتقالية دون أن تفي إسرائيل بتعهداتها والتزاماتها المنصوص عليها في الاتفاقات، التي رعاها المجتمع الدولي، سواء في الدول العربية أو في أوروبا أو في الولايات المتحدة الأمريكية وفي غيرها
ودعوني أؤكد أمامكم أن الشعب الفلسطيني، يكافح في سبيل سلام عادل ومشرف؛ ولكن شعبنا يرفض كل محاولات الالتفاف على السلام تحت ذرائع واهية، تخفي وراءها الأطماع التوسعية والاستيطانية والمس بمقدساتنا المسيحية والإسلامية
إن السلام العادل هو السلام القائم على قرارات الشرعية الدولية 242، 338 و194 و425، ومبدأ “الأرض مقابل السلام”، وهذا ما نصت عليه قرارات القمة الأوروبية – الأمريكية مؤخراً، بجانب تقرير لجنة متيشل، وتفاهمات قمة شرم الشيخ وتوصياتها والمبادرة المصرية – الأردنية، التي تحمل الدعم والتأييد العربي لعملية السلام، ونحن نتطلع إلى مبادرة دولية مشتركة وعاجلة، تضع الآلية المناسبة لعقد مفاوضات جادة ونهائية، وتحت إشراف دولي للتوصل إلى سلام عادل وحقيقي، على أساس قرارات الشرعية الدولية، والتي تقضي بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، وإلى خط الرابع من حزيران 67
السيد الرئيس،
السيدات والسادة الأعضاء،
الحضور الكرام،
إن تسعة أشهر مضت من الحرب الإسرائيلية المعلنة على الشعب الفلسطيني، استخدمت فيها حكومة إسرائيل طائرات ف16، وطائرات الأباتشي، والدبابات والبوارج البحرية، والأسلحة المحرمة دولياً، وخاصة قنابل الغازات السامة، واليورانيوم المستنفد، والصواريخ، والمدفعية الثقيلة، والعبوات الناسفة، والعبوات اللاصقة، وعمليات الاغتيال بالطائرات، والصواريخ، وبالوحدات الخاصة. إن هذه الأشهر التسعة قد برهنت للقاصي والداني أن الحل العسكري الذي اعتمدته حكومة إسرائيل، لا يمكن أن يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة، ولا يمكن أن يفرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني، فرغم سقوط أكثر من 700 شهيد، وأكثر من 30 ألف جريح، وتدمير الاقتصاد الوطني الفلسطيني، وحجز أموالنا من ضرائبنا، والبنية التحتية، والمراكز والمنشآت، والمزارع والحقول، والبطالة؛ حيث وصل عدد عمالنا العاطلين عن العمل أكثر من 360000 عامل، ومنع صيادينا من الصيد؛ إلا أنكم تلمسون بأنفسكم أن الشعب الفلسطيني مصمم بالرغم من ذلك على السلام كخيار إستراتيجي، ليعيد له أرضه وكرامته واستقلاله، ويصمد في وجه الحصار والتصعيد العسكري والاقتصادي والعقاب الجماعي، أسوة بكل شعب حر في هذا العالم يرفض الاحتلال، ويرفض الاستيطان، وطمس هويته، الوطنية وتغييب تاريخه وتراثه الإنساني والحضاري
السيد الرئيس،
السيدات والسادة الأعضاء،
الحضور الكرام،
وكما تعلمون فإنه في ظل التصعيد الخطير والتدهور المتلاحق في الأوضاع الأمنية؛ فقد وافقنا على إعلان وقف إطلاق النار في الثاني من حزيران الجاري، على أمل وقف العدوان الإسرائيلي على شعبنا، ورفع الحصار والإغلاق، ووقف هجمات واعتداءات المستوطنين على شعبنا، وقد شارك الاتحاد الأوروبي بجهود جبارة للتوصل إلى هذا الإعلان، وقدم مساهمة عملية بإرسال عدد محدود من المراقبين الأوروبيين، إلى مدن بيت لحم، وبيت جالا، وبيت ساحور؛ وقد شهدت هذه المناطق هدوءاً ملحوظاً منذ وصولهم. ونحن نرحب بمزيد من المشاركة الأوروبية في جهود السلام، وبإرسال المزيد من المراقبين الأوروبيين، إلى بقية المناطق المعرضة للاعتداءات الإسرائيلية، من قوات الاحتلال ومن المستوطنين وقد أعقب قرارنا بوقف إطلاق النار وصول المبعوثين الأميركيين (بيرنز، وتينيت)، وبعد جهود مضنية تم التوصل إلى الخطة الأمنية المشتركة، والتي تقدم بها السيد جورج تينيت (مدير وكالة المخابرات المركزية) على أساس تقرير ميتشل؛ ولكن المماطلات والاشتراطات الإسرائيلية لم تتوقف، رغم الاعتراف الأوروبي والأميركي والعالمي بأننا على صعيد الأمن والتهدئة قمنا وبذلنا جهدنا الكبير لذلك.
إن الحكومة الإسرائيلية، التي لا تخفي نواياها العدوانية، وخططها العسكرية، تضع شروطاً تعجيزية وغير منطقية حتى تبقي المنطقة أسيرة دوامة العنف، ولتعطيل الخطة الأمنية، وكل الجهود الدولية لتطبيق تقرير ميتشيل وتوصياته، وفي المقدمة منها وقف الاستيطان وتجميده، ووقف التصعيد العسكري؛ والبدء بسحب قواته والعودة للمفاوضات.
وكما تلاحظون، فالإجراءات الأمنية التي اتخذناها في مناطق السيادة الوطنية قوبلت من الجانب الإسرائيلي باستمرار وتشديد الحصار والإغلاق وبهجمات متكررة من المستوطنين، رغم الوعود والتعهدات الإسرائيلية بمباشرة رفع الحصار والإغلاق، بجانب سير الخطة الأمنية وتطبيقها.
وإنكم مطلعون، بلا شك، على الحملة الإعلامية التي تديرها الحكومة الإسرائيلية ضد السلطة الوطنية، وضد شعبنا. وأتساءل: أهذه المواقف والتصريحات، وحملة التشهير الظالمة تخدم فعلاً بناء جسور الثقة بيننا، أم أنها تصب في خدمة التصعيد العدواني الإسرائيلي على شعبنا، وتكشف عن خطط معدة سلفاً، لشن عدوان عسكري واسع النطاق يستهدف كياننا الوطني وسلطتنا الوطنية، بل ويستهدف الأمن والاستقرار في المنطقة كلها؟
السيد الرئيس،
السيدات والسادة الأعضاء،
الحضور الكرام،
منذ زمن بعيد تضطلع الاشتراكية الدولية بدور طليعي رائد في خدمة السلام في الشرق الأوسط، وفي العالم، وقد حرصنا على الدوام على إقامة أوثق العلاقات مع قادة الاشتراكية الدولية، والمشاركة الفعالة في كل مؤتمراتها على المستوى الدولي. وإنني هنا اليوم أعبر عن اعتزازي واعتزاز شعبنا الفلسطيني بدوركم ورسالتكم، من أجل السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط، وبدعمكم المشهود لحق شعبنا في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، على قاعدة قرارات الشرعية الدولية، التي توفر الأمن والاستقرار والتعايش السلمي لدول وشعوب المنطقة جمعاء.
إن شعبنا يعاني أشد المعاناة من هذه المحنة القاسية؛ من جراء العدوان والحصار والإغلاق، وحرق المزروعات ومصادرة الأرض على يد جيش الاحتلال والمستوطنين، وهو يتطلع إليكم في مجلس الاشتراكية الدولية، المجتمع في لشبونة، للخروج بقرارات تاريخية ترفع هذا الاحتلال الإسرائيلي عن شعبنا، وتفتح الطريق أمام استقلال شعبنا وحريته في دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
نريد صوتكم من أجل إرسال المراقبين الدوليين إلى الأراضي الفلسطينية دون تأخير. وإنني أتساءل أمامكم: لماذا ترفض حكومة إسرائيل إرسال المراقبين الدوليين لتثبيت وقف إطلاق النار وحمايته، بل ولماذا ترفض مجرد وجود عدد محدود من المراقبين الأوروبيين؟
وفي الختام أعبر لكم عن جزيل شكري لدعوتكم، وأكرر امتناني لدوركم في خدمة السلام، وأضع يدي في أيديكم جميعاً، من أجل سلام عادل وشامل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يعيشون فيه جنباً إلى جنب بأمن وسلام، على أساس قرارات الشرعية الدولية، ومبدأ “الأرض مقابل السلام”، والاتفاقات الموقعة
أشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة الرئيس أمام مجلس الاشتراكية الدولية في لشبونة حزيران 2001
السادة الكرام أعضاء المجلس،
السيدات والسادة الحضور الكرام،
أشكركم من كل قلبي على دعوتكم الكريمة لي، للمشاركة في هذا الاجتماع الهام، لمجلس الاشتراكية الدولية، في مدينة لشبونة، العاصمة الجميلة لجمهورية البرتغال الصديقة. وقد قررت المشاركة في اجتماعكم هذا، رغم ما يتعرض له وطني فلسطين وشعبنا الفلسطيني من حملة عسكرية عدوانية تديرها حكومة إسرائيل، وجيشها ومستوطنوها للشهر التاسع على التوالي؛ فأنا على يقين أن اجتماع مجلس الاشتراكية الدولية في لشبونة، يشكل مساهمة هامة وأساسية لوقف العدوان العسكري، والحصار الاقتصادي والتمويني والطبي المستمر على الشعب الفلسطيني، ويفتح الباب أمام آمال السلام التي تحطمت بالقذائف والصواريخ الإسرائيلية وداستها جنازير الدبابات، واقتلعتها الجرافات الإسرائيلية، التي تدمر الأخضر واليابس في فلسطين، وتحول الأرض الخضراء إلى خطوط قتال وحصار ضد شعب ضاق ذرعًا بالاحتلال، وضاق ذرعًا بالاستيطان، ولا يطمح لغير الحرية والسلام والأمن له ولجيرانه ولأطفاله وأطفالهم؛ لأن شعبنا يدرك أن طريق السلام هو الذي يحقق له ما يصبو إليه من حرية وأمن واستقلال، ويضع نهاية مطلقة لسنوات الاحتلال والاستيطان والحصار والمعتقلات، والعذاب اليومي على الحواجز وكمائن التفتيش، ومداهمة الأحياء السكنية ونسفها، وإلقاء سكانها في العراء؛ ولعلكم شاهدتم أطفالنا وهم يبحثون بين ركام منازلهم عن كتبهم المدرسية، وعن ألعابهم، وعن ملابسهم. وقد زارت وفود كريمة منكم أسرنا المشردة في خيام منصوبة على عجل، في ضواحي المدن الفلسطينية، وقبالتها دبابات إسرائيلية تصوب مدافعها ورشاشاتها، وتطلق نيرانها على أطفالنا ونسائنا وشيوخنا بعد أن دمروا منازلهم وشردوهم
السيد الرئيس،
السيدات والسادة الأعضاء،
الحضور الكرام،
إنكم تتابعون بلا شك هذه المأساة الدامية، التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني على يد المحتلين الإسرائيليين، فالشعب الذي اختار السلام وآمن به خياراً إستراتيجيا، وقدم البراهين والمواقف السياسية على المستوى الدولي والإقليمي، التي تجسد رغبته في السلام العادل_ لم يلق من حكومات إسرائيل غير الإصرار على تدميره أرضاً وشعباً ومؤسسات ومقدسات مسيحية وإسلامية، وتدمير تاريخه وحضارته بالاستيطان السرطاني الزاحف، بدل الاستجابة لنداء السلام وخيار السلام. ولعلكم تعلمون أن حكومات إسرائيل بعد اغتيال شريكي الراحل اسحق رابين تصرف سنويا مليار دولار، لبناء المزيد من المستوطنات، وشق الطرق الالتفافية التي تمزق أوصال وطننا إلى بانتوستانات معزولة، وأتساءل أمامكم: متى كان السلام ممكناً، والاحتلال جاثم على صدر أي شعب في هذا العالم؟ إن السلام لا يمكن أن يتحقق إلا بعد وقف التصعيد العسكري والحصار الاقتصادي والمالي، وبعد رحيل الاحتلال وإزالة الاستيطان، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه المشروع في تقرير مصيره، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف
السيد الرئيس،
السيدات والسادة الأعضاء،
الحضور الكرام،
لقد صفق العالم، وتنفس شعبنا الصعداء، يوم توقيع اتفاق أوسلو مع شريكي في السلام المرحوم اسحق رابين الذي اغتالته رصاصات المتطرفين؛ ولكن فرحة شعبنا والعالم لم تدم طويلاً، لأن حكومات إسرائيل المتعاقبة، بدأت بتعطيل عملية السلام بكافة الأساليب، بما فيها الحصار الاقتصادي، والتصعيد العسكري، والمزيد من المستوطنات، بالرغم من عدم شرعيتها دوليا، وما يقوم به المستوطنون من اعتداءات على قرانا وشعبنا، وتخريب وحرق للمزروعات والأشجار، بحماية جيش الاحتلال الإسرائيلي
السيد الرئيس،
السيدات والسادة الأعضاء،
الحضور الكرام،
لم تنفذ حكومات إسرائيل الاتفاقات المبرمة بيننا على مدى السنوات الثمانية الماضية، لأن إسرائيل فضلت مواصلة الاحتلال والاستيطان على مواصلة السلام، ومضت الفترة الانتقالية دون أن تفي إسرائيل بتعهداتها والتزاماتها المنصوص عليها في الاتفاقات، التي رعاها المجتمع الدولي، سواء في الدول العربية أو في أوروبا أو في الولايات المتحدة الأمريكية وفي غيرها
ودعوني أؤكد أمامكم أن الشعب الفلسطيني، يكافح في سبيل سلام عادل ومشرف؛ ولكن شعبنا يرفض كل محاولات الالتفاف على السلام تحت ذرائع واهية، تخفي وراءها الأطماع التوسعية والاستيطانية والمس بمقدساتنا المسيحية والإسلامية
إن السلام العادل هو السلام القائم على قرارات الشرعية الدولية 242، 338 و194 و425، ومبدأ “الأرض مقابل السلام”، وهذا ما نصت عليه قرارات القمة الأوروبية – الأمريكية مؤخراً، بجانب تقرير لجنة متيشل، وتفاهمات قمة شرم الشيخ وتوصياتها والمبادرة المصرية – الأردنية، التي تحمل الدعم والتأييد العربي لعملية السلام، ونحن نتطلع إلى مبادرة دولية مشتركة وعاجلة، تضع الآلية المناسبة لعقد مفاوضات جادة ونهائية، وتحت إشراف دولي للتوصل إلى سلام عادل وحقيقي، على أساس قرارات الشرعية الدولية، والتي تقضي بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، وإلى خط الرابع من حزيران 67
السيد الرئيس،
السيدات والسادة الأعضاء،
الحضور الكرام،
إن تسعة أشهر مضت من الحرب الإسرائيلية المعلنة على الشعب الفلسطيني، استخدمت فيها حكومة إسرائيل طائرات ف16، وطائرات الأباتشي، والدبابات والبوارج البحرية، والأسلحة المحرمة دولياً، وخاصة قنابل الغازات السامة، واليورانيوم المستنفد، والصواريخ، والمدفعية الثقيلة، والعبوات الناسفة، والعبوات اللاصقة، وعمليات الاغتيال بالطائرات، والصواريخ، وبالوحدات الخاصة. إن هذه الأشهر التسعة قد برهنت للقاصي والداني أن الحل العسكري الذي اعتمدته حكومة إسرائيل، لا يمكن أن يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة، ولا يمكن أن يفرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني، فرغم سقوط أكثر من 700 شهيد، وأكثر من 30 ألف جريح، وتدمير الاقتصاد الوطني الفلسطيني، وحجز أموالنا من ضرائبنا، والبنية التحتية، والمراكز والمنشآت، والمزارع والحقول، والبطالة؛ حيث وصل عدد عمالنا العاطلين عن العمل أكثر من 360000 عامل، ومنع صيادينا من الصيد؛ إلا أنكم تلمسون بأنفسكم أن الشعب الفلسطيني مصمم بالرغم من ذلك على السلام كخيار إستراتيجي، ليعيد له أرضه وكرامته واستقلاله، ويصمد في وجه الحصار والتصعيد العسكري والاقتصادي والعقاب الجماعي، أسوة بكل شعب حر في هذا العالم يرفض الاحتلال، ويرفض الاستيطان، وطمس هويته، الوطنية وتغييب تاريخه وتراثه الإنساني والحضاري
السيد الرئيس،
السيدات والسادة الأعضاء،
الحضور الكرام،
وكما تعلمون فإنه في ظل التصعيد الخطير والتدهور المتلاحق في الأوضاع الأمنية؛ فقد وافقنا على إعلان وقف إطلاق النار في الثاني من حزيران الجاري، على أمل وقف العدوان الإسرائيلي على شعبنا، ورفع الحصار والإغلاق، ووقف هجمات واعتداءات المستوطنين على شعبنا، وقد شارك الاتحاد الأوروبي بجهود جبارة للتوصل إلى هذا الإعلان، وقدم مساهمة عملية بإرسال عدد محدود من المراقبين الأوروبيين، إلى مدن بيت لحم، وبيت جالا، وبيت ساحور؛ وقد شهدت هذه المناطق هدوءاً ملحوظاً منذ وصولهم. ونحن نرحب بمزيد من المشاركة الأوروبية في جهود السلام، وبإرسال المزيد من المراقبين الأوروبيين، إلى بقية المناطق المعرضة للاعتداءات الإسرائيلية، من قوات الاحتلال ومن المستوطنين وقد أعقب قرارنا بوقف إطلاق النار وصول المبعوثين الأميركيين (بيرنز، وتينيت)، وبعد جهود مضنية تم التوصل إلى الخطة الأمنية المشتركة، والتي تقدم بها السيد جورج تينيت (مدير وكالة المخابرات المركزية) على أساس تقرير ميتشل؛ ولكن المماطلات والاشتراطات الإسرائيلية لم تتوقف، رغم الاعتراف الأوروبي والأميركي والعالمي بأننا على صعيد الأمن والتهدئة قمنا وبذلنا جهدنا الكبير لذلك.
إن الحكومة الإسرائيلية، التي لا تخفي نواياها العدوانية، وخططها العسكرية، تضع شروطاً تعجيزية وغير منطقية حتى تبقي المنطقة أسيرة دوامة العنف، ولتعطيل الخطة الأمنية، وكل الجهود الدولية لتطبيق تقرير ميتشيل وتوصياته، وفي المقدمة منها وقف الاستيطان وتجميده، ووقف التصعيد العسكري؛ والبدء بسحب قواته والعودة للمفاوضات.
وكما تلاحظون، فالإجراءات الأمنية التي اتخذناها في مناطق السيادة الوطنية قوبلت من الجانب الإسرائيلي باستمرار وتشديد الحصار والإغلاق وبهجمات متكررة من المستوطنين، رغم الوعود والتعهدات الإسرائيلية بمباشرة رفع الحصار والإغلاق، بجانب سير الخطة الأمنية وتطبيقها.
وإنكم مطلعون، بلا شك، على الحملة الإعلامية التي تديرها الحكومة الإسرائيلية ضد السلطة الوطنية، وضد شعبنا. وأتساءل: أهذه المواقف والتصريحات، وحملة التشهير الظالمة تخدم فعلاً بناء جسور الثقة بيننا، أم أنها تصب في خدمة التصعيد العدواني الإسرائيلي على شعبنا، وتكشف عن خطط معدة سلفاً، لشن عدوان عسكري واسع النطاق يستهدف كياننا الوطني وسلطتنا الوطنية، بل ويستهدف الأمن والاستقرار في المنطقة كلها؟
السيد الرئيس،
السيدات والسادة الأعضاء،
الحضور الكرام،
منذ زمن بعيد تضطلع الاشتراكية الدولية بدور طليعي رائد في خدمة السلام في الشرق الأوسط، وفي العالم، وقد حرصنا على الدوام على إقامة أوثق العلاقات مع قادة الاشتراكية الدولية، والمشاركة الفعالة في كل مؤتمراتها على المستوى الدولي. وإنني هنا اليوم أعبر عن اعتزازي واعتزاز شعبنا الفلسطيني بدوركم ورسالتكم، من أجل السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط، وبدعمكم المشهود لحق شعبنا في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، على قاعدة قرارات الشرعية الدولية، التي توفر الأمن والاستقرار والتعايش السلمي لدول وشعوب المنطقة جمعاء.
إن شعبنا يعاني أشد المعاناة من هذه المحنة القاسية؛ من جراء العدوان والحصار والإغلاق، وحرق المزروعات ومصادرة الأرض على يد جيش الاحتلال والمستوطنين، وهو يتطلع إليكم في مجلس الاشتراكية الدولية، المجتمع في لشبونة، للخروج بقرارات تاريخية ترفع هذا الاحتلال الإسرائيلي عن شعبنا، وتفتح الطريق أمام استقلال شعبنا وحريته في دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
نريد صوتكم من أجل إرسال المراقبين الدوليين إلى الأراضي الفلسطينية دون تأخير. وإنني أتساءل أمامكم: لماذا ترفض حكومة إسرائيل إرسال المراقبين الدوليين لتثبيت وقف إطلاق النار وحمايته، بل ولماذا ترفض مجرد وجود عدد محدود من المراقبين الأوروبيين؟
وفي الختام أعبر لكم عن جزيل شكري لدعوتكم، وأكرر امتناني لدوركم في خدمة السلام، وأضع يدي في أيديكم جميعاً، من أجل سلام عادل وشامل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يعيشون فيه جنباً إلى جنب بأمن وسلام، على أساس قرارات الشرعية الدولية، ومبدأ “الأرض مقابل السلام”، والاتفاقات الموقعة
أشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة الرئيس ياسر عرفات أمام اجتماع لجنة المتابعة العربية في القاهرة 19 أيار 2001
بسم الله الرحمن الرحيم (إنا فتحنا لك فتحاً مبينا، ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر، ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصراً عزيزا) صدق الله العظيم
أصحاب المعالي الإخوة وزراء الخارجية العرب أعضاء لجنة المتابعة والتحرك،
معالي الأخ الكريم عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية،
الإخوة والأخوات الكرام أعضاء الوفود العربية المشاركة في هذا الاجتماع العام،
سيداتي سادتي
أشكركم لاستجابتكم السريعة لعقد هذه الجلسة الاستثنائية الخاصة للجنتكم الموقرة لمتابعة، وتنفيذ المقررات، وللتحرك الدائم في مواجهة العدوان العسكري الإسرائيلي المتصاعد، وهذه الحرب الغادرة التي تشنها إسرائيل على شعبنا للشهر الثامن على التوالي.
كما إنني أغتنم هذه الفرصة لكي أرحب بالأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية، معالي الأخ عمرو موسى، المشهود له في عطائه الكبير لأمته العربية، والقضية الفلسطينية، والذي قدم لأمته وقضيته الكثير كوزير لامع للخارجية المصرية، وأتمنى له النجاح في عمله الجديد ومسؤوليته الهامة.
كما أرحب بمعالي الأخ أحمد ماهر السيد، وزير الخارجية المصري، وهو أيضاً نعم الأخ القدير، الذي عرفناه رجلاً لامعاً من أجيال الدبلوماسية المصيرية والعربية، ونتمنى له النجاح والتـوفيـق.
وأرحب كذلك بمعالي الأخ عبد الإله الخطيب، الرئيس الحالي لهذه اللجنة الهامة، وهو أيضاً نعم الأخ الكريم الذي ندعو له بالنجاح والتوفيق.
أيها الاخوة الكرام،
لقد استمر هذا العدوان العسكري الإسرائيلي وتصاعد في محاولة يائسة لتركيع شعبنا وضرب انتفاضته الباسلة التي انطلقت بعد زيارة شارون للحرم الشريف، وفتح نيران الجيش الإسرائيلي على المصلين فيه، وسقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى نتيجة لذلك. والهدف كان ضرب ما أنجزته عملية السلام حتى الآن، توطئة لإجهاضها كلياً مستغلاً بعض المواقف الدولية ومتحدياً قرارات الشرعية الدولية؛ ولقد أخذ هذا التصعيد أشكالاً خطيرة متعددة أهمها:
الاحتلال الجزئي الدائم والمتحرك عبر الأراضي الفلسطينية
لقد فرضت إسرائيل احتلالاً عسكرياً في مناطق (ب) كافة بالإضافة إلى احتلالها بعض مناطق (أ)، وهي تلك التي اتفق على انسحاب إسرائيل منها، وإعادتها إلى السيادة الفلسطينية. إن احتلال إسرائيل " غير المعلن " للطرق الرئيسية داخل قطاع غزة، ولمناطقها الحدودية لم يحظ بالاهتمام الذي أبدته أمريكا عندما أعلنت إسرائيل أنها سوف تحتفظ بمناطق (أ) في بيت حانون شمال قطاع غزة، ولقد أدى الاهتمام الأمريكي وقتها إلى دفع إسرائيل للإعلان عن انسحابها من هذه المنطقة، واستمرت إسرائيل في احتلالها للمناطق الأخرى.
وتعلن إسرائيل يومياً عن توغلها في المنطقة (أ) في مناطق متعددة من الضفة الغربية وغزة؛ لتضييق الحصار المفروض منهم على جميع قرانا ومدننا ومخيماتنا؛ مما يتعارض مع الاتفاقات الموقعة. هذا بجانب تدميرها للبيوت والمباني والمنشآت العلمية والتعليمية والرسمية؛ وتقتلع الأشجار القديمة كالزيتون، والتين، والنخيل، والحمضيات، والمزروعات الأخرى في البيوت البلاستيكية؛ وتهجّر، وتأخذ أسرى ورهائن؛ وتعيث في المنطقة فساداً ودماراً؛ وتدعي باسم وزير حربها أنها تمارس "المطاردة الساخنة" وتدمر كل مظاهر السيادة، التي انتقلت إلى السلطة الفلسطينية بموجب الاتفاقات الموقعة من قضايا المعابر والحدود، ومصادر المياه، وحركة الأفراد والبضائع.
تصعيد استخدام أدوات القصف والقتل والدمار
وقد تصاعد استخدام هذه الأسلحة والأدوات القاتلة يومياً، لتشمل قذائف المدفعية، والدبابات، والطرادات البحرية، والطائرات والصواريخ، وحتى منع الصيد في مياهنا؛ بجانب تدمير المخيمات الفلسطينية والبيوت والممتلكات والمقرات والمؤسسات؛ وحتى الاغتيال لبعض القيادات العسكرية والسياسية الفلسطينية.
ضرب منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية
صعدت إسرائيل هجمتها القذرة على منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية، معلنة أنها تريد تدميرها بقصف مقراتها، واغتيال قيادييها، وبقطع وحجز مواردنا المالية؛ وهي حقوقنا المالية من الضرائب التي يدفعها شعبنا على البضائع والسلع في الموانئ والمعابر لإدخالها؛ وبالتحريض الدنيء السياسي والإعلامي ضدنا شعباً وقيادةً.
ولمحاولة ضرب مشروعنا الوطني والقومي بقيام دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وما زاد ذلك شعبنا إلا وحدة واصطفافًا لتحرير مقدساته.
ضرب الاقتصاد الفلسطيني وتجويع الشعب الفلسطيني هو الهدف المعلن للتصعيد العسكري الإسرائيلي بكامل الأشكال كالحصار للمدن الفلسطينية، ووقف التصدير والاستيراد، وحتى حركة البشر، وإغلاق المطار، وتعطيل بناء الميناء، ووقف التنقيب عن الغاز في البحر، وتدمير آبار المياه، وإغلاق المناطق الصناعية والسياحية، وتدمير المزارع، والمصانع، والفنادق، والشاحنات.
لقد اقتلع الإسرائيليون ربع مليون شجرة زيتون وعشرات الآلاف من أشجار النخيل والبرتقال والتين والعنب وغيرها، وحرثوا المزارع والبساتين وبيوتها البلاستيكية، وأغرقوا أرض غزة بالمياه الآسنة الملوثة، ودفنوا في أرضنا بالضفة مخلفاتهم السامة والمشعة، واستخدموا ضد المدنيين الرصاص المصنع من اليورانيوم المستنفد، وقنابل الغاز السامة. وكل ذلك مثبت بوثائقهم ووثائق الأمريكان والأوروبيين؛ وهو تصعيد خطير أرجوكم أن تلحظوه جيداً وبوضوح.
لقد ركزوا ولا زالوا على مقدساتنا الإسلامية والمسيحية. وما يجري في القدس الشريف أكبر شاهدٍ على ذلك، وكذلك تركيز القصف على بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور، بما فيها منع أهلنا المسلمين والمسيحيين من الذهاب إلى القدس للصلاة في المسجد الأقصى والحرم الشريف، وكنيسة القيامة.
استمرار بناء المستوطنات وتوسيعها وتهويد القدس
قررت حكومة شارون بناء 13500 وحدة سكنية جديدة في مستوطنات جديدة وقائمة؛ كما أنها صعدت تدمير بيوت الفلسطينيين لإنشاء المستوطنات، وهي تهدد بإغلاق المؤسسات الفلسطينية في القدس، وتقيم القوات الإسرائيلية الآن المستوطنات في كل المواقع الهامة، بالرغم من اعترافهم بأن أكثر من 45% من هذه المستوطنات خال من السكان.
أيها الاخوة الكرام
لا بد أنكم تتابعون جميعاً أرقام خسائرنا البشرية، والتي اقتربت الآن من 600 شهيد، وأكثر من ثمانية وعشرين ألف جريح، وأن خسائرنا المادية قد تجاوزت خمسة آلاف مليون دولار (5 مليار)، وأن عدد العاطلين عن العمل قد تجاوز 360. 000، وأن الدخل القومي قد فقد أكثر من 65% من قيمته، وأن ميزانيتنا النقدية لا تغطي أجور موظفي الدولة الشهرية وحدها، رغم القروض الحسنة التي قدمتموها لنا.
فالموقف صعب، والخسائر فادحة، والتصعيد اليومي مستمر، والعون من الخارج مشكور؛ ولكنه محدود وضئيل، وهناك من تبرع مشكوراً مرة واحدة؛ ولكن النزيف لم ولن يتوقف بل أصبح شلالاً متدفقاً.
ولكني أطمئنكم، يا إخواني، فشعبكم في فلسطين صامد صامد عزيمته كالحديد، لن يتوانى أو يتراجع أو يستسلم، ولن يتخلى عن أهدافه، وهي أهدافكم، ولا عن حقوقه ومكتسباته، ولن يسمح بتدنيس مقدساته، وهي مقدساتكم.
شعبكم الفلسطيني صامد ومتفائل بنصر الله سبحانه وتعالى، وهو صامد بإيمانه العالي، كما قال رسولنا الكريم: "... فهم في رباط إلى يوم الدين"؛ ونحن نصر دائماً على الطابع الشعبي للانتفاضة في مواجهة العدوان العسكري المحموم، وإرهاب الدولة، واغتصاب بلادنا بالاحتلال الاستيطاني؛ ولكن هذا الشعب في حاجة لمن يدعم صموده وتضحيته.
نحن شعب يناضل ضد احتلال غير شرعي لبلادنا، وضد تصعيده العسكري على شعبنا، وهو حق دولي مشروع، خاصة وأنه احتلال ينتهك كل مقررات القانون الدولي الإنساني والاتفاقات الموقعة، ويمارس إرهاب الدولة، ويغتصب الأرض والإنسان والمقدسات المسيحية والإسلامية.
ونحن ما زلنا طلاب سلام عادل قائم على الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة والاتفاقات الموقعة، والتي شهد على توقيعها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والاتحاد الأوروبي وكوفي عنان وعدم الانحياز والإخوة العرب والقوى الدولية؛ ونحن عندما أعلنا قبولنا بالمبادرة المصرية – الأردنية، وبما يدعمها في تقرير لجنة ميتشل، إنما قبلنا بهذه المبادئ أساساً لعودة عملية السلام إلى طريقها المرسوم، لأن مخالفة هذه المبادئ هو الذي أشعل الانتفاضة.
صحيح أن صاعق التفجير للانتفاضة كان زيارة شارون وحرسه من الجيش الإسرائيلي للحرم الشريف، والتي قام بها رغم معارضتنا العلنية والرسمية، والتي أبلغناها لباراك في منزله قبل يومين من هذه الزيارة وبعدها حدثت مذبحة صلاة الجمعة التي قامت بها القوات الإسرائيلية في اليوم التالي مباشرة. بجانب الامتداد للاستيطان السرطاني في أراضينا بالعنف والإكراه في الأماكن الاستراتيجية المختلفة، وخاصة في القدس الشريف، وهي محاولات لتهويد القدس الشريف.
لقد صبرنا وصابرنا سنين طويلة من أجل استعادة حقوقنا من خلال علمية السلام: ذهبنا إلى مدريد مع أشقائنا والتزمنا بقرارات مؤتمرها رغم كل القيود التي فرضت علينا، وفاوضنا في واشنطن، وذهبنا إلى أوسلو لنبدأ بعد كل هذا رحلة استعادة حقوقنا على أرضنا، وحاولنا بالرغم من كل الضغوط التي واجهناها بمفاوضات شاقة أن نستعيد الأرض وننصف حق اللاجئين بالعودة طبقاً للقرار 194، والحفاظ على مقدساتنا المسيحية والإسلامية، وأن نبني مؤسسات دولتنا، وأن نمر من الانتقالي إلى النهائي حيث القضايا الهامة والصعبة؛ ولكن هم استمروا في محاولتهم تعميق الاحتلال بالاستيطان، وبالتصعيد العسكري ضد شعبنا، وبالمماطلة بالمواعيد، وبالحصار، وتقطيع الأوصال. وعندما وصلنا لمفاوضات الحل النهائي اكتشفوا أن الاستحقاقات ما زالت قائمة، وأننا لم نتخل عن شبر من أراضينا المحتلة عام 1967، ولا عن حق لاجئينا في العودة لبلادهم، ولا عن سيادة دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وعلى مقدساتنا المسيحية والإسلامية، وعلى أرضنا وبحرنا وجونا. وفي الحل النهائي لكل الأهداف التي تأجلت مؤقتاً في مراحل الحل الانتقالي.
هل أضعنا الفرصة التي أتيحت لنا في كامب ديفيد وفي طابا؟
ذلك هو اتهام بعض الإسرائيليين تبريراً لعدم رغبتهم في وقف العدوان، وفي تحميلنا مسؤولية كل ما يحدث على الأرض حيث تنفخ بعض الأجهزة الإعلامية الإسرائيلية وغيرها، لتغطية جرائمهم المتصاعدة ضد شعبنا وأطفالنا وأرضنا وممتلكاتنا، واقتصادنا، ومقدساتنا المسيحية والإسلامية. والحق أن كامب ديفيد كانت هي الفرصة الأولى العملية للتفاوض على الحل النهائي؛ وقد شاركنا بعدها في 57 اجتماعاً تفاوضياً لتنفيذ مرجعية عملية السلام، مما أدى إلى تقدم محدود في طابا؛ ولكن باراك لم يكن مستعداً للاستمرار بعد انشغاله المصطنع لمدة ستة أشهر بالمسار السوري حسبما أعلنه جلعاد شير أحد أهم مستشاريه المقربين، ضمن خطتهم بالتلاعب على المسارات العربية، وبعدها أعلن عن الانتخابات العامة قبل سنوات ثلاث من استحقاق موعدها، ووعد باستكمال هذه المفاوضات إذا نجح في الانتخابات، وتعرفون النتيجة.
ومع الإقرار ببعض التقدم في هذه المفاوضات، إلا أن ما تبقى بدون حل فيها يقطع باستحالة قبولنا بها كحل دائم يرضى به شعبنا بعد قرن من النضال، ودعوني أسألكم، أيها الإخوة الكرام، هل كان يمكن لنا القبول بحل دائم يبقي الحرم وبعض أهم المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس تحت السيادة الإسرائيلية؟ هل كان يمكن لنا أو لكم القبول بحل لا يسمح للاجئين بحق العودة لبلادهم، وهم يسمحون لمئات الألوف غير اليهود من المسيحيين والمسلمين من دول الاتحاد السوفيتي السابق، وغيرها بتنفيذ حق العودة هذا لبلادنا لمجرد تقديمهم لأي دليل يثبت أن أجدادهم مارسوا بعض الطقوس اليهودية أو حتى بتزوير ذلك؟!
هل كان يمكن لنا أن نقبل بدولة مجتزأة محدودة السيادة؟ وهل كنتم تقبلون لنا بإعطاء إسرائيل الحق في استخدام أراضينا كقواعد انطلاق عسكرية لمهاجمتكم أيها الاخوة العرب؟ هل كان يمكن لنا أن نقبل بأن تكون السيطرة على سمائنا للطائرات العسكرية الإسرائيلية تستخدمها لانتهاك حرمة أجوائكم؟ نحن لم نقبل بذلك ولن نقبله ابداً. ولو أن التقدم الذي حدث كان مقبولاً لعدنا لكم نطرحه عليكم، ونستعين بكم في تحسينه والقبول به وطنياً وقومياً ودينياً.
رفضنا الوصول إلى حل لا يمكن لشعبنا ولأمتنا القبول به؛ ولكننا لم نرفض استمرار المفاوضات، ولا رفضنا العودة إلى عملية سلام يتم تصحيحها، وتعديل مسارها، لتصبح منسجمة مع مرجعيتها وأهدافها.
ونحن لا نجد طريقاً لإنهاء العدوان الإسرائيلي، والعودة إلى طريق السلام في ظل الأوضاع الراهنة، أفضل من المبادرة المصرية - الأردنية، وتوصيات لجنة ميتشل لتقصي الحقائق، والتي انبثقت عن مؤتمر شرم الشيخ، وخصوصاً في توصيتها التجميد النهائي والتام للاستيطان.
والحق، أيها الإخوة الكرام، أن هناك شبه إجماع دولي حول المبادرة وتوصيات اللجنة، ولكي توضع لها آلية تنفيذ من خلال عقد اجتماع جديد لمؤتمر شرم الشيخ، ويجب بذل كل الجهود الدولية لقبولها من إسرائيل.
أيها الإخوة الكرام،
لقد التزمنا أمامكم بالصمود مهما كان حجم التضحيات. صمودنا ضروري للحفاظ على حقوقنا وكرامتنا ومقدساتنا ومستقبلنا، صمودنا ضروري لوقف هذه الهجمات العنصرية على أمتنا العربية كلها، وعلى أغلى مقدساتها؛ ولكننا أيضاً ملتزمون بالعمل لتصحيح مسيرة السلام، والعودة إليها لاستعادة حقوقنا، ولتحقيق سلام عادل ودائم وشامل في المنطقة كلها.
ونتوجه إليكم لدعم صمود شعبنا لمواجهة الحرب والدمار والحصار الذي تمارسه إسرائيل، ونريد دعمكم لإيجاد حماية دولية لإيقاف العدوان العسكري والحصار الاقتصادي والمالي لشعبنا، بل ونحتاج كذلك إلى تحرك في الجمعية العامة ولجنة حقوق الإنسان والمنظمة الدولية للتجارة في مواجهة إسرائيل.
أيها الإخوة الكرام،
هذه هي معركتنا الحاسمة من أجل فلسطين، من أجل القدس الشريف، ومن أجل مقدساتنا الإسلامية والمسيحية، من أجل غد عربي أفضل، تسوده الحرية والاستقلال والكرامة، من أجل سلام عادل ودائم ترضى به شعوبنا كلها في المنطقة، وإنني على يقين أننا بإذن الله، سوياً منتصرون.
بسم الله الرحمن الرحيم "واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون" صدق الله العظيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلمة الرئيس ياسر عرفات أمام مؤتمر وزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي في الدوحة أيار 2001
بسم الله الرحمن الرحيم
"سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير"
صدق الله العظيم
صاحب السمو الأخ الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني
رئيس القمة الإسلامية أمير دولة قطر الشقيقة،
أصحاب المعالي والسعادة وزراء خارجية دول منظمة المؤتمر الإسلامي،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من الأرض المقدسة التي بارك الله حولها، من القدس الشريف مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومهد سيدنا المسيح عليه السلام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته من فلسطين الصامدة، ومن شعب فلسطين الذي يروي بدمائه أرضه المقدسة في انتفاضة الأقصى، دفاعاً عن المسجد الأقصى وقبة الصخرة والحرم القدسي الشريف ومسجد خليل الرحمن وكنيسة المهد وكنيسة القيامة، والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وقد كانت الشرارة التي أطلقت هذا العدوان ضد شعبنا ومقدساتنا هي الزيارة التي قام بها شارون بموافقة باراك إلى الحرم الشريف، والتي أعقبها قيام الجيش الإسرائيلي بفتح النار على المصلين في الحرم الشريف، بالرغم من مطالبتنا باراك بعدم السماح بهذه الزيارة الاستفزازية.
السلام عليكم من الأرض التي باركها الله، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين التي تتعرض الآن لمؤامرة التهويد والاستيطان الصهيوني لاجتثاث تاريخنا من جذوره الضاربة في عمق الزمن والوجود. إنها المؤامرة الدولية الكبرى التي استباحت وطننا وأرضنا وتاريخنا ومقدساتنا دون وجه حق، من عدالة إنسانية أو شرعية دولية. وها هم جماهير شعبنا الفلسطيني الذين هم في رباطٍ إلى يوم الدين، كما قال رسولنا النبي الكريم، يروون اليوم بدمائهم أرض فلسطين بسهولها وجبالها وآثارها ومقدساتها، وكم من مجازر وحشية ارتكبها المحتلون الإسرائيليون في المسجد الأقصى ضد المصلين وهم بين يدي الله، وفي " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان " وفي مسجد خليل الرحمن، في الحرم الإبراهيمي، وفي صلاة الفجر حصدت رصاصات الغدر من المستوطنين، وجيش الاحتلال الإسرائيلي أرواح الأبرياء، وهم يبتهلون إلى الله أن يحمي وطنهم ومقدساتهم، وكذلك المجازر الوحشية ضد شعبنا الأعزل -بالصواريخ والقنابل من الطائرات الحربية (F16) وطائرات الأباتشي والدبابات والمدفعية وصواريخها وقنابلها المحرمة دولياً بما فيها اليورانيوم المستنفد والغازات السامة والمواد المشعة ضد شعبنا الفلسطيني ومؤسساته ومنشآته ومساكن جماهيرنا ومزارعهم ومصانعهم
صاحب السمو الأمير الأخ الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني،
أصحاب المعالي والسعادة الوزراء، والأمناء العامين،
وهذا هو الشهر الثامن لهذه الحرب العدوانية الظالمة التي تشنها حكومة إسرائيل وجيشها ومستوطنوها ضد شعبنا، وضد أرضنا، وضد السلطة الوطنية وأجهزتها ومرافقها وقواها الأمنية. إنها حرب عدوانية تدميرية هدفها اقتلاع شعبنا من أرضه، واستئصال تاريخنا ومقدساتنا من هذه الأرض المقدسة، التي بارك الله حولها. إنها حرب عدوانية هدفها القضاء على وجودنا في وطننا الذي لا وطن لنا سواه، وعلى أرضنا أرض الإسراء والمعراج، مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومهد سيدنا المسيح عليه السلام؛ ويحاولون بكل الطرق طمس وتدمير مقدساتنا وتهويد قدسنا الشريف.
إن الحكومة الإسرائيلية تحاصر شعبنا للشهر الثامن على التوالي، وتقصف المدن، وتجرف الأرض، وتدمر المصانع والمنشآت، وتنسف الجسور والأحياء السكنية، وتقتل الأطفال، وهم في أحضان أمهاتهم وآبائهم؛ فأي ضمير في هذا العالم يمكن أن يصمت على قتل الطفل محمد الدرة، وأي ضمير في هذا العالم يمكن أن يصمت وشظايا القذائف تخترق جسم الطفلة إيمان حجو، ابنة الأربعة أشهر، وهي ترضع في حضن أمها! كان معها كذلك الصواريخ والدبابات من أجل ذلك يقتلوها مثلما يكذبون ليلاً ونهاراً في الإعلام وتساعدهم بعض أجهزة الإعلام في بعض الدول في العالم!!
نعم هذه حرب عدوانية تدميرية، هدفها القضاء على شعبنا، وتدمير وجوده وكيانه ومقدساته، دون أي اكتراث بحقوق الإنسان، وبالشرعية الدولية. وهو يواجه هذه الحرب المدمرة؟ وهذه الجرائم والمذابح التي تقترفها حكومة إسرائيل بحقه على مدى خمسين عاماً. وهل ينسى العالم مذبحة دير ياسين ومذبحة الدوايمة واللد والرملة في 1948؟ وهل ينسى العالم مجازر مخيمي صبرا وشاتيلا؟ وهل ينسى العالم مذبحة الحرم القدسي الشريف ومذبحة الحرم الإبراهيمي، وغيرها من الجرائم والمذابح؟ وعلى مدى الأشهر الثمانية الماضية سقط لنا في هذه الانتفاضة (انتفاضة الأقصى المباركة) 600 شهيد، وأكثر من 28 ألف جريح، بما فيهم أعداد كبيرة من الأطفال والنساء والشيوخ.
إن الشعب الفلسطيني الذي هو في رباط إلى يوم الدين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس يتوجه إليكم مع جميع الإخوة والأصدقاء والمجتمع الدولي لوقف هذه الحرب العدوانية الإسرائيلية المدمرة التي تحصد أرواح أطفالنا وأهلنا كل يوم، ولا تجد في الأسرة الدولية من يقف أمام إسرائيل المعتدية، ويقول لها كفى قتلاً بأبناء الشعب الفلسطيني الذي له الحق أسوة بكل شعوب الأرض في العيش بحرية وكرامة واستقلال في أرض وطنه، وفي دولته المستقلة، وفي قدسه الشريف، العاصمة الخالدة لدولة فلسطين المستقلة.
لماذا هذا العجز المطلق في مجلس الأمن الدولي، أمام هذه الحرب العدوانية، التي تشنها حكومة إسرائيل ضد شعبنا؟! ومن يفرض هذا الصمت المطبق على مجلس الأمن الدولي؟ وهل هي ازدواجية المعايير والانحياز المطلق للعدوان والمعتدين، وعلى حساب الأعراف والقوانين الدولية، وعلى حساب الضحايا من شعبنا، وعلى حساب أرضنا ومقدساتنا المسيحية والإسلامية طبقاً للعهدة العمرية التي نحترمها ونلتزم بها التزاماً كاملاً؟
صاحب السمو الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني
أصحاب المعالي والسعادة الوزراء، أصحاب المعالي الأمناء العامين
إن تاريخ هذه اللقاءات الإسلامية على مستوى القمة وعلى مستوى وزراء الخارجية يرتبط بهذه المؤامرة الكبرى على شعبنا وعلى وطننا فلسطين وعلى القدس الشريف ومقدساتنا المسيحية والإسلامية، ورغم ما أصدرته القمة الإسلامية الأخيرة في دولة قطر الشقيقة من قرارات هامة لوقف العدوان وحماية المقدسات، فإن المعتدين الإسرائيليين ركبوا رؤوسهم، واستمروا في عدوانهم على شعبنا وأرضنا ومقدساتنا؛ لأنهم لا يخشون عقاباً، ولا عقوبات سياسية، أو دبلوماسية، أو اقتصادية، تفرض عليهم لتجبرهم على وقف عدوانهم. وبصراحة أقول: إن المعتدين الإسرائيليين يلقون الحماية الكاملة، نعم يلقون الحماية الكاملة والدعم الكامل لعدوانهم من قبل القوى المسيطرة والمهيمنة في المجتمع الدولي؛ وللأسف يلقى المعتدون الإسرائيليون الحماية بعد أن قبلنا قرارات الشرعية الدولية، وارتضيناها طريقاً لتحقيق السلام العادل والشامل والدائم الذي يضمن لنا حقوقنا الوطنية كاملة غير منقوصة في وطننا ومقدساتنا، وفي قدسنا الشريف. وظهرت المؤامرة بأبشع صورها، وبدأ الإسرائيليون بتهويد القدس الشريف، وخاصة ما أعلنوه مؤخراً من تسلم شارون المخططات الهندسية لبناء كنيس في ساحة الحرم الشريف، أساساً لإقامة الهيكل كما يدعون، وبالإضافة لذلك بدؤوا ببناء المزيد من المستوطنات، وتوسيع الموجود منها سابقاً، داخل القدس الشريف وخارجها، بدل إخلائها تنفيذاً لقرارات الشرعية الدولية، التي تقضي بالانسحاب الإسرائيلي من جميع أراضينا المحتلة، واعتبار هذه المستوطنات عملاً غير شرعي.
إن شعبنا يتمسك بأرضه، وبقدسه الشريف ومقدساته، ولا يفرط بذرة، ولن يفرط بذرة تراب من وطنه، ولا يتنازل عن أي قرار من قرارات الشرعية الدولية، ولا يفرط بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة تطبيقاً للقرار الدولي 194 الذي ينص على حق اللاجئين في العودة إلى وطنهم وديارهم، التي هجروا منها بقوة السلاح ودون وجه حق.
صاحب السمو الأخ الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني،
أصحاب المعالي والسعادة الوزراء، أصحاب السعادة والمعالي الأمناء العامين،
إن قضية فلسطين هي قضيتكم، وإن قضية القدس الشريف ومقدساتها هي قضيتكم ومقدساتكم؛ ولا سبيل لإنقاذ القدس الشريف من خطر التهويد والاستيطان السرطاني الزاحف على المدينة المقدسة إلا بوقفتكم كأمة عربية وإسلامية بقوة وصلابة وإيمان في وجه هذا العدوان الآثم والمعتدين الخطرين، وفي وجه من يحمي المعتدين الإسرائيليين، من الشرعية الدولية وشرعة حقوق الإنسان وشرعة الأمم المتحدة.
إن الخطر محدق والخطر كبير. والخطر لا يتوقف بعد الآن بالاستنكار والتنديد والشجب؛ بل لا بد من وقفة حاسمة تكبل العدوان والمعتدين، وتكفل لشعبنا حق الحياة في وطنه بعيداً عن الاحتلال والاستيطان والعدوان العنصري والتصعيد العسكري الذي توغل فيه حكومة إسرائيل وجيشها، والتي تتوهم أنها بالقوة والجبروت وأحدث أسلحة الفتك والدمار والقتل يمكنها تركيع شعبنا وتهويد قدسه الشريف والقضاء على حق شعبنا في الاستقلال والسيادة والحياة الحرة الكريمة في وطنه، وهي تتناسى أن شعبنا هو شعب الجبارين، لن يهن ولن يستكين، وسيواصل صموده وتضحياته حتى يرفع شبل من أشبالنا أو زهرة من زهراتنا علم فلسطين باسم أمتنا فوق أسوار القدس ومآذن القدس وكنائس القدس "يرونها بعيدة ونراها قريبة وإنا لصادقون" "وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا" صدق الله العظيم
صاحب السمو الأخ الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني،
أصحاب المعالي والسعادة الوزراء، أصحاب المعالي الأمناء العامين،
إن شعبنا الصامد المجاهد الصابر يعقد عليكم آمالاً كبيرة؛ فأنتم سنده، وأنتم الجدار العربي والإسلامي الذي يعتمد عليه في جهاده وتضحياته وصبره ومثابرته على العطاء. وينتظر شعبنا وقفة إسلامية عربية، ومن جميع المسيحيين المؤمنين، ومن دول عدم الانحياز، وجميع الأصدقاء في العالم أن تنصره وتشد أزره وتدعم صموده في وجه آلة الحرب الإسرائيلية وتصعيدها المستمر ضد شعبنا ومقدساتنا، وكذلك أمام ما يقوم به المعتدون الإسرائيليون من تدميرٍ لشعبنا ومدنه ومخيماته وقراه، وتجريفٍ لأراضينا الخضراء، وتدميرٍ لمصانعنا ومنشآتنا ومرافقنا الحيوية والبنية التحتية والفوقية، والحصار الاقتصادي والمالي، والاحتجاز لأموالنا من ضرائبنا، بجانب الحصار التمويني والطبي، ومنع عمالنا من العمل، وهم أكثر من 000 360 عاطلٍ عن العمل الآن، وغيرها من أساليب الحصار والتجويع.
الإخوة الكرام،
نحن مع السلام العادل والكامل والشامل في منطقتنا، وعلى جميع المسارات العربية، ومع سلام الشجعان، من أجل أطفالنا وأطفالهم؛ ولا نجد في ظل هذه الظروف، وهذا التصعيد العسكري الخطير والأوضاع الراهنة أفضل من المبادرة المصرية – الأردنية، وتوصيات لجنة ميتشل؛ وبالذات توصيتها بالتجميد النهائي والتام للاستيطان، الذي اتفقنا على تجميده وعدم التوسع فيه بعد اتفاقية أوسلو، مع الشريك الراحل رابين، الذي اغتالته هذه القوى المتطرفة الصهيونية، التي لا تريد سلاماً ولا اتفاقاً؛ وإنما تريد التصعيد العسكري، ومحاولة تركيع شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية والإسلامية، وتهويد الأماكن المقدسة المسيحية والإسلامية؛ كما يتابعون ذلك في القدس، والخليل، وبيت لحم، وبيت جالا، وبيت ساحور. وهنالك إجماع دولي حول هذه المبادرة وتقرير لجنة ميتشل، التي انبثقت بعد اجتماع شرم الشيخ، واشتراك أمريكا والاتحاد الأوروبي والسكرتير العام للأمم المتحدة ومصر والأردن؛ فلماذا لا نتابع ذلك لوضع آلية التنفيذ بعقد مؤتمر جديد لشرم الشيخ، وبحضور الراعي الثاني لعملية السلام (روسيا الاتحادية)، ووجود ممثلي القمة الإسلامية ولجنة القدس، وغيرهم من القوى الدولية؛ لبذل كل الجهود الدولية؛ حتى يمكن قبولها وتنفيذها من إسرائيل التي تحاول التخلص من كل الاتفاقات والالتزامات التي وقعتها الحكومات الإسرائيلية المختلفة؛ ولكن حكومة إسرائيل تواصل التهرب من تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وتجري تغطيتها وحمايتها بعدم إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لقوات أو مراقبين دوليين يؤمنون الحماية الدولية لشعبنا في مواجهة هذا العدوان الإسرائيلي الشامل على وطننا وشعبنا ومقدساتنا.
أمل شعبنا كبير بكم وبوقفتكم، وهو واثق كل الثقة أن القدس الشريف، وفلسطين الحبيبة أمانة في أعناقكم جميعاً، لن تفرطوا في الأمانة التي وضعها الله العلي القدير في أعناقكم إلى يوم الدين
بسم الله الرحمن الرحيم
"إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد"
صدق الله العظيم
كلمة الرئيس ياسر عرفات في اجتماع القمة العربية الدورة العادية الثالثة عشرة المنعقدة في 27 و28 آذار 2001
“سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير”
صاحب الجلالة، الملك عبد الله الثاني، ملك المملكة الأردنية الهاشمية،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
السيد كوفي عنان،
السيد عصمت عبد المجيد،
السيد عبد الواحد بلقيزيز،
السيد سالم أحمد سالم،
السادة أعضاء الوفود المحترمين،
على أرض الأردن الشقيق، وفي كنف شعبه المعطاء، توأم الشعب الفلسطيني، وبرعاية كريمة من جلالة أخي وابن أخي الملك عبد الله الثاني، تنعقد قمتنا هذه، بعد أشهر قليلة من انعقادها على أرض الكنانة، وفي كنف شعبها العظيم، وبرعاية رئيسها الأخ المبارك محمد حسني مبارك،
وبهذه المناسبة أسجل لقمة القاهرة، وبكل الاعتزاز ما أسفرت عنه من نتائج على صعيد القرارات الهامة، كما أسجل للرئيس مبارك عنايته المباشرة بمتابعة قرارات القمة، ولوضعها موضع التنفيذ، في أدق مرحلة من مراحل العمل العربي المشترك، ومواجهة التحديات المشتركة على كافة الجهات. كما أثمن عالياً جهود لجنة المتابعة العربية، التي وفرت لقرارات قمة القاهرة زخمها وآليات تنفيذها، وأسجل كذلك هنا، وبكل الثقة وفاءنا لشعوب أمتنا العربية المجيدة بانعقاد القمة على نحو دوري؛ مما يبعث الأمل لدى جماهيرنا العربية باستمرارية العمل العربي المشترك، وتقدم وفاعلية آلياته، وهذا ما يملؤنا يقيناً بحتمية تطور الفعل العربي القومي ومضاعفة نفوذه ومردوده قومياً وإقليميا ودولياً.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
إننا نتطلع لهذا الإطار القومي، وهذه المرجعية العربية الأكثر مسؤولية في حياتنا وشئوننا. خاصة وشعبنا يرتبط مصيرياً على الدوام مع مصير أشقائه العرب، ويتمسك على نحو مبدأي وفعلي، بانتمائه القومي العربي ويستند مع انتفاضته للأقصى المبارك بثقة وأخوة عليهم، ونحن نشكر لأشقائنا العرب جميعهم لكل ما قدموه ويقدمونه
لشعبنا من عون ومساعدة في هذه الأيام العصيبة، كما نشكر جميع الأصدقاء في العالم على هذا الدعم والمساعدة التي يقدمونها لنا وعلى كافة المستويات.
وإنني أيها الأشقاء الأعزاء، لعلى يقين من أن أحد الأبعاد الظاهرة للحرب الشرسة التي يشنها الإسرائيليون ضد شعبنا، يتمثل في محاولة النيل من انتمائنا العربي ومن تمسكنا المبدئي بالحقوق والمقدسات، التي هي وقبل أن تكون حقوقاً فلسطينية ومقدسات فلسطينية تظل عربية، إسلامية، مسيحية، وفي مقدمتها القدس الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومهد سيدنا المسيح عليه السلام.
نعم أيها الأشقاء الأعزاء، إن ما يجري على أرضنا، وما يتعرض له شعبنا، من التصعيد العسكري بما فيها استخدام الأسلحة المحرمة دولياً ضده مثل اليورانيوم المستنفد والغازات والقذائف المختلفة، وحصار المدن والمخيمات والقرى ومحاولة تجويع شعبنا وعدم دفع مستحقاته المالية والضريبية، وسرقة أرضنا من خلال التوسع الاستيطاني وتجريف مزروعاتنا وهدم وتدمير مصانعنا وطرقنا ومساكننا، وتقتيل وجرح أطفالنا وشبابنا ونسائنا، ولا يمكن أن يتم كل هذا بهذه الصورة، وعلى هذا النحو من القسوة والوحشية، لو لم يكن هنالك مخططات خطيرة وكثيرة ليست موجهة لشعبنا الصامد المؤمن بانتفاضته للأقصى المبارك، والذي قال عنهم رسولنا الكريم بأنهم في رباط إلى يوم الدين؛ وإنما موجهة إلى أمتنا العربية كلها وإلى عملية السلام في الشرق الأوسط. هذا تقرير من اللجنة الأمريكية الرسمية ومن اللجنة البولندية باستخدام اليورانيوم المستنفذ وسأرسلها لجلالتكم لتوزيعها.
ولا يساورني أي شك في أن قادة الأمة هم أول من يدرك ذلك، وأول من يعرف كيف يدعم الشعب الفلسطيني، وكيف يمنع ذلك الاستفراد الغادر به وبحياته ومقدراته، بل ويمنع العبث بالأمن والسلام والاستقرار بالشرق الأوسط.
فمنذ قمة القاهرة، وحتى اللحظة التي تنعقد فيها قمة عمان تضاعف عدد شهدائنا وجرحانا الأبطال وازداد عدد عمالنا العاطلين عن العمل، بما في ذلك منع صيادينا من الصيد في بحر غزة، واتسعت أعمال القمع الإسرائيلي قسوة وبطشاً ووحشية، وازدادت مساحات الدمار والفتك بلحمنا الحي بأطفالنا ونساءنا وزهرات شبابنا، وبمنازلنا، وأكواخ مخيماتنا، ومساجدنا وكنائسنا ومدارسنا، ومرافقنا، ومزارعنا، ولا أريد أن أصف ما يصيب كرامة مواطنينا على آلاف الحواجز العسكرية، ومن خلال جرائم المستوطنين المسلحين واعتداءاتهم على أبناء شعبنا الأعزل واستمرار النهب الاستيطاني تحت فوهات مدافع الدبابات المنتشرة حول كل قرية ومدينة في فلسطين. وما خطة المائة يوم التي أعلنها رئيس الأركان الإسرائيلي مؤخرًا والتي أدت إلى تقسيم الضفة والقطاع إلى أربعة وستين مربعاً عسكرياً، في إطار مخطط شامل لدخول مدننا ومناطقنا ولقتل قياداتنا وكوادرنا ولسحق عملية السلام، إلا أحد الأدلة على همجية الاحتلال، وتنكره التام لجميع الالتزامات والأعراف وأحكام القانون الدولي.
إن كل قرية وبلدة ومخيم ومدينة في وطننا أصبحت معزولة ومطوقة في إطار عملية العقوبات الجماعية والخنق الاقتصادي الذي لا يوجد له مثيل في عالم اليوم؛ وذلك كله يجري أمام سمع العالم وبصره.
وأمام هذا، يعود السؤال إلى فرض نفسه: ماذا نريد من القمة كفلسطينيين وكعرب، ماذا نريد؟ وهذه المأساة الفظيعة تطرق أبواب كل بيت عربي وهو يرى الشهداء والجرحى كل يوم هؤلاء الأكرمين منا جميعاً، والذين يعبرون عن ضمير الأمة وتصميمها على حقوقها وكرامتها.
إننا نريد الكثير من القمة، وهذا أملنا وحقنا، ونقول ذلك لأن الحكومة الإسرائيلية وجيشها لا تتورع عن نقض كل العهود والالتزامات، وتحاول أن ترى كيف يكون رد الفعل العربي والدولي تجاه سلوكها الهمجي ضد شعبنا وتجاه موقفها السياسي الذي يتنكر لأسس وقواعد عملية السلام. كما إن العالم، وبشكل خاص الولايات المتحدة، ينبغي أن يدرك من جديد أن الصراع في منطقتنا هو صراع مع احتلال توسعي إسرائيلي، احتلال يجسد العنف والإرهاب، وبأن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، هي في ذات الوقت حقوق عربية والتزام عربي، وشرط لا بد منه لتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وما ينطبق على فلسطين، ينطبق على الجولان وجميع الأراضي العربية التي بقيت تحت الاحتلال الإسرائيلي.
إننا نأمل أن ترسل قمتكم رسالة واضحة إلى إسرائيل أولاً، وإلى العالم بأسره ثانياً، بأنه لا يمكن بل ويستحيل الاستفراد بشعب فلسطين أو النزول بحقوقه إلى مستوى أقل وأدنى مما قررته الشرعية الدولية، وأن هذا الوضع يهدد الأمن والاستقرار إقليمياً ودولياً بسبب إصرار إسرائيل على سياسة العدوان والبطش والاحتلال. ومن هنا علينا العودة إلى ما تم الاتفاق عليه في شرم الشيخ لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 28/9، وإعادة الأمن والأوضاع لطبيعتها العادية لأمننا وأمنهم ولتنفيذ هذه الاتفاقات المتفق عليها بالرعاية الدولية في شرم الشيخ ومدريد وغيرها. كما إننا نأمل أن نجد السبل لتحقيق الدعم لصمود شعبنا وفق ما قررته قمة القاهرة وتصحيح أي خلل قد وقع، دون أن يضيق صدرنا بأن يكون أشقاؤنا معنا من الخطوة الأولى للدعم حتى الخطوة الأخيرة، فالدعم ليس مجرد تلبية للحاجات الأولية في ظل حصار وعقوبات جماعية تريد القضاء على جميع مقومات الحياة الإنسانية وتجويع شعب فلسطين بأسره، وإنما هي في الأساس تأكيد لشعبنا بأن أمته العظيمة ستظل سنده وعونه ولمتابعة الكفاح من أجل الحقوق العربية كلها، كما حددتها قرارات القمة العربية وقرارات الشرعية الدولية.
وبديهي أيها الأشقاء الأعزاء، أن نجد أفضل تعبيرات العزيمة الصادقة والإرادة الخيرة والموقف العربي الموحد، لمعالجة قضية العراق وشعب العراق الشقيق على قاعدة إنهاء الحصار، واحترام سيادة واستقلال دول المنطقة جميعاً.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
لا يجب أن يخطئ أي منا في تقدير نهج وخط الحكومة الإسرائيلية الجديدة. حيث أننا لا نرى حتى الآن غير مزيد من تشديد الحصار والتطويق الشامل ومزيد من أعمال القتل والتنكيل، ومزيد من القرارات الاستيطانية في القدس الشريف وفي سائر أرجاء الوطن الفلسطيني، ومزيد من التحريض ضد الفلسطينيين، والعرب، ومزيد من محاولات فرض الرؤى الأنانية القاصرة وغير المتوازنة على الإدارة الأمريكية الجديدة، لمحاولة تحديد سياستها الشرق أوسطية، وفق المواصفات الإسرائيلية والأهداف الخاصة لحكومة شارون. هذا ما نراه، ومن يرى أمراً غير ذلك فليأتنا به.
وهنا، أرى لزاماً علي أن أقدم لقادة الأمة وبكل الوضوح والتحديد موقفنا من مسألة الإرهاب والعنف، وهذان الأمران هما البضاعة المفضلة لدى البعض للمتاجرة بهما، وكذلك موقفنا بشأن السلام والمفاوضات. إننا، ودون التفات للأغراض المريبة والتصريحات التحريضية على هذا الصعيد، نعيد تأكيد موقفنا المبدئي والفعلي، الرافض على نحو مطلق، للإرهاب بكافة مظاهره، إرهاب الأفراد وإرهاب الدولة، وعلى المجتمع الدولي أن يعيد قراءة الممارسات الإسرائيلية ضد شعبنا الفلسطيني بكافة أشكاله العسكرية والمعيشية والاستيطانية والاقتصادية وحتى الاعتداءات المتكررة ضد مقدساتنا الإسلامية والمسيحية. وأن يدقق في أمر القرارات الدولية التي صدرت وأدانت إسرائيل في حربها الشرسة والمستمرة ضد الشعب الفلسطيني، ومنها قرارات مجلس الأمن، ولجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، والعديد من المؤسسات والهيئات الدولية المستقلة وغير الحكومية. إننا ضحايا الإرهاب الذي يشكل الاحتلال أبرز أشكاله، وبداهة أن نكون أكثر الرافضين له.
أما فيما يتعلق بالعنف فهنا لا بد من وضع النقاط على الحروف، وبداية، فإننا بدأنا العمل والتزمنا باتفاقيات ومؤتمرات السلام، سلام الشجعان ولا زال شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية ملتزم بهذا السلام، ولا جدال في أن الاستيطان وسرقة الأرض والإصرار على محاولة تهويد القدس هي أعلى وأخطر أشكال العنف، كما إن وجود معظم وحدات الجيش الإسرائيلي، بدباباته، ومدافعه وآلاف جنوده، وأسلحته المحرمة دولياً، وإطلاق يد المستوطنين والجنود، لضرب الفلسطينيين واحتلال وسلب أرضهم واستخدام الطائرات لتدمير بنيتنا التحتية ولاغتيال قياداتنا وكوادرنا، هو أعلى درجات العنف، وأشدها تأثيراً خاصة حين تترافق مع حصار وإغلاق شامل يشكل أسوأ أنواع العنف والعقوبات الجماعية المحرمة دولياً.
ورغم ذلك، فإننا على جاهزية منذ الآن، للعمل وبشكل مشترك وبمشاركة دولية وعربية لمواجهة هذا العنف أياً كان مصدره من خلال العودة الفورية إلى مائدة المفاوضات ومن خلال التنفيذ الدقيق لبنود الاتفاقات الموقعة وآخرها شرم الشيخ، والتي كانت حصيلة حضور وجهد أمريكي - مصري - أردني – أوروبي ودولي مشترك.
لقد وافقت إسرائيل على بنود “شرم الشيخ”، ولا نرى ما يمنع من العمل الفوري لتنفيذها على الأرض. كذلك فإن بيننا وبين الإسرائيليين اتفاقات أبرمت وجزء منها لم ينفذ، وقضايا كثيرة حُسمت تفاوضياً وتنتظر التنفيذ وهي اتفاقيات تحمل توقيع الدول الراعية لعلمية السلام وعدد من الدول الصديقة والشقيقة. أما فيما يخص مفاوضات الوضع الدائم فقد كان الدخول المباشر إليها وفق ما نصت عليه الاتفاقيات، وبحيث تشمل جميع القضايا وفي مقدمتها “القدس الشريف”، و”اللاجئين”، و”المستوطنات”، و”الحدود”، و”المياه” وغيرها وبشكل متكامل ومترابط مع بعضه البعض. وقد دارت هذه المفاوضات بكثافة ووقعت إحدى أهم محطاتها في “كامب ديفيد”، ثم استمرت بعدها حتى مفاوضات “طابا”، ولم تكتمل لأسباب تتعلق بإسرائيل ومحاولاتها للخروج عن قرارات الشرعية الدولية ومرجعية عملية السلام. إن من يريد السلام حقاً، يجب ألا يطرح فكرة العودة للبدء من الصفر، كما لا يحق له تجاوز الاتفاقات والمرجعيات، ليضيع وقتاً وجهداً في إيجاد اتفاقات جديدة ومرجعيات مزعومة جديدة، هذا إن لم يكن هدفه أصلاً إضاعة الوقت والجهد لاستبدال أمل السلام بكابوس الحرب واستمرار الاحتلال، واستبدال فرص الاستقرار بفرص الاستيطان وإلغاء حقوق الغير.
إننا نؤكد ثقتنا بقرارات قادة أمتنا العربية، وتوجهاتهم القومية المسؤولة والعقلانية والعملية، ودون هذا التوجه والالتزام ما كنا لنرى هذا الحضور الفعال لقضيتنا على كافة الصعد وما كنا لنلمس حرارة الدعم الفعال لمطلبنا العادل بتوفير الحماية الدولية لشعبنا لدى الغالبية العظمى من المجتمع الدولي، إن الحماية الدولية لهي حق مشروع من حقوق شعبنا مثلما حدث في كثير من الأماكن المشابهة لوضعنا، وإلى أن يتحقق لشعبنا حقه الأساسي، في العودة والاستقلال وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، هذا هو موقفنا، وهذه هي رؤيتنا للحاضر والمستقبل فلسطينياً وعربياً وعلى كل الصعد. رؤية تستند إلى قرارنا الجماعي، باعتماد خيار السلام الدائم والعادل والشامل، كخيار استراتيجي، خيار يلبي الحقوق ويوفر الأمن والاستقرار لجميع شعوب المنطقة ودولها وعلى كافة المسارات العربية، ويوفر عوامل ثبات ورسوخ للاستقرار الإقليمي والدولي المنشود،
إننا وبكل المسؤولية، وبكل الوضوح، سنواصل صمودنا الشعبي بكافة الوسائل المشروعة والمقرة دولياً. نعم، هذه هي رؤيتنا، وهذه هي سياستنا وهذا هو التزامنا، وفاءً منا لحقوقنا ومقدساتنا وفاءً لشهدائنا جميعاً، ووفاءً لكرامة وشرف وتراث أمتنا العربية المجيدة.
لقد جئت إليكم يا إخوتي من أكناف بيت المقدس بمقدساته الإسلامية والمسيحية، ويسعدني ان يكون معنا ممثلين عن بطاركة وشيوخ القدس في هذا الاجتماع وهذا المؤتمر والذي ينزف دماً، ومن خليل الرحمن الذي يمزقه الاستيطان، ومن غزة هاشم التي تصمد في وجه الحصار والإرهاب، ومن بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور الدامية، ومن كل قرية ومدينة فلسطينية ترفع صوتها بالتكبير والتهليل إجلالاً للشهداء وتمسكاً بالحقوق والمقدسات. فسلامهم وسلامي عليكم جميعاً يا إخوتنا يا قادتنا يا عزتنا وعزوتنا وسند صمودنا.
بسم الله الرحمن الرحيم
“إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد”
“وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تـتبـيرا”
صدق الله العظيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلمة الرئيس ياسر عرفات أمام منتدى فورمنتور للحوار الأورومتوسطي 3/11/ 2001
صاحب السيادة الصديق العزيز خوسيه ماريا أزنار، رئيس الوزراء،
فخامة الأخ الرئيس محمد حسني مبارك،
معالي السيد شيمون بيريس،
السيد رئيس المؤتمر،
السيدات والسادة الحضور،
أشكركم جزيل الشكر على دعوتكم الكريمة للمشاركة في أعمال هذا المؤتمر الهام، وتبادل الآراء والخبرات النافعة، خدمة لشعوبنا، وتعزيزاً لعلاقاتنا التاريخية في مجالات الحياة المختلفة.
واسمحوا لي أن أغتنم هذه الفرصة الطيبة، لأنقل لكم بكل أمانة ومسؤولية صورة الوضع المأساوي في وطننا فلسطين، وفي منطقة الشرق الأوسط جراء العجز الدولي والإقليمي على مدى عقود طويلة في تطبيق قرارات الشرعية الدولية في فلسطين بيننا- فلسطينيين وعرباً - وبين جيراننا الإسرائيليين، الذين يحرصون على أمنهم كما نحرص على حقوقنا الوطنية.
السيد رئيس المؤتمر،
إن أربعة عشر شهراً قد مضت اليوم على هذا التصعيد العسكري الإسرائيلي علينا، وعلى شعبنا ومدننا ومخيماتنا وقرانا، وسقط الآلاف من الضحايا والجرحى من شعبنا، وأصاب الدمار والخراب منشآتنا واقتصادنا، نتيجة هذا التصعيد على الأرض والمدن والمقدسات المسيحية والإسلامية، والمدنيين الأبرياء في الجانبين، وتوقفت عجلة الاقتصاد، ولم تدفع وحجزت الحكومة الإسرائيلية مئات الملايين من الدولارات الخاصة بضرائبنا، والنتائج الخطيرة مالياً علينا نتيجة ذلك، حيث عم الفقر، وانتشرت البطالة، ودمرت الطائرات والدبابات الإسرائيلية جسور الثقة بين الشعبين الجارين الإسرائيلي والفلسطيني، والمحكوم عليهما بالعيش معاً في هذه الأرض المقدسة كما قررت الشرعية الدولية قبل أكثر من خمسين عاماً بقرارها 181 الذي قسم فلسطين إلى دولتين: (دولة إسرائيل، ودولة فلسطين)، وكما اتفقنا على ذلك في اتفاق أوسلو بعد مؤتمر مدريد للسلام، وقرارات الشرعية الدولية.
وبعد كل هذه السنوات الطويلة من الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي لوطننا فلسطين، وسيطرة منطق القوة، لا منطق العدالة، والزج بقضيتنا العادلة في أتون الحرب الباردة، لإبعادها عن طاولة الحل والمفاوضات- لا مناص من الاعتراف والتأكيد على مبدأ “الأرض مقابل السلام”، وتطبيق قرارات الشرعية الدولية 242و 338 و425 و194 الخاص بقضية اللاجئين الفلسطينيين، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، لتعيش في أمن وسلام مع جيراننا إلى جانب دولة إسرائيل- إنما يشكل الضمانة الحقيقية والوحيدة، التي تحقق الأمن للإسرائيليين، والعدالة والحقوق للفلسطينيين والعرب، ومن أجل أطفالنا وأطفالهم.
ولا يسعني هنا إلا أن أُحيّي إسبانيا الصديقة، التي احتضنت مؤتمر مدريد للسلام قبل عشر سنوات، الذي قرر هذه المبادئ لإيجاد حل عادل ودائم لكل قضايا الصراع في الشرق الأوسط.
السيد رئيس المؤتمر،
قبل أيام كانت ذكرى رحيل شريكي في عملية سلام الشجعان (يتسحاق رابين)، وإنني بهذه المناسبة، أجدد التأكيد على استمرار سعينا للتوصل إلى سلام الشجعان، لمصلحة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي؛ لأن الشعب الفلسطيني الذي تعرض لظلم تاريخي لا مثيل له، يتوق إلى السلام والأمن والحرية والاستقلال الوطني، ويوم انعقد مؤتمر مدريد رفع شعبنا أغصان الزيتون، إلا أن وعد السلام لم يتحقق؛ فالاحتلال الإسرائيلي لم يغادر أرضنا، والاستيطان الإسرائيلي تضاعف مرات ومرات ونحن والحكومة الإسرائيلية في ذروة المفاوضات، من أجل السلام والأمن؛ فماذا يعني السلام إذا ظل الاحتلال جاثماً فوق أرضنا؟ وماذا يعني الأمن إذا بقي الاستيطان الإسرائيلي زاحفاً كالسرطان، يصادر أرضنا، ويبني فوقها المستوطنات، وإذا استمر التصعيد العسكري ضد شعبنا وجماهيرنا ومناطقنا؟
ورغم هذه المأساة الأليمة، فإن شعبنا الفلسطيني قد اختار السلام والمفاوضات كخيار استراتيجي، وأعلن اعترافه بدولة إسرائيل، وبحق الإسرائيليين في الأمن والسلام والتعايش المشترك، وهذه يدنا ممدودة منذ زمن بعيد للحكومة الإسرائيلية للجلوس على طاولة المفاوضات، وبرعاية ومشاركة دولية كاملة وفاعلة وحاسمة لإنجاز عملية السلام وإنهاء الاحتلال والاستيطان والانسحاب الإسرائيلي الكامل والناجز من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية.
أنا أعرف أن المجتمع الإسرائيلي، وبمناسبة ذكرى رحيل شريكي رابين سيعقد هذه الليلة تجمعاً؛ ومن هنا أتوجه لهم جميعاً لأؤكد على التزامي التام بسلام الشجعان الذي بدأته مع شريكي الراحل رابين، وشريكي بيريس، السلام الذي يضمن الحرية والاستقرار والأمن للإسرائيليين والفلسطينيين، ولكافة شعوب المنطقة، سلام الشجعان، السلام العادل والشامل والدائم، ولإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشريف، وهذا ما يجب أن نعمل من أجله لأطفالنا وأطفالهم؛ ومن هنا فإني أدعـو الحكومة الإسرائيلية إلى استئناف مفاوضات الوضع النهائي، ولتنفيذ قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة.
وإني أُعلن أمامكم استعدادنا الكامل للدخول في مفاوضات جادة مع الحكومة الإسرائيلية منذ هذه الساعة في ظل الرعاية الدولية الكاملة، وأدعو الحكومة الإسرائيلية إلى القبول بالمراقبين الدوليين المحايدين لتثبيت وقف إطلاق النار الذي توصلنا إليه مع السيد بيريس وزير الخارجية الإسرائيلي الذي نكن له كل الاحترام والتقدير، ونثمن له جهوده المتواصلة لإنقاذ عملية السلام.
كما أدعو الحكومة الإسرائيلية إلى سحب قواتها ودباباتها من مناطق السيادة الفلسطينية؛ حيث انسحبت من مدينتي بيت لحم وبيت جالا، ولم تنسحب من بقية المدن والبلدات الأخرى؛ ورفع الحصار والإغلاق المفروض على مناطقنا منذ أربعة عشر شهراً. وأدعوها كذلك إلى التوقف الكامل عن سياسة الاغتيالات المدمرة للأمن والاستقرار.
وأؤكد هنا استعدادنا الكامل للتعاون والتنسيق الأمني، لتطبيق تفاهمات تنيت وتقرير ميتشل وتوصياته التي تشكل الأرضية الصالحة لمفاوضات الوضع النهائي وتحقيق السلام والأمن بين الدولتين والشعبين، والسير معاً ضمن هذه الجهود الدولية الأمريكية والروسية والأوروبية "وعدم الانحياز" والإخوة العرب والأمم المتحدة، والتي نشكرهم عليها من أعماق قلوبنا، حتى نتمكن سوياً من حماية عملية السلام وتنفيذ الاتفاقات الموقعة وقرارات الشرعية الدولية، وكذلك تفاهمات جورج تينت وتقرير ميتشل.
السيد رئيس المؤتمر،
لقد اهتز العالم كله نتيجة العمليات الإرهابية المروعة التي ضربت نيويورك وواشنطن وأوقعت هذا العدد الكبير من الضحايا في صفوف المدنيين، وقد أعلنتُ بعد دقائق من وقوع هذه الجريمة الإرهابية إدانتنا القاطعة لها، وعبرت عن أصدق التعازي للشعب الأمريكي وللرئيس جورج بوش، واليوم أعلن مجدداً وقوفنا المبدئي والحازم في وجه كل أشكال الإرهاب، سواء قام به فرد أو جماعة أو دولة، واستعدادنا للعمل المشترك في إطار الأمم المتحدة لحماية النظام الدولي من خطر الإرهاب الأعمى الذي يهدد البشرية بأسرها. وقد عبرت الدول والشعوب العربية والإسلامية عن إدانتها لهذا الإرهاب أسوة بكل الدول والشعوب في الأسرة الدولية الواحدة.
واسمحوا لي هنا أن أؤكد أن نجاح المعركة ضد هذا الإرهاب المدمر لا بد لها من التسلح بالشرعية الدولية ووضع حدٍ نهائي للظلم التاريخي الذي أصاب الشعب الفلسطيني ووطنه ومقدساته المسيحية والإسلامية، وخاصة القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك، ومسرى نبينا محمد عليه السلا، ومهد سيدنا المسيح عليه السلام؛ وإن ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين في السياسة العامة تجاه فلسطين على مدى عقود قد أفقد شعبنا الكثير من حقوقه السياسية وحقه في العيش بحرية وكرامة فوق أرضه أسوةً بباقي الشعوب في العالم.
وأعبر هنا عن ترحيبي وتفاؤلي بما صدر من مواقف وتصريحات من الرئيس بوش والسيد توني بلير والاتحاد الأوروبي ومؤتمر الـ G8 ودول عدم الانحياز والصين واليابان والدول الإسلامية والعربية والدول الصديقة والأمم المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف؛ لما لهذه المواقف الهامة من أثر حاسم على استعادة الثقة والمصداقية للهيئات الدولية، والقوى الدولية صانعة القرار الدولي.
واسمحوا لي أن أُحيّي إسبانيا الصديقة ودول الاتحاد الأوروبي والمجموعات الدولية المختلفة التي تدعم اليوم بقوة الجهود المخلصة والصادقة لتحقيق العدالة والأمن والسلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، باعتبارها الضمانة الراسخة لسلام دائم وعادل في هذه المنطقة الاستراتيجية والحيوية والهامة للعالم بأسره، وليعيش أطفالنا وأطفالهم في ظل الأمن والسلام والاستقرار والجوار الطيب.
أشكركم على حُسن استماعكم
وأتمنى لهذا المؤتمر التوفيق والنجاح
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلمة الرئيس ياسر عرفات إلى الشعب الفلسطيني والعالم لمناسبة الذكرى الـ 38 لانطلاقة الثورة والعام الجديد 1 كانون الثاني 2003
بسم الله الرحمن الرحيم
“إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً* وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً”
صدق الله العظيم
أخواتي إخواني يا جماهير شعبنا المجاهد المرابط في الوطن وفي الشتات إن يوم العزة والكرامة يوم الأول من يناير سنة 1965 يوم نفض فيه طائر الفينيق الفلسطيني رماد الكارثة والنكبة ليحلق عالياً في سماء الوطن فلسطين معلناً للعالم أجمع أن فلسطين أرضنا المقدسة ووطننا المبارك، وإذ يمجد شعبنا الفلسطيني في الأول من يناير من كل عام يوم عيدنا الوطني الفلسطيني ويومَ احتفالات شعبنا وشعوب العالم بالعام الميلادي الجديد، وبهذه المناسبة الوطنية والقومية والعالمية أتوجه بالتهنئة إلى شعبنا الفلسطيني في الوطن والشتات ولأبطاله في المعتقلات والزنازين الإسرائيلية ولجرحانا المناضلين على أسرة الشفاء وللأكرمين منا شهداء الوطن والمسيرة ولإخوتنا العرب وللأحرار والشرفاء في العالم، وأقول لهم جميعاً: بأن مسيرة شعبنا في انطلاقته النضالية في الأول من يناير عام 65 قد أنهت وإلى الأبد محاولات التغييب القسري لشعبنا عن مسرح التاريخ والحياة، وشعبنا اليوم هو الرقم الصعب في معادلة السلام والأمن والاستقرار في عموم منطقة الشرق الأوسط، فلا أمن ولا سلام ولا استقرار إلا بإنهاء الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي لأرضنا الفلسطينية ومقدساتنا وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف التي تشكل بحق الضمانة الأكيدة والراسخة للأمن والسلام على المستويين الإقليمي والدولي.
كما أتوجه بتحية الإجلال إلى أرواح شهدائنا وإلى جرحانا الأبطال الذين يتساقطون للدفاع عن أرضنا، أرض الرباط المباركة، ولحماية مقدساتنا المسيحية والإسلامية في مواجهة هذا العنف والتصعيد العسكري الإسرائيلي الغاشم ضد جماهيرنا ومقدساتنا في الأرض المقدسة والمباركة، أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، مسرى نبينا محمد صلوات الله عليه، ومهد ورفعة سيدنا المسيح عليه السلام، وهم في جهادهم وفي رباطهم إلى يوم الدين.
وإني أدعو الله أن يتحقق الأمن والسلام في هذا العام الميلادي الجديد في هذه الأرض المباركة المقدسة على أساس قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات ومبدأ “الأرض مقابل السلام” والمبادرة العربية السعودية لسمو ولي العهد الأمير عبد الله التي تبنتها القمة العربية ببيروت بقيام السلام العادل والشامل والدائم وبالانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي الفلسطينية والعربية والحل العادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفق القرار الدولي 194، ومن أجل أطفالنا وأطفالهم ونرجو أن تسرع اللجنة الرباعية لإرسال مراقبين فاعلين للتنفيذ وللإشراف على حماية عملية السلام على هذه الأرض المقدسة لكل المؤمنين في العالم ولكل الأحرار والشرفاء على الأرض.
وفي هذا العام الجديد فإنني أتوجه إلى الأسرة الدولية من أجل أن يشهد هذا العام الميلادي الجديد انفراجاً على المستوى الدولي والإقليمي، واعتماد الوسائل السياسية والسلمية والمفاوضات المباشرة طريقاً لحل كافة القضايا والنزاعات الدولية، وإن شبح الحرب الذي يخيم على الشرق الأوسط، يشكل اليوم الفرصة السانحة لحكومة إسرائيل وجيش احتلالها لمواصلة حربها الاستعمارية المدمرة ضد شعبنا الفلسطيني ومقدساتنا المسيحية والإسلامية في القدس وبيت لحم والخليل وجنينجراد ورفح جراد ونابلس وطولكرم وقلقيلية وعابود ورام الله وقطاع غزة من شماله لجنوبه وكذلك المستوطنين والبشاعة والقساوة والطغيان لجيش الاحتلال والقتل والاغتيال والتنكيل لجماهيرنا والتدمير المتعمد لمؤسساتنا وبنيتنا التحتية ومصانعنا ومزارعنا لإدامة الاحتلال والاستيطان، هذا الاستيطان السرطاني المتزايد لأرضنا الفلسطينية ومصادرة 83000 دونم من أخصب مناطقنا الزراعية في طولكرم وقلقيلية وغرب جنين للسور الواقي بجانب حائط برلين حول القدس الشريف ومنع من هم أقل من 50 سنة من دخولها حتى للصلاة في المقدسات المسيحية والإسلامية لكنيسة القيامة والحرم الشريف وكذلك تدمير آبار المياه في كثير من المناطق والتجريف المستمر لأراضينا الزراعية والدفيئات الزراعية وحظائر المواشي وكذلك اقتلاع أكثر من 55% من أشجار الزيتون وغيرها من الأشجار الأخرى وحتى منع الصيادين من الصيد في بحر غزة وإنها خطة خطيرة ضد شعبنا لمصادرة رزقه واقتصاده، ولمنع شعبنا من استعادة أرضه وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وإني في يوم العيد الوطني الفلسطيني والعام الميلادي الجديد أقول بكل وضوح: بأن الشعب الفلسطيني يتطلع إلى قيام السلام العادل والدائم والشامل – سلام الشجعان الذي وقعناه مع شريكنا الراحل يتسحاق رابين على أساس قيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف إلى جانب دولة إسرائيل.
ولقد وقعت مع شريكي الراحل إسحاق رابين وثائق الاعتراف المتبادل والسلام الدائم، ولكن السلام شيء والاستسلام شيء آخر، وكيف يمكن أن يتحقق السلام والأمن والاحتلال والتصعيد العسكري الغاشم مستمر ومتصاعد ضد شعبنا ومقدساتنا، والاستيطان السرطاني الزاحف يومياً على أرضنا بالجبروت وبالقوة والمصادرة، ومقدساتنا المسيحية والإسلامية تُدمر وتُخرب وتحيطها الأطواق الاستيطانية والأمنية بهدف تهويدها وطمس معالمها الدينية والحضارية والتاريخية؟ إن السلام لا يقوم إلاّ بوقف محاولات التهرب من الاعتراف بحقنا المشروع لإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وللعيش معاً في أمن وسلام في هذه الأرض المقدسة طبقاً لمؤتمر مدريد، واتفاقية “أوسلو” و"الواي ريفر” و”كامب ديفيد” و”شرم الشيخ” و"باريس" و”طابا” واللجنة الرباعية وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن.
لقد مددنا أيدينا ونمدها اليوم من أجل السلام لأننا نحترم ما نوقع عليه، رغم الجراح النازفة ورغم القتل والحصار والاعتقال والتدمير الشامل لشعبنا وأرضنا ومصانعنا ومزارعنا وبنيتنا التحتية، وأقول للشعب الإسرائيلي ولقوى السلام فيه: بأن الشعب الفلسطيني يريد تحقيق السلام العادل والدائم والأمن لنا ولكم، ولكن السلام مستحيل في ظل الاستيطان الزاحف على أرضنا، والأمن كذلك مستحيل في ظل استمرار الاحتلال التعسفي لأرضنا من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي وتصعيداته العسكرية الغاشمة على شعبنا وأرضنا ومقدساتنا والمستوطنين المسلحين واعتداءاتهم على جماهيرنا وقرانا ومخيماتنا.
إن حكومة إسرائيل قد أصرت على تدمير كل الاتفاقات ونسفت كل الجسور وألغت كافة الترتيبات الأمنية بيننا بل دمرت أجهزتنا الأمنية واهمة بأن هذا القتل والتدمير والحصار والاغتيالات ستجبر شعبنا على الاستسلام لإرادة المحتلين والمستوطنين الذين يسرقون أرضنا ويعتدون على مقدساتنا، وبعد أكثر من عامين (27 شهرًا) من هذه الحرب التدميرية والاستعمارية والتي وصل عدد شهدائنا وجرحانا إلى أكثر من 69000 شهيد وجريح أقول للإسرائيليين جميعاً: بأن قهر إرادة الشعب الفلسطيني هي المستحيل بعينه ولا يمكن للسلام أن يتحقق وللأمن أن يدوم إلا بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من أرضنا الفلسطينية والعربية وأقامه دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف طبقاً لقرارات الشرعية الدولية والاتفاقات والمبادرات والحفاظ على سلام الشجعان الذي وقعناه مع شريكنا الراحل يتسحاق رابين الذي دفع حياته ثمناً لهذا السلام من بعض العناصر المتطرفة التي لا تريد السلام ولا الأمن ولا الاستقرار.
وإنني أتوجه إلى شعبنا الفلسطيني الصامد الصابر المرابط وأقول للجميع: بأننا ضد أي أعمال عنف ضد المدنيين الإسرائيليين وضد المدنيين الفلسطينيين، على الرغم من الجرائم الوحشية والبشعة التي يرتكبها جيش الاحتلال والمستوطنون يومياً ضد المدنيين الفلسطينيين؛ ولهذا قلت وأقول: بأننا ومنذ البداية ضد استهداف المدنيين سواء كانوا إسرائيليين أو فلسطينيين ونحن نناضل من أجل حريتنا واستعادة أرضنا المحتلة وإقامة دولتنا المستقلة طبقاً لقرارات الشرعية الدولية وانطلاقاً من مبادئنا وأخلاقنا وقيمنا الوطنية والدينية والإنسانية والنضالية بالرغم من هذه الحرب التدميرية المتصاعدة التي تشنها حكومة الاحتلال الإسرائيلي ضد شعبنا ومقدساتنا وضد بنيتنا التحتية واقتصادنا بما فيها حجز أموالنا الضرائبية منذ أكثر من 28 شهراً حتى الآن.
وإني هنا أتوجه بالتحية الصادقة إلى الرئيس المبارك حسني مبارك رئيس جمهورية مصر العربية وإلى شعب مصر الشقيقة وحكومتها وكذلك لهذا الجهد السعودي الشقيق لدفع الحوار الوطني الفلسطيني بين كافة القوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية بهدف التوصل إلى وثيقة العمل الوطني الموحد والتي تحدد أهداف شعبنا والوسائل الكفيلة بإنجاز استقلالنا الوطني وإقامة دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وإيجاد الحل العادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين طبقاً للشرعية الدولية.
كما أتوجه إلى اللجنة الرباعية التي تمثل الإرادة الدولية لضرورة اعتماد خريطة الطريق بما يتفق وقرارات الشرعية الدولية لتحقيق الانسحاب الإسرائيلي والاستيطان من أرضنا الفلسطينية والعربية وتحقيق الأمن والسلام لدول وشعوب منطقه الشرق الأوسط بما فيها شعبنا ودولته الفلسطينية المستقلة.
كما أؤكد على ترحيبنا بدعوة اللجنة الرباعية لوقف إطلاق النار بين الجانبين وفي كافة المناطق وأدعو اللجنة الرباعية إلى مباشرة مهامها ودورها، وكذلك اليابان ودول عدم الانحياز والدول الإسلامية والآسيوية والإفريقية واللاتينية إلى الأحرار والشرفاء في العالم، ولأهمية إرسال المراقبين الدوليين منهم بأسرع ما يمكن لاتخاذ الترتيبات والإجراءات الكفيلة بوقف العدوان على شعبنا في أرضنا المقدسة والانسحاب الفوري من أراضينا.
وفي هذا العام الميلادي الجديد الذي نأمل أن نحقق فيه السلام العادل والدائم في المنطقة كلها بما فيها أرض العراق الشقيق.
ولابد لي هنا أن أتطرق لموضوع الإصلاح والديمقراطية الفلسطينية لأؤكد أن خيار الديمقراطية هو خيار أصيل لدى شعبنا، فالسلطة الوطنية الفلسطينية قامت بعدة إجراءات للانتخابات العامة النيابية والرئاسية والمحلية والبلدية بما فيها ممارسة لجنة الانتخابات المركزية أعمالها برئاسة الأخ د. حنا ناصر، وإن حكومة إسرائيل بإعادة احتلالها لأرضنا وحصارها الخانق وضرب أجهزتنا الأمنية إنما ترمي إلى تعطيل إجراء الانتخابات العامة التشريعية والرئاسية والبلدية والمحلية في موعدها المقرر في 20 يناير 2003، والقيادة تواصل الاتصالات الدولية وكذلك دراسة توصية لجنه الانتخابات المركزية حول أفضل السبل لإجراء هذه الانتخابات فور انتهاء الاحتلال وانسحاب القوات الإسرائيلية إلى مواقعها في 28 أيلول 2000.
إن القيادة ومعها كل الشعب الفلسطيني عاقدة العزم على استكمال الحياة الديمقراطية والبرلمانية على أساس مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث: التنفيذية، والتشريعية، والقضائية؛ وقيام حكومة برلمانية أسوة بكل الحكومات الديمقراطية في العالم.
وكذلك دعوة لجنة صياغة الدستور لدولة فلسطين لإنجاز عملها لإعداد دستورنا الديمقراطي بالتعاون مع الخبراء العرب، وخاصة في الجامعة العربية والخبراء المصريين والعرب والأصدقاء والدعوة العاجلة للمجلس المركزي لذلك طبقاً لقرار المجلس الوطني الفلسطيني لبحث الدستور المقدم من اللجنة، كما وندعو اللجنة الرباعية إلى تحمل مسؤولياتها لتمكين شعبنا من ممارسة حياته الديمقراطية بعيداً عن الاحتلال ودباباته، فلا يمكن أن تكون هناك حرية وديموقراطية في ظل جيش الاحتلال الإسرائيلي وما يقوم به من تصعيد لحملته العسكرية (خطة الدفاع الهجومي) وممارسة الضغط على جماهيرنا بكل الوسائل العسكرية والاستيطانية والاقتصادية والحصار والتدمير والاعتقالات والاغتيالات.
وإنني هنا أدعو مجلس الأمن الدولي واللجنة الرباعية إلى العمل على سرعة إرسال المراقبين الدوليين للأراضي الفلسطينية لوقف حمام الدم الذي يرتكبه جيش الاحتلال ومستوطنوه ضد شعبنا، ومن اجل وضع الترتيبات الأمنية للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لتنفيذ الاتفاقيات وقرارات الشرعية الدولية وخطاب الرئيس بوش لإقامة الدولة الفلسطينية وتقرير ميتشل وتفاهمات جورج تينت وخطة الطريق المعدلة على أساس المبادرة السعودية التي تبنتها القمة العربية في بيروت، ونحن نرحب بكل العون والمساعدات والجهود العربية والدولية الخيرة التي تبذل حاليا لتحريك عملية السلام بيننا وبين الإسرائيليين، وفي هذا المجال نرحب بدعوة السيد طوني بلير لمؤتمر لندن الذي سيبحث ترسيخ عملية السلام وتعزيز الديمقراطية الفلسطينية، ونعتبر هذا المؤتمر خطوه هامة في الاتجاه الصحيح.
تحيه لشعبنا الفلسطيني الصامد المناضل شعب الجبارين في يوم عيده الوطني والذين هم في رباط إلى يوم الدين وتحية وتهنئه لكل شعوب العالم بالعام الميلادي الجديد الذي نأمل أن يكون عام السلام العادل بيننا وبين جيراننا الإسرائيليين وعام العمل لإبعاد شبح الحرب عن الشرق الأوسط، ولإقامة السلام العادل والدائم والشامل في المنطقة كله.
"إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ"
"وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً" "إن الله لا يخلف وعده" صدق الله العظيم وأقول ختاماً: كل عام وأنتم بخير "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة"