كلمة الرئيس ياسر عرفات في الجلسة الافتتاحية للقمة الإسلامية 12 تشرين الثاني 2000
بسم الله الرحمن الرحيم
"سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى
الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير"
صدق الله العظيم
صاحب السمو الأخ الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
أصحاب المعالي والسعادة،
السيد كوفي عنان،
فخامة الرئيس نامبو أمبيكي،
السيد عز الدين العراقي،
السيد عصمت عبد المجيد،
السيد سالم أحمد سالم،
أصحاب السيادة ممثلي الكنائس المسيحية في القدس الشريف الذين جاؤوا معنا،
جئت اليوم إليكم من أرض فلسطين المباركة، أرض الإسراء والمعراج، مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومهد سيدنا المسيح عليه السلام، لأنقل لكم جميعاً، باسم الشعب الفلسطيني، الصامد المرابط في أرض الرباط، والقابض على الجمر- تحياته الوجدانية ودعواته الصادقة إلى الله عز وجل بأن يكلل أعمال قمتنا هذه، والتي يعوِّلُ عليها شعبنا مع الشعوب الإسلامية كلها، ويأمل لها كل التوفيق والنجاح، لما فيه خير أمتنا، وخدمة مسيرة شعوبها نحو التقدم والازدهار وتحرير المقدسات.
واسمحوا لي بهذه المناسبة الهامة، أن أتوجه بالشكر العميق لأخي صاحب السمو، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، على احتضانه لهذه القمة التاسعة لأمتنا الإسلامية؛ وأُهنئه على رئاستها، راجياً لسموه كل التوفيق لخدمة الأهداف العليا لأمتنا، والدفاع عن حقوقها وقضاياها العادلة.
كما أتوجه بشكري الجزيل، لفخامة الأخ الرئيس محمد خاتمي، لإدارته وقيادته للقمة الثامنة، التي عقدت في جمهورية إيران الإسلامية الشقيقة، ولجهوده المخلصة في خدمة المصالح المشتركة لأمتنا.
يأتي انعقاد هذه القمة الإسلامية التاسعة في ظل تعرض شعبنا الفلسطيني لحرب عدوانية غاشمة ومجازر دموية متواصلة تنفذها حكومة إسرائيل وجيشها المحتل وقطعان المستوطنين المسلحين ضد أبنائنا العزل من أطفال وشباب ونساء وشيوخ، لإرهابهم وإخضاعهم، ولإسكات صرختهم العالية والعادلة -دفاعاً عن مقدساتنا المسيحية والإسلامية طبقاً للعهدة العمرية- بأن لا لاستمرار الاحتلال بكافة أشكاله لأرضنا ومقدساتنا، ولا لتهويد القدس الشريف أو محاولة تدنيس مقدساتنا الإسلامية والمسيحية.
وكما تعلمون، فلقد جاءت هذه الحرب العدوانية الإسرائيلية، ضمن خطة أعدت مسبقاً، وكشفت عنها مؤخراً تصريحات القادة السياسيين وجنرالات الحرب الإسرائيليين، والتي أسموها بخطة "حقل الأشواك" والتي شُرع في تنفيذها بعد تمسكنا القوي والثابت في مفاوضات كامب ديفيد الثانية، بحقوق شعبنا في أرضه، ومقدساته، والقدس الشريف، ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، ورفضنا المطلق، للأفكار والحلول التي اقترحتها إسرائيل في تلك المفاوضات، والتي تمس مباشرة مقدساتنا وحقوقنا الوطنية المشروعة؛ كما إن إسرائيل لجأت لهذه الحرب، تهرباً من تنفيذ ما عليها من استحقاقات والتزامات في الاتفاقات التي تم توقيعها، وآخرها اتفاق شرم الشيخ في 4/9/1999م في مصر. ولم تكتف حكومة إسرائيل بكل ذلك، بل سمحت لشارون، باقتحام حرمة الحرم القدسي الشريف، والمسجد الأقصى المبارك، بحماية الآلاف من شرطتها وجيشها، والتي فتحت النيران على المصلين، وشكلت نقطة البداية، في هذا المخطط العدواني الإسرائيلي المبيت والمتواصل ضد شعبنا ومقدساتنا. ولقد أصبحت القدس الشريف بكافة مقدساتها وشوارعها، ثكنة عسكرية لجيش الاحتلال، وفعلت نفس الشيء بحصار مدننا ومخيماتنا وقرانا في قطاع غزة والضفة، وخاصة مدينة بيت لحم وما حولها، ومنعت الحركة والتنقل فيما بينها، وأغلقت المعابر والحدود والمطار الدولي، وفرضت أيضاً حصاراً تموينياً، واقتصادياً وتجويعياً على شعبنا، بالإضافة إلى حجز أموالنا من الجمارك والرسوم؛ هذا إلى جانب منع سلطات الاحتلال، أبناء شعبنا من دخول القدس الشريف للصلاة في المسجد الأقصى المبارك منذ بداية العمليات العسكرية ضد شعبنا. وقد شمل هذا الحظر من هم دون سن الخمسين؛ كما منعتنا من إحياء ذكرى روحية ودينية عزيزة على قلوبنا جميعاً، وهي ذكرى "الإسراء والمعراج" في الأقصى المبارك، وتعلمون أن كل هذه الإجراءات والممارسات الإسرائيلية داخل القدس ومحيطها، وعزل مدينة بيت لحم مع باقي مدننا الفلسطينية، لتصب في خدمة المخطط الإسرائيلي الهادف إلى تهويد مدينة القدس الشريف وما حولها.
إن شعبنا الفلسطيني المتمسك بقوة بإيمانه بالله وبصبره على الشدائد، ورغم خسائره الفادحة في الأرواح، والتي تجاوزت مائتي شهيد وأكثر من تسعة آلاف جريح، بل أقول: وصلت اليوم الى عشرة آلاف جريح، إضافة إلى تكبده خسائر مالية تجاوزت تسعمائة مليون دولار، جراء الحصار الشامل والخانق المفروض عليه، بما فيها حوالي 380 ألف عامل فقدوا عملهم؛ وحالة كساد تجاري واقتصادي نتيجة الحصار الإسرائيلي علينا. وبالرغم من ذلك فإن شعبنا مصمم أكثر من أي وقتٍ مضى، بمساعدة أشقائه وأصدقائه، على الاستمرار في جهاده في هبة الأقصى المباركة، إنها هبة حق وعدل وتوق للحرية والاستقلال وللخلاص من براثن الاحتلال الإسرائيلي الغاشم بكافة أشكاله العنيفة والمدمرة. إن شعبنا إذ يخوض هذه المعركة الوطنية الكبرى ليدرك تماماً حجم التضحيات في النفس والمال التي يقدمها قرباناً من أجل هذا الهدف النبيل، ولممارسة حقوقه الوطنية، ولحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية؛ وهو في هذه المواجهة لواثق كل الثـقة من وقوف كل شعوب ودول أمتنا العربية والإسلامية والأصدقاء في العالم إلى جانبه، داعمة ومؤيدة لصموده ولجهاده ولكفاحه العادل، وقد تجلى ذلك في هذا الزخم الدولي والتضامني الهائل، والدعم الكبير الشعبي والرسمي، الذي عمّ كافة أقطار أمتنا العربية والإسلامية والصديقة في العالم، فإلى جانب أن هذا التضامن يعزز ويقوي عزم وإصرار شعبنا على مواصلة الجهاد والمقاومة لهذا العدوان؛ كما يبعث برسالة إلى العالم أجمع، لمسلميه ولمسيحييه، وإلى القوى المعنية بالسلام في منطقتنا بأنه لا لسلام الإذعان والاستسلام، ولا للسلام الذي يكرس الاحتلال للأرض والمقدسات؛ ونعم للسلام العادل والشامل، الذي ينهي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية والفلسطينية المحتلة، في فلسطين والجولان وجنوب لبنان، ويمكن الشعب الفلسطيني من استعادة وممارسة حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف، ويؤمن حق العودة للاجئين من شعبنا، وتقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف طبقاً لقرارات الشرعية الدولية، التي كفلت وأقرت هذه الحقوق المشروعة لشعبنا الفلسطيني.
الأخ الرئيس،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
أصحاب المعالي والسعادة،
كما تعلمون، وأمام استمرار حكومة إسرائيل في عدوانها على شعبنا الفلسطيني، تكثـفت وتضاعفت الجهود الدولية والإقليمية من الأشقاء والأصدقاء لوقف هذه الحرب وعودة الأمور إلى طبيعتها؛ فكانت اجتماعات باريس، وشرم الشيخ؛ ومن ثم انعقاد قمة شرم الشيخ الأخيرة، بدعوة ورعاية من أخي فخامة الرئيس محمد حسني مبارك وبحضور الرئيس كلينتون، وجلالة الملك عبد الله الثاني، والسيد كوفي عنان، والسيد خافيير سولانا، ممثل الاتحاد الأوروبي. وقد أسفرت عن صدور ما عُرف بـ"تفاهمات شرم الشيخ"، والتي تلتزم إسرائيل بموجبها بتنفيذ تعهداتها، وسحب قواتها العسكرية، وإنهاء حصارها لمدننا وقرانا ومقدساتنا، وتشكيل لجنة تحقيق دولية. وبدلاً من ذلك صعدت إسرائيل من عدوانها على شعبنا، مستخدمة مختلف أنواع الأسلحة، والطائرات والدبابات والمدفعية والصواريخ، والذخائر المحرمة دولياً، قاصفة ومدمرة للمراكز والمؤسسات الفلسطينية والبيوت الآهلة بالسكان، وحتى مباني بعض الكليات العلمية؛ وتاركة قطعان المستوطنين المسلحين ليعيثوا قتلاً وتخريباً وتدميراً داخل مدننا ومخيماتنا وقرانا ومزارعنا. ولم تكتف حكومة إسرائيل بذلك، فقد أعلنت وبعد إنتهاء القمة العربية الطارئة، عن تجميد عملية السلام، رداً على تمسك تلك القمة بالسلام المتوازن والقائم على الحق والعدل، وهذا يؤكد للجميع أنها لا تريد هذا السلام العادل والمتوازن، بل السلام الذي يشرّع الاحتلال لأرضنا ومقدساتنا. إنها تواصل تحدي المجتمع الدولي بأسره والأمم المتحدة وقراراتها، والتي آخرها قرار مجلس الأمن 1322 في هذا العام والقرار الصادر عن الجلسة العاشرة الطارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وقرار لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف. وكلها دانت بقوة العدوان الإسرائيلي على شعبنا، ودعت إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية في الأحداث. ليس هذا فقط بل قرارات مؤتمراتكم الإسلامية وقرارات القمة الافريقية وقرارات مؤتمر عدم الانحياز وجميع قرارات الدول الصديقة والحليفة.
الأخ الرئيس، أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
أصحاب المعالي والسعادة،
كما تعلمون، فإن القمة العربية الطارئة في القاهرة، التي انعقدت بدعوة من فخامة أخي الرئيس محمد حسني مبارك، والاستجابة الفورية للملوك والرؤساء العرب لبحث العدوان الإسرائيلي الغاشم على شعبنا ومقدساتنا، قد صدر عن تلك القمة الهامة قرارات لدعم ومساعدة ومؤازرة انتفاضة شعبنا ومقاومته للاحتلال، سياسياً واقتصادياً ومالياً ومعنوياً وإعلامياً وطبياً. وتؤكد أيضاً على أن السلام العادل والشامل في المنطقة، لا يمكن أن يتحقق ويدوم إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكافة الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة، وتمكين الشعب الفلسطيني من استعادة حقوقه الوطنية، وتجسيد حقه المقدس والمشروع في دولته المستقلة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف بمقدساتها المسيحية والإسلامية، طبقاً للعهدة العمرية ونحن نشكر الإخوة على كل المساعدات المختلفة لشعبنا، والتي بدأت بها المملكة العربية السعودية، وجلالة الملك فهد خادم الحرمين الشريفين، وصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير عبد الله، كما شكلت هذه القمة لجنة على مستوى عال للتحرك دولياً، ولمتابعة تنفيذ قراراتها بجوانبها السياسية والمالية والاقتصادية والإعلامية.
وأشكر كل إخواني العرب الذين ساهموا مساهمة طبقاً لقرارات القمة العربية.
ويأتي انعقاد هذه القمة الإسلامية بعد القمة العربية، و"لجنة القدس الشريف"، برعاية جلالة الملك محمد السادس؛ وكذلك اشتراك ممثلي الكنائس المسيحية في القدس الشريف فيها؛ ووجودهم حالياً معنا في هذه القمة الإسلامية إنما هو تجسيد لهذه الوحدة الإسلامية المسيحية والأخوّة بين أبناء شعبنا. هذه الوحدة التي نعتبرها إنجازاً لشعبنا الفلسطيني، ولكافة شعوب أمتنا العربية والإسلامية والمسيحية في العالم، ولنرسل رسالة قوية للعالم، أن قضية فلسطين هي القضية المركزية الأولى لكافة شعوب ودول أمتنا وللعالم أجمع، ويجب حلها، حلاً عادلاً ومتوازناً، يتفق مع القوانين وقرارات الشرعية الدولية، ومرجعية عملية السلام.
الأخ الرئيس،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
أصحاب المعالي والسعادة،
إننا كشعب فلسطيني، نعيش لحظات صعبة ومصيرية، وتحديات خطيرة وكبيرة، لا يمكن مواجهتها والتعامل معها إلا بموقف مع جميع الأصدقاء في العالم، ليجسد إرادة أمتنا وعزمها على حل قضية الشعب الفلسطيني طبقاً لمبادئ الحق والعدل وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وبما يصون ويحفظ حقوق أمتنا في أرضها ومقدساتها.
إننا نعتز اليوم بوقفتكم بجانب الوقفة العربية، وبجانب وقفة الأصدقاء في العالم، تجسد عمق الالتزام بقضية فلسطين، وتترجم مضامين وقرارات قممنا الإسلامية كافة، فيما يتعلق بقضية شعبنا، وبالصراع العربي - الإسرائيلي، وتنفذ بشكل يخدم ويعزز جهاد شعبنا، وصموده المتواصل في أرض فلسطين المباركة، وانتفاضته الشعبية، وإيمانه الراسخ وجهاده المستمر ضد العدوان الإسرائيلي على أرضنا ومقدساتنا؛ ولكن شعبنا صامد في أرض الرباط في مواجهة هذا العدوان دفاعاً عن المقدسات، وهو يرسل رسالة واضحة ومحددة للأسرة الدولية، ولكافة القوى المعنية بالسلام، بضرورة التعامل مع قضية فلسطين وفق نصوص وبنود وقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بها، وبعيداً عن الاستمرار في سياسة الكيل بمكيالين؛ وما القرار الذي صوت عليه الكونغرس الأمريكي مؤخراً إلا الدليل على ذلك؛ والذي يُحمِّل السلطة الوطنية الفلسطينية، ظلماً، مسؤولية الأحداث الدموية، بل وحرمانها من المساعدات، ومحاولة نقل السفارة الأمريكية للقدس الشريف.
الأخ الرئيس،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، أصحاب المعالي والسعادة،
تعلمون أيها الإخوة القادة، أن شعبنا الفلسطيني يعيش في حالة حصار شامل متعدد الأشكال والجوانب، تفرضه إسرائيل عليه. وللتخفيف من وطأة هذا الحصار؛ فإننا نهيب بكم العمل على فتح أسواق العمل أمام أبناء شعبنا، وتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية، وتبادل السلع والخدمات معنا، وتشجيع الاستثمار في بلادنا. إن كل ذلك سيساهم بالتأكيد في تعزيز صمودنا، ومواصلة انتفاضتنا الشعبية، ويدعم بقوة قدرات شعبنا على مواصلة صموده، لتجسيد حقه المقدس والمشروع في الحرية والاستقلال، والسيادة على أرضه ومقدساته.
الأخ الرئيس،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
أصحاب المعالي والسعادة،
إن فلسطين تعرف تماماً حجم القضايا والتحديات التي تواجه أمتنا والمطروحة الآن على جدول أعمال هذه القمة. وكما تعلمون، فإننا كشعب فلسطيني، وكجزء من هذه الأمة المجيدة، لن ندخر أي جهد، ولن نتوانى عن تقديم ما يساهم في حلّ هذه القضايا التي تواجهنا.
وفي هذا السياق، فإن شعب العراق الشقيق عانى ولا زال يُعاني من حصار ظالم مفروض عليه؛ وبالتالي فإنني، وباسم شعب فلسطين، أُهيب بكم جميعاً اتخاذ القرار المناسب المنطلق من روح الأخوة والمصير الواحد الذي يربط بيننا، لإنهاء هذا الحصار.
واسمحوا لي من على هذا المنبر أن أتوجه، وباسم شعبنا الفلسطيني ومناضليه بتحية إكبار واعتزاز لكافة شعوب ودول أمتنا المجيدة التي هبت لتقف داعمة ومؤيدة لانتفاضة شعبنا المباركة، انتفاضة الأقصى المبارك، والقدس الشريف، دفاعاً عن الأرض وعن المقدسات.
أُجدّد لكم التحية متمنياً من صميم فؤادي أن يسدد الله خطانا جميعاً، وأن يخرج مؤتمرنا هذا بالقرارات التي تصون حقوقنا ومقدساتنا، وتخدم مصالح شعوبنا ودولنا، وتعزز اللحمة والتماسك والتضامن وتضافر الجهود فيما بينها.
بسم الله الرحمن الرحيم
"ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين
ونمكن لهم في الأرض"
صدق الله العظيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وكان الرئيس الإيراني الدكتور محمد خاتمي بصفته رئيس مؤتمر القمة الإسلامي الثامن، ألقى كلمة وطلب من الحضور الوقوف دقيقة إجلال وإكبار، وقراءة الفاتحة على أرواح شهداء فلسطين.
وشدد الرئيس خاتمي على ضرورة إقامة دولة فلسطين المستقلة التي ينشدها شعبها وأن تكون القدس الشريف عاصمتها.
كما شدد في كلمته على ضرورة عودة جميع الفلسطينيين إلى وطنهم في فلسطين المحتلة.
وأعرب عن فخره ببطولة وبسالة ابناء الامتين الإسلامية والعربية امام غطرسة الاحتلال الإسرائيلي الإرهابي والعنصري. كما أعرب عن ثقته بأن مقاومة شعب فلسطين البطولية سترغم الجميع بمن فيهم المتغطرسين على مراجعة حسابهم.
وقال الرئيس الايراني: أود وأنا أسلم مسؤولية رئاسة منظمة المؤتمر الإسلامي، أن أعلن بأنه يجب أن يتعاون جميع أعضاء المنظمة لاتخاذ إجراء موحد ومطلوب لدعم شعب فلسطين المضطهد.
وأكد أن القرار العملي لهذا الاجتماع في هذه المرحلة الحساسة والمصيرية في الدفاع عن الحقوق الأكيدة لشعب فلسطين، اعتماد سبل عملية في التصدي الجاد للاحتلال والمحتلين سيكون له الأثر البالغ.
وشدد الرئيس خاتمي على أن انتفاضة الأقصى في فلسطين أثبتت أنه لا يمكن قيام سلام حقيقي ثابت ما لم تؤخذ بالاعتبار الحقوق الثابتة والتاريخية والشرعية لشعب فلسطين المظلوم.
من جهته، أعلن سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني (أمير دولة قطر، رئيس مؤتمر القمة الإسلامية التاسع) عن بدء أعمال المؤتمر، مشيراً إلى أنه يعقد في ظل ظروف استثنائية لا تخفى علينا جميعاً، وفي غمرة أحداث جسام تمر بها أمتنا الإسلامية.
وأكد أن الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في فلسطين تنتهك حرماتها، وأرواح الشهداء الفلسطينيين تزهق؛ إضافة إلى آلاف من الجرحى والمصابين في انتفاضة الأقصى المبارك؛ لا لشيء سوى أنهم يطالبون بحقهم في الحياة والوجود والسيادة الوطنية؛ وهو ما أقرته الشرائع السماوية والمواثيق الدولية.
وأضاف سموه: أليس من الغريب في الوقت الذي ترفع فيه مختلف المنظمات الدولية والقوى الفاعلة في العالم شعارات حقوق الانسان والحرية والأمن والاستقرار أن يستثنى الشعب الفلسطيني وحده من هذه الحقوق التي تتمتع بها معظم شعوب العالم قاطبة، وبلا أدنى مواربة.
وشدد على أن علينا جميعاً أمانة عظمى تجاه الشعب الفلسطيني الأبي الذي أظهر صلابته وقوته وعزيمته وعلو هامته في مواجهة الضغوط اليومية الصعبة التي يتعرض لها.
وأكد أمير دولة قطر على أنه لا أقل من أن نخرج من لقائنا هذا باستراتيجية عملية تساهم بحق في استرجاع الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة.
كما أكد على موقفنا الثابت بأن لا حل للصراع في الشرق الأوسط إلا من خلال انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي المحتلة في فلسطين والجولان ولبنان، وتطبيقها لجميع قرارات الامم المتحدة والتزامها بمبادئ الشرعية الدولية؛ فإسرائيل لا يمكن أن تظل خارج إطار هذه الشرعية؛ ولا يمكن أن تبقى بمنأى عن تطبيق مواثيقها وقراراتها الملزمة.
وأعلن أن السلام لا يمكن أن يتحقق في ظل استمرار الاحتلال، وهو بالتأكيد لا يمكن أن يتحقق مع استمرار محاولات التهويد وأعمال الاستفزاز والتهويد والانتهاك التي تتعرض لها مقدساتنا الدينية.
ودعا إسرائيل إلى أن تختار بين إمكانية العيش في هذه المنطقة بأمن وسلام، وبين استمرار هذا الصراع لعقود وأجيال بكل ما سيترتب على ذلك من كوارث ومآس على جميع دول المنطقة وشعوبها.
وأكد أن هذا الموقف الثابت والحازم من قضية فلسطين والقدس الشريف بات مطلوباً منا الآن أكثر من أي وقت مضى؛ وهذا ما أكدناه في القمة العربية الطارئة التي عقدت في القاهرة مؤخراً؛ منوهاً إلى أننا نتطلع إلى التوصل إلى قرارات واضحة وحازمة وقابلة للتنفيذ، نؤكد فيها أيضاً على ثبات موقفنا ووحدته عرباً ومسلمين.
وشدد سموه على أن لا تنمية حقيقية دون سلام، ولا مجال لسلام حقيقي دون أن يكون قائماً على العدل والإنصاف والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، مشيراً إلى أن مثل هذا السلام المنشود يعني بطبيعة الحال تسوية النزاعات، وإزالة أسبابها، ومعالجة جذورها، والقضاء على آثارها وتفاعلاتها.
ودعا إلى العمل على بناء الآلية اللازمة الفعالة ذات الصلاحيات الضرورية لتأسيس تدريجي ومخطط لهذه السوق الإسلامية المشتركة، التي صدر قرار بإنشائها خلال القمة الإسلامية الثامنة التي عقدت في طهران في 1997.
وتحدث أمام القمة الرئيس السنغالي عبد الله واد، باسم المجموعة الإفريقية، مشيراً إلى أن القمة الإسلامية تنعقد في وقت يتعذر فيه مسار السلام الذي حقق تقدماً في وقت؛ ما تسبب في حدوث انفراج بين العرب وإسرائيل؛ ولكنه في الواقع منذ أيلول/سبتمبر الماضي. بدأ هذا المسار يغرق في تقلبات ملؤها الاستفزازات والقمع الذي لا يمكن قبوله للشعب الفلسطيني على ترابه من قبل إسرائيل.
وشدد الرئيس واد على أن القضية الرئيسية التي يكافح من أجلها أشقاؤنا الفلسطينيون قضية القدس الشريف العزيزة على قلوبنا والتي جاءت فكرة إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي في 1969 بعد حريق المسجد الأقصى المبارك- تستحق منا أن نقف على دراسة هذا الملف بكل عزم.
وحيا الرئيس السنغالي باسم المجموعة الإفريقية الرئيس ياسر عرفات على شجاعته وبعد نظره وجدارته.
من جهته، أعلن الرئيس السوداني الفريق الركن عمر حسن البشير، باسم المجموعة العربية، أننا نجتمع اليوم وحريق الأقصى الذي أفضى إلى تأسيس المنظمة الإسلامية يعاود الاشتعال مجدداً، وعلى أشده في الأراضي المحتلة؛ فسقط مئات الشهداء وآلاف الجرحى بنيران قوى الاحتلال الإسرائيلي الغاشم.
وأضاف: إن شعبنا الفلسطيني المسلم يتعرض للإبادة الجاعية، والحرم القدسي الشريف يتعرض أيضاً للتدنيس والتهويد، منوهاً كذلك إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يتمادى في تكريس سياسات الاستيطان والتوسع الهادف إلى طمس الهوية العربية الإسلامية للقدس الشريف.
وأكد أن كل ذلك يفرض علينا في هذا اللقاء اتخاذ قرارات حاسمة لدعم انتفاضة الشعب الفلسطيني وثورته المتجددة ومعركته المصيرية الباسلة لتحرير كامل الأراضي المحتلة وإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وأعرب عن شكره لتخصيص اليوم الأول لاجتماعات المجلس الوزاري التحضيري للقمة الإسلامية للتداول حول القضية الفلسطينية القضية المحورية التي تشكل صميم همنا واهتمامنا واستنفار كل الجهود والطاقات.
ودعا الرئيس السوداني إلى استنفار كل طاقات الأمة دعماً لكتائب الشباب المجاهدين في فلسطين.
كما دعا إلى دعم الانتفاضة المباركة لتحرير كامل الأراضي المحتلة، وقيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وطالب الرئيس السوداني المجتمعين بالاعتراف الفوري بدولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وألقى السيد مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا كلمة المجموعة الآسيوية، أشار فيها إلى أن المؤتمر يعقد مع سقوط العديد من أبناء الشعب الفلسطيني الذين قتلتهم القنابل والرصاص الإسرائيلي وهم يكافحون من أجل حقهم في الحرية والكرامة.
وأكد أن مصير الشعب الفلسطيني مرتبط ارتباطاً كبيراً بالمسلمين بصفة عامة؛ لأنهم يعيشون في ظل احتلال يتنكر لحقوقهم وحرياتهم؛ وشدد على أن "منظمة المؤتمر الإسلامي" كمنظمة هامة يمكن أن تلعب دوراً هاماً وسياسياً في الدفاع عن الفلسطينيين والقضايا الأخرى.
وأعلن أن القدس هي عاصمة دولة فلسطين، مؤكداً ان القيادة الفلسطينية يجب أن تحظى بالدعم اللازم بكل السبل الممكنة.
وألقى الدكتور عز الدين العراقي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، كلمة أكد فيها أن الاحتلال الإسرائيلي ما زال جاثماً على الأراضي الفلسطينية وعلى الجولان العربي السوري.
وشدد على أن عملية السلام ما تزال في حالة جمود، وانفجر الوضع من جديد انفجاراً ليس له مثيل في المنطقة خلال الشهر الماضي، حين أعادت إسرائيل المنطقة إلى دائرة العنف الشديد نتيجة لسياستها العدوانية المستمرة وإجراءاتها غير الشرعية واعتداءاتها الهمجية التي استخدمت خلالها الصواريخ والمروحيات والدبابات والذخائر الفتاكة، محاولة بذلك إخماد انتفاضة أبناء الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال والقمع والطغيان.
واكد الدكتور العراقي أن السبب المباشر نتج عن إقدام الحكومة الإسرائيلية على ترتيب زيارة استفزازية لرئيس حزب (الليكود) للحرم القدس الشريف في القدس تحت حماية ثلاثة آلاف جندي في الثامن والعشرين من أيلول/سبتمبر الماضي؛ ما أثار مشاعر المسلمين والمؤمنين وأجج عواطفهم في جميع أنحاء العالم.
وأشار إلى أن هذه التطورات الخطيرة جاءت بعد فشل قمة "كامب ديفيد" الثانية، وعدم التمكن من التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا المعروضة على بساط مفاوضات الحل النهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين وهي: "القدس"، و"اللاجئون" و"المستوطنات" و"الحدود" و"الأمن" و"المياه"، معرباً عن أسفه للقرار المنحاز إلى جانب إسرائيل الذي اتخذه الكونغرس الأمريكي.
ودعا الدكتور العراقي منظمة المؤتمر الإسلامي إلى مواصلة دعمها ومساندتها غير المحدودة لنضال الإخوة الفلسطينيين، سلطة ومؤسسات وافراداً، إلى أن تتحقق أهدافهم، وإلى أن ينتزعوا حقوقهم الوطنية كاملة، ويقيموا بكل الوسائل المتاحة دولتهم الفلسطينية العتيدة وعاصمتها القدس الشريف.
وألقى السيد كوفي عنان الأمين العام للامم المتحدة كلمة أكد فيها على أن الأمم المتحدة ستواصل بذل كل ما في وسعها من أجل توصل الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى اتفاق عادل ودائم، اتفاق بين شعبين متساويين في الحقوق والمسؤوليات، اتفاق يمثل ما أسماه كل من الرئيس عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل يتسحاق رابين "سلام الشجعان".
وحذر السيد عنان من أن العنف لا يولد إلا المرارة والاستياء اللذين يولدان بدورهما المزيد من العنف، مشيراً إلى أن العواطف متأججة لدى الجانبين، وانعدام الثقة المتبادلة متأصلة الجذور؛ وهناك جراح لدى الأسر والمجتمعات المعنية قد لا تلتئم قبل مرور جيل.
وأعرب السيد عنان عن حزنه للشهداء والجرحى الفلسطينيين، موجهاً تعازيه الحارة إلى كل أسر الشهداء.
وقال: لا يسعني إلا تصور مدى الكرب الذي يشعر به الشعب الفلسطيني نتيجة الخسائر الجسيمة التي مُني بها في حوادث العنف الأخيرة.
وتساءل السيد عنان: كيف يمكن وضع نهاية لأعمال العنف والقتل، وكيف احترام قداسة كل روح بشرية من الفلسطينيين والإسرائيليين صغاراً وكباراً؟! كما تساءل: كيف يمكن الاستجابة لتطلعات الفلسطينيين المشروعة إلى الكرامة الشخصية والاستقلال الوطني.
وأعرب السيد عنان عن اعتقاده بأن "منظمة المؤتمر الإسلامي" يقع عليها دور حاسم في تأمين قدرة الشعب الفلسطيني على تحقيق حلمه بإقامة دولته المستقلة، وأن ذلك لا يمكن تحقيقه دون أن تكلل عملية السلام بالنجاح في منطقة الشرق الأوسط الذي يستند على قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338.
وألقى رئيس جمهورية جنوب إفريقيا ثامبو امبيكي، رئيس حركة عدم الانحياز كلمة باسم الحركة، شدد فيها على ضرورة اتخاذ التدابير الصارمة لضمان حقوق الشعب الفلسطيني ولوضع حد للاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية.
وكرر التزام وتضامن حركة عدم الانحياز مع الشعب الفلسطيني، داعياً إلى تطبيق قرارات الشرعية الدولية الخاصة بفلسطين بصورة عاجلة.
وانتقد السيد امبيكي استخدام قوات الاحتلال الإسرائيلي للقوة المفرطة واستخدام الأسلحة المتطورة ضد المدنيين الفلسطينيين.
وأكد حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته وعاصمتها القدس الشريف، داعياً كافة الأطراف لاتخاذ ترتيبات وخطوات إيجابية وضرورية لصيانة قداسة الأراضي المقدسة ومدينة القدس وسلامتها.
كما شدد على ضرورة اتخاذ كافة التدابير اللازمة لتطبيق قرار مجلس الأمن 1322/2000 الذي اعتمد مؤخراً، محذراً من أن الوضع في الشرق الأوسط يشكل اليوم تهديداً مباشراً على السلام والأمن الدوليين.
وأكد الدكتور عصمت عبد المجيد، الأمين العام لجامعة الدول العربية، في كلمته على أن القدس تشكل جوهر ولب الصراع العربي الإسرائيلي، وأنها تمثل خطاً أحمر لا يجوز المساس به أو التهاون فيه.
وشدد على أن القدس جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة في 1967، وينطبق عليها ما ينطبق على سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، وبخاصة القرارات 242 في 1967، و252 في 1968، و267 في 1969، و465 و476 و478 في 1980، والقرار 1073 في 1996، وقرار الجمعية العامة رقم 51/223 في 1997.
وأعلن أن اقتحام المتطرف اليميني شارون بالتواطؤ مع باراك لساحة المسجد الأقصى في الثامن والعشرين من أيلول/سبتمبر الماضي تحت حراسة ثلاثة آلاف جندي إسرائيلي هدف إلى إقرار أمر واقع للاحتلال الإسرائيلي للقدس، وهو الذي أشعل هبة وانتفاضة الشعب الفلسطيني، والتي مازالت قائمة حتى اليوم.
وشدد على أن لنا وطيد الأمل أن التضامن الإسلامي الرائع مع الشعب الفلسطيني سوف يستمر ويتصاعد إلى أن تتوفر الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وتشكيل لجنة التحقيق الدولية في جرائم العدوان الإسرائيلي الوحشي، وتقديم مجرمي الحرب الإسرائيليين إلى محكمة جنائية دولية ليلقوا العقاب العادل.
وأكد الدكتور عبد المجيد أن تحقيق السلام العادل والشامل كما أكدت عليه قرارات مؤتمر القمة العربي غير العادي لا يتحقق دون الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي العربية المحتلة في فلسطين وسوريا وجنوب لبنان؛ وذلك حتى تنعم منطقة الشرق الأوسط بالأمن والسلام والاستقرار والتنمية والازدهار.
وألقى الدكتور سالم أحمد سالم، الأمين العام لمنظمة الوحدة الإفريقية كلمة شدد فيها على ضرورة التضامن والتعاون بين منظمة الوحدة الإفريقية ومنظمة المؤتمر الإسلامي. ودان بشدة القوة التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، والتي أودت بحياة المئات، خاصة من الأطفال.
وجدد دعم منظمة الوحدة الافريقية الحاسم والمستمر للشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية، حتى عودة جميع الفلسطينيين إلى ديارهم وتقرير مصيرهم، وإقامة دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني؛ وذلك تمشياً مع قواعد ومبادئ القانون الدولي والقرارات ذات الصلة الصادرة عن الأمم المتحدة.
كما أكد على ضرورة تقديم الدعم المناسب للشعب الفلسطيني في نضاله المشروع.
وعلقت الجلسة الافتتاحية على الواحدة ظهراً بتوقيت فلسطين على أن تستأنف الاجتماعات مساء اليوم.
خطاب الرئيس الفلسطيني أمام المجلس التشريعي 2000
بسم الله الرحمن الرحيم
“ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض”
صدق الله العظيم
الأخ رئيس المجلس،
الأخوات والإخوة الأعضاء،
الإخوة الضيوف،
باسم الله، وباسم الشعب الفلسطيني، وباسم الأكرمين منا جميعاً، شهداء درب الثورة، درب الحرية والاستقلال، وباسم أبطالنا الجرحى والمعتقلين، باسم الأمهات الصابرات، أفتتح الدورة السادسة للمجلس التشريعي. وبهذه المناسبة الوطنية، أسجل بكل الاعتزاز، لهذا المجلس المنتخب، محاولاته الدؤوبة لمواصلة عمله، رغم كل التحديات والمعوقات، لتكريس خيارنا الديمقراطي في بناء دولتنا وكياننا الوطني المستقل، ولتجسيد حرص الشعب الفلسطيني ونوابه المنتخبين، على استمرار عمل المؤسسة، كإطار عصري لمجتمعنا، ونظامنا السياسي. وإنني لأنظر بثقة، لكل ما حققه المجلس في مسيرته المكتظة بالتحديات، ويحضرني في هذا المجال، رزمة القوانين، التي أنجزها المجلس، والتي تشكل ذخراً لشعبنا وأجيالنا، تلك القوانين الوطنية التي نضعها، ونصدرها باسم شعبنا، شعب الجبارين، إلى جانب كون المجلس عنواناً بارزاً من عناويننا الوطنية، اعتمده العالم وتعامل معه بكل احترام، وأسجل كذلك، ذلك الانخراط الكفاحي لأعضاء المجلس ونعم ذلك الانخراط الكفاحي لأعضاء المجلس في تلك الفعاليات النضالية، التي تمتلئ بها ساحاتنا، ويخوضها شعبنا الأبي المعطاء.
الأخ رئيس المجلس،
الأخوات والإخوة الأعضاء،
الإخوة الضيوف،
إننا نعيش الآن، كشعب فلسطيني، وكمنظمة تحرير فلسطينية، وكسلطة وطنية، وقوى وطنية وإسلامية، في حالة اتحاد عضوي لمواجهة جولة من أخطر الجولات وأعنفها جولات المواجهة الشاملة، من العدوان الإسرائيلي المتصاعد ضد شعبنا ومؤسساتنا. وإذا كانت هذه الجولة، قد واصلتها الحكومة الإسرائيلية السابقة حتى الآن لما يقارب الستة أشهر، فإنها جاءت وجسَّدت على مرأى من العالم كله إرادة الشعب الفلسطيني وعنفوانه، واستعداده المتجدد لتقديم التضحيات في الوطن وفي الشتات، من أجل نيل حقوقه الوطنية، والحفاظ على مقدساته المسيحية والإسلامية، وحقه في العودة وتقرير المصير، وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. إن تزامن هذه الجولة الطويلة والعنيفة مع فصل من فصول عملية السلام ومع جهود جدية وحثيثة بذلت لتحقيق الأهداف الوطنية عبر الجهد السياسي والمفاوضات -ليبرهن للعالم أجمع على أن خيار السلام الذي اتخذه الشعب الفلسطيني عبر مؤسساته الوطنية هو خيار استراتيجي مدعَّم بإرادة قوية ورؤية واضحة، إنه سلام الشجعان، سلام الحق والعدل، سلام الشرعية الدولية، سلام يوفر الأمن والاستقرار لمنطقتنا وشعوبنا. وفي كل المحاولات التي بذلت، من مدريد، إلى أوسلو، وواشنطن، والقاهرة، وباريس، وشرم الشيخ، وطابا، وما بينهم، كان الموقف الفلسطيني كما تعرفون واضحاً أمام الجميع، وصادقاً مع الجميع، ولقد ظهر ذلك خلال لقاءاتي المتعددة مع الرئيس الأميركي السابق (الرئيس بيل كلينتون)، قبل وبعد أي جهد كان يقوم به باتجاه تسوية النزاع الفلسطيني -الإسرائيلي. وبذات القدر من الوضوح عرضنا موقفنا على الإدارة الجديدة عبر الاتصالات المباشرة مع الرئيس جورج بوش الابن، واللقاءات مع الوزير كولن باول. وهنا، أود الحديث عن مسألة جوهرية تهم شعبنا الفلسطيني في المقام الأول، وهي فرص السلام، هل سنحت فرصة جدية وضاعت، أم أن الأمر كان غير ذلك؟ بل كان محاولة للالتفاف عليها. إنني ومن ناحية مبدئية، ومعي اخوتي في القيادة الفلسطينية، لم نألُ جهداً لخلق فرص حقيقية لإحلال السلام والاستفادة من أي إمكانية تظهر في سياق الجهد المضني والمعقد والطويل نحو تحقيق السلام، غير أننا كنا على الدوام، نواجه بطروحات لا يمكن قبولها، فلسطينياً وعربياً ومسيحياً وإسلامياً كما يعرف العالم اجمع كل هذه الأشياء، نعم طروحات تبتعد في الجوهر عن نصوص وروح قرارات الشرعية الدولية، وتتجاوز على نحو شديد من الوضوح المرجعيات والجداول الزمنية لعملية السلام على مسارها الفلسطيني. وهنا لا أود التوسع في سرد الوقائع والقرائن سواء حول اتفاقات وتفاهمات المرحلة الانتقالية، أو حول مفاوضات الوضع الدائم؛ فكلكم تابعتم عن كثب مجريات هذه المفاوضات، وتابعتم كذلك سلسلة التراجعات الإسرائيلية عن معظم ما كان يتم الاتفاق عليه، حتى ما كان برعاية أميركية وروسية، ومصرية، وأردنية، وأوروبية، ودولية؛ لذا أقول لكم بكل ثقة: لم تكن هنالك فرصة جرى إهدارها؛ بل كانت هنالك محاولات لم تكتمل المفاوضات بها، عن إصرار وتعمد من الطرف الإسرائيلي، بما في ذلك أفكار الرئيس كلينتون وجهوده قبل ذلك في كامب ديفيد، بجانب اتفاقيات شرم الشيخ وطابا وغيرها.
الأخ رئيس المجلس،
الأخوات والإخوة الأعضاء،
الإخوة الضيوف،
وهنا، ومن على هذا المنبر منبر المجلس التشريعي، ومن عمق الصمود النضالي والجهاد العظيم لشعبنا، شعب الجبارين، في أرض الرباط المقدس، مع هبة الأقصى، هبة الحرية والاستقلال، أجدد الإعلان لشعبنا وللعالم أجمع بأن خيارنا الاستراتيجي نحو سلام الشجعان، السلام الدائم والعادل والشامل، الذي بدأناه في مؤتمر مدريد للسلام على أساس الأرض مقابل السلام وطبقاً للقرارات الدولية، وعلى كافة المسارات العربية- لم ولن يتغير، وأن سلام الشجعان الذي دعوت جميع القادة الإسرائيليين على اختلاف ألوانهم للمضي قدماً على سبيله من أجل أبنائنا وأبنائهم، ومن أجل مستقبلنا ومستقبلهم، يمكن أن يتحقق، ويمكن أن يكون البديل الفعلي لحالة القتل اليومي المفروضة علينا، وحالة انعدام الأمان، سلام الشجعان الذي يأخذ فيه كل طرف ما أقرته له الشرعية الدولية عبر القرارات 242، و338، و425، و194، ويلتزم فيه الجميع بمبدأ "الأرض مقابل السلام"؛ مبدأ الانسحاب من جميع الأراضي العربية والفلسطينية التي احتلت في العام 1967، بما فيها القدس الشريف، وإنهاء ظاهرة الاستيطان المدمر، التي لا يعترف أحد في العالم كله بشرعيتها، فضلاً عن ثبوت مخاطرها على كافة الصعد والمستويات. إن من يريد سلاماً يدوم لأجيال ولا تزعزعه الأحداث والتحديات لا بد وأن يضع كل ما تقدم كأساس حيوي لتحقيقه ولترسيخه؛ وهنا ينبغي على راعيي عملية السلام أمريكا وروسيا، والاتحاد الأوروبي، والإخوة العرب، والمجتمع الدولي، عمل كل الجهد مع الجانب الإسرائيلي، وخاصة بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، نعم بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، ليتخذ الخطوات السريعة للتعاطي مع متطلبات السلام، وأول هذه الخطوات احترام المرجعيات والاتفاقات، وقرارات الشرعية الدولية، ووقف التصعيد العسكري الذي بدأته الحكومة السابقة ضد شعبنا، والحصار لمدننا وقرانا ومخيماتنا، وإغلاق حدودنا مع مصر والأردن، وعدم الدخول في دوامة المرجعيات والحرب التي صعدها جنرالاتهم وجرائم المستوطنين وكذلك ضد شعبنا؛ فالاتفاقات حين تبرم تصبح اتفاقات ملزمة لكل الحكومات؛ ليس حكومة نعم وحكومة لا؛ فضلاً عن أنها في الأساس اتفاقات دولية. وإنني من على هذا المنبر، أتوجه للشعب الإسرائيلي، وحكومته المنتخبة مؤكداً أننا نتفهم حاجتهم للأمن والأمان، وعليهم أن يتفهموا بالمقابل حاجاتنا وحقوق الشعب الفلسطيني والأمة العربية، واحترام مقدساتنا المسيحية والإسلامية، وحين نتطرق إلى مسألة حيوية كهذه، فإننا وبحكم التجربة الطويلة لا يمكننا أن نعزل مسألة الأمن عن المقدسات وعن السياسة، والمسائل السياسية عن الحقوق، ومسائل الحقوق عن المرجعيات القانونية، والقرارات الدولية ذات الصلة، والاتفاقات المبرمة، فليتوقف الحصار فليتوقف الإغلاق فليتوقف الاستيلاء على الأموال والممتلكات التي مارستها الحكومة السابقة، والتي أجمع العالم كله على اعتبارها عقوبات جماعية محرمة دولياً، ولتتوقف الإجراءات الاستثنائية والتصعيد العسكري والاستعمال للأسلحة المحرمة دولياً، وسياسة التهديد والحصار والتجويع، ونحن نقول المحرمة دولياً أمريكا لليوم تشتكي من أيام حرب الخليج من الجنود الذين استخدموا اليورانيوم المستنفذ؛ فما بال مش الذي استعمل اليورانيوم المستنفذ إنما إلي بيتعمل ضده اليورانيوم المستنفذ، إيش خسائرنا نحن؟ أنا أقول هذا الكلام للعالم أجمع وللأمم المتحدة والتي طالت كل نواحي حياة الإنسان الفلسطيني أينما وجد على أرض وطنه، والتي لن تؤدي إلا إلى تأجيج المشاعر وحقن النفوس بالغضب، ليتوقف كل هذا، وليجري الحديث والمفاوضات مع الشعب الفلسطيني وقيادته بكل الاحترام كشعب شريك في مشروع تاريخي سياسي للسلام، وكشعب جدير بالحياة الحرة الكريمة، وجدير بالسيادة الكاملة على أراضيه ودولته، مثل باقي الشعوب الحرة المستقلة في عالمنا المعاصر، وطبقاً لقرارات الشرعية الدولية؛ وليجري تطبيق كافة الاستحقاقات التي أنجزت تفاوضياً، ولتستأنف مفاوضات الوضع الدائم من النقاط التي بلغتها التفاهمات الهامة التي أحرزناها في كامب ديفيد وشرم الشيخ وطابا. إن هذا هو السبيل الوحيد والمنطقي والفعّال لبلوغ صيغة أمنية راسخة وأساس سياسي متين لاتفاقات قادمة. وهذا الذي أقول، هو حصيلة لإجماع عربي، ظهر في قرارات قمة القاهرة، وسيتأكد في قرارات قمة عمان، وهو كذلك حصيلة إجماع إسلامي ظهر في اجتماعات لجنة القدس بالمغرب، وقرارات القمة الإسلامية في الدوحة، والتي شارك فيها ممثلو بطاركة القدس وممثلو الطوائف المسيحية، كما ظهر جلياً في قرارات هامة للاتحاد الأوروبي، والصين، واليابان، والوحدة الإفريقية، ودول عدم الانحياز، والأمم المتحدة بكافة هيئاتها ومؤسساتها.
إن أحداً لا يستطيع تجاهل حقيقة التوافق الدولي الشامل، حول ما نراه أساساً لسلام الشجعان، الذي وقعناه مع شريكي الراحل الجنرال رابين؛ وهنا لا بد من المحاولة مرة ثانية في الأمم المتحدة لتواجد قوات دولية أو مراقبين دوليين للإشراف على وقف التدهور والتصعيد العسكري وتنفيذ الاتفاقات والمساعدة في إقرار سلام الشجعان.
الأخ رئيس المجلس،
الأخوات والإخوة الأعضاء،
الإخوة الضيوف،
ستة أشهر طويلة، تعرض فيها شعبنا الفلسطيني إلى أشرس عدوان عسكري مباشر، أودى بحياة حوالي خمسمائة شهيد، وأكثر من اثنين وعشرين ألف جريح، جلهم من زهراتنا وأشبالنا، وجميعهم أغلى وأعز من الأبناء والآباء والأمهات، حتى الأشجار والمزروعات لم تسلم من الاقتلاع والجرف والإبادة، بجانب تدمير البيوت والمستشفيات وبعض المساجد والكنائس والكنس حتى في نابلس النار ضربوا الكنيس اليهودي والمتاجر والمدارس والملاجئ ومؤسسات رعاية المكفوفين والمعاقين، وضرب سيارات الإسعاف وهي تحمل جرحانا، والاغتيال المنظم لكوادرنا؛ إنه العدوان الأخطر والأشمل، والذي استخدمت فيه كذلك أقسى أنواع العقوبات الجماعية المحرمة دولياً، وغير الموجودة في القرن الحادي والعشرين إلا ضد شعبنا الفلسطيني، من إغلاقات محكمة، واستيلاء على الأرض والممتلكات، وقتل عشوائي، واستيلاء على الأموال الخاصة بنا من الضرائب وغيرها، ووصلت خسائر شعبنا فيها أكثر من ثلاثة آلاف مليون دولار. وهناك اختلاف بيني وبين بعض الإخوة المسؤولين أنا أقول: أكثر من ثلاثة آلاف فليكن؛ أنا اقول اكثر من ثلاثة آلاف، وعندي اثباتات على ذلك سأقدمها للمجلس التشريعي. كل ذلك حدث وما يزال يحدث ويتصاعد.
ونحن باسم الشعب الفلسطيني نشكر جميع الدول الشقيقة والصديقة التي تبرعت لمساعدتنا في مواجهة هذا الحصار، ولا زالت تساعدنا؛ وفي مواجهة ذلك وقف العالم بإجلال وإكبار، أمام قوة الإيمان لشعبنا، وصلابة الصمود الوطني لجماهيرنا، وقوة تصميمها الوطني على مواصلة الصمود حتى نيل الحقوق، ولو لم تكن جبهتنا الداخلية حصينة ومنسجمة ومتكاملة الأداء والعطاء، لما رأى العالم كله هذه الصور البطولية المميزة، وكل هذه الطاقة على التحدي والتجدد النضالي.
بسم الله الرحمن الرحيم
“واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون”
صدق الله العظيم
إن هذا الصمود المجيد، الذي بهر العالم وحيّر المراهنين على القوة العسكرية وتصعيدها ضد جماهيرنا، يتطلب منا جميعاً العمل لحماية جبهتنا الداخلية، من كل محاولات بث الوهن أو اليأس وترديد العبارات الطنانة المشوشة إلى داخلها، ويتطلب منا كذلك اتخاذ كافة الإجراءات والترتيبات لمواجهتها ولتعزيز جبهتنا، وتفعيل ومضاعفة مردودها، والعمل المتراص والجماعي هو أساس عملنا الذي لا بد وأن يتواصل ويتطور، لترتيب بيتنا الفلسطيني من جميع جوانبه. وما في أحد إلا سيدنا المسيح ومن كان منكم بلا خطيئة فليرميها بحجر، ورغم ذلك محدش رجمها مش هيك ولا لاء يا أبو علي؟ ورغم هذا فنحن يشرف علينا البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي يشرف على كل صغيرة وكبيرة، ونحن نحترم هذا الإشراف، وكل واحد يريد ان يتبرع ويحب ان يرسل مشرفين لشعبنا أهلاً وسهلاً به.
ورغم الجهود المبذولة لمواجهة العدوان، وتوفير إمكانيات ومستلزمات الصمود الشعبي والمؤسساتي، إلا أننا عاقدون العزم على الاستمرار بعملية الإصلاح والتطوير الداخلي لمؤسساتنا الوطنية، وأجهزتنا على مختلف اختصاصاتها ومهامها. وأعلن من على هذا المنبر، أن سلطتنا الوطنية، وأنا شخصياً، أضع منذ اليوم، مسألة القوانين وإصلاح وتطوير القضاء على رأس أولوياتنا، بما فيها "قانون استقلال القضاء" المقدم من المجلس التشريعي وخاصة بعد ان قرئ ثلاث مرات؛ وكذلك "قانون تنظيم المحاكم"، مع منح الأولوية لكافة القوانين المتصلة بالقضاء والمحاكم. وكذلك تشكيل المجلس القضائي الفلسطيني الأعلى إن شاء الله سنكمله أنا وأخوكم خلال سويعات قليلة وليس ساعات، المنوط به العمل في المجال القضائي، متمتعاً بكافة الصلاحيات والحصانات والإمكانات التي توفر له أفضل مناخات الأداء الفعال لمهامه. ولقد طلبت من الأخ قاضي القضاة للعمل مع مجلس القضاء الأعلى، وللبدء فوراً بملء شواغر القضاة والموظفين في المحاكم، وتقديم خطة محددة لتطوير كفاءات القضاة، وتعزيز مكانتهم؛ وأود أن أؤكد هنا أنه لا أحد في هذا الوطن فوق القانون، ولا أحد يملك حق التطاول على أحكام القضاء، أو التدخل في شؤونه، ليكن هذا واضحاً للجميع، وملزماً للجميع.
إن سيادة القانون واستقلال القضاء هما العنوان الحضاري لمجتمعنا ولدولتنا بإذن الله، انطلاقاً من التزامنا بمبدأ "الفصل بين السلطات" وتمكين كافة مؤسساتنا من العمل في ظل سيادة القانون؛ وحين يُعطي القضاء والقانون الأولوية القصوى في الإصلاح والتطوير، فإننا بذلك ندخل من الأبواب الصحيحة والمأمونة لتطوير مجتمعنا، ووضع الركائز المتينة لبنيان دولتنا العتيدة.
الأخ رئيس المجلس،
الأخوات والإخوة الأعضاء،
الإخوة الضيوف،
وفي إطار سعينا لترتيب بيتنا الداخلي، فقد قررت القيادة ومنذ عدة أشهر خلت الشروع في الإعداد للانتخابات للمجالس المحلية البلدية والقروية، وكذلك الغرف التجارية، بجانب الاتحادات الشعبية؛ يعني نرجو أن نقدر نحن ذاك اليوم إخوتنا المحامين لم نقدر أن نجيب لهم موافقة، واسألوا لم نقدر أن نجيب لهم موافقات؛ ولكن نرجو في الحكومة الجديدة أن نستطيع أن نجمعهم مثلما جمعنا معظم المجلس التشريعي، وأن نجمع كذلك كل القوى الأخرى. ولقد حالت سياسة الإغلاق الإسرائيلية المترافقة مع تصعيد العدوان العسكري دون إكمال هذا الجهد، الذي هو مطلب شعبي عادل؛ إضافة إلى كونه أحد عناوين الديمقراطية الفلسطينية وأحد ركائز المجتمع المدني. إن انتخابات المجالس البلدية والقروية ستتم بإذن الله حين تتوفر الظروف الموضوعية المساعدة على ذلك.
الأخ رئيس المجلس،
الأخوات والإخوة الأعضاء،
الإخوة الضيوف،
لقد كانت الشهور الستة الماضية، بما حفلت به من أحداث جسام وتحديات خطيرة وتصعيد عسكري- بمثابة اختبار جدي لقدرات شعبنا وكفاءة أداء وزاراتنا وأجهزتنا ومؤسساتنا، رغم كل الصعوبات التي واجهتنا وتواجهنا. والآن فـإن مـن واجـبـنــا تـجـاه شـعـبـنـا المعطـاء أن نـتـوقـف بـتـقـديـر أمــام نتـائـج هــذا الاخـتـبـار الـصـعــب، لـعـمـالـنـا الـصـابـريـن الصامديـن، رغـم أن البطالـة وصلـت إلى أكثـر مـن 365.000 عاطـل عـن العمـل، بمـا فيهـم صيادينـا الممنوعيـن مـن الصيــد في البحر. هل حصل ذلك في العالم أجمع؟ أقول هذا الكلام لقادة العالم أجمع: هل حصل ذلك في العالم أجمع؟ وتأثيـر ذلـك عليهــم وعـلى أسـرهم الـمـؤمـنـة الصـابــرة، ولضرب اقتصادنا ومؤسساتنا الصناعية والسياحية وغيرها. لنرى أين كانت الثغرات وكيف يمكن تجاوزها والتغلب عليها، وأين هي الجوانب الإيجابية حتى يجري تكريسها وتطويرها. وهنا لا يملك المرء إلا الوقوف بإجلال أمام أداء شعبنا البطل وجماهيرنا المجاهدة بكل قواها، بما فيها "قوات الأمن الوطني" بكافة تشكيلاتها؛ وكذلك مؤسساتنا التموينية والإنتاجية والصحية والتعليمية، وغيرها من المؤسسات الأخرى الرسمية والأهلية مع موظفينا في مواجهة الظروف الصعبة والتحديات الخطيرة تحت هذه الظروف الصعبة هذه نعمل وننحني لهم إجلالاً، لنؤكد صلابة وقوة وإيمان شعب الجبارين الذين هم في رباط إلى يوم الدين. كما نقف بإجلال أمام الأداء المميز لأبنائنا وكوادرنا وموظفينا في لوحة عمل وطني، وبإيمان عميق؛ مما ساعدنا في توفير الصمود لهذا المجتمع الحي، وتحمل أقسى أشكال التصعيد العسكري والحصار والتجويع والقتل بما فيهم إخوة قادة من شعبنا. إنني أدعوكم جميعاً إلى رؤية تجربتنا الصعبة والمميزة من كل جوانبها، وأن لا نسمح للوهن ولا للشلل ولا للإشاعات المغرضة والتي يحركها أعداء شعبنا بالتسرب إلى النفوس. نعم، لو لم يكن لدينا خميرة صالحة، نعم لما كان كل هذا الصمود الأسطوري والشموخ والصلابة والإيمان في كل أنحاء الوطن، وعلى مستوى جميع شرائح الشعب، رغم المصاعب والتحديات والمواجهات ومحاولات الإعاقة والقوى المضادة بكل إمكانياتها ووسائلها.
بسم الله الرحمن الرحيم
“ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين”
صدق الله العظيم
إنني أيها الإخوة الأعزاء، أدعوكم كسلطة تشريعية منتخبة، وكجزء لا يتجزأ من مجلسنا الوطني، ومن منظمة التحرير الفلسطينية- إلى مزيد من التنسيق والتعاون مع السلطة التنفيذية. اسمحوا اخواني -مع احترامي العميق لديمقراطيتكم الرائعة، ومزيد من العمل لدعم السلطة القضائية المستقلة- لنبرهن للعالم أجمع عن جدارتنا بدولتنا المنشودة التي سترفع علمها فوق القدس الشريف بإذن الله. وأجدد العهد باسمكم جميعاً وباسم شعبنا لشهدائنا الأبرار الأكرمين منا جميعاً، ولجرحانا ولمعتقلينا- بالوفاء لهم وللرسالة التي نحملها جميعاً في وجداننا.
وأخيراً، أتوجه إلى الشعب الإسرائيلي وقيادته الجديدة، لأعلن من هنا، من على منبر المجلس التشريعي الفلسطيني، مدعوماً بإرادة شعبنا المناضل، أن قلوبنا مفتوحة ويدنا ممدودة لتحقيق سلام الشجعان، والتزامنا بالتنفيذ الدقيق لجميع الاتفاقات المبرمة؛ وأعلن كذلك أننا على استعداد للمضي قدماً في المفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية، وإذا أرادت فنحن على استعداد للشروع فوراً لاستكمال المفاوضات التي بدأناها مع الحكومات الإسرائيلية السابقة، وحتى آخر اللقاءات التي تمت في شرم الشيخ، وطابا تحت رعاية الرئيس محمد حسني مبارك، والرئيس كلينتون، وجلالة الملك عبد الله، والسيد كوفي عنان، والسيد خافيير سولانا.
ومن هنا أتطلع إلى المجتمع الدولي، وإلى جميع محبي السلام في إسرائيل وفي العالم، وإلى سيادة الرئيس الأمريكي بوش، والاتحاد الروسي، والاتحاد الأوروبي، والإخوة القادة العرب، والصين واليابان، ودول عدم الانحياز، وإلى الأمم المتحدة وأمينها العام، لأقول لهم جميعاً وبقلب مفتوح أن السلام في منطقة الشرق الأوسط مسؤوليتكم جميعاً؛ فلا تتركوا الفرصة تفلت من أيدينا جميعاً. وإن شعبنا الذي عانى طويلاً، وما زال يعاني، بحاجة على دعمكم ومساعدتكم من أجل تحقيق سلام الشجعان.
أجدد العهد لشعبنا العظيم، ولأمتنا العربية المجيدة على المضي قدماً على درب الحرية والاستقلال، حتى يرفع شبلٌ من أشبالنا أو زهرة من زهراتنا علم فلسطين فوق أسوار القدس وكنائس القدس ومآذن القدس.
خطاب الرئيس ياسر عرفات أمام اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في لجنة فلسطين وكوكس عدم الانحياز 2000
فخامة الأخ الرئيس ثابو إمبيكي
رئيس جمهورية جنوب إفريقيا
معالي السادة وزراء خارجية الدول الأعضاء
في لجنة فلسطين وكوكس عدم الانحياز
السادة الحضور
أتـوجه بـداية بالشكر الجزيل لـجمهورية جنوب إفريقيا الصديقة ورئيسها فخامة الرئيس ثابو مبيكي، على هذه المبادرة الهامة التي تجسد وفاء جنوب إفريقيا والدول الأعضاء في حركة عدم الانحياز وفي لجنة فلسطين لفلسطين وشعبها وقضيتها واهتمام قياداتها بالتطورات المتسارعة في الشرق الأوسط، وخاصة العدوان والاحتلال الإسرائيلي المتمادي ضد الشعب الفلسطيني؛ وأوجه كذلك التحية إلى الرئيس نيلسون مانديلا.
سيدي الرئيس
السادة الوزراء
السادة الحضور
إن تصعيد الحرب العدوانية الإسرائيلية والمستمرة ضد الشعب الفلسطيني والتي تستخدم مختلف الأسلحة بما فيها المحرمة دولياً، والتي توشك على دخول شهرها التاسع- تجسد اتجاهاً إسرائيلياً خطراً، يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي والدولي. هذا الاستقرار الذي كاد أن يتكرس بفضل عملية السلام، والتقدم المحدود الذي تحقق على طريقها. ولقد تنبه المجتمع الدولي لخطورة ما تفعله إسرائيل على الصعيدين الإنساني والسياسي، إذ بادرت اللجنة الدولية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بإدانة الجرائم الإسرائيلية من خلال العدوان الشامل ضد الشعب الفلسطيني، وكذلك مجلس الأمن الدولي، الذي دان عبر القرار 1322 استخدام إسرائيل المفرط للقوة؛ وكذلك الموقف الأمريكي الأخير بالطلب منهم الانسحاب الفوري من الأراضي الفلسطيني (A) بعد عدوانهم الأخير على قطاع غزة؛ إضافة إلى قرارات الاتحاد الأوروبي، وروسيا، والصين، واليابان، ودول عدم الانحياز، والدول الإسلامية والعربية، التي شكلت إجماعا عالمياً على إدانة العدوان، والتحذير من أخطاره إقليمياً ودولياً.
لذا، فإنني أنظر باهتمام واعتزاز لمبادرتكم هذه، وأراهن بصدق على فاعلية جهدكم الجماعي، سواء في إطار عدم الانحياز، أو في أي إطار دولي آخر، واضعاً في الاعتبار انتشار أعضاء لجنة فلسطين، وكوكس عدم الانحياز في الحياة الدولية بكل مستوياتها.
سيدي الرئيس
السادة الوزراء
السادة الحضور
إن ما يتعرض له شعبنا من عدوان واحتلال إسرائيلي بشع، وحرب تدمير وإبادة تهدد حياة الشعب الفلسطيني، وممتلكاته، وحقوقه الإنسانية والوطنية، ولقد وصل عدد شهدائنا وجرحانا على مدار الأشهر السبعة الماضية أكثر من 24000 شهيد وجريح؛ بجانب ما يتعرض له الفلسطينيون من استمرار التصعيد العسكري براً وبحراً، وجواً؛ واستخدام للأسلحة المحرمة دولياً، وحصار مدننا وقرانا ومخيماتنا بجانب الحصار التمويني والاقتصادي، لتجويع شعبنا، واحتجاز أموالنا الضرائبية، وإغلاق وتدمير آبار المياه، وتجريف الأراضي الزراعية، بما فيها أشجار الزيتون المزروعة منذ آلاف السنين (بالعهد الروماني)؛ واغتيال القادة على نحو لم يحدث له مثيل في عالمنا المعاصر؛ بجانب الاعتقالات الكبيرة من جماهيرنا، وتدمير المنشآت الدينية والسكنية والطبية والسياحية والتعليمية والرسمية، وعدد كبير من مصانعنا، ومنع استيراد المواد الأولية لها، وطرد عمالنا حتى أصبح عدد عمالنا العاطلين عن العمل أكثر من 360000 عامل، وحتى منع صيادينا من الصيد في البحر - كل هذا يرتب علينا جميعاً العمل المشترك والمنسق لمواجهة هذا التصعيد العسكري والعدوان العنصري ضد شعبنا ونتائجه، واضعين في المقام الأول حق شعبنا الفلسطيني في الحماية الدولية الفورية لمنع استمرار العدوان الإسرائيلي ضد شعبنا الفلسطيني ومقدساته المسيحية والإسلامية في القدس الشريف والخليل وبيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور وغيرها. وكذلك وقف مسلسل القتل اليومي والدموي لجماهيرنا.
وإنني إذ أشكر مجموعتكم المميزة على دعمها ومساعدتنا الفعالة في هذا الاتجاه، لأتطلع وإياكم إلى مواصلة العمل في الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وفي كل المحافل الدولية؛ كي لا يسقط هذا الحق الإنساني المشروع من أجندة الأمم المتحدة بالفيتو والمحاولات العديدة الرامية إلى تفريغ قرارات الأمم المتحدة المنشودة من محتواها الفعلي.
سيدي الرئيس
السادة الوزراء
السادة الحضور
إن شعبنا الفلسطيني قرر أن لا يبتعد تحت أي ظرف من الظروف، عن الشرعية الدولية، وأن لا ييأس من إمكانية انتصار هذه الشرعية لحقوقه وتطلعاته. ولقد برهن شعبنا على أنه بهذا الخيار السليم والحضاري حدد الأسس الفعالة والمقنعة للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
وبخصوص القضية الفلسطينية بالذات، فالشرعية الدولية تملك الإجابات الدقيقة والشافية عن كل مسائل الصراع في الشرق الأوسط وعناصره؛ فعلى أساس الشرعية الدولية وقراراتها نطالب بانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة في 1967، بما فيها القدس الشريف، وطبقاً للقرارات الدولية 242 و338، وعلى أساس قاعدة مؤتمر مدريد للسلام "الأرض مقابل السلام".
وعلى أساس هذه الشرعية الدولية نطالب بحل عادل لقضية اللاجئين التي هي جوهر القضية الفلسطينية ومحتواها الإنساني والسياسي، وطبقاً للقرار 194.
وعلى أساس الشرعية الدولية نعمل ونطالب بوقف جرائم المستوطنين ضد شعبنا ومقدساتنا الدينية، وإزالة ظاهرة الاستيطان المرفوضة دولياً، وغير المعترف بها من أي طرف دولي، وطبقاً للاتفاقيات الموقعة والقرارات الدولية. وهذا ما أعلنه أمس وزير الخارجية الأمريكي (السيد كولن بأول)، ونشكره على ذلك.
هذا هو أساس مطالبتنا بحقوقنا، وهذا هو الأساس الراسخ للسلام الدائم والعادل والشامل، سلام الشجعان الذي عقدته واتفقت عليه مع شريكي الراحل يتسحاق رابين والذي اغتاله المتعصبون الصهاينة. هذا هو السلام الذي يحقق مصالح الجميع، ويضمن الأمن والأمان للجميع.
سيدي الرئيس
السادة الوزراء
السادة الحضور
إنني من هنا وبكل الثقة أُحيِّي دول عدم الانحياز التي ما تأخرت يوماً عن العمل الدؤوب والفعال من أجل فلسطين وحقوق شعبها، ومن أجل حماية المقدسات المسيحية والإسلامية التي تواجه الآن مصاعب وتحديات وتهديدات وانتهاكات مستمرة من المحتلين الإسرائيليين، ومن أجل حماية سلام الشجعان، السلام الدائم والعادل والشامل في الشرق الأوسط وفي العالم كله.
ومن هنا كذلك أُحيّي جنوب إفريقيا، الدولة الحليفة لفلسطين، ولكل الشعوب المتطلعة للحرية والاستقلال، وأُحيّي شعبها العظيم الذي شكل وما يزال نموذجاً نابضاً بالحياة للنضال الدؤوب ضد العنصرية ومن أجل الاستقلال.
إنني أستمد الثقة من دعمكم ومن جهدكم المتواصل هنا وفي كل المحافل وفي كل المنعطفات الصعبة.
وأود قبل أن أنهي خطابي أن أشير إلى هذا الجهد الذي بذله الإخوة في مصر والأردن من خلال مبادرتهم المصرية-الأردنية، والتي وافق عليها الإتحاد الأوروبي وروسيا وأمريكا، ويقف خلفها كل الإخوة في القمة العربية.
وأخيراً، وبعد مجهودات كثيرة أرسلت إسرائيل السيد شمعون بيرس للبحث فيها مع الإخوة في مصر والأردن، والتي نرجو من خلالها، تهدئة الوضع الخطير الذي يمر به الشعب الفلسطيني أمام هذا التصعيد العسكري والحصار الاقتصادي والمالي والعودة بالأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 28/9/2000 والبدء بالمفاوضات من حيث توصلنا إليها بما فيها ما تم الاتفاق عليه في شرم الشيخ بحضور الرئيس كلينتون والملك عبد الله والسيد كوفي عنان والسيد خافيير سولانا، وضيافة الرئيس محمد حسني مبارك.
وأخيراً، أنقل إليكم تحية شعبنا المناضل في القدس الشريف، وفلسطين الأرض المقدسة. هذا الشعب الذي سطر أروع ملاحم البطولة والفداء، وسجل أرقى أشكال الصمود والثبات على المبدأ والهدف.. هذا الشعب الذي يستحق بجدارة دعمكم ومؤازرتكم من أجل نيل حقوقه المشروعة، حقه في العودة وتقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على ترابه الوطني، وعاصمتها القدس الشريف.
كما أشكر أخيراً السيد الرئيس ثابو أمبيكي على جهوده الخيرة من أجل شعبنا ومن أجل كل الشعوب المتطلعة للاستقلال والحرية في العالم؛ وكذلك أشكر كل الجهود التي بذلتها أختي العزيزة وزيرة الخارجية ورئيسة هذا الاجتماع.
وأريد أن أؤكد ما اتفقت مع الرئيس أمبيكي، وما ذكرته في نهاية زيارتي إلى الرئيس السابق نيلسون مانديلا، أؤكد التزامي في عملية السلام والاتفاقات الموقعة؛ فلغة العنف والقصف لن تخدم مصالح الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي؛ لذلك أعلن أمامكم التزامي بالمبادرة المصرية-الأردنية من أجل سلام عادل ودائم وشامل، ومن أجل إعادة عملية السلام إلى مسارها، من أجل الشعب الإسرائيلي والشعب الفلسطيني وشعوب منطقة الشرق الأوسط، أقول هذا أمام الرئيس أمبيكي، وأتطلع إليكم جميعاً لأرسل هذه إلى السيد شارون، وأقول له: الأمن من أجل أطفالنا وأطفالهم وأمن المنطقة في الشرق الأوسط.
تحية لكم وليوفقنا الله جميعاً لما فيه خير شعوبنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
خطاب الرئيس ياسر عرفات أمام اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في لجنة فلسطين وكوكس عدم الانحياز 2000
فخامة الأخ الرئيس ثابو إمبيكي
رئيس جمهورية جنوب إفريقيا
معالي السادة وزراء خارجية الدول الأعضاء
في لجنة فلسطين وكوكس عدم الانحياز
السادة الحضور
أتـوجه بـداية بالشكر الجزيل لـجمهورية جنوب إفريقيا الصديقة ورئيسها فخامة الرئيس ثابو مبيكي، على هذه المبادرة الهامة التي تجسد وفاء جنوب إفريقيا والدول الأعضاء في حركة عدم الانحياز وفي لجنة فلسطين لفلسطين وشعبها وقضيتها واهتمام قياداتها بالتطورات المتسارعة في الشرق الأوسط، وخاصة العدوان والاحتلال الإسرائيلي المتمادي ضد الشعب الفلسطيني؛ وأوجه كذلك التحية إلى الرئيس نيلسون مانديلا.
سيدي الرئيس
السادة الوزراء
السادة الحضور
إن تصعيد الحرب العدوانية الإسرائيلية والمستمرة ضد الشعب الفلسطيني والتي تستخدم مختلف الأسلحة بما فيها المحرمة دولياً، والتي توشك على دخول شهرها التاسع- تجسد اتجاهاً إسرائيلياً خطراً، يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي والدولي. هذا الاستقرار الذي كاد أن يتكرس بفضل عملية السلام، والتقدم المحدود الذي تحقق على طريقها. ولقد تنبه المجتمع الدولي لخطورة ما تفعله إسرائيل على الصعيدين الإنساني والسياسي، إذ بادرت اللجنة الدولية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بإدانة الجرائم الإسرائيلية من خلال العدوان الشامل ضد الشعب الفلسطيني، وكذلك مجلس الأمن الدولي، الذي دان عبر القرار 1322 استخدام إسرائيل المفرط للقوة؛ وكذلك الموقف الأمريكي الأخير بالطلب منهم الانسحاب الفوري من الأراضي الفلسطيني (A) بعد عدوانهم الأخير على قطاع غزة؛ إضافة إلى قرارات الاتحاد الأوروبي، وروسيا، والصين، واليابان، ودول عدم الانحياز، والدول الإسلامية والعربية، التي شكلت إجماعا عالمياً على إدانة العدوان، والتحذير من أخطاره إقليمياً ودولياً.
لذا، فإنني أنظر باهتمام واعتزاز لمبادرتكم هذه، وأراهن بصدق على فاعلية جهدكم الجماعي، سواء في إطار عدم الانحياز، أو في أي إطار دولي آخر، واضعاً في الاعتبار انتشار أعضاء لجنة فلسطين، وكوكس عدم الانحياز في الحياة الدولية بكل مستوياتها.
سيدي الرئيس
السادة الوزراء
السادة الحضور
إن ما يتعرض له شعبنا من عدوان واحتلال إسرائيلي بشع، وحرب تدمير وإبادة تهدد حياة الشعب الفلسطيني، وممتلكاته، وحقوقه الإنسانية والوطنية، ولقد وصل عدد شهدائنا وجرحانا على مدار الأشهر السبعة الماضية أكثر من 24000 شهيد وجريح؛ بجانب ما يتعرض له الفلسطينيون من استمرار التصعيد العسكري براً وبحراً، وجواً؛ واستخدام للأسلحة المحرمة دولياً، وحصار مدننا وقرانا ومخيماتنا بجانب الحصار التمويني والاقتصادي، لتجويع شعبنا، واحتجاز أموالنا الضرائبية، وإغلاق وتدمير آبار المياه، وتجريف الأراضي الزراعية، بما فيها أشجار الزيتون المزروعة منذ آلاف السنين (بالعهد الروماني)؛ واغتيال القادة على نحو لم يحدث له مثيل في عالمنا المعاصر؛ بجانب الاعتقالات الكبيرة من جماهيرنا، وتدمير المنشآت الدينية والسكنية والطبية والسياحية والتعليمية والرسمية، وعدد كبير من مصانعنا، ومنع استيراد المواد الأولية لها، وطرد عمالنا حتى أصبح عدد عمالنا العاطلين عن العمل أكثر من 360000 عامل، وحتى منع صيادينا من الصيد في البحر - كل هذا يرتب علينا جميعاً العمل المشترك والمنسق لمواجهة هذا التصعيد العسكري والعدوان العنصري ضد شعبنا ونتائجه، واضعين في المقام الأول حق شعبنا الفلسطيني في الحماية الدولية الفورية لمنع استمرار العدوان الإسرائيلي ضد شعبنا الفلسطيني ومقدساته المسيحية والإسلامية في القدس الشريف والخليل وبيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور وغيرها. وكذلك وقف مسلسل القتل اليومي والدموي لجماهيرنا.
وإنني إذ أشكر مجموعتكم المميزة على دعمها ومساعدتنا الفعالة في هذا الاتجاه، لأتطلع وإياكم إلى مواصلة العمل في الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وفي كل المحافل الدولية؛ كي لا يسقط هذا الحق الإنساني المشروع من أجندة الأمم المتحدة بالفيتو والمحاولات العديدة الرامية إلى تفريغ قرارات الأمم المتحدة المنشودة من محتواها الفعلي.
سيدي الرئيس
السادة الوزراء
السادة الحضور
إن شعبنا الفلسطيني قرر أن لا يبتعد تحت أي ظرف من الظروف، عن الشرعية الدولية، وأن لا ييأس من إمكانية انتصار هذه الشرعية لحقوقه وتطلعاته. ولقد برهن شعبنا على أنه بهذا الخيار السليم والحضاري حدد الأسس الفعالة والمقنعة للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
وبخصوص القضية الفلسطينية بالذات، فالشرعية الدولية تملك الإجابات الدقيقة والشافية عن كل مسائل الصراع في الشرق الأوسط وعناصره؛ فعلى أساس الشرعية الدولية وقراراتها نطالب بانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة في 1967، بما فيها القدس الشريف، وطبقاً للقرارات الدولية 242 و338، وعلى أساس قاعدة مؤتمر مدريد للسلام "الأرض مقابل السلام".
وعلى أساس هذه الشرعية الدولية نطالب بحل عادل لقضية اللاجئين التي هي جوهر القضية الفلسطينية ومحتواها الإنساني والسياسي، وطبقاً للقرار 194.
وعلى أساس الشرعية الدولية نعمل ونطالب بوقف جرائم المستوطنين ضد شعبنا ومقدساتنا الدينية، وإزالة ظاهرة الاستيطان المرفوضة دولياً، وغير المعترف بها من أي طرف دولي، وطبقاً للاتفاقيات الموقعة والقرارات الدولية. وهذا ما أعلنه أمس وزير الخارجية الأمريكي (السيد كولن بأول)، ونشكره على ذلك.
هذا هو أساس مطالبتنا بحقوقنا، وهذا هو الأساس الراسخ للسلام الدائم والعادل والشامل، سلام الشجعان الذي عقدته واتفقت عليه مع شريكي الراحل يتسحاق رابين والذي اغتاله المتعصبون الصهاينة. هذا هو السلام الذي يحقق مصالح الجميع، ويضمن الأمن والأمان للجميع.
سيدي الرئيس
السادة الوزراء
السادة الحضور
إنني من هنا وبكل الثقة أُحيِّي دول عدم الانحياز التي ما تأخرت يوماً عن العمل الدؤوب والفعال من أجل فلسطين وحقوق شعبها، ومن أجل حماية المقدسات المسيحية والإسلامية التي تواجه الآن مصاعب وتحديات وتهديدات وانتهاكات مستمرة من المحتلين الإسرائيليين، ومن أجل حماية سلام الشجعان، السلام الدائم والعادل والشامل في الشرق الأوسط وفي العالم كله.
ومن هنا كذلك أُحيّي جنوب إفريقيا، الدولة الحليفة لفلسطين، ولكل الشعوب المتطلعة للحرية والاستقلال، وأُحيّي شعبها العظيم الذي شكل وما يزال نموذجاً نابضاً بالحياة للنضال الدؤوب ضد العنصرية ومن أجل الاستقلال.
إنني أستمد الثقة من دعمكم ومن جهدكم المتواصل هنا وفي كل المحافل وفي كل المنعطفات الصعبة.
وأود قبل أن أنهي خطابي أن أشير إلى هذا الجهد الذي بذله الإخوة في مصر والأردن من خلال مبادرتهم المصرية-الأردنية، والتي وافق عليها الإتحاد الأوروبي وروسيا وأمريكا، ويقف خلفها كل الإخوة في القمة العربية.
وأخيراً، وبعد مجهودات كثيرة أرسلت إسرائيل السيد شمعون بيرس للبحث فيها مع الإخوة في مصر والأردن، والتي نرجو من خلالها، تهدئة الوضع الخطير الذي يمر به الشعب الفلسطيني أمام هذا التصعيد العسكري والحصار الاقتصادي والمالي والعودة بالأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 28/9/2000 والبدء بالمفاوضات من حيث توصلنا إليها بما فيها ما تم الاتفاق عليه في شرم الشيخ بحضور الرئيس كلينتون والملك عبد الله والسيد كوفي عنان والسيد خافيير سولانا، وضيافة الرئيس محمد حسني مبارك.
وأخيراً، أنقل إليكم تحية شعبنا المناضل في القدس الشريف، وفلسطين الأرض المقدسة. هذا الشعب الذي سطر أروع ملاحم البطولة والفداء، وسجل أرقى أشكال الصمود والثبات على المبدأ والهدف.. هذا الشعب الذي يستحق بجدارة دعمكم ومؤازرتكم من أجل نيل حقوقه المشروعة، حقه في العودة وتقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على ترابه الوطني، وعاصمتها القدس الشريف.
كما أشكر أخيراً السيد الرئيس ثابو أمبيكي على جهوده الخيرة من أجل شعبنا ومن أجل كل الشعوب المتطلعة للاستقلال والحرية في العالم؛ وكذلك أشكر كل الجهود التي بذلتها أختي العزيزة وزيرة الخارجية ورئيسة هذا الاجتماع.
وأريد أن أؤكد ما اتفقت مع الرئيس أمبيكي، وما ذكرته في نهاية زيارتي إلى الرئيس السابق نيلسون مانديلا، أؤكد التزامي في عملية السلام والاتفاقات الموقعة؛ فلغة العنف والقصف لن تخدم مصالح الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي؛ لذلك أعلن أمامكم التزامي بالمبادرة المصرية-الأردنية من أجل سلام عادل ودائم وشامل، ومن أجل إعادة عملية السلام إلى مسارها، من أجل الشعب الإسرائيلي والشعب الفلسطيني وشعوب منطقة الشرق الأوسط، أقول هذا أمام الرئيس أمبيكي، وأتطلع إليكم جميعاً لأرسل هذه إلى السيد شارون، وأقول له: الأمن من أجل أطفالنا وأطفالهم وأمن المنطقة في الشرق الأوسط.
تحية لكم وليوفقنا الله جميعاً لما فيه خير شعوبنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
خطاب ياسر عرفات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 13 تشرين الثاني 1974
سيدي الرئيس،
أشكر لكم دعوتكم منظمة التحرير الفلسطينية لتشارك في هذه الدورة من دورات الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة. وأشكر كل الأعضاء المحترمين في هيئة الأمم المتحدة الذين أسهموا في تقرير إدراج قضية فلسطين على جدول أعمال هذه الجمعية، وفي إصدار قرار بدعوتنا لعرض قضية فلسطين.
إنها لمناسبة هامة أن يعود بحث قضية فلسطين إلى هيئة الأمم المتحدة، وإننا نعتبر هذه الخطوة انتصارًا للمنظمة الدولية كما هو انتصار لقضية شعبنا، وإن ذلك يشكل مؤشراً جديداً على أن هيئة الأمم اليوم ليست هيئة الأمم أمس؛ ذلك لأن عالم اليوم ليس هو عالم الأمس.
فقد أصبحت هيئة الأمم اليوم تمثل 138 دولة، وأصبحت تعكس بصورة نسبية أوضح إرادة المجموعة الدولية؛ ومن ثم فقد أصبحت أكثر قدرة على تطبيق ميثاقها ومبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأكثر قدرة على نصرة قضايا العدل والسلام.
وهذا ما بدأ يلمسه شعبنا وتلمسه شعوب آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية؛ الأمر الذي أخذ يعلي مكانة هذه المنظمة الدولية في عيون شعبنا وعيون بقية الشعوب، ويزيد من الآمال التي تعلقها شعوب العالم على مساهمة هيئة الأمم المتحدة في نصرة قضايا السلم والعدل والحرية والاستقلال وتشييد عالم خالٍ من الاستعمار والإمبريالية والاستعمار الجديد والعنصرية بكافة أشكالها، بما فيها الصهيونية.
سيدي الرئيس،
إننا نعيش في عالم يطمح للسلام والعدل والمساواة والحرية، يطمح إلى أن يرى الأمم المظلومة الرازحة تحت الاستعمار والاضطهاد العنصري وهي تمارس حريتها وحقها في تقرير المصير، يطمح إلى أن يرى العلاقات الدولية بين الدول كافة تقوم على أساس المساواة والتعايش السلمي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتأمين السيادة الوطنية.
وما زالت دول آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية تواجه اعتداءات ضارية على نضالها من أجل تغير النظام الاقتصادي العالمي الحالي بنظام اقتصادي عالمي جديد أكثر معقولية ومنطقية، وقد عبرت هذه البلدان عن ذلك في مؤتمر "المواد الأولية والتنمية"؛ حيث لابد أن يوضع حد لعمليات النهب والاستغلال وامتصاص ثروات الشعوب الفقيرة وعرقلة جهودها من أجل التنمية والسيطرة على ثرواتها ورفع الحيف عن أسعار موادها الأولية.
وكذلك فإن هذه الدول ما زالت تواجه عراقيل أمام مطالبها العادلة المعبر عنها في مؤتمر البحار في كرا كاس، ومؤتمر السكان، ومؤتمر التغذية. ولابد للهيئة الدولية من أن تقف بحزم إلى جانب النضال من أجل إحداث تغيرات جذرية في النظام الاقتصادي العالمي؛ لأن ذلك وحده يتيح للشعوب المختلفة إمكانية التقدم بسرعة. ولابد لهذه الهيئة من أن تقف بحزم ضد القوى التي تحاول تحميل مسؤولية التضخم المالي على كاهل البلدان النامية، خاصة البلدان المنتجة للبترول، وأن تشجب التهديدات التي تتعرض لها هذه البلدان بسبب مطالبها العادلة.
سيدي الرئيس،
ما زال السباق على التسلح على أشده في العالم؛ الأمر الذي يهدد العالم بضياع ثروته وتبديد جهوده على هذا السباق؛ فضلاً عن إبقائه في خيار انفجارات مسلحة خطيرة. إن الحد من السباق على التسلح، وصولاً إلى تدمير الأسلحة النووية وتخصيص ما يصرف من مبالغ طائلة على مجالات التقنيات العسكرية في ميدان تقدم العلوم وزيادة الإنتاج وتحقيق الرفاه للعالم. هذا ما تتوقع الشعوب أن تعمل هيئة الأمم المتحدة باتجاهه. وما زال الاضطراب على أشده في منطقتنا؛ فالكيان الصهيوني مثبت بالأراضي العربية التي احتلها ويتابع عدوانه علينا بجانب استعداداته العسكرية المحمومة بشن حرب عدوانية جديدة ستكون الخامسة من سلسلة حروبه العدوانية ولنا أن نتحسب مع ما يصدر من إشارات عنه من أن تكون حرباً نووية تحمل الفناء والدمار.
سيدي الرئيس،
إن العالم بحاجة إلى أقصى الجهود من أجل تحقيق مطامحه في السلم والحرية والعدل والمساواة والتنمية، وفي مكافحة الاستعمار والإمبريالية والاستعمار الجديد والعنصرية بكافة أشكالها، بما فيها الصهيونية، لأن السلام هو الطريق الوحيد لتحقيق آمال الشعوب كافة بما في ذلك شعوب الدول التي تعارض هذا الطريق. إنه طريق لتكريس مبادئ ميثاق هيئة الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. أما بقاء الوضع الحالي فلن يفعل أكثر من أن يبقى العالم معرضاً لأخطر الصراعات المسلحة وللكوارث الاقتصادية والإنسانية والطبيعية.
سيدي الرئيس،
رغم هذا الوضع المتأزم الذي يسود العالم برغم ما في عالمنا من قوى ظلام وتأخر فإن عالمنا اليوم يعيش أياماً مجيدة؛ إنه يشهد انهيار العالم القديم، عالم الاستعمار والامبريالية والاستعمار الجديد والعنصرية بكافة أشكالها وأبرزها الصهيونية، ويشهد الاتجاه التاريخي العظيم لشعوب العالم نحو انبثاق عالم جديد تنتصر فيه القضايا العادلة. وإننا واثقون من انتصار هذه القضايا.
سيدي الرئيس،
إن قضية فلسطين تدخل كجزء هام بين القضايا العادلة التي تناضل في سبيلها الشعوب التي تعاني الاستعمار والاضطهاد. وإذا كانت الفرصة قد أُتيحت لي أن أعرضها أمامكم فإنني لن أنسى أن مثل هذه الفرصة يجب أن تتاح لكل حركات التحرر المناضلة ضد العنصرية والاستعمار في تقرير مصيرها، أدعوكم أن تعيروا قضاياهم، كما قضيتنا، من همومكم واهتمامكم الأولوية ذاتها؛ مما يشكل مرتكزاً أساسياً لحماية السلم في العالم وتكريس عالم جديد تعيش الشعوب في ظلاله بعيداً عن الاضطهاد والظلم والخوف والاستغلال، ولهذا فإنني سأعرض قضيتنا ضمن هذا الإطار وفي سبيل هذا الهدف.
وإننا حين نتكلم من على هذا المنبر الدولي فإن ذلك تعبير في حد ذاته عن إيماننا بالنضال السياسي والدبلوماسي مكملاً معززاً لنضالنا المسلح وتعبير عن تقديرنا للدور الذي يمكن للأُمم المتحدة أن تقوم به في حل المشكلات العالمية، بعد أن تغيرت بنيتها في صالح أماني الشعوب وفي حل مشكلتنا التي تتحمل فيها المؤسسة الدولية مسئولية خاصة.
إن شعبنا يتكلم، وهو يتطلع إلى المستقبل أكثر مما هو مقيد بمآسي الماضي وأغلال الحاضر. وإذا كنا، ونحن نتحدث عن الحاضر نعود إلى الماضي، فلأننا نريد أن نوضح بداية الطريق الذي نشقه إلى المستقبل المشرق مع كل شعوب العالم عامة، وحركات التحرير خاصة. وإذا كنا نعود إلى جذور قضيتنا فإنه ما زال بين الحاضرين هنا من يحتل بيوتنا ويرتع في حقولنا ويقطف ثمار أشجارنا ويدعي أننا أشباح لا وجود لها ولا تراث ولا مستقبل. وإن هناك من كان يتصور، وإلى وقت قريب، وربما حتى الآن- أن مشكلتنا هي مشكلة لاجئين، أو أن مشكلة الشرق الأوسط هي مشكلة خلاف على حدود بين الدول العربية وبين الكيان الصهيوني، أو يتصور أن شعبنا يدعي حقوقاً ليست له ويقاتل دونما سبب معقول ومشروع إلا الرغبة في تعكير السلام وإرهاب الآخرين. ولأن هناك بينكم (وأعني الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها) من يُمَوِّن عدونا بطائراته وقنابله وكل أدوات الفتك والتدمير، ويقف منا موقف العداء ويعمد إلى تشويه حقيقة المشكلة، كل ذلك على حساب الشعب الأمريكي وعلى حساب رفاهيته، وعلى حساب الصداقة التي نتطلع إليها مع هذا الشعب العظيم الذي نكن له ولتجاربه في النضال من أجل حريته ووحدة أرضه كل تقدير.
وإنني لانتهز هذه المناسبة لأتوجه إلى الشعب الأمريكي وأُخاطبه من مكاني هنا أن يقف مع شعبنا الشجاع المناضل.. أن يقف مع الحق والعدالة.. أن يتذكر بطله جورج واشنطن الذي ناضل لاستقلال أمريكا وحريتها، ويتذكر أبراهام لنكولن الذي وقف مع المحرومين والمعذبين.. ويتذكر وصايا ويلسون الأربع عشرة، والتي يتبناها شعبنا، إيماناً بهذه المبادئ الإنسانية العظيمة.
وأتوجه إلى الشعب الأمريكي وأتساءل: هل هذه التظاهرات المعادية التي تنطلق في الخارج هي وجهه الحقيقي؟ وما هي الجريمة التي ارتكبها شعبنا ضد الشعب الأمريكي؟! لماذا هذا الوجه المعادي؟! هل هو لصالح أمريكا؟! هل هو لصالح الجماهير الأمريكية؟! حتماً لا. وأرجو أن يتذكر الشعب الأمريكي أن صداقته مع أُمتنا العربية هي أهم وهي أبقى وهي أنفع.
سيدي الرئيس،
إن شرحنا لجذور قضيتنا نابع من إيماننا بأن العودة إلى أُصول القضايا التي تشغل العالم أمر ضروري عند تلمس الحلول لها. وهذا منهج نطرحه على السياسة الدولية لتأخذ به بعد أن عانت الكثير وعانت الشعوب معها من المحاولات تجاهل الأصول والقفز عليها أو إنكارها رضوخاً واستسلاماً للأمر الواقع.
ترجع جذور المشكلة الفلسطينية إلى أواخر القرن التاسع عشر.. أو بكلمات أُخرى، إلى ذلك العهد الذي كان يسمى "عصر الاستعمار والاستيطان" وبداية انتقال إلى عصر الإمبريالية؛ حيث بدأ التخطيط الصهيوني_ الاستعماري لغزو أرض فلسطين بمهاجرين من يهود أُوروبا كما كان الحال بالنسبة للغزو الاستيطاني لإفريقيا. في تلك الحقبة التي توطدت فيها سطوة عتاة الاستعمار القادمين من الغرب إلى أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية للاستيطان وإقامة المستعمرات، وممارسة أشد أشكال الاستغلال والاضطهاد والنهب لشعوب القارات الثلاث. إنها الحقبة التي ما زلنا نشهد آثارها العنصرية البشعة في الجنوب الإفريقي وكذلك في فلسطين.
وكما استخدم الاستعمار والمستوطنون أفكار (التمدن والتحضر) لتبرير الغزو والنهب والعدوان في إفريقيا وغيرها؛ كذلك استخدمت هذه الذرائع لغزو فلسطين بموجات المهاجرين الصهاينة، وكما استخدم الاستعمار والمستوطنون الدين واللون والعرق واللغة لتمرير عملية استغلال الشعوب وإخضاعها بالتمييز والتفرقة والإرهاب في إفريقيا؛ كذلك استخدمت هذه الأساليب لاغتصاب الوطن الفلسطيني واضطهاد شعبه ومن ثم تشريده، وكما استخدم الاستعمار، وقتئذ، المحرومين والفقراء والمستغلين كوقود لنار عدوانه ومرتكزات الاستيطان؛ كذلك استخدم الاستعمار العالمي والقادة الصهاينة اليهود المحرومين والمضطهدين في أُوروبا كوقود للعدوان ومرتكزات للاستيطان والتمييز العنصري.
إن الإيديولوجية الصهيونية التي استخدمت ضد شعبنا لاستيطان فلسطين بالغزاة الوافدين من الغرب استخدمت في الوقت ذاته لاقتلاع اليهود من جورهم في أوطانهم المختلفة ولتغريبهم عن الأمم.
إنها أيدولوجيا استعمارية استيطانية عنصرية تمييزية رجعية تلتقي مع اللاسامية في منطلقاتها؛ بل هي الوجه الآخر للعملة نفسها؛ فعندما نقول أن تابعي دين معين هو اليهود، أياً كان وطنهم، لا ينتسبون إلى ذلك الوطن ولا يمكن أن يعيشوا كمواطنين متساوين مع بقية المواطنين من الطوائف الأخرى، فإن ذلك التقاء مباشر مع دعاة اللاسامية، وعندما يقولون أن الحل الوحيد لمشكلتهم هو أن ينفصلوا عن الأمم والمجتمعات التي هم جزء منها عبر تاريخ طويل، ثم يهاجرون ليستوطنوا أرض شعب آخر ويحلوا محله بالقوة والإرهاب، يأخذون من غيرهم الموقف نفسه الذي أخذه دعاة اللاسامية منهم.
ومن هنا نلاحظ مثلاً العلاقة الوثقى بين رودس وهو يبسط استعماره الاستيطاني في جنوب شرقي القارة الإفريقية وبين هرتزل الذي راح يخطط ويصمم لاستعماره الاستيطاني على أرض فلسطين.
وعندما حصل هرتزل على شهادة حسن سلوك استعماري استيطاني من رودس قدمها للحكومة البريطانية ليستصدر منها قرار التأييد والدعم مقابل أن يبني على أرض فلسطين قاعدة للاستعمار تؤمن مصالحه في أهم النقاط الاستراتيجية في الشرق الأوسط.
وهكذا باشرت الحركة الصهيونية متحالفة مع الاستعمار العالمي غزوتها لبلادنا. واسمحوا لي أن أوجز بعض الحقائق التالية حولها:
- كان عدد سكان فلسطين عند بداية الغزوة عام 1881 وقبل قدوم أول موجة استيطان حوالي نصف مليون نسمة كلهم من العرب، مسلمين ومسيحيين، ومنهم حوالي عشرون ألفاً من يهود فلسطين يعيشون جميعاً في كنف التسامح الديني الذي اشتهرت به حضارتنا.
- وكانت فلسطين أرضاً خضراء معمورة بشعبها العربي الذي يبني الحياة في وطنه ويغني ثقافته.
- وعمدت الحركة الصهيونية إلى تهجير حوالي خمسين ألف يهودي أوروبي بين عامي 1882 و1917 لاجئة إلى شتى أساليب الاحتيال لتغرسهم في أرضنا، ونجحت في الحصول على تصريح بلفور من بريطانيا؛ فجسد التصريح حقيقة التحالف الصهيوني الاستعماري، وعبر هذا التصريح عن مدى ظلم الاستعمار للشعوب؛ حيث أعطت بريطانيا، وهي لا تملك، وعداً للحركة الصهيونية، وهي لا تستحق؛ وخذلت عصبة الأمم بتركيبها القديم شعبنا العربي وتبخرت وعود ومبادئ ويلسون في الهواء، وفرضت علينا قسراً الاستعمار البريطاني بصورة الانتداب، وتعهد صك الانتداب الذي أصدرته عصبة الأمم المتحدة صراحة بالتمكين للغزوة الصهيونية من أرضنا.
- وعلى مدى ثلاثين عاماً بعد صدور تصريح بلفور نجحت الحركة الصهيونية مع حليفها الاستعماري في تهجير مزيد من يهود أوروبا واغتصاب أراضي عرب فلسطين. وهكذا أصبح عدد اليهود في فلسطين عام 1947 حوالي ستمائة ألف يملكون أقل من 6% من أراضي فلسطين الخصبة. بينما كان تعداد عرب فلسطين حوالي مليون وربع المليون نسمة.
- وبفعل تواطؤ الدولة المنتدبة مع الحركة الصهيونية ودعم الولايات المتحدة لهما صدر عن هذه الجمعية وهي في بداية عهدها التوصية بتقسيم وطننا فلسطين في 29 نوفمبر 1947 وسط تحركات مريبة وضغوط شديدة؛ فقسمت ما لا يجوز لها أن تقسم (أرض الوطن الواحد)، وحين رفضنا ذلك القرار فلأننا مثل أم الطفل الحقيقية التي رفضت أن يقسم سليمان طفلها حين نازعتها عليه امرأة أخرى؛ ومع ذلك فقد منح قرار التقسيم المستوطنين الاستعماريين 54 % من أرض فلسطين، وكأن ذلك لم يكن كافياً بالنسبة إليهم؛ فشنوا حرباً إرهابية ضد السكان المدنيين العرب واحتلوا 81% من مجموع مساحة فلسطين وشردوا مليون عربي مغتصبين بذلك 524 قرية ومدينة عربية. ودمروا منها 385 مدينة وقرية تدميراً كاملاً محوها من الوجود. وحيث فعلوا ذلك أقاموا مستوطناتهم ومستعمراتهم فوق الانقاض وبين بساتيننا وحقولنا.
ومن هنا يبدأ جذر المشكلة الفلسطينية، أن هذا يعني أن أساس المشكلة ليس خلافاً دينياً أو قومياً بين دينين أو قوميتين وليس نزاعاً على حدود بين دول متجاورة، انه قضية شعب اغتصب وطنه وشرد من أرضه لتعيش أغلبيته في المنافي والخيام.
وقد استطاع هذا الكيان الصهيوني وبدعم من دول الاستعمار والامبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية أن يتحايل على هيئة الأمم لفبوله في عضويتها ومن ثم على شطب قضية فلسطين من دول أعمالها، وتضليل الرأي العام العالمي بتصوير المشكلة كمشكلة لاجئين بحاجة إلى عطف المحسنين أو إعادة توطينهم في بلاد الآخرين.
على أن هذه الدولة العنصرية التي قامت على أساس الاستعمار الاستيطاني لم تكتف بكل ذلك حيث جعلت من نفسها قاعدة للإمبريالية وراحت تتحول إلى ترسانة من الأسلحة لإكمال مهمتها في إخضاع الشعوب العربية والعدوان عليها طمعاً في المزيد من التوسع على الأرض الفلسطينية والأراضي العربية. فإلى جانب عشرات الاعتداءات التي شنتها هذه الدولة ضد البلاد العربية قامت بحربين توسعيتين كبيرتين عام 1956 وعام 1967 عرضت خلالهما السلم العالمي لخطر حقيقي.
فقد كان من نتائج العدوان الصهيوني في حزيران 1967 أن احتل العدو سيناء المصرية حتى مشارف السويس، واحتل الجولان السورية فضلاً عن احتلاله للأرض الفلسطينية حتى نهر الأردن، الأمر الذي شكل وضعاً جديداً في منطقتنا وخلق ما يسمى بمشكلة الشرط الأوسط. ومما جعل الوضع يتفاقم أكثر إصرار العدو على استمرار الاحتلال وتكريسه، مشكلاً رأس حربه للاستعمار العالمي ضد أمتنا العربية، وقد ضرب عرض الحائط بكل قرارات مجلس الأمن ونداءات الرأي العام العالمي للانسحاب من الأراضي التي احتلها بعد حزيران ولم تجد كل المساعي السلمية والدبلوماسية لردعه عن هذه السياسة التوسعية، فما كان أمام أمتنا العربية وفي مقدمتها دولتا مصر وسوريا إلا أن تبذل الجهود المضنية في الاستعداد العسكري من أجل الصمود في وجه هذه الغزوة الهمجية المسلحة بالقوة، وثانياً من أجل تحرير تلك الأراضي واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني بعد استنفاذ كل الوسائل السلمية، وضمن هذا الإطار اندلعت الحرب الرابعة، حرب تشرين لتؤكد للعدو الصهيوني عقم سياسته الاحتلالية التوسعية واعتماده على شريعة القوة العسكرية، ولكن رغم ذلك فإن قادة الكيان الصهيوني مازالوا بعيدين عن الاتعاظ بهذه الدروس، فهم يعدون العدة للحرب الخامسة، ليعودوا من جديد إلى سياسية مخاطبة العرب بلغة التفوق العسكري سياسة العدوان والإرهاب والإخضاع للحرب.
سيدي الرئيس،
لشد ما يتألم شعبنا حين يسمع تلك الدعايات التي تقول أن أراضيه كانت صحراء فعمرها المستوطنون الأجانب، وأن وطنه كان خالياً من السكان، وأنه لم يتضرر أحد من بني البشر نتيجة قيام هذا الكيان الاستيطاني، لا.. يا سيدي الرئيس، يجب أن تدحض هذه الأكاذيب من على هذا المنبر العالمي، ويجب أن يعرف الجميع أن فلسطين كانت مهداً لأقدم الحضارات والثقافات استثمر شعبها العربي ينشر الخضرة والبناء والحضارة والثقافة في بروعها طوال آلاف السنين ويرفع لواء التسامح الديني ضارباً المثل على حرية العقيدة وحارساً أميناً على مقدسات جميع الأديان في ظنه.
وأنني كأحد أبناء بيت المقدس احتفظ لنفسي ولشعبي بذكريات جميلة وصور رائعة عن مظاهر التآخي الديني التي كانت تتألف في مدينتنا المقدسة قبل حلول النكبة بها، ولم ينقطع شعبنا عن ذلك إلا بعد تمكن الغزوة الصهيونية الهمجية من إقامة دولة إسرائيل وتشريده.
ولكنه مازال مصمماً على الاستمرار ف أداء دوره الحضاري والإنساني على أرض فلسطين، ولا يسمح بأن تتحول هذه الأراضي إلى بؤر للعدوان على الشعوب، وإلى معسكر عنصري ضد الحضارة والثقافة والتقدم والسلام. ولهذا فإن شعبنا لا يستطيع إلا أن يواصل تراث أجداده في الكفاح ضد الغزاة وأن يحمل شرف المسؤولية في الدفاع عن وطنه وعن أمنته العربية وعن الثقافة والحضارة ومهد الديانات السماوية، وتكفينا نظرة سريعة لمواقف إسرائيل العنصرية عندما دعمت منظمة الجيش السرية في الجزائر، وفي دعمها للمستعمرين في أفريقيا سواء في الكونغو وانغولا وموزمبيق وزمبابوي وفي وقوفها إل جانب حكومة فيتنام ضد الثورة الفيتنامية، فضلاً عن مواقفها المتتابعة في هذا السياق إلى جانب الاستعماريين والعنصرين في كل مكان وعرقلتها لعمل لجنة تصفية الاستعمار ورفضها التصويت لمصلحة استقلال بلدان أفريقيا ووقوفها ضد مطالب بلدان آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وبلدان عديدة أخرى في مؤتمرات " المواد الأولية والتنمية" و"قانون البحار" و"السكان" و"التغذية". كل ذلك يعطي دليلاً إضافياً على صورة العدو الذي اغتصب بلادنا، ويكشف عن شرف النضال الذي نخوضه ضده. اننا ندافع عن حلم المستقبل، وهو يدافع عن أساطير الماضي.
سيدي الرئيس،
إن لهذا العدو الذي نواجهه سجلاً حافلاً ضد اليهود أنفسهم فهناك في داخل الكيان الصهيوني تمييز عنصري بشع ضد اليهود الشرقيين. وإذا كنا ندين بكل ما أوتينا من قوة مذابح اليهود تحت الحكم النازي، فإن القادة الصهاينة كما يبدو أن همهم الأكبر حينذاك هو استغلالها لتحقيق الهجرة إلى فلسطين.
سيدي الرئيس،
لو كان تهجيرهم إلى فلسطين بهدف العيش كمواطنين متساوين معنا بالحقوق والواجبات لكنا أفسحنا المجال لهم ضمن إمكانات وطننا، كما حدث مع عشرات الآلاف من الأرمن الشركس الذين ما زالوا بيننا إخوة مواطنين مثلنا تماماً، أما أن يكون هدف ذلك اغتصاب أراضينا وتشريدنا وتحويلنا إلى مواطنين من الدرجة الثانية وإنزال المعاملة نفسها بنا فهذا ما لا يمكن أن ينصحنا أحد القبول به أو الإذعان له. ولهذا فإن ثورتنا منذ البداية لا تقوم على أسس عرقية أو دينية عنصرية، وليست موجهة للإنسان اليهودي من حيث كونه إنساناً وإنما هي موجهة ضد العنصرية الصهيونية وضد العدوان. وبهذا المعنى فإن ثورتنا هي أيضاً من أجل الإنسان اليهودي. إننا نناضل من أجل أن يعيش اليهود والمسيحيون والمسلمون بمساواة في الحقوق والواجبات وبلا تمييز عنصر أو ديني.
أ- إننا إذن يا سيادة الرئيس نفرق بين اليهودية وبين الصهيونية. وفي الوقت الذي نعادي الحركة الصهيونية الاستعمارية، فإننا نحترم الدين اليهودي وإننا نحذر اليوم، وبعد قرابة قرن من بروز هذه الحركة العنصرية، من أن خطرها يتزايد ضد اليهود في العالم، وضد شعبنا العربي وضد أمن العالم وسلامته، فالصهيونية لا تزال متمسكة بتهجير اليهود من أوطانهم واصطناع قوميه لهم يستبدلون بها قومياتهم الأصلية. إن الصهيونية تتابع نساطها التخريبي هذا على الرغم من ظهور فشل الحل الذي قدمته، وأن ظاهرة النزوح من التجمع الإسرائيلي المستمرة منذ قيامه والتي ستقوى مع سقوط قلاع الاستعمار الاستيطاني العنصري في العالم، لدليل على هذا الفشل.
ب- إننا ندعو جميع الشعوب والحكومات لمجابهة مخططات الصهيونية الرامية إلى تهجير مزيد من يهود العالم من أوطانهم ليغتصبوا وطننا. وندعوهم ف يالوقت نفسه للوقوف في وجه أي اضطهاد للإنسان بسبب دينه أو جنسه أو لونه.
ت- وإنني أتساءل يا سيادة الرئيس، لماذا يتحمل شعبنا ووطننا مسؤولية مشكلة الهجرة اليهودية إذا كانت لا زالت مثل هذه المشكلة في مخيلة البعض؟ وأتساءل لماذا لا يتحمل المتحمسون لهذه المشكلة إن وجدت، المسؤلية فيفتحوا بلادهم الكبيرة الرقعة والقادرة لاستيعاب هؤلاء المهاجرين ومساعدتهم؟
سيدي الرئيس،
إن الذين ينعتون ثورتنا بالإرهاب، إنما يفعلون ذلك لكي يضللوا الرأي العام العالمي عن رؤية الحقائق، من روية وجهنا الذي يمثل جانب العدل والدفاع عن النفس ووجههم الذي يمثل جانب الظلم والإرهاب.
إن الجانب الذي يقف فيه حامل السلاح هو الذي يميز بين الثائر والإرهابي، فمن يقف في جانب قضية عادل ومن يقاتل من أجل حرية وطنه واستقلاله ضد الغزو والاحتلال والاستعمار لا يمكن أن تنطبق عليه بأي شكل من الأشكال صفة إرهابي وإلا اعتبر الشعب الأمريكي حين حمل السلاح ضد الاستعمار البريطاني إرهابياً واعتبرت المقاومة الأوروبية ضد النازية إرهاباً، واعتبر نضال شعوب آسيا وإفريقيا وأمريكيا اللاتينية إرهاباً. لا يا سيدي الرئيس إن هذا هو الكفاح العادل والمشروع والذي يكرسه ميثاق هيئة الأمم والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. أما الذي يحمل السلاح ضد القضايا العادل... الذي يشن الحرب لاحتلال أوطان الآخرين ونهبم واستغلالها واستعمارهم فذلك هو الإرهابي وأعماله هي التي يجب أن تدان وينسحب عليه لقب مجرم حرب ذلك أن عدالة القضية هي التي تقرر عدالة السلاح
سيدي الرئيس،
إن الإرهاب الصهيوني الذي ارتكب بحق الشعب الفلسطيني لإجلائه عن وطنه واقتلاعه من أرضه مدون لديكم في وثائق رسمية وزعت في الأمم المتحدة، لقد ذبح الآلاف من أبناء شعبنا في قراهم ومدنهم وأجبر عشرات الأولوف تحت نار البندقية وقصف المدافع والطائرات أن يتركوا بيوتهم وما زرعوا في أرض أجدادهم. وكم من مرة أجبر فيها أبناء من شعبنا نساء وأطفال وشيوخ على الخروج من دون زاد أو ماء زأرغموا على تسلق الجبال والتيه في الصحراء.
إن الكوارث التي حلت عام 1948 بأهالي المئات من القرى والمدن في السهل والجبل، في القدس ويافا واللد والرملة والجليل، لم ولن ينساها من عانى أهوال لحظة لحظة رغماً عن التعتيم الإعلامي العالمي الذي نجح في إخفاء هذه الأهوال كما أخفى أثر 385 قرية ومدينة فلسطينية دمرت في حينه وأزيلت من الوجود، ان نسف 19 ألف منزل على مدى السنوات السبع الأخيرة أي ما يساوي تدمير مائتي قرية فلسطينية أخرى تدميراً كاملاً والأعداد الضخمة من مشوهي الإرهاب والتعذيب ومن في السجون لا يمكن أن يطمسه التعتيم الإعلامي. لقد وصل إرهابهم إلى الحقد حتى على شجرة الزيتون في بلادي التي اعتبروها علماً شامخاً يذكرهم بسكان البلاد الأصليين، يصرخ أن الأرض فلسطينية، فراحوا يعملون على اقتلاعها أو قتلها بالإهمال والتحطيب، ماذا يمكن أن يسمى تصريح غولدا مائير عندما عبرت عن "قلقها من الأطفال الفلسطينيين الذين يولدون كل صباح". انهم يرون في الطفل الفلسطيني والشجرة الفلسطينية عدواً يجب التخلص منه، يا سيادة الرئيس، طيلة عشرات السنين وهم يتعقبون قيادات شعبنا الثقافية والسياسية والاجتماعية والفنية بالإرهاب والتقتيل والاغتيال اوالتشريد. لقد سرقوا تراثنا الحضاري، وفولكلورنا الشعبي وادعوه لهم ومدوا إرهابهم إلى مقدساتنا في مدينة السلام القدس الحبيبة وعمدوا إلى إفقادها طابعها العربي المسيحي الإسلامي من خلال تهجير سكانها وضمها لدولتهم، ولا حاجة لأن نسترسل في ذكر المسجد الأقصى وسرقة ثروات كنيسة القيامة والتشويه الذي لحق بعمرانها وطابعها الحضاري.. فالقدس بروعتها وبالعبق التاريخي المسيطر عليها تشهد لإجيالنا المتعاقبة التي مرت عليها تاركة في كل ركن من أركانها أثراً خالداً وبصمة حنونة ولمسة حضارية ونبضة إنسانية.
وليس غريباً أن تتعانق في سمائها الرسالات السماوية الثلاث وتتهادى في ركبها وآفاقها تنير للبشرية طريق جلجلتها وهي تحمل أشواكها وآلامها لترسم مستقبلها بكل ما فيه من آمال وأماني ومعطيات.
سيدي الرئيس،
إنا العدد القليل من العرب الفلسطينيين الذيم لم يستطع العدو هجيرهم من أرضهم عام 1948 هم الآن لاجئون على أرضهم وقد عوملوا في القانون الإسرائيلي كمواطنين من الدرجة الثانية، بل والثالثة باعتبار أن اليهود الشرقيين هم مواطنوا الدرجة الثانية ومورست ضدهم كل أشكال التمييز العنصري والإرهاب وصودرت أراضيهم وممتلكاتهم، وتعرضوا لمذابح دامية كما حدث في قرية كفر قاسم، وهجروا من قراهم وحرموا من العودة لها كما حدث لأهالي قريتي كفربرعم وأقرت، كما أهلنا عاشوا هناك ثمانية عشر عاماً تحت الحكم العرفي لا يحق لهم الانتقال من مكان إلى مكان مجاور دون إذن مسبق من الحاكم العسكري. تصور، يا سيادة الرئيس، في الوقت الذي يسن فيه المشرع الإسرائيلي قانوناً حقاً تلقائياً بالمواطنة لأي يهودي يهاجر إلى أرضنا فور أن يطأها، يسن قانوناً آخر يعتبر الفلسطينيين الذين بقوا في فلسطين ولم يكونوا في قراهم أو مدنهم ساعة احتلالها محرومين من المواطنة.
سيدي الرئيس،
إن سجل حكام إسرائيل الحافل بجرائم الإرهاب يمتد ليشمل عدداً من أبناء أمتنا العربية الذين بقوا تحت الاحتلال في سيناء أو الجولان كما أن ذكرى جريمة قصف مدرسة بحر البقر ومصنع أبو زعبل في مصر العربي ما زالت ماثلة للإذهان، وأما تدمير مدينة القنيطرة السورية مازال شاهداً لكل من يريد أن يرى ما يفعله الإرهاب، وإذا فتح سجل الإرهاب الصهيوني على جنوبي لبنان وهو الإرهاب الذي ما زال ميتمراً، فسوف تقشعر الأبدان من هول ما يرتكب من أعمال القرصنة والقصف والعدوان، بما في ذلك تهجير المدنيين وتدمير بيوتهم وخطفهم وحرق مزارعهم إلى جانب الاعتداءات المستمرة على سيادة الدولة اللبنانية، والإعداد لسرقة مياه نهر الليطاني، ولنذكر في هذا المجال بالمقررات العديدة التي صدرت عن هذه المنظمة، والتي تدين إسرائيل بارتكاب الاعتداءات ضد الدولة العربية وبالاعتداء على حقوق الإنسان، وفيما يتعلق بضم القدس وتغيير وضعها السابق للاحتلال وإدانتها لمخالفات متعددة لبنود اتفاقيات جنيف في حالة الحرب.
سيدي الرئيس،
إن التأمل بكل هذه الأعمال لا يمكن أن يطلق عليه من وصف غير وصف الإرهاب الهمجي، ومع ذلك يتجزأ أولئك الإرهابيون الغزاة العنصرين على تسمية نضالات شعبنا العادلة بالأعمال الإرهابية.
هل يوجد ثمة تجرؤ على الباطل والتزييف أشد من هذا. واننا نقول أن على أولئك الذين اغتصبوا أرضنا وارتكبوا من جرائم الإرهاب والتمييز العنصري أكثر مما فعل ويفعل العنصريون في جنوبي إفريقيا، ان يتذكروا قرار الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة الذي أعلن طرد جنوبي إفريقيا من عضويتها، لأن ذلك هو المصير المحتوم لكل الدول العنصرية التي تطبق شريعة الغاب وتغتصب وطن الآخرين وتضطهدهم.
سيدي الرئيس،
لقد قاوم شعبنا الفلسطيني خلال ثلاثين عاماً تحت الاحتلال البريطاني والغزو الصهيوني كل حاولات انتزاع أرضه، وناضل في ثورات ست، ومنةخلال عشرات الانتفاضات الشعبية ومن أجل احباط المؤامرة ليبقى على أرضه وفوق تراب وطنه، قدم في سبيل ذلك ولغاية 1948 ثلاثين ألف شهيد (أي ما يوازي 6 ملايين أمريكي بالنسبة لعدد سكان اليوم).
وعندما اقتلعت غالبيته من الأرض الفلسطينية التي احتلت عام 1948 ظل يقوم في ظروف صعبة محاولات إفنائه. وحاول شعبنا بكل الطرق استمرار نضاله السياسي من أجل حقوقه، دون جدوى.
وناضل للحفاظ على وجوده فتعلم أبناؤه في النزوح والشتات وكدحوا تحت أصعب الظروف ليستطيعوا الاستمرار، وأصبح لدى الشعب الفلسطيني آلاف الأطاء والمهندسين والأساتذة والعلماء توجهوا بعملهم وإمكانياتهم للأقطار العربية المحيطة بوطنهم المغتصب، فساهموا في البناء والتعمير والتطوير وحصلوا على دخل استخدموه لمساعدة أقربائهم الصغار والعجائز الذين استحال عليهم مغادرة مخيمات النزوح، علم الأخ أخاه أخته وحافظ على والديه وربى أولاده ولكنه ظل يحلم في قلب ذاته بالعودة إلى فلسطين.. ظل فلسطينياً متمسكاً بوطنه لا يهتز ولاؤه لها ولا تهن عزيمته ولا يفتر حماسه، لم يغره شيء للتخلي عن فلسطينيته ووطنه فلسطين.
لا ولم ينسه الزمن إياها كما توقع المتوقعون.
وعندما خابت آمال شعبنا بالأسرة الدولية التي نسيته وتغافلت عن حقوقه وثبت لشعبنا عجز النضال السياسي وحده عن استعادة شبر أرض من وطنه لجأ شعبنا إلى الثورة الفلسطينية وأعطاها كل إمكانياته المادية والبشرية وخيرة شبابه.. وواجهشعبنا ببسالة إرهاباً إسرائيلياً لا يتخيله بشر ليثنيه عن طريق النضال.
لقد قدم شعبنا في السنوات العشر الأخيرة من نضاله آلاف الشهداء وأضعافهم من الجرحى والمشوهين والأسرى والمعتقلين من أجل أ يفنى أو يذوب ومن أجل انتزاع حقه في تقرير مصيره على وطنه وفي عودته إلى ترابه.
وتعيش جماهير شعبنا الآن تحت الاحتلال الصهيوني تقاوم بكل الكبرياء المتأصلة فيها، بكل الشموخ الثوري الملازم لها سواء من زج منها في السجون والمعتقلات أو من يعيش داخل السجن الكبير في قفص الاحتلال، يقاومون من أجل البقاء والوجودز يناصلون من أجل أن تبقى الأرض عربية ويكافحون الطغيان والظلم والإرهاب بشتى صوره المأساوية الخطيرة.
ومن خلال ثورة شعبنا المسلحة تبلورت قيادته السياسية وترسخت مؤسساته الوطنية وبنيت حركة التحرير الوطنية التي تضم كل فصائله وتنظيماته وقدراته والتي جسدتها منظمة التحرير الفلسطينية.
ومن خلال حركة التحرر الوطنية الفلسطينية نضج نضال شعبنا وتعددت أساليبه فشمل النضال السياسي والاجتماعي بالإضافة للنضال المسلح، واندفعت منظمتنا تساهم في بناء الإنسان الفلسطيني المؤهل لبناء المستقبل الفلسطيني وليس لتعبئته لمواجهة تحديات الحاضر.
وتعتز منظمة التحرير الفلسطينية بإنها وهي تخوض المعارك المسلحة وتواجه قساوة الإرهاب الصهيوني، قامت بمآثر عديدة حضارية وثقافية فشكلت مؤسسات البحث العلمي، والتطوير الزراعي والرعاية الصحية وإحياء التراث الحضاري لشعبنا، وتطوير الفولكلور الشعبيوخرجت من بين صفوفها عدداً من الشعراء والفنانين والكتاب الذين يسهمون في تطوير الثقافة العربية، وربما امتد ذلك إلى الثقافة العالمية، وكان المحتوى لكل ذلك يحمل طابعاً إنسانياً عميقاً آثار إعجاب كل الأصدقاء الذين أطلعوا عليه وكنا بذلك النقيض لعدونا الذي قام على هدم الحضارة والثقافة بترويج الأفكار العنصرية والاستعمارية وكل ما هو معاد للشعوب والتقدم والعدل والديمقراطية والسلام.
سيدي الرئيس،
لقد اكتسبت منظمة التحرير الفلسطينية شرعيتها من طليعتها في التضحية ومن قيادتها للنضال بكافة أشاله، واكتسبتها من الجماهير الفلسطينية التي أولتها قيادة العمل واستجابت لتوجيهها... واكتسبها من تمثيل كل فصيل ونقابة وتجمع وكفاءة فلسطينية في مجلسها الوطني ومؤسساتها الجماهيرية، وقد تدعمت هذه الشرعية بمؤازرة الأمة العربية كلها لها. وكما تكرس هذا الدعم في مؤتمر القمة العربي الأخير بتأكيد حق منظمة التحرير الفلسطينية في إقامة السلطة الوطنية المستقلة على كل الأراضي الفلسطينية التي يتم تحريرها بصفتها الممثلة الشرعية الوحيدة للشعب الفلسطيني.
كما أن شرعيتها تعمقت من خلال دعم الإخوة في حركات التحرر ودول العالم الصديقة المناصرة التي وقفت إلى جانب المنظمة تدعمها وتشد أزرها في نضالها من أجل حقوق الشعب الفلسطيني.
وهنا لا بد أن أن أعلن بكل اعتزاز شكر ثوارنا وشعبنا للمواقف المشرفة التي وقفتها مع نضال شعبنا دول عدم الانحياز والدول الاشتراكية والدول الإسلامية الإفريقي والدول الصديقة في أوروبا وكذلك الأصدقاء في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
سيدي الرئيس،
إن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وهي بهذه الصفة تنقل إليكم تلك الرغبات والأماني وتحملكم مسؤولية تاريخية كبيرة تجاه قضيتنا العادلة.
سيادة الرئيس،
لقد تعرض شعبنا لويلات الحرب والدمار والتشريد سنين طويلة، ودفع شعبنا من دماء أبنائه وأرواحهم ما يعوّض بثمن.
وعانى منالاحتلال والتشريد والنزوح والإرهاب ما لم يعان منه شعب آخر. ولكن ذلك كله لا يجعل شعبنا حاقداً يحلم بالانتقام، كما أنه لا يجعلنا يا سيادة الرئيس تقع في سقطة عدونا العنصرية أو نفق الرؤية الحقيقية في تحديد أعدائنا وأصدقائنا.
إننا ندين كل الجرائم التي ارتكبت ضد اليهود وكل أنواع التمييز الصريح والمقنع الذي عانى منه معتنقو اليهودية.
سيدي الرئيس،
إنني ثائر من أجل الحرية. واعرف أن كثيرين من الجالسين في هذه القاعة كانوا في مثل المواقع النضالية التي أقتل منها الآن.
واستطاعوا من خلال نضالهم أن يحولوا أحلامهم إلى حقائق. إنهم شركائي في الحلم إذن، من هنا أسألهم أن نمضي في تحويل الحلم المشترك بمستقبل السلام في هذه الأرض الفلسطينية المقدسة إلى حقائق ساطعة.
لقد وقف المناضل اليهودي أهود أديف في المحكمة العسكرية الإسرائيلية قائلاً: أنا لست مخرباً... أنا من المؤمنين بإقامة الدول الديمقراطية على هذه الأرض، أنه الآن في غياهب سجون الزمرة العسكرية الصهيونية مع زملاء له.
ويمثل الآن، أمام هذه المحاكم ذاتها، أمير شجاع من أمراء الكنيسة المسيحية هو المطران كبوجي. انه يرفع أصابعه بعلامة النصر - شعار ثوارنا – ويقول: " إنني أعمل من أجل السلام في فلسطين ليعيش الجميع على أرض السلام بسلام". وسيلقى هذا الأمير الراهب المصير ذاته في غياهب السجون.
فلماذا لا أحلم، يا سيادة الرئيس، وآمل، والثورة هي صناعة تحقيق الأحلام والآمال، فلنعمل معاً على تحقيق الحلم في أن أعود مع شعبي منمنفاي لأعيش مع هذا المناضل اليهودي ورفاقه، ومع هذا المناضل الراهب المسيحي وإخوانه في ظل دولة واحدة ديمقراطية يعيش فيها المسيحي والمسلم في كنف المساواة والعدل والإخاء.
ألا يستحق هذا الهدف الإنساني النبيل أن أتاضل من أجل تحقيقه مع كل الشرفاء في العالم؟ ولعل أروع ما في هذا الهدف العظيم هو أنه من أجل فلسطين... أرض القداسة والسلام، أرض الاستشهاد والبطولة.
لقد ناضل اليهود يا سيادة الرئيس في أوروبا وهنا في أمريكا من أجل أوطان لا طائفية تنفصل فيها الدول عن الكنيسة وقاتلوا ضد التمييز على أساس الدين. فكيف يمكن لهم أن يرفضوا هذا النموذج الإنساني المشرف على الأرض المقدسة، أرض السلام والمساواة؟ وكيف يمكن لهم أن يستمروا في دعم أكثر دول العالم انغلاقاً وتمييزاً وتعصباً؟
إنني أعلن أمامكم هنا كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية وقائد للثورة الفلسطينية أننا عندما نتحدث عن آمالنا المشتركة من أجل فلسطين الغد فنحن نشمل في تطلعاتنا كل اليهود الذين يعيشون الآن في فلسطين ويقبلون العيش معنا في سلام ودون تمييز على أرض فلسطين.
إنني بصفتي رئيساً لمنظمة التحرير وقائداً لقوات الثورة الفلسطينية أدعوا اليهود فرداً فرداً ليعيدوا النظر في طريق الهاوية الذي تقودهم إليه الصهيونية والقيادات الإسرائيلية وهي التي لم تقدم لهم غير النزيف الدموي الدائم والاستمرار في خوض الحروب واستخدامهم كوقود دائم لها.
إننا ندعوكم للخروج إلى مجال الاختيار الرحب بعيداً عن محاولات قيادتكم لغرس عقدية المساواة وجعلها قدراً لكم.
إننا نقدم لكم أكرم دعوة... أن نعيش معاً في إطار السلام العادل في فلسطيننا الديمقراطية.
إنني كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية وكقائد للثورة الفلسطينية أعلن هنا أننا لا نريد إراقة نقطة دم يهودية أو عربية... ولا نستعذب استمرار القتال دقيقة واحدة إذا حل السلام العادل المبني على حقوق شعبنا وتطلعاته وأمانيه.
إنني كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية وكقائد للثورة الفلسطينية أتوجه إليكم أن تقفوا مع نضال شعبنا من أجل تطبيق حقه في تقرير مصيره، هذا الحق الذي كرسه ميثاق منظمتكم وأقرته جمعيتكم الموقرة في مناسبات عديدة.. وإنني أتوجه إليكم أيضاً أن تمكنوا شعبنا من العودة منمنفاه الإجباري الذي دفع إليه تحت حراب البنادق وبالعسف والظم ليعيش في ظنه ودياره وتحت ظلال أشجار حراً سيداً متمتعاً بكافة حقوقه القومية ليشارك في ركب الحضارة البشرية وفي مجالات الإبداع الإنساني بكل ما فيه من إمكانات وطاقات وليحمي قدسه الحبيبة كما فعل دائماً عبر التاريخ ويجعلها قبلة حرة لجميع الأديان بعيداً عن الإرهاب والقهر.
كما اتوجه إليكم بأن تمكنوا شعبنا من إقامة سلطته الوطنية المستقلة وتأسيس كيانه الوطني على أرضه.
لقد جئتكم يا سيادة الرئيس بغصن الزيتون مع بندقية ثائر.. فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي.
سيادة الرئيس....
الحرب تندلع من فلسطين والسلام يبدأ من فلسطين.
خطاب ياسر عرفات أمام المجلس الثوري لحركة “فتح” 2000
الأخ حمدان عاشور أمين سر المجلس الثوري،
الأخوات والإخوة أعضاء المجلس،
بسم الله الرحمن الرحيم
“إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ”
يجتمع المجلس الثوري لحركتنا "فتح" اليوم وحركتكم الرائدة حركة "فتح" وحركة شعبنا الفلسطيني الصامد المرابط والقابض على الجمر وكل قوى وفصائل الشعب الفلسطيني نواجه جميعاً تحديات ضخمة وغير مسبوقة في محاولة من حكومة إسرائيل لإجهاض كفاحنا ونضالنا الوطني التحرري، وعبثاً يفعلون، ولمنع شعبنا من نيل استقلاله الوطني في دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف في أرض فلسطين الحرة المباركة. ولا بد لهذا الاجتماع الهام والأساسي لمجلسنا الثوري أن يرسم البرنامج وأن يحدد الطريق السليم للوصول إلى هدفنا في الاستقلال والحرية.
واسمحوا لي، بحكم موقعي ومسؤولياتي في حركتنا "فتح" وفي منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا الفلسطيني، وفي رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية، وكرئيس لدولة فلسطين- أن أضع أمامكم القضايا والمواقف التي تتطلب من مجلسنا الثوري الحوار المعمق والقرارات الصائبة سياسياً وتنظيمياً وأمنياً ووطنياً وقومياً، لتعزيز قدرة “فتح” وقدرة الشعب الفلسطيني على مواجهة تحديات الاحتلال والاستيطان وجدار الضم والتوسع والحصار الظالم والعقوبات الجماعية المفروضة على الشعب الفلسطيني وقيادته، وعلى “فتح” التي قال عنها الرئيس البطل المرحوم عبد الناصر بعد معركة الكرامة: "وجدت لتبقى … ووجدت لتنتصر".
أولاً: على الصعيد السياسي وعملية السلام.
إن حركة “فتح” قد شقت الطريق أمام الحل السياسي بيننا وبين الإسرائيليين، وسارت دون تردد في عملية السلام الشاقة والطويلة، وانطلاقاً من قرارات المجلس الوطني الفلسطيني سنة 1988 في الجزائر. ولم تتردد حركتكم “فتح” في اتخاذ القرارات المصيرية التي عززت مكانة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد على الصعيد الوطني والعربي والدولي. ولا أخفيكم أيتها الأخوات أيها الإخوة، أن مسيرة السلام لم تكن سهلة ولم تكن بسيطة؛ بل كانت في غاية الصعوبة والتعقيد، خاصة بعد اغتيال شريكنا الراحل يتسحاق رابين على يد المتطرفين الإسرائيليين. وفي الواقع دخلت عملية السلام في نفق مظلم وممتد بعد ذلك؛ ولكننا حافظنا على رؤيتنا الصحيحة للسلام ليخدم شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية والمنطقة كلها على أساس المبادرة السعودية التي تبنتها القمة العربية في بيروت؛ فالسلام مصلحة أكيدة للشعب الفلسطيني كما أن الأمن والسلام مصلحة أكيدة للشعب الإسرائيلي، وخاصة لقوى السلام “وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ”، ورأيتم كيف في لاهاي حاخامات وقوى سلام وقفت وسارت في القدس، كذلك وفي غيرها جنباً- إلى جنب معكم ضد ما يحدث ضد الشعب الفلسطيني وللمنطقة كلها طبقاً لقرارات الشرعية الدولية وخاصة 242، 338، 425، 1397، 1515، 194 وغيرها. إن موقفنا السياسي ينبع من مصلحة شعبنا ومن إدراك عميق للمعطيات والمتغيرات التي تؤثر بدورها في وضعنا الفلسطيني ووضعنا العربي ووضع العالم العربي كله، وفي عملية السلام في المنطقة كلها. ومن هنا تمسكنا، ونعلن اليوم أمام مجلسنا الثوري أن حركة “فتح” تتمسك بخيار السلام العادل والدائم والشامل وبالمفاوضات وبكافة قرارات الشرعية الدولية، وآخرها خارطة الطريق التي تمثل اليوم الشرعية الدولية بمختلف قواها الفاعلة، كما وافق عليها طبقاً للمبادرة الروسية الآن مجلس الأمن الدولي.
نعم، هناك أصوات تقول عكس ما نقول؛ لكن تجربتنا النضالية والتاريخية الطويلة تلزمنا ألا نكون محكومين بردود الفعل التي تصدر نتيجة الجرائم الإسرائيلية اليومية والحصار والقتل والتدمير لبنيتنا التحتية كلها وحجز أموالنا الجمركية والضرائبية منذ 42 شهراً الماضية، وإلى جانب 28 مليار شيكل (حقوق عمالنا).
وهذه الجرائم التي ترتكبها حكومة إسرائيل الحالية والتي كانت قبلها، كما تعرفون، الاتفاق السري بين باراك وشارون بما فيها هذا الجدار العنصري الذي يلتهم 58% من أرضنا، وفي زيادة الآن من الحدود المصرية الفلسطينية وشمال منطقة بيت لاهيا، ويعزل حوله القدس عن بيت لحم وعن الضفة كلها، بجانب الاستيطان الخطر ضد شعبنا الفلسطيني الصامد المرابط. إن علينا أن نحسن رؤية الواقع السياسي المحلي والإقليمي والدولي؛ وبالتالي نعلن للعالم أن خيار السلام هو خيار شعبنا الفلسطيني، وإننا ملتزمون بخريطة الطريق وندعو إلى تطبيقها بحذافيرها. كما تعرفون لا زالت إسرائيل، وآخرها في خطاب هرتسليا من شارون 14 تحفظاً على خارطة الطريق، وبشكل متزامن ومتوازن، بما يحقق هدفنا الوطني في إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وإيجاد الحل العادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفق القرار 194، وإطلاق سراح أسرانا ومعتقلينا الأبطال من السجون والمعتقلات الإسرائيلية. وهنا نؤكد أن الأمن ليس فقط مطلباً إسرائيلياً، بل هو مطلب فلسطيني وعربي ودولي. وإنني أدعو الجانب الإسرائيلي واللجنة الرباعية بسرعة لإرسال المراقبين أو القوات الدولية للإشراف الدولي على الانسحاب الإسرائيلي إلى خطوط 28 أيلول 2000 كنقطة بداية، وإن أجهزتنا الأمنية مستعدة لتسلم مسؤولياتها كاملة والالتزام الدقيق بالاتفاقات التي سبق ووقعنا عليها مع الجانب الإسرائيلي وبالحضور الدولي والرباعي والعربي.
وفي هذا السياق لقد أعلنا دائماً أننا ضد الأعمال التي تستهدف المدنيين سواء كانوا إسرائيليين أو فلسطينيين. وهنا أؤكد رفضنا وإدانتنا لكل العمليات التي استهدفت المدنيين الإسرائيليين.
ثانياً: على صعيد الوحدة الوطنية.
إن حركة “فتح” قد تمسكت على الدوام بالوحدة الوطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهذه الوحدة الوطنية أثبتت على الدوام أنها أقوى سلاح بيد شعبنا لمواجهة مخططات العدوان والاحتلال الإسرائيلي؛ واليوم صار لزاماً علينا تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، وتوسيع إطارها ليشمل كافة القوى الفلسطينية في الوطن وفي الشتات، كما فعلنا دائماً في الماضي ونفعله الآن، ومن هنا أوجه الدعوة لكل القوى للدخول في منظمة التحرير الفلسطينية لأن بقاء أية قوة خارج المنظمة إنما يشتت الجهد ويعطي الذريعة لكل من في نفسه مرض ليتذرع بعدم وجود الوحدة أو ليصطاد في الماء العكر. وأنتم تعرفون ماذا أعني. إن حركة “فتح” تريد وحدة وطنية شاملة ولا اعتراض على أية قوة فلسطينية ولا نضع فيتو على أحد؛ ولكننا لا نقبل بالتشرذم والاجتهادات الخاصة والممارسات الخاطئة والمتداخلة هنا وهناك التي لا تخدم قضيتنا.
وهنا أدعو إلى تشكيل لجنة من حركة “فتح” للاتصال الفوري والعاجل بكل القوى الفلسطينية لتوحيد الصف والهدف والممارسة. كما تعرفون فإنني أصر منذ فترة طويلة على اجتماع مشترك للجنة التنفيذية، ولكل القوى الفلسطينية، ونرحب بكل قوة فلسطينية لا زالت خارج هذا الإطار؛ فنحن في سفينة واحدة، وليس من حق أحد، سواء نحن أو غيرنا، أن يوجه السفينة في غير اتجاه المصلحة الوطنية والقومية لشعبنا ولأمتنا العربية في هذا الوقت العصيب الذي يواجه منطقتنا كلها.
إن الإجماع الوطني يتركز اليوم على الانسحاب الإسرائيلي الكامل من أرضنا (جيش احتلال، والمستوطنين) ولإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، في الضفة وغزة والقدس الشريف تطبيقاً لقرارات المجلسين الوطني والمركزي ووثيقة إعلان الاستقلال الوطني. أدعو الجميع إلى الوحدة والتلاحم ورص الصفوف فمصلحة شعبنا فوق كل الاعتبارات الحركية والحزبية والتنظيمية مهما كانت أهميتها وصحتها.
ثالثاً: على الصعيد الداخلي والتنظيمي في حركتنا "فتح".
إن حركتنا “فتح” بحاجة إلى تجديد مستمر وكامل على كافة المستويات، كما هي عادتنا وطرقنا التي سرنا بها منذ البداية وحتى الآن، وبعد هذا الكفاح الطويل الذي نخوضه سوياً من أجل أن ينتصر الحق الفلسطيني وتنتهي إلى الأبد معاناة شعبنا.
أريد أن أقول لكم فقط من الذاكرة كان المفروض أن ننطلق في عام 64 ولكن انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني الأول في القدس، أخذنا القرار فوراً بتأجيل الانطلاقة العسكرية أمام هذا الظلم التاريخي الذي يواجهنا من هذا الاحتلال العنصري الظالم؛ ومع ذلك أخذنا القرار بالتأجيل هذا فقط مثل من الأمثلة لا أكثر.
إن حركة “فتح” عبر تاريخها الطويل تمثل ظاهرة وطنية رائعة، وهي من أعرق وأطول وأصلب حركات التحرر في العالم أجمع، وليس من قبيل الصدف.
في 73 تسلمنا علم التحرير الثوري العالمي في برلين، إذا لا زلتم تذكرون من فيتنام؛ ونحن في رباط إلى يوم الدين، ولقد استطاعت أن تقود النضال وتحقق الأهداف في أصعب الظروف وأحلكها. وإن تضامن ووحدة “فتح” وصلابتها هي أهم ما نحرص عليه في هذه الظروف؛ حيث تشتد الحاجة إلى التجديد والتغيير وضخ دماء جديده أصيلة في القيادة من اللجنة المركزية، وحتى أصغر خلية تنظيمية أو عسكرية.
واسمحوا لي هنا أن أكون صادقاً وواضحاً معكم في هذه الأمور. وأقول من واقع تجربة “فتح” عبر عشرات السنين: حافظوا على الوحدة بين صفوفكم وإن اختلفت الآراء والاجتهادات، وحافظوا على كوادركم ومناضليكم رغم تعدد الاجتهادات وتباين الآراء؛ فليس بين أبناء “فتح” تناقضات خطيرة والحمد لله يصعب حلها؛ والتعارضات التي تحصل هنا وهناك أمور طبيعية في كل الثورات في العالم؛ بل في كل الدول والشعوب. من المفروض علينا جميعاً أن نجد لها الحل دائمًا وباستمرار، وفي كل الظروف والأوقات والمواقع والمسؤوليات. وكلكم أبناء “فتح” وكلكم مناضلون أشداء من أجل أسمى وأنبل وأقدس قضية لشعبكم ولأمتكم ولجميع الأحرار والشرفاء في العالم، وهي استعادة أرضه وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وحماية مقدساتنا المسيحية والإسلامية في هذه الأرض المباركة (أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين مسرى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومهد ورفعة سيدنا المسيح عليه السلام)، وحول كافة هذه القضايا، والتنظيمية منها؛ وتجديد المواقع والأطر؛ فإنني لا أضع أمامكم حلاً جاهزاً، بل أترك لكم وأنتم كمجلس ثوري أعلى هيئة في غياب المؤتمر العام، أن تشكلوا لجنة عمل تعمل مع اللجنة المركزية تقدم الدراسات والقرارات التي يقبلها الجميع والتي تحمي وحدتنا وتعززها وأرى أن علينا منذ الآن أن نشكل لجنة تحضيرية للمؤتمر العام السادس لحركتكم “فتح” والتي عليها مسؤوليات كبيره ولنضع لعقد المؤتمر سقفاً زمنياً. معروف أن هذا ليس سهلاً ونأمل أن تكون الظروف مواتية لعقده في أسرع ما يمكن.
وحتى تقدم “فتح” إنجازها الديموقراطي الأهم للشعب الفلسطيني وهي ديموقراطية حركة فتح؛ لا بد أن تعلموا انه حتى تنجح الديموقراطية الفلسطينية والتعددية السياسية فإن على “فتح” أن تشق الطريق الديموقراطي باعتماد بنائها على الأساس الديمقراطي وليس على أي أساس آخر.
إن تجربتنا التنظيمية بحاجة دائمة إلى مراجعة شاملة، كما تعودنا، في جميع الظروف والأوقات الحرجة والصعبة التي مررنا بها ولا تزال، بما في ذلك أهمية ضم إخوة لمجلسنا الثوري هذا، والمزيد المزيد من توضيح برنامجنا السياسي للقواعد والكوادر ولجماهير الشعب الفلسطيني ولأمتنا العربية ولجميع الأصدقاء والشرفاء في العالم أجمع.
قد أكون أيتها الأخوات أيها الإخوة قد أغفلت كثيراً من بعض القضايا التي تهمكم وتهم الشعب الفلسطيني. وأرحب بكل ما يمكن أن يقدم من اقتراحات من هنا أو هناك؛ ولكنني أختم كلمتي هذه بهذا النداء للأسرة الدولية والإخوة العرب وللجانب الإسرائيلي على السواء: نحن مع السلام، سلام الشجعان، ومع الشرعية الدولية وقراراتها ومع خريطة الطريق؛ وندعو حكومة إسرائيل إلى وقف عدوانها وتصعيداتها العسكرية الإجرامية المتواصلة وحصارها وجرائمها ضد شعبنا وضد مقدساتنا، والموافقة على وقف إطلاق النار دون قيد أو شرط؛ ونعلن التزامنا الكامل بالأمن وباتفاقات الأمن بيننا وبين الإسرائيليين على أساس التبادل والتزامن في تنفيذ الاتفاقات، أشكركم وأدعو لمجلسنا الثوري هذا بالتوفيق في هذه الظروف المصيرية لشعبنا ولأمتنا ولكل العالم.
بسم الله الرحمن الرحيم
“إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ* وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً”
صدق الله العظيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلمة الرئيس ياسر عرفات أمام الاجتماع الطارئ للجان التضامن العربي مع انتفاضة الأقصى 22 تشرين الثاني 2000
بسم الله الرحمن الرحيم
“إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد”
صدق الله العظيم
الأخ المناضل أحمد حمروش،
رئيس اللجنة المصرية للتضامن،
الإخوة والأخوات الحضور،
أشكركم، من أعماق قلبي، على هذه المبادرة التضامنية الهامة، التي تجسد مضي لجنتكم الرائدة، في دعم شعبنا وحقوقنا وأهدافنا الوطنية. ومن خلالكم أيها الأصدقاء، أتوجه لمصر الكبيرة وشعبها العظيم، وقيادتها الرشيدة، وعلى رأسها أخي الرئيس المبارك محمد حسني مبارك بكل مشاعر المحبة والاحترام. مجدداً وباسم الشعب الفلسطيني وقيادته، عهد الإخوة والوفاء والعرفان، عهد فلسطين لمصر، بالمضي قدماً في شراكة الدرب والمصير حتى يرتفع العلم الفلسطيني فوق القدس، فوق عاصمة دولتنا الفلسطينية المستقلة، وفوق كنائسها ومساجدها.
ولقد شعرت بالفخر والاعتزاز حين رفع شبل من أبناء فلسطين، علم مصر إلى جانب علم فلسطين، فوق قبة الصخرة في أحد أيام الانتفاضة المجيدة ليجسد بهذه المبادرة العفوية، عمق انتماء مصر لفلسطين ومقدساتها، وعمق وفاء فلسطين لمصر بكل ما تمثل من معاني العزة والمنعة والكبرياء، والعروبة والقومية الأصيلة.
أيها الإخوة والأصدقاء،
ها نحن نوشك على إكمال الشهر الثاني من أشهر الانتفاضة المباركة، وحتى اليوم ودعنا قافلة جديدة من قوافل الشهداء يوشك عددها على بلوغ الثلاثمائة، وقوافل أخرى من الجرحى بلغ عددها ما يربو على أحد عشر ألفاً، وفي سياق الحديث عن الشهادة والدم، لن نتحدث كثيراً عن خسائرنا المادية الضخمة التي بلغت مئات الملايين من الدولارات، في وقت يعرف الجميع، مدى الصعوبات التي يواجهها شعبنا، بفعل الحصار الإسرائيلي المتمادي، والاغلاقات التي لا تتوقف، وحجز أموالنا من قبل الحكومة الإسرائيلية؛ مما يهدد شعبنا في قوت يومه. وهذا لا يقل خطراً عن تهديد الحرية والحياة.
أيها الإخوة والأصدقاء،
إن هذا الشلال المتدفق من الدم الزكي، وهذه المعاناة التي تلقي بثقلها على شعبنا بأكمله، ما هو في حقيقة الأمر إلا فصل جديد من فصول الكفاح الوطني الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال. ولقد بدأ هذا الفصل، حين أدرنا معركة الحقوق الوطنية في كامب ديفيد الثانية بكل صلابة ومبدئية، ورفضنا وبكل وعي مبدأ الانتقاص من حقوقنا الوطنية ومن سيادتنا على مقدساتنا الإسلامية والمسيحية، ورفضنا عدم حل قضية اللاجئين على أساس الشرعية الدولية، ورفضنا المساومة على الأرض والقدس الشريف، فليس فينا، وليس بيننا، وليس منا، من يفرط بذرةٍ من ترابها.
ولقد هددنا آنذاك - وها هو التهديد يترجم بالطريقة التي ترونها - طريقة العدوان الغاشم، والقتل للأبرياء العزل من شعبنا، أطفالاً، ونساءً، ورجالاً، على نحو لا يليق بأي شرف عسكري ولا بأي قيمة أخلاقية إنسانية.
ومن هنا من القاهرة أعلن بكل وضوح أن العدوان الإسرائيلي ضد شعبنا لن ينال من تصميمنا على بلوغ أهدافنا الوطنية، هدف العودة، وتقرير المصير، وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف؛ كما أنه لن ينال من تمسكنا المبدئي بخيارنا الاستراتيجي، خيار السلام الدائم والعادل، خيار سلام الشجعان والأقوياء، خيار السلام الذي يليق بتطلعات شعبنا وحقه في الحياة الحرة الكريمة.
أيها الإخوة والأصدقاء،
بكل ثقة المناضل من أجل الحرية، أقول لكم: إن المستقبل لنا، للحق الفلسطيني، للأمل الفلسطيني المتجدد بالغد، للطفل الفلسطيني الذي استشهد زملاؤه على ساحات المواجهة في كل أرجاء الوطن، للأم الفلسطينية منجبة الأبطال ومربية المناضلين الأشداء.
يقيني بالمستقبل نابع من ثقتي بالتاريخ الكفاحي لشعبنا وأمتنا، ومن تضامن الشعوب الحية في العالم كله مع كفاحنا العادل. وأقول أخيراً مهما بلغت حلكة الليل فالفجر آتٍ آت، وسنرى معاً علم فلسطين، علم أمتنا العربية والإسلامية والأحرار الشرفاء في العالم- يرتفع فوق مآذن القدس الشريف، وكنائس القدس الشريف، وعلى أبراجها وأسوارها، ليعود الأقصى إلى سموه ومجده، وتعود القيامة لتراثها وعنفوانها، ويعم السلام أرض السلام أرض فلسطين.
بسم الله الرحمن الرحيم
“وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة”
“وعدَ الله لا يخلف الله وعدَه”
صدق الله العظيم
كلمة الرئيس ياسر عرفات أمام الامم المتحدة في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني 29 تشرين الثاني 2000
صاحب السعادة السفير ايبرا ديجوين كا، رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف،
صاحب السعادة السيد هاري هولكاري رئيس الدورة الخامسة والخمسين للجمعية العامة،
صاحب السعادة السيد كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة،
صاحب السعادة السفير بيتر فان والسون رئيس مجلس الأمن للأمم المتحدة،
يُسعدني بمناسبة هذا الاجتماع الرسمي الذي تعقده الأمم المتحدة في "يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني" أن أبعث إليكم ومن خلالكم إلى المجتمع الدولي كافة بتحيات الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية، إننا نعبر لكم عن شكرنا العميق على تضامنكم الدائم ودعمكم المستمر لنضال الشعب الفلسطيني من أجل إحقاق حقوقه غير القابلة للتصرف، بما فيها إقامة دولته الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف.
لقد كان من المتوقع أن يأتي يوم التضامن هذا ونحن نحتفل بعضوية فلسطين في الأمم المتحدة، وبإقامة السلام بين فلسطين وإسرائيل؛ إلا أن الواقع المؤسف غير ذلك؛ حيث يتعرض شعبنا الفلسطيني إلى حملة عسكرية دموية تشنها قوة الاحتلال لأسباب يبدو أنها تشمل محاولات كسر الإرادة السياسية لشعبنا وقيادته، وفرض حلول غير مقبولة عليه منذ الزيارة المشؤومة التي قام بها شارون إلى الحرم الشريف في الثامن والعشرين من أيلول/ سبتمبر الماضي، والاحتجاج الواسع لشعبنا ضد هذه الزيارة، وضد استمرار الاحتلال الإسرائيلي؛ حيث قامت إسرائيل باستخدام آلاتها العسكرية الضخمة، بما في ذلك الأسلحة الثقيلة، مثل: الدبابات، والطائرات المروحية؛ وأوقعت قدراً مريعاً من الخسائر البشرية والمادية بشعبنا؛ لقد تجاوز عدد الشهداء الفلسطينيين ثلاثمائة شهيد، وزاد عدد الجرحى على عشرة آلاف جريح، منهم حوالي الثلث من الأطفال تحت سن الثامنة عشرة، ومنهم عدد ما زال في حالة خطرة.
لقد قامت قوات الاحتلال أيضاً بإلحاق دمار واسع في مدننا وقرانا ومخيماتنا، وفرضت حصاراً عسكرياً على كل هذه المواقع، مانعة بذلك الأفراد والبضائع؛ الأمر الذي أدى إلى زيادة معاناة شعبنا بشكل لا يطاق، وإلى إلحاق تدمير واسع في الاقتصاد الفلسطيني الضعيف.
لقد عبر العالم عن إدانته لهذا العدوان الإسرائيلي على شعبنا وطالب بوقف الأعمال القمعية الإسرائيلية، وبالعودة لعملية السلام. وفي الأمم المتحدة وكما تعلمون، فقد قام مجلس الأمن باعتماد القرار 1322/2000، وقامت الجمعية العامة باستئناف الدورة الاستثنائية الطارئة العاشرة، واعتماد القرار د أ ط 10/7. ونحن نقدر للمجتمع الدولي هذه المواقف، إلا أننا نشير إلى أن هذه القرارات لم تنفذ بعد، وأن المطلوب الآن هو إبداء مزيد من التضامن مع شعبنا، واتخاذ موقف دولي واضح، حتى تلتزم إسرائيل بهذه القرارات، وبالقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، إننا نطالب الآن بضرورة التنفيذ بالكامل للقرار 1322، بما في ذلك العمل الفعال للجنة كشف الحقائق الدولية، وصولاً إلى كشف حقيقة ما حدث، وضمان عدم تكراره، ونحن نطالب أيضاً بتوفير الحماية الدولية للمدنيين الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي، ونؤمن أن الشكل الصحيح لتحقيق هذا الهدف هو تشكيل قوة مراقبين تابعة للأمم المتحدة، على أن تنتشر في كل الأماكن التي احتلتها إسرائيل منذ عام 1967.
إن إنجاز هذه الخطوات الضرورية المشار إليها أعلاه سوف يسهم بلا شك في وقف الحملة الإسرائيلية ضد شعبنا، وهو ما سيقود إلى عودة الهدوء إلى الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس؛ وإلى المنطقة بشكل عام، عندها سوف يكون ممكناً إذا توفرت الإرادة السياسية اللازمة لدى الجانب الإسرائيلي، أن يتم استئناف عملية السلام، والتوصل إلى اتفاق نهائي بين الجانبين. إننا ما زلنا ملتزمين بعملية السلام، وبالسعي لمثل هذا الاتفاق شريطة الالتزام بأساس هذه العملية، أي بقراري مجلس الأمن 242، 338، ومبدأ الأرض مقابل السلام، وشريطة إنجاز حقوق شعبنا الفلسطيني، بما في ذلك إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف.
إننا نؤكد على أهمية تضامنكم، وتضامن كل الأشقاء والأصدقاء، وكل المحبين للسلام والحرية والعدل، مع شعبنا الفلسطيني في هذه الظروف الصعبة، التي نمر بها، وفي هذا الفترة الزمنية القصيرة المتبقية أمامنا لتحقيق الاستقلال، وبناء مجتمعنا الديمقراطي في فلسطين بما يمكننا لاحقاً بإذن الله من المشاركة الفاعلة إلى جانب الدول الأخرى في المجموعة الدولية، وفي الإسهام في توطيد السلام العالمي، وبناء عالم أفضل لكل شعوب العالم.
اسمحوا لي أخيراً، أن أشيد عالياً بأعضاء اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، وبرئيسها السيد ايبرا ديجوين كا، على جهودهم المستمرة في إحقاق هذه الحقوق، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. إنني أود كذلك أن أشيد بجهود معالي الأمين العام للأمم المتحدة السيد كوفي عنان، والذي شهدنا مساعيه المكثفة، في الفترة الأخيرة، في مجال إعادة السلام، والتوصل للاتفاقات اللازمة في المنطقة، إننا نؤمن بالمسؤولية الدائمة للأمم المتحدة تجاه قضية فلسطين، ونؤمن أن الأمم المتحدة ستلعب دوراً فاعلاً وحاسماً خلال الفترة القادمة، إننا أيضاً نرحب بجهود العديد من الأطراف في مجال دعم عملية السلام، وبذل الجهود من أجل تحقيق الحلول اللازمة. ونحن ندعو كل هذه الأطراف إلى تكثيف هذه الجهود، وبالتنسيق مع راعيي عملية السلام، ومع الأمم المتحدة، بما يكفل تحقيق مشاركة واسعة، ستسهم حتماً في دفع عملية السلام إلى الأمام.
أحييكم ثانية، باسم شعبنا الفلسطيني وقيادته، وأشكركم على كل جهودكم، كما أدعوكم للاستمرار في هذه الجهود وتكثيفها، لنعبر سوياً من الأزمة الحالية إلى السلام الدائم والشامل في الأرض المقدسة، وفي عموم الشرق الأوسط.
كلمة الرئيس ياسر عرفات أمام القمة العربية 21 تشرين الأول 2000
بسم الله الرحمن الرحيم
“سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير”
صدق الله العظيم
فخامة الرئيس المبارك محمد حسني مبارك،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
أصحاب المعالي والسعادة،
بداية اسمحوا لي أن أتوجه بالشكر العميق لأخي فخامة الرئيس المبارك محمد حسني مبارك، لدعوته الكريمة لعقد هذه القمة العربية الطارئة، على أرض الكنانة مصر العربية وفي أحضان شعبها الوفي المعطاء.
واسمحوا لي كذلك أن أتوجه بالشكر لكم جميعاً، أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، لاستجابتكم الأخوية، ومشاركتكم في أعمال هذه القمة الهامة لمناقشة الوضع الخطير والمتفجر في الأراضي الفلسطينية، والمجازر الدموية التي ترتكب بحق شعب فلسطين في كافة أماكن تواجده وضد أبنائه وأطفاله الأبرياء، على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي وقطعان المستوطنين المسلحين. كما أتوجه إليكم وإلى كافة الأشقاء وكافة الأصدقاء في الدول الإسلامية والدول الأوروبية ودول عدم الانحياز والصين واليابان، وبقية الأصدقاء في العالم -بالشكر العميق للمواقف المشرفة التي وقفتموها إلى جانبنا، وللمساعدات القيمة التي قدمت لشعبنا في محنته هذه. ولن ننسى أن البعض منكم آثروا على أنفسهم، وينطبق عليهم "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة".
كما أتوجه بتحية الإجلال والإكبار لجماهير أمتنا العربية التي هبت بجانب جماهير الدول الإسلامية والمسيحية في العالم ومعها جماهير الدول الصديقة في مختلف الأماكن والقارات وفي كل مكان من وطننا العربي الكبير، ملبية نداء الأقصى والقدس، نداء فلسطين وشعبها الصادق المكافح، نداء مقدساتنا الإسلامية والمسيحية الخالدة، نداء أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، مسرى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، ومهد سيدنا المسيح عليه السلام.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
ها هي قمتنا العربية تنعقد أخيراً، في وقت بالغ الحساسية والدقة، وفي مواجهات لتحديات كثيرة لم تعد تصيب طرفاً عربياً دون الآخر؛ وإنما تواجه الأمة بأسرها، وتمس أقدس مقدساتها، وتهدد بالخطر كل مكتسباتها وأهدافها القومية، خاصة وأن مصيرنا واحد ومشترك منذ الأزل، وأن ما يجمعنا وما يوحدنا هو رباط قوي وعريق وثابت، إنه رباط الدم والعقيدة والتاريخ والجغرافيا والرسالة الواحدة الخالدة.
ولا شك، أيها الإخوة أن جماهيرنا العربية، بل إن جميع أصدقائنا في العالم، يترقبون لقاءنا هذا، ويعلقون عليه أكبر الآمال والتطلعات؛ لذا فإن هذه الجماهير تدعونا جميعاً إلى وقفة تتماثل مع طموحاتها القومية وتوقها لرؤية واقع عربي جديد، واقع يقوي الأُخوَّة العربية، واقع عربي يعيد الوزن والفعل العربي الحقيقي إلى مكانته المؤثرة في معادلة القوى الإقليمية والدولية في زمن لا تُسمعُ فيه سوى كلمة الأقوياء، ولا تُحترم فيه إلا إرادة الأقوياء. فمن هنا، من هذه القمة الاستثنائية الهامة، نتوجه إليكم جميعاً لأن تكون اجتماعات هذا الإطار العربي الأعلى منتظمة وعلى نحو دوري، كما أكدتم ذلك ووافقتم على ذلك، لتأكيد مرجعيتنا القومية جميعاً ولتوفير كافة أسباب القوة والدعم لقضايانا العربية بأسرها.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
لقد كان السبب المباشر، لهذه القمة الطارئة، هو هذه الموجة من العدوان الغاشم، الذي تعرض له شعبنا الفلسطيني، والتي بدأت حين دنست أقدام شارون أرض الحرم الشريف والأقصى المبارك، مشعلاً بهذه الخطوة المدروسة والمخططة والمنسقة مع الحكومة الإسرائيلية، شرارة اشتعلت من القدس لتمتد نارها إلى كل مدينة وقرية عربية وإسلامية ومسيحية، وحتى في قرى ومدن الجليل والمثلث، ولم تكن هذه الزيارة المبيتة مجرد عمل عابر كتلك الأعمال التي يقوم بها غلاة المتطرفين ضد مقدساتنا، بل كانت في سياق افتعال بُعد جديد في الصراع العربي – الإسرائيلي؛ وأذكركم أنه عندما كان وزيراً للدفاع ووزيراً قبل ذلك في الحكومات السابقة ورئيساً للأركان لم يسمح له بزيارة هذه الأماكن المقدسة؛ إذن فما حدث إنما كان تخطيطاً متفقاً عليه مع الحكومة الإسرائيلية؛ فقد كانت في سياق افتعال بُعدٍ جديد في الصراع العربي - الإسرائيلي ألا وهو البعد الديني الذي لا يخفى على أحدٍ مدى خطورته، ومدى صعوبة احتوائه والسيطرة على تفاعلاته، والذي فجره الوفد الإسرائيلي في أواخر أيام مباحثاتنا في كامب ديفيد الثانية، وحين أقول: إنها كانت خطوة مدروسة؛ فلأننا من جانبنا قمنا ومنذ الإعلان المبكر عن عزمه القيام بها بتحذير الحكومة الإسرائيلية من خطورة ما يزمع شارون القيام به؛ وفعلنا ذات الشيء حين حذرنا الإدارة الأمريكية كذلك، بل وأبلغنا هذا إلى كل الأشقاء والأصدقاء والقوى العالمية؛ وبدل أن يؤخذ تحذيرنا على محمل الجد، قامت الحكومة الإسرائيلية بمنح شارون تصريحاً رسمياً بالزيارة، كما وفَّرت له حماية عسكرية وأمنية كاملة، وهو لم يقم بذلك عندما كان وزيراً للدفاع ورئيساً للأركان في الحكومات السابقة؛ مما يكشف ما كان يُخطط ضدنا مع سبق الإصرار والترصد.
ولقد قام أهلنا المصلون في الأقصى بالتصدي لشارون بصدورهم وبقبضاتهم العارية، وتمكنوا من منعه من الاستمرار في زيارته الخطيرة هذه، وإرغامه على مغادرة المكان المقدس؛ إلا أن الحكومة الإسرائيلية لم تغفر للمصلين الفلسطينيين وقفتهم هذه، وبيتت في اليوم الثاني لصلاة الجمعة في الحرم الشريف مذبحة جديدة رأينا جميعاً فصولها الدامية على جميع أجهزة الإعلام.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
لقد سال الدم الزكي غزيراً على أرض الأقصى الطهور، وأضيفت إلى شهداء الدفاع عن المقدسات كوكبة جديدة من شرفاء هذه الأمة المرابطين على أرض مقدساتها والمدافعين بإيمان وكبرياء عن طهارتها ونقائها؛ وليس هنالك شبر من فلسطين إلا وفيه دماء عربية عزيزة علينا جميعاً.
كانت الدماء التي سالت على أرض الأقصى كفيلة بإضرام نار الغضب في نفوس جماهيرنا الفلسطينية في كل مكان على أرض الوطن؛ فهب المواطنون العزل للتعبير عن مشاعرهم في انتفاضة عفوية مشروعة، منتصرين للقيم العربية والإسلامية والمسيحية طبقاً للعهدة العمرية، والتي أهدرها الإسرائيليون سواء بادعاء السيادة على الحرم الشريف وتزييف تاريخه وواقعه بادعائه كمكان للهيكل، أو باستباحة دم المؤمنين المصلين في مساجده والمدافعين عن شرفه وقدسيته؛ ومحاولاتهم لتهويد القدس الشريف ومقدساته المسيحية والإسلامية، وفرضهم الحصار على مدينة بيت لحم. وكم حذرنا الإدارة الأمريكية والدول الأوروبية والدول الصديقة من خطورة هذا الطرح المرفوض، وأخطرنا كل القوى المحبة للسلام بذلك، بأن هذا الطرح سيقود المنطقة إلى حروب دينية لا يعرف أحد عواقبها ومداها.
ومنذ اندلاع انتفاضة الأقصى وحتى يومنا هذا، وشعبنا الأعزل، يواجه أوسع عمليات القتل الجماعي، والقصف الهمجي، وذلك كله مترافق مع إغلاق محكم، وضعت الآلة العسكرية الإسرائيلية بمقتضاه أكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني تحت حصار خانق.
ولقد حاولت الحكومة الإسرائيلية، مدعومة ببعض الدوائر الدولية، تصوير ما يجري من جرائم قتل جماعي ضد شعبنا كما لو أنه اشتباك قتالي بين طرفين عسكريين، وبرز دون وجه حق مصطلح ضرورة التوصل إلى إطار لوقف إطلاق النار بين الجانبين؛ إلا أن هذه المحاولة باءت بالفشل، وخير دليل على ذلك صدور قرار مجلس الأمن الدولي الأخير رقم 1322 الذي أدان العدوان الإسرائيلي ودعا إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية من شأنها إيجاد الآليات لعدم تكرار هذا العدوان الغاشم؛ وقبلها كانت "لجنة القدس" في المغرب الشقيق، وبمشاركة لممثلي بطاركة القدس وكنائسها، لأول مرة في الاجتماعات الإسلامية -كما تعرف يا صاحب الجلالة- من شأنها إبراز هذه الوحدة المسيحية والإسلامية؛ وكذلك اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في الجامعة العربية في القاهرة. وفي سياق هذه المعركة الطويلة والمعقدة ميدانياً وسياسياً ظهرت العديد من المبادرات لاحتواء الموقف المتفجر، وكانت جميع هذه المبادرات تواجه الإصرار الإسرائيلي على مواصلة العدوان، والذي اعترف معظم القادة العسكرين والسياسيين في إسرائيل بما كانوا يخططون له منذ أكثر من عام، من أجل إشعال هذا الحريق، والذي لم يتوقف حتى الآن؛ وراح ضحيته حتى الآن أكثر من سبعة آلاف جريح، ومائة وسبعن شهيداً، ارتفع أمس إلى 193 شهيداً، وعدد كبير من الأسرى والمفقودين؛ خلاف الخسائر الاقتصادية والمالية، وعدم السماح لعمالنا بالعمل والبطالة لأكثر من مائة وخمسين ألف عامل، والقضاء على كميات كبيرة من المحاصيل الزراعية، وهدم المنازل بالصواريخ، والمؤسسات، ونسف وحرق بعض الكليات العلمية، وحتى مراكز القيادة والرئاسة، وغير ذلك كثير؛ ولكن اصبر وما صبرك إلا بالله.
وفي أوج التصعيد العسكري، والذي استخدم فيه الجانب الإسرائيلي أصنافاً جديدة من الأسلحة والذخائر التدميرية والمحرمة دولياً، بادر فخامة الرئيس المبارك محمد حسني مبارك إلى الدعوة لقمة عاجلة محدودة في شرم الشيخ لوقف العدوان والبحث في تشكيل لجنة التحقيق الدولية. وبالفعل فقد عقدت القمة برعاية الرئيس مبارك وبمشاركة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون وجلالة الملك عبد الله الثاني؛ وكذلك بحضور أمين عام الأمم المتحدة (السيد كوفي عنان)، وممثل الاتحاد الأوروبي (السيد خافيير سولانا). ولا أود التوسع في الحديث عن هذه القمة ونتائجها التي سمعتموها وستعرفونها من فخامة الرئيس حسني مبارك، بالنسبة لمجرياتها ونتائجها.
وهنا أذكركم بأنه بعد مؤتمر باريس، والذي شاركنا فيه فخامة الرئيس شيراك، كان المفروض أن نكمل العمل في شرم الشيخ تحت رعاية الرئيس مبارك؛ ولكن باراك لم يحضر هذا الاجتماع، وإنما عاد لزيادة إشعال المواجهة مع شعبنا، وأخيراً ما قاله بالأمس من أنه سيشعل وسيزيد وسيضاعف الهجوم على شعبنا بكل أنواع القذائف وشتى أنواع المواجهات العسكرية، كما قرأتم هذا بالأمس في الصحف والإعلام.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
إن "قمة شرم الشيخ" لم تكن سوى محطة على طريق طويل يتعين المضي فيه قدماً، ليس فقط من أجل وقف العدوان العسكري ضد شعبنا ومحاصرة مدننا؛ وإنما من أجل وضع حد نهائي لكل أسباب العدوان والقتل والمعاناة؛ وهذا لا يكون ولن يكون إلا حين ترغم إسرائيل على الإذعان للشرعية الدولية، وتنفيذ الاتفاقات الموقعة، ووقف العدوان، وفتح المعابر الدولية، وفك الحصار عن مدننا وعن شعبنا، والانسحاب من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة؛ بما فيها السورية واللبنانية والقطعة الاخيرة من لبنان (أرض شبعا) والقدس الشريف، عاصمة دولتنا الفلسطينية؛ وكذلك حل قضية اللاجئين حلاً عادلاً، على أساس القرار 194، والقرارات الدولية الأخرى.
إنني أيها الإخوة استحضر في هذا اللقاء الهام، حقيقة أن القمم العربية، كانت دائماً المبادرة لرفع لواء السلام الدائم والعادل والشامل، وهي صاحبة المشروع الأرقى والأهم للسلام في الشرق الأوسط، خاصة بعد مؤتمر مدريد للسلام، وإذا كان جزء من السلام الشامل والعادل قد تحقق بالفعل على أجزاء من أرضنا العربية العزيزة على قلوبنا، إلا أن ما تبقى من أرض تحت الاحتلال في فلسطين وسوريا ولبنان جعل من قضية السلام في الشرق الأوسط قضية دائمة التفجر والوقوف على حافة الخطر؛ فكل ما تم إنجازه يظل عرضة للانهيار إن لم يتكامل مع ما لم يتم إنجازه بعد ذلك. وهذا ما يدعونا جميعاً لأن نتدارس بجدية بالغة وبمسؤولية عالية كيفية توفير أسباب القوة والدعم الحقيقي لرؤيتنا العربية للسلام، ولأهدافنا المشروعة منها، دون أن يغيب عن ذهن العالم الذي نحن فيه جزء حيوي منه أن الاستقرار الإقليمي والدولي، مرهون بتلبية كافة الحقوق العربية المدعمة بقرارات الشرعية الدولية.
ومن هنا، فإن المجتمع الدولي يجب أن يتحمل مسؤولياته إزاء عملية السلام، وخاصة راعيي عملية السلام، والاتحاد الأوروبي والصين واليابان، والنرويج، ودول عدم الانحياز، وكل المعنيين والمحبين لعملية السلام.
ولقد برهنت الأحداث الدامية الناجمة عن العدوان الإسرائيلي الدموي على شعبنا الفلسطيني على أن خطر غياب السلام الدائم والعادل لا ينحصر في بقعة جغرافية محدودة، وإنما يمتد ليهدد الأمن والاستقرار الدولي.
واسمحوا لي أيها الأشقاء الأعزاء أن أقول أكثر من ذلك، وأن أوجه حديثي من هذا المكان الهام إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ليس فقط بوصفها أحد راعيي عملية السلام، وإنما بحكم كونها الدولة العظمى، صاحبة المسؤوليات المتميزة على الصعيد الكوني حالياً، والمعنية على نحو مباشر بكل أماكن الالتهاب والتفجر في عالمنا، مشيراً إلى أن عملية السلام في الشرق الأوسط، عانت كثيراً من غياب حالة التوازن الضروري الذي يوفر فرصاً فعلية لتقدمها، ويُحقق نتائج فعالة في سياقها. ولا جدال في أن العالم يرى ذلك، من خلال مؤشرات شديدة الوضوح؛ ذلك أن رعاية مشروع السلام في الشرق الأوسط يجب أن لا تسمح بأي تهاون في إقرار الشرعية الدولية كأساس قانوني للحقوق والالتزامات؛ كما يجب أن لا تمنع عنها إسهامات الدول والقوى المعنية بالسلام في منطقتنا.
ولا مناص هنا من الإشارة إلى مسألة تمتزج فيها الأبعاد السياسية بالأخلاقية؛ حيث لا يستقيم منطق الرعاية النزيهة لمشروع السلام مع المواقف المبالغ في قسوتها على الشعب الفلسطيني، والمتجسدة بالعديد من قرارات الكونغرس الامريكي التي تتخذ صبغة معادية للشعب الفلسطيني وحقوقه، ورغم مرارتنا الشديدة والعميقة من كل هذا، إلا أني أسجل بكل موضوعية، المواقف الإيجابية للرئيس بيل كلينتون الذي نكن له الاحترام وننظر لاجتهاداته البناءة وعمله المتواصل لحماية عملية السلام، ودفعها للأمام بكل تقدير وامتنان.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
إنني ومن أعلى منبر عربي، أؤكد، ورغم كل الجراح وخيبات الأمل التي أفرزتها رحلة السلام الشاقة على مسارنا الفلسطيني على أن خيارنا هو خيار السلام الدائم والعادل والشامل، وأن هدفنا هو تحرير أرضنا وتجسيد إقامة دولتنا المستقلة على أرض فلسطين المباركة، وعاصمتها القدس الشريف، وعودة لاجئينا إلى ديارهم، على اساس الشرعية الدولية وقراراتها وفي مقدمتها القراران 181، و194؛ وهذا الهدف، الذي يجمع عليه شعبنا وتجمع عليه أمتنا العربية والإسلامية، وتدعمه جميع دول العالم والأمم المتحدة- لا بد وأن يرى النور في هذا العام؛ إنه حقنا الطبيعي في تقرير المصير، وحق أمتنا العربية وشعوبها المناضلة المجاهدة، والتي تقف معنا بهذه الصلابة والقوة، ومع كافة قضايا أمتنا العربية، أن توفر كل أسباب الدعم لتحقيقها.
وإن شعبنا، شعب الكفاح الثوري على مدى نصف القرن الماضي، شعب الانتفاضة المجيدة، التي لم ولن تتوقف موجاتها إلا بالنصر، يعاهد كل مواطن عربي ومسلم ومسيحي وصديق في هذا العالم، أن يواصل نضاله وبكل الوسائل المشروعة لبلوغ النصر بإذن الله، وإننا لندعوكم إلى وقفة عربية أصيلة، وقفة عز وشموخ تتناسب وتاريخ هذه الأمة العربية العريقة وإمكاناتها وتضحيات شعوبها المجاهدة الصامدة صوناً وحماية لمقدساتها وأرضها ومستقبل أجيالها.
ومن على هذا المنبر، أتوجه بالشكر والتقدير لكل الأشقاء والأصدقاء في العالم الذين يقفون إلى جانب كفاحنا العادل ونصرة قضيتنا ومساعداتهم لنا على كافة المستويات.
وأختتم كلمتي، بنقل رسالة شعبي لكم جميعاً، أيها القادة العرب، رسالة تدعوكم إلى نبذ كل الخلافات، وإنجاز المصالحات العربية العربية، التي بإنجازها نضع حجر الأساس لعهد عربي جديد، يليق بمكانة أمتنا، وعظمة أهدافنا القومية.
وهذا يتطلب منا كذلك إنهاء الحصار المفروض على شعب العراق الشقيق والتمهيد لمصارحة ومصالحة عربية حقيقية شاملة داخل أمتنا العربية الواحدة.
فمن أجل أطفال فلسطين والعراق ولبنان وسوريا، ومن أجل كل أطفال أمتنا العربية على أرض هذا الوطن العربي الكبير، وتحت سمائه- نناشدكم بترسيخ الوحدة والتكامل، وليكن هذا هو شعارنا وهدفنا، والله الموفق.
بسم الله الرحمن الرحيم
" ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض" صدق الله العظيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلمة الرئيس ياسر عرفات أمام مؤتمر رجال الأعمال الفلسطينيين والعرب 22 تشرين الثاني 2000
بسم الله الرحمن الرحيم
"إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد"
صدق الله العظيم
السيدات والسادة،
أيها الإخوة والأصدقاء الأعزاء،
الضيوف الكرام،
أتقدم من الشعب المصري الشقيق، والحكومة المصرية بالشكر على إتاحة الفرصة لهذا الاجتماع الأخوي القومي في هذه الظروف الصعبة، التي يمر بها الشعب الفلسطيني في جهاده، دفاعاً عن أرضه ومقدساته المسيحية والإسلامية.
كما أشكركم من كل قلبي على حضوركم هذا اللقاء الهام لإسناد ودعم صمود الشعب الفلسطيني في وجه العدوان الإسرائيلي المتواصل وبدون توقف منذ ستين يوماً، لتدمير إرادة شعبنا وشل قدرته على الصمود؛ ولإملاء أطماعه الاحتلالية والتوسعية والاستيطانية بالقوة العسكرية المدمرة، من أجل القضاء على حق شعبنا المشروع في استعادة أرضه المحتلة واستعادة القدس الشريف، عاصمة دولتنا الفلسطينية المستقلة التي ضحت الأجيال في سبيلها جيلاً بعد جيل.
إن العدوان الإسرائيلي الغاشم على شعبكم الفلسطيني تنفيذاً للخطة العسكرية المسماة "حقل الأشواك" كان مدبراً، وما انتهاك شارون لحرمة المسجد الأقصى إلا نتيجة سيناريو معد بالكامل مع الحكومة الإسرائيلية لتفجير الأوضاع، تمهيداً لتجريد هذه الحملة العسكرية الوحشية، لتركيع الشعب الفلسطيني المكافح في سبيل الحرية والاستقلال، ومن أجل حماية وصون القدس الشريف ومقدساتها المسيحية والإسلامية، وحمايتها من خطر الاستيطان والتهويد.
وقد استخدمت القوات الإسرائيلية في عدوانها كافة أنواع الأسلحة ضد جماهيرنا، وخاصة الرصاص المحرم دولياً. وأمام صمود جماهيرنا، الذي أدهش العالم، لجأت قوات العدوان إلى القصف بسلاح المدفعية والصواريخ من الدبابات والطائرات المروحية مستهدفة تدمير الأحياء السكنية، وإيقاع الإصابات القاتلة في صفوف شعبنا، وتدمير الاقتصاد الفلسطيني، والبنى التحتية التي عملت السلطة الوطنية الفلسطينية طوال سبع سنوات على بنائها بعد أن انسحب منها الاحتلال. وهي مدمرة تدميراً كاملاً.
إن هذا العدوان الإسرائيلي على شعبنا وأرضنا ومقدساتنا واقتصادنا الوطني، إلى جانب أنه قتل مدبر ومبرمج، هو حرب تجويع لشعبنا البطل، بهدف تركيعه وجره إلى الاستسلام بعد أن رفضنا كل الضغوط السياسية والإغراءات المادية للتفريط بحقوق وطموحات شعبنا، وفي مقدمتها القدس الشريف، أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، مسرى النبي محمد صلوات الله عليه وسلم، ومهد سيدنا المسيح عليه السلام.
ولم تتوقف حرب التجويع عند قطع أرزاق العمال، وعددهم حوالي (360) ألف عامل، ومنعهم من العمل، وشل كافة النشاطات التعليمية والتجارية والصناعية المختلفة؛ وإنما تعدته إلى حصار شعبنا بهذا الإغلاق العسكري والأمني، بالدبابات والمدفعية، وآلاف الجنود، وقطعان المستوطنين المسلحين. إن هذا الحصار الوحشي يهدد حياة أبناء شعبنا كافة، وحياة الأطفال والمرضى الذين يحتاجون الدواء والغذاء في كل لحظة؛ إذ لا يخفى عليكم بأن إسرائيل قوة الاحتلال قد دمرت اقتصادنا الوطني ووضعت العراقيل ليس فقط أمام حركة الصناعة والتجارة وحتى التعليم، وإنما كذلك أمام أي مشروع وطني لشعبنا وجماهيرنا.
إن عقلية الاحتلال والسيطرة هي العقلية السائدة لدى حكام إسرائيل. وإن كل جهد على طريق الاستقلال الاقتصادي إنما يواجه بكوابح إسرائيلية وتعقيدات، وبإجراءات مدبرة ومفتعلة تحت حجة الأمن، لتدمير كل نشاط تعليمي واقتصادي وصناعي فلسطيني.
أيها الإخوة والأخوات،
أيها الأصدقاء الأعزاء،
إنها حرب عدوانية ظالمة لكسر الإرادة الفلسطينية؛ ولكن هيهات؛ فشعبنا قد فجر انتفاضته المباركة في وجه العدوان من أجل تحقيق طموحاته وحماية مقدساته وأهدافه الوطنية في إقامة دولته الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، إنها انتفاضة الحرية والاستقلال، إنها انتفاضة الأقصى المبارك والمقدسات، إنها انتفاضة الحق والعدل في وجه قوى الظلم والعدوان الإسرائيلي.
ومن هنا، فإن شعبنا يسطر هذه الملحمة البطولية بدماء رجاله ونسائه وشبابه من أجل تحقيق أهدافه وطموحاته في الاستقلال والحرية، وحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية طبقاً للعهدة العمرية.
أيها السيدات والسادة،
أيها الأعزاء والإخوة والأصدقاء،
إنكم تعلمون بأن الضغوط الاجتماعية والمعيشية، التي يعاني منها شعبنا، وعلى نطاق واسع يشمل كل فئاته وشرائحه الاجتماعية، تشكل خطراً داهماً على صمود ومقاومة أبناء هذا الشعب، ونحن على أبواب شهر رمضان المبارك؛ حيث الضغوط تصبح أكثر خطراً وضرراً في هذا الشهر الفضيل، بخاصة وأن الانتفاضة على أبواب دخولها شهرها الثالث؛ وهذا يرتب علينا جميعاً وعليكم، أكثر من أي وقت مضى، مسؤولية دعم هذا الصمود المعجز والعظيم لأبناء شعبكم العربي الفلسطيني، بعد أن دخلت هذه الحرب العدوانية شهرها الثالث، مترافقة مع هذا الطوق الأمني والحصار الاقتصادي الذي أخذ شكل عقوبات جماعية طالت كل أبناء شعبنا في كافة المناطق، بما في ذلك مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا.
لقد قام الجيش الإسرائيلي فوق ذلك كله، بتجريف أشجار الزيتون والنخيل وإبادة الزرع وحرق المحاصيل؛ بغية إفقار وتجويع الفلاحين والمزارعين وجماهيرنا، ولم يفلت أحد من أبناء الشعب الفلسطيني من هذه الكارثة؛ الأمر الذي يحفزنا جميعاً، كل من موقعه، للأخذ بنصيب من الدعم، كي يستمر الصمود، حتى تحقيق الحقوق الوطنية الثابتة لشعبنا، بما فيها حق العودة للاجئينا المشردين في بقاع الأرض بعيداً عن وطنهم، واستعادة الأرض المحتلة؛ وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف.
ولقد قامت السلطة الوطنية الفلسطينية بإجراءات محددة في هذا السياق؛ حيث استقطعت من الموظفين نسبة تخصص لدعم العمال في إطار سياسة التكافل الوطني؛ كما إن السلطة الوطنية تنفق من موازنتها العادية وموازنة الطوارئ والمساعدات العاجلة، لتوفير الاحتياجات الضرورية وتعويض العمال والمتضررين والشهداء والجرحى، وللمستشفيات والجهاز الطبي الذي يسجل له أنه يقوم بدور رائد لإنقاذ حياة آلاف الفلسطينيين الذين يتعرضون لرصاص وقذائف القوات الإسرائيلية المعتدية. ونشكر لجميع الإخوة العرب والأصدقاء على كل ما يقدموه من مساعدات لنا لمختلف الاحتياجات.
إنني أطلب منكم ومن خلالكم من هذه الأمة المجيدة المساعدة في توفير هذه الأعباء من مقومات الصمود لمواطنينا العاملين الصامدين والمستجيبين لنداء هذه الهبة الشعبية الرائعة في مواجهة العدوان الغاشم والحصار الخانق، بما فيها منع تسليمنا أموالنا من الضرائب والجمارك في محاولة لتركيعنا.
وأنا هنا أتحدث عن صمود هذا المواطن المجاهد، والذي على أساس صموده وصبره وتحمله واحتماله يتوقف صمودنا الشعبي والسياسي والوطني والقومي.
وحيث إن الضرر فادح والدمار عام وشامل، فإن القيادة الفلسطينية، بمشاركة القوى والفعاليات الوطنية والحزبية، وكذلك المنظمات والتنظيمات الوطنية- قد درست بعناية تنظيم الآليات المناسبة لتعزيز الصمود وضخ الدم في شرايين الحياة الفلسطينية، ولتحقيق هذا الهدف بأكبر قدر من الشفافية والنجاعة؛ وذلك بإنشاء إدارة وطنية لصندوق الدعم الذي ترد إليه أموال التبرعات الشعبية والرسمية ورجال الأعمال والمستثمرين، ولسوف يناط بهذه الإدارة المستقلة تنظيم أوجه الدعم لتعزيز صمود شعبنا ووضع آلية عمل متقنة تضمن وصول الدعم إلى أماكنه ومستحقيه من أسر الشهداء والجرحى الذين بلغ عددهم أكثر من أحد عشر ألف شهيد وجريح؛ وكذلك العمال والمزارعين والمحتاجين من شعبنا، وخاصةً لمتضرري الانتفاضة، بهدف تعزيز صمودهم في مواجهة العدوان، وتوفير مقومات الحد الأدنى لهم.
وإنني من هذا المنبر أهيب بكل الإخوة الشرفاء الذين بذلوا الجهد وجمعوا المال لدعم صمودنا الوطني- مواصلة عملهم على كافة المستويات لتوفير مقومات الصمود الوطني في وجه هذا العدوان الإسرائيلي.
أيتها السيدات، أيها السادة أعضاء المؤتمر،
الضيوف الكرام،
لقد اقتطعت وقتاً ثميناً من وقت شعبكم الذي يواجه هذا الطاغوت الإسرائيلي بآلته الحربية الغاشمة لألتقي بكم؛ لأنني أعلم أنكم قد تناديتم إلى هذا المؤتمر العتيد، يدفعكم إحساسكم الوطني والقومي العالي والغيور؛ ولأنني أعرف بيقيني كم تتألمون لما يصيب شعبكم الفلسطيني الذي يبذل كل ما يملك؛ دماءه وأرواحه وممتلكاته، فداء للمقدسات وللوطن العربي الفلسطيني العزيز، ودفاعاً عن القدس قبلة المسلمين والمسيحيين في أرجاء المعمورة.
بسم الله الرحمن الرحيم
“أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير”
“الذين أخرجوا من ديارهم بغير حقٍ إلا أن يقولوا ربنا الله”
صدق الله العظيم
فبوركتم وبوركت جهودكم
والسلام عليكم
كلمة الرئيس ياسر عرفات عبر الفضائية إلى مؤتمر منترييل لدعم عودة اللاجئين 2000
السيدات والسادة،
الأصدقاء والحضور الكرام،
"يطيب لي أن أتوجه إليكم عبر هذه الشاشة بخالص الشكر وعمق التقدير على دعوتكم الكريمة لي لحضور مؤتمركم الهام والقيم، راجياً أن تتقبلوا اعتذاري وأسفي الشديد لعدم تمكني من حضوره نظراً لارتباطات مسبقة.
كما أرجو أن تأذنوا لي بالتعبير لكم جمعياً عن خالص الامتنان وصادق العرفان على كل جهد بذلتموه من أجل إعداد وتنظيم وعقد هذا المؤتمر وحشد هذا العدد الهائل والمتميز من الشخصيات المرموقة التي نحييها أطيب تحية باسم شعب فلسطين وقيادته. هذا الشعب الذي ما انفك يعاني منذ قرن أثر انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل والذي قال: "أرض بلا شعب لشعب بلا وطن" التي على أثرها بدأ شعبنا يدفع ثمناً باهظاً لتصميمه على العيش بكرامة حراً سيداً مستقلاً في وطنه فلسطين بأمن وطمأنينة واستقرار وتعايش وحسن جوار مع كافة شعوب ودول المنطقة.
تعلمون أيها السادة، وكما أكدنا ذلك مراراً وتكراراً، أن السلام الشامل والعادل، سلام الشجعان، هو خيارنا الاستراتيجي الثابت، وتمسكنا به تمسك مبدئي لا رجعة عنه من أجل إحقاق الحقوق الوطنية لشعبنا غير القابلة للتصرف، وفي مقدمتها حقه في العودة وتقرير المصير وإقامته دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف طبقاً لروح الحق والعدل، نعم أيها السيدات والسادة، إننا نريده سلاماً متكافئاً قائماً على أساس قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بفلسطين، ووفقاً للقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وغيرها من المواثيق والأعراف الدولية.
وغني عن القول أننا تعاملنا بروح إيجابية مع كافة الجهود الدولية التي بذلت وما زالت تبذل من أجل الوصول بعملية سلام الشرق الأوسط إلى غاياتها المنشودة؛ فقد أبدينا من المرونة، وقدمنا من التضحيات الجسيمة الشيء الكثير؛ حيث قبلنا بأقل من ربع مساحة فلسطين التاريخية، نعم أيها الأصدقاء، لقد قبلنا بقراري مجلس الأمن 242 و338، اللذين ينصان على انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشريف، وذلك إلى حدود الرابع من حزيران 1967، وكذلك تطبيق القرار 194 الذي وضع الحل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم التي شردوا منها، وتعويضهم عما لحق بهم من أضرار مادية ومعنوية جراء ذلك.
إننا شعب فلسطين نتطلع إلى إقامة سلام حقيقي يدوم ويعمر، ويضع حداً لعقود طويلة ومريرة من العذاب والدمار والدماء، ونصبو كذلك إلى رؤية قائد تاريخي في إسرائيل مثل شريكنا الراحل يتسحاق رابين الذي صنعنا معه سلام الشجعان، للاعتراف بما ألحق بشعبنا الفلسطيني من أذى وضرر، الذي حولته المؤامرات والاعتداءات عليه وعلى أرضه من شعب آمن مطمئن في مدنه وقراه، إلى شعب لاجئ في ديار الغربة والشتات.
إن مثل هذا الإقرار، والعمل الصادق على إصلاح الضرر من شأنه أن يخلق مصالحه تاريخية حقيقة بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، ويضع الأسس لشرق أوسط جديد، قائم على التعاون والتعايش وحسن الجوار، بين كافة شعوب ودول المنطقة.
إن انعقاد مؤتمركم هذا، بمبادرة من لجنة توأمة المدن الفرنسية مع مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، ومن بلدية مونترييل، وحضور هذه الشخصيات الرفيعة التي نحييها أطيب تحيه ونكن لها كل الاحترام والتقدير، لهو خطوة نعتز بها ونثمنها عالياً، وهي دليل صادق وأكيد على تضامنكم مع شعبنا الذي يعيش محنة طال أمدها في الوطن وفي الشتات والاغتراب؛ وحيث ما زال عرضة للقتل والمجازر، وتمارس ضده حالياً أبشع أنواع الحرب والعدوان والحصار، لا لشيء إلا لأنه يطالب باستعادة وممارسة حقوقه المشروعة، ويرفض الذل والخنوع والتركيع، وهو يستمد عزيمته من إيمانه وإرادته وتصميمه وتمسكه بحقه في الحياة الحرة الكريمة، ومن عدالة قضيته، ومن تراث وتاريخ الشعوب التي رفضت الذل والانكسار والهزيمة والهوان والخضوع لغطرسة القوة وطغيان الهيمنة.
لقد قدم شعبنا الفلسطيني الأعزل على مذبح الحرية، ومن أجل استقلاله، دفاعاً عن وجوده وحقه في العيش والبقاء، والسيادة على أرضه ومقدساته المسيحية منها والإسلامية، وفي أقل من أربعة أشهر، ما يزيد على أربعمائة شهيد وسبعة عشر ألف جريح، بينهم عدد كبير ممن يحملون إعاقات شاملة أو جزئية جراء إصابتهم. وكانت نسبة الشهداء من الأطفال عالية جداً، إضافة إلى من هم في حالات موت سريري، ناهيكم عن الأضرار المادية الهائلة في الممتلكات العامة والخاصة، والتي تقدر بأكثر من 4.2 مليار دولار أمريكي؛ كل هذا لأن حكومة إسرائيل تريد أن تفرض علينا بقوة النار والحديد والدم وبالإرهاب والقتل والاغتيال بدم بارد والتجويع والحصار الخانق والعقاب الجماعي -ما عجزت عن فرضه من خلال المفاوضات.
إننا، أيها الأصدقاء، طلاب حق وعدالة ونهيب من على منبركم هذا، بكم وبكل القوى المحبة للعدل والسلام والديمقراطية في العالم العمل على وقف هذه الحرب الهمجية والوحشية وهذا العدوان الدموي الذي تشنه حكومة إسرائيل، قوة الاحتلال، ضد شعبنا الفلسطيني الأعزل؛ ونناشدكم كذلك رفع صوتكم عالياً من أجل توفير حماية دولية له، والدفع بقوة وإخلاص باتجاه إيجاد آلية دولية فاعلة وملزمة تحمل حكومة إسرائيل على تنفيذ القرارات الدولية والاتفاقات تنفيذاً دقيقاً وأميناً وعاجلاً، والاحترام لكافة تعهداتها، والتوقف عن الضرب عرض الحائط بقرارات الشرعية الدولية تلك، وباتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين زمن الحرب، والاحترام والاحتكام لما جاء في كافة المواثيق والأعراف والقوانين الدولية، وخاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي ينص على حق كل إنسان بالعيش في وطنه والتمتع بكافة حقوقه الأساسية وحرياته وصون نفسه وممتلكاته؛ فالشرعية الدولية كل لا يتجزأ، وكذلك أهمية احترام سلام الشجعان الذي وقعته مع شريكي الراحل رابين، ولم يعد جائزاً ولا مقبولاً الكيل بشأنها بمكيالين والتعامل معنا بمعايير مزدوجة. ومن هنا فإننا نصبوا إلى رؤيتها تطبق وتحترم في فلسطين، مثلما طبقت واحترمت في بقاع كثيرة من العالم شهدت هذه الصراعات والنزاعات. والشواهد الحية على ذلك قريبة. وفي الختام أجدد شكري لكم جميعاً على حضوركم وتضامنكم، راجياً لمؤتمركم العتيد كل التوفيق والنجاح، وتحقيق الغايات التي انعقد من أجلها، وتعزيز عرى الصداقة والتواصل الفلسطيني- الفرنسي، والفلسطيني- الأوروبي.
إن أملنا لكبير برؤية اليوم الذي نستضيفكم فيه جمعياً، على أرض دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، تعبيراً عن شكرنا لكم على تضامنكم ودعمكم ومؤازرتكم لشعبنا الفلسطيني.
والسلام عليكم
كلمة الرئيس ياسر عرفات في مؤتمر دافوس 31 كانون الثاني 2000
السيد الرئيس،
السيدات والسادة رؤساء وأعضاء الوفود المشاركة،
السيدات والسادة الحضور،
بداية، اسمحوا لي يا سيادة الرئيس أن أتوجه إليكم بتحية خاصة على عقد هذا المنتدى الاقتصادي الهام، معربين لكم في ذات الوقت عن جزيل شكرنا وعميق تقديرنا على دعوتكم الكريمة لنا لحضور اجتماعكم لهذا العام، مثمنين عالياً ما بذلتموه من جهد في التنظيم والتخطيط من أجل جمع هذا العدد الكبير من الشخصيات من ذوي الخبرات وصناع القرار في العالم.
ولقد دأبنا منذ سنوات على المشاركة في منتداكم، وإننا نفعل ذلك اليوم أيضاً لإيماننا بما لمنتدى دافوس من أهمية، وإسهام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة على المستوى الإقليمي والدولي؛ حيث تتبلور فيه آفاق التعاون الإيجابي البناء، والتفاعل فيما بين اقتصاديات مختلف البلدان من خلال تطوير أواصر اقتصادية وتجارية تقوم على المشاركة وتبادل الخبرات والمنفعة لما فيه خدمة المصالح المشتركة للبلدان والمؤسسات المشاركة في هذا المنتدى، وعلى نحو يخلق أجواء اقتصادية إيجابية بين الدول والوفود والمؤسسات تدعم ما هو قائم أصلاً من علاقات اقتصادية وتجارية، وترسي آفاق تعاون وتبادل تجاري واقتصادي جديدة، وتسهم بشكل قيم في تطور ونمو الاقتصاد العالمي في مجمله، وتترك انعكاسات طيبة على مستوى مداخيل الأفراد والمجتمعات.
وحينما نتحدث عن الاقتصاد، فلا مناص من أن نتحدث عن السياسة؛ لما لهذه من تأثير كبير على الاقتصاد؛ فالعلاقة بينهما علاقة جدلية، وإن تأثير لهذه الأوضاع السياسية على حياة واقتصاد أي أمة وشعب أو بلد لكبير جداً، بل إنه لجوهري وحاسم. وتعلمون أيها السيدات والسادة، مدى ما بذلناه من جهود مضنية من أجل النهوض باقتصادنا الفلسطيني الذي تسلمناه من الاحتلال مدمراً تماماً؛ حيث لم تكن هناك مؤسسات ولا بنية تحتية، وكان جل اقتصاد الأراضي الفلسطينية المحتلة يصب في الخزينة الإسرائيلية، ولم يكن هناك أي وجود لمشاريع ومؤسسات تقوم على تنمية الاقتصاد والمجتمع الفلسطيني، وإنما عمدت إسرائيل إلى استغلال كافة مواردنا الاقتصادية والطبيعية وتجييرها لصالح اقتصادها الاحتلالي؛ الأمر الذي كان له آثار سلبية ونتائج مدمرة على اقتصادنا.
وخلال سبع سنوات من العمل الشاق والمتواصل عملنا فيها على خلق بيئة اقتصادية صالحة للاستثمار والتنمية والتطوير، واجتهدنا في إقامة مؤسساتنا والبنى التحتية الضرورية. ونحن هنا نشكر جميع الأشقاء والأصدقاء على ما قدموه من مساعدات للشعب الفلسطيني، ساعدتنا في إنجاح مشاريع التنمية والتطوير الاقتصادي، بالرغم مما واجهناه من العقبات والعراقيل والصعاب، التي ما زالت إسرائيل تضعها في وجه اقتصادنا النامي. فإلي جانب تأخيرها لتشغيل المطار، وعدم سماحها لنا بالشروع في إقامة الميناء -وهما كما تعلمون مؤسستان هامتان وحيويتان- بجانب تعطيل مشاريع أخرى هامة لاقتصادنا ولشعبنا، مثل: الكهرباء والمياه وغيرها -فقد مارست حكومة باراك، ومن قبلها حكومة نتنياهو، سياسة الخنق والإغلاق وحجز أموالنا من الضرائب والحصار الاقتصادي والتجويع والعقاب الجماعي ضد شعبنا الفلسطيني.
وها هي حكومة إسرائيل الحالية، ومنذ أربعة أشهر، تشن حرباً همجية ووحشية وعدواناً عسكرياً غاشماً وفاشياً على شعبنا الفلسطيني، وتستخدم في ذلك الأسلحة والذخائر المحرمة دولياً، والذخائر التي يدخل في تركيبها اليورانيوم المستنفذ؛ كما إنها تفرض علينا حصاراً شاملاً، بل وأسوأ من ذلك أنها تفرض حصارها على كل قرية ومدينة وتحول دون حرية الحركة والتنقل لأبناء شعبنا وتمس حقوق الإنسان الأساسية لمواطنينا الفلسطينيين، وتطرد عمالنا، وتغلق مصانعنا، وتدمر بعضها حتى أصبح 90% من عمالنا دون عمل، وتدمر مزارعنا وأشجارنا، وتمنع التصدير والاستيراد، بل وتمنع حتى تلقي المساعدات التموينية من الأشقاء والأصدقاء ضاربة عرض الحائط بكافة قرارات الشرعية الدولية، وبالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبالقانون الدولي الإنساني وباتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين زمن الحرب. أفرأيتم أبشع من هذه السياسة العقابية الجماعية وهذا التدمير في العصر الحديث؟!
إن إسرائيل تضع شعبنا بأكمله في مواجهة هذا التصعيد العسكري الخطير والتوسعات الاحتلالية الاستيطانية العدوانية المسلحة، وأحلامها بتحقيق مكاسب جغرافية وإقليمية على حساب شعبنا، بما يتنافى مع الشرعية الدولية، والاتفاقات منذ مدريد وأوسلو، وحقوق شعبنا الفلسطيني في أرضه ومقدساته المسيحية والإسلامية، وموارده الطبيعية.
السيد الرئيس،
السيدات والسادة رؤساء وأعضاء الوفود،
إن من يريد تحقيق السلام بحق، ويسعى إليه بإيمان وإخلاص لا يعمد إلى القتل والتنكيل والاغتيال والتدمير والتخريب كما تفعل حكومة إسرائيل وجيشها المحتل بشعبنا في هذه الأيام، ومنذ أربعة شهور متواصلة. فقد بلغ عدد الشهداء اكثر من 400 شهيد، وتجاوز عدد الجرحى سبعة عشر ألف جريح، منهم (5439) طفلاً، هذا من حيث الخسائر والأضرار البشرية؛ أما الخسائر الاقتصادية والمالية، فقد بلغ إجمالي هذه الخسائر في جميع القطاعات، وبفعل ما ألحقته الآلة العسكرية الاحتلالية الإسرائيلية بالبنية التحتية، والممتلكات العامة والخاصة وغيرها 4.2 مليار دولار أميركي، بما في ذلك الخسائر الفادحة التي يتكبدها المزارعون الفلسطينيون جراء قطع 100 ألف شجرة مثمرة، وتجريف 80 ألف دونم، وما لذلك من آثار مدمرة على معيشة المواطنين الفلسطينيين وعلى البيئة الفلسطينية، إضافة إلى ما ألحقته قذائف الدبابات والمدفعية والطائرات والصواريخ الإسرائيلية من أضرار بالمباني والمنشآت والمؤسسات، مثل: المدارس والكليات والكنائس والمساجد.
هذه صورة موجزة جداً عما ألحق بمجتمعنا من خسائر بشرية ومادية جسيمة، وجراء هذا الوضع والحصار والإغلاق الشامل؛ حيث ارتفعت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر إلى 75% وانخفض إجمالي الدخل القومي انخفاضاً حاداً جداً، يقدر بمئات الملايين من الدولارات سنوياً.
ونحن إذ نؤكد لكم أيها الأصدقاء، وكما اشرنا لذلك مراراً وتكراراً على تمسكنا بالسلام الشامل والعادل والدائم، سلام الشجعان، كخيار استراتيجي ثابت لشعبنا الفلسطيني، فإننا نتطلع إليكم، وإلى الأمم المتحدة، ولكافة القوى المحبة للعدل والحرية والسلام والديمقراطية في العالم، ولكافة الأشقاء والأصدقاء- للسعي لدى القوى الدولية الفاعلة والمؤثرة في العالم لتحمل مسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية، والعمل بكل إخلاص وموضوعية وحيادية ونزاهة على إيجاد حل سريع وعادل للقضية الفلسطينية طبقاً لروح الحق والعدل والقرارات الدولية ذات الصلة بفلسطين.
تعلمون أيها السيدات والسادة بأننا قدمنا تنازلات وتضحيات جسيمة من أجل تحقيق السلام الشامل والعادل والدائم. نعم لقد قبلنا بأقل من ربع مساحة فلسطين التاريخية، ووافقنا في مؤتمر مدريد للسلام على مبدأ الأرض مقابل السلام، وعلى أساس قراري مجلس الأمن 242، 338، اللذين ينصان على انسحاب إسرائيل قوة الاحتلال من كافة الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشريف، وإلى خطوط الرابع من حزيران 1967، وإزالة كل ما أقامه الاحتلال من مستوطنات وبنى استيطانية ليس لها أي أساس من الشرعية، وتنفيذ القرار 194، الخاص اللاجئين الفلسطينيين؛ وكذلك توصلنا إلى اتفاقات سلام مع شريكي الراحل يتسحاق رابين في صنع السلام الشجعان، والتي تضمن لنا إقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
إننا نتطلع إلى المجتمع الدولي بأسره ولمنظمة الأمم المتحدة، وللقوى الدولية المؤثرة والفاعلة، للعمل على وقف هذه الحرب وهذا العدوان الإسرائيلي على شعبنا الأعزل، والذي يشكل انتهاكا فاضحاً وصارخاً لاتفاقية جنيف الرابعة، الخاصة بحماية المدنيين زمن الحرب؛ ونطالب بتوفير حماية دولية فورية لشعبنا، ورفع الحصار والإغلاق، ووقف هذا العدوان العسكري المتصاعد.
وأكرر أمامكم أيها السيدات والسادة التزامنا التام والأكيد بالاستمرار في عملية السلام؛ ومن هذا المنطلق فلقد اقترحت مفاوضات مكثفة وماراثونية في طابا تحت الرعاية الكريمة لسيادة الرئيس محمد حسني مبارك. وبالفعل فلقد أرسلنا وفداً بمستوى رفيع لإجراء هذه المفاوضات مع الجانب اٍلإسرائيلي؛ وإن لم نتمكن من التوصل إلى اتفاق شامل فسنستمر في سعينا، وبمساعدة المجتمع الدولي، لإرساء دعائم السلام الشامل والدائم والعادل في منطقة الشرق الأوسط، وعلى كافة المسارات السورية واللبنانية والفلسطينية.
ولقد أحضرت معي إلى دافوس د.نبيل شعث، وزير التخطيط والتعاون الدولي؛ ود.صائب عريقات، رئيس لجنة التوجيه للمفاوضات اللذين شاركا في محادثات طابا الأخيرة- لإطلاع من يرغب منكم، على تفاصيل هذه المحادثات التي نعتبرها جولة جدية وهامة؛ حيث تم بحث كافة مواضيع محادثات الحل النهائي: "القدس"، "الحدود"، "اللاجئين"، "المستوطنات"، "المياه" و"الأمن".
إن شعبنا الفلسطيني أيها السيدات والسادة ليتطلع إليكم لمساعدته في إحقاق حقوقه الوطنية المشروعة غير القابلة للتصرف؛ حتى يستطيع أن يمضي في مسيرة بناء وإعمار وطنه، واللحاق بركب الاقتصاد العالمي النامي والمتطور؛ والعيش بكرامة حراً سيداً مستقلاً في وطنه فلسطين، مثله في ذلك مثل كافة شعوب ودول المنطقة والعالم، وفي إطار من الثقة والاحترام المتبادل وحسن الجوار مع محيطه.
وفي الختام نجدد شكرنا لكم، أيها السيد الرئيس على دعوتكم لنا، وإتاحة الفرصة لمخاطبة هذا المنتدى الحافل، راجين لكم التوفيق والنجاح في تحقيق الغايات النبيلة من انعقاده، معربين عن تطلعنا الصادق ورغبتنا الأكيدة بأن يكون لنا شرف دعوتكم جميعاً ذات يوم قريب -إن شاء الله- لعقد منتداكم في مدينة القدس الشريف عاصمة لدولة فلسطين المستقلة.
والسلام عليكم