خطابات الرئيس الراحل ياسر عرفات، 1978-1998

كلمة الرئيس ياسر عرفات أمام المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التاسعة عشرة 12 تشرين الثاني 1988

بسم الله الرحمن الرحيم.

" أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله "

صدق الله العظيم.

السيد الرئيس، الأخ المجاهد، الأخ المناضل والوفي، ليس فقط لشعب الجزائر، وليس فقط لشعب فلسطين، ولكن للأمة العربية، وللأحرار، وللشرفاء في العالم أجمع، الأخ الشاذلي بن جديد،

إخواني أشقائي أصدقائي أصدقاء وأشقاء هذه الثورة الفلسطينية وهذا الشعب الفلسطيني، شعب الانتفاضة البطلة شعب الانتفاضة المباركة،

 دائمًا يا سيادة الأخ الرئيس، كلما تحزب بنا الأمر، وكلما اشتدت بنا الخطوب، تلفتنا شمالًا ويمينًا فلا نجد دائمًا وأبدا إلا أخونا المجاهد الثائر، الشاذلي بن جديد، وشعبه البطل، شعب المليون ونصف المليون شهيد. وليس من قبيل الصدف أن نعقد هذه الدورة في رحاب الجزائر، في رحاب شعب الجزائر، في رحاب الشاذلي بن جديد؛ وليس من قبيل الصدف، وعندما خرجنا بعد معارك بيروت وملحمة بيروت أن نعقد مؤتمرنا الوطني الفلسطيني هنا، على أرض الجزائر، وفي رحاب الجزائر. وليس من قبيل الصدف أنه، عندما أردنا أن نوحد صفوفنا وحدة واحدة، أن نجتمع هنا على أرض الجزائر، لتقول: إن الشعب الفلسطيني، إن الإرادة الفلسطينية، إن المجاهدين الفلسطينيين، إن الثوار الفلسطينيين- وحدة واحدة متراصة، كما كان الجزائريون. نعم يا إخوتي، نعم يا أحبائي، بهذا المفهوم، وبهذا البعد الاستراتيجي لعلاقتنا مع الأخ الشاذلي بن جديد، نعقد هذه الدورة وهذا الاجتماع، اجتماع القمة العربية، لماذا؟ لكي ندرس هذا الموضوع الهام في هذه الامة العربية. الحدث الجديد في هذه الأمة العربية: انتفاضة الشعب الفلسطيني داخل أرضنا المحتلة ضد هذا الكيان الصهيوني، لنقول، باسم الجزائر، باسم أمتنا العربية، إن هذا الشعب الفلسطيني ليس منفردا وليس وحيدا في الجهاد، وليس وحيدا في النضال، وليس وحيدًا في ثورته، ولكن كل أمته العربية - من أرض الجزائر، أرض الثوار الأحرار - تقف مع الشعب الفلسطيني في هذه الانتفاضة المباركة. نعم - يا إخوتي، ونعم - يا أحبائي. بهذا المفهوم، وبهذا البعد الاستراتيجي دائمًا وأبدا، وقفت الجزائر، وقفت - يا أخي الرئيس - إلى جانب شعبنا المناضل في كل الأيام الصعبة، وفي كل اللحظات التاريخية والمصيرية.

والان هنا في هذا المجلس، جئتك يا أخي الرئيس - ولديك من المشاكل الشيء الكثير - وقلت لك: نريد أن نعقد هذا المجلس ( في الجزائر ) فقلت لنا الكلمة التي لا أنساها: أنا مع فلسطين ظالمة ومظلومة نعم، يا أخواتي، نجتمع اليوم على أرض الجزائر، وقد فقدنا أخي وحبيبي ورفيقي دربي، الشهيد الرمز أول الرصاصة، أول الحجارة " الشهيد البطل أبا جهاد " لقد فقدناه وأرادوا باغتيال أخي الشهيد الرمز البطل أبو جهاد - أن يغتالوا هذه الانتفاضة إن يغتالوا هذه الثورة الشعبية الاصيلة؛ ولكنهم ما دروا، وما علموا، إن دمه قد توزع على هذه الأرض المباركة، أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، مسرى النبي محمد لله ومهد المسيح عليه السلام. نعم، توزع دمه على هذه الأرض المباركة لتزداد اشتعالا، اشتعالا، اشتعالا، ولتقول باسم هذا الشعب، باسم الأطفال، باسم النساء، باسم الرجال، باسم الثوار، باسم المجاهدين: إن هذه الثورة هي - كما قال فيها شهيد أمتنا العربية، جمال عبد الناصر: وجدت لتبقي، وأقول: وجدت لتبقي، ولتنتصر. لتنتصر. نعم، يا إخواني: هذا قدر الثوار في الثورة الفلسطينية. إننا كلما أستشهد منا بطل تدافع في الركب أبطال وأبطال. ويتدافع في الركب، الان، جنرالات الحجارة، الذين يتناغمون هذا التناغم الثوري الخلاق مع أطفال الـ"آر. بي. جي" مع ثوار الـ"آر. بي. جي" في جنوب لبنان، في مخيمات لبنان جنبا إلى جنب مع إخواننا في الحركة الوطنية اللبنانية، الذين يدافعون، معا عن عروبة لبنان يدافعون عن الوجود الفلسطيني في لبنان، ضد هذا العدو الصهيوني.

أقول: إن هذا هو التناغم الثوري بين أطفال الحجارة، بين جنرالات الحجارة، بين جنرالات الـ"آر. بي. جي" هذه هي الثورة الفلسطينية: بندقية وحجر، بندقية وغصن زيتون نرفعه على أرض الاسراء والمعراج. مسرى النبي محمد، ومهد المسيح عليه السلام. نعم، يا إخواني: هذا هو الخط الذي نسير عليه. نحن تقول: بندقية في يد. حجر في يد، “آر. بي. جي” في يد؛ ولكننا نقول في نفس الوقت: غصن الزيتون، لكي نقيم السلام، السلام الحقيقي، وليس السلام المزيف، ولا سلام الإرهابين، ولا سلام هؤلاء المعصبين؛ ولكنه سلام الفلسطينيين الذي سنفرضه على هذه الأرض الفلسطينية. أرض السلام، أرض الإسراء ومسرى النبي محمد نعم، يا إخواني، بهذا البعد وبهذه الشفافية الثورية بعيدة النظر، نحن ننطلق في هذه الثورة. ننطلق لنقول لك يا أخي الرئيس: إن هذه الثورة ستستمر حتى يرفع هذا العلم الفلسطيني. ونقول لهؤلاء الثوار، نقول لجنرالات الحجارة. نقول لجنرالات ال “آر. بي. جي” نقل لشعبنا في داخل أرضنا المحتلة، في الشتات والمهاجر وفي كل مكان نقول لهم: "إن العهد هو العهد، وإن القسم هو القسم. وإن هذه الثورة مستمرة حتى النصر".

أوجه التحية، كل التحية للأحرار والشرفاء في العالم أجمع، ونقول: نحن معًا وسويًا حتى النصر. حتى النصر.

 بسم الله الرحمن الرحيم "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى? مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ? يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ? وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ? وَمَنْ أَوْفَى? بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ? فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ? وَذَ?لِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" صدق الله العظيم.  

 

كلمة ياسر عرفات بالدورة الثانية للمجلس التشريعي عام 1997

بسم الله الرحمن الرحيم

"قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"

صدق الله العظيم

الأخ رئيس المجلس،

الأخوات والإخوة الأعضاء،

السيدات والسادة الضيوف الكرام،

باسم الله، وعلى بركة الله وبرعايته، وباسم الوطن والشعب الفلسطيني، وباسم القدس عاصمتنا المقدسة- نفتتح الدورة الثانية للمجلس التشريعي الفلسطيني للعام 1997 وبعد انقضاء عام كامل على الدورة الأولى لمجلسكم الموقر، والتي كانت بالفعل حافلة بالنشاطات واللقاءات والاتصالات والعمل المتواصل على الصعيد الداخلي والخارجي؛ فداخليا استطعنا في الدورة الأولى تكريس الحوار والنقاش الديمقراطي البناء الذي أسهم في تعزيز وترسيخ قواعد الديمقراطية الفلسطينية؛ مما أتاح الفرصة أمام كل أخ وأخت التعبير عن رأيه بحرية وصراحة بما يخدم أهداف شعبنا الفلسطينية السامية في الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية. وعلى الصعيد الخارجي تمكن المجلس من إقامة وتطوير العلاقات مع البرلمانات العربية والإسلامية الشقيقة والصديقة من خلال إرسال الوفود وحضور اللقاءات والمؤتمرات البرلمانية. وهذا النشاط الخارجي ساهم في شرح أبعاد القضية الفلسطينية من كل جوانبها وبلورة رأي عام عربي وإسلامي ودولي داعم ومساند للشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية في الجهود السلمية التي تبذلها من أجل تمكين شعبنا من إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض والمقدسات الفلسطينية؛ ومواصلة مسيرة الإعمار والبناء والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة.

ويشرفني بهذه المناسبة الهامة أن أهنئ الشعب الفلسطيني وأهنئ الإخوة أعضاء المجلس على نجاح أعمال المجلس هذه رغم كل الظروف الصعبة والمعقدة التي مر بها شعبنا ومر بها الوطن، وخاصة في تأكيد وجوده كمؤسسة تشريعية رائدة في حياتنا الفلسطينية على أرض الوطن مثلما تجسد تواصلًا خلاقًا مع مؤسساتنا، وعلى رأسها مجلسنا الوطني الفلسطيني، الذي هو روح وقلب منظمة التحرير الفلسطينية.

إن الحديث عن الإنجازات التي تحققت خلال الدورة الأولى للمجلس تبعث في نفوسنا الاعتزاز بما حققناه في هذا الوقت القصير جدًا رغم الظروف الصعبة والتحديات الكبيرة التي واجهناها، ولا زلنا؛ كما إن ذلك يعزز فينا الأمل والثقة بالمستقبل وبقدرة شعبنا الفلسطيني من خلال أطره الشرعية، سواء التنفيذية أو التشريعية أو القضائية- على مواكبة عجلة التطور والتقدم التي يشهدها العالم والمنطقة وكذلك التواصل والتفاعل مع المتغيرات الإقليمية والدولية بشكل بناء وإيجابي.

الأخ الرئيس،

الأخوات والإخوة،

بالرغم من انشغال مجلسكم الكريم في مناقشة التشريعات القانونية والأنظمة الداخلية والتي شارك فيها إلى جانب أعضاء المجلس الموقرين شريحة كبيرة من أبناء شعبنا؛ إلا أن هذا المجلس لم يتوانَ لحظة واحدة عن الاهتمام والمشاركة البناءة والمسؤولة في كل مراحل وتطورات ومستجدات عملية السلام وما رافقها من أحداث صعبة؛ وأحيانا أليمة، طالت كل نواحي الحياة عند شعبنا الفلسطيني؛ وبالتالي شكل المجلس سندًا حقيقيًا للسلطة التنفيذية التي واجهت مفاوضات صعبة وشاقة، وتحديات وطنية كثيرة وكبيرة. ولا أغالي إذا قلت: إنها تحديات مصيرية على مدار السنة الماضية. وكلي يقين لا يتزعزع بقدرة شعبنا على النهوض بأعباء هذه التحديات؛ وذلك من خلال المشاركة المزدوجة في تحمل المسؤولية الوطنية والقومية بكل أبعادها؛ فكان التفاعل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بناء ومسؤولًا.

الأخ الرئيس،

ايها الإخوة والأخوات،

كلكم تعرفون دقة وخطورة المرحلة المصيرية والصعبة والتحديات الكبيرة التي لا زلنا نمر بها ونواجهها، وتتابعون عن كثب وإدراك كل مجرياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحياتية وغيرها من القضايا التي تمس شعبنا ومستقبل أجيالنا ومستقبل الوطن؛ إلا أن ما يجري من مصاعب وتعقيدات يفرض علينا مواجهة السؤال الكبير هل كان خيارنا السلمي الذي بدأناه في هذا الفصل الهام من مسيرتنا الوطنية الكبرى خيارًا سلميًا؟ وهذا سؤال يثور من داخلنا ومن حولنا كلما تعرضت مسيرة السلام لأخطار أو تراجعات أو نكسات؛ واجد نفسي بحاجة واضحة للإجابة الصريحة والمسؤولة عنه. أقول بثقة ويقين: لقد كان خيار السلام الذي أقره مجلسنا الوطني والتشريعي خيارًا سليمًا اتخذناه بيقين منا بأن السلام العادل والشامل والدائم في المنطقة، وعلى كل المسارات العربية الأخرى - هو الكفيل بتحقيق أهدافنا الوطنية في ظل الظروف المحلية والدولية، وعلى قاعدة تحقيق حقوقنا الوطنية غير القابلة للتصرف، بما فيها حقنا في العودة وتقرير المصير وإقامة دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

وكما تعلمون، فقد أوفينا بالتزاماتنا الواردة في الاتفاقات المبرمة مع حكومة إسرائيل وقمنا ببذل كل جهد ممكن من أجل المحافظة على الأمن والاستقرار، إلى جانب جهودنا لإعادة إعمار البنية التحتية التي دمرها الاحتلال الإسرائيلي تدميرًا كاملًا علما بأن إعادة الإعمار والبناء لمؤسساتنا الوطنية ومرافقنا الحيوية واجهت عقبات كبيرة بسبب سياسة الإغلاق والحصار الإسرائيلي المتواصل؛ مما ألحق أفدح الخسائر بالاقتصاد الفلسطيني الناشئ، وضاعف من معاناة شعبنا. وبالمقابل، فقد عمدت الحكومة الإسرائيلية إلى استخدام أسلوب المماطلة والتسويف والتهرب من تنفيذ التزاماتها الواردة في الاتفاقات المبرمة معها، وخاصة فيما يتعلق بالجدول الزمني لإعادة الانتشار ونقل الصلاحيات والمسؤوليات وتحويل المستحقات المالية من الجمارك والضرائب للسلطة الوطنية الفلسطينية. وقد تميزت كافة مراحل المفاوضات التي جاءت لوضع آلية لتطبيق اتفاق إعلان المبادئ مع الجانب الإسرائيلي بالتعنت والتهرب ووضع العراقيل والعقبات أمام التطبيق العملي للاتفاق، وتارة تحت حجج أمنية؛ وتارة أخرى بأن المواعيد غير مقدسة والخروج بتفسيرات للاتفاق تتناقض مع مرجعية عملية السلام وقرارات الشرعية الدولية. وفي كل مرة وصلت فيها المفاوضات إلى الجمود كنا نحرص على مناشدة كافة القوى المعنية من أشقاء وأصدقاء، بتحقيق السلام، ببذل مساعيها وجهودها المخلصة من أجل الخروج من حالة الجمود والتردي، كي تتواصل مسيرة السلام الذي اختاره شعبنا عن قناعة وإيمان عميق، باعتباره خياره الاستراتيجي الذي لا رجعة عنه.

وقد تفاقم الوضع وازدادت الأمور تعقيدًا بعد استلام الحكومة الجديدة للسلطة في إسرائيل إثر الانتخابات الإسرائيلية التي جرت في منتصف العام الماضي، وخاصة أن هذه الحكومة الإسرائيلية جاءت ببرنامج انتخابي متطرف لإرضاء الأحزاب الدينية المتطرفة والمعادية لعملية السلام ولحقوق الشعب الفلسطيني، مما زاد تعثر المفاوضات والجهود المبذولة من أجل دفع عملية السلام إلى الأمام على كافة المسارات وعند استلام هذه الحكومة لمسؤولياتها الدستورية بدأت تتزايد وتيرة التصريحات الرسمية الإسرائيلية فيما يتعلق بدعم وتوسيع النشاطات الاستيطانية وعدم الالتزام بما وقعت عليه الحكومات الإسرائيلية السابقة، وطرح تفسيرات جديدة لاتفاق “أوسلو” وما تلاه من اتفاقات مكملة، والخروج على مرجعية عملية السلام؛ وذلك باستبدال "مبدأ الأرض مقابل السلام" بمقولة "السلام مقابل السلام" و"الأمن مقابل السلام"؛ مما شكل انتهاكا فاضحًا لمرجعية مؤتمر مدريد ولقرارات الشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة.

وقد أدت هذه السياسة المتعنتة إلى تجميد المفاوضات على المسارين السوري واللبناني، وأسهمت في تأزم الوضع وزيادة حدة التوتر وتعثر المفاوضات بشكل خطير على المسار الفلسطيني.

 

وكذلك واصلت هذه الحكومة انتهاكاتها واستفزازاتها وإجراءاتها التعسفية، وخاصة ما قامت به من حصار وإغلاق تام لمناطق السلطة الفلسطينية، وفرض طوق أمني عليها؛ بالإضافة إلى قيامها بانتهاج سياسية العقاب الجماعي وفرض الأمر الواقع من خلال مواصلتها لنشاطاتها الاستيطانية، ومصادرة الأراضي الفلسطينية وإقامة الطرق الالتفافية، ومنع الاستيراد والتصدير من وإلى مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية. وأدت هذه الإجراءات والممارسات القمعية اليومية الإسرائيلية ضد شعبنا إلى شحن النفوس وتأجيج المشاعر، ودفعت الأمور نحو نقطة الانفجار التي اندلعت شرارتها بسبب إقدام حكومة إسرائيل على اتخاذ قرارها بفتح النفق تحت السور الغربي للمسجد الأقصى المبارك؛ مما ولد موجة كبيرة من الغضب والسخط عمت أرجاء الوطن لدى شعبنا الفلسطيني الذي خرج في مسيرات احتجاج سليمة واستنكارات حاشدة ضد هذا القرار الإسرائيلي الذي شكل اعتداءً صارخًا على قبلة المسلمين الأولى وعلى المقدسات الإسلامية والمسيحية.

وقد واجهت جماهير شعبنا الغاضبة هذا القرار الإسرائيلي المبيت بكل شجاعة، وتصدت ببسالة للقوات الإسرائيلية التي أطلقت نيران أسلحتها بأوامر من الحكومة الإسرائيلية الحالية على المدنيين الفلسطينيين؛ مما أدى إلى سقوط اكثر من ثمانين شهيدًا، وجرح ما يزيد عن ألف وخمسمائة مواطن، معظمهم من الأطفال والشباب العزل.

وبالرغم من النداءات الدولية واتخاذ مجلس الأمن الدولي للقرار 1073 القاضي بإغلاق هذا النفق إلا أن حكومة إسرائيل لم تذعن لهذا القرار ولكافة القرارات الدولية ذات الصلة بالقدس العربية المحتلة.

الأخ الرئيس،

الأخوات والإخوة الأعضاء،

تعلمون أنه بعد مفاوضات عسيرة وشاقة احتاجت من حين إلى آخر إلى جهود ووساطات الأشقاء والأصدقاء توصلنا إلى توقيع البرتوكول الخاص بتنفيذ اتفاق الخليل الذي تم بموجبه إعادة انتشار القوات الإسرائيلية من مدينة الخليل؛ مما عزز الآمال وخلق اجواء إيجابية من شأنها المساعدة على تطبيق البنود العالقة في الاتفاق الانتقالي وإعطاء دفعة كبيرة لاستئناف مفاوضات الوضع النهائي.

ولكن الآمال والأجواء الإيجابية التي تحققت أثر توقيع بروتوكول الخليل سرعان ما تبددت وتلاشت بسبب قرار الحكومة الإسرائيلية المخطط له لمصادرة الأراضي لإقامة مستوطنات جديدة، وخاصة في القدس الشريف وحولها بما فيها أبو غنيم، وإعلانها من جانب واحد عن قرارها بإعادة الانتشار من 2% من المنطقة (ج) والذي كان بمثابة الخديعة والمؤامرة على مواصلة عملية السلام.

ان هذه القرارات الإسرائيلية الخطيرة، وخاصة قرار الاستيطان في جبل أبو غنيم لا تمس عملية السلام فحسب، بل تمس كذلك وبشكل خاص، وضع مدينة القدس العربية التي لا تعني الفلسطينيين فحسب، بل تعني أيضا الأمة العربية والإسلامية والمسيحيين في العالم.

بالإضافة إلى ذلك فان هذا القرار يشكل انتهاكًا فاضحًا لقرارات الأمم المتحدة، وخاصة المتعلقة منها بقضية القدس كالقرار 252 والقرار 478 اللذين لا يجيزان ضم مدينة القدس العربية؛ وصولا إلى القرار الذي اتخذته بالإجماع الجمعية العامة بالأمس القريب، والذي يرفض قرار إسرائيل بالاستيطان في جبل أبو غنيم، ويدعو حكومتها إلى وقف كافة أنشطتها الاستيطانية التي تعتبر في مجملها محاولة إسرائيلية لتقرير مصير ومستقبل القدس قبل البدء في مفاوضات الوضع النهائي والتي تشكل قضية القدس أهم وأبرز قضاياها الرئيسية.

إن الحكومة الإسرائيلية تسعى بكل الوسائل وكلها غير مشروعة بالطبع إلى تفريغ عملية السلام من محتواها، وسلب هذه العملية ومرجعياتها القانونية والدولية، ومحاولة طرح سياسة الإملاءات لقرارات تتخذ دون علمنا؛ مما لا يمكن القبول به. ولقد رفضنا المقايضات المطروحة وكذلك مهزلة إعادة الانتشار من 2% من المنطقة (ج) وأصررنا على عدم المس بمرجعيات السلام الموثقة والموقعة دوليًا؛ وكذلك عبرنا عن إصرارنا على التنفيذ الدقيق والأمين لهذه الاتفاقيات المبرمة.

إن العالم كله يشاطرنا هذا الفهم حين أدان السياسة الإسرائيلية بالإجماع. وكم كان بودنا لو لم تستخدم أمريكيا حق الفيتو ضد هذا الإجماع الدولي أو معارضة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة. ونخص بالذكر الآن انعدام الثقة بالجانب الإسرائيلي، وخاصة من الطرف العربي الذي هو امتداد طبيعي للتأزم الحاد على المسار الفلسطيني. وهناك تنسيق دقيق وشامل مع الشقيقة مصر ومع رئيسها فخامة الأخ الرئيس حسني مبارك، وكذلك مع الأردن وجلالة الملك حسين والمؤتمر الإسلامي ولجنة القدس برئاسة جلالة الملك الحسن الثاني وموقف دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية وجلالة الأخ الملك فهد؛ وكذلك موقف اليمن وتونس ورئيسها فخامة الأخ زين العابدين، والجزائر؛ وبقية الدول العربية والإسلامية.

وفيما يتعلق بقضية القدس الشريف، على الحكومة الإسرائيلية أن تدرك أن هذه المسألة لا تقبل المساومة؛ وهي خط أحمر فلسطيني وعربي وإسلامي ومسيحي إذ لا سلام ولا استقرار بدون عودة القدس الشريف عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة؛ فالقدس هي في وجداننا وقلوبنا؛ وفي وجدان وضمير الأمتين العربية والإسلامية وكافة المؤمنين مسيحيين ومسلمين.

كما إنه عليها أن تدرك تمامًا بأن الاستيطان كالإرهاب؛ لا يلتقي مع السلام العادل والمتكافئ؛ كما إن سياسة الإغلاق والحصار والعقاب الجماعي تتنافى كليا مع روح السلام الذي نشارك في صنعه كطرف أساسي وهام. كذلك فإن سياسة الإملاءات وفرض الأمر الواقع، وهدم البيوت، وترحيل السكان، ومصادرة الهويات من أبناء شعبنا في القدس الشريف لا تخدم بتاتًا الجهود المبذولة لإقامة جسور من الثقة المتبادلة والتفاهم والتعايش، والتي على أساسها سيتوطد ويقوم سلام الشجعان الذي نعمل من أجله في المنطقة.

الأخ الرئيس،

الأخوات والإخوة،

إن مجمل هذه التطورات والتعقيدات الخطيرة التي شهدتها المسيرة السلمية دفعت بالقيادة الفلسطينية إلى الدعوة لعقد مؤتمر غزة الدولي لإنقاذ عملية السلام من الأزمة الحادة التي نشأت بسبب قرارات وإجراءات الحكومة الإسرائيلية الحالية.

وكان الغرض من عقد هذا المؤتمر هو وضع كافة الأطراف الموقعة والشاهدة على إبرام الاتفاق الانتقالي بتاريخ 28/9/1995 أمام مسؤولياتها تجاه عملية السلام لإخراج هذه العملية من المأزق الذي آلت اليه ودفعها إلى الأمام. وقد جاءت هذه الخطوة الضرورية انسجامًا مع التزام الشعب الفلسطيني وقيادته الوطنية بإنجاح عملية السلام على كافة المسارات التفاوضية حتى يكون السلام عادلًا وشاملًا ودائمًا.

وشكل حضور ومشاركة كافة الأطراف المعنية بالسلام دعمًا للموقف الفلسطيني العادل وإشارة واضحة على التزام هذه الأطراف بحماية وإنقاذ عملية السلام من الانهيار؛ وذلك بإيجاد آلية تضمن التطبيق الدقيق والأمين للاتفاقات الموقعة آلية من شأنها ضمان عدم قيام أي طرف بإجراءات من جانب واحد من شأنها استباق أو الإجحاف بقضايا الوضع النهائي. ولكن- للأسف الشديد- لم تستجب حتى الآن الحكومة الإسرائيلية للنداء الصادر عن مؤتمر غزة والمناشدات والوساطات الدولية؛ ولم تلتزم بالقرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ حيث تواصل هذه الحكومة التأكيد على بدء البناء في جبل أبو غنيم حتى لو وقف العالم بأسره ضدها. وبالفعل بدأت اليوم 18/3/1997 بتنفيذ قرارها. إن هذا الموقف الإسرائيلي المتعنت يعكس مدى الغطرسة والاستهتار بإرادة المجتمع الدولي وبقرارات الشرعية الدولية وبالاتفاقات الموقعة.

إن استمرار هذا الموقف الإسرائيلي اللامسؤول يهدد بتدمير ونسف عملية السلام برمتها ويهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، ويعيدها إلى دائرة العنف والدمار.

الأخ الرئيس،

ايتها الأخوات، أيها الإخوة،

في ظل الظروف الصعبة ولمواجهة التحديات الكبيرة والمفروضة علينا، فإننا أحوج ما نكون إلى تعزيز وتمتين وحدتنا الوطنية المقدسة عن طريق مواصلة وتعميق الحوار الوطني الذي بدأناه في مؤتمر نابلس، والذي شاركت فيه كافة الفصائل والقوى الوطنية. وسنواصل هذا التوجه باعتبار وحدتنا الوطنية الضمانة الأكيدة لتحقيق أهدافنا الوطنية السامية، وللتغلب على كافة المعوقات والعراقيل التي تقف في طريقنا، والتي تتطلب منا جميعا بذل كل الجهود والتضحيات.

وبهذه المناسبة لا بد لنا ان نسجل بفخر واعتزاز، التضحيات العظيمة التي قدمها شعبنا على مدار تاريخه النضالي، والتي تجسدت بعودتنا وبإقامة سلطتنا الوطنية الفلسطينية على أرض الوطن وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

إننا أيتها الأخوات والإخوة نقف بخشوع وإجلال أمام قوافل الشهداء والجرحى من أبناء شعبنا الفلسطيني الذين لولا تضحياتهم بأغلى ما يملكون ما كنا هنا لنجتمع في غزة. فلهم الرحمة والمجد والخلود؛ ولأبنائنا الجرحى الشفاء. وكذلك نتوجه بالتهنئة والتحية لأسرانا الذين تحرروا من قيود الأسر وزنازين الاحتلال. ونعاهد الأسرى الذين لا زالوا يقبعون في سجون الاحتلال ببذل كل ما في وسعنا لإطلاق سراحهم؛ ولن يهدأ لنا بال إلا بعودتهم إلى أهلهم وذويهم ليساهموا في مسيرة البناء لوطننا العزيز؛ فلهم جميعًا كل التحية والإكبار على صمودهم وصبرهم وثباتهم.

الأخ الرئيس،

الأخوات والإخوة الأعضاء،

اسمحوا لي أن اتوجه من على هذا المنبر ومن رحاب مجلسكم الموقر باسم الشعب الفلسطيني وباسمكم بالتحية والتقدير للموقف القومي الأصيل والشجاع لجمهورية مصر العربية الشقيقة بقيادة أخي فخامة الرئيس محمد حسني مبارك؛ كما نتوجه بالشكر والتقدير للموقف الشجاع للأردن الشقيق بقيادة أخي جلالة الملك حسين.

كذلك نتوجه بالتقدير العميق لدول الاتحاد الأوروبي الصديقة على موقفها الداعم والمؤيد لجهودنا من أجل مواصلة مسيرة السلام وعلى المساعدات القيمة التي تقدمها لمساعدتنا في عملية إعادة الاعمار والبناء والتنمية.

كما ننوه باهتمام وحرص الإدارة الأمريكية، وخاصة بالجهود المخلصة لفخامة السيد الرئيس كيلنتون الذي يولي اهتمامًا كبيرًا وحرصًا صادقًا على إنجاح وتقدم عملية السلام. وكذلك تقديرنا للراعي الروسي لعملية السلام فخامة الرئيس يلتسين. وكذلك لا بد لنا من توجيه الشكر والتقدير لحكومة وشعب اليابان الصديق على موقفهم الداعم لنا سياسيًا واقتصاديًا. وكذلك إلى الصين وموقفها الداعم لنا ولحقوقنا. وكذلك إلى دول عدم الانحياز مواقفها مع الحقوق الوطنية لشعبنا الفلسطيني.

ونتوجه كذلك بالشكر الجزيل للنرويج حكومة وشعبًا على جهودها المتواصلة لدفع عملية السلام إلى الأمام وعلى دعمها وتأييدها لنا ولسلطتنا الوطنية الفلسطينية.

كل الشكر والتقدير أيضا للدول الشقيقة والصديقة التي تقف معنا وبثبات، وخاصة في هذه المرحلة الدقيقة لتعزيز الموقف الفلسطيني في مواجهة كل التحديات والمخاطر التي تهدد عملية السلام العادل والشامل والدائم الذي نتمسك به وندافع عنه بقوة.

الأخ الرئيس،

ايتها الأخوات والإخوة،

ندرك جميعًا أن التحديات الراهنة والمستقبلية كبيرة، ونعي جيدًا حجم المخاطر والصعاب التي تواجه شعبنا الفلسطيني، وبأن الطريق لا يزال طويلًا؛ مما يفرض على مجلسكم الموقر مسؤوليات جسام ومهام كبيرة تتطلب منكم حشد الطاقات والاستنفار لمواجهة هذه التحديات والعقبات بروح من المسؤولية الوطنية، ومواصلة التضحية والبذل والعطاء الذي عهدناه فيكم جميعًا.

كما إن المرحلة تفرض عليكم القيام بدور أساسي وفاعل لتأطير الحوار الوطني وتعميقه وتعزيزه وصولًا إلى تحقيق أهدافنا السامية في المحافظة على وحدتنا الوطنية المقدسة، وتحقيق التطلعات المشروعة لشعبنا الفلسطيني في الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية. فالعهد هو العهد والقسم هو القسم، ولنواصل معًا وسويًا العمل من أجل إقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف التي سنصلي فيها جميعا بعونه تعالى؛ والتي نأمل ان ينعقد مجلسكم الموقر في ربوعها في دورته القادمة.

"وليدخلوا المسجد كما دخلوه اول مرة"

"ولينصرن الله من ينصره"

صدق الله العظيم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

كلمة الرئيس ياسر عرفات في افتتاح المجلس التشريعي المنتخب 7 آذار 1996

بسم الله الرحمن الرحيم

"والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون"

صدق الله العظيم

الأخ رئيس المجلس الوطني،

الأخ رئيس المجلس التشريعي،

الأخ رئاسة المجلس التشريعي،

السادة رؤساء وأعضاء وفود وممثلي الدول الشقيقة والصديقة،

أيتها الأخوات والإخوة، أعضاء المجلس التشريعي،

الإخوة الضيوف الكرام،

الإخوة الحضور،

 

أود في البداية أن أرحب باسم الشعب الفلسطيني، وباسم السلطة الوطنية الفلسطينية، وباسم اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية- بالإخوة الضيوف الكرام، وممثلي البرلمانات والدول الشقيقة والصديقة؛ وأود أن أحييهم وأشكرهم على مشاركتهم الكريمة التي ترمز إلى التفافهم حول فلسطين المستقبل، وحول السلام العادل والشامل في منطقتنا. والتي كان لبعض الإخوة المتواجدين هنا، نيابة عن بلادهم وقادتهم، الفضل الكبير فيما وصلنا إليه.

وفي هذا المجال لا بد أن نذكر أن اتفاق “أوسلو” تمت رعايته، والتوقيع على الاتفاق الأول والثاني منه في واشنطن تحت إشراف ورعاية الرئيس كلينتون، ومعه الراعي الروسي، وهذا الحشد العربي والدولي، بما في ذلك الوحدة الأوروبية، والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، واليابان، ودول عدم الانحياز، والدول الأفريقية والإسلامية، وإخوتي العرب؛ ثم تبع ذلك مباحثات واتفاق القاهرة تحت رعاية أخي الرئيس مبارك، ومشاركة راعيي المؤتمر؛ ثم بعدها محادثات “طابا” في مصر.

وهنا لا بد أن نذكر بالامتنان الدول المانحة وما قدمته وتقدمه من مساعدات، وكذلك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة وسكرتيرها الدكتور بطرس غالي.

إن قدومكم إلى وطننا في هذه اللحظات الصعبة لمشاركتنا هذه المناسبة التاريخية يعني لشعبنا الشيء الكثير؛ فلكم منا كل تقدير. وأود أن أتقدم للسيد رئيس المجلس التشريعي ونوابه وأمين السر بالتهنئة لكل عضو منكم على الثقة التي أولاها إياكم شعبكم. وأوجه تهنئة خاصة للأخوات من أعضاء المجلس، وأقول لهن: إن وصولكن إلى عضوية المجلس هو شهادة تقدير من شعبنا للدور البارز الذي أدته المرأة الفلسطينية في كافة مراحل نضالنا الوطني، وعلى أهمية مواصلة هذا الدور وتطويره في المستقبل لبناء وطننا ودولتنا المستقلة.

إننا نعقد هذه الجلسة التاريخية لمجلسنا التشريعي في ظل ظروف بالغة الصعوبة، جراء الأحداث الدموية التي شهدتها منطقتنا خلال الأيام الماضية. ولقد كان إصرارنا على عقد هذه الجلسة في موعدها، رغم الحصار المفروض على الضفة الغربية وقطاع غزة وجميع القرى والمدن والمخيمات الفلسطينية نابعاً من رغبتنا في توجيه رسالة للعالم أجمع، رسالة واضحة وضوح الشمس بكل معانيها وبكل إصرار شعبنا للمضي قدماً في بناء مستقبله ودولته رغم كل الصعاب والمعوقات.

بسم الله الرحمن الرحيم "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين"

صدق الله العظيم

الرسالة تقول:

إن مسيرة السلام، سلام الشجعان، التي انطلقت باتفاق إعلان المبادئ الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة ودولة إسرائيل، سوف تستمر. ولن نسمح لكائن من كان من أعداء السلام داخلياً أو خارجياً وفي الاتجاهين وفي الطرفين بتعطيلها أو حرفها عن المسار الصحيح المؤدي إلى إنجاز مراحلها وأهدافها كافة. ولن نسمح للعنف ولا للإرهاب بإيقاف هذه المسيرة السلمية.

"المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة"

والرسالة تقول:

إن مسيرة بناء الكيان الوطني الفلسطيني المستقل سوف تواصل تقدمها في زمن الانبعاث الجديد فوق أرض فلسطين وفي قلبها القدس الشريف.

الرسالة تقول:

إن مسيرة التطور والتحديث وبناء الاقتصاد الوطني الحر لا بد وأن تتواصل بزخم قوي وعزيمة متجددة وأداء عصري قويم ونحن نتوجه نحو بناء الدولة والمجتمع الحديث.

الرسالة تقول:

إن مسيرة الديمقراطية التي دشنتها الانتخابات الرئاسية والتشريعية في العشرين من كانون الثاني الماضي ستستمر، ولن يستطيع أحد من أعداء الديمقراطية والتقدم أن يوقفها، ولن يسمح شعبنا لأحد بأن يتحدى إرادته الحرة المستقلة.

أيتها الأخوات، أيها الإخوة،

إننا على يقين من أن قوى الظلام والردة والإرهاب، عملت كل ما في استطاعتها لضرب هذا الإنجاز التاريخي، المرتبط بأعمق مفاهيم السلام. وأن من خططوا وأمروا بتنفيذ الجرائم الأخيرة في القدس وعسقلان وتل أبيب؛ مما أدى إلى إزهاق أرواح العشرات من المدنيين الأبرياء الإسرائيليين وفلسطينيين وأجانب، وقبلها اغتيال شريكنا في عملية السلام السيد إسحق رابين؛ إن هؤلاء لم يكونوا في واقع الأمر يوجهون ضربتهم للإسرائيليين وحسب، وإنما للفلسطينيين كذلك. وليضربوا في مقتل عملية السلام وأهدافها السامية، وليقتلوا الحلم الفلسطيني الغض الوليد الذي نعمل بدأب كي نراه قوياً متكاملاً بتحقيق الاستقلال على أرضنا، وإقامة مجتمع ديمقراطي يلبي آمال أجيالنا.

وهنا، ومن هذا المنبر، أوجه رسالتي لشعبنا الفلسطيني ولشركائنا في عملية السلام، الشعب الإسرائيلي وحكومته، ولكل شعوب منطقتنا ودولها ولراعيي السلام وللمجموعة الأوروبية ولمجلس الأمن ولكل الدول الصديقة والشقيقة ولكل العالم أجمع؛ داعياً الجميع إلى مواجهة هذا العنف والإرهاب، وتنسيق الجهود لاستئصال جذور الإرهاب وأسبابه في الطرفين، كي نوفر لأوطاننا أمنها واستقرارها ولمستقبل منطقتنا إشراقه المنشود. إنني ومن على هذا المنبر أتوجه باقتراح إلى جميع الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بالسلام العادل في المنطقة لعقد لقاء على أعلى مستوى من أجل بحث سبل حماية مسيرة السلام والتسريع بها على جميع المسارات؛ باعتبار ذلك خطوة بارزة وأساسية لإقفال الطريق أمام دورة العنف الدموية. ولنبحث معاً كذلك سبل التصدي للإرهاب كظاهرة إقليمية ودولية؛ وهو ما عبّر عنه وأكده الرئيس كلينتون.

 

وفي الوقت الذي لم ولن نتوانى، كسلطة وطنية فلسطينية وكشعب عريق، عن محاربتنا المبدئية والمنهجية للإرهاب؛ فإننا نرى بأن هذه المعضلة الدولية الكبرى، لا يمكن أن تحل لا بالاحتلال ولا بالاستيطان ولا بالحصار ولا بالإغلاق وبالتضييق وبالإجراءات الاستثنائية والعقوبات الجماعية ضد الشعب الفلسطيني بأسره؛ وإنما من خلال معالجة متبصرة لدوافعها وللمناخات التي تولد وتترعرع فيها.

إن الحفاظ على حقوق الإنسان وتوفير العدالة وتعميمها، وتربية النشء في ظروف صحية وبثقافة عصرية مع التمسك بالقيم والمعتقدات بأرقى مفاهيمها الحقيقية من شأنه أن يحد من ظاهرة الإرهاب ونتائجها.

وفي منطقتنا؛ حيث نقوم بصنع سلام الشجعان ونواجه تحدياته، وخاصة هذه العلاقات التي أصبحت معروفة للجميع بين هذه القوى المتطرفة في الجانبين، لأن عندي ما يثبت ذلك- فإننا لا نرى في العقوبات والإغلاق الحالي ضد شعبنا كله وضد مناطقنا علاجاً لظاهرة الإرهاب؛ وإنما ينطوي على مجازفة بالإنجازات الثمينة التي أحرزناها في عملية السلام ووضع هذه الإنجازات في دائرة الخطر أمام هذه الانتهاكات.

إنني، ورغم الحزن والألم الذي يشعر به المجتمع الإسرائيلي ونشاطره إياه، أود أن أؤكد على أن هذه اللحظات المفجعة لا يجب أن تجعل الصورة مظلمة أمامنا؛ لا أمامنا كفلسطينيين، ولا أمام الإسرائيليين، ولا أمام العرب؛ حتى يحقق السلام مكاسب كبيرة. وقطعنا خطوات عديدة نحو بناء شرق أوسط جديد يسوده الانفتاح. وكنا جميعاً ندرك أن للسلام ثمنًا، وأن هنالك قوى سوف تحاول إغراقه بالدم حتى تمنع شموله ورسوخه. ولقد أعلنت عن ذلك علناً. وواجبنا اليوم أن ندافع عن السلام في وجه الإرهاب. وأن نتقدم إلى الأمام. وليعلم الجميع أن هذا العنف وهذا الإرهاب ضد جميع القيم الدينية والروحية والإنسانية والوطنية والقومية، هذا الإرهاب ضد شرع الله وشرعية القوانين وخروجاً عنها.

بسم الله الرحمن الرحيم

"واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة"

صدق الله العظيم

أيها الضيوف الأعزاء،

أيها الإخوة الكرام،

أيها السيدات والسادة،

لقد شكلت الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي جرت قبل أسابيع افتتاحاً لمرحلة جديدة في تاريخ شعبنا الفلسطيني؛ فعندما توجه هذا الزخم من المواطنين الفلسطينيين إلى صناديق الاقتراع، لاختيار رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية واختيار أعضاء المجلس التشريعي كانوا في الوقت نفسه يدلون بأصواتهم من أجل فلسطين المستقبل. ولقد كانوا بمشاركتهم الواسعة والمنظمة يؤكدون على دعمهم المطلق لخيار السلام الذي اعتمده المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988 بالموافقة على الحل بدولتين (فلسطينية، وإسرائيلية). وعام 1991 بالاشتراك بمؤتمر مدريد للسلام والذي توج باتفاق “أوسلو” لإعلان المبادئ عام 1993 والذي وقعناه في واشنطن والقاهرة؛ وكانوا في الوقت نفسه يدلون بأصواتهم تأييداً ودعماً لقيام أول سلطة فلسطينية على أرض فلسطين. وأذكركم في عام 1974 المجلس الوطني الفلسطيني قال: "إنشاء السلطة الوطنية على أي جزء يتم الانسحاب الإسرائيلي عنه" طبقاً لما قرره مجلسنا الوطني عام 1974 في القاهرة. وكذلك تأييداً للخيار الديمقراطي الذي يقوم على أساس الانتخاب الحر والمباشر.

ولقد تابع العالم عن كثب مسار هذه الانتخابات. وبلا شك فإن الصورة التي قدمها شعبنا كانت صورة زاهية تعبر عن النضج والرقي والوعي الكبير. وهي صورة نفخر ونعتز بها؛ فشعبنا صاحب التراث الحضاري العريق فوق هذه الأرض القديمة المباركة قادر على الدوام ورغم المحن، " وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأرض الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ" قادر على تأكيد إسهامه وعطائه في كل زمان، وقادر على أن يكون القدوة والمثل، وأن يقدم النموذج المضيء في أرض السلام في فلسطين أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومهد المسيح عليه السلام.

لقد افتتحت هذه الانتخابات مرحلة الشرعية الدستورية والقانونية في تاريخ شعبنا الفلسطيني، ودشّنت مرحلة الكيان الوطني الفلسطيني المستقل، نحو دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

إننا ونحن نتقدم في رحاب هذه المرحلة الجديدة، نذكر بالتقدير والإعزاز كل شهداء شعبنا الأبطال؛ وفي مقدمتهم أخي وحبيبي أمير الشهداء (أبو جهاد).

إن الذين سقطوا على درب النضال على مدى العقود الماضية من أجل حرية فلسطين واستقلالها، لترقد الآن أرواحهم بسلام في عليين عند الرفيق الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا؛ فها هي الأهداف التي ضحوا بأرواحهم من أجلها تتجسد فوق أرضنا ونذكر بالتقدير والاعتزاز. كذلك جرحانا وأسرانا وأسيراتنا الذين ما زالوا خلف قضبان السجون؛ وفي مقدمتهم الشيخ الفاضل أحمد ياسين، وهم الأبطال الذين ساهموا بصنع الإنجازات لشعبنا؛ فإليهم تحية من شعبنا، كل شعبنا، وموعدهم قريب مع الحرية بإذن الله تعالى. "إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب".

أيتها الأخوات والإخوة،

إن الثقة التي منحكم شعبكم إياها تقترن بتطلعات وبتوقعات كبيرة، وتقترن بالتالي بمسؤوليات جسام، لكنني على ثقة أن هذا المجلس، قادر مع مجلسكم الوطني الفلسطيني قادر على التصدي لهذه المسؤوليات، خاصة وأنه يجمع بين أعضائه خلاصة تجارب عديدة، وتلتقي فيه أجيال مختلفة، تجارب تغطي كل مراحل النضال الفلسطيني في جميع الساحات في الوطن والمنافي، وأجيال تشمل الجيل الذي عايش النكبة في بدايات العمل الوطني وبعدها، والجيل الذي عاش في المنافي وانطلق بالثورة، والجيل الذي عانى تحت الاحتلال حتى صنع الانتفاضة الباسلة. إن مزيجاً متكاملاً من هذه الخبرات والتجارب كفيل بالتصدي للمهام التي تطرحها علينا المرحلة القادمة.

واسمحوا لي هنا أن أطرح عليكم ما أراه عناوين رئيسية في برنامج عملنا الوطني للمرحلة القادمة:

المهمة الأولى: حماية وتعزيز السلام

إن السلام، سلام الشجعان، سلام الشجعان، الذي استلزم شجاعة فائقة لدى الأطراف المعنية لصنعه- أصبح حقيقة راسخة على الأرض؛ غير أن هذا يجب ألا يجعلنا نتجاهل أو نقلل من المخاطر التي تتهدده من قبل الفئات المتطرفة وفي الجانبين والمعادية للسلام، والتي يسعى بعضها للقضاء على هذا السلام؛ وعبثاً يحاولون.

وبعد مقتل شريكي رابين كشف النقاب عن لقاءات وتنسيق مع القوى الفلسطينية المتطرفة لضرب عملية السلام. وأنا لا أدعي، هذه هي تصريحات في جريدة يورشلايم العبرية التي يعترف فيها بذلك (زعيم حركة إيال أفناي رفيف المتطرفة) باللقاءات التي تمت بينهم في بعضها جرت تبعد كيلو متر واحد عن مقري بجانب فندق فلسطين على بحر غزة يا إخواني الضيوف، ويا أخواتي ممثلي الدول الصديقة والشقيقة، ويا إخواني أعضاء المجلس التشريعي، عبثاً يحاولون فهي إرادتنا المشتركة لشعبنا الفلسطيني والشعب الإسرائيلي وشعوب المنطقة لترسيخ السلام العادل والشامل من أجل شرق أوسط جديد.

إن حماية وتعزيز السلام ليس كلمة تقال، ولا مجرد إجراء يتخذ، بل هو سياسة شاملة ودائمة ومستمرة يجب أن تعتمدها جميع الأطراف الإقليمية والدولية الشريكة في صنع السلام.

 

إننا في هذا الوقت الذي أكدنا فيه على التزامنا باتفاقيات السلام واحترامنا والتزامنا بتعهداتنا فيها، فإننا نجدد التأكيد على أننا لن نسمح لأية قوة على أرضنا أن تحاول المس بعملية السلام. إن أية محاولة من هذا القبيل ترقى إلى الاعتداء المباشر على المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، وسيتم التصدي لها الآن بكل حزم وقوة ودون أي تردد أو تهاون، ولن نتهاون في حماية وحمل الأمانة التي حملها إياها شعبنا لصيانة حقوقه ومصالحه ومستقبله ومستقبل أجيالنا القادمة ولحماية هذا السلام في ظل هذا النظام العالمي الجديد.

وإننا نتطلع إلى أن يتخذ الطرف الإسرائيلي الإجراءات اللازمة لمواجهة القوى الفاشية والعنصرية التي ما زالت مسكونة بأحلام السيطرة والاحتلال والتوسع والترانسفير، والتي تجاهر بإصرارها على تدمير السلام؛ كما إننا نؤكد هنا أن هذه مهمة مطلوبة أيضاً من جميع دول وشعوب المنطقة. ومطلوبة من كل العالم المحب للسلام مطلوبة منا أولاً وأخيراً، وكما تعرفون وكما تعلمون لقد تصدينا لها بكل حزم وبكل شدة.

كذلك ومن أجل حماية وتعزيز السلام فلا بد من الالتزام الأمين والدقيق بتنفيذ الاتفاقيات المعقودة بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، والتقيد بالبرنامج الزمني الموضوع لمراحل السلام، وتمثل روح المشاركة في التنفيذ؛ والامتناع عن أي سلوك يسبب التوتر أو يشيع أجواء عدم الثقة، كل ذلك سيقدم الإسهام الأكثر أهمية، والأشد فاعلية لحماية السلام، سلام الشجعان.

إن علينا، فلسطينيين وإسرائيليين أن نتقدم نحو تطبيق بنود الاتفاقات المعقودة بيننا لنبدأ بعد شهرين مفاوضات الوضع النهائي، مروراً بإكمال عملية إعادة الانتشار من الخليل. ودعوة مجلسنا الوطني الفلسطيني للانعقاد لمناقشة الميثاق وتعديله.

إن ضرراً كبيراً يلحق بعملية السلام ومصداقيتها إذا واجهت أي تلكؤ أو تباطؤ في تنفيذ أي بند من بنود اتفاقياتها مهما كانت الصعاب والتحديات. إن التنفيذ الدقيق والأمين الذي نصر عليه ضروري من أجل بدء محادثات الوضع النهائي في أجواء من الثقة اللازمة للتقدم والنجاح.

فالتعزيز النهائي للسلام ولكي يصبح طوداً شامخاً وحقيقة متجذرة من الحقائق التاريخية الراسخة، يكون بإنجاز المرحلة النهائية بما يكفل تطبيق قرارات الشرعية الدولية التي نص عليها قرارا مجلس الأمن 242، 338، وبما يشمل انسحاب القوات الإسرائيلية من جميع الأراضي التي احتلت عام 1967 وفي مقدمتها القدس الشريف. وطبقاً للقرارات الدولية التي هي أساس مؤتمر مدريد للسلام؛ وبما يضمن حل قضية اللاجئين الفلسطينيين، وكذلك الحدود النهائية والمستوطنين والمستوطنات. وهذا هو الإطار الذي سيحمي السلام في المنطقة ويضمن له البقاء والاستمرار، ويفتح الآفاق لحل عادل وشامل في المنطقة يحقق السلام على جميع المسارات العربية - الإسرائيلية بما فيها المسارين السوري واللبناني. وإنهاء المسار الفلسطيني حتى الاستقلال؛ وبالتالي فإن المهمة الأولى أمامنا في هذه المرحلة هي تأكيد التزامنا الدائم والعملي باتفاقات السلام، وبما يضمن نيل حقوق شعبنا المشروعة وتحقيق استقلالنا الوطني الكامل.

المهمة الثانية: تعزيز الوحدة الوطنية

"إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله سفاً كأنهم كبنيان مرصوص"

إذا ما كونوا جميعاً يا بني في خطب ولا تفرقوا رهادا

تأبى الرماح إذا تجمعن تكسراً وإذا افترقن تكسرت آحادا.

لقد حرصنا في كل مرحلة من مراحل مسيرتنا الطويلة على أن نحمي ونصون وحدتنا الوطنية، وقد شهدنا في الانتخابات التاريخية قبل أسابيع تجسيداً فذاً لوحدة الشعب وتكاتفه.

وفي هذه المرحلة الجديدة التي تعني انبثاق نظام سياسي فلسطيني ويثبت شعبنا على الخريطة السياسية والجغرافية بالمنطقة وسيكون له انعكاساته الهامة والمصيرية، ليس في فلسطين فحسب، وإنما في المنطقة كلها، نظام يقوم على الشرعية الدستورية؛ فإننا نؤكد حرصنا على تعزيز الوحدة الوطنية، حرصنا على تعزيز الترابط والتلاحم الواحد بين شعبنا داخل الوطن وفي المنافي والشتات. ومن هنا يبرز الدور المركزي والأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية التي ستخوض مفاوضات الوضع النهائي باسم الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده، وأهمية تفعيل مؤسساتها وانعقادها في القريب العاجل، بما في ذلك المجلس الوطني الفلسطيني خلال الشهرين القادمين.

إنني من هنا، من قلب فلسطين، وفي هذه المناسبة التاريخية أوجه باسمكم التحية إلى أبناء شعبنا كل شعبنا، ربعنا كل ربعنا، في الوطن وفي المنافي، ونتعاهد وإياهم على مواصلة الدرب لإنجاز جميع حقوقنا الوطنية طبقاً للشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة.

 

كما إنني أوجه من على هذا المنبر نداءً لجميع القوى والفصائل والتيارات الفاعلة وأدعوها للالتحاق بأطر العمل الوطني. إن المرحلة القادمة تتطلب حشد قوانا وطاقاتنا لمواجهة كافة التحديات والصعاب التي تواجهنا، وإن ما يجمعنا هو أكثر بكثير من أية اجتهادات قد تفرق بيننا. إن جميع الأبواب مفتوحة أمام جميع القوى الوطنية الفلسطينية للعمل في ظل السلطة الوطنية بشكل ديمقراطي وضمن التعددية السياسية، وضمن القوانين المرعية. ولنتفق فيما نتفق عليه وليعذر بعضنا البعض فيما نختلف فيه.

المهمة الثالثة: بناء الكيان الوطني الفلسطيني

إن أمامنا على هذا الصعيد أيها الأخوات والإخوة، جدول أعمال حافل، وإنكم مطالبون بأن تنكبوا على إنجاز البنية القانونية التحتية اللازمة لتأسيس كياننا الوطني.

وأن هذا المجلس مطالب بصياغة القوانين والأنظمة والتشريعات الكفيلة بتنظيم مسار عملنا ومسار الحياة في بلادنا، والتي ستستند إليها السلطة التنفيذية، كما تستند بمنظمة التحرير الفلسطينية ويستعين بها كذلك الجهاز القضائي.

إن هذه مهمة تاريخية مقدسة، فبوضع القوانين والأنظمة التي تستند في منطلقاتها لما أجمع عليه شعبنا من خيار التعددية السياسية وصيانة الحريات الأساسية، وعلى رأسها حرية التعبير، وضمان فصل السلطات، والتكافؤ في الفرص، والمساواة بين المرأة والرجل. بوضع هذه القوانين واستكمال بناء الأطر والهياكل نكون قد صنعنا قاعدة صلبة لبناء كيان ديمقراطي عصري متقدم، يجعل فلسطين مؤهلة لدخول القرن القادم وهي تسهم وتشكل بعطائها الحضاري ضمن المنطلق القومي لأمتنا العربية، وتعود لتصبح كما كانت في أغلب فترات التاريخ منارة تساهم في حاضرة المنطقة والعالم.

المهمة الرابعة: تسريع عملية إعادة البناء والتنمية

إن علينا جهداً هائلاً على جميع الجبهات لمواصلة عملية إعادة بناء ما خلفته عقود الاحتلال من تدمير هائل وخراب شامل في بلادنا، وهي إعادة بناء بنيتنا التحتية المدمرة، وتحقيق تنمية توفر لشعبنا متطلبات حياة كريمة، واستقطاب كل الخبرات والطاقات والإمكانيات الفلسطينية والعربية والدولية، لتحقيق نهضة اقتصادية نحن، بعون الله، قادرين على تحقيقها قبل أن نكون جديرين بها.

وهذه المهمة تتطلب مواصلة المجتمع الدولي دعمه لبرامجنا ومشاريعنا، وتتطلب وقف الإغلاق المتعدد الأشكال الذي يؤدي لإلحاق أفدح الأضرار بالحياة المعيشية لعمالنا وأهلنا وأطفالنا وباقتصادنا كله.

 

إننا في هذا المجال وفي جميع المجالات نرتكز أساساً على محيطنا وعمقنا العربي، ونؤكد حرصنا على تعزيز علاقاتنا العربية، وبناء صيغ تعاون وثيق في شتى المجالات مع الدول العربية الشقيقة.

إن علاقتنا مع مصر الشقيقة ورئيسها مبارك تتطور في جميع المجالات، وعلاقاتنا مع الأردن الشقيق التوأم نعمقها ونعززها، وكذلك العلاقات مع الأشقاء في السعودية وأنا باسمكن أتوجه لله العلي القدير أن ينعم على جلالة الملك فهد خادم الحرمين الشريفين بالصحة والعافية، واليمن والخليج، أعني من عمان للإمارات لقطر للبحرين للكويت، وإنني أقول: رغم أن الكويت طاردين أهلنا لا من الكويت وأهل الكويت؛ وزعماء الكويت إخواننا وأحباءنا.

وعندما أقول: المغرب العربي أتذكر تونس التي تحتضن م. ت. ف وأتذكر أخي جلالة الملك الحسن وأخي وابن عمي أي ليس فقط المملكة المغربية؛ لكن رئيس المؤتمر الإسلامي رئيس لجنة القدس. وكذلك إخواني الأحبة في موريتانيا ورئيسهم ولد طايع، وإخواني في الجزائر الذين احتضنوا جلسات المجلس الوطني الفلسطيني ورئيسهم أخي زروال، وكذلك إخواني في ليبيا وجميع البلدان العربية الأخرى من السودان إلى اليمن إلى عمان إلى اليمن إلى عمان إلى العراق إلى موريتانيا دون استثناء. والمغرب العربي وجميع البلدان العربية دون استثناء، وأعبر في هذا المجال عن رغبتنا الأكيدة في توفير الحل على المسارين السوري واللبناني، لكي نعمل معاً وسوياً من أجل سلام عادل وشامل على جميع الجبهات وفي المنطقة بأسرها؛ كما أعبر عن دعوتنا لرفع الحصار عن الشعب العراقي والشعب الليبي، ونحن نسعى لبناء شرق أوسط جديدة يشملنا جميعاً.

أيتها الأخوات والإخوة أعضاء المجلس،

إن مجلسكم وهو يتصدى لمسؤولياته ومهامه التاريخية يجب أن توفر له كل الظروف وكل الدعم الممكن، ليأخذ دوره وليمارس صلاحياتها بالكامل.

إن جميع أجهزة السلطة التنفيذية ستقدم كل ما هو مطلوب منها ليأخذ دوره الواجب واللائق والفاعل، ونحن لا نعد بعمل المعجزات، ولا نعد وعوداً لا يمكننا الوفاء بها؛ ولكننا نعدكم ببذل كل ما يمكننا أن نقوم به بأمانة وإخلاص، معتمدين على المولى عز وجل أولاً، وعلى عزيمة وإرادة وتحمل شعبنا الذي هو أعظم من قياداته السابقة والحالية والمستقبلية.

السيد الرئيس،

السيدات والسادة أعضاء المجلس،

السيدات والسادة الضيوف والحضور،

إننا جميعاً شهود في هذه الساعات على صنع تاريخ جديد لشعبنا ولمنطقتنا، إننا جميعاً شهود في هذه الساعات على ولادة ديمقراطية جديدة في الشرق الأوسط، إننا جميعاً في هذه الساعات شهود على مرحلة جديدة من الانبعاث الجديد لفلسطين، فلسطين الشعب، فلسطين الوطن، فلسطين الكيان المستقل، شهود على انطلاقة جديدة في مسيرة الشعب الفلسطيني نحو بناء دولته المستقلة وقدسها الشريف.

مرة أخرى أحيي ضيوفنا الأعزاء،

وأتمنى التوفيق للمجلس،

بسم الله الرحمن الرحيم

"ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض"

صدق الله العظيم

 

 

كلمة الرئيس ياسر عرفات حول اتفاق “كامب ديفيد” والصمود الفلسطيني26 تشرين الأول 1978

 أيها الإخوة في الجبهة القومية،

 أخي كمال شاتيلا،

أيها الإخوة في الحركة الوطنية اللبنانية،

 أخي محسن إبراهيم،

أيها الإخوة في الثورة الفلسطينية، أخي جورج، أخي سمير، أخي ياسر، أخي عبد الرحيم، أخي زهير،

 إخوتي في القيادة الفلسطينية،

لقد كان المفروض أن يتكلموا جميعًا كلمة فلسطين؛ ولكنهم أصروا أن يتكلم كلمة فلسطين شخص واحد؛ وكرموني بأن أتكلم هذه الكلمة، كلمة فلسطين:

إخواني في يوم من الأيام كنا محاصرين هنا. وأتذكر كلمة حبيبة إلى نفسي قالها محسن إبراهيم: " إذا لم يكن لكم هانوي هنا فقلوبنا هانوي للثورة الفلسطينية "وأتذكر أيضا أن أخي أبو موسى اتصل بي يومًا وقال: عندي مفاجأة لك فذهبت عنده وفاجأني بشبلين قدما من الأرض المحتلة، ومكثا في الطريق سبعة أيام يأكلون خلالها العشب؛ فسألتهم: ما الذي أتى بكم إلى هنا؟ فقالا: سمعنا أن الثورة محاصرة؛ فجئنا نفك الحصار. هذا هو شعبنا في الأرض المحتلة. وعندما اجتمعوا في مخيم داود ظنوا أن القرار سينطلي على الشعب الفلسطيني. وأنا أقول لهم: إن القرار لا يخرج من مخيم داود؛ لكنه يخرج من المخيمات الفلسطينية. إن مؤامرة “كامب ديفيد” ليست ضد الشعب الفلسطيني واللبناني، وليست ضد سورية؛ ولكنها مؤامرة ضد الأمة العربية من المحيط إلى الخليج.

لقد وضعوا هدف مؤامرتهم تصفية شعبنا البطل، شعبنا المثابر والصامد في الأرض المحتلة؛ ولكننا عندما اجتمعنا في القيادة الفلسطينية كنا ندرك رد أهلنا في الأرض المحتلة. وفعلًا حصل ما توقعناه؛ فكان الخروج الأسطوري البطولي الذي سجله أهلنا في قطاع غزة والضفة الغربية وأهلنا في الوطن المحتل عام 1948.

إخوتي،

أننا نناضل منذ وعد بلفور سنة 1917 إلى الوعد الجديد 1978 الذي منحه السادات لبيغن وكارتر. وهنا أريد القول: إن وعد السادات فاشل فاشل؛ فشعبنا هو صاحب القرار وشعبنا يتحدى السادات ووعده وأسياده في أمريكا وفي المنطقة.

ليعرف القاصي والداني أنني لا أتكلم باسمي شخصيًا؛ ولكنني أتكلم باسم جميع فصائل الثورة الفلسطينية، باسم جميع مناضلي الثورة الفلسطينية، باسم شعبنا في الوطن المحتل وخارجه. وليفهم الذين يحاولون فرض قرارات “كامب ديفيد”؛ ليفهموا أننا قادرون على إحراق الأخضر واليابس. لقد قلت هذا خلال جولتي العربية، وأقوله الآن هنا في هانوي الثورة الفلسطينية؛ أقوله هنا حيث تتعانق البندقية الفلسطينية واللبنانية هذا العناق الذي يصنع الأسطورة كما صنعها خلال حرب الثمانية أيام في جنوب لبنان:

إخوتي،

لتكن عيوننا مفتوحة، لنكن يقظين؛ فالمؤامرة مستمرة لضرب الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية والجبهة القومية وكافة القوى الوطنية اللبنانية. يجب أن نفهم ما قاله كميل شمعون من أن هذه "هدنة"، وأنه يريد الاعتماد على إسرائيل. طبعًا هو لا يريد الاعتماد على إسرائيل فحسب، بل على أمريكيا أيضًا.

صحيح أن مصر النظام خرجت حاليًا من بؤرة الصراع العربي الصهيوني؛ ولكن من خرج ليس مصر بل السادات. إن مصر عبد الناصر لا زالت معنا؛ مصر كمال أحمد الذي تكلم باسم ضمير مصر في مجلس الشعب المصري وقال: إن “كامب ديفيد” خيانة وعمالة. ومصر الشعب لا زالت معنا "وشاور" مصر الحديث سيذهب كما ذهب "شاور" مصر القديم.

إخوتي،

إن إخراج مصر هو حلم بن غوريون. وعندما نرجع إلى مذكراته في كتاب "خنجر إسرائيل" نجده يقول: " يجب إخراج مصر من دائرة الصراع. ويجب أن نفهم هذا لكي نفهم المؤامرة؛ فالمؤامرة تتكرر في صور متعددة".

وعندما اجتمعنا في قمة الصمود والتصدي قلنا: لا بد من إعادة التوازن الاستراتيجي بيننا وبين العدو الصهيوني. نعيده بإمكانات عربية؛ وهي كثيرة؛ من خلال الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج؛ نعيده من خلال المقاتل اللبناني وأخيه المقاتل الفلسطيني اللذين صمدا ثمانية أيام في مواجهة ثلث الجيش الصهيوني الذي وصفه قادته بأنه جيش لا يقهر، والذي وضع في خطته العسكرية دخول صور والنبطية؛ ولكن أمام صمود المقاتل الفلسطيني واللبناني عجز هو وقادته (غور، ووايزمن) عن دخول صور والنبطية؛ فعندما سئل غور عن خسائره الكبيرة قال: "ماذا أعمل إذا كان أمامي أناس يريدون الموت! ولقد قاتلنا الفدائيون من شارع إلى شارع ومن منزل إلى منزل".

 

هذه الأمثولة هي التي تعيد التوازن في المنطقة العربية. ثم إن الشيء الهام في إعادة التوازن في المنطقة العربية هو مزيد من التلاحم مع الأصدقاء مع الدول الاشتراكية وفي مقدمتها الاتحاد السوفياتي.

إخوتي،

قبل أن أحضر إلى هنا تلقيت خبرًا، وهو مهم لأنه جزء من قرارات الصمود والتصدي. هذا الخبر هو تشكيل قيادة عسكرية سياسية إعلامية بين سورية والعراق. هذا الخبر مهم لأنه الرد العملي والصحيح لإعادة التوازن. وأقول: إنه يتجاوب مع قرارات الصمود والتصدي؛ لأننا اتخذنا قرارًا بتشكيل قيادة سياسية وعسكرية وإعلامية واقتصادية لدول الصمود. ثم إن ذهاب الأسد إلى بغداد يشكل هو والإخوة في بغداد استكمالًا لقرار الصمود في دمشق، وخطوة على طريق تشكيل قيادة عسكرية وسياسية وإعلامية بين دول الصمود وكل القوى الوطنية وكل المثابرين والصامدين في أرضنا المحتلة.

إخوتي،

الدرب طويل، والمؤامرة كبيرة جدا؛ ولكن يا جبل ما يهزك ريح؛ فلا شيء يرعبنا، ولا شيء يخيفنا. خرج حاكم مصر، ولم يخرج شعب مصر.

لقد أعلن بيغن في الباري ماتش مؤخرًا أن م. ت. ف هي أخطر ما يعترضنا منذ قيام الصهيونية حتى الآن؛ وقبله قال كارتر: بان م. ت. ف هي "كوبلكلان ونازية وشيوعية"؛ وقبله قال السادات: إن م. ت. ف تعمل على تخريب خطوات السلام؛ ثم طلعت علينا الإدارة الأمريكية وقالت: إن م. ت. ف عبارة عن ماركسيين مسلمين متحالفين مع المعارضة في إيران. هذا الكلام ماذا يعني؟ إنه ليس مجرد كلمات تقال أو تصريحات. إنه مسلسل متكامل ويذكرني بما قاله بريجنسكي بعد زيارة السادات للقدس المحتلة: "وداعًا لمنظمة التحرير الفلسطينية". وكانت الترجمة العملية لدعوة بريجنسكي تحريك ثلث الجيش الصهيوني لتنفيذ القرار الذي صدر في الكنيست، والذي نص على إبادة م. ت. ف وقيادتها وقواتها ومبعوثيها في الخارج. هذا هو القرار الأمريكي الصهيوني الذي دفعوا من أجل تنفيذه بثلث الجيش الصهيوني لضرب الثورة الفلسطينية وفؤادها الحركة الوطنية اللبنانية. ولكن ماذا حدث؟ لقد فشلت المؤامرة والقرار معًا؛ لذلك يجب أن نفهم أن أقوالهم عن م. ت. ف بأنها كذا وكذا ليست إلا عملية تهيئة للرأي العام لتوجيه ضربة جديدة عسكريًا واقتصاديًا وإعلاميًا وسياسيًا، وعلى مختلف الأصعدة والجبهات.

إخوتي،

إن م. ت. ف ليست ضد السلام كما يدعون. إن م. ت. ف ضد الاستسلام؛ وهي كفيلة بضرب وتخريب كل خطوات الاستسلام. أعود فأقول: يا جبل ما يهزك ريح؛ ولن يستطيع أحد تهديد الثورة الفلسطينية على الأرض اللبنانية. هذه الثورة المتعانقة والمتلاحمة مع الشعب اللبناني العربي البطل. والثورة تُهدِّد ولا تُهدَّد؛ تُهدِّد أمريكيا ومصالحها في المنطقة.

وإنها لثورة حتى النصر.