حرص المشرع الفلسطيني على أن يكون القضاء عادلاً ونزيهاً؛ فأوجب شروطاً معينة لا بد من توفرها في القاضي ليكون أهلاً للفصل في المنازعات بين الأشخاص المتقاضين، فالقاضي هو موظف عمومي يعين من قبل السلطة التنفيذية وفقاً لشروط خاصة لا بد من توفرها فيمن يعين قاضياً، وهي:
- أن يكون مواطناً فلسطينياً.
- أن يكون فهيماً ومستقيماً وأميناً وليس فظاً غليظاً.
- أن تتوفر لديه المعرفة القانونية، ويكون حاصلاً على مؤهل علمي في العلوم القانونية.
- أن تتوفر لديه الخبرة والعمل في الأمور القانونية مدة من الزمن.
- أن يكون حسن السيرة والسمعة ومتخلقاً بالأخلاق العالية وبالخصال الحميدة.
- أن يكون مقتدراً على التمييزالتام وكامل الأهلية، وبالغاً أكثر من خمسة وعشرين عاماً.
آداب القاضي:
يجب أن تتوفر في القاضي عدة صفات ليكون جديراً بكرسي القضاء، وأهلاً للفصل في المنازعات المعروضة عليه دون تمييز أو محاباة بين المتقاضين، وهذه الصفات هي:
- أن يبتعد عن القيام بأفعال يكون من شأنها إزالة هيبة القاضي أثناء انعقاد المحكمة.
- عدم قبول الهدايا من الخصوم.
- ألا يستضيف أحداً من الخصوم في بيته، أو الخلوة معه في المحكمة، أو إصدار أية إشارة له سواء كانت بالقول أو الفعل، أو الضحك أو المزاح مع الخصوم أثناء انعقاد المحكمة.
ضمانات القاضي:
حرص المشرع -الذي يأخذ بنظام اختيار القضاة عن طريق التعيين بالنص الصريح- على تقدير ضمانات معينة لاستقلال القضاة في مواجهة السلطة التنفيذية التي تعينهم. فالمشرع الفلسطيني نص في المادة )51( من النظام الدستوري لقطاع غزة بقولها: "القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضايا، أو شؤون العدالة". كما نصت المادة (55) أيضاً بقولها: "تعيين القضاة ونقلهم وعدم قابليتهم للعزل يكون بالكيفية وبالشروط التي يقررها القانون، وكذلك بالنص على عدم توقيع عقوبات على القضاة إلا بموجب إجراءات خاصة وفق القانون.
التصرفات المحظورة على القضاة من القيام بها:
يفرض القانون على القضاة بعض الالتزامات؛ ضماناً لنزاهة القضاء وحيادته، وحفظاً لكرامته، فمنع القضاة من القيام ببعض الأفعال- عند قيامهم بعمل القضاء- لما تثيره من شكوك لدى الخصوم في انحياز القاضي لصالح الفريق الآخر، وذلك ضماناً لنزاهة القضاء، وبعثاً للثقة في نفوس المتقاضين، وللاطمئنان على حقوقهم، فقد حظر على القضاة النظر في القضايا في الحالات التالية:
- إذا كان أحد الخصوم من أصول أو فروع القاضي.
- إذا كانت زوجة القاضي أو أحد أصهاره في خصومة قائمة مع أحد الخصوم في دعوى.
- إذا كان القاضي شريكاً في المال الذي سيحكم فيه.
- إذا كان أحد الخصوم خادماً للقاضي أو ممن يعيلهم.
- إذا كان القاضي وكيلاُ لأحد الخصوم أو وكيلاً عن الموصي.
- إذا كانت زوجة القاضي أو أحد فروعه من الموصي لهم.
- إذا سبق للقاضي أن ترافع عن أحد الخصوم في الدعوى، أو كتب مذكرة له قبل اشتغاله في القضاء، أو كان محكماً أو خبيراً أو شاهداً.
- إذا كان بين القاضي أو أحد الخصوم عداوة أو موَدَّة.
حالات رد القضاة وتنحيتهم:
أ. إن حالات عدم صلاحية القاضي بالنظر في دعوى ما، والتي تستوجب معه رده وتنحيته؛ حفاظاً على عدالة القضاء ونظامه، هي نفس الحالات التي تلزم القاضي بعدم القيام بها السالفة الذكر.
ب. إن نظام تنحية القاضي شرع ليتمكن القاضي حينما يشعر بالحرج في نظر أية دعوى له علاقة مع أحد خصومها، أو له صلة بموضوع التقاضي، أو يخشى الشك في حياديته، أو لأي سبب يقدره القاضي يكون له علاقة بالدعوى المنظورة أمامه، فله كامل الحق في التخلي عن نظرها- من تلقاء نفسه- حتى وإن طلب الخصوم غير ذلك. وإن حالات تنحية القاضي بطلب الخصوم هي نفس حالات رد القضاة المشار إليها.
الاشتكاء على القاضي وتنحيته:
يترتب على القضاة التزامات وواجبات شأنهم في ذلك شأن باقي موظفي الدولة. وفضلاً عن هذه الالتزامات العامة، تفرض الوظيفة القضائية عليهم التزامات وواجبات لضمان دقة العمل والنزاهة وشرف مهنة القضاء المقدسة، والحياد في القضاء، فلا يجوز للقاضي أن يحيد عن إحقاق الحق بسوء نية لصالح أحد الخصوم، وعليه أن يبذل العناية والاهتمام الكافيين لتجنب الخطأ، فإن تخلى عن أداء التزامه كقاضٍ، أو امتنع عن إحقاق الحق بين المتقاضين يكون عرضة للمساءلة.
غير أن مسألة تنحية القاضي تخضع لإجراءات خاصة، ما دامت ناتجة عن خطأ ارتكبه أثناء قيامه بوظيفته القضائية، أو الإخلال بواجبات الوظيفة كما لو أتى عملاً يمس كرامة القضاء: كتغيير أقوال أحد الخصوم أو الشهود، أو أضاف أو حذف منها شيئاً، أو أخفى إحدى الأوراق أو المستندات المبرزة في محضر القضية، أو تلقى رشوة من أحد المتقاضين، أو سلك سلوكاً شائناً مع أحد زملائه أو موظفي المحكمة أو مع أحد الخصوم، أو أتى فعلاً مشابهاً لما ذكر أعلاه.
ولعدم وجود نظام خاص في القانون الفلسطيني لرد القضاة على خلاف التشريعات الأخرى، فيتم اللجوء إلى نظام الاشتكاء، ولنظام تأديب القضاة في القانون العثماني وإلى القواعد العامة، وبالأسباب الواردة لرد القضاء في قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري؛ وذلك على سبيل الاستئناس.
إجراءات الاشتكاء على القضاة:
أ. يجب تقديم الشكوى ضده القاضي المُشتكى ضده إلى قاضي القضاة من قبل المشتكي مبيناً فيه حجته وشكواه.
ب. أن يحدد المشتكي صفته في الدعوى مدعياً أو مدعى عليه أو بصفته كفيلاً أو وكيلاً أو وصياً.
ت. أن يذكر المشتكي أسباب الاشتكاء، وكافة التفاصيل والوقائع الموجبة للشكوى.
ث. يجب أن تكون الشكوى مؤرخة موقعة من المشتكي أو وكيله.
ج. على ضوء ما تقدم، يقوم قاضي القضاة بتشكيل لجنة (مجلس تأديب) من قضاة المحكمة العليا، ويرأسها قاضي القضاة أو أحد قضاة المحكمة العليا، ويجوز لقاضي القضاة أن يصدر أمراً بوقف القاضي المُشتكى ضده عن العمل لحين انتهاء اللجنة من التحقيق وإصدار قرارها.
ح. تقوم اللجنة (مجلس التأديب) ببحث الشكوى وأسبابها وسماع الشهود-إن وجدت- وأقوال القاضي والمشتكي.
خ. إذا ثبت لمجلس التأديب أن الأفعال التي نسبت إلى القاضي المُشتكى ضده ومن شأنها الإخلال بواجبات القاضي ومساسه بكرامة القضاء، مما يستوجب مساءلته، وتأديبه بعقوبة يقدرها مجلس التأديب حسب ماهية الفعل الذي ارتكبه بأحد العقوبات التالية:
• توجيه اللوم.
• توجيه النقد.
• التوقيف عن العمل لمدة يحددها مجلس التأديب، مع حرمانه من المرتب أو بدون حرمانه.
• تنزيل درجة القاضي الوظيفية.
• الفصل من العمل.
طلب تنحية القاضي عن نظر الدعوى:
• يقدم طلب تنحية أي قاضٍ، مشفوع باليمين، إلى المحكمة العليا بصفتها محكمة عدل عليا .
• يجب على طالب التنحية أن يذكر صفته في الدعوى: مدعياً، أو مدعى عليه، أو وكيلاً، أو كفيلاً، أو ولياً.
• يسجل الطلب في قلم المحكمة العليا، ويعطي رقماً كأي طلب من الطلبات العادية، ويخضع للإجراءات الواردة في قانون أصول محكمة العدل العليا لسنة 1937م. ومن ثم تتولى المحكمة العليا بنظر الطلب والتحقق مما ورد به من أسباب، بسماع أقوال طالب التنحية، والقاضي المطلوب رده، وأقوال الشهود في جلسة سرية؛ حفاظاً على كرامة القاضي والقضاء، حيث لا يجوز استجواب أو توجيه اليمين إلى القاضي في جلسة علنية، وتقضي المحكمة بعد ذلك، الطلب بتلاوة القرار في جلسة علنية إما بالاستجابة لطلب التنحية أو رفضه.