"يُشار الى القضاء العسكري الفلسطيني بأنه الهيئة القضائية الخاصة التي تُعنى بتطبيق القانون بحق مرتكبي الجرائم والمخالفات من أفراد قوى الأمن الفلسطيني".
فقد تنبهت قيادة الثورة الفلسطينية في أواخر العقد السابع من القرن الماضي إلى ضرورة وضع قواعد تضبط سلوك وانضباط أفراد الثورة، إلى أن أصدرت أول قانون منظم لعمل أفراد قوات العاصفة الفلسطينية في عام 1974م، وهما قانون أصول المحاكمات الجزائية والعقوبات الثوريين لحركة التحرير الوطني الفلسطيني.
ونظرًا لتسارع الأحداث على الساحة اللبنانية، بعد نشوب الحرب الأهلية في الجمهورية اللبنانية عام 1975م، واندلاع حالة من الفوضى والفلتان الأمني المروع، بسبب غياب كافة الأجهزة الأمنية اللبنانية عن الشارع آنذاك، وإقدام مجموعات مسلحة، خارجة عن القانون والصف الوطني، على ارتكاب أعمال القتل والسلب والنهب والاعتداء على الأعراض والممتلكات الخاصة والعامة، وحرصًا من الثورة الفلسطينية المتواجدة على الأراضي اللبنانية وبعض التنظيمات اللبنانية على حق الشعب الفلسطيني واللبناني في الحياة الكريمة الخالية من ضروب الإجرام؛ عمدتا إلى إنشاء قوة شرطية (الكفاح المسلح) مهمتها فرض القانون والنظام العام في الشارع اللبناني، وملاحقة العصابات المجرمة. وقد كان لتنامي عدد الموقوفين دون محاكمة بسبب غياب دور المحاكم الجزائية اللبنانية، الدافع إلى إنشاء محاكم ونيابات ثورية ومراكز تأهيل وإصلاح، من أجل تقديم الموقوفين إلى العدالة؛ حتى ينالوا جزاءهم العادل بشكل يحقق السلم الأهلي، وينأى بالثورة الفلسطينية إلى نضالها المستمر لتحرير الأرض والإنسان، وفي نفس الوقت تضمن حرية الدفاع المقدس للمتهم، ضمن إجراءات محاكمة عادلة؛ وذلك من خلال تطبيق القرار التشريعي رقم (1) الصادر بتاريخ 6/5/1978.
وبتطبيق أحكام هذا القانون لدى المحاكم الثورية، واجهت المحاكم بعض الثغرات التشريعية في قانون عام 1978؛ ما حدى بالمحاكم إلى اللجوء إلى مواد قانون العاصفة 1974، لسد هذه الثغرات التشريعية. ومن جهة أخرى، اقتضت ضرورة الوحدة الوطنية الفلسطينية إلى وضع قانون جديد موحد لجميع فصائل الثورة الفلسطينية وبكافة قطاعات الشعب الفلسطيني.
وانطلاقا من مبدأ كون الثورة الفلسطينية وهي تخوض نضالها الشاق باسم شعبنا تحقيقًا لأهدافه، وإدراك الثورة الفلسطينية لمدى صعوبة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها شعبنا في الشتات؛ الأمر الذي جعل مسألة ملاحقة الخارجين على القانون والعابثين بأمن الجماهير والمسيئين لسلامتها، وحماية أموالها وممتلكاتها، وأعراضها على قدر كبير من الأهمية، ضرورة ملحة يفرضها الواقع على الثورة؛ ما حدى بمنظمة التحرير الفلسطينية إلى إصدار مجموعة التشريعات الجزائية لعام 1979، بما يتلاءم مع واقع احتياج الثورة الفلسطينية، ومتناسقة مع التشريعات العربية؛ تحقيقًا للوحدة العربية المنشودة كهدف من أهداف الثورة الفلسطينية؛ لذا عهدت قيادة الثورة الفلسطينية إلى العميد محمد توفيق الروسان (مؤسس هيئة القضاء العسكري)، مع مجموعة من ذوي الاختصاص، للعمل على إعداد مجموعة التشريعات الجزائية. وبعد مصادقة المجلس الوطني الفلسطيني، أصدر الشهيد الراحل ياسر عرفات، بصفته رئيس منظمة التحرير الفلسطينية القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية، المرسوم رقم (1) لسنة 1979م، حيث تتكون هذه التشريعات الجزائية من أربع قوانين، وهي:
1. قانون أصول المحاكمات الجزائية الثوري.
2. قانون العقوبات الثوري.
3. قانون مراكز الاصلاح والتأهيل الثوري.
4. نظام رسوم المحاكم الثورية.
وفي أعقاب دخول قوات منظمة التحرير الفلسطينية إلى الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1994، أصدر الرئيس الراحل ياسر عرفات مرسوماً رئاسياً بتعيين العميد/ صائب القدوة مديراً عاماً لقضاء الأمن العام. وبذلك أصبح القضاء الثوري يعرف بـ"قضاء الأمن العام"؛ حيث باشرت النيابة العسكرية والمحاكم اختصاصها لأول مرة على أرض الوطن، مستندة إلى مجموعة التشريعات الثورية عام 1979. إلى جانب القضاء النظامي الذي يطبق أحكام قانون العقوبات والأصول الأردني الساري المفعول في الضفة الغربية، وقانون الجزاء الفلسطيني لعام 1936م، الساري المفعول في قطاع غزة قبل عام 1967م؛ حيث ظهر النزاع حول مسألة الاختصاص بين القضاء العسكري والقضاء النظامي، وبعد صدور القانون الأساسي لعام 2003م والذي جاء في المادة 101 فقرة (2) منه "تنشأ المحاكم العسكرية بقوانين خاصة، وليس لهذه المحاكم أي اختصاص أو ولاية خارج نطاق الشأن العسكري". ظهرت الحاجة الماسة إلى ضرورة إصدار قوانين جديدة تنظم عمل واختصاص القضاء العسكري.
وبذلك أضحى قضاء الأمن العام يعرف بـ"القضاء العسكري". وتطبيقا لهذه التسمية؛ جاء النص في قانون الخدمة لقوى الأمن الفلسطينية رقم 8 لسنة 2005م، بالنص صراحة على العقوبات التي توقعها المحاكم العسكرية في المواد (95/3، 174/2) بقولها: "عقوبات توقعها المحاكم العسكرية (وفق أحكام قانون العقوبات العسكري)".