المقدمة

في السابع عشر من شهر مارس(آذار) من عام 2007 شهدت الأراضي الفلسطينية مولد أول حكومة وحدة وطنية جاءت  بعد مخاض عسير في أعقاب أزمة سياسية شهدتها الساحة الفلسطينية، أزمة ألقت بثقلها على مجمل نواحي الحياة الفلسطينية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

فمنذ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي أجريت يوم 25/1/2006 م وأظهرت فوز حركة المقاومة الإسلامية حماس بالنصيب الأكبر من مقاعد المجلس التشريعي، أعلنت العديد من دول العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى إسرائيل ودول أخرى عن عزمها مقاطعة الحكومة الفلسطينية التي ستشكلها حماس، وما أن تم تشكيلها في أواخر مارس 2006م حتى بدأت المقاطعة الدولية حيز التنفيذ، فقد أعلنت إسرائيل حجزها الأموال الفلسطينية التي يتم تحصيلها من ضريبة القيمة المضافة والجمارك، كما قامت بفرض إغلاق شامل على الأراضي الفلسطينية منعت بموجبه أعضاء الحكومة وأعضاء المجلس التشريعي من التنقل بين كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، في حين أعلنت  دول الاتحاد الأوروبي توقفها عن تزويد السلطة الفلسطينية بالمساعدات المالية واضعة شروطاً مسبقة من أجل استمرار تدفق المساعدات، وكذلك فعلت الولايات المتحدة الأمريكية التي أوعزت حتى للبنوك الدولية والعربية بعدم القيام بعمليات تحويل الأموال إلى أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية؛ هذه الإجراءات أدخلت الأراضي الفلسطينية في حصار ما زال قائماً حتى ساعة إعداد هذا التقرير، وكان المبرر دائماً هو عدم اعتراف الحكومة الفلسطينية بالقرارات الدولية المتعلقة بقضية فلسطين وممارسة حركة حماس لسياسة العنف (على حد وصف هذه الجهات)، وطالبت الحكومة الفلسطينية بضرورة الإعلان عن نبذ العنف والإرهاب، والاعتراف بدولة إسرائيل، والاعتراف بقرارات الشرعية الدولية إذا ما رغبت هذه  الحكومة في رفع الحصار عنها.
 
لقد أدخل الحصار الاقتصادي والمالي الأراضي الفلسطينية في دوامة انعكست بشكل كبير وخطير على  الشعب  الفلسطيني في مختلف المجالات، فمن الناحية السياسية،  لم يقم المجلس التشريعي بدوره الكامل بسبب الإغلاقات الإسرائيلية من جهة، وبسبب اعتقال إسرائيل لعدد كبير من أعضاء المجلس التشريعي والحكومة الفلسطينية، كما توقف العملية السلمية وعجلة المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي في الوقت الذي استمرت فيه إسرائيل في ممارستها لسياسات مصادرة الأراضي وتوسيع المستوطنات وإقامة جدار الضم والتوسع، بالإضافة إلى الاعتداءات المتواصلة على شعبنا وما خلفته من خسائر بشرية ومادية فادحة، ومن الناحية الاقتصادية استمرّ إغلاق الأراضي الفلسطينية وإغلاق المعابر والمنافذ الأمر الذي ترك بصماته على الاقتصاد الفلسطيني الذي وقف على حافة الانهيار التام بشهادة المؤسسات الدولية؛ وفي المجال الاجتماعي، تزايدت معدلات البطالة التي وصلت في بعض الأحيان إلى 40% حسب المعايير الدولية مع أنها في حقيقة الأمرأعلى من ذلك بكثير؛ كما ازدادت معدلات الفقر لتصل إلى أكثر من 70%، وارتفعت وتيرة  الفلتان الأمني الذي راح ضحيته المئات من أبناء شعبنا ما يهدد أمن واستقرار المجتمع الفلسطيني.
 
في ظل هذه الأجواء، دعت القوى الوطنية والإسلامية إلى ضرورة اللجوء إلى الحوارالوطني، وكذلك تبنت العديد من الجهات مثل رجال الأعمال الفلسطينيين والمخاتير والوجهاء والأكاديميين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، العديد من الفعاليات للخروج من هذا المأزق. وبالفعل عقدت العديد من جلسات الحوار الطويلة إلا أنها لم تسفر عن نتائج من شأنها الخروج بصيغة فلسطينية توافقية تنهي الأزمة الفلسطينية الراهنة؛ الأمر الذي دفع بالرئيس محمود عباس إلى اللجوء إلى الدعوة لإجراء استفتاء شعبي على وثيقة الوفاق الوطني "الأسرى" في خطاب له يوم 25/5/2006م، كما دعا إلى إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة في خطاب له يوم 16/12/2006م تاركاً الباب مفتوحاً للحوار، كما لعبت العديد من الدول العربية دوراً كبيراً في محاولات التوفيق لإنهاء الأزمة الفلسطينية، ومن هذه الدول: مصر، والأردن، وقطر، والسعودية، وسوريا، وذلك عبر طرح المبادرات واستضافة لقاءات، فكانت المبادرة القطرية ثم بيان دمشق، وأخيراً  دعوة خادم الحرمين الشريفين للقيادات الفلسطينية للتحاور في رحاب بيت الله الحرام وكان اتفاق مكة بتاريخ 8/2/2007م.
 
في هذا الملف سوف نستعرض حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية وظروف نشأتها.