تمتد منطقة الأغوار الفلسطينية من بيسان حتى صفد شمالاً، ومن عين الجدي حتى النقب جنوباً، ومن منتصف نهر الأردن حتى السفوح الشرقية للضفة الغربية غرباً، وتبلغ المساحة الإجمالية للأغوار 720 ألف دونم، وتُقسم منطقة الأغوار إلى ثلاث مناطق تتبع إدارياً لثلاث محافظات، وهي: محافظة طوباس وتشغل منطقة الأغوار الشمالية، ومحافظة نابلس وتشغل منطقة الأغوار الوسطى، ومحافظة أريحا تشغل منطقة الأغوار الجنوبية. وتشكل منطقة الأغوار حوالي 30% من مساحة الضفة الغربية؛ وحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني "التعداد العام 2017" يعيش فيها 56908 نسمة بما فيها مدينة أريحا؛ وهو ما نسبته 2% من مجموع السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية. ويقدر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عدد سكان الأغوار الشمالية وطوباس في منتصف العام 2023 بحوالي 68779 نسمة.
للأغوار أهمية عظيمة، تكمن في كونها منطقة طبيعية دافئة يمكن استغلالها للزراعة طوال العام؛ إضافة إلى خصوبة التربة، وتوفر مصادر المياه فيها؛ فهي تتربع فوق أهم حوض مائي في فلسطين؛ إذ تحتوي منطقة الأغوار الجنوبية على 91 بئرًا؛ والأغوار الوسطى على 68 بئرًا؛ أما الأغوار الشمالية فتحتوي على 10 آبار. 60% من الآبار حُفِرَت في العهد الأردني؛ وغالباً يمنع الاحتلال تجديدها ضمن سياسة التضييق على السكان.
احتلت إسرائيل منطقة الأغوار عام 1967، وتم إفراغ العديد من المناطق في الأغوار من ساكنيها بشكل كامل؛ فقد أجلت منها نحو خمسين ألف فلسطيني. وتسيطر إسرائيل على ما نسبته حوالي 90% من جميع مناطق الأغوار بشكل مطلق. وحسب مؤشرات التعداد الزراعي الفلسطيني لعام 2021 فإن مناطق الأغوار تُشكل ما نسبته 50% من الأراضي الزراعية في الضفة الغربية تقريبًا. وتشكل الأغوار سلة غذاء فلسطين؛ إذ تزود السوق الفلسطيني بحوالي 60% من الخضار والفواكه، كما تحتوي الأغوار على ما نسبته ال50% من مصادر المياه الفلسطينية الجوفية؛ فهي تُعد ثاني أكبر خزان للمياه الجوفية في الضفة الغربية. ويسيطر الاحتلال على 85% من الموارد المائية في مناطق الأغوار الفلسطينية، ويحرم الفلسطينيين منها. وتضم منطقة الأغوار حوالي 45% من المساحات الرعوية و40% من الثروة الحيوانية الفلسطينية.
يوجد في مناطق الأغوار نحو 35 مستوطنة كبيرة ومركزية، بالإضافة الى عشرات البؤر الاستيطانية والثكنات العسكرية الإسرائيلية. ونجد أن أغلب المستوطنات الإسرائيلية الجاثمة على أرض الأغوار زراعية، وأنه أمر بإخلاء أراضٍ فيها من ساكنيها الفلسطينيين 140 مرة في غضون 4 سنوات فقط (من فترة عام 2013-2017)، وهدم 700 وحدة سكنية فلسطينية في غضون 11 عامًا من فترة عام 2006-2017، وهدم 800 منشأة زراعية خلال أعوام قليلة.
يبلغ عدد التجمعات الفلسطينية في منطقة الأغوار 27 تجمعًا ثابتًا على مساحة 10 آلاف دونم، وعشرات التجمعات الرعوية والبدوية.
تبلغ مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في منطقة الأغوار 280 ألف دونم؛ أي ما نسبته 38.8% من المساحة الكلية للأغوار، يستغل الفلسطينيون منها 50 ألف دونم؛ فيما يستغل المستوطنون 27 ألف دونٍم من أراضيها الزراعية؛ فقد أنشأت إسرائيل أكثر من 90 موقعًا عسكريًا في الأغوار منذ احتلالها عام 1967.
تقسم مناطق الأغوار حسب "اتفاقية أوسلو" إلى: مناطق (A)، وتخضع لسيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية، ومساحتها 85 كم2، ونسبتها 7.4% من مساحة الأغوار الكلية؛ ومناطق (B)، وهي منطقة تقاسم مشترك بين السلطة وإسرائيل، ومساحتها 50 كم2، ونسبتها 4.3% من المساحة الكلية للأغوار؛ ومناطق (C) التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، ومساحتها 1155 كم، وتشكل الغالبية العظمى من منطقة الأغوار (بنسبة 88.3%).
تجثم على أراضي الأغوار الفلسطينية 35 مستوطنة، وغالبيتها زراعية، أقيمت على 12 ألف دونم؛ إضافة إلى 60 ألف دونم ملحق بها، ويسكنها ما يقارب 9500 مستوطن من المقيمين. وتتبع معظم المستوطنات في الأغوار للمجالس الاستيطانية الإقليمية المعروفة باسم "عرفوت هيردن" و"مجيلوت".
هَجَّر الاحتلال ما يزيد عن 50 ألفًا من سكان الأغوار منذ عام 1967؛ بالإضافة إلى تجمعات سكانية كاملة، بحجة إقامتهم في مناطق عسكرية؛ مثل تهجير أهالي خربة الحديدية في الأغوار الشمالية.
تتعرض التجمعات السكانية الفلسطينية في الأغوار الفلسطينية إلى جرائم هدم متواصلة ومتكررة بشكل كلي وجزئي على أيدي سلطات الاحتلال، كما حدث في خربتي الرأس الأحمر وعاطوف والفارسية؛ بهدف تهجير المواطنين وتشريدهم لتسهيل عمليات الإخلاء العرقي والسيطرة على أراضي الأغوار؛ فوفقاً لمعطيات "بتسيلم" فإنه في الفترة ما بين 2006 و2017 هدمت الإدارة المدنية 698 وحدة سكنيّة على الأقلّ في بلدات فلسطينية في منطقة الأغوار؛ هذا بالإضافة إلى التهجير وما يصاحبه من تدمير ومصادرة لممتلكات المواطنين بحق العديد من التجمعات السكانية بشكل متكرر بحجة التدريبات العسكرية.
تقيم قوات الاحتلال حاجزي "الحمرا"، و"تياسير" على مداخل الأغوار؛ لاستخدامها في سياسة الإغلاق التي درجت على تطبيقها، لمنع وصول المنتجات الفلسطينية الغورية إلى الأسوق الفلسطينية، ولعرقلة وصول المواطنين الفلسطينيين من المزارعين والعمال إلى الأغوار، كما حدث خلال انتفاضة الأقصى عام 2000م حين فصلت الأغوار بشكل كامل عن باقي مناطق الضفة.
تسعى إسرائيل لتكثيف مخططاتها الاستيطانية في الأغوار لدوافع أمنية احتلالية صِرفة؛ إذ تريد الاحتفاظ بسيطرتها التامة على الحدود مع الأردن؛ وللإبقاء على عمق إستراتيجي أمني عبر السيطرة التامة على حدود مادية قابلة للدفاع وملموسة. ولعل ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين يدل ويبرهن على ذلك حيث قال: "إن الحدود الأمنية الإسرائيلية ستكون في منطقة الأغوار".
وتسعى إسرائيل أيضاً لتكثيف مخططاتها الاستيطانية في الأغوار لدوافع جيوسياسية، إذ إن الأغوار الفلسطينية تشغل موقعًا جغرافيًا وإستراتيجيًا بالغ الأهمية.
وتحتوي الأغوار على أراض زراعية خصبة جداً، كما تحتوي على نسبة كبيرة من المياه، وخاصة الجوفية، بالإضافة إلى عامل "الجيوبوليتيك" المهم المتمثل في الحيلولة دون قيام دولة فلسطينية.
تسعى إسرائيل أيضاً لتكثيف مخططاتها الاستيطانية في الأغوار نظراً لوجود دوافع اقتصادية واستراتيجية ربحية صِرفة؛ ففي منطقة الغور أرض زراعية خصبة ومناخ مناسب للعديد من الزراعات، ومصادر مياه وفيرة، ومناطق حيوية متنوعة تعدُّ محميات طبيعية؛ ما يفتح شهية الاحتلال الإسرائيلي المشحونة بالجشع لتكثيف مخططاته الاستيطانية في الأغوار؛ فعلى سبيل المثال تمور الأغوار الفلسطينية باتت تدر ملايين الدولارات على إسرائيل، وهو صنف من التمور العالية الجودة، يصدره الاحتلال للعالم الخارجي؛ وهذا يعني اقتصاد ربحي وتجارة قوية تزيد من قوة إسرائيل اقتصادياً؛ فتبلغ نسبة الأرباح التي تحققها إسرائيل من مستوطنات الأغوار سنوياً نحو 650 مليون دولار وفق تقديرات عام 2012.
لقد مرت مناطق الأغوار الفلسطينية على وجه العموم منذ القدم بعديد من المخططات الاستيطانية والمشاريع الاحتلالية الإحلالية الهادفة إلى تكريس الاستيطان وتكثيفه منذ عام 1967 من "مخطط ألون" الاستيطاني الذي يحتوي في بنوده وحيثياته على شرعنة احتلال مناطق الأغوار وإباحة الاستيطان فيها؛ ما يعني ضم منطقة الأغوار إلى إسرائيل بشكل رسمي؛ مروراً بـ"مخطط "دروبلس" عام 1978 الاحتلالي الاستيطاني الذي يقوم على أساس تكثيف إقامة المستوطنات والبؤر الاستيطانية، وخاصة في الأغوار الفلسطينية للحيلولة دون قيام دولة فلسطينية مستقلة؛ ومروراً بمشروع و"مخطط شارون" الاستيطاني عام 1982 الرامي إلى تكثيف الاستيطان بشكل مهول، ولا سيما في مناطق الأغوار الفلسطينية بسبب حيويتها. كما يوجد مخطط إسرائيلي يهدف إلى بناء مطار في منطقة الأغوار "مخطط 2050" ويرمي إلى جعل منطقة الأغوار تحت السيطرة الإسرائيلية؛ إضافة إلى مخطط آخر لتكريس الاستيطان في الأغوار، وهو مخطط انشاء "القطار السريع" وإنشاء سكك في منطقة الأغوار لربطها بالمناطق الإسرائيلية. فضلًا عن مخطط إسرائيلي استيطاني تم تنفيذه سابقاً وهو شق "شارع 90" لربط مستوطنات الأغوار ببعضها. وهنالك العديد من المخططات الاستيطانية الإسرائيلية لتشجيع المستوطنين على السكن في مناطق الأغوار.
وما هو جدير بالذكر أيضاً أن المخططات الاستيطانية الإسرائيلية في مناطق الأغوار أخذت بالازدياد والكثافة إبان حكم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ عام 2009، فبِدءاً من عام 2009 تمت المصادقة على وضع منطقة الأغوار من ضمن الأوليات الوطنية لإسرائيل؛ وإثر ذلك تم رسم العديد من المخططات الاستيطانية لمنطقة الأغوار وتنفيذ غالبيتها؛ ما أدى إلى جعلها بمثابة ثكنة استيطانية-احتلالية-عسكرية متكاملة منزوع عنها طابعها الفلسطيني.
إن المخططات الاستيطانية في الأغوار تندرج بشكلها العام تحت سياسة ممنهجة للاحتلال بهدف إفراغها من سكانها، واعتبارها منطقة عسكرية مغلقة، تقدِمِةً لمخطط ضمها باعتبارها خط الدفاع الشرقي للاحتلال الإسرائيلي.
ويتم العمل على تهويد هذه المنطقة عبر المشاريع الاستيطانية التي بدأت مع احتلال الضفة الغربية منذ عام 1967م؛ إذ عملت إسرائيل منذ احتلالها عام 1967 على شق الطرق للمستوطنات في المنطقة وربطها بشبكة الطرق الرئيسة في إسرائيل؛ في حين تحظر على الفلسطينيين فتح طرق جديدة أو تطوير الطرق التي كانت مقامة قبل عام 1967. وتضم منطقة الأغوار شارع "90" الذي يعد ثاني أكبر الشوارع بالضفة الغربية، ويربط شمال فلسطين التاريخية بجنوبها من صفد حتى إيلات بطول 475 كيلومترًا. كما تبلور إجماع لدى قادة الاحتلال الإسرائيلي على اختلاف توجهاتهم بضرورة ضم الأغوار؛ ويعد "مشروع آلون" البرهان الأوضح على هذا؛ وهو مشروع بدأت إسرائيل بتنفيذه أواخر الستينيات عبر بناء مجموعة كبيرة من المستوطنات على طول نهر الأردن، وصلت الآن إلى نحو 35 مستوطنة مركزية، منها خمسة عشرة مستوطنة تقع على أراضي محافظة أريحا والأغوار؛ فضلًا عن المعسكرات والقواعد العسكرية التابعة للجيش الإسرائيلي والحواجز العسكرية والبؤر الاستيطانية ومخطط الجدار الشرقي الذي يسلب مساحات شاسعة من أراضي المحافظة الشرقية.
وتحتل المستوطنات والبؤر الاستيطانية ومعسكرات وقواعد الجيش الإسرائيلي الجاثمة فقط على أراضي محافظة أريحا والأغوار مساحة إجمالية قدرها حوالي (12092) دونمًا، حيث تقدر مساحة الأراضي التي تسيطر عليها المستوطنات بنحو (7863) دونمًا؛ أما المساحة التي تسيطر عليها البؤر الاستيطانية فتبلغ حوالي (267) دونمًا؛ في حين تسيطر المعسكرات والقواعد العسكرية ومناطق تدريب الجيش الإسرائيلي على نحو (3962) دونمًا. والجدير بالذكر أن المساحة التي تحتلها هذه المستوطنات هي تلك الأراضي التي تقع ضمن السياج الذي يحيط بالمستوطنات مع مساحة مسطح البناء فيها؛ مع العلم أنه يوجد لهذه المستوطنات امتدادات تحيط بها يصعب على المواطن الفلسطيني وأصحاب الأراضي الوصول إليها واستغلالها إلا بتنسيق أمني وبعد معاناة كبيرة وشديدة، ويطلق على هذه المناطق اسم "مناطق نفوذ أمني"، أو "مناطق عسكرية مغلقة" وهذه الأراضي تقدر بآلاف الدونمات.
قام الاحتلال الإسرائيلي بجملة كبيرة من الإجراءات في الأغوار، ولعل أهم وأبرز هذه الإجراءات التي قام بها هي على النحو الآتي:
- منع بشكل فعلي وجدّي كل اشكال البناء والتطور العمراني الفلسطيني في مناطق الأغوار؛ ما يعني عدم إمكانية رسم مخططات فلسطينية تنموية في مناطق الأغوار.
- مصادرة وعزل آلاف الدونمات الزراعية والرعوية الفلسطينية القريبة من الحدود مع الأردن تحت مبررات ودوافع أمنية.
- منع الفلسطينيين من أصحاب المواشي من وصول المناطق الرعوية في الأغوار لاستثمارها في رعي مواشيهم التي تقدر مساحتها بآلاف الدونمات تحت مبررات إما بيئية، أو أمنية، أو مناطق عسكرية مغلقة.
- تخريب وتدمير السياحة في مناطق الأغوار والإمعان في ضرب السياحة الفلسطينية في منطقة الأغوار بشكل ممنهج ومُدبر.
- عزل مناطق الأغوار عن أصحابها الفلسطينيين، وتقييد حركتهم فيها تمامًا بشكل قاهر، وتحديد من يسمح له، ومن لا يسمح له بالدخول؛ والتحكم في ساعات وأوقات الدخول، وإخضاع الفلسطينيين لإجراءات مشددة وفحص هوياتهم قبل الدخول، بعد التأكد من مكان سكن أي منهم؛ وتقييد تصاريح الدخول فقط لمناطق الأغوار.
- عام 1967 تم عزل الشريط الحدودي مع الأردن بعمق 1 إلى 5 كم؛ ما أدى الى تشريد السكان الفلسطينيين هناك وتهجيرهم إلى الضفة الشرقية من نهر الأردن؛ فتم تهجير نحو 50 ألف مواطن، بالإضافة الى تهجير تجمعات سكانية فلسطينية كاملة مثل منطقة خربة الحديدية.
- منذ عام 1967 أنشأ الاحتلال نحو 30 موقعًا عسكريًا إسرائيليًا، وتم إنشاء المكبات الضخمة لصالح المستوطنين ولخدمتهم؛ إذ توجد حوالي 8 مكبات للنفايات صلبة و13 مكبًا للنفايات السائلة الخاصة بالمستوطنين.
- هدم العديد من الوحدات السكنية الفلسطينية القائمة في مناطق الأغوار وتجريف الأراضي بشكل مستمر وكبير.
الهيمنة والسيطرة وسلب المياه الجوفية الفلسطينية في مناطق الأغوار، وعدم السماح للفلسطينيين باستخدام المياه إلا من خلال إشراف إسرائيلي مباشر؛ ومنعهم من حفر الآبار؛ وقصر مهمة حفر الآبار في مناطق الأغوار على شركة "ميكروت" الإسرائيلية، التي تحفر الآبار وتعطي المياه للمستوطنين والمستوطنات؛ بينما تبيعها للفلسطينيين بمبالغ باهظة.