الرئيس ياسر عرفات في خطابه أمام المجلس التشريعي، في جلسة نيل الثقة على الحكومة بمدينة رام الله، في 29/10/2002م

بسم الله الرحمن الرحيم

(إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)

صدق الله العظيم

يا جماهير شعبنا الصامد،

أيتهـا الأخـوات أيها الأخـوة،

أخواتي إخواني أعضاء المجلس التشريعي،

زملائي وأحبائي السفراء والقناصل للدول العربية والصديقة،

نجتمع اليوم مرة أخرى، تحت سقف هذا المجلس، وعلى هذه الأرض المباركة، من أجل أن أقدم أمامكم حكومتكم الفلسطينية الرابعة، منذ الانتخابات التشريعية والرئاسية العامة، التي جرت في العام 1996، ولكي نقوم سوياً ومعاً بإجراء هذه الوقفة مع الذات، هذا الحوار الفلسطيني العظيم. الذي هو ميراث تقاليدنا الديمقراطية، من أجل أن نعرف ما هي النقطة التي وصلنا إليها، وكيف نمضي من هنا، لئلا نخطئ البصر أو نفقد البوصلة. حيث أنظار شعبنا تتطلع إلينا، ويترقبنا العالم بأجمعه في ظل هذه الظروف الدولية الخطيرة وخاصة في مناطقنا كما تترقبنا أمتنا العربية، وجيراننا على حد سواء؛ لأنها تكتب بأحرف من نور ونار في سجل التاريخ، نعم وأحرف من نور ونار في سجل التاريخ، وحيث نستطيع بالرغم من كل شيء، القيام بهذه المهمة الوطنية، والقومية والحضارية والدينية في الأرض المقدسة، أرض الرباط، وللحفاظ عليها ولتحقيق وإنجاز حلمنا التاريخي؛ ليرفع شبل من أشبالنا أو زهرة من زهرات شعبنا (شعب الجبارين)، علم فلسطين فوق أسوار القدس وكنائس القدس ومآذن القدس الشريف عاصمة دولتنا الفلسطينية المستقلة، بعونه تعالى، وهي الحفاظ على استقرار الشرعية والنظام السياسي الفلسطيني على أرض وطننا الحبيب فلسطين.

لقد أرادونا شعباً مشتتاً من المهجرين واللاجئين، في العالم، ومحرومين من وطنهم المقدس وأرضهم، أرض الرباط بدون عنوان، واليوم نحن شعباً موحداً لقضيته، التي هي اليوم في صلب الأجندة العالمية، ووجدان الأحرار والشرفاء في العالم أجمع، وهي التي ارتفعت وسمت، بفعل النضال الوطني لشعبنا، وصموده الأسطوري الرائع الذي أدهش العالم، ولتصبح في قلب الضمير والوجدان العالميين، ورمزاً للعدالة الكونية في زمننا المعاصر. وبات الآن الهدف الشرعي الوحيد الذي يشكل موضوع الإجماع من قبل العالم هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، التي أصبحوا يرونها قريبة، وقد كان هذا هو إيماننا الدائم، وهدفنا ويقيننا الوجداني الأصيل.

وهنا، فإننا نريد أن نؤكد، وأن نعيد تذكير أنفسنا من أي نقطة بدأنا وإلى أين وصلنا، لئلا يغفو البعض منا، عند اللحظة المصيرية العظيمة، أو يزُغ منا البصر، ولقد بدا أحياناً كما لو أن مسارنا يتبع خطى ذلك البطل الأسطوري، الذي قدر له أن يحمل الصخرة إلى قمة التل، ليعود أدراجه للانطلاق من نقطة الصفر، ولكن انبعاثنا من حطام النكبات وأنقاض الدما،ر الذي حل بنا مثل طائر الفينيق، كان في كل مرة يندفع من إيماننا العميق، ليمدنا بهذه الروح الوثابة وبهذه الإرادة المقدسة التي هي مصدر قوتنا، واستعصائنا على الكسر أو الاستسلام، وهي الروح التي تنفخ في قوة جماهير شعبنا الفلسطيني (شعب الجبارين) الذي جسد في صموده وجهاده وبذله وعطائه، وبطولته وتحمله، قوة المثال أمام الأمم، في توقه وإصراره على الحرية، وهو الذي يستحق أن ننحني أمام عظمته، وهامته الشامخة في هذه الأوقات العصيبة والمصيرية علينا جميعاً في هذه المنطقة.

تحية لكم أيها الفلسطينيون، يـا شعب الجبارين، أينما كنتم، في جنين البطلة (جنينجراد)، ونابلس، وطولكرم، وقلقيلية، وطوباس، ورام الله، وبيت لحم، والخليل، والقدس، وأريحا، وغزة، وخانيونس، ورفح (رفح جراد)، وفي أماكن الشتات واللجوء، في مخيمات لبنان والأردن وسوريا ومصر وبقية الدول العربية، وفي دول العالم كافة، محافظين على العهد، والصمود والنضال والثبات حتى يوم الاستقلال، وهو ليس ببعيد بعونه تعالى.

أيتها الأخوات أيها الأخوة،

يا شعب الجبارين،

أيها الضيوف الأعزاء،

لم ينجحوا في قهر خيالكم أو حلمكم، ولن يفلوا إرادتكم وعزيمتكم وإيمانكم، ولم ولن يستطيعوا المساس بهذه الحمية الجبارة في وعيكم، ووعي هذا الجيل الذي يرمز إليه فارس عودة. ولقد كانت تلك المسيرة جهد متواصل، ومثابر لا يلين؛ من أجل التغلب على ما بدا أحياناً إنه المستحيل، وقهر هذا المستحيل على حد سواء، مهما كانت التضحيات ومهما كان الثمن، "وَلا تَهِنُوا وَلا تحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين".

ولقد دفعنا هذا الثمن، هذه الضريبة عن طيب خاطر، تلك الضريبة التي دفعتها كل الشعوب التي سبقتنا، نظير توقها إلى الحرية والكرامة. ولقد كان علينا أن نتعرف على طريقنا بأنفسنا، ونعلم أنفسنا بأنفسنا، وأن نخطئ وأن نصيب، ونختبر كل المرارات، وأن نقوم ثانية، وننهض؛ لإعادة بعث قوة الشعب وتلاحمه وتوحيده حول قضيته، بعد النكبة، ومن شعب معظمه لاجئين، إلى شعب من المناضلين من أجل الحرية، ومن طليعة، إلى حركة ثورية كبيرة، أصعب وأطول الثورات، ومن الحركة الثورية إلى سلطة، ومن السلطة إلى الدولة الفلسطينية بعونه تعالى، وعاصمتها القدس الشريف "وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مرة"  وعند هذا المنعطف المصيري، هنالك محاولات متعددة ومتنوعة، ومن مختلف الجهات والجبهات لوقف التدفق التاريخي الفلسطيني، ومحاولة تحطيم السلطة الوطنية، بعد أن أصبحت الدولة على الأبواب، على عتبة الدولة والقدس الشريف.

يحاولون بكل جهدهم وإمكانياتهم وقدراتهم توجيه ضربة قاصمة للمسيرة الفلسطينية، على أمل إعادتنا إلى الوراء، وعبثاً يفعلون أمام شعب الجبارين؛ لأن شعبنا الفلسطيني بدعم إخوانه العرب والأحرار والشرفاء في العالم والقوى الدولية الصديقة، صامد في هذه الحرب الشرسة، التي خططوا لجرّ الشعبين إليها، بعد أن كنا قاب قوسين أو أدنى من التوصل إلى إنجاز السلام "سلام الشجعان" المشرف لنا ولهم، وبعد أن اقتربنا كل هذا الحد من تحقيق المصالحة التاريخية وسلام الشجعان.

لقد قتلوا الشريك الراحل إسحاق رابين، وكما تعمل قواتهم ومستوطنيهم بالتصعيد العسكري والحصار الخانق والتدمير الشامل والمجازر والاغتيالات والاعتقالات وحجز أموالنا ومحاولات إذلال شعبنا؛ لتدمير اتفاقيات السلام وإعادة السيطرة علينا وعلى منطقة الشرق الأوسط، وبما يتلقوه من الدعم من بعض القوى العالمية، وفي ذروة هذه الحرب، إعادة احتلال أراضينا، ومدننا، وقرانا، وتمزيق الاتفاقات التي وقعناها معهم، وتحدثوا عن ذلك على الملأ، وفي وضح النهار، ومنعوا أولادنا من الذهاب إلى المدارس، أين يحدث هذا في العالم؟ ومنعوا مزارعينا من قطف الزيتون، ودمروا المباني، والطرقات، والمشاريع التنموية التي أقمناها، مشروع بيت لحم 2000، ومطار غزة الدولي، والميناء في بدايته، وجرفوا الأراضي والحقول، وأقاموا حقول الأشواك بدل أشجار الزيتون، يمارسون العنف الأكثر قسوة وشراسة، في محاولة كسر إرادة الشعوب، وسقط منا ما يقارب 68,000 شهيد وجريح، وثلثهم من الأطفال والنساء و85% منهم من المدنيين، بجانب آلاف المعتقلين.

لقد فعلوا كل شيء، كل ما لا يمكن تخيله، في عالم نفض عنه تقاليد الحروب البربرية، ولم يتورعوا عن قتل الأسرى، واغتيال بعضهم.

لقد فعلوا كل التنكيل الممكن، حتى قال وزير جيشهم، أن جعبة خيارهم العسكري قد نفذت. إذ ماذا يمكن أن يبقى: طائرات الـ ف 16، والأباتشي، ودبابات الميركافا، والقصف، والاغتيالات، والاجتياحات، بعض المدن الفلسطينية اجتاحوها 60 مرة، بل 61 مرة وفي قطاع غزة سجل منذ شباط الماضي 45 اجتياحاً. وعدة مجازر، في غزة وبيت حانون وخانيونس ورفح، وجنين، ونابلس، وطولكرم وقلقيلية وبيت لحم والخليل وأريحا، وكذلك محاصرتي في مقر المقاطعة، ولذلك؛ اضطررت لدعوتكم للاجتماع، وتدمير مكاتب المقر، ومحاولة قتل من فيها، مرحباً بالشهادة.

لقد حاولوا إيلامنا، وإيجاعنا، وتحدثوا عن الهزيمة والنصر بصورة وقحة، وعلانية ووصفنا رئيس هيئة أركانهم بالسرطان، واعرف كما تعرفون، كم عانى الشعب وتحمل، كم عانينا جميعنا، ولا زالت السكين مشهرة على رقبة الشـعب الفلسطيني. لكن المطرقة الثقيلة، التي تملكها إسرائيل، جوبهت بالبطولة الفلسطينية، التي هي معجزة الشعب الفلسطيني، بهؤلاء الأطفال، الذين يرمز لهم، فارس عودة، داود الفلسطيني، وبهذا الشعب العظيم الذي خرج في تلك الحلكة المظلمة، في تلك الليلة العظيمة كجيش الليـل، الذي تحدث عنه فرانز فانون، صاحب كتاب "المعذبون في الأرض". لقد خرج هؤلاء المعذبون الجدد في الأرض، في الظلمة، يدقون طبول الحرية، نشيد الحرية للشعب الفلسطيني، ورفضه الذل والهوان، خرجوا مرفوعي الرؤوس، نساء ورجالاً، شيوخاً وأطفالاً، تتقدمهم المرأة الفلسطينية، حامية بقائنا حارسة نارنـا الدائمة. هنـا في شوارع رام الله البطلة، وفي كل الضفة وغزة، خرج الشعب الفلسطيني، ليحمي مشروعه الوطني، ويقلب كل التوازنات التي يخططون من ورائها وعلى أساسها.

لقـد أعادوا احتلال الأرض والمدن، لكنهم فشلوا في احتلال وعينا، وإرادتنا، أو كسر عزيمتنا، أو قهر خيالنـا، أو ضرب روحنا، وكان بجانبنا هذا الدعم العربي والدولي والأحرار والشرفاء والأصدقاء في العالم، وهذا مصدر فخارنا واعتزازنا وقوتنا، لأننا لم نعد نشعر أننا وحدنا؛ فالعالم كله أصغى إلى صوت الشعب الفلسطيني، الصوت الذي شق وحشة البرية، يلتف حول قضيتنا، العادلة دفاعاً عن أرضه ومقدساته المسيحية والإسلامية وحتى اليهودية، كما احترمناها، وقلنا هذا في اجتماع كامب ديفيد، لأن هدف الحرب هو حرماننا من حريتنا، واستقلالنا، ودولتنا المستقلة، ومن قدسنا ومقدساتنا.

أيهـا الإسرائيليون ما الـذي تريدونـه من هـذا القتـال والحـرب؟

إلى أين تمضون؟ هل تريدون الأمن والأمان؟ حسناً نحن نريد أن نعيش وإياكم جيراناً، بحسن الجيرة، وحيث لا يفصل بيننا بحرٌ أو محيطٌ، أو جبال وأنهر، كما انطلقنا في عام 1988 في المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر، ولأن جداراً أطول من جدار برلين حول القدس الشريف وحول غيرها، لن يكون بديلاً عن النوايا الحسنة، وإن الخط الفاصل بيننا اسمه الخط الأخضر، وليس الخط الواقي الذي يبنوه، فهـيا نتوصل لمفهوم مشترك حول الأمن الذي تريدونه، والأمن الذي نريده. الأمن المشترك لنا ولكم وللمنطقة كلها، والعودة للسلام العادل والشامل والكامل، والأرض مقابل السلام.

وأيضاً انطلاقاً من مبادرة السلام التي أعلنها سمو ولي العهد السعودي، وتبنتها القمة العربية في بيروت وما تم في أوسلو وواشنطن والقاهرة وكامب ديفي،د والواي ريفر وباريس وشرم الشيخ وطابا ومدريد لتحرير أرضنا الفلسطينية والعربية طبقاً للقرارات الدولية والاتفاقات والاقتراحات الدولية، بما فيها القرارات 242، 338، 425، وحتى القرار 1435 وكذلك 194 الخاص باللاجئين، وكذلك القدس الشريف المحتلة سنة 1967، عاصمة دولتنا الفلسطينية، شاء من شاء وأبى من أبى.
ولقد اعترفنا لكم بدولتكم على مساحة 78% من أرض فلسطين، وقبلنا أن نقيم دولتنا على 22% من هذه البلاد، بلاد اليبوسيين، فلماذا تريدون أن تلاحقونا حتى على هذه الرقعة الصغيرة؟ والمحاولات المستمرة لضرب عملية السلام، ولمنع إقامة دولتنا المستقلة، وتحرير أرضنا ومقدساتنا.

أيهـا الإسرائيلـيون،

ها نحن نمد إليكم يد المصالحة، وللسلام غصن الزيتون، لاستئناف الطريق التي بـدأنـاها في مدريد، وأوسلو وواشنطن والقاهرة وباريس وغيرها؛ لإزالة الاحتلال، وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة، والانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة، وتحقيق السلام المشرف لنا ولكم، لأطفالنا ولأطفالكم.

إن خيار السلام هو خيار استراتيجي بالنسبة لنا، ولن نحيد عنه. وعليكم أن تعرفوا، أن صمودنا هو من أجل التحرر الوطني هو حق مشروع لنا، ولن نتنازل عن حقنا في الاستقلال والحرية؛ أسوة ببقية شعوب العالم.

ونحن نقـدر الأصوات المتعقلة التي تصدر عنكم، والتي ترى ضرورة التـفوق على هذا النزاع، والعودة إلى طريق الحلول السلمية. ولقد أعلنت سابقاً، ومراراً، وأعود لإعلان ذلك والتأكيد عليه، على أسماعكم، وأسماع شعبي، وأسماع العالم، أننا ضد جميع الإعمال التي تمس بالمدنيين، المدنيين الفلسطينيين والمدنيين الإسرائيليين؛ فلكل إنسان الحق بالحياة، للفلسطينيين هذا الحق، وللإسرائيليين هذا الحق، ولكل الأحرار هذا الحق ونحن ندين كل الأعمال الإرهابية التي تستهدف المدنيين في أي مكـان في العالـم. وهذا موقف أخلاقي تمليه علينا قيمنا، وديننا كما هو موقف سياسي وإنساني، لا يـرى في هذه الأعمال أسلوباً لحل المشاكل السياسية.

ومن المؤسف، ويجب أن نكون صريحين، كانت المبادرة إلى تصعيد العنف تأتي من جانب قيادتكم في كل مرة نحاول تهدئة الأمور من جانبنا، ونسيطر عليها، وكانت حكومتكم وجيشكم يوجهون الضربات لنا، لأجهزتنا الأمنية، لإضعافنا، وحتى لا نقوى على القيام بالتزاماتنا، وحتى عندما نجحنا بوسائل الإقناع فيما بيننا، وقف هذه العمليات التي تستهدف المدنيين، انظروا ما كان يحدث، يذهبون لقصف حي سكني في مكان مكتظ، لاغتيال أحد الأشخاص، من أجل أن يستثيروا إعـادة العنف المتبادل، ولقد تكرر ذلك للأسف، طوال الوقت وبدلاً من الاعتراف بذلك، استمروا في حملة التحريض والتضليل، على القيادة الفلسطينية، وعلى شخصي؛ من أجل محاولة إقناعكم إنه لا يوجد شريك فلسطيني على الطرف المقابل، بمحاولة تحطيم السلطة الوطنية ولتحطيم عمليه السلام، وقتل المشروع الذي بدأته وشريكي رابين؛ لتحقيـق المصـالحة التـاريخيـة بين الشعبين.

أيتهـا الأخـوات، أيها الأخوة، أيها الضيوف،

وإذ أخاطب الشعب الإسرائيلي في هذه المصارحة، فإنني أتوجه إلى شعب الجبارين الشعب الفلسطيني، وأقول لكم، أيها الفلسطينيون، إنه بالرغم من كل المعاناة، والألم، فإنني أرى الضوء في نهاية النفق، أرى أملاً، أرى القدس الشريف. ومحظور علينا أن نفقد اتزاننا، وأعصابنا، وأملنا، فهذا هو المحك التاريخي، لجدارتنا، وصمودنا وقوتنا، وصلابتنا، وقيمنا، وأخلاقنا.

أيهـا الفلسطينيون في الـوطن والشـتات،  أينما كنـتم،

إن العالم بأجمعه يعترف بحقوقنا، وأصبحت الدولة الفلسطينية موضع إجماع، خارج أي نقاش، وهي في صلب الأجندة الدولية في خطاباتهم وتصريحاتهم، ومبادرتهم، وهذا شيء عظيم حققناه، والنقاش الآن يدور حول جلاء الاحتلال عن أراضى الدولة الفلسطينية. ولننظر إلى المستقبل بأمل وإيمان وثقة وتفاؤل ولنعمل من أجل المستقبل بتكاتف من أجل تحقيق هدفنا الوطني الأول، هدف لتجسيد دولتنا المستقلة في هذه الأرض المقدسة والمفاخرة بها وبإسهاماتنا بدفعات دينية وحضارية وإنسانية تؤمن بالحق والخير والتسامح والعدل.

أيهـا الفلسطينيون، أيها الجبارون،

لقد فهمكم العالم، ورسالتنا وصلت إليه، لقد عبرنا عن رفضنا للاحتلال، والعالم يحترم نضالنا وصمودنا في تحقيق هذا الهدف، فهذا الوضع الصعب، هو ربع الساعة الأخير، بل ودليلاً على نهوضنا، وبأسنا، وإرادتنـا، وبطولتنا، لأن هذا الصراع هو نشيد الاستقلال، ولأن هدفه العـدالـة، وإنهاء الاحتلال.

ولكن تفهم العالم لنـا، وتضامنه معنا، يفرض علينا، القيام بهذه المراجعة الصريحة مع أنفسنا، من أجل أن نحافظ على تحالفاتنا، وكسب المزيد من الأصدقاء، وأن نثبت للعالم صدقية الحفاظ على التزاماتنا، وجديتنا، وجدية رسالتنا إلى الجميع، بما في ذلك، جيراننا الإسرائيليين.

أخوتي وأخواتي أعضاء المجلس التشريعي،

هذه رؤيتنا للصراع والسلام ولحقوق شعبنا، وحتى يمكن لنا أن نخرج من هذا الصراع إلى آفاق المستقبل المشرق؛ اسمحوا لي أن أضع أمامكم الخطوط العريضة لبرنامج حكومتنا.

وهذه الخطوط يمكن إيجازها فيما يلي:

أولاً: مواصلة الصمود الوطني والصلابة (من أجل الاستقلال والحرية وإنهاء الاحتلال)؛ باعتباره الهدف الذي يؤطر وحدة الفلسطينيين، ويشكل النظام السياسي لمجموع فعالياتنا السياسية والمدنية، وصولاً إلى إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين، وذلك انطلاقاً من تمسكنا باستراتيجيتنا للسلام الشامل والعادل، وعزمنا الأكيد على تفعيل مسيرة السلام لتحقيق هذا الهدف.

ثانياً: العمل على تعزيز صمودنا الوطني، والعمل على تخفيف المعاناة عن شعبنا الفلسطيني بما في ذلك مواجهة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الناشئة عن هذا الاحتلال، وبذل الجهود لحماية القدس ومقدساتها، والتصدي للاستيطان، وحماية معتقلينا وأسرانا؛ توطئة لتحريرهم، وتوفير الحماية الدولية لشعبنا الفلسطيني.

ثالثاً: الحفاظ على الوحدة الوطنية في إطار من تقاليدنا الديمقراطية ومكتسباتنا السياسية، في إطار السلطة الواحدة واحترام القانون. وبناء الديمقراطية من خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية والمحلية في ظل رقابة دولية تحقق أكبر قدر من الشفافية والنزاهة والمصداقية لها، ومواصلة الإصلاحات الداخلية في كافة الحقول وعلى رأسها الأمن والقضاء والتعليم والصحة والاقتصاد، والعمل لعمالنا ومزارعينا، وإدارة المال العام، وإعادة بناء ما دمره الاحتلال، وترميم البنية الاقتصادية الفلسطينية، والنهوض بالمؤسسات الوطنية؛ إعداداً للدولة الفلسطينية المستقلة القادمة، بعونه تعالى.

رابعاً: تعزيز علاقاتنا العربية والإسلامية والمسيحية والدولية، والعمل على تطوير جبهة تحالفاتنا بما يخدم تحقيق أهدافنا.
واسمحوا لي بعرض هذا البرنامج الهام عليكم باختصار، بنداً بنداً؛ لأنني أريد أن أسلم لأخيكم أبو علاء

أولاً: مواصلة الكفاح الوطني من أجل الاستقلال، واستمرار استراتيجية السلام.
علينا الاستمرار في الدفاع عن مشروعنا الوطني الذي يقوم على الحرية والاستقلال، وإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، حتى أقول للناس إلي بين حائط برلين لن يمر علينا حائط برلين على حدود الرابع من حزيران 1967، وحل مشكلة اللاجئين حلاً عادلاً طبقاً للقرار 194 والشرعية الدولية.

لقد وفرت الشرعية الدولية الأسس القوية لهذا الحل والمتمثلة في قرارات مجلس الأمن 242، 338، 425، 1397، 1402، 1403، 1435، وغيرها من القرارات العديدة، كما أن مبادرة السلام العربية أضافت بعداً عربياً هاماً أقرته قمة بيروت العربية، واعترفت بأهمية المبادرات الدولية اللاحقة. ونحن ملتزمون بهذه المبادرة وبهذه القرارات. كما أننا نناقش بجدية وإيجابية المشروع الذي قدمته اللجنة الرباعية والذي استند إلى خطاب الرئيس بوش في 26/4/2002 وإلى المبادرة الأوروبية، ومبادرة السلام العربية، والقرارات الدولية والدول الأفريقية والدول الإسلامية ودول عدم الانحياز والأحرار والشرفاء والأصدقاء في العالم، ونحن ندعم كل عمل عربي أو دولي يؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وللأراضي العربية، وفتح الباب أمام العودة إلى طريق السلام وبناء الدولة الفلسطينية.

إن انتفاضة الشعب الفلسطيني الباسل ورفضه للاحتلال والاستيطان، لا يعني إطلاقاً رفض السلام العادل والشامل. فالسلام هو خيارنا الاستراتيجي، كما أنه خيار كل أشقائنا العرب بل خيار عالمنا المعاصر. ولسوف تبذل هذه الحكومة إذا وافقتم عليها قصارى جهدها لوقف أي انحراف عن هذا الطابع من كفاحنا النبيل، وهدفنا في الحرية والاستقلال، وحماية مقدساتنا.

ثانياً: العمل على تعزيز الصمود الوطني، والعمل على تخفيف المعاناة عن شعبنا وتوفير الحماية له.

إن استمرارنا في الصمود والنضال من أجل تحقيق مشروعنا الوطني والسلام العادل والشامل، يتطلب بذل كل الجهد؛ لتعزيز صمود شعبنا، والتخفيف من معاناته، والعمل على توفير الحماية الدولية له.

لقد عاش شعبنا شعب الجبارين تحت الحصار، وبقدر ما كنت أطلب الشهادة وأرفض الاستسلام، كنت أستلهم من صمود شعبنا (شعب الجبارين) إيماناً وصموداً وثباتاً. أنا أعرف ما يعانيه شعبنا وأحس فيه في جسدي وضميري. أحس بجراح الأطفال وبحرقة الأمهات، وبإهانات العجائز والحوامل على الحواجز، وبالجوع، واستحالة الوصول إلى المستشفيات. يغص قلبي عندما أرى العائلات التي شردها تدمير البيوت في غزة والضفة، أحس بالأسى لرؤية أشجار الزيتون تقتلع، والمستوطنين يمنعون القطاف في مزارعنا، لهفي على أطفال القدس يصعدون الجبال تحت إطلاق الرصاص لكي يصلوا إلى مدارسهم، وأدرك أنه لولا التكافل الأسري الفلسطيني لوصل شعبنا إلى المجاعة، نعم، لولا... بعد توقف الدخل وذوبان المدخرات وتفاقم الديون.

لكن هل يتفهم العالم ما فعله الاحتلال والحصار الإسرائيلي باقتصادنا. هل يعقل أن يفقد شعب أكثر من نصف دخله القومي، وأن يتحول 70% من عماله إلى البطالة، وأن تصبح 70% من العائلات تحت خط الفقر، وأن تحتجز أموال الحكومة بين 85%- 75% من إيرادات الحكومة، والتي وصلت في الـ25 شهراً الماضية، إلى حوالي 1.8 مليار دولار أو أكثر من ذلك. لقد سجل البنك الدولي والأمم المتحدة والدول المانحة عظم الكارثة التي سببها الاحتلال الإسرائيلي للشعب الفلسطيني في هاتين السنتين.

إني أدرك تماماً هذه المعانة وآلامها، وأحس بعظمة هذا الشعب وصموده في وجهها، أرادوا استسلامه وتخليه عن حقوقه؛ فازداد شموخاً وإباءً وإيماناً.

إن هذا الشعب العظيم الذي كنت أقول دائماً أنه يتفوق على قيادته، لا يحتاج لأن نعلمه معنى الصمود؛ لأنه المعلم الأكبر، وهو صانع هذه المعجزة، ويحمل الراية جيلاً بعد جيل على مدى قرن كامل، القرن الأخير، منذ المؤتمر الصهيوني في بازل منذ عام 1897.

وإني هنا أحيي المبادرات الشعبية الخلاقة في تنظيم برامج التعليم المنزلي التي قامت بها أجهزتنا التعليمية ووزارة التعليم، وقدمها شعبنا للتغلب على قيود الاحتلال، كما أحيي الفلاحين الفلسطينيين الذين يتحدون المستوطنين وجيش الاحتلال، ويواصلون العمل جماعات في قطف الزيتون والزراعة، وكما أحيي المؤسسات الحكومية والأهلية التي تقدم الخدمات لشعبنا في أصعب الظروف، كما وأحيي باسمي وباسم الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية وباسمكم الأصدقاء الأجانب المتطوعين للدفاع بأجسادهم عن الشعب الفلسطيني، ووقفوا بجانبه وقت الحصار والبعض منهم يشارك الآن في قطف الزيتون، إننا نحتاج إلى هذه المبادرات الشعبية والدولية وتعزيزها.

إني أريد أن أحييّ باسمكم أبطال وزارة الصحة الفلسطينية في المستشفيات والعيادات الميدانية، وفرق الهلال الأحمر الفلسطيني، والصليب الأحمر الدولي، وكل فرق الإغاثة الرسمية والشعبية والأخوية العربية والصديقة التي استمرت تؤدي دورها، رغم كل الصعاب، وأحيي كل المعلمين والمعلمات، وأطقم وزارة التربية والتعليم والجامعات، والتي استمرت تقدم العلم لأكثر من مليون تلميذ وتلميذة، ورغم الحصار ورغم الدمار، ولكل رجال البلديات وخدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وجميع عمالنا يقدرون الظروف، وأحيي رجال ونساء الخدمات الاجتماعية وخدمة المعاقين وغيرهم في كل مجال.

لقد سعينا إلى دعم شعبنا العربي وحكوماته، وكذلك دعم الأسرة الدولية، ونجحنا في توفير الغذاء والدواء لجزء كبير من أبناء شعبنا، وكذلك في استمرار الخدمات الرئيسية لأبناء شعبنا رغم الاحتلال.

وإنني لأسجل هنا كل التقدير والاعتزاز لكل أشقائنا العرب، ولكل الأصدقاء، وخصوصاً من الاتحاد الأوروبي الذين قدموا لنا المال والغذاء والدواء، ولأطقم الصليب الأحمر ولكل نشطاء السلام، ولكل الأخوة والأصدقاء والأشراف في العالم أجمع.

ويؤسفني القول أن الدعم المالي الخارجي قد تقلص في الأشهر الأخيرة، فلم يعد يفي باحتياجاتنا. ومازالت إسرائيل تحجب عنا أموالنا؛ مما زاد في صعوبة قيامنا بدفع الرواتب للموظفين والدعم المالي للعاطلين عن العمل والمتضررين. ومع ذلك، فإن الحكومة سوف تلتزم باستمرار العمل لتقديم العون لمختلف فئات شعبنا لدعم صموده، وهنا، فإن على الوزارات الجديدة أن تزيد من فعالية الأداء وتنظيمه. فكلما شحت الموارد كلما زادت أهمية الكفاءة في استخدامها، وأهمية وضع الأولويات الصحيحة في تخصيصها.

ونحن سنستمر في مطالبة أشقائنا وأصدقائنا لتقديم العون وسنستمر في جعل الأولوية الأولى للغذاء والدواء والتعليم والصيانة والترميم وإعادة البناء، استمرار المرافق، ومكافحة الفقر، وخلق فرص العمالة، وتعويض العاملين، وتوفير المساكن المؤقتة إلى حين إعادة البناء، وإعادة بناء أدوات الإنتاج، كذلك الدعوة لمزيد من العمل التطوعي والتكافلي، وتوزيع الأعباء بعدالة وتقليص الإنفاق والتوفير في كل مجال.
 ولكني أدرك أيضاً أن كل إجراءات تخفيف المعاناة هي إجراءات مؤقتة، وأن المطلوب هو إنهاء المعاناة. وهذا لن يتحقق إلاّ بإزالة الاحتلال وانتهاء الغمة، وتحطيم الحصار والتقدم باتجاه السلام والحرية والاستقلال، إلى أن يتحقق هذا الأمل العظيم، وسوف يتحقق بعونه تعالى، سوف نستمر في السعي لتحقيق حماية أكبر لشعبنا الفلسطيني، تحت الاحتلال والحصار والعدوان.

إن للأمم المتحدة ما يزيد على خمسين بعثة مسلحة في العالم، تحافظ على السلام وتحمي الشعوب من العدوان، في البوسنة وكوسوفو وتيمور، ولبنان وسورية ومصر وسيراليون وغيرها. أو ليس الشعب الفلسطيني في حاجة لمثل هذه الحماية أيضاً مثل غيره؟

وأنتم تعلمون أسباب تعطل قدوم الحماية الدولية لبلادنا، ومع ذلك، فإني ألحظ استعداداً دولياً أكبر، لتوفير أعداد من المراقبين؛ لتوفير مثل هذه الحماية.

وإني أشكر هنا الاتحاد الأوروبي الذي بدأ في توفير هؤلاء المراقبين، وكذلك جميع الدول، مثل: النرويج وتركيا وسويسرا ودول أوروبية أخرى، توفر المراقبين في الخليل وسوف نسعى لقدوم أعداد من هؤلاء المراقبين في ظل اللجنة الرباعية الذي نقوم بدراسته في هذه الأيام.
إن دعم صمود شعبنا يتطلب انتباهاً خاصاً لوضع القدس المهددة بالتهويد والحصار والاستيطان، وهي في مكان القلب لجسم هذا الوطن، بل لأمتنا العربية ولكل المسلمين والمسيحيين في العالم.

والدعم مطلوب لتثبيت أهل القدس في مدينتهم ولحمايتهم من الطرد والتهجير، ولعودة كل مقدسي يستطيع العودة إلى بيته ومتجره؛ لحماية كل أرض وعقار في القدس وفق ذلك كله حماية مقدساتنا الدينية المسيحية والإسلامية، في زهرة المدائن، وعلى رأسها كنيسة القيامة والمسجد الأقصى والحرم الشريف، (أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، مسرى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ومهد وقيامة سيدنا المسيح عليه السلام.

كما أني أنبه كذلك إلى المحاولات المستمرة لزرع الاستيطان والمستوطنين على أرضنا، وإلى الأرض التي تصادر وتسرق على حدودنا، وراء سور القدس الجديد حول القدس والسور الأمني على حدودنا.

تلك كلها أخطار تتهددنا في هذا الزمان والتي وصلت إلى قلقيلية وطولكرم وغرب جنين 83 ألف دونم حتى الآن، وهي تتطلب دعم كل الأشقاء والأصدقاء. بل كل المؤمنين في العالم.

كما أني أطالب العالم كله، وخاصة الدول الموقعة على اتفاقية جنيف الرابعة، بحماية أسرانا ومعتقلينا في السجون الإسرائيلية، وبرفض نقلهم إلى سجون دولة الاحتلال، وتعريضهم لمحاكم التفتيش العنصرية. وسوف تعمل هذه الحكومة الجديدة، كما عملنا كل ما في وسعها على تحريرهم جميعاً من الأسر وعودتهم سالمين إلى بيوتهم وعائلاتهم وأوطانهم.

ثالثاً: تنفيذ برنامج الإصلاح والتطوير وترسيخ الوحدة الوطنية وتحقيق الديمقراطية.

تكمن قوة الشعوب في بنائها الداخلي، وقد ظلت وحدة شعبنا وتلاحمه الداخلي هي حصننا، طيلة الصراع الذي خضناه من أجل الحرية والاستقلال. وقد تكسرت كل نصالهم على صخرة وحدتنا وصمودنا، وأثبت هذا الشعب دوماً أنه لا يقبل القسمة، ولا يسمح بأي صراع داخلي أو حرب أهليه.

وسوف تتحمل هذه الحكومة ومعكم مسؤولية العمل الجاد لحماية الوحدة الوطنية وصيانتها وتطويرها. في ظل سيادة القانون، ووحدانية السلطة، والتعددية السياسية، والديمقراطية؟؛ وصولا إلى برنامج سياسي بالحد الأدنى، يتفق عليه، ويصبح أساساً للعمل المشترك؛ من أجل إنهاء الاحتلال وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. كما أن الوزارة الجديدة ستعمل بوحي من خطة الإصلاح التي أقرها مجلسكم الكريم وخطة المائة يوم والتي انبثقت عنها، واستجابة لرغبة شعبية صادقة في الإصلاح والتطوير لتنمية قدرة الأجهزة الحكومية على الأداء؛ تحقيقاً للبرنامج السياسي وللمشروع الوطني الفلسطيني، بالرغم من جميع الصعوبات التي يفرضها الاحتلال الصهيوني علينا.

الإصلاح يشمل إصلاح ما خربه ودمره الاحتلال وإعادة البناء، ولكنه يتعدى ذلك لكي يشمل تعزيز الصمود وتطوير فعالية الجهاز الحكومي والقوى الشعبية والجماهيرية وتلبية المصالح الحيوية للناس وتقليص معاناتهم في ظل موارد محدودة. نريد إصلاحاً يحقق الأمن والأمان والعدالة للمواطنين، وإعادة بناء ما دمره الاحتلال لقوانا الأمنية ولتصحيح الأخطاء قبل استفحالها وتحقيق سيادة القانون والمساواة أمامه، ونريد إصلاحاً بعيون فلسطينية وأياد فلسطينية؛ لتحقيق أهدافنا الفلسطينية العربية والدولية والصديقة.

إن حكام إسرائيل يرون الإصلاح أداة لتحطيم السلطة الفلسطينية وإبعاد القيادة الفلسطينية المنتخبة ديمقراطيا، وإنهاء الحلم الفلسطيني في الاستقلال والحرية والعودة. ونراه بعيوننا أحد أدوات دعم صمودنا وبناء مؤسسات دولتنا القادمة. إن العنصر الأساسي في تحديد أهداف الإصلاح، هو انبثاقها من الاختيار الشعبي الحر من خلال الانتخابات والقرارات والمناهج والدستور والتشريع الفلسطيني، وليس التي يحاولون فرضها علينا.

ولذلك، فإن إحدى المهام الرئيسية لهذه الحكومة هي قيامها بالإعداد للانتخابات التشريعية، والرئاسية، والمحلية، والنقابية، وتوفير كل أسباب نجاحها بشفافية ونزاهة كاملة؛ من خلال أوسع أطر المشاركة والمراقبة الدولية، كما عملنا في الماضي وفي الموعد المحدد لها في 20 يناير، 2003 وحسب القانون الانتخابي المقر، والمنبثق عن الاتفاقات الموقعة، بما في ذلك مشاركة شعبنا في القدس، تصويتاً وترشيحاً ومشاركة.
والحق أننا منذ اجتماعنا في شهر أيار الماضي، ونحن نواصل هذه الورشة الكبيرة من العمل لتحقيق الإصلاح. الإصلاح الذي ينطلق من المصلحة الفلسطينية، وقد أنجزنا الكثير من الإجراءات التي تستند إلى البرنامج الذي صدر عن مجلسكم الكريم في 16/5/2002، وعن خطة المائة يوم التي انطلقت منه.

ولن أضيع وقتكم بسرد طويل لما تم إنجازه من تصديق على قوانين صدرت عن مجلسكم، وإجراءات اتخذت لتنفيذها في المجالات الأمنية والقضائية والإدارية والاقتصادية والمالية، وسوف تجدون تفصيلاتها في الوثيقة المكتوبة التي أعدتها الوزارات المختلفة والتي أودعتها رئاسة مجلسكم؛ لتوزيعها عليكم لدراستها ومناقشتها.

نحن بصدد تطوير كبير في مجالات رئيسية كانت دائماً، محل رغبتكم في الإصلاح والتطوير، ألا وهي الوحدة الوطنية، والأمن، والقضاء، وإدارة المال العام، والتعليم، والصحة، والاقتصاد، والعمالة، والزراعة، وغيرها.

على صعيد الأمن: سوف نتابع العمل لدمج أجهزة الشرطة والأمن الوقائي والدفاع المدني في أجهزة وزارة الداخلية، وسوف يتم إعادة بناء المؤسسات الأمنية وأجهزتها، وإعادة تدريب كوادرها، خاصة بعد تدميرها المتعمد من الاحتلال الإسرائيلي، كما تعرفون بدأ التدريب بأول هذه الأشياء من الأخوة المصريين والأخوة الأردنيين، وبإشراف أمريكي ودولي وأوروبي، وتحديد اختصاصاتها لحماية أمن الوطن والمواطن، وتنفيذ القانون، ووقف تعاملها بالقضايا السياسية والإعلامية والمالية، إلا بما يسمح به القانون.

وعلى صعيد القضاء: سوف تستمر الحكومة في تطبيق قانون استقلال القضاء، والعمل على توحيد النظام القضائي الفلسطيني، وبرصد الموازنات لدعم السلطة القضائية وببناء المحاكم وتعيين القضاة وتدريبهم وحمايتهم.

وعلى الصعيد المالي: تلتزم الحكومة بالاستمرار في تحسين إدارة المال العام، من أجل بناء نظام مالي فلسطيني عصري، يتسم بأعلى درجات الشفافية، ويسمح بأعلى قدر من المساءلة وفق ما تقتضيها مسؤولية الحكومة كحافظ أمين لموارد شعبنا الوفي. ومن هذا المنطلق، سوف تتابع وزارة المالية العمل في مجال تطبيق وحدة أعمال الخزينة؛ لتجميع إيراداتنا في حساب مركزي واحد، كما أنها ستستكمل الجهد المبذول حالياً في إعادة تنظيم النشاطات التجارية والاستثمارية للسلطة، من خلال تجميع هذه النشاطات في إطار صندوق الاستثمار الفلسطيني، الذي تمّ تأسيسه مؤخراً وتمّ حصر موجوداته، بمساعدة خبراء دوليين متخصصين، كما أن الحكومة ستقوم بتسديد التزاماتها للقطاع الخاص. نحن عارفين علينا مسؤولياتنا خاصة بالديون، إن شاء الله سنسددها بشكل تدريجي، وبما تسمح به الموارد المتاحة.

وسوف تستمر الحكومة في بذل الجهد في إعداد نظام تقاعد عصري، نأمل أن يمثل تطبيقه نقلة نوعية على درب بناء نظام متكامل للأمان الاجتماعي في فلسطين.

إن ورشة العمل الإصلاحي والتطويري، ستشمل كافة الميادين والمجالات، وسوف تقوم كل وزارة ومؤسسة حكومية بإعادة تنظيم شامل لأعمالها وبتطوير كوادرها. وقد رحبنا في هذا المجال بكل دعم تقني عربي ودولي لمساعدتنا في إنجاز هذه المهمة الحيوية، والتي سيكون لها كل الأثر لإنجاز مشروعنا الوطني، ودعم صمود شعبنا وتخفيف المعاناة عنه.

رابعاّ: تطوير وتعزيز علاقاتنا وتحالفاتنا العربية والدولية.

إن هدف حكومتنا في هذا المجال السياسي والدولي العمل على تنمية وتعزيز علاقاتنا الأخوية العربية، وكذلك الدولية؛ لمصلحة قضية شعبنا وفي هذا الإطار.

نحن نؤكد على علاقتنا العربية، حيث عمقنا الاستراتيجي مع أمتنا العربية، والواقع أنه خلال مراحل كفاحنا لم نكن وحدنا أبداً؛ فلقد ظلت أمتنا العربية معنا في مواجهتنا للاحتلال، وفي حفاظنا على مقـدساتنـا وفي سعينا للحرية والاستقلال، بالرغم من الأخطار المحيطة، وبكل أقطارنا العربية أيضاً والظروف الدولية القاسية والمعقدة، وخاصة في الأيام هذه، وأخطار الهجوم على العراق الشقيق تتزايد بالرغم من نمو تيار اللجوء للشرعية الدولية، ومحاولات تجنب قرار الحرب واستباقه، ولكننا نبقى دائما في القلب من انشغال أمتنا وحرصها علينا.

ونحن ننسق دائماً مع الحكومات والأخوة قادة الدول العربية، ومن خلال أطر الجامعة العربية، والقمم العربية. وقد عقدت القمة العربية ثلاث مرات من أجل فلسطين والانتفاضة، كما انبثق عنها لجان المتابعة على مستوى وزراء الخارجية العرب، الذين اجتمعوا مرات عديدة في العواصم العربية من أجل دعم فلسطين.

وانطلقت مبادرة السلام العربية من قمة بيروت الأخيرة؛ لتضيف بعداً جديداً للدعم العربي المعتمد على السلام كخيار استراتيجي.

وفي هذا الإطار نوجه التحية إلى جميع الأشقاء العرب والقادة العرب والشعوب العربية لوقوفهم معنا. كذلك، فإن علاقاتنا الإسلامية من خلال منظمة المؤتمر الإسلامي ولجنة القدس، والتي انضم إليها ممثلو كل الكنائس المسيحية في القدس عند اجتماعنا -كما تعرفون- تمثل دعماً هائلاً، وتلعب فيها الدول العربية دوراً محورياً، وكذلك في منظمة الوحدة الأفريقية ومنظمة دول عدم الانحياز، وكذلك وقفت دولها تساند الحق الفلسطيني بدون تردد أو تراجع، وشكلت ضغطاً حاسماً لحمايتنا وصيانة حقوقنا في الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية. ولسوف نستمر في صيانة هذه العلاقات وتنميتها وتطويرها.

وتظل أوروبا صديقاً رئيسياً وحليفاً استراتيجياً، يقف إلى جانب شعبنا وحقوقه، والى جانب السلام العادل والشامل في منطقتنا، ويقدم الاتحاد الأوروبي واليابان والصين والنرويج وسويسرا، جزءاً كبيراً من الدعم المادي الدولي الذي يصلنا. وسوف يصلنا كذلك من كل الدول الصديقة وبما فيها روسيا الاتحادية، وكذلك نرجو أن تمر في الكونغرس الأمريكي لنا.

كما أن علاقتنا بروسيا هي علاقة تاريخية مستمرة ننشد دوامها وتطويرها، وكذلك علاقتنا باليابان والصين والهند والدول الصديقة في أمريكا اللاتينية والشمالية.

لقد ظلت الأمم المتحدة تشكل بعداً رئيسياً في دعم قضيتنا وحقوقنا، وتشكل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة ولجنة حقوق الإنسان وغيرها من مؤسسات الأمم المتحدة، أساساً هاماً للشرعية الدولية، وللقانون الدولي بشكل عا،م والقانون الدولي الإنساني بشكل خاص.

وتحاول سلطة الاحتلال تقليص دور الأمم المتحدة وهرباً من الدور الدولي الهام الداعم لحقوقنا دون جدوى.

لقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية، ورئيسها بوش ومن سبقه من الرؤساء التي لعبت دوراً هاماً في عملية السلام، بتكوين اللجنة الرباعية المكونة منها ومعها الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة، ونحن نتعامل بكل الإيجابية مع هذه اللجنة وأطرافها، ونسعى للوصول معها إلى خطة عمل يمكن أن تشكل رافعة رئيسية في سعينا لإنهاء الاحتلال، والعودة إلى طريق السلام، بما في ذلك ما تم طرحه علينا مؤخراً من أمريكا عبر السيد بيرنز (Road Map) خارطة الطريق، وما يمكن أن يضاف إليها في اللجنة الرباعية ودراستها مع الأخوة العرب.

إننا سنسعى إلى استمرار الدعم السياسي والمادي من خلال علاقاتنا الخارجية، وتوفير الحماية لشعبنا، والسعي الحثيث لتحقيق النجاح لعملية سلام ناجحة تستند إلى الشرعية الدولية ودعم الأمم المتحدة.

وأخيراً.. الأخوة و الأخوات أعضاء المجلس التشريعي،

لقد حاولت في هذا البيان الطويل أن أشرح برنامج عمل الوزارة الجديدة في ظل أوضاع عدوانية صعبة ومعقدة، واسمحوا لي الآن أن أقدم لكم أعضاء هذه الوزارة الجديدة والتي ستتحمل وتطلب ثقتكم وتعاونكم هذه المسؤوليات، والتي تتقدم لكم ببرنامجها تطلب ثقتكم وتعاونكم وتقبل مساءلتكم ونقدكم.

إنني أدرك تماماً أهمية الدور الذي تلعبون، فأنتم؛ مجلس الشعب المنتخب ديمقراطياً، صاحب مسؤولية التشريع في وطننا، تضعون القوانين وتعتمدون الميزانية وتراقبون التنفيذ. تعتمدون الوزارات وتساعدون بالأسس لحكم القضاء العادل في إطار نظام أساسي معتمد، يحدد أسس فصل السلطات وتعاونها.

أدرك أننا ما زلنا في إطار حكم انتقالي نسعى إلى بناء الدولة المستقلة التي لم ننجزها بعد، والتي كان من المفروض أن نعلنها في أواخر عام 1998، حسب الاتفاقات ونحن في مرحلة مواجهة الاحتلال ووضع أسس المستقبل، وهي مرحلة تتطلب كل التعاون بين السلطات الثلاثة، لإنجازها وتمتين وحدتنا الوطنية وإخوتنا العربية الأصيلة ومع الأصدقاء الأحرار والشرفاء في العالم أجمع.

لقد شعرنا جميعاً بخطورة الإيحاء وكأن هناك خلافاً في جبهتنا الداخلية، بينما نواجه احتلال بغيضاً وخطيراً. ولقد حاولت أن استبق هذا الاجتماع بأوسع المشاورات والاجتماعات معكم لكي أصل إلى الوزارة التي تجمع بين التجديد والاستمرارية، لوزارة نستطيع العمل معها ونثق في قدرتها على أداء المهام الصعبة الموكلة إليها، وزارة تلتزم بسيادة القانون وبفكر الإصلاح والبناء، وتعمل على تعزيز التعاون مع مجلسكم ومع كل القوى السياسية الشعبية في وطننا، وزارة تعمل على الإعداد للانتخابات الديمقراطية التشريعية والرئاسية والمحلية، تسعى لتخفيف المعاناة عن جماهير شعبنا (شعب الجبارين) المرابط في أرض الرباط، وتحقيق الحماية لها، وتعمل فوق ذلك كله لإنهاء الاحتلال والتوجه نحو الحرية والاستقلال والسلام العادل والدائم والشامل.

لقد حاولت جهدي أن أوفر لها الدعم من الأحزاب الفلسطينية الرئيسية، وأن أجمع في عضويتها بين السياسيين المخضرمين، والفنيين المختصين. وسنستمر في ذلك بإخلاص وأخوة. وهأنذا أتشرف بعرضها اليوم عليكم؛ طالباً ثقتكم بها ودعمكم لها ورقابتكم على إنجازها. وتأكدكم من التزامها بالبرنامج الوطني.

إني على يقين أنكم أيضاً ستتحركون من منطلق المسؤولية الكاملة، والإدراك التام لصعوبة الظروف التي نمر بها لتحقيق أكبر درجات الوحدة والتعاون بينكم وبين هذه الوزارة والسلطة، انطلاقاً لتحقيق الوحدة الحقيقية داخل صفوف شعبنا الصامد والمناضل على درب تحقيق أهدافه الوطنية في الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) صدق الله العظيم

(وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ) (إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)صدق الله العظيم