الأسرى وسياسة العزل في سجون الاحتلال

يمثل العزل أحد أقسى أنواع العقاب الذي تمارسه إدارة سجون الاحتلال الإسرائيلية بحق المعتقلين الفلسطينيين؛ حيث يتم احتجاز المعتقل لفترات طويلة، بشكل منفرد، في زنزانة معتمة ضيقة قذرة ومتسخة، تنبعث من جدرانا الرطوبة والعفونة على الدوام؛ وفيها حمام أرضي قديم، تخرج من فتحته الجرذان والقوارض؛ ما يسبب مضاعفات صحية ونفسية خطيرة على المعتقل.

وتهدف سياسة العزل لفترات طويلة إلى إذلال المعتقل، وتصفيته جسدياً ونفسياً؛ كما حدث مع المعتقل إبراهيم الراعي في 11/4/1988، الذي تمت تصفيته بعد عزله لمدة تسعة أشهر متواصلة.

ولقد مورست سياسة العزل بحق الأسرى الفلسطينيين على امتداد مسيرة الاعتقال في السجون الإسرائيلية، ولطالما زج بالعشرات من المعتقلين الفلسطينيين في زنازين العزل ولفترات زمنية طويلة.  وبمرور الوقت ازدادت هذه السياسة، وباتت نهجاً منظماً تقره السلطة التشريعية في إسرائيل؛ وتطبقه السلطة التنفيذية، وتضع له الإجراءات والقوانين الخاصة به.

وضمن هذه السياسة المنهجية المنظمة ضد الأسرى الفلسطينيين، تم افتتاح أقسام خاصة بالعزل في العديد من السجون مثل:

- عزل سجن نفحة الصحراوي الذي افتتح عام 1980م.

- عزل الرملة "نيتسان":  افتتح في عام 1989م، وقد تم إغلاق هذا القسم عام 1992؛ إلا أن السلطات الإسرائيلية عاودت افتتاحه من جديد عام 1996.

- عزل السبع " أهالي كيدار" افتتح عام 1992م، ويضم سجن بئر السبع ثلاثة أقسام عزلهي:  قسم (8) ويطلق عليه اسم "العزل المفتوح"، وقسم (6) ويطلق عليه اسم "قسم العزل"؛ وعزل "السنوك" وهو عبارة عن زنازين على هيئة قبور، مساحتها بحجم فراش النوم فقط مغلقة بالكامل، ودون تهوية أو إنارة، لا يستطيع المعتقل فيها الحراك؛ حيث ينام فيها ورأسه على الحائط وأقدامه على البوابة.

 

وتتذرع السلطات الإسرائيلية بذرائع شتى لتبرير عملية عزل المعتقلين منها:

1- لخطورة وجودهم مع المعتقلين.

2- لكونهم معتقلين خطرين، قاموا (بعمليات دموية).

3- خوفاً على حياتهم من قبل زملائهم السجناء الأمنيين.

إلا أن الدوافع الحقيقية لاستخدام سياسة العزل تكمن في:

1- عزل المعتقلين بسبب مكانتهم القيادية، وسعة اطلاعهم، وعمق تجربتهم، وتأثيرهم على بقية المعتقلين.

2- عزل المعتقلين ضعاف النفوس؛ بهدف الإيقاع بهم، وإجبارهم على قبول التعاون مع المخابرات الإسرائيلية.

3- عزل المعتقلين وزجهم بين صفوف السجناء الجنائيين والعملاء؛ بغية تشويه سمعتهم والإساءة لهم.

 

ويقسم العزل في سجون الاحتلال إلى ثلاث أنواع هي:

1- العزل الإنفرادي قصير المدى: يمتد من ثلاثة أيام إلى عدة أسابيع.

2- العزل جماعي: يكون في قسم خاص؛ وهدفه الأساسي هو إبعاد قيادات السجون عن بقية الأسرى كما هو في سجن هداريم قسم (3).

3- العزل الانفرادي المفتوح: وهو الأقسى والأصعب؛ حيث يعزل الأسير في زنزانة منفرداً، أو مع أسير آخر؛ ويمنع من التواصل مع باقي الأسرى لمدة غير محدودة.

العزل إذلال عبر محاكمة صورية: الأسير المعزول يعيش معزولاً عن العالم الخارجي، لا يستطيع الاتصال مع أي إنسان كان، سوى السجان. وهو شبيه بعقوبة السجن الإداري؛ حيث يقضي الأسير المعزول سنوات عديدة من عمره، دون أن يدري متى يخرج.

هناك محكمة صورية يعرض عليها الأسير كل ستة شهور، إذا كان العزل انفرادياً (أي شخص واحد في الزنزانة)؛ أو كل سنة، إذا كان العزل مزدوجاً (أي شخصان في الزنزانة).  وهذه المحكمة تأتمر بأمر المخابرات الإسرائيلية (الشاباك)، ومصلحة السجون (الشاباص)؛ وتفتقر لأدنى صور ومقومات العدالة.

غرف العزل: غرف العزل صغيرة الحجم، بطول 1.8 من المتر، وعرض 2.7 من المتر، وتشمل الحمام ودورة المياه؛ وليس فيها متسع للمشي، ولا لأغراض الأسير وحاجياته؛ وقد تتضاعف المأساة إذا كان هناك أسيران في الزنزانة.

تتصف غرف العزل بقلة التهوية والرطوبة العالية؛ حيث يوجد في زنزانة العزل شباك واحد صغير ومرتفع، قريب من السقف؛ أما باب الزنزانة، فلا يوجد فيه سوى شباك صغير، طوله ثمانية سنتمترات وعرضه ثمانية سنتمترات؛ ما يتسبب في انتشار الأمراض، وخاصة أمراض الجهاز التنفسي.

وإذا أراد أحد تصور حجم المعاناة؛ فما عليه إلا أن يتخيل أن الأسير في هذه الزنزانة الضيقة يطبخ ويستحم ويقضي حاجته؛ ما يجعل الزنزانة ممتلئة بأبخرة الطعام عند الطبخ، وبخار الماء عند الاستحمام، وروائح قضاء الحاجة.

الفورة في العزل: مدة الخروج إلى الساحة (ما يسمى بالفورة) لا تزيد عن ساعة يومياً.  وهذه مدة ليست كافية؛ حيث يحتاج الأسير للتعرض للشمس والحصول على فيتامين D؛ ولعب الرياضة والركض والمشي؛ وهذه المدة القصيرة لا تسمح بكل ذلك، كما أن توقيت الخروج لهذه الفورة غير ثابت، ويعود لمزاج إدارة السجن؛ لذلك قد يخرج الأسير المعزول في الساعة السادسة صباحاً؛ حتى لو كان الجو ماطراً وبارداً. وإذا طلب الأسير تأجيل الموعد ساعة أو أكثر، يفقد الحق في الخروج طوال ذلك اليوم.

نوعية الطعام في العزل: نوعية الطعام في غرف العزل متردية إلى حد بعيد؛ لذلك يعتمد الأسير في معظم الأحيان على بقالة السجن (ما يسمى الكنتين)؛ لشراء وطبخ الطعام؛ ما يثقل كاهل الأسير وعائلته مالياً؛ أما الأسرى الذين لا يملكون المال، فيضطرون إلى تناول ما يقدم لهم؛ ما يسبب لهم الأمراض، مثل: فقر الدم، وضعف التغذية، وضعف البصر.

مشاكل بقالة السجن (الكنتين): كان مسموحاً في الماضي، وخاصة في قسم عزل سجن عسقلان، وأقسام عزل أخرى، أن يسجل الأسير المعزول قائمة باحتياجاته من الكنتين، حيث يحصل عليها من أقسام الأسرى الأخرى، على الحساب العام الخاص بالأسرى.  وكان يستفيد من هذا النظام، الأسير المعزول الذي لا يوجد في حسابه مال، لسبب أو لآخر.  وإمعاناً في التضييق على الأسرى المعزولين؛ منعت إدارة السجون إدخال الكنتين من الأقسام الأخرى إلى أسرى العزل.

المنع من الزيارة أثناء العزل: تمنع إدارة السجون الإسرائيلية عن معظم الأسرى المعزولين، زيارات عائلاتهم؛ ما يؤدي إلى زيادة حجم المعاناة النفسية لكل من الأسير وعائلته؛ كما تمنع عائلة السجين من إدخال ما يحتاجه السجين من حاجيات أساسية، رغم معاناته من نقص فيها.

منع تبادل الضروريات بين أسرى قسم العزل: تمنع إدارة السجون نقل الأغراض بين زنزانة أسير معزول وآخر، منعاً باتاً؛ الأمر الذي أدّى إلى تفاقم معاناتهم؛ حيث يتم عزل بعض الأسرى من الأقسام العادية، أو من التحقيق مباشرة؛ دون أن يكون معهم احتياجاتهم الأساسية مثل: الملابس الشتوية والصيفية، والبطانيات، والأحذية، وأدوات الطبخ والطعام، والكنتين.....الخ.

العزل المباشر بعد انتهاء مرحلة التحقيق: العزل مباشرة من زنازين التحقيق، دون الدخول إلى الأقسام العادية المفتوحة سياسة قديمة جديدة.  وقد تم خلال إضراب الأسرى عام 2000 الاتفاق بين الأسرى وإدارة السجون، على إلغاء هذه السياسة؛ إلا أن إدارة السجون عادت مع بداية انتفاضة الأقصى إلى إتباع هذه السياسة من جديد.

الإقامة مع المساجين الجنائيين أثناء العزل:  وجود مساجين جنائيين إسرائيليين وعرب في قسم العزل مع الأسرى الفلسطينيين، يشكل معاناة أخرى؛ إذ ترفع أصوات المسجلات ليلاً ونهاراً، والصياح المستمر، والشتائم والكلام البذيء؛ ناهيك عن وجود مرضى نفسيين، حيث الصراخ والضرب والطرق على الأبواب، والسباب والشتائم التي يكيلونها للأسرى الآخرين ولأعراضهم ولأهاليهم.

في تلك الأجواء القاسية، خلف أبواب العزل الموصدة، يعاني الأسير من الأرق وعدم القدرة على النوم، والإعياء والضغط النفسي؛ وعند مطالبة إدارة السجون بتجميع الأسرى الفلسطينيين المعزولين في قسم واحد، بعيداً عن الأسرى الجنائيين أو المرضى النفسيين، ترفض إدارة السجن، وتماطل في ذلك؛ وعند المطالبة بمعالجة الأسرى المرضى أو إخراجهم إلى مصحات نفسية، فإن الإدارة ترفض ذلك أيضاً، وتستمر المعاناة.

تدهور حالة الأسرى الصحية في العزل: في تلك الأجواء اللاإنسانية؛ فقد بعض الأسرى صحتهم وقدراتهم البدنية والنفسية والعقلية.

المداهمات الليلية وحملات التفتيش: تهدف المداهمات الليلية وحملات التفتيش التي تقوم بها الفرق الأمنية الإسرائيلية في السجون، إلى بث الذعر والرعب في نفوس الأسرى الفلسطينيين.  وتبلغ قمة الاستفزاز والإهانة غايتها عند التفتيش العاري؛ حيث تقتحم قوة خاصة زنازين الأسرى المعزولين وغرف السجناء، وتقوم بتعريتهم وتفتيشهم تفتيشاً جسدياً دقيقاً، وكذلك تفتيش الغرفة وبعثرة محتوياتها.

العنف ضد الأسرى: القمع والضرب واستخدام العنف، أمر واقع في أقسام العزل، مثلما حدث مع أكثر من أسير؛ حيث يتم الاستفراد به وحيداً.

منع الأسرى من مواصلة التعليم: يمنع الأسرى المعزولين من إكمال دراستهم الجامعية.

تحديد وقت طلب الماء: يتم تحديد وقت طلب الحصول على الماء أو الطعام من الثلاجة الموجودة في القسم، حتى الساعة السابعة مساءً؛ ما يسبب المعاناة للأسير المعزول، وخاصة في أيام الصيف.

عقوبة "السنوك":وهو عقوة شديدة يتم بمقتضاها إرسال الأسير إلى غرفة صغيرة جداً طولها 180سم وعرضها150 سم، وبالكاد تكفي للنوم، ولا يوجد فيها متسع للصلاة؛ كما إنها لا تحتوي إلا على فرشة وقارورتين: إحداهما لشرب الماء، والأخرى للاستنجاء من البول، والخروج للغائط مسموح به مرة واحدة في اليوم؛ ما يضطر الأسير إلى الاقتصاد في الأكل؛ كي لا يحتاج للخروج لقضاء حاجته.

يمنع في "السنوك" إحضار ساعة لمعرفة الوقت؛ فلا يعرف الأسير الوقت، ولا يعرف مواقيت الصلاة، ولا يسمع الأخبار؛ حيث لا مذياع ولا تلفاز ولا صحف؛ كما لا يسمح في "السنوك" شراء الطعام أو أي احتياجات أخرى من الكنتين؛ ويمنع أيضاً استعمال الوسادة قبل النوم.

عزل الأسيرات: تعاني الأسيرات الفلسطينيات أيضاً من عقوبة العزل؛ وفي هذه الحالة تتضاعف المعاناة؛ لما تتميز به الأنثى من رقة الأحاسيس، ولما تمثله من رموز الأمومة، والعرض، والشرف في المجتمع الفلسطيني.

مواجهة الأسرى لسياسة العزل: اتخذ الأسرى المعزولون عدة خطوات احتجاجية، تمثلت بإرجاع وجبات الطعام.  ووصل الأمر في عدة حالات إلى الإضراب المفتوح عن الطعام؛ بهدف الخروج من العزل الانفرادي والعيش مع باقي الأسرى في الأقسام المفتوحة، وتحسين ظروف الحياة في أقسام العزل.

إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تشرّع، وبقانون، انتهاكاتها لحقوق الإنسان الأسير؛ فقانون مصلحة السجون الإسرائيلية لعام 1971، ينص على السماح بعزل الأسير بذرائع أمنية؛ بحيث أصبح العزل وسيلة مشروعة بيد مدير السجن وضباطه.  وقد جرى تعديل على هذا القانون عام 2006؛ وتوسعت معايير احتجاز المعتقل في العزل، وتوسيع صلاحيات المخوّلين بفرض عقوبة العزل على الأسرى، ومنها محكمة العدل العليا التي تستند في ذلك إلى ما يسمى "تقارير سريّة" من جهاز المخابرات الإسرائيلي.

ولم تكتف سلطات الاحتلال بإبقاء المشروعية بعزل الأسرى، بيد سلطات السجون والمحكمة العليا؛ وإنما وضعت قانوناً لتشريع عزل الأسرى الفلسطينيين، يسمى "قانون شاليط" الذي أقرّه الكنيست الإسرائيلي بالقراءة التمهيدية الأولى يوم 26-5-2010، والذي ينص على تشديد العقوبات والإجراءات بحق المعتقلين، ومنها عدم تحديد فترة عزل الأسير انفرادياً؛ وإبقائها بشكل مفتوح؛ إضافة إلى منع زيارات العائلات؛ وحرمان الأسرى من التعليم وقراءة الصحف، ومشاهدة التلفاز، وغيرها.

وتعد سياسة العزل انتهاكًا صارخًا لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي والإنساني وأحكامه ونصوصه؛ ومخالفة لقرارات الأمم المتحدة، وللعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي نصت جميعها على وجوب معاملة الأسرى معاملة إنسانية، واحترام كرامتهم، وعدم جواز حرمان الأسير المحتجز من الاتصال بالعالم الخارجي، خاصة أسرته أو محاميه.