الوسيط الإنساني:
تأسست اللجنة الدولية للصليب الأحمر عام 1863م، وهي مؤسسة مستقلة محايدة. وقد ضمنت اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949م، والبرتوكولان الإضافيان للجنة الدولية للصليب الأحمر، تفويضاً من المجتمع الدولي، وفقاً للقانون، بزيارة أي شخص يلقى القبض عليه، له علاقة بنزاع دولي مسلح، بما في ذلك حالات الاحتلال؛ وذلك بموجب المادتان (9،29) من اتفاقية جنيف الثالثة، والمادتان (124،10) من الاتفاقية الرابعة، والمادة (81) من البرتوكول الإضافي الأول.
وتقوم اللجنة بتوفير الحماية والعون للضحايا العسكريين والمدنيين، سواء أكانوا أسرى حرب أم محتجزين مدنيين، أم جرحى حرب، أم سكاناً مدنيين في أراضٍ محتلة أو في أراضي العدو؛ كما تقوم بزيارة المعتقلين السياسيين.
وقد أسهمت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تحسين وضع ضحايا الحرب، من خلال القانون؛ وقامت بإعداد اتفاقيات جنيف، التي ضمنت القواعد التي تلزم بها أطراف النزاعات في معاملة الأسرى الذين يقعون في قبضتها. وتسعى اللجنة إلى تطوير القانون الدولي الإنساني وتطبيقه؛ وهي تعمل كوسيط محايد بين أطراف النزاع.
وعند حدوث انتهاكات للقانون الدولي الإنساني، يتمثل الدور الرئيسي للجنة الدولية طبقاً للنظام الأساسي للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر في العمل من أجل التطبيق الأمين للقانون الدولي الإنساني الواجب التطبيق أثناء النزاعات المسلحة، وتلقي أي شكاوى حول انتهاكات لذلك القانون.
اللجنة الدولية للصليب الأحمر ليست جهازًا للتحقيق في الانتهاكات ومقاضاة مرتكبيها؛ ذلك أن عقاب الأشخاص الذين ينتهكون القانون الدولي الإنساني أمر يدخل في اختصاص الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف.
ولا تستطيع اللجنة القيام بعملها دون تعاون من أطراف النزاع، ومن منطلق عرض خدماتها على أساس حق المبادرة الإنسانية.
الإغاثة بين الحماية والحياد السياسي:
إن استمرار عمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الأراضي المحتلة هو تأكيد قانوني على استمرار الاحتلال وسقوط الضحايا، وأهمية وجود رقابة دولية على ممارسات الاحتلال وانتهاكات لحقوق الإنسان.
ومنذ عام 1967م، واصلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر زيارات الأسرى في السجون ومراكز التحقيق، ورفع ملاحظاتها وتوصياتها إلى السلطات المسؤولة على نحو سري؛ إضافة إلى أنها تضطلع بمهمة نقل أهالي الأسرى لزيارة أبنائهم في السجون، وتبادل الرسائل بين الأسرى وأهاليهم؛ كما تعمل على إبلاغ أهالي الأسرى بأماكن احتجاز أبنائهم، وتتلقى شكاوى أهالي الأسرى، وتتابعها مع المسؤولين في سلطات السجون.
وقامت اللجنة بتوفير المساعدات المادية للأسرى في السجون من مواد غذائية وثقافية، وأجهزة طبية للمرضى. وكل ذلك بشرط موافقة سلطات الاحتلال.
أن الدور الإغاثي للجنة الدولية للصليب الأحمر، كوسيط وحلقة وصل بين الأطراف، وتَرَكُز عملها على الجانب الإنساني المحض، وعدم التدخل بالشأن السياسي والقضائي- جعلها في موقع صعب بين الخير والشر، أمام استمرار الاحتلال الإسرائيلي بانتهاك حقوق الأسرى وكرامتهم داخل السجون ومراكز التحقيق، كممارسة التعذيب والتنكيل، واعتقال الأطفال القاصرين، والعزل الانفرادي، والحرمان الواسع من الزيارات تحت حجة "أسباب أمنية"، وسوء أماكن الاحتجاز، واحتجاز الأسرى داخل ارضي دولة محتلة؛ فكل هذا يعد انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني الذي تسعى اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى تطبيقه وحمايته.
ومنذ بداية الاحتلال، لم تستطع اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلزام دولة الاحتلال بتطبيق القانون الدولي الإنساني على الأسرى؛ إذ استطاع الاحتلال حصر دور الصليب الأحمر في جانب المساعدات المحدودة والمقلصة جداً، وحصر دورها في مجال السلطة الأدبية فقط.
واجهت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مأزقاً في عملها، وأصبح نجاحها في التفاوض مع سلطات الاحتلال مدخلاً للقيام بعملها في مجال الإغاثة؛ فأصبح قيامها بدورها مرهونًا بالمدى الذي تسمح به سلطات الاحتلال.
وعند قراءة واقع الأسرى، يتبين مدى خطورة ما تقوم به حكومة الاحتلال من إجراءات وعقوبات مشددة على المعتقلين، بغطاء من التشريعات والقوانين الإسرائيلية؛ فقد فشلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تعديل سلوك الإسرائيليين في تعاملهم مع الأسرى بسبب تجاهلهم القواعد الأساسية للقانون الإنساني.
وفي ظل مأزق العمل الإنساني، الذي يواجه الصليب الأحمر؛ يفترض أن تضطلع اللجنة بدور أكثر حزماً، وأن تضع آلية للتوافق بين العمل الإنساني والعمل السياسي والقانوني؛ إذ إن العمل الإنساني للجنة يدور في أجواء سياسية؛ فيفترض به أن يساعد في تطبيق القانون وخدمة العمل السياسي.
لا حصانة للصليب الأحمر الدولي:
إن اقتحام قوات الاحتلال لمقر الصليب الأحمر الدولي في القدس يوم 23/1/2012م، واعتقال النائب محمد طوطح والوزير السابق خالد أبو عرفة؛ بعد أن أبعدت، قبل ذلك بشهر، النائب أحمد عطون من القدس الى رام الله، بعد اقتحام مقر الصليب الأحمر، ضمن سياسة منظمة يقضي بعملية إبعاد النواب ونشطاء سياسيين من القدس- دلّ على أنه لا حصانة لمقرات الصليب الأحمر الدولي، ولا للمؤسسات الدولية العاملة في فلسطين.
الناطقة باسم شرطة الاحتلال (لوبا سمري) قالت للصحفيين في القدس: اعتقال النواب نفذ بترخيص من القائد العام للشرطة؛ ولا توجد وضعية دبلوماسية لمقر الصليب الأحمر.
لم تصدر اللجنة الدولية للصليب الأحمر موقفًا رسميًا واضحًا لإدانة عملية الاقتحام والاعتقال؛ رغم الإهانة والإساءة للمكانة القانونية والمركز الأخلاقي والإنساني الذي يمثله الصليب الأحمر الدولي؛ بصفته الجهة التي تتلقى مظالم الضحايا؛ والملجأ الذي يتخذه الضحايا للتعبير عن حقوقهم ومطالبهم.
تراجع دور الصليب الأحمر الدولي:
المراقب لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي، يجد أن دورها قد تراجع كثيراً في السنوات الأخيرة؛ حتى على مستوى الخدمات الإنسانية؛ فقد توقف إدخال صحيفة القدس إلى الأسرى بالسجون، مع أنها الصحيفة العربية الوحيدة التي تدخل إلى السجون؛ والتي دأب الصليب الأحمر على الإشراف على إدخالها إلى السجناء؛ إضافة إلى أن اتفاقية بين الصليب الأحمر وسلطات الاحتلال قد أبرمت منذ 1/1/2011م، تقضي بتقليص الخدمات الطبية للأسرى المرضى، وتقليص مساهمة الصليب الأحمر في تغطية هذه الخدمات، وإلزام الأسير المريض على دفع جزء من نفقة العلاج. كما إن اللجنة الدولية للصليب الأحمر لا تزال غير قادرة على إيجاد حلول لزيارة بعض أقارب الأسرى لأقاربهم من "فئة قرابة أولى" في السجون الإسرائيلية؛ إذ إن دولة الاحتلال تمانع الموافقة عليها بذريعة "أسباب أمنية"؛ ولم تستطع هذه اللجنة سوى تنظيم زيارات للممنوعين، مرة واحدة كل ستة أشهر، أو سنة؛ إضافة إلى عجزها عن تنظيم زيارات لعائلات أسرى قطاع غزة، المحرومين من زيارة أبنائهم منذ أكثر من خمس سنوات.
ولم يتوقف العجز عند هذا الحد؛ فقد عجزت اللجنة عن إيقاف سلسلة إجراءات اتخذتها إدارة السجون وحكومة إسرائيل بحق الأسرى، كالحرمان من التعليم الجامعي، والتوجيهي، وإدخال الكتب؛ وفرض العقوبات الفردية والجماعية عليهم، كالغرامات والحرمان من المشتريات الغذائية؛ ومنع إدخال الأطباء لمعالجة المرضى.
ولعل تعرض أهالي الأسرى للتفتيش المذل والمهين، على الحواجز، خلال الزيارات، يعد أحد المشاكل المستمرة، التي لم تستطع اللجنة إيجاد حلول لها؛ ما جعل الزيارات عقابًا وتعذيبًا لأهالي الأسرى.
إن العديد من الانتهاكات المخالفة لأحكام القانون الدولي الإنساني تجري أمام معرفة ورؤية الصليب الأحمر الدولي، الذي يكتفي برفع التقارير السرية إلى المسؤولين في جنيف؛ دون أن يلمس الأسرى أي تحول أو تأثير لهذه التقارير على سلوك الإسرائيليين في التعامل معهم.
------------------------------------------------
هيئة شؤون الأسرى والمحررين