أطباء مصلحة السجون الإسرائيلية

تشير تقارير هيئة الأسرى ومؤسسات حقوق الإنسان المدعومة بشهادات عديدة من الأسرى الفلسطينيين المرضى، أن الأطباء الإسرائيليين في مصلحة السجون يشاركون في إهمال الأسرى وإساءة معاملتهم بشكل ممنهج ومدروس، وأنهم جزء من أدوات القمع التي يمارسها الاحتلال بحق الأسرى الفلسطينيين؛ وذلك من خلال التقصير في القيام بواجباتهم الطبية والمهنية، وتعمد الإهمال الطبي، والمساهمة في التعذيب العنيف والقمع والتستر عليه.

إن ازدياد الحالات المرضية في سجون الاحتلال واكتشاف أمراض مفاجئة، وسقوط شهداء من المرضى بأعداد متزايدة خلال السنوات العشرة الأخيرة يكشف عن اللامبالاة بحياة وصحة الأسرى الفلسطينيين المرضى، ويبين أن أطباء الطواقم الطبية العاملة في مصلحة السجون والمعسكرات ومراكز التوقيف والتحقيق قد تحولوا إلى جزء من النظام القمعي الاحتلالي.

ولعلّ أخطر دور يقوم به الأطباء هو الموافقة على التعذيب والضغوطات النفسية التي تمارس على المعتقلين خلال استجوابهم، بما فيهم الجرحى والمصابين، ومشاركتهم في مساومة الأسرى على العلاج  مقابل الاعتراف، وتقديم آراء وفتاوى طبية وتقارير عن حالة المعتقلين تسمح بممارسة التعذيب بحقهم؛ ما يدل على تواطؤ طبي في إساءة معاملة الأسرى الفلسطينيين واهمالهم وتركهم فريسة تحت رحمة المحققين والأمراض المختلفة.
ويشاهد الأطباء في مصلحة السجون الإسرائيلية عمليات الضرب والتنكيل والمعاملة القاسية بحق الأسرى الفلسطينيين خلال اعتقالهم واستجوابهم، ويعلمون بسياسة الحجز والعزل التي ترتكب بحقهم، وبعواقب تعرضهم للضغوطات نفسية والحرمان من حقوقهم الإنسانية.

لقد وضعت نقابة الأطباء العالمية الخطوط العامة للأطباء فيما يخص التعذيب وأنواع العقوبة أو المعاملة الأخرى السيئة وغير الإنسانية للأسرى، وعلاقتها بالاحتجاز والسجن؛ إضافة إلى "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" و"الإعلان العالمي للحقوق المدنية والسياسية" الذي صدر عن الأمم المتحدة عام 1966، وكذلك الأحكام الصادرة في معاهدة جنيف الأربع لعام 1949؛ فقد أصدرت نقابة الأطباء العالمية وثيقة أكثر وضوحًا عام 1955 حول دور الأطباء خلال النزاعات المسلحة جاء فيها: "المهمة الأساسية لمهنة الطبيب هي حماية الصحة، وانقاذ الحياة"؛ ولهذا فإن ما يقوم به الأطباء في مصلحة السجون الإسرائيلية أمر يتنافى مع أخلاقيات المهن الطبية، وإن قاموا بتقديم النصيحة أو بإجراءات وقائية أو تشخيصية أو علاجية؛ إذ يقدمون ذلك بشكل خادع، يهدف إلى إضعاف القوة البدنية أو العقلية للأسير دون أي مبررات علاجية.

وجاء إعلان طوكيو 1956 ليكون دليل الأطباء المتعلق بالتعذيب والمعاملة أو العقوبة الوحشية أو غير الإنسانية أو المذلة في المعتقلات والسجون؛ فقد نص على: "يجب على الطبيب عدم تشجيع أو التغاضي عن المشاركة في أي تعذيب أو أية إجراءات وحشية أو غير إنسانية أو مذلة، مهما كان الذنب الذي اقترفته الضحية"؛ وبذلك فإن "إعلان طوكيو" قد أبطل الشراكة غير الشرعية بين الطب والتعذيب.  وفي عام 1982 اعلنت الامم المتحدة مباديء متعلقة بالأخلاقيات الطبية، ودور الطاقم الصحي، وخاصة الأطباء في حماية السجناء والمعتقلين من التعذيب والمعاملة غير الإنسانية؛ كما تبنت ذلك العديد من الجمعيات والنقابات الطبية العالمية.

وبهذا نجد أن الأطباء العاملين في مصلحة السجون قد خالفوا كل تلك القواعد، وتحولوا إلى جلادين في زي أطباء؛ فأصبحوا معذبين ومعالجين في آن واحد؛ وخانوا "قسم أبو قراط الطبي"، ويظهر ذلك من خلال المؤشرات التالية:

1- سكوت الأطباء عن ارتكاب أخطاء طبية كما جرى مع الأسير سامي أبو دياك الذي أصيب بالتلوث خلال إجراء عملية إزالة ورم له في المعدة في مستشفى سوروكا الإسرائيلي يوم3/9/2015؛ ما أدى إلى دخوله في حالة غيبوبة؛ وكذلك ما جرى مع الأسير ثائر حلاحلة الذي أصيب بالتهاب الكبد الوبائي بعد علاج أسنانه يوم 16/4/2013 بأدوات طبية متسخة وملوثة في عيادة سجن عسقلان؛ وكذلك ما جرى مع الأسير عثمان أبو خرج الذي تم حقنه إبرة (بالخطأ) في سجن شطة عام 2007؛ ما أدى إلى معاناته من التهاب الكبد؛ وكذلك ما جرى مع الأسير محمد هشام عليان من سكان الجلزون، الذي فقد خصيته بسبب تأخر الأطباء في سجن نفحة بتحويله لإجراء عملية جراحية عاجلة، بعد شعوره بآلام واوجاع شديدة؛ وقال طبيب مستشفى سوروكا، الذي أجرى العملية: إن المريض لو حول قبل ساعة لما تم استئصال الخصية.
 

2- المماطلة الطويلة في تحويل المرضى للمستشفيات، وتأجيل إجراء العمليات الجراحية لفترات زمنية طويلة.

3- عدم وجود فحوصات دورية وتشخيصات مبكرة للأسرى الفلسطينيين المرضى؛ ما يؤدي إلى تفاقم الأمراض ووصولها إلى حالة مزمنة.

4- غياب أطباء متخصصين في عيادات السجون؛ ما يجعل تشخيص الأمراض ناقصًا أو خاطئا.

5- عدم معرفة الأسرى طبيعة الأدوية التي يتلقونها؛ ما يضعهم في حالة من القلق وعدم اليقين.

6- عدم وجود عناية خاصة بالحالات المرضية النفسية والمصابة بأمراض عصبية.

7- عدم وجود عناية خاصة بالمعاقين والمشلولين من حيث مكان الاحتجاز، والأكل، والحركة، والأجهزة الطبية المساعدة.

8- صمت الأطباء على السماح للمحققين بإجراء تحقيقات واستخدام أساليب تعذيب غير محتملة بحق أسرى مرضى أو جرحى أو مصابين.

9- صمت الأطباء أمام عدم الاستجابة لطلبات الإفراج المبكر عن أسرى مرضى من ذوي الأمراض الصعبة، أو التعاطي مع الشكاوى العديدة حول عدم تقديم العلاج للعديد من الأسرى الفلسطينيين المرضى.

10- غياب المراقبة من قبل وزارة الصحة الإسرائيلية أو نقابة الأطباء أو المؤسسات الصحية الدولية لآليات العلاج والعناية بالأسرى الفلسطينيين المرضى في سجون الاحتلال.

11- صمت الأطباء على قوانين وتشريعات تعسفية تخالف أخلاقيات المهن الطبية، كقانون التغذية القسرية بحق الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام.

12- عدم رفع تقارير وشكاوى إلى الجهات ذات الاختصاص أو إلى النقابات الطبية عن حالات التقصير بالعلاج أو استخدام التعذيب والمعاملة المهينة بحق المعتقلين.

عيسى قراقع/ رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين/ نيسان 2017