"غرف العصافير": مصائد العملاء في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وزارة شؤون الأسرى والمحررين، 2010

كيف تقوم المخابرات الإسرائيلية بانتزاع اعترافات المعتقلين؟

العصافير: هو المصطلح الذي أطلقه المعتقلون الفلسطينيون على العملاء في سجون الاحتلال. ويرجع سبب التسمية إلى طريقة تسليم هؤلاء العملاء أنفسهم لإدارة السجون؛ حيث أنهم ينتظرون قدوم إدارة السجن من أجل العدد، أو تفتيش المعتقلين، فيستغلون الموقف ويهربون إلى إدارة المعتقل وهي تشبه فرار الطائر من عشه. ويقال عندما يسلم شخص نفسه لإدارة المعتقل فلان طيّر، أو عصفر.

وتتستغل المخابرات الإسرائيلية العصافير في تقديم معلومات عن المعتقلين من خلال زجهم في زنازين و أقسام المعتقلين؛ ليقوم هؤلاء العملاء بانتزاع الاعتراف من المعتقل بطرق عديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر: (الاستفزاز، الاستدراج، الضغط، التهديد، الحيل والخداع).

تعدّ مصائد العملاء "العصافير"، من أهم الركائز التي تعتمد عليها المخابرات في انتزاع الاعترافات من المعتقلين؛ لما أثبتته من نجاعة في الماضي والحاضر، وهذا الأسلوب من الأساليب الأكثر اتباعاً في الوقت الحاضر، وتعول عليه المخابرات الإسرائيلية كثيراً في إثبات التهم، أو نفيها عن المتهم، وهو أسلوب خبيث، يعتمد على التعاون الذي يتم بين شرذمة من العملاء التي باعت وطنيتها وخلقها شرفها للاحتلال، ولم يبق فيها حياء أو ذرة من خلق أو دين.

 وقد خدم العمل بهذا الأسلوب، مخابرات الاحتلال كثيراً فيما مضى، وهي تعمل جاهدة على الإبداع في تطوير العمل بهذا الأسلوب، وإيجاد الجديد من الخدع والوسائل لتنفيذه.

 وعلى كل حال،فإن هذا الأسلوب، مهما بلغ من المهارة في الأداء، والدقة في التنفيذ- لا يجدي نفعا، ولا يجلب فائدة للمخابرات، حين تستخدمه مع المناضل الذي يتحصن بالمعرفة والوعي، وهناك الكثير من الأمثلة الدالة على ذلك، والتي سطر فيها المناضلون والمعتقلون في سجون الاحتلال أروع الأمثلة في التصدي لمثل هذا الأسلوب الخبيث.

وكثيرا ماصمد المعتقلون في كل مراحل التحقيق، وأبدوا نجاحاً باهراً، إلا أنهم وقعوا في فخ العصافير. ونورد هنا مقابلات وأقوال، توضح طبيعة الحرب المعلنة التي تشنها المخابرات الإسرائيلية على الأسرى في سجون الاحتلال؛ لتوضيح أساليبها،في كسر صمود المعتقلين واخضاع إرادتهم، وأولها غرف "العصافير"، أو ما اصطلح على تسميته وطنياً بغرف "العار"، وذلك؛ لمواجهتها والتنبه لخطورتها. 

العصافير.. خلفية تاريخية:

يرجع اعتماد هذا الأسلوب إلى منتصف السبعينات، حيث كان الارتباط شيئاً نادراً. وقد استطاعت المخابرات الإسرائيلية إسقاط العديد من الشباب، فكثير من المتساقطين كانوا يخشون اكتشاف أمرهم عند المساجين في الأقسام، فيطلبوا العمل بمعزل عن المساجين؛ خوفاً من التحقيق معهم وقتلهم، ومن هنا بدأت فكرة مواخير العار التي تجمع عدة عملاء ممن ارتبطوا آنذاك، وسلموا أنفسهم لإدارة سجون الاحتلال ومخابراته، التي تقوم بوضعهم في غرف العار. حيث تجلت فكرة اشراكهم في عمليات التحقيق مع المعتقلين، وبدأت ذلك بشكل رسمي في زنازين التحقيق مع المناضلين وتم وضع قسم منهم في أقسام المعتقلات المسماة بغرف "العصافير"، وقسم آخر في السجون التي يتواجد بها المعتقلون والذين ينجحون في أغلب الأحيان بالإمساك بهؤلاء العملاء.

أهداف المخابرات الإسرائيلية من غرف العصافير:

لا شك أن انتزاع الاعتراف هو أول هدف تبتغيه المخابرات من وراء اتباع هذا الأسلوب، إذ عادة ما ترسل المعتقل بعد فشلها في انتزاع المعلومات التي بحوزته- إلى غرف العار "العصافير"؛ في محاولة لخداع المناضل المعتقل، من خلال تغيير الأسلوب الدارج في عمليات الضغط النفسي والجسدي؛ لانتزاع المزيد من الاعترافات، فتعدّ المخابرات له المصائد؛ في محاولة للتأكد أولاً من أن هذه المعلومات صحيحة، أو لانتزاع المزيد منها. وتترك المجال للمعتقل الذي تشعر المخابرات بأن من الممكن انتزاع المعلومات منه، وأن لديه الرغبة في الاعتراف للعصافير؛ رغبة منه في التخلص من وضعة الحالي، ولتبرير إعترافه، وإنقاذ سمعته من الإشاعات (بأنه وشى بأصحابه وخان قضيته)؛ وليقول الناس: أنه صمد صمود الرجال أمام المحققين، وأنه لولا الخدعة والحيلة، لما أخذوا منه كلمة واحدة.

يعتبر سجني مجدو وكفاريونا أكثر السجون شهرة في استخدام أسلوب غرف العصافير بل يعتبر مركزاً رئيسياً للتعامل بهذا الأسلوب وفيه يتم تمرير المصيدة إلا أن سجوناً أخرى تشارك بشكل رئيسي إذا لم تجد مصائد مجدو نفعاً، ويعمل العملاء في غرف العصافير في معظم السجون ويتركزون في السجون المركزية، إذ يقومون باستغلال وضع التحقيق وما يتركه من آثار سيئة على نفسية بعض المعتقلين، ويبدؤون في أساليبهم الخسيسة من بث الإشاعات المغرضة واستدراج المعتقلين للحديث عن اعترافاتهم إلى غير ذلك مما سنوضحه ضمن الأساليب..

يعدّ "العصافير" أخطر أنواع عملاء الاحتلال الإسرائيلي داخل المعتقلات والسجون الإسرائيلية. فإن90% من اعترافات المعتقلين في سجون الاحتلال يتم انتزاعها عن طريقهم، حيث يستدرجون المعتقل؛ للحصول على المعلومات، بعد أن يتم التحقيق معه، بدون أي اعتراف، فيوضع في زنزانة يكون العميل موجوداً فيها، أو يأتي إليها لاحقاً. وحتى لا يساور الشك المعتقل؛ تبدو على العميل علامات الإرهاق والتعب، وكأنه أنهى هو الآخر مرحلة التحقيق، ولم يعترف بشيء، رغم طول مدة التحقيق؛ وبذلك يظن المناضل أن هذا السجين مثله؛ فيرتاح له ويخبره عن ما رفض الاعتراف به أمام ضباط السجن.

وربما يدعي هذا العميل أنه سيخرج قريباً من السجن، وأنه على استعداد لحمل أي رسالة من هذا المناضل إلى تنظيمه أو أهله في الخارج، فينخدع السجين بذلك، وقد يعترف للعميل بما تود المخابرات الإسرائيلية سماعه. وأحياناً يدعي العميل أنه غير مهتم برفيقه في الزنزانة، ويبقى صامتاً؛ ما يدفع المعتقل للحديث. خاصة أن السجين أحياناً يقضي مدة طويلة معزولاً؛ فيشعر برغبة بالحديث مع من يؤنسه في زنزانته.

وهناك أسلوب آخر تلجأ إليه المخابرات الإسرائيلية، وهذا الأسلوب يتمثل بإرسال العميل إلى زنزانة المعتقل، فيقوم هذا العميل بإبلاغ المعتقل: إنه التقى مع أحد أفراد التنظيم الذي يتبع له المعتقل، وإنه اعترف عليه. وحتى يتم حبك القصة جيداً يخبره العميل عن بعض المعلومات العامة عن القضية؛ فيظن المعتقل أن أحد أفراد تنظيمه قد اعترف عليه، وربما يقول في نفسه طالما أن زميلي اعترف فلماذا لا اعترف أنا أيضاً، وقد يلعب العميل أحياناً دور الناصح للسجين، فيحذره من العملاء والعصافير، ويخبره أن يصمد، وأن لا يخبر أحداً بما لديه.

ومن الأدوار التي يقوم بها العصافير: الإيقاع بين الفصائل، عن طريق الاندساس في صفوف الفصائل المختلفة، وترويج الأفكار المتطرفة حول كراهية الآخر، وزرع التعصب ما يؤدي إلى الصدام بين أبناء الفصائل في السجون.

وقد طورت إسرائيل أداء العملاء بطريقة لا توحي للأسير أنه موجود بين متعاونين، حيث يتم إشعار الأسير وإبلاغه أنه سوف ينقل من التحقيق إلى سجن مركزي، وتتخذ كل إجراءات نقله التي توحي أن التحقيق قد انتهى معه، وأنه ذاهب للانضمام إلى رفاقه من الأسرى المناضلين.

لم تعد غرف العملاء صغيرة، بل أصبحت أقساماً واسعة يدخلها عدد كبير من الأسرى الذين يظنون أنهم في السجن، حيث تمارس في هذه الأقسام عادات السجن ونظامه، وتوزع الأدوار والمسؤوليات على الأسرى، كالمسؤول الثقافي والإداري، والمسؤول الأمني، وغيره. وعندما يدخل أسير جديد إلى هذه الأقسام يستقبل كمناضل، وبطل، وتوفر له كافة الاحتياجات. وبعد ذلك يتم الجلوس مع الأسير من قبل اللجنة الأمنية في السجن، لمعرفة ما جرى له، وبماذا اعترف؛ للإيحاء له أنه في أحضان التنظيم والثورة. وتعزز الثقة معه، بحيث يستطيع أن يتحدث بطلاقة، وبدون خوف، دون أن يدري أنه يتحدث مع عملاء، أو مع أسرى لا يعرفون أنهم في أقسام العملاء، ويرسل ما يكتبه الأسير إلى الموجه العام الذي هو بالتأكيد عميل، الذي بدوره يقوم بايصال التسجيلات الصوتية أو الاعترافات المكتوبة، إلى المخابرات الإسرائيلية التي ستستكمل التحقيق معه، ليستمر نزيف اعترافاته.

يقول أحد الأسرى المحررين: "لا يوجد أي جهة وطنية تطلب من الأسير معلومات عن نشاطه، وعن ما قام به، أو عن ارتباطاته في حياته النضالية، أو أية معلومات تتعلق بآخرين. وإن طلب أحد ذلك منه، فيجب أن يحذره".
فيما أفاد أحد الأسرى في سجن مجدو قائلا: "إن تعزيز الثقة بالأسير، يتم من خلال مكوثه عدة أشهر في الأقسام، يبني خلالها علاقات اجتماعية وطبيعية مع الجميع، ولا يطلب أحد منه معلومات عن نضاله وفعالياته".

  وكثيراً ما صدرت قرارات اعتقال إداري، وسلمت للأسير عند نزوله إلى أقسام العملاء. وهي قرارات مزيفة؛ لتعزيز الاعتقاد لدى الأسير أنه أنهى التحقيق، وأصبح محكوماً؛ فيطمئن لزملائه المعتقلين، ويسرد قصته، وسيرته النضالية، التي قد يزينها بالمبالغة؛ مما يجر عليه وعلى رفاقه الويلات وعذابات السجون. 

تحدث أسير محرر من سجن عسقلان، عاش التجربة في أقبية التحقيق، وكشف أمر العملاء، قائلاً: "يكمن الخطر الحقيقي، بإقناع الأسير بالبوح بكل ما يعرفه، بحجة أن هذه المعلومات ضرورية لتوفير الحماية لأشخاص لم يعترف عليهم عند الشاباك، وبأن دور التنظيم في السجن هو إبلاغهم في الخارج، بأنه لم يجر اعترافات عليهم؛ لكي يطمئنوا، أو أن المخابرات سألت عنهم كي يأخذوا الحيطة. والأسير الذي يرفض الإدلاء بكل ما يعرفه يتم اتهامه بالخيانة، وعدم التعاون مع التنظيم، وتمارس عليه ضغوطات نفسية وجسدية صعبة".
أضاف الأسير المحرر من سجن عسقلان: "الخطر الآخر الذي يجري في غرف العملاء، هو أن أعداداً كبيرة من الأسرى تعيش في هذه الأقسام، وتمارس دورها إيماناً منها بأنها تمارس دوراً تنظيمياً ووطنياً، وهي مخدوعة، لا تدري أنها تخدم المخابرات بدون علمها".

يقول أحد الأسرى الذي قضى 90 يوماً في أقبية التحقيق منها 20 في غرف العملاء (العصافير): "العديد من الأسرى الذين حقق معهم في مراكز التحقيق الإسرائيلية، صمدوا وقدموا صورة مشرقة، وصموداً رائعاً ولم يدلوا بأي اعتراف داخل أقبية التحقيق، ولكن عند نقلهم إلى غرف العملاء أدلوا باعترافاتهم، دون علمهم بأنهم موجودون بين العملاء، وقدموا إفادات خطية بهذه الاعترافات، وعند خروجهم من غرف العملاء، ورجوعهم إلى مراكز التحقيق، تفاجأوا بأن الإفادات الخطية التي قدموها في غرف العملاء، موجودة بين يدي رجالات المخابرات، لتسرق منهم ساعات وأيام معدودة في غرف العار، أزهى سنوات أعمارهم".

إن انتزاع الاعترافات بالخداع عن طريق غرف العملاء، جزء من تعذيب المعتقل نفسياً وتدميره معنوياً ووطنياً، وهو عمل غير مشروع وغير قانوني، ولا تعتبر الاعترافات في غرف العملاء اعترافات قانونية ودلائل ثابتة تقدم للمحكمة، ولكنها تستغل لزيادة الضغط على المعتقل، بعد أن يتم سحبه من غرف العملاء وإدخاله غرف التحقيق ثانية.
"في كثير من الحالات أنكر الأسرى اعترافاتهم في غرف العملاء، وواجهوا المخابرات الإسرائيلية بكل قوة، ولم تؤخذ اعترافاتهم سنداً قانونياً ضدهم، إلا أنها كشفت أسماءً ومعلومات، كان من الصعب أن تنالها المخابرات الإسرائيلية بسهولة، لولا استخدام غرف العملاء، وعدم وعي الأسير بأساليب المواجهة" هذا ما قاله أحد الأسرى المحررين من أقبية التحقيق الإسرائيلية، بعد أن خاض تجربته في التحقيق التي استمرت 180 يوماً منها 26 يوماً في غرف العملاء.

بعض أشكال مصائد "العصافير"، أو "غرف العملاء":

الشكل الأول: بعد أن تمضي على المعتقل فترة من الوقت داخل غرف التحقيق والمواجهة المباشرة، يتم إنزاله إلى الراحة، أو النوم داخل زنزانة، وغالباً ما يكون ذلك آخر أيام الأسبوع (يومي الجمعة والسبت)، حيث يكون العميل موجوداً داخل هذه الزنزانة، أو يأتي بعد دخول الأسير إليها بوقت قصير، وليس المهم أن يأتي، بل المهم أن يجتمع مع الأسير داخل الزنزانة، يقول الأسير المحرر (م. أ): "يمثل العميل في الزنزانة دور الأسير مثل المعتقل الذي يخوض التحقيق، وإنه نازل من التحقيق للراحة، وتبدو على العميل المتمثل دور الأسير، آثار التعب والإرهاق والسهر، مثل الأسير الخاضع للتحقيق تماماً، بحيث تستطيع تمييزه، من حيث الشكل بأنه مرهق فعلاً، ويبدأ هذا العميل "العصفور" بالحديث مع الأسير بأن له مدة كبيرة في التحقيق ولم يعترف على شيء، وأنه سوف يفرج عنه قريباً، وقد يكون غداً، وأنه مستعد للمساعدة، بحيث يقوم بتوصيل أخباره للأهل أو للأصدقاء، ويسأل الأسير: فيما إذا أرادر أن يحذر أفراد مجموعته في أمور معينة، أو يعرض عليه جهاز تلفون كي يتحدث به مع أشخاص يخصّونه في الخارج، ويدعي أنه قد هرّب هذا الجهاز، أو دخل معه عند الاعتقال ولم يتم تفتيشه جيداً، كي يوقع به، ويسمعه ويسمع ما يريد أن يقوله الأسير لرفاقه خارج المعتقل، ثم يقوم بنقل ذلك إلى المخابرات".

الشكل الثاني: العميل الذي يكون مع الأسير في الزنزانة ولا يتحدث بشيء، ودائماً ما يكون نائماً، حتى يضطر الأسير للحديث معه، وهو غير مبال، لإيهامه بأنه غير مهتم بكل ما يقول؛ ما يدفعه للثقة به والاسترسال في الحديث معه، حول معلومات تطلبها المخابرات الإسرائيلية.

الشكل الثالث: العميل الذي يحاول الحديث مع الأسير حول قضيته بكل الأساليب، محاولاً معرفة التفاصيل، وهو دور معروف. ولكن الخطير في الأمر، أنه بعد أن يجلس مع الأسير، ينتقل إلى زنزانة أخرى مع أحد أفراد قضيته، ويقول له: إنه كان مع الأسير ابن قضيته في الزنزانة، وأنه اعترف بكل شيء، ويحدثه ببعض العموميات حول القضية، وهذا أخطر ما في الموضوع، حيث يوهمه بأن أبناء القضية قد اعترفوا بكل شيء، ولا داعي للصمود.

الشكل الرابع: العميل "العصفور" الذي يمثل دور الناصح الأمين، حيث يقوم بتحذير الأسير من العملاء "العصافير"، وضرورة عدم التحدث عن قضيته، وأهمية ألا يكتب شيئاً عنها، ويشرح له بشكل مطول حول "العصافير"، وأنه الآن في المرحلة التي تسبق ذهابه إلى "العصافير"، وبعدها سوف يخرج إلى السجن الحقيقي، ويشرح له عن السجن الحقيقي، وأن به شاويشاً ومردواناً، ومسؤولاً للقسم، وموجهاً أمنياً أو ما شابه. وفي الحقيقة، فهو يشرح له عن مردوان "العصافير" الذي يتواجد به العملاء، وأن هذه المرحلة تهيئة له، للذهاب إلى العصافير. وهذا دور حقيقي يمثل خطورة كبيرة؛ حيث توجد عدة غرف ويكون بها عدد من المعتقلين قد يبلغ العشرات، يتم إبلاغ المعتقل( قيد التحقيق) أنه قد أنهى مرحلة التحقيق، وسوف ينقل للأقسام الآن، والتي تكون أقساماً "للعصافير"، وهي على ثلاثة أشكال:

الشكل الأول: أن يكون معظم سكان القسم من العملاء "العصافير"، حيث تذهب إلى غرفة داخل القسم معظم سكانها عملاء "عصافير"، يمثلون دور سجناء قدماء داخل السجن، بأشكال توحي بأنهم وطنيون.

 
يقول أحد الأسرى الذين خاضوا التجربة: "قد يكون معظم الموجودين في هذا القسم، ملتحين، يقرأون القرآن بشكل جيد، ويمثلون دور العابدين، يصومون النهار ويقومون الليل، ويتسمّون بأسماء إسلامية لها تاريخ، مثل: أبو صهيب، وأبو حمزة ، أبو جهاد، وأبو نضال، وأبو فلان وعلنتان وما شابه، أو يكونون متصنعين الانتماء لفصيل المعتقل، ويتخذون أسماء لرفاق أو شهداء من جميع الفصائل، وحسب فصيل المعتقل، ويقوم أحدهم بتمثيل دور المسؤول الأعلى للتنظيم، وآخر دور الموجه الأمني، وثالث مسؤول مؤتمر النقاش الديمقراطي...الخ،

 ويقوم الموجه الأمني بالطلب من المعتقل الجديد أن يكتب تقريراً أمنياً حول ما جرى معه في التحقيق، وما قام به من نشاطات خارج المعتقل، حيث يكتبون له أسئلة تكون معظمها عن معلومات لم يعترف عليها، وأسرار تنظيمية، وعن (كمية الخسارة داخل التحقيق)، أي كم أخذ  المحققين منه  في التحقيق، وعلى كم اعترف، 5% أو 10%، وما إذا كانت هناك أشياء أخرى لم يعترف عليها، يعني عن كل ما يخفيه المعتقل وتبحث عنه المخابرات، وإذا لم يتعاطَ المعتقل معهم، يقومون بتهديده، أو معاقبته بالمقاطعة وعدم الكلام معه مثلاً، وعزله عن باقي السجناء، وتهديده بالتحقيق معه لأنه عميل، والتهديد بالتشفير، (أي ضربه بالشفرة في وجهه)، أو حتى التهديد بإعدامه، ويمارسون عليه دور الإرهاب والتهديد والوعيد، وأنه مدسوس عليهم، وهذا مجرد تهديد فحسب ولا ينفذون أي شيء من ذلك".

الشكل الثاني:

أن يكون معظم القسم الذي يسكنه السجناء من السجناء الشرفاء، ويمكن أن يكونوا ممن يعرفهم المعتقل داخل وأثناء التحقيق والزنازين، وقد يكونون ممن يعرفهم خارج السجن؛ ما يكسب الثقة والطمأنينة في النفس، حتى يدخل المعتقل داخل غرفة كل أفرادها شرفاء.

 وقد يكون أحدهم مسؤولاً للغرفة وآخر موجهاً أمنياً، ولكن يكون العملاء - فقط- من الذين يعملون في النظافة داخل القسم، ويوزعون الطعام، ويأخذون الأوراق والرسائل والتقارير الأمنية من شخص إلى آخر، ومن غرفة إلى أخرى. حيث إن الشرفاء يقومون بدور العملاء، من حيث لا يعلمون؛ ما يسهل الانخداع بهم والسقوط في مصائدهم. ويتولى عمال النظافة "العصافير" الذين يقومون بتوزيع الطعام ونقل الرسائل، نقل هذه التقارير إلى ضابط المخابرات مباشرة، وليس إلى التنظيم، ثم تقوم المخابرات بطلب المعتقل لجولة تحقيق أخرى، يقومون فيها بمفاجأته بالتقارير.
 
الشكل الثالث:

وهو الشكل السهل، حيث يكون معظم الموجودين في الغرف من العملاء، وقد تكون هناك غرفة أو اثنتين بعدد غير كبير، وهذا الشكل يعمل على كشفه للأسير لإيهامه أنه ذهب ومكث عند "العصافير" وأنهى قضية "العصافير" برمتها تمهيداً لإيقاعه في الفخ .. ويمكن الاستدلال بتجربة "العصافير" في معتقل "مجدو" الواقع قرب جنين، وهو عبارة عن عدة أقسام بعضها من خيام والأخرى غرف، حيث يتم نقل الأسير إلى أحد هذه الأقسام في المعتقل، حيث يكون معظم نزلاء القسم من العملاء، الذين قد يستخدمون واحداً من أسلوبين:

• الأسلوب الأول:

 يدخل المعتقل القسم الذي يتواجد به عدد من المعتقلين، على رأسهم شاويش القسم - الذي يتعامل مع الإدارة ويتحدث معها حول أمور وحاجيات القسم-، ومسؤول القسم، والموجه الأمني الذي يخاطب المعتقل مخادعاً إياه: بأن فترة الموقوفين حساسة ولا يجب الحديث فيها عن قضيته أو تنظيمه، أو الحديث عن الفكر السياسي، ويحذره من كتابة أي شيء حول قضيته، وأن ذلك ممنوع منعاً باتاً، وأنه يسمح له فقط بالحديث مع مسؤول القسم دون الكتابة، وذلك من أجل تسوية قضيته، أو محاولة وضع الأخوة في الخارج في الصورة، ليقوموا بدورهم بتصحيح الخلل الذي حدث، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

 وقد يمكث عندهم أكثر من عشرة أيام، وتأتي منه (الموجه الأمني) رسائل تنظيمية، عن طريق شاويش القسم، على شكل كبسولة مختومة بخاتم الجبهة مثلاً، أو غيرها حسب التنظيم الذي ينتمي إليه المعتقل، تطلب منه الحديث مع شاويش القسم حول قضيته وتفاصيلها.

• الأسلوب الثاني:

حيث يكون معظم القسم من العملاء، الذين يجلسون في حلقات للحديث، ويبدأ كل واحد منهم في الحديث عن قضيته، وتدور معظم الأحاديث حول قضايا تشبه، أو تماثل قضية الرفيق المعتقل الجديد، ما يساعد على جرّه وتشجيعه على الحديث في قضيته، وكشف أسرار ومعلومات عنها. 
أحد الأسرى المحررين .. يتحدث حول تجربته في غرف "العصافير" فيقول: "العديد من المصائد والشراك تنصبها المخابرات للمعتقل، تكون متتالية ومتتابعة، مثلاً شركين أو ثلاثة شراك، وتتعمد المخابرات كشف هذه الشراك للمعتقل؛ حتى يعتقد أنه قد مرّ بالمصائد، واجتاز أسلوب "العصافير"، ثم ينصب له شرك رابع محبوك بإتقان، يقع فيه المعتقل، بعد أن ظن أنه قد تجاوز مرحلة شراك "العصافير" في المرات الثلاث الأولى، فالمخابرات لا تكتفي بشرك أو اثنين فقط. وهذه الأساليب متطورة، تتبدل وتتغير وتتجدد باستمرار، بحيث لا تبقى المخابرات على أسلوب واحد، ولذلك يجب افتراض وتوقع كل شيء، وليس أفضل من الصمت.. الصمت .. الصمت".
يضيف أحد الأسرى المحررين الذي عمل موجهاً أمنياً في معتقل "مجدو": "يجدر بالأسير التنبه إلى ملاحظة مهمة جداً، وهي أنه إذا اكتشف المعتقل العملاء "العصافير"، فالأصل ألا يشعرهم بأنه عرفهم وكشفهم، بل عليه أن يوهمهم بأنه قد انخدع بهم، ويمكن أن يعطيهم معلومات مضللة، بحيث تصل - عن طريقهم- للمخابرات معلومات تخدمه وتبرئه، أما إذا شعروا بأنه قد اكتشفهم فسيقومون بعمل شرك آخر له". ويضيف: "هناك شرك آخر قد يواجهه المعتقل، فقد يدخل إلى الزنزانة، ويجد بها شخصاً عميلاً يمثل دور معتقل مثله، وأنه قد أنهى كل جولات التحقيق، ويريد أن ينام ولا يريد الحديث مع أي شخص، وأن له مدة طويلة في التحقيق؛ الأمر الذي يوحي للمعتقل بأنه صادق ومسكين، فيبادر بالسؤال عن التحقيق ومراحله، وهنا يتثاقل العميل في الإجابة؛ لأنه مرهق ولا يريد الحديث مع أي شخص، ويقول للمعتقل بعد سؤاله له عن المدة التي قضاها في التحقيق وجولات التحقيق، أنه لم يبق لك سوى جولة واحدة، وهي جولة "العصافير"، ثم بعدها تخرج إلى السجن، عند الشباب والسجناء القدماء، ويقوم بتحذيره من "العصافير"، بل ويشرح له طرق عملهم، وعندما يذهب المعتقل عند "العصافير"، يكتشفهم بسهولة نتيجة لتحذير هذا العميل داخل الزنزانة، ثم يخرج المعتقل لجولة تحقيق عند المخابرات، حيث يقولون له "صحتين" أنك كشفت عملاءنا، وعندها يقولون له الآن انتهى التحقيق معك وسوف تذهب إلى السجن، وهذا هو الشرك الحقيقي والأصلي وتكون المرحلة التي سبقتها توطئة للشرك الأخير".
وهناك أسلوب حديث يستخدمه العملاء، وهو استخدام التلفونات والاتصالات، بعد أن انتشرت هذه التلفونات داخل السجون بشكل مهرب وغير قانوني، حيث يطلب العملاء من المعتقل الجديد، أن يتصل بمن يعرفهم في الخارج حتى يحذرهم ويخبرهم بأمره، ويطلعهم على حاله.

أما حول أساليب مقاومة المعتقلين لأساليب التحقيق الإسرائيلية وغرف "العصافير"، فيعدد أسير محرر من سجن "مجدو"، عمِلَ موجهاً أمنياً هناك، إرشادات عامة حول مواجهة ذلك:
1. يجب التركيز على عدم الاعتراف، حتى لو أوهمو المعتقل أن القضية مكشوفة، وأن أبناء القضية قد اعترفوا بكل شيء، ولا يغرنّه تحدثهم ببعض العموميات عن ما قام به ورفاقه.
2. الإحاطة علماً بأن التهديد بقانون "تامير" غير صحيح، وعلى المعتقل اليقين بأن عدم الاعتراف يفيد جداً في تخفيف الحكم.
3. أن دور الصديق، والشرير، الذي يقوم به المحققون، يجسّد مسرحية مكملة لبعضها البعض، فكلهم يعمل من أجل هدف واحد، وهو سحب الاعتراف، وتحطيم المعتقل نفسياً ووطنياً. 
4. التأكد أن التحقيق، بأغلبه، يعتمد على العامل النفسي، أكثر من العامل الجسدي.
5. عدم الإلتفات لما قد يقوله المحقق للمعتقل من عبارات تستهدف خداعه، مثل: اصمد يا بطل أياماً وأسابيع، وأنهم سوف يقولون عنك بطل في صمودك، ولا لوم عليك إن اعترفت بعد هذه المدة.
6. لا يعني مواجهة المعتقل بابن قضيته واعترافه أمامه نهاية المطاف، وأنه لا بد من الاعتراف، وهنا يجب الصمود وعدم الاعتراف. وهذا أمر واقع وليس مستحيلاً. وهناك نماذج من الإخوة أصحاب الهمم العالية سطرت أسطورة في هذا المجال.
7. على المعتقل أن يدرك أنه خاضع للتحقيق في كل فترة الاعتقال، وأن كل الخطوات التي تتم معه ليست صدفة، وأن من يقابلهم في الزنازين، أو الغرف  ليسوا صدفة، وأنهم في أوج التحقيق، إذ بعد 3-5 أيام من الشبح على الكرسي، ينزلونه إلى زنزانة انفرادية لوحده فترة قد تصل إلى عشرة أيام (لوحده أيضاً)، حتى يشعر أنه يحتاج للحديث مع أي شخص يأتي عنده، وحينها يأتوا إليه بعميل "عصفور"، يدخل معه في الزنزانة، فيكون اندفاعه للحديث بشكل كبير، ويمكن القول: إن معظم من يأتون عنده في فترة الزنازين يكونون من العصافير.
8. إن التنظيم الحقيقي داخل السجن، لا يطلب من أحد أية معلومات لم يعترف بها عند المخابرات نهائياً، ولا تحت أي ظرف أو مسمى.
9. إن عبارات الاتصال بالزملاء في الخارج، من أجل إصلاح الخلل، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتقليل الخسائر- كلها عبارات مخابراتية لا يستخدمها إلا العملاء من العصافير.
10. إن عبارات التهديد التي تستخدم ضد الأسير المعتقل، مثل معاقبتك، ووضعك تحت الحالة الأمنية، وبأنك مدسوس علينا وسوف نحقق معك، أو التهديد بالقتل، أو الضرب، أو التشفير، لا يمكن أن يستخدمها التنظيم الحقيقي، إنما هي عبارات كلها من صنع "العصافير" العملاء.
11. يجب أن يعلم الأسير أن وقوعه في الأسر، قد أنهى كل أشكال العمل مع رفاقه في الخارج، وأنه يعيش واقعاً جديداً، ومرحلة جديدة، تستلزم السرية التامة، وعدم محاولته الاتصال بالخارج تحت أي ظرف، وخاصة أثناء فترة التحقيق.
12. من اللافت للانتباه، أن بعض الأسرى الذين يملكون بعض المعلومات عن "العصافير" ينتبهون للشكل وليس للمبدأ، حيث يكونون حذرين إزاء شكل وأسلوب محدد من أشكال وأساليب "العصافير"؛ فإذا تغير الشكل، وقعوا بسهولة فريسة لهم. وهنا لا بد من تعليم الأسير المبدأ وليس الشكل، وهو السرية التامة، وحجب المعلومات بشكل كامل، عن أي إنسان، تحت أي مسمى أو هيئة.
13. إن من يخدعون من الأسرى ويقعون فريسة سهلة "للعصافير" العملاء، يخدعون بسبب قيام هؤلاء العملاء بإتيانهم والحديث معهم باسم التنظيم، أو اللجنة المركزية، أو الأمين العام، وما شابه ذلك، حيث يقود احترام الأسرى لهذه المسميات،للوقوع في حبائل العملاء بكل سهولة، عن جهالة. وهنا نقول بكل صراحة: إن التنظيم داخل السجن، وكل مؤسساته، لا يطلب على الإطلاق أية معلومات سرية لدى الأسير، لم يعترف عليها عند المخابرات.
14. إن الهالة والتضخيم التي تنسج حول شخصية رجل المخابرات، أو المحقق هالة مصطنعة؛ من أجل بث الرعب والخوف في نفس الأسير؛ ليكون ضعيفاً أثناء المواجهة مع ضابط المخابرات والمحقق أثناء جولات التحقيق، والحقيقة أن رجل المخابرات هو عبارة عن موظف مدرب على الخداع فقط، يكون همّه - في نهاية المطاف- العودة إلى البيت والزوجة بعد أن يقضي ساعات عمله اليومي.
15. لا بد من التنويه بأنه يوضع أجهزة تنصت داخل الزنازين، أو في الفتحات (فتحات التهوية)، التي تكون على هيئة شبابيك بين الزنازين، فليكن المعتقل على حذر من ذلك.
16. عدم الإنجرار وراء أساليب الحرب النفسية؛ فقد تسمع أثناء وجودك في مكاتب التحقيق، أو الشبح على الكرسي أصوات ضرب وصراخ وطرق أبواب بصوت عال جداً، وهذا كله مصطنع لبث الخوف والرعب في نفس السجين، وليس له رصيد من الحقيقة والواقع.
17. قد يهددونك (إذا لم تعترف) باستخدام التحقيق العسكري، وهذه أكذوبة؛ لأنك خاضع للتحقيق العسكري من أول لحظة تطأ فيها مكان التحقيق.
18. قد يخرج المعتقل أثناء مكوثه عند العملاء "العصافير" لمقابلة المحامي أو الصليب، فلا يجوز أن يعتبر ذلك عامل ثقة، ويعتقد خطأ أنه موجود عند سجناء شرفاء.
19. عدم الانخداع بما قد تلجأ إليه المخابرات في التحقيق من أشكال وأساليب مختلفة، ومنها تخويف المعتقل بجهاز كشف الكذب، ويتمثل في وضع االمعتقل على جهاز تسميه المخابرات جهاز كشف الكذب، وهو عبارة عن جلوس المعتقل على كرسي، ويقوم المحقق بوضع جهاز شبيه بجهاز فحص الدم، وكذلك بشبك أسلاك في أطراف الأصابع، وقبل الفحص بيوم يعطيك المحقق أسئلة خاصة بقضيتك لتقوم بدراستها بشكل جيد، ثم يقوم بتوجيه هذه الأسئلة لك في اليوم التالي، لتقوم بالإجابة عليها بعد أن يصوّر لك دقة هذا الجهاز ومصداقيته وعظمته ويمجده كثيراً. وهذا الجهاز يعطي إشارات للتوترات العصبية وافرازات العرق، ودائما – بشكل مقصود- يعطي صفة الكذب للمعتقل، لذلك يجب على المعتقل تحريك أي جزء من جسمه بدون أن يلاحظ المحقق، وبعد العرض على الجهاز، يتم نقل المعتقل إلى غرفة التحقيق، ليواجهه المحقق بشكل عصبي بأنه كذاب، وما ذلك إلا خدعة حتى يقتنع المعتقل وتنطلي عليه حيلة كشف الكذب، وأنه لا مجال إلا قول الحقيقة.
20. نتيجة لإنكار بعض المعتقلين لاعترافاتهم أمام "العصافير"، لجأت المخابرات إلى جعل بعض المحققين في غرف "العصافير" ملثمين؛ بدعوى أنهم من اللجنة الأمنية للتنظيم، فيقوم المعتقل بالاعتراف أمامهم دون معرفتهم، ثم بعد اعترافه يقومون بكشف اللثام عن وجوههم؛ حتى لا يستطيع المعتقل الإنكار.

..............................................................................................

وزارة الأسرى والمحررين، 3/1/2010م.