استغلال الأيدي العاملة الأسيرة في سجون الاحتلال الصهيوني، منقذ أبو علوان، 2006

تمهيد:
منذ إن بدأ احتلال الكيان الصهيوني لمناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، أمضى العديد من الفلسطينيين سنوات عمرهم داخل زنازين وسجون الاحتلال، هذه السجون التي انعدمت فيها أدنى الشروط الأساسية لحياة الإنسان، وذلك لإمعانها في استخدام أساليب ووسائل قهرية تنال من الجسد والروح للأسير، قاصدة من جراء هذه الأساليب القهرية ليس فقط معاقبة المقاومين الفلسطينيين، بل إنهائهم كفاعلين أساسيين على مسرح التاريخ.
ومن السياسات القهرية المؤلمة جسديا ونفسيا التي استخدمتها سلطات السجون هي سياسة فرض العمل أو إجبار الأسرى على العمل داخل المشاغل الإنتاجية التي أقامتها داخل السجون بهدف استغلال وجود الأسرى كسجناء لديها وتسخيرهم في خدمة الدولة المحتلِّة.
إن هذه الدّراسة اعتمدت على عينه موزعه من مدن الضفة الغربية وهي تتناول الفترة التي فتحت سلطات السجون فيها في نهاية عقد الستينات وحتى بداية عام 1980 حين تم وقف العمل نهائيا بفعل مقاومة الأسرى لهذه السياسات التدميرية التي انتهجتها سلطات السجون حيالهم، وبالتالي فهي تتحدث فقط عن فتره زمنيه ولم تتناول جميع السجون بشكل عام وإنما اهتمت هذه الدراسة فقط في الكشف عن دوافع وأسباب استغلال الأيدي العاملة الأسيرة في سجون الاحتلال، ونقصد بالسجون هنا السجون المركزية الخاضعة إلى إشراف مصلحة السجون الصهيونية وليس المعتقلات العسكرية.
هذه الدراسة كشفت عن آليات عقابيه قهرية استخدمتها سلطات السجون الصهيونية تتمثل في إجبار الأسرى على العمل، وأظهرت مدى الانحطاط الإنساني الذي تمت ممارسته على الأسرى الفلسطينيين من خلال إعادة إحياء العبودية وتجسيدها في جسم الأسرى بتشغيلهم بالسخرة لمصلحة الشركات الحكومية والخاصة الصهيونية.

الفصل الأول: مؤسسة السجن
- مقدمه نظرية:
اعتبرت السجون وسيلةً رادعةً، وعقاباً أليما لكل من يتمرد ويثور و يخرج على نظام وتقاليد القبيلة أو الحاكم، أو الدولة (السلطة) منذ القدم، فاعتبر المس بمصالح هذه السلطة والخروج عليها تهديدا لها ولأمنها، ويعاقَبُ مرتكبوه بالقتل، أو النفي، أو العزل داخل السجن عرف العقاب كأداة رادعة منذ القدم ويمارس ضد كل من يخرج عن طوع السيد، سواء كان ملكا أو حاكما أو حتى زعيم قبيلة ,وشهدت أدوات العقاب تحولات مختلفة نتيجة التغيرات والتحولات التي حدثت في نمط العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية التي شهدها النظام الاجتماعي (دوركهايم،1982: 97 ).
حيث اخذ العقاب أشكالا عدة منها العقاب ألمشهدي (فوكو,1981: 48).الذي يمارس فيه الحاكم قتل وتشويه الخارج عن القانون (قانون الحاكم) أمام الناس ليكون عبرة للآخرين، والعقاب المشهدي لا يهدف فقط قتل أو إنهاء حياة المخالف وإنما بشكله يعتبر وسيلة رادعة لمشاهدي هذا العقاب بهدف عدم تكرار الحدث نفسه، ويتضح ذلك لنا من خلال القصة التي ذكرها مشيل فوكو واصفا هذا النوع من العقاب المشهدي بما حدث لداميان Damiens في آذار من عام 1757 الذي تم سحبه وجره بالخيول، وتقطيع أوصال جسده أمام الجمهور، ثم حرقه على جريمة قتل أبيه.

- مؤسسة السجن والتحولات التي شهدته:
هي التحول في أشكال وسائل العقاب مع الانتقال إلى العصر الحديث وتحولها من وسائل مشهدية أمام الناس إلى مؤسسات مختصة يمارس فيها مجموعة من الأنظمة العقابية بشكل منظم وممنهج من خلف عيون الناس ,وأصبح ما يحدث داخل هذه المؤسسات العقابية هو فقط من شان القائمين عليها دون إن يكون للناس أي اهتمام حول تفاصيل وأشكال التعذيب الممارسة على السجناء .وهذه المؤسسات هي السجون التي شكلت نظاما من الأساليب القهرية اليومية للسجناء من حيث تحديد وقت الصحوة والنوم ونوع الأكل وكميته وساعات عمل السخرة .....الخ (فوكو، 1981 :50).
لقد أدت التحولات في النظم الاجتماعية للمجتمع الأوروبي الحديث إلى إدخال تحولات وتغيرات في أدوات العقاب التي تستخدم بحق الخارجين عن نظام الدولة وقوانينها. فقد أصبحت السجون تمارس سلطاتها الانضباطية للسجناء ضمن هيكلية مبرمجة، وفي هذا الاتجاه يرى فوكو إن المؤسسات العقابية تفرض نظما وإجراءات تلزم السجين القيام بها، فالسجن له طريقته وهيكليته المتعلقة به وحده، كما لو كان سلطه مضافة إلى الدولة أو المجتمع، وهو صورة أو وجه مركزي صارم لكل أنظمة الانضباط (فوكو، 1981: 39).
فهذا التصور الفوكوي للسجون في المجتمعات الحديثة يختلف إلى حد كبير عن السجون الموجودة في المستعمرات، الأمر الذي يجعلني أتساءل عن دى انطباق هذا الطرح الفوكوي على السجون الصهيونية ؟. فهذه السجون وبصورتها المحدثة نتيجة خضوعها لإشراف مؤسسات تشريعية وحقوقية ساهمت في تحولها وإدخال بعض التحسينات على شروط الحياة لنزلائها. فقد استمرت ورغم كل هذه التحولات بأداء دورها في ممارسة القمع والقهر بحق السجناء من خلال تأثيرها في الجوانب الاجتماعية والسيكولوجية لهم. ورغم هذه الصفات القهرية للسجون في المجتمعات الحديثة، إلا أنها تعتبر شكلا متطورا ومتقدما عن مثيلاتها التي بنيت في المستعمرات، ذلك لأن الحدث (السجن) لا يمكن إن يكون الحدث نفسه في حال تكراره بل يعاد إنتاجه بطرق مختلفة (يانج،2003: 191).
فإذا كانت هذه السجون وبسماتها القهرية تشكل الصورة الحقيقية لأدوات القمع في المجتمعات المتطورة، فكيف ستكون ألصوره المنسوخة في المستعمرات في ظل عدم وجود مؤسسات رقابية وحقوقية تشرف على شروط الحياة فيها؟.

- العمل في السجون:
ارتبط العمل داخل السجون منذ القدم بالعقوبة التي يجب على السجين إن يقضيها داخل سجنه، عقابا له على ارتكابه لمخالفة ما حسب قانون الدولة التي يعيش فيها، وقد مر العمل داخل السجون بمراحل مختلفة تبعا للتحولات الاجتماعية التي حدث في المجتمعات وهذه المراحل هي:

المرحلة الأولى:
كان العمل في حدّ ذاته عقوبة كاملة. ففي القرن السادس عشر كان العمل داخل السجون عبارة عن عقوبة خاصة للمتشرّدين والكسالى والمتسوّلين الذين يوضعون في السجون ويجبرون على العمل وكانت تسمّى سجون عمل Prisons de travail (نصر،2005: 2).

المرحلة الثانية:
أصبح السجن عقوبة رئيسة والعمل العقابي عقوبة تكميليّة تضاف لعقوبة سلب الحريّة. لذلك اتصفت نوعيّة الأعمال العقابيّة بالقسوة والشدّة التي تتناسب ونوع الجرم الذي ارتكبه السجين مثل الأشغال الشاقّة.، هذه الأعمال لا تبرز أهميتها فقط في قيمة العائد فيها بقدر ما تعتبر عقوبة إضافية تفرض على السجين مع عقوبة السجن نفسها كوسائل تحفر في جسد وذات السجين بعد خروجه من السجن وتردعه من تكرار المخالفة.

المرحلة الثالثة:
اعتبر العمل جزءا جوهريّا وأساسيّا في إصلاح السجين بل إحدى الحقوق الأساسيّة للمساجين التي نادت بها المؤتمرات الدوليّة لحقوق الإنسان. فمؤتمر بروكسال 1947 قال بضرورة العمل داخل السجون. وفي مؤتمر لاهاي 1950 ومؤتمر جنيف 1955 تمّ تأكيد نفس الشيء بل اعتبر العمل وسيلة للتأهيل والتهذيب والإصلاح (نصر، 2005: 2)، وهذا الشكل من العمل ساد في معظم السجون المنتشرة في العالم الغربي الحديث، وهو من نتاج مشروع الحداثة الأوروبي، ويرتكز هذا النوع من العمل بالأساس على إصلاح السجين وتأهيله من خلال استغلال قدراته وإمكانياته الابداعيه وتوجيهها للقيام بعمل ما داخل السجن وذلك بعد إن أصبح عمل السجين جزءا من العمليّة الإصلاحيّة والتأهيليّة.

الشكل التنظيمي لعمل السجين ومسألة قيمة عمل السجين:
رغم أهميّة العمل ألسجني ودوره في إصلاح المساجين وتأهيلهم، ورغم اتفاقه مع المبادئ الحقوقيّة العالميّة إلاّ أنّه مع بداية تطبيقها طرحت العديد من الإشكاليات القانونيّة والتنظيميّة خاصة عندما طرحت مسألة جني ثمار عمل السجين ومسألة المقابل الذي سيحصل عليه هذا الأخير نتيجة لعمله. فمن جهة لا يمكن حرمان السجين من المقابل المادي بعد عمل ثماني ساعات أو أكثر، ومن جهة ثانية، برز على الساحة السجنيّة الهدف الاقتصادي للعمل خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار انخفاض تكلفة إنتاج العمل ألسجني نتيجة انخفاض الأجور.
ولعلّ هذا ما شجع على ظهور السجون الخاصة التي يديرها أصحاب رؤوس الأموال ضمن مشاريعهم الاقتصاديّة الربحيّة (نصر، 2005: 3 ). هذه الأرباح المتحققة من وراء تشغيل السجناء دفعت الكثير من الشركات الخاصة للتسابق على ضمانة السجون من أجل تشغيل السجناء بهدف تحقيق الربح.وعموما هناك ثلاثة أصناف من التنظيم القانوني للعمل ألسجني لها علاقة مباشرة ببروز فكرة استغلال السجناء لتشغيلهم داخل السجون من خلال الشركات الخاصة وهي:

أوّلا: نظام المقاولة:
ظهر نظام المقاولة بشكل واسع في بداية القرن الـ19 ولكنّه اختفى واتخذ صورا أخرى. وكما تدل تسميته هو عبارة عن اتفاق أو عقد عمل أو إجارة بين إدارة السجن وأحد المقاولين من القطاع الخاص حيث تتعهد إدارة السجن بتوفير اليد العاملة (المساجين) مقابل تشغيلهم وجني ثمار عملهم وتوفير كل مستلزمات عملهم وحياتهم المعيشة اليوميّة مثل الأكل واللباس والإقامة. بحيث يختفي دور الإدارة السجنيّة بصفة كليّة. وبالتالي لا يمكن الحديث لا عن إصلاح ولا عن تأهيل لأنّ ما يهم المشرف عليهم (المقاول) هو الربح.

ثانيا: نظام الاستغلال المباشر:
على النقيض من النظام السابق تحتل الإدارة العقابيّة في نظام الاستغلال المباشر مكانة متميّزة في الإشراف على المساجين فهي التي تقرّر نوع العمل وتوفر المواد الأوّليّة وتشرف عليهم فنيّا وإداريّا، كما تتولّى التوزيع والتسويق. في المقابل عليها توفير كل مستلزمات السجين. وهنا أصبحت الإدارة السجنيّة تتحدث عن اكتفاء ذاتي وعن الربح الناتج من عمل السجين..

ثالثا: نظام التوريد:
نظام التوريد هو عبارة عن نظام وسط بين النظامين السابقين إذ لا تتولّى الإدارة كليّا عمليّة تشغيل المساجين ورعايتهم كما هو الحال في نظام الاستغلال المباشر كما لا تتخلّى كليّا عن مسؤوليتها كما هو الحال في نظام المقاولة. بحيث تتعاقد إدارة السجن مع أحد رجال الأعمال الذي يلتزم بتوفير الآلات وكل مستلزمات العمل وله حق الحصول على ثمرة عمل المساجين مقابل إن يدفع مبلغا من المال لإدارة السجن مع تنازله عن الإشراف على المساجين لصالح الإدارة. فصاحب رأس المال لا سلطة له سوى استغلال عملهم (نصر مصدر سبق ذكره) .

- أهداف تشغيل السجناء:
تتبع الحكومات المختلفة برامج تأهيلية مختلفة للسجناء داخل السجون لتهيئتهم بعد إطلاق سراحهم للتعايش مع الظروف الجديدة التي سيواجهها السجين بعد إطلاق سراحه من السجن .
ومن ابرز هذه البرامج التأهيلية التدريب المهني، كتعلم بعض الحرف المختلفة التي تمكن السجين بعد الإفراج عنه من بدء مشروع خاص به يعتاش منه ويساعده على فتح صفحة جديدة مع المجتمع الذي يعيش فيه . وعملية التشغيل ترمي بالأساس إلى تحقيق الأهداف التالية.
1. إن تشغيل المساجين داخل المنشأة الاعتقالية، كما نصت الندوة العربية الإفريقية حول العدالة الجنائية والإصلاحات ألسجينيه التي عقدت في تونس عام 1991 على أنه يساعد على توفير دخلا للسجناء يستطيعوا من خلاله (الدخل) ألمساهمه في نفقات سجنهم، وتوفير مبالغ معينه يستغلوها بعد خروجهم من السجن أو ألمساهمه في مصروفات واحتياجات عائلاتهم في خارج السجن، كما إن حالة السجين المادية داخل السجن لها انعكاس على الأوضاع والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والعائلية خارج السجن(غانم، 1985: 12).
2. إن عملية التشغيل للسجناء داخل السجون كما ترى اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم وآسرهم في الرياض تسعى إلى إعادة تشكيل سلوك الفرد وإصلاحه من خلال التأهيل المهني، وإكسابه عادات العمل، إلى جانب إن العمل داخل السجون يشغل السجين ولا يعطيه فرصه على تعلم مفاهيم وسلوكيات جديدة تتعارض مع المفاهيم السائدة خاصة المنافية لسياسة النظام الحاكم، وذلك لان الاعتقال يسمح بوجود تجمعات داخل السجن، تسهم في نشر وتعميم والاستفادة مما يسمى بثقافة السجن¨،والتي تتضمن جزءا منها على مفاهيم للحرية والديمقراطية، وثقافة السجن تعتبر ردا فعليا على الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي السابق لوجود النزلاء داخل السجن (غانم، 1985: 308 ).
3. هدف اقتصادي ربحي ويتمثل بالاستفادة من الأيدي العاملة الرخيصة خاصة تلك التي تنتج حرف ويتم تسويقها خارج إطار مؤسسة السجن، وتعود الفائدة بالأساس للقائمين على تمويل هذه المشاريع، إلى جانب إن عملية التشغيل خاصة في صيانة أجهزة ومباني مؤسسة السجن لا يكلف ألمؤسسه أموال طائلة لان السجناء لا يتلقون إلى مبالغ زهيدة نظير قوة عملهم، تحت مسميات إن العمل يساهم في تخفيف توتر المساجين¨
4. هدف عقابي خاصة تلك الأعمال الشاقة والتي تفرض على السجناء الذي ارتكبوا مخالفات جنائية كبرى.بشكل عام هذه الأهداف التي تسعى الدول إلى تحقيقها من خلال تشغيل السجناء الجنائيين الذين ارتكبوا مخالفات مختلفة بحق النظام العام، ويختلف الأمر كليا تجاه السجناء السياسيين، خاصة في الدول غير الديمقراطية أو التي تعيش تحت سلطة احتلال.
ورغم أننا نتحدث عن السجون في المجتمعات الحداثويه التي تتواجد فيها هيئات ومنظمات دوليه تدافع عن حقوق الإنسان والسجناء، إلا انه في هذه الدول أيضا كان يتم استغلال الأيدي ألعامله السجينة في الأجر من جانب مشغليهم، حيث إن الدولة الساجنة بالإضافة  إلى رأس المال المشغل للسجناء كانا طرفا قويا في العقد مع العمال السجناء وفي نفس الوقت يعاملونهم على أنهم مجرمون أو خارجون عن القانون.
وبالتالي فأن شعار العمل من أجل الإصلاح والتأهيل بحد ذاته يعتبر مؤشرا على استغلال الأيدي العاملة السجينة في هذه البلدان . فالهدف من تشغيل السجناء ليس دفع الأجر لهم نظير بيع قوة عملهم وإنما إصلاحهم وتأهيلهم وحصولهم على امتيازات في سجنهم وبالتالي استغلال السجناء كأيدي عامله رخيصة في سوق العمل.
وطالما إن هذه الدول الرافعة لشعارات الديمقراطية والتحرر والمحافظة على حقوق الإنسان كانت تمارس هذا النوع من الاستغلال القاسي بحق الأيدي العاملة السجينة مع مواطنيها وفي مجتمعاتها، فأن الوضع سيكون أكثر سوءاً تجاه الأيدي العاملة السجينة داخل سجون المستعمرات المغيب عنها بالكامل أي هيئه أو مؤسسه تدافع عن حقوق الإنسان أو السجناء.
فالسجون في المستعمرات تختلف من حيث الشكل والسياسة والهدف الذي وجدت لأجله، فهي وجدت على ارض ليست أرضها، والمعاقبة شعب أخر ليس شعبها، والمحاربة مفاهيم وقيم وأخلاق تسعى لاجتثاث سلطاتها . فهذه السجون تسعى إلى قتل وعزل السجين ونفيه وتعطيل الحياة بشكل كامل أو جزئي لنزلاء هذه السجون،، فهي نسخة محولة للسجن الصهيوني وصورة استعماريه له Nashif,2004;91))، وبالتالي فهي مصممة بشكل أكثر فظاعة .فهذه السجون لا تسعى فقط لتعطيل الحياة أو عدم إصلاح وتأهيل السجناء، بل تسعى لقتل كل ما هو إنساني وادمي للأسرى الفلسطينيين من خلال العزل والنفي والتعذيب والذي يعتبر احد أشكاله تشغيل الأسرى الفلسطينيين في منشاّّت عسكريه أو غير عسكريه لصالح إدارة السجون، هذا العمل الذي يعتبر من أسوء أشكال الاستغلال لقوة العمل الأسيرة، بالإضافة  إلى كون هذا العمل كانت يجعل الأسير في حالة صراع نفسي رهيب جراء ذلك.إن تشغيل الأسرى الفلسطينيين في منشاّت صهيونية بشكل إجباري أو اختياري يعتبر شكلا من أشكال الاستغلال اللاإنسانية تتنافى مع الاتفاقيات الدولية لحماية الأسرى، علما إن عمل السجناء داخل السجون ليس منِّّه من إدارة السجن الذي يقيم به الأسرى، وإنما هو حق لهم نصت عليه المواثيق الدولية ذات الاختصاص والتي كان أخرها ميثاق جنيف عام 1949 م، والتي تنص على عدم إجبار الأسرى على العمل وعدم جواز عملهم في منشئات عسكريه وتوفير عمل امن لهم (السعدي، 1985:216)، وبالتالي فان تشغيل الأسرى في مصانع تابعه للجيش الصهيوني تعبر خرقا واضحا لهذه الاتفاقيات وذلك لعدم توفر إرادة حقيقية لدى العامل (الأسير) في قبول أو رفض شروط العمل، فظروف الأسر قميئة للغاية، وقبول الأسير بشروط العمل لم يكن بدواعي وجود مقابل، وإنما من أجل الخروج من زنزانته أو خوفه التعرض لتعذيب همجي وحشي جراء رفضه القيام بهذه الأعمال، وقبل الخوض في ظروف تشغيل الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال لابد لنا من التطرق إلى الظروف الموضوعية التي عاشها الأسرى الفلسطينيين منذ بدء عمليا الاعتقال التي تبعت احتلال عام 1967.1.4.

- الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال:
بدأت المقاومة الفلسطينية المنظمة مع تشكل التنظيمات وممارسة نشاطاتها النضالية ضد قوات الاحتلال فكبدته خسائر في الأرواح والمعدات وتكبدت هي الأخرى خسائر فسقط منها الشهداء والجرحى وزج بالكثير من مناضليها في السجون الصهيونية، ورغم إن أفرادا من عناصر الثورة الفلسطينية قد دخلوا السجون قبل العام (1967)، إلا إن بعض المصادر ترجع بداية الحياة الاعتقالية للسجناء الفلسطينيين لعام (1965)* .إلا أنه من المؤكد إن قوات الاحتلال قد نفذت حملة اعتقالات واسعة وجماعية عقب احتلال كامل فلسطين، وهذا أدى إلى تراكم أعدادهم داخل السجون حتى غدا كل بيت أو عائلة فلسطينية تعرف إجراءات الاعتقال وظروفه لوجود شخص لها داخل المعتقلات.
ويقدر عدد الذين تم اعتقالهم ما بين عامي (1978 ولغاية عام 1985) ما نسبته (25%) من عدد سكان الضفة الغربية وقطاع غزة وهذا يعني أنه يوجد سجين من كل بيت فلسطيني تقريبا (الهندي، 2000: 7).
وفي بداية الانتفاضة الأولى بلغ عدد المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال حوالي 175000 معتقل (الصياد،1995 :71).وكان الجزء الأكبر من هؤلاء المعتقلين هم من فئة الشباب أي إن أعمارهم كانت تتراوح ما بين (15- 25) سنه في الغالب وقد شكلت نسبة المعتقلين الذين تقل أعمارهم عن (25) سنة (50%) من مجموع المعتقلين في الضفة الغربية وقطاع غزة (دعنا، 1993: 13).
وهذا العدد الهائل من الذين تم اعتقالهم في الانتفاضة الأولى هو من الطلاب والأيدي العاملة الشابة** .
تركيز سلطات الاحتلال الصهيوني  على التعذيب النفسي للأسرى داخل السجون خاصة الذين انهوا مرحلة التحقيق من خلال التركيز على الذات وليس الجسد ومحاربة الأسرى بشتى الوسائل، حتى أنها أنكرت عليهم أسماءهم واستعاضت عن الأسماء بأرقام يستدل بها على المعتقل، ويصبح ذلك بمثابة اسم له يتم التعامل به طيلة فترة وجوده في الاعتقال (الحق،2001 :34)، كذلك استمرارها في استخدام الحرمان والقلة (النقص) في شروط الحياة من الأكل والشرب والهواء وحيز المعيشة، وإمعانها في ممارسة القمع والإذلال النفسي للأسرى من أجل تفريغهم من محتواهم الوطني والقومي وإخراجهم من ساحة الانتماء الفلسطيني كحد أدنى وتصفيتهم جسدياً كحد أقصى، وإبراز المعتقلات كبديل موضوعي لأعواد المشانق التي كان نصبها بمثابة عنصر تثوير للمنطقة، وبهذا يكون خيار الموت البطيء جسميا ونفسيا الذي انتهجته الصهيونية داخل المعتقلات هو الخيار الأقل ضرراً (رجوب، 1984: 21).وهذا ما دفعهم إلى ابتداع وسائل تعذيبية أكثر ضررا من الموت بحق الأسرى، ومن هذه الوسائل والأشكال كانت عملية تشغيلهم في منشئاتها تحت تأثير العنف والقوة.
 
- تعذيب الأسرى من خلال إجبارهم على العمل:
استمرت سلطات السجون (أداة تنفيذ العقاب) في قهر السجناء الفلسطينيين حتى في مجرى حياتهم اليومي وضبطته بوظائف يوميه قاهره اعتبرت كقانون. حيث حددت لهم وقت الصحوة من النوم في الصباح لكي تجري العدد الصباحي للسجناء وحددت وقت الفطور، وحددت وقت النزهة (الفورة)، ووقت الغداء والعشاء والعدد المسائي وغيرها من الآليات القهرية اليومية التي هي في حقيقة الآمر أساليب قهرية تعذيبية موجهه إلى روحهم بهدف قتلهم من الداخل، وتحويلهم إلى كائنات فارغة المحتوى.
فسلطات السجون تعاملت مع الأسرى منذ لحظة اعتقالهم على أنهم ليسوا بشرا يستحقون الاحترام بل مجرمون ومخربون وقتله، وبالتالي فقد حددت جوهر العلاقة والمعاملة معهم مسبقا (القيمري، 1981: 61 ).
إن ما نقصده بالتعذيب هنا هو ليس ما يتعرض له الأسرى أثناء عملية اعتقالهم، أو أثناء مرحلة التحقيق (الاستجواب) فهذه المرحلة قاسية جدا لا يستطيع القلم وصف بشاعتها وقسوتها، وإنما نقصد به (التعذيب) ما يتعرض له الأسرى أثناء وجودهم في الأسر من تعذيب نفسي وجسدي من خلال إجبار الأسير على ممارسة بعض الأعمال التي تتنافى مع قناعته وانتمائه الوطني، كإجباره على العمل في منشئات عسكريه داخل السجن، هادفة من وراء ذلك إنهاء أو القضاء على الأسير سياسيا ونفسيا وإنسانيا وبالتالي إلغائه وإخراجه من القاموس الوطني (المصدر نفسه: 64 ).
إن إجبار الأسرى على العمل داخل السجون الصهيونية إلى الأذهان مرحلة العبودية التي اعتقد الناس أنها ولت دون رجعه، إلا إن تشغيل الأسرى داخل السجون أعاد لها مجدها، حيث كان يجبر السجان الأسرى أثناء تنفيذهم أي أعمال بشكل إجباري بالهتاف للعبودية والصهيونية (القيمري، 1981: 69) حيث كان يجبر الأسير على مخاطبة السجان أثناء قيامه بأي عمل بلفظة سيدي وفي حال تناسى الأسير ذلك أو نسيه فان الأسير كان يتعرض إلى أسوء تعذيب عرفته البشرية، وهذه ألكلمه( سيدي) تعتبر شكلا من أشكال تجسيد العبودية التي سعى السجان لفرضها على الأسرى (عنقاوي،1995: 33).

- المجالات التي أجبر الأسرى على العمل بها في المرحلة الأولى:
عمل الأسرى بشكل إجباري داخل السجون في مجالات مخصصة وبشكل مخطط ومبرمج من جهة إدارة السجون هادفة من وراء ذلك الحط من كرامة وإنسانية الأسير وخلق نوع من الصراع الداخلي في نفسه وبين الأسير ومجتمع الأسرى بشكل عام وهذا ما سعت إليه إدارة السجون في الفترة التي تلت هزيمة (1967)، وهذه المجالات هي:
1. تشغيل الأسرى في معدات الجيش الثقيلة، حيث قامت بفتح ورشات لصناعة جنازير الدبابات في سجن عسقلان وأصبح الأسير المقاتل القادم من خلف الحدود من أجل تدمير دبابات وآليات العدو صانعاً لها تحت ضغط الضرب بالعصي الذي كان يوصل السجين إما للقبر أو يعيده مغسلا بدمائه في حال رفضه القيام بهذه الأعمال، وهذه الأساليب كانت تضع الأسير في حالة صراع نفسي دائم نتيجة قيامه بهذه الأعمال إلى جانب أزمته ومآسيه النفسية والاجتماعية بسبب وجوده داخل الاعتقال (الدمج،1993: 76 ).
2. العمل في صناعة شباك الدبابات أو ما يعرف بشباك التمويه¨ وهذه أيضا كان لها تأثيرا نفسيا رهيبا داخل نفوس الأسرى، وقد كانت سلطات السجن تمارس عمليات تنكيل ضد الأسرى حتى أثناء قيامهم بهذا العمل الإجباري(تنظيم المسيرة خلف القضبان: 63).
3.العمل في صناعة الحصر: الحصر هي جمع حصيره وهي عبارة عن أرضيه تصنع من القش وكان الأسرى يجبرون على الجلوس عليها أثناء النهار ويمنعون من الجلوس على فراشهم، لذا فان إدارة السجن أجبرت الأسرى على العمل في صناعة هذه الحصر بعد إن فتحت مرفقا لصناعتها.( المصدر نفسه ).
4. العمل في البناء: اجبر الأسرى على العمل في هذا الفرع خاصة الأعمال ألتوسعيه للسجون كإضافة أقسام جديدة أو بناء زنازين جديدة لاستيعاب أسرى جدد (المصدر نفسه ).
5 تنظيف غرف الضباط والسجانين والساحات العامة في السجن ..
6-غسيل الملابس وكيها للسجانين . وبشكل عام فقد كان الأسرى يتعرضون إلى ضرب وإهانات أثناء قيامهم بالعمل ما لم يكن يحدث للعبيد في عهد العبودية، رغم إن الأسرى كانوا يبدون مقاومه شديدة لهذا العمل، وهذه المقاومة كانت تكلفهم وجبات ضرب اضافيه .وبعد قيام الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال بالإضراب عن الطعام في عام 1972 والذي كان إضرابا مطلبيا رفع من خلاله الأسرى عدة مطالب من أجل تحسين شروط حياتهم في السجن كان من أهم هذه المطالب الكف عن إجبار الأسرى بالعمل في مرافق صنع جنازير وشباك التمويه للدبابات إلى جانب تحسين شروط العمل في المرافق الأخرى، الأمر الذي جعل سلطات السجون بالاستجابة لبعض مطالب الأسرى وإعادة النظر في بعض السياسات التي انتهجتها حيال عملية التشغيل (المصدر نفسه :65 ).إن استجابة سلطات السجن لمطالب الأسرى بالكف عن إجبارهم على العمل لم يكن نتيجة لشعورها بارتكاب خطيئة بحق الإنسانية جمعاء، وإنما نتيجة لإعادة صياغة أهدافها في ضرورة تحديث نظامها القمعي تجاه الأسرى، حيث أنها أدركت إن هدف تشغيل الأسرى ليس الإذلال الجسدي والضرب فقط، وإنما يجب إن يصاحبه أعمال تؤثر في البنية النفسية للأسير نفسه، خاصة بعد ظهور دور المؤسسات الدولية التي تعنى بشؤون السجناء كالصليب الأحمر على سبيل المثال . إن السياسة الجديدة المنتهجة لم تكن من أجل حفظ كرامة الأسير الفلسطيني، وإنما تهدف إلى إفراغ الأسير الفلسطيني من محتواه الوطني والسياسي، خاصة بعد افتضاح أشكال إذلالها للأسرى الذي حملته بداية هذه المرحلة والتي تمثلت في ترسيخ العبودية والقهر (القيمري، 1981: 76 ).

-المرحلة الثانية من تشغيل الأسرى وتجميل صورة العمل:
.بدأ يظهر في داخل المجتمع السجيني بفعل عمليات المأسسة التي أقامها الأسرى الفلسطينيين بعض أشكال التلاحم والتعاضد والتضامن بفعل تشابه الظروف القاهرة التي عاشها الأسرى الفلسطينيين أوجدت فيما بينهم توحدا قائما على أساس التشابه في العذاب والآلام، وبالتالي أصبحت لديهم روابط من حيث التشابه، قادت إلى انسجام بين هذه الذوات المفردة، ساهم في إيجاد نوعٍ من التلاحم والتضامن الاجتماعي (دوركهايم، 1982 :125) أضاف إلى توحد هدفهم النضالي الذي سجنوا من اجله عاملا جديدا شكل فيما بينهم قاسما مشتركا أسهم فيما بعد بوجود مجتمع أسيري منظم، والضرب هذا التلاحم والتضامن وتفتيته لجأت سلطات السجون إلى إعادة النظر في سياستها المتبعة حيال الأسرى والتي كان يسودها الاستعباد الجسدي.
إن عملية تشغيل الأسرى كان إحدى الوسائل التي اتبعتها سلطات السجون من أجل ضرب وتفتيت أللحمه الأسيرة وذلك من خلال عمليات تزين صورة العمل داخل هذه المنشئات الاعتقالية في نظر الأسرى أنفسهم، هادفة من وراء ذلك إلى نزع الأسير الفرد من حضن جماعته الأسرى عبر العمل، ليس فقط بإلغاء صفة العبودية والإذلال عنه، بل بإيجاد مصالح شخصيه للفرد الأسير لخلق تناقض مع جماعة الأسرى، بمعنى انه لا يجوز للجماعة (الأسرى ) بحرمان الأسير (الفرد) من العمل الذي يحقق امتياز شخصي له في ظروف اعتقال ما دام شرط الإذلال والقهر قد انتهى، وبدأت بتزيين العمل وتصويره وكأنه وسيله لتحسين أوضاع الأسير نفسه ومنحه بعض الامتيازات التي تخفف عبء الاعتقال عنه (القيمري، 1981: 76) . وبالتالي فسلطات السجون في تغيرها لهذه السياسة لم تكن تهدف إلى حفظ كرامة الأسير أو إعطائه بعض الامتيازات، وإنما تسعى إلى تغير صورتها بالأساس خاصة بعد فضح ممارساتها وأشكال إذلالها للأسرى الذي حملته المرحلة السابقة من الإذلال والعبودية. وبالتالي بدأ يلمس الأسرى الفلسطينيين تبعات هذا التغير من خلال إدخال أنواع جديدة في العمل خاصة في سجن الرملة وعسقلان والتي كانت تعود بعائد نوعا ما للأسرى وهذه الأعمال هي:-
1. العمل في صناعة الحقائب حيث اشرف على هذا العمل احد مسئولي المصنع ويدعى (بيرمن) الذي افتتح فرعا لمصنعه في المعتقل بالاتفاق مع إدارة السجن، وكان ينتج هذا المصنع كافة أشكال وأحجام المصانع الجلدية، (تنظيم المسيرة خلف القضبان :65).
2. العمل في صناعة المماسح القماشية وكان يشرف عليها نفس فرع المصنع ونفس الشخص السابق وكان الأسرى يتلقون نفس الأجر.
3. العمل في الكرخياه: مرفق إنتاجي لصناعة الدوسيات والأوراق الرسمية للدوائر الحكومية والكرتون.
4. العمل في المنجرة وكان هذا المرفق يشكل رافدا اقتصاديا هاما لشركة تنوفا الصهيونية (عنقاوي،1995: 214).
5. . أعمال التنظيف الداخلية (داخل غرف الأسرى ) والخارجية في الساحات
6. الحلاقة، غسيل الملابس وكيها وإعداد الطعام وغيرها من الأعمال التي يستفيد منها الأسرى أنفسهم.
7. أعمال البناء لأهداف توسيع السجون.
8. صناعة الشموع المستخدمة في أعياد اليهود( عنقاوي،1995 :147).
1.8- الامتيازات التي منحت للأسرى العاملين داخل السجون.
سعت سلطات السجون في تعاملها مع الأسرى الفلسطينيين فيما يخص تشغيلهم على خلق شرخ داخل صفوفهم خاصة بعد إضرابهم عن الطعام عام 1972 من خلال إدخال بعض التعديلات على عملية التشغيل لبعض الأسرى، حيث أوقفت استخدام الضرب الجسدي لهم وتوجيه الإهانات ولجأت إلى إعطاء امتيازات للأسرى العاملين من أجل تعزيز الرغبة في العمل، وقد شعر الأسرى بتبعات هذه السياسة من خلال ما لمسوه من عائدات هذه العمل والتي تمثلت في:
1. دفع أجرة عمل يوميه للأسير توضع في حسابه الخاص بكانتينه السجن هذه الأجرة التي لا تعادل قيمة عمل عدة دقائق خارج السجن خاصة أولئك الأسرى الذين كان يتم تشغيلهم في فروع مصانع الحقائب والمماسح والكرتون، حيث كان يتقاض الأسير أجرة عمل يوميه تساوي احد عشرة أغوره صهيونية أي ما يعادل ثمن عشرة سجائر من النوع الرديء (الخنتريش).
2. إعطاء الأسير العامل عشرة سجائر يوميه إضافية في الوقت الذي كان يحصل في الأسير غير العامل على أربعة سجائر فقط (عنقاوي، 1995: 239).3. منحت سلطات السجون خاصة سجن بئر السبع للأسرى إمكانية مزاولة الألعاب الرياضية، خاصة كرة السلة وجعلتها امتيازا للأسرى العاملين في مرفق البناء فقط¨ (تنظيم المسيرة خلف القضبان، بلا: 1 ).
4. امتياز التشمس وهي إعطاء الفرصة للأسرى العاملين بتعريض أنفسهم لأشعة الشمس لفترات أكثر من غيرهم (عنقاوي، 1995: 35) .5. زيادة كمية الطعام وزيادة وقت الزيارة للعاملين بأشياء قليلة نسبيا (تنظيم المسيرة خلف القضبان: 66)بالنظر لهذه الامتيازات التي قد تبدو تافهة لكل من لا يعرف الأسر لدى الاحتلال، إلى إن الأسرى كانوا يرونها عظيمة جدا خاصة تلك التي تتعلق بأدنى شروط الحياة الإنسانية والتي كفلتها كل الشرائع والمعتقدات مثل أشعة الشمس والتنفس والأكل، التي كان يتقاضها الأسرى نظير عملهم في مرافق السجون .
هذه الأعمال التي كانت تفرض على الأسرى القيام بها، والتي تعتبر شكلا من أشكال الاستغلال الجسدي والنفسي للأسرى بشكل لا إنساني أو أخلاقي مجسدة العبودية في طورها الأول دفع الأسرى إلى تحديد مواقف فيما بعد لمقاومة هذه السياسات الرامية إلى تفريغهم من محتواهم الفكري والوطني، والهادفة لخلق فاصل رئيسي للجسد عن تركيبته السابقة في النظام الاجتماعي والأفعال، فهي تهدف إلى فسخ ميدان الجسد كقوة وكموضوع Nashif,2004;111)).

- انعكاسات السياسات التشغيلية المتبعة على مجتمع الأسرى:
إن القوانين الصهيونية فيما يخص السجون الجنائية تنص على إن إدارة السجن ملزمه بتوفير العمل للسجين أثناء وجوده داخل السجون وهذا ما تدعيه مصلحة السجون الصهيونية، أي إن الالتزام يقع على عاتق إدارة السجن، على اعتبار إن العمل من حق السجين بصفته إنسانا، وانه لا يجوز سلب هذا الحق منه، لأنه يساهم في تطور السجين الشخصي ويصقل مهاراته وينميها، كذلك فهو يعتبر عاملا أساسيا في إصلاح السجين وإعادة تأهيله ليعود إلى المجتمع كفرد فاعل ومنتج .
وهنا نتحدث عن السجين الصهيوني الجنائي الذي يختلف وضعه ومكانته وأهداف سجنه عن الأسير الفلسطيني، لان السجون الصهيونية المعدة للأسرى الفلسطينيين هي محوله عن السجون الصهيونية وصوره استعماريه لها كما ذكرنا سابقا وبالتالي فأهداف العمل والتشغيل للأسرى تختلف كليا عنها لدى السجناء اليهود. هذا الاختلاف الذي يستهدف الوجود الإنساني والاجتماعي كبشر اّدمين ومنذ اللحظة الأولى لاستغلالهم كايدي عامله داخل سجون الاحتلال وإجبارهم على العمل بالقوة، أسهم في إن يتولد لديهم (الأسرى ) مشروعا للمقاومة، أدى إلى تحسين شروط العمل القائمة على أساس العبودية والقهر إلى شروط عمل ليست إنسانيه بحدها الأدنى، وإنما اللطف إلى حد ما من خلال ما رفعته سلطات السجون من شعارات لتجميل صورة العمل والتي تمثلت في إن "العمل يخفف من معاناة الاعتقال، والعمل يخفف من وطأة الفراغ القاتل ويقضي على الملل والروتين اليومي، والعمل يحقق امتيازات للأسير لا يحصل عليها الأسير عير العامل " (عنقاوي، 1995: 238 ). هذه الشعارات الامتيازات كان لها دورا رئيسيا في وجود وجهتين نظر داخل مجتمع الأسرى في السجون وهما :

- الأولى: رحب أصحاب هذه النظرة بافتتاح مرافق العمل لشعورهم إن العمل يساهم في قتل الروتين ويحقق امتيازات على الصعيد الشخصي، ويستطيع من خلاله الأسير الخروج من زنزانته وتنفس الهواء والتعرض لأشعة الشمس والحركة، واكتساب مهارات جديدة، أي السعي خلف تحقيق امتيازات شخصيه، وبالتالي لم يكن لدى هذه الفئة أي معارضه للقيام بأي عمل يطلب منهم (القيمري، 1981 :77) .
-الثانية : رفض العمل في هذه المنشآت الاعتقالية خاصة الأعمال التي تتعارض مع قيم ومفاهيم ونضالات الأسرى كالعمل في جنازير الدبابات وشباك التمويه، وطالب إن يكون العمل في هذه المرحلة كما حدث في سجن عسقلان إن يعمل الأسرى في خدمة مؤسسات إنسانيه كطباعة الكتب للمكفوفين والصم، إلى إن إدارة السجن رفضت ذلك (عنقاوي،1995: 35).
لم يكن في بداية التجربة الاعتقالية لدى الأسرى الفلسطينيين موقفا متبلورا وواضحا تجاه العمل في المرافق الصهيونية التي فتحت لها فروعا داخل السجون الصهيونية، الأمر الذي فتح باب الاجتهاد أمام الأسرى حول هذا الموضوع كما ذكرنا سابقا، إلا انه وبعد تشكل مجتمع الأسرى وتمأسسه داخل السجون بفعل تراكم الخبرات الاعتقالية، ونضوج الفكر المقاوم لدى الأسرى بفعل عمليات المأسسة التي أظهرت للأسرى العاملين حقيقة الرؤيا الصهيونية اتجاههم، وان هذه الامتيازات التي قدمت لهم ليست سوى أقنعه وقفازات حريرية تخفي قباحة العلاقة التي تربط السجان بهم والتي تظهر علانية مع الأسرى غير العاملين (عنقاوي، 1995: 239) .الأمر الذي مكن الأسرى فيما بعد إلى رفض العمل داخل المنشاّت الاعتقالية الصهيونية الهادفة لإذلالهم وخدمة سجانيهم، مما دفعهم لمحاربتها للأسباب التالية:
1. إن إدارة السجون الصهيونية حولت الالتزام في العمل لصالحها، بمعنى انه حقا لها في تشغيل الأسرى، وبالتالي أخذت تشن على الأسرى حربا لا هوادة فيها من أجل إجبارهم في العمل بمنشئاتها كيفما ترى ويحلو لها، بمعنى انه ليس من حق السجين إن يعمل في المجال المناسب له وان العمل ليس من حق السجين، بل هو منه من إدارة السجن تشغل من تشاء وتحرم من تشاء وفي المجال الذي يحلو لها (القيمري،1981: 77).
2. إن إدارة السجون لم توفر العمل للأسرى كافة بل أنها عمدت على تشغيل بعض الأسرى وحسب اختيارها هي، بمعنى إن العمل لم يكن متوفرا لجميع الأسرى، وهذا يدل على إن إدارة السجون كان لها أهداف خاصة في تشغيل بعض الأسرى، وتتجلى هذه الأهداف في خلق جو من التصارع والتصادم داخل جسم الحركة الأسيرة، وبالتالي تفتيت هذا الجسم، إلى جانب أنها تسعى من خلال هذه التجزئة والتخصيص في التشغيل إلى ربط بعض الأسرى ليصبحوا أداة طيعة تخدم مصالح الإدارة وتتجسس على إخوانها.
3. إن العمل والتشغيل في كل السجون يكون الهدف منه الإصلاح والتأهيل للسجين، بهدف إعادة إنتاجه من جديد ليخرج للمجتمع كفرد فاعل ومنتج، في حين إن المجالات التي تم تشغيل بعض الأسرى فيها لا تمت للإصلاح أو التأهيل المهني بأي صله (المصدر نفسه، 77).
أي إن التشغيل كان يهدف إلى استغلال هذه القوه (قوة العمل ) الأسيرة لخدمة مصالح إدارة السجون دون النظر لأي فائدة يحققها أو يجنيها الأسرى، وبالتالي فعملية التشغيل بحد ذاتها هي شكل من أشكال العقاب والإذلال للأسرى وتحويلهم إلى أيدي طيعة خادمه في كيان كانت أصلا هذه الأيدي تسعى إلى هدمه وتدميره.
4. خلق واقعين داخل السجن، واقع عمالي والأخر غير عمال، وبالتالي وجود منهجين في التفكير ومصلحتين متعارضتين في المصالح، فالعامل بمكانه التنزه والخروج والأخر محروم من ذلك، مما يسهم ذلك في خلق نوع من التصادم بين هذين الواقعين.
5. فسخ وتحطيم بنية المؤسسة الاعتقالية التي بناها الأسرى عبر تضحياتهم من خلال خروج الأسرى العمال على أنظمة وضوابط هذه المؤسسة وانفلاشهم عليها¨.
6. إشغال وقت الأسير عن القراءة والتعلم والتثقيف والتعبئة الوطنية الثورية والتنظيمية وبالتالي خروجه إلى العمل يسهم في سياسة التجهيل التي كان يمارسها الاحتلال.
7. الخروج للعمل في منشئاّت الاعتقال من شأنه إن يستغل إعلاميا للإساءة لسمعة المناضل الفلسطيني، خاصة إذا عمل في بناء السجون لاستيعاب أخوة لهم أو منشئات عسكريه.
يتضح لنا من خلال هذه العرض السابق إن العمل داخل السجون لم يكن من أجل منفعة الأسرى بالأساس، وإنما وسيلة من وسائل التعذيب والقمع الذي يتعرض له الأسرى، ومتمما لسياسة التدمير الذاتي للأسرى، بمعنى انه استكمالا لمخطط التصفية والإنهاء للمناضل الفلسطيني، خاصة إذا ما نظرنا إلى طبيعة الأعمال التي كانت تفرض على الأسرى وإجبارهم على تنفيذها.
هذه الأعمال التي لا تساهم في اكتساب أي مهارة، أو وعي وثقافة للأسير ولا تدر دخلا ماديا عليه، وإنما تهدف إلى خلق تناقض بين الأسير وذاته، والأسير وجماعته، بالإضافة  إلى إنها من الوسائل التي تسعى إلى إعاقة نمو وتطور مواهب الأسير وقتلها، بل أنها لم تدخل أي تحسننا لشروط حياة الأسرى العاملين أنفسهم . كذلك فان هذه الأعمال كان تقوم على أساس استغلال اقتصادي بشع للأسير كونه كان يتلقى أحيانا (اغورات) معدودة لا تساوي قرشا أردنيا نظير عمل يوم كامل، خاصة في المراحل الأولى (القيمري،1981: 78). وتعدد الوسائل سواء الترهيبية أو الترغيبية التي ابتدعتها سلطات السجون من أجل تشغيل الأسرى تستدعي إجراء دراسات وأبحاث للكشف عن أسباب ودوافع عملية تشغيل الأسرى، والبحث عن ما هي شكل الاستغلال ونوعه للأيدي العاملة الأسيرة؟، هذا السؤال الذي نسعى للإجابة عليه من خلال بحثنا هذا.

الفصل الثاني: المنهجية
لقد تم الاعتماد في هذه الدراسة على المنهج البحث الكيفي، لأن هذه الدراسة تبحث عن معاني ومفردات ومفاهيم ذات معنى بالنسبة للفاعلين الاجتماعيين (الأسرى ) شكلت لهم فيما مضى أحداثا مأساوية ما زال جزءا كبيرا منها محفورا في نفوسهم وبالتالي فان هذه المعاني والمفردات لا يمكن تكميمها بأي شكل من الأشكال.

-أهمية الدراسة:
توجد العديد من الكتابات حول أوضاع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال قام بكتابتها مجموعة من المؤلفين الذين عاشوا تجربة الاعتقال، هذه الكتابات عبارة عن حالات وصفية لطبيعة الظروف الموضوعية التي عايشوها، وهي كتابات وصفية يغلب عليها الطابع الشخصي والتنظيمي أكثر من الطابع العلمي، وهي بشكل مختصر عبارة عن أرشفة لتاريخ هؤلاء الأسرى الكتاب.
وهذه الدراسة هامه جدا من وجهة نظر الباحث وذلك لعدم وجود دراسة تناولت هذا الموضوع، وبالتالي فمن الأهمية بمكان تناول هذا الموضوع بشكل علمي وفي حال نجاح هذه الدراسة فإنها ستكون أول دراسة علمية حقيقية تتحدث عن استغلال الأيدي ألعامله الفلسطينية السجينة في سجون الاحتلال حيث تسهم في فضح أساليب الاحتلال اللاإنسانية التي كان يمارسها بحق سجناء الحرية، وستعتبر أيضا مساهمه متواضعة في إضافة معلومات جديدة في البحث العلمي.

- مشكلة الدراسة وتساؤلاتها:
تتمثل مشكلة الدراسة في محاولة التعرف على أشكال الاستغلال للأيدي العاملة الفلسطينية السجينة داخل سجون الاحتلال الصهيوني، وإظهار دوافعها وأسبابها، وكيفية مقاومة الأسرى الفلسطينيين لهذه السياسة من خلال رفضهم لشروط العمل الجائرة التي كان يفرضها السجان وتنظيم العمل داخل السجون، وبالتالي فان هذه الدراسة تسعى لفحص الأسئلة الفرعية التالية.
1. ما هو نوع الاستغلال التي كانت تعاني منه الأيدي العاملة الأسيرة الفلسطينية داخل سجون الاحتلال؟.
2. هل كانت الأيدي العاملة الأسيرة تتقاضى أجرا مقابل عملها ؟ وما هو شكله؟.
3. هل كان يترك الخيار للأسير في قبول أو رفض شروط العمل داخل المنشاّت الصهيونية ؟.
وما هو نوع العمل الذي كان يسمح فيه للأسرى القيام به ؟.
4. هل تنسجم عملية تشغيل الأسرى في السجون الصهيونية مع المواثيق الدولية ذات العلاقة ؟.
5. كيف قاوم الأسرى الفلسطينيين عملية استغلالهم كايدي عامله في السجون ؟.
6. ما مدى مطابق الرواية الصهيونية التي تدعي إن عملية التشغيل الأسرى تعتبر شكلا من أشكال الإصلاح والتأهيل لهم ؟. وهل كان كذلك أم شيء أخر؟.

2.3 - أداة البحث.
لقد اعتمدت الدراسة على المقابلة المعمقة مع الأسرى الفلسطينيين الذين عاشوا تجارب طويلة في الأسر منذ البداية وحتى بداية انتفاضة الأقصى، خاصة هؤلاء الأسرى الذين عاشوا في الفترة التي فرض فيها العمل وعانوا من الاستغلال لهم كسجناء داخل السجون، هذه الفترة التي امتدت منذ عام 1967 والغاية عام 1980، وهذه الطريقة من أفضل الطرق في جمع البيانات السردية المكثفة، بالإضافة  إلى المؤلفات التي كتبها الأسرى أنفسهم لتوثيق تجاربهم غير الموثقة.

-مجتمع الدراسة:
يتكون مجتمع الدراسة من أسرى فلسطينيين خاضوا التجربة الاعتقالية وعايشوها منذ البداية وحتى عام 2005، والذين يتواجدون في الضفة الغربية، وسوف يتم التركيز على الأسرى الذين واكبوا التحولات التي حدثت في السجون منذ عام 1967 وحتى عام 1985، وعاشوا تجربتهم الاعتقالية في السجون المركزية إلى جانب أننا سوف نختار العينة من الأسرى الذين عاشوا فترات تاريخية مختلفة خاصة الفترات التالية:-
1. 1967 والغاية 1972.2. 1973 والغاية 1977 .3. 1978 والغاية 1985 .واختيارنا لهذه الفترات التاريخية المختلفة يعود إلى إن هذه التواريخ مرتبطة بمرحلة تشغيل الأسرى، إلى جانب إن الأسرى يعتبروها (التواريخ السابقه) فواصل هامه في تاريخ الحركة الأسيرة.

الفصل الثالث: تحليل نتائج الدراسة ونقاشها
لابد لنا من الإشارة هنا من خلال تحليل النتائج إلى وجود اختلاف ببين طبيعة الأعمال المختلفة التي كانت تنفذ من سجن إلى أخر، بالإضافة  إلى إن ليس جميع الأسرى الفلسطينيين كان يتم إجبارهم على العمل، فالأسرى المحكومين بالمؤبدات كان يتم استثناء نسبه عالية منهم ولا يتم تشغيلهم خوفا منهم.
بدأ العمل في سجون الاحتلال مع بداية الحياة الاعتقالية للأسرى الفلسطينيين، خاصة تلك الفترة التي عقبت احتلال مناطق الضفة العربية وقطاع غزة عام 1967، في معظم السجون التي جهزت لاستيعاب المقاومين للاحتلال، هذه الظاهرة (تشغيل الأسرى) استمرت عدة سنوات في معظم السجون، وتجدر الإشارة إلى إن المرحلة التي تم إجبار الأسرى فيها على العمل لم تكن طويلة، وكما عبر أحد الأسرى بقوله أنه "تم إيقاف العمل تدريجيا منذ عام 1976 في سجون بئر السبع والخليل ونابلس وغيرها، واستمر العمل في سجن عسقلان حتى عام 1980 " حيث تم إيقاف العمل بشكل نهائي في كل السجون الصهيونية المعدة للأسرى الفلسطينيين، نتيجة سلسلة الإضرابات عن الطعام التي قام بها الأسرى احتجاجا على سياسة التشغيل التي كانت تمارسها إدارة السجون، بالإضافة  إلى إتباع الأسرى سياسة التخريب الاقتصادي فكما عبر احدهم عن ذلك بقوله " كنا نسعى إلى تخريب كل شيء وتدميره من أجل إلحاق اكبر قدر ممكن من الأذى في هذه المشاغل لنثبت لهم عدم جدواها ".
هذه الوسائل الكفاحية التي اتبعها الأسرى لمقاومة العمل في سجون الاحتلال أسفرت عن وقف العمل في كل السجون باستثناء سجن عسقلان والسبب في ذلك هو إن هذا السجن كان مغلقا ويعيش عزلة تامة أمام حركة التنقلات للأسرى، وبالتالي بعد رفع العزلة عنه، وقدوم أسرى جدد كانوا قد عاشوا تجارب كفاحية غنية في سجون أخرى أسهمت في إقتداء أسرى هذا السجن (عسقلان) بالسجون الأخرى،وبالتالي انضموا إلى كافة السجون المركزية [1] ورفضوا العمل الذي يهدف إلى خدمة إدارة السجون والمنشئات الاقتصادية الصهيونية بالمطلق، وبذلك يكون تم القضاء على هذه السياسة التي هدفت إلى تحويل الأسرى لمجرد أشياء تعمل وتأكل وتنام في ظل القهر، والتساؤل الذي يطرح نفسه هو لماذا كان يتم تشغيل الأسرى ؟ وما هي الدوافع والأسباب الحقيقية وراء عملية التشغيل ؟؟؟.

-دوافع تشغيل السجناء (الأسرى ).
كما أفاد الأسرى الذين تمت مقابلتهم فان البدايات الأولى للحياة الاعتقالية التي عاشها الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، اتسمت بالإمعان والمغالاة في قهر الأسرى نفسيا وجسديا، من خلال إتباعها وسائل عقابيه قهرية قاسيه، هيئت ظروفا وشروطا نفسية لدى الأسير بالانصياع لإرادة السجان أحيانا وفي مواضيع عدة كالعمل مثلا، حيث وجد الأسير في ذلك متنفسا خاصة في بداية الاعتقال حينما كان يحظر على الأسرى الخروج إلى الفورة [2] من أجل التشمس إلى مرة واحده ولمدة نصف ساعة في اليوم أو يوم بعد يوم، بالإضافة  إلى نوعية الأكل السيئة للغاية، حيث ذكر احدهم انه "كان يحضًّر لهم الطعام من بذور ذرة المكانس المنزلية"، هذه الظروف وغيرها سهلت على إدارة السجون مهمة إجبار الأسرى أو فرض العمل على الأسرى دون مقاومة في بداية الأمر، حيث وجد الأسرى في ذلك متنفسا لهم ليستطيعوا من خلاله تنفس هواء اقل تلوثا من هواء غرف السجن، كذلك فإنهم يستطيعون تشميس أجسادهم التي تفشت فيها الأمراض الجلدية (الفطريات) نتيجة الرطوبة وعدم كشفها للشمس، كذلك الأمر نفسه بالنسبة للحركة، فداخل الغرف الضيقة بالإضافة إلى ضيق حيز المعيشة فيها لا يستطيع الأسرى التحرك بسهولة، مما أدى ذلك إلى تكاسل عضلات أجسادهم (القيمري،1981: 77 ).هذه الحاجات الفسيولوجية (تنفس الهواء،التشمس، الحركة)، بالإضافة إلى حاجات أخرى كزيادة عدد السجائر التي كانت تمنح للأسرى العاملين نظير عملهم، شكل إغراءا لبعض الأسرى المدخنين في تقبل العمل دون إبداء مقاومه في بداية الأمر، حيث كان يوزع على جميع الأسرى مخصصا يبلغ الخمسة سجائر يوميا وكما تحدث بعض الأسرى فقد كان الأسير العامل" يحصل على أجره يوميه تتكون من أربع سجائر وكأس من الشاي في سجن الخليل "، " وستة سجائر في سجن نابلس "، "وعلبة سجائر كاملة في سجن بئر السبع "، " وضربا مبرحا إلى جانب خمس سجائر في سجن عسقلان "
إن الأجرة التي كان يتقاضاها الأسرى نظير عملهم لم تكن موحده في كل السجون، والسبب في هذا التفاوت يعود إلى الفرق في المراحل التي قطعها الأسرى في إعادة ترتيب أنفسهم ومؤسستهم الخاصة بهم . وهذه الأجرة بغض النظر عن تفاوتها فهي لا تساوي أجرة عمل دقائق معدودة مقارنة مع الجهد المبذول في العمل، هذا المقابل (الأجرة) سواء كان قضاء لحاجات فسيولوجية كما أسلفنا أو زيادة في عدد السجائر وكأسا من الشاي أسهمت في خلق حافزا لدى بعض الأسرى من أجل القبول بالعمل نوعا ما.
ومن خلال المقابلات التي أجريت مع الأسرى فقد استطعنا إلى الوصول والتعرف على حقيقة الأسباب والدوافع لدى إدارة السجون في عملية تشغيلها للأسرى الفلسطينيين وهذه الدوافع هي:

أولا: الدافع الاقتصادي.
من خلال ما تم جمعه من بيانات من الفاعلين الاجتماعين (الأسرى ) في هذه الدراسة تبين لنا إن العامل الاقتصادي شكل أهم دافعا في عملية تشغيل الأسرى في سجون الاحتلال، ويتضح ذلك من طبيعة المشاغل التي تم إنشائها في السجون وتخصصاتها الصناعية التي كان يعمل في إنتاجها الأسرى، وتخصص السجون في إنتاج سلع محدده وهذه التخصصات نظهرها حسب تخصص كل سجن على حدا كم هو مبين بالاتي:-
1. سجن نابلس أقيم فيه مشغلا لإنتاج الأكياس البلاستيكية وتم تشغيل الأسرى في هذا المشغل، ومنتجات هذا المشغل لم تكن فقط من أجل تلبية الاحتياجات المحلية فقط كما يقول الأسرى وإنما كان يتم تصدير كميات كبيرة جدا إلى دول شرق آسيا خاصة الصين، وهذا ما عبر عنه احد الأسرى من الذين اشتغلوا في هذا المشغل أثناء فترة سجنه " كنا نجبر على العمل من الساعة التاسعة صباحا والغاية الساعة الرابعة عصرا بشكل متواصل في صناعة الأكياس البلاستيكية، وحين كان أحدا منا يجلس من أجل الراحة كان السجان ينهرنا[3] ويوبخنا ويقول السفينة بدها تحمل هذا الأسبوع على الصين "، وعبر أسير أخر" كنا ننتج كميات هائلة من الأكياس وبأحجام مختلفة تفوق حاجة سلطات الاحتلال الصهيوني  والأردن، حيث كنا نعمل بشكل متواصل ".
2. سجن رام الله، كان متخصصا في إنتاج الورق (الكرخياه )، وكان يعمل في هذا القسم الأسرى المحكومين ويمنع الأسرى الموقوفين من ذلك.
3. سجن الخليل، اجبر الأسرى في هذا السجن على العمل في تغليف الأقلام بالورق، وتجميع الأدوات الكهربائية على شكل علب ومفاتيح وكما عبر احد الأسرى فانه " لم يكن هناك مشغلا في سجن الخليل بل كان يتم إخراجنا إلى غرفه خاصة نقوم نحن العمال بتجميع العلب الكهربائية وتغليف الأقلام بشكل يومي ولمده تزيد عن ثلاث ساعات يوميا ولا نعرف إذا كانت بهدف تصديري أم لا ".
4. سجن بئر السبع في هذا السجن كان متخصصا في صناعة شباك التمويه لوجود مخيطة كبيرة فيه، كذلك تم فتح منجرة كبيرة وكانت تستوعب أعداد هائلة من الأسرى العمال وكانت متخصصة في صناعة الصناديق الخشبية، تخصصات سجن بئر السبع كانت متعددة ومختلفة المجالات حيث كان في هذه الفترة توجد أيضا أعمال بناء توسعيه لإضافة أقسام أخرى للسجن من أجل استيعاب الأعداد الجديدة من الأسرى، عمل جزءا من الأسرى في هذه التخصصات المختلفة، فالمخيطة كانت بالإضافة لصناعة شباك التمويه معدة لصناعة الملابس بأحجام مختلفة ويتم شحن هذه المنتجات في أحيان كثيرة إلى الأسواق الخارجية، وعلى حد تعبير احد الأسرى " اشتغلنا مجبرين في المخيطة عتالين، وتعلمنا الخياطة من خلال العمل، وكنا ننتج كميات كبيرة جدا، وعلمنا من الحراس إن هذه البضائع تصدر للخارج " وهذا يعني إن عملية تشغيل الأسرى في هذه المنشئات هي أعمال بهدف التجارة والربح.5. سجن نفي ترتسا وهو سجن للنساء ويضم سجينات جنائيات صهيونيات والسجينات الأمنيات الفلسطينيات، هذا السجن كان يتم إجبار الأسيرات الفلسطينيات فيه على نسيج القبعات الصوفية للجنود، إلى جانب طوي ضمادات الجروح وتغليفها من أجل استخدامها في المعركة، وهذا العمل الإجباري أيضا كانت الأسيرة تحصل على أجره نظير عملها بعض السجائر المعدودة أو بعض النقود التي تساوي قيمة السجائر الممنوحة للمدخنات، وغالبا كانت الأسيرات لا يرفضن العمل خوفا من انتقام السجينات اليهوديات على قضايا جنائية، حيث كان هناك تواطؤ بين إدارة السجن مع تلك الجنائيات اللواتي كن يعتدين على الأسيرات الفلسطينيات.(كمال، 1986: 45).
وبشكل عام فان تشغيل الأسرى في المنشئات الاعتقالية المختلفة سواء كان في مجال الإنتاجي للسلع المصنعة بهدف التجارة أم الإنتاج بهدف الاستخدام العسكري كشبك الدبابات أو في الإنشاءات العمرانية التوسعية الخاصة بالسجون، فان هذه الأعمال كانت بهدف ودوافع تحقيق الربح المطلق. وذلك لان فائض القيمة التي تحققه إدارة السجون من خلال استغلالها للأيدي العاملة الأسيرة اقتصاديا عالي جدا، بمعنى إن أنتاج العامل الأسير طوال يوم عمله دون إن يتلقى مقابله اجر يذكر سوى بعض السجائر التي لا تتجاوز قيمتها الشرائية عمل دقائق معدودة، يرفع معدل فائض القيمة التي تحصل عليه إدارة السجن وهذا كان يحقق لها أرباح طائلة جدا، لعدم وجود أي اجر يذكر أو كما عبر احد الأسرى بقوله "كنا نتمنى إن نكون أيدي عامله رخيصة فالأيدي العاملة الرخيصة تتلقى أجرا نوعا ما , وإنما نحن أيدي عاملة مجانا ببلاش" وهذا مؤشر على إن الدافع وراء تحقيق الأرباح من قبل المستثمرين _إدارة السجن أو رجال أعمال يهود متعاقدين معها _هو الذي دفعهم لإنشاء وفتح مواقع تشغيله داخل السجون لاستغلال هذه الأيدي العاملة اقتصاديا بطريقة ليس لها مثيل.

ثانيا: الدافع السياسي:
إن اعتقال المقاومين الفلسطينيين لم يكن أصلا بهدف تشغيلهم من أجل تحقيق الأرباح , وإنما معاقبتهم على اثر قيامهم بأعمال نضالية مناهضه للاحتلال , بمعنى إن عملية الاستغلال للأيدي العاملة الأسيرة كان لها أهداف سياسية أيضا وليست فقط اقتصادية وهذا ما عبر عنه احد الأسرى بقوله"مرددا لكلمة قالها موشي ديان وزير دفاع سلطات الاحتلال الصهيوني  آنذاك الذي قال" سنجعل من الأيدي التي تطلق النار على أطفالنا ومواطنينا ,أيدي تصنع الألعاب لأطفالنا " بمعنى إن عملية التشغيل للأسرى كانت تسعى إلى تدجين هؤلاء الشباب الذين لم ينصاعوا لأوامر جيش الاحتلال وقاوموه إلى تحويلهم لمجرد أشياء فارغة المحتوى تعمل ساهرة من أجل تحقيق الرفاهية للمواطنين الصهاينة. كذلك فعملية التشغيل في هذه المنشئات على طريقة السخرة (العمل بالمجان) تركت الأسير يعيش في متناقضات داخلية مع نفسه فهو المقاوم للاحتلال والمسجون في سجنه يعمل بالسخرة في تطوير وتعزيز آلته العسكرية المحتلة وهذا ما عبر عنه احد الأسرى بقوله"كنا نعمل في نسج شباك التمويه وكان الحراس (السجانين) يقولون لنا هذا الشبك من أجل إن يحمي جنودنا من القتلة جماعتكم، كنا نتمنى إن تنشق الأرض وتبلعنا حينها " وهذا يوضح وبشكل جلي إن إقبال الأسرى على العمل في هذه المنتجات لم يكن طوعيا بل إجباريا ورغم انه كذلك , فهو يشكل صراعا نفسيا لدى الأسير.
وبالتالي فالهدف السياسي وراء ذلك يكمن في عملية إعادة إنتاج الأسير داخل السجن من خلال فرض الهيمنة على الجسد والذات وضبطه على اعتبار إن القهر والتعذيب والضبط والتشغيل بالسخرة إجباريا تتشكل رادعا مستقبليا لهم خلال هذه الإجراءات العقابية الصارمة والتي تمارس ضد الأسرى المقاومين وبالتالي فهي شكل من إشكال فرض الهيمنة والسيطرة والرقابة والفاعلية اعتبارا من الجسد الفردي إلى الجسد الاجتماعي للأسير في الخارج (فوكو ,1981: 35).
فهناك اعتقاد لدى إدارة السجون بان احتفاظ الأسير بهذه الذكريات الأليمة التي عاشها في السجن سوف تضبطه بعد الإفراج عنه، وبالتالي ضبط المجتمع , وبهذا الشكل عبر إحدى الأسرى بقوله" إنهم يريدون تصفيتنا جميعا ليس فقط قتلنا بل نزع إنسانيتنا منا".
كذلك يتجلى الدافع السياسي أيضا في استغلال الأيدي العاملة الأسيرة وتشغيلهم إجباريا في هذه المنشات بدافع محاربة أي فرصه يسعى من خلالها الأسرى للاصطفاف والتوحد وخلق جسم خاص بهم ينظم حياتهم داخل السجن ويدافع عنهم , وبالتالي فان عملية تشغيل الأسرى لساعات طويلة تنهكهم وتجعلهم يعودون إلى غرفهم تعبون باحثين عن الراحة والاستعداد ليوم عمل جديد , أي انه لا يوجد وقت معهم للجلوس في جلسات خاصة بالأسرى , هذه الجلسات التي كانت تسعى لمحاربة الأمية وتثقيف الأسرى وتعليمهم وتعبئتهم تنظيميا من أجل رفع مستواهم الثقافي والنضالي أو كما عبر احد أسرى بقوله" لقد كان تشغيلنا سببا في تأخير بناء الجسم التنظيمي في السجون , وكانوا يريدونا أميين , مجرد أجساد فارعة المحتوى " .
- إجبار الأسرى على العمل مخالفه قانونيه:
إن عملية استغلال الأيدي العاملة الأسيرة في سجون الاحتلال بدوافع اقتصادية وسياسية كما بينا أعلاه تتنافى مع المواثيق الدولية ذات العلاقة، والتي تدعوا إلى احترام إنسانية الإنسان وخصوصيته، وعدم إكراهه على القيام بأي عمل يمس بآدميته وقناعته، وهذا يتضح جليا في القسم الثالث من اتفاقية جنيف التي تتناول موضوع عمل أسرى الحرب والتي تدعوا إلى معاملة أسرى الحرب العاملين في منشئات الدولة الحاجزة، بنفس المعاملة التي يعامل فيها مواطني الدولة الحاجزة للأسرى (السعدي، 1985: 217)، أي يجب على الدولة الحاجزة احترام الأسرى ودفع الأجرة المناسبة لهم نظير عملهم في المنشئات ألأمنه، وليس إهانتهم أثناء العمل وإعطائهم سجائر معدودة نظير عملهم مستغلة حاجة الأسير المدخن للسجائر، كما إن هذه المواثيق والاتفاقيات تدعوا إلى عدم تشغيل الأسرى في أي عمل له صبغة عسكرية أو حربية (المصدر نفسه )، وهذا عكس ما كان يقوم به الأسرى في صناعة شباك التمويه التي تستخدم للأغراض العسكرية في سجن بئر السبع وجنازير الدبابات في سجن عسقلان (الدمج، 1993: 76). وبالتالي فان ما تعرض له الأسرى في سجون الاحتلال من إجبار على العمل واستغلال قواهم العاملة يعتبر مخالفا للاتفاقيات والمواثيق الدولية ذات العلاقة ويعتبر ندبة في جبين دولة سلطات الاحتلال الصهيوني التي تدعي الديمقراطية وفتحت سجونها أمام الشركات الحكومية والخاصة لإقامة مشاغل إنتاجية من أجل استغلال الأسرى وتشغيلهم بالسخرة وإعادة عصور الظلام البائدة.

- تشغيل الأسرى إصلاح وتأهيل أم استرقاق وعبودية!!
بعد حدوث الثورة الصناعية في أوروبا شهدت الحياة العامة تحولات عامه على مستوى الفرد والمجتمع، وهذه التحولات التي حدثت أسهمت في نقل المجتمعات إلى عصر المدنية والتنوير، أطلق على هذه المرحلة اسم الحداثة أو عصر التنوير، هذه الحداثة طالت جميع المؤسسات على مستوى الدولة والمجتمع، وانعكس ذلك أيضا على المؤسسات العقابية خاصة السجون التي كان لها نصيب في ذلك بتحولها حسب ميشيل فوكو من مؤسسة تعتمد على العقاب المشهدي إلى مؤسسه تعتمد آليات حداثويه تعتمد على العقاب الروحي (النفسي) كما ذكرنا في مقدمة الدراسة.
تحديث آليات العقاب على السجناء عكس نفسه على العمل الذي كان يقوم به السجناء، وبالتالي شكل العمل تحول من عمل في جوهره العقاب من خلال الأعمال الشاقة، إلى عمل يهدف إلى تنمية قدرات الإنسان وتطويرها من أجل إعادة إنتاج السجين ليعاد دمجه في المجتمع كفرد فعال ومنتج، وهذا ما تدعيه السجون في العصور الحديثة.
والسؤال الذي يطرح نفسه إلى أي مدى تشبه سجون الاحتلال (سجون المستعمرات) هذا الطرح الحداثوي في الدور الإصلاحي [4] والتأهيل ؟.
أولا: العمل كوسيلة للإصلاح. من خلال دراستنا هذه تبين لنا إن الأعمال التي كان يجبر الأسرى على تنفيذها لا تمت بأي صلة كانت لأي عملية إصلاح وتأهيل، فإصلاح ماذا !! وهل الأسرى معاقون اجتماعيا حتى يتم إصلاحهم !!! أم إن النضال ضد الظلم والطغاة يعتبر مرضا بحاجة لعلاج كل من يمارسه ؟؟. الأسرى الفلسطينيون وحسب تعبيرهم ليسوا بحاجة لإصلاح اجتماعي، فقد اجمع الأسرى الذين تناولتهم هذه الدراسة على إن نضالهم ضد الاحتلال ومغتصبي أرضهم حسب تعبيرهم، هو عمل وطني وخلاق، تشرعه لهم الديانات والمواثيق الدولية والإنسانية جمعاء، فهم ليسوا مجرمين ومخربين كما يدعي الاحتلال الذي أسرهم، بل إن احتلال الشعوب واستغلال مقدراتها وسرقة خيراتها كما تفعل سلطات الاحتلال الصهيوني والرأسمالية الغربية من خلفها وكل من يدعم ويساهم في هذه الاعتداءات يعتبر مريضا نفسيا واجتماعيا، وهو من يكون بحاجه إلى عمليات تعديل سلوك وإصلاح وعناية، أو كما عبر احد الأسرى بقوله " نحن مقاومون للاحتلال ولسنا مجانين ومرضى لكي يصلحونا، بل نحن نسعى إلى علاجهم وإصلاحهم وإعادتهم من حيث أتو ".
وبالتالي فالأسرى لا يرون بأعمالهم النضالية أي خروج عن ما هو مشرع لهم في حقهم بالنضال والتحرر، في حين إن ممارسة دور مؤسسة السجن كمؤسسة إصلاحية يمكن إن يمارس على السجناء اليهود الجنائيين بهدف تعديل سلوكهم الإجرامي والمنحرف من أجل إعادة دمجهم في مجتمعهم، كما تدعي ذلك مصلحة السجون الصهيونية كما ذكرنا سابقا .

ثانيا: العمل كتأهيل
إذا نظرنا إلى مفهوم التأهيل كمفهوم فهو يعني "إعادة التكيف الاجتماعي وإعادة علاقات الفرد بالمجتمع الخارجي وإزالة الأعراض التي أدت إلى ذلك ومساعدة الإفراد على استغلال قدراتهم ومواهبهم في القيام بالعمل الذي يلاءمهم حتى يستطيعوا إعالة أنفسهم وأسرهم "(حسن، 1975 :507)، ويعرف التأهيل أيضا على انه" استعادة قدره أو قدرات مفقودة بعد إن أصابها سوء " (الحنفي، 1978: 224)، كما يعرف التأهيل أيضا على انه عمل يسعى إلى إعادة المرء أو الشيء إلى وضعه السابق أو إلى عهده السالف بمعنى تامين الشروط الاجتماعية أو الاقتصادية الكفيلة بتمكين الفرد أو الجماعة من ممارسة عمل يكفي لسد الحاجات المادية ويتيح المجال أمام الانخراط في سلك المجتمع (العيسوي،1997: 37)، وتعرفه منظمة العمل الدولية، بأنه استراتيجية تندرج في إطار تنمية المجتمع المحلي وتهدف إلى تحقيق التأهيل وتكافؤ الفرص والاندماج الاجتماعي لجميع الأشخاص الذين أعاقهم ظرف ما (نشره سنابل، 1997: 8).
إن العمل كشكل من أشكال التأهيل للسجين من أجل إعادة دمجه في المجتمع وتخفيف الفجوة بينه وبين المجتمع نتيجة سنوات الانقطاع التي يعيشها السجين داخل السجن فهو أمر متبع في غالبية السجون في العالم، باستثناء سجون المستعمرات التي على شاكلة سجون الاحتلال التي يقبع فيها الأسرى الفلسطينيون، رغم إن اتفاقية جنيف قد تناولت ذلك فيما يخص أسرى الحرب حيث تنص على وجوب إن يحصل أسرى الحرب على التدريب اللازم لعملهم وتأهيلهم من أجل القيام بأعمال بعد خروجهم من السجن (السعدي، 1985 :217) .فهل حقا وحسب المفاهيم السابقة للتأهيل تم تأهيل وتدريب الأسرى في سجون الاحتلال مهنيا بحيث يستطيعوا العمل بعد خروجهم من السجن في المجال الذي تدربوا عليه وتعلموه كما تدعي الرواية الصهيونية حول تشغيل الأسرى ؟؟.
إن طبيعة الأعمال التي تم استغلال الأسرى فيها لا تترك أي أثرا تدريبيا أو تعليميا يستفيدوا منه بعد خروجهم من السجن كما يرى الأسرى، حيث انه تم استغلالهم في الأعمال التي تحتاج إلى قوة عمل وكما عبر احد الأسرى " لقد أهلونا سلبا من أجل إبعادنا عن الحياة النضالية والفكرية، بل سعوا لتحويلنا إلى أدوات، كان بدهم إيانا اله منتجه فقط ونوكل ونشرب وننام، فهم أهلونا سلبا ولم ناهل تقنيا، فطبيعة الأعمال التي كنا نجبر على القيام بها ليس لها علاقة بالمهن، وإنما من أجل العتل بعضلاتنا ".
أما بالنسبة إلى الأعمال التي كان يجبر الأسرى على القيام بها، فهي أعمال تتطلب بذل جهود شاقه كأعمال البناء في سجن بئر السبع حيث عبر احد الأسرى " كانوا يشغلونا عتالين وفي الأعمال التي فيها خطورة ". بمعنى إن الأعمال التي لا تتطلب جهود وليس فيها خطورة كان يقوم فيها الفنيين اليهود، وتترك الأعمال الشاقة والخطرة للعمال الأسرى، هذه الأعمال التي تفتقد إلى ما يمت بصلة لعملية التدريب والتأهيل، بل كانت هذه الأعمال تشكل عائقا أمام الأسير من الاستفادة من فترة اعتقاله في تطوير ذاته واكتساب الوعي والثقافة( القيمري، 1981: 77 ).كذلك فعمل الأسرى في مجال تجميع مفاتيح وعلب الكهرباء في سجن الخليل هي الأخرى لا تبقي أثرا تعليميا لدى الأسير العامل، كذلك صناعة الأكياس البلاستيكية في سجن نابلس، حيث كان يعمل الأسرى في رفع وحمل ونقل المنتجات، بالإضافة إلى تنظيف المشغل وعلى حد تعبير أحد الأسرى " شغلنا في مصنع الأكياس كان لا يحتاج لا تعليم ولا يحزنون، احمل ونزل ونظف هذا عملنا "، وهذا ينطبق على العمل في مشغل الكرتون والورق (الكرخياه) في سجن رام الله وغيرها من السجون، فهي جميعها أعمال تحتاج إلى بنى جسدية قوية ولا تحتاج إلى تدريب وتأهيل، كذلك الأعمال في صناعة جنازير الدبابات في سجن عسقلان، وشباك التمويه في سجن بئر السبع.
إن تشغيل الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال لم يكن بهدف التعليم أو التأهيل، وإنما هو استغلال بشع للقوة العاملة الأسيرة، وتجسيدا للعبودية التي ولت منذ عقود، فان إدارة السجون أعادت أحيائها من جديد في تعاملها مع الأسرى الفلسطينيين، وبالتالي فان عملية تشغيل الأسرى وإجبارهم على ذلك داخل السجون لا يعتبر إصلاحا وتأهيل وإنما استرقاق وعبودية لأنها قائمه على الاستغلال الجشع لهذه القوى العاملة من خلال استرقاق الجسد وتطويعه لخدمة أهداف إدارة السجون الاقتصادية وغيرها، بشكل عبودي كما تؤكده فحوى المقابلات التي أجريت مع الأسرى المحررين، وذلك على النحو التالي:-
1. إن الأسرى لم يذهبوا للعمل داخل هذه المنشئات بشكل طوعي، وإنما كان يتم إجبارهم على ذلك بالقوة، أما الرافضون فكانوا يتعرضوا إلى عقاب شديد وكما عبر احد الأسرى " لما كنا نرفض نشتغل كانوا يضربونا ويزن زنونا[5] ويحرمونا من زيارة الأهل لمده طويلة ".
2. إن إدارة السجن كانت تدرك إن ما تقوم به من إجبار للأسرى على العمل هو شكل من أشكال الاسترقاق والعبودية، خاصة في إجبار الأسرى على مخاطبة السجان بكلمة سيدي وإجبارهم على الهتاف للعبودية والصهيونية (القيمري، 1981: 69).
3. الأجر الذي كان يتلقاه الأسير العامل وطبيعته من سجائر وكأس من الشاي، أو تنفس الهواء والتشمس والحركة نظير عمل يوم كامل، هذه الأجرة التي لا تعادل قيمة عمل دقائق قليلة معدودة، هذه الأجرة وهذا الشكل من العمل يعيدنا إلى صوره أسوء مما كانت عليه العبودية في العصور الغابرة وهذا ما تحدث عنه يانج في إن الصورة تختلف عن الأصل على اعتبار إن الاستنساخ الذي حدث للعبودية في سجون الاحتلال أسوء من العبودية التي كانت سائدة في الأصل.
فالعبد في تلك الفترة كان يتلقى الرعاية الكاملة من سيده، في حين إن الأسرى تم اعتقالهم على خلفية قضايا تعتبر في جوهرها وشكلها إنساني خلاق، وبالتالي وجودهم في السجن بحد ذاته هو ظلم وطغيان ولا يستحقون هذا العقاب أو كما عبر احد الأسرى " عاملونا كالعبيد بل أسوء من ذلك تحملنا وصبرنا لأننا نؤمن برسالتنا ".
4. إن الأسرى أثناء قيامهم بالأعمال الإجبارية كانوا يتعرضون للضرب والإهانات والألفاظ الجارحة وهذا ما لم يشهده العبيد في تلك العصور الغابرة، فهذه الأساليب الهادفة للحط من قيمة الأسير وإشعاره بالدونية بطريقه تشبه إلى حد ما معيشة العبد الأسود مع سيده الأبيض.
5. إن العبودية قامت على أساس استغلال اقتصادي من قبل مجموعه تتمتع بقوه ونفوذ سياسي وعسكري من أجل خدمة أهدافها ومصالحها ألاقتصاديه من خلال استغلال الفائض في قيمة قوة العمل والإنتاج وهذا ما حدث فعلا مع الأيدي العاملة الأسيرة حيث كان يتم تشغيلهم بالسخرة ودون أي أجرة تذكر.
إن استغلال الأيدي الأسيرة العاملة في سجون الاحتلال وتشغيلهم في منشئات اقتصادية تابعة للحكومة أو لشركات خاصة لم يكن بهدف إصلاحهم أو تأهيلهم ليصبحوا فاعلين داخل مجتمعهم بعد خروجهم من الأسر كما تدعي سلطات السجون، وإنما هو استغلال اقتصادي بشع، أحيا وجسد العبودية والإذلال لخدمة أطماع وتطلعات الرأسمالية الصهيونية.

- مقاومة العمل ورفضه من قِبَل الأسرى.
مع بداية الحياة الاعتقالية للأسرى الفلسطينيين لم تكن أوضاعهم التنظيمية قد ترتبت، وبالتالي فكان كل أسير يحمل همه الخاص لوحده، ومع تزايد أعداد الأسرى نتيجة زيادة أعمال المقاومة بدأت السجون تتطعم بأسرى جدد من أصحاب الخبرات التنظيمية التي عايشوها في الخارج ومن المثقفين الذين بدئوا بنقل هذه التجارب إلى داخل السجن بهدف التأثير والتغير والنهوض بمستوى أسرى ألثوره الفلسطينية من أجل مواجهة سياسة إدارة السجون الرامية إلى تحطيم الأسرى وتحويلهم إلى حطام كائنات من أجل إخراجهم كأشخاص فاعلين عن مسرح التاريخ (القيمري، 1981: 23 ).
إن محاولات الأسرى المثقفين وأسرى الدوريات الخارجية كانت تهدف في الأساس إلى إعادة بناء الذات الفلسطينية المقاومة لمواجهة سياسة التحطيم التي تتبعها إدارة السجون من خلال تفتيت روابط الشللية وإعادة مأسسة الأسرى في تنظيماتهم السياسية وهذا ما عبر عنه احد الأسرى " لقد كانت علاقاتنا على أساس الشللية والبلدية، أبناء الحارة والبلد والمدينة كل على حدا، فالتنظيم كان ضعيفا جدا، حتى جاءنا أخوه ورفاق لنا كانوا يدرسون في الخارج، كذلك أسرى الدوريات فجميعهم لديهم خبرات تنظيميه تعلمنا منها وبدأنا نتغير ونفرض التنظيم على الواقع "، ولكن في بداية السبعينات لم تكن التنظيمات تستطيع رفض العمل لكنها بدأت تحرض عليه مستغله الأجرة السيئة والإهانات التي توجه للأسرى العاملين، هذا التحريض تراكم من خلال خطوات احتجاجيه خطاها الأسرى وتوجت هذه الخطوات في عام 1976 حيث تم وقف العمل بشكل نهائي باستثناء سجن عسقلان الذي استمر العمل فيه لغاية بداية عام 1980 (القيمري، 1981: 82)، وقد اتبع الأسرى عدة خطوات في مقاومة عملية الاستغلال لهم في السجون وهذه الخطوات كما يذكرها الأسرى خلال المقابلات هي:

أولا: الإضراب عن الطعام:
يتضح لنا من خلال هذه الدراسة إن عملية الإضراب عن الطعام لم تكن في بداية السبعينات منتظمة في كل السجون، فكل سجن خاض سلسلة من الإضرابات المتقطعة وبشكل مستقل عن السجون الأخرى من أجل تحقيق طلبات وإنجازات خاصة به، أو كما عبر احد الأسرى" لم يكن هناك وسائل اتصال بين السجون سوى زيارة الأهل في بداية السبعينات، وكان كل سجن يعمل ما يناسبه وبالطريقة التي تناسبه، الإضرابات لم تكن في البداية طويلة، حتى جاء إضراب عام 1972 وكان أكثرها تميزا حيث رفع شعار رفض العمل الذي أصبح مطلبا فيما بعد ". إلا إن سياسة الاستغلال لم توقف نتيجة هذا الإضراب إلا إن هذه الخطوة ساهمت في تحسين ظروف العمل، بمعنى إن إدارة السجون بدأت بتحسين شروط العمل وتجميل صورته وعلى حد تعبير احد الأسرى "تم وقف الإهانات في العمل وصاروا يزيدوا في وقت زيارة الأهل نحن العمال وأصبحنا نوخذ فتره أطول في الشمس"، أما بخصوص الأسرى في سجن بئر السبع فكما سبق وأشرنا في الجزء السابق من هذه الدراسة فان العاملين في فرع البناء سمح لهم بممارسة لعبة كرة السلة.
وبشكل عام فان العمل استمر لغاية إضراب عام 1976 والذي كان إحدى أهم إنجازاته وقف العمل نهائيا في كل السجون باستثناء عسقلان كما ذكرنا، إلا انه من الواضح من حديث الأسرى إن سياسة استغلال الأيدي العاملة الأسيرة في سجون الاحتلال لم توقف نتيجة الإضرابات عن الطعام لوحدها، بل هناك سبب أخر يذكره الأسرى وهو متمثل في عدم جدوى استمرار هذه المشاريع وأوقفها.

ثانيا: سياسة التخريب المتعمد:
بعد ظهور عمليات المأسسة داخل المجتمع الاعتقالي وبدء الأسرى في إعادة بناء قواعدهم التنظيمية والتزامهم بها، بدأت هذه التنظيمات بتوجيههم تجاه إلحاق اكبر قدر ممكن من الأذى لهذه المشاغل الإنتاجية من خلال إتباع نهج التخريب المتعمد لإثبات عدم جدوى هذه المشاريع اقتصاديا، وهذا ما حدث في سجن نابلس الذي كان متخصصا في صناعة الأكياس البلاستيكية حيث عبر أحد الأسرى بقوله "كنا نعمل على تمزيق رزم كبيرة من الأكياس البلاستيكية، وفي مره من المرات تم إعادة شحنه كاملة من الصين نتيجة اكتشافهم كميات كبيرة من الأكياس الممزقة ".
كذلك في سجن بئر السبع حيث تم إحراق المنجرة [6] في عام 1970 وحرق فيها خمسة عشرا لفا من الصناديق الخشبية التي كانت معده للتصدير (عنقاوي، 1995: 204).كذلك أيضا المخيطة كان هناك توجها لدى الأسرى بتخريبها من خلال تخريب القصات وإتلاف القماش ووصلت إلى حد تجهيز طعامهم على الخيوط والقماش كما عبر احد الأسرى "كنا نطلب من العمال إحضار رزم من الخيوط وقصات قماش من أجل إشعال النار فيها وتجهيز طعامنا عليها، فتصور حجم الخيوط الذي سيطبخ لقسم كامل يضم ثمانين أسيرا لقد كسرناهم" .
وبشكل عام فان هذه الأساليب من المقاومة والرفض للعمل ادخل هذه المشاغل الإنتاجية في مأزق اقتصادي جعلتها تعيش خسارة مالية عالية، خاصة في الفترة التي تلت حرب عام 1973 والتي شكلت بداية نشوه للأسرى بضرورة استنهاض واقعهم وتغيِّره، وقد عبر الأسرى الذين أجريت معهم المقابلات إن حرب عام 1973 كان فاصلا في بروز قوة التنظيمات وصعودها على حساب علاقات الشللية والبلدية وعلى حد تعبير احد الأسرى " إن الأيام التي تلت حرب عام 1973 أعادت الثقة لنا بأنفسنا وبالعمل الثوري والنضال وشعرنا بالنصر، لقد كانت بالنسبة لنا جرسا أيقظنا من سبات الهزيمة عام 1967".
إن مقامة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال لعمليات الاستغلال الفاضح لقوة عملهم تكللت بالنجاح التام عام 1980 حيث أوقف العمل نهائيا في كل سجون الأسر بفعل خوض الأسرى سلسله من الإضرابات الطويلة عن الطعام بالإضافة إلى سياسة التخريب المتعمد التي انتهجوها حيال هذه المشاغل الاستغلالية بفعل نضوجهم الفكري والسياسي وانسجاما مع قناعتهم النضالية القائمة على أساس إضعاف وإنهاك المحتل وليس دعمه وبنائه.

الفصل الرابع: استنتاجات
في هذا الفصل سنحاول إظهار ما توصلنا له من استنتاجات من نتائج الدراسة على شكل نقاط بالإضافة إلى الخاتمة والتوصيات حول الموضوع.

أولا: الاستنتاجات:
بناءا على ما جاءت به نتائج الدراسة حول عملية تشغيل الأسرى داخل السجون الصهيونية كشكل من أشكال الاستغلال الاقتصادي البشع للأيدي العاملة الأسيرة فإننا قد خلصنا إلى الاستنتاجات التالية:
1. إن ما قامت به سلطات السجون حيال الأسرى الفلسطينيين واستغلالهم اقتصاديا، كايدي عامله بالسخرة لا يظهر فقط حدة الصراع التاريخي حول الأرض، وإنما يظهر لنا أيضا الحقد الطبقي بين المستثمرين أصحاب راس المال وبين الأسرى الذين تم تشغيلهم بالسخرة، فالأسرى في بداية الاحتلال كان غالبيتهم من العمال والفلاحين.
2. إن الطريقة التي تم فيها تشغيل الأسرى بالسخرة تشبه إلى حد ما الطور الأول من المرحلة التاريخية التي مرت بها العبودية، حين كان يتم سرقة الناس واسترقاقهم ونقلهم من بلادهم الأصلية إلى أوروبا من أجل استعبادهم وتشغيلهم في منشات إنتاجيه بالسخرة مقابل توفير الغذاء والملبس والمسكن وبالتالي أصبح لديهم مع الزمن شعور داخلي يتقبل العبودية، في حين ما حدث للأسرى هو أسوء من ذلك حين قامت سلطات الاحتلال الصهيوني باقتلاع شعب كامل من أرضه ونهب وسرقة الأراضي وقتل جماعي للأبرياء وحين أصبحت بذور المقاومة تنبت بدأت بعمليات الاعتقال الجماعي التي طالت مئات الآلاف من الفلسطينيين، ولم تكتفِ بسجنهم في بداية الأمر بل قامت بعمليات استغلال جشعه للأسرى من خلال تشغيلهم في مشاغل إنتاجيه تتبع للحكومة والمستثمرين الصهاينة، فهي اقتلعتهم من أرضهم ونقلتهم إلى منشئات استعماريه أقيمت على أرضهم وسجنتهم فيها ولم تكتفي بذلك بل شغلتهم فيها بالسخرة.
3. إن عملية استغلال الأسرى الفلسطينيين كأيدي عامله بالسخرة حققت أرباحا طائلة لأصحاب راس المال المستثمر في هذه المنشئات الاعتقالية لان القوه العاملة لم تكن تتلقى أي أجر يذكر مقارنه بحجم الأعمال المنفذة.
4. إن استغلال الأسرى في هذه المنشئات التشغيلية لبى احتياجات سياسية واقتصاديه لإدارة السجون، فهي من ناحية تقوم على أساس تمويل مؤسساتها العقابية ذاتيا من خلال استغلال واستعباد المعاقبين (الأسرى) كشكل من أشكال العقاب ومن جهة أخرى فأنها تمول حالها ذاتيا بتشغيلها الأسرى بالسخرة، لأن الفائض الذي تجنيه بدل استخدام قوة العمل يعود إلى خزينتها وليس إلى حساب الأسرى، وبالتالي فالأسرى أصبحوا يشكلون في هذه المؤسسات العقابية مصدرا لتمويل المؤسسات التي تعاقبهم وهذا يشبه إلى حد ما المثل الشعبي الشائع " من دهنه قليله).
5. إن عملية استغلال الأسرى واستعبادهم في السجون لا تتحمل مسؤوليتها مصلحة السجون الصهيونية فقط، وإنما كان هناك مخططا وعلى أعلى المستويات في حكومة الاحتلال بهدف تحويل الأسرى إلى حطام كائنات وتسخيرهم من أجل خدمة المصالح الاقتصادية الصهيونية وهذا ما جاءت به الدراسة سواء بتصريحات وزير الحرب في حكومة الاحتلال موشي ديان الذي عبر عن ذلك بنية الحكومة تحويل هؤلاء المقاومين إلى عبيد تنتج ما يحقق الرفاهية للصهاينة وأطفالهم ووعده بشطب إنسانية الأسير كإنسان، وبالتالي فإن الشعارات الديمقراطية التي ترفعها هذه الدولة أمام المحافل الدولية، هي شعارات من أجل التستر على الجرائم التي ترتكب بحق الإنسانية جمعاء في معاملتها مع الفلسطينيين بشكل عام ومع الأسرى العزل بشكل خاص، ومن ذلك نستدل إلى إن عملية الاستغلال البشع للأسرى كانت عمليه منظمه ويشرف عليها راس الهرم في السلطة الصهيونية، وليس من قبل مجموعه اقتصاديه فقط.
6. بالنظر إلى الأجرة التي كانت تدفع للأسرى نظير استغلال قواهم العاملة والمتمثلة بعدد من السجائر أو زيادة في وجبة طعام، أو كاس من الشاي، أو من أجل التشمس والحركة وتنفس الهواء الأقل تلوثا، نجد إن هذه الدولة (سلطات الاحتلال الصهيوني) لم تنتهك اتفاقية جنيف والمواثيق الدولية فقط، وإنما انتهكت بشكل سافر أدنى شروط للحياة الإنسانية التي دعت إليها الشرائع السماوية والأرضية، فالحاجات الفسيولوجية من طعام وهواء وشمس هي حاجات أساسية لا يستطيع الإنسان العيش بدونها، حيث سخرت هذه السلطات تلك الحاجات كوسيلة ضغط على الأسرى من أجل إجبارهم على العمل في مشاغلها الإنتاجية، الأمر الذي يجعلنا نتساءل كيف تنظر هذه الدولة وقادتها للأخر ؟؟.وبالتالي فان المساومة على الشروط الأساسية للحياة (طعام، هواء، تشمس) دليل واضح على عنصرية هذه الدولة التي تسعى إلى إقصاء الأخر وتحويله إلى عبد طيع خادم لمصالحها وأهدافها التوسعية.
7. إن فرض العمل وإجبار الأسرى عليه لم يستمر طويلا بفعل مقاومة وتضحيات الأسرى النابعة من وعيهم بذاتهم، حيث إن سلطات السجون استغلت الأسرى في تلك الفترة التي لم يكن فيها الأسرى قد نظموا حياتهم، بمعنى أخر إن وعي الأسرى بذاتهم لم يكن ناضجا بما فيه الكفاية، وبالتالي فان عملية الوعي كان لها دور أساسي في مقاومة الاستغلال، فالوعي حسب ما تطرحه النظرية الماركسية له دور أساسي في تحول الطبقة العاملة من طبقه بحد ذاتها إلى طبقه لذاتها تسعى للدفاع عن مصالحها تمهيدا لقيامها بثوره شامله ضد الاستغلال الرأسمالي، في حين إن الوعي شكل للأسرى حافزا تجاه بناء مؤسستهم (تنظيماتهم) والتي رفعت شعار وقف العمل ليس من باب محاربة الاستغلال الاقتصادي لهم فقط ونما من باب استكمال دورهم الثوري في محاربة وتخريب كل ما ينعش ويعزز من سلطة الاحتلال وليس خدمتها والعمل لديها بالسخرة.
8. إن معاناة الأسرى الفلسطينيين من الاستغلال الاقتصادي البشع في بداية السبعينات دليل واضح على غياب المؤسسات الحقوقية والإنسانية التي تدعي مناصرة المقهورين، علما انه في تلك الفترة كانت هذه المؤسسات تشهد صعودا منقطع النظير، وكانت تجاهر وتنظر من أجل خدمة الأهداف السامية المتمثلة بحقوق الإنسان، هذه المنظمات التي استثنت بشكل مقصود أو غير مقصود حقوق الأسرى الفلسطينيين المنتهكة ليلا ونهارا، وبالتالي فهذا يجعلنا نتساءل ونشكك في بعض نوايا هذه المؤسسات.

ثانيا: الخاتمة:
إن ما تعرض له الفلسطينيين في سجون الاحتلال الصهيوني من قهر وتعذيب دون وجه حق يفوق التصورات الإنسانية, حيث إن هؤلاء الأسرى لم يرتكبوا أي مخالفة أو جريمة تستدعي هذا العقاب الأليم, فهم عشاق حرية ومناضلين من أجل إن تسود القيم الإنسانية المتمثلة بالحرية والعدالة والمساواة، والتحرر من جبروت القوة والنفوذ الاستعماري، وهذا مُشَرَّع ومجاز ليس فقط من الأديان والمعتقدات وإنما أيضا من المواثيق والمعاهدات الدولية التي تجيز مقاومة الاحتلال من قبل الشعوب المحتلَّهْ.
ولهذا السبب بالإضافة إلى أسباب أخرى لا تقل أهمية ومضمون عن السابق اندفع الشباب الفلسطيني المقاوم لسياسية الاحتلال دفاعا عن أرضهم وتاريخهم رغم القتل والاعتقال الذي لم يزيدهم إلى قوة.
ولم يستكفِ الاحتلال وسلطاته باعتقال المقاومين وقهرهم داخل السجون من خلال تقيد حريتهم وإنما أمعنوا في ذلك وتجاوزوا كل الحدود الإنسانية والاجتماعية باستغلال الأسرى من أجل تنامي أرباحهم واستثمارهم.
إن تشغيل الأسرى في منشآت اقتصادية أو في ورش صناعية أو صيانة الآليات العسكرية يعتبر مخالفه للقانون الدولي الذي ينص على عدم تشغيل أسرى الحرب في أي عمل له صبغة عسكرية حفاظا على كرامة وكبرياء الأسير، فالجندي المحارب لم يدخل آتون المعركة من أجل تعزيز قدرات وآليات العدو وحفاظا على مشاعره حرمت المواثيق الدولية وخاصة اتفاقية جنيف تشغيله بأي عمل له صبغة عسكرية، وهذا ما لم ينطبق إطلاقا على الأسرى الفلسطينيين حيث تم تشغيلهم إجباريا كما يذكر ناصر الدمج في كتابه أنصار شاهد على عصر الجريمة أنه تم فتح ورش صناعية لصناعة جنازير الدبابات في سجن عسقلان. كذلك فقد تم تشغيلهم في صناعة شباك التمويه، وهذا أيضا عملا له صبغه عسكريه . إن إقدام سلطات السجون على تشغيل الأسرى في هذه الفروع الإنتاجية لا يعتبر مخالفا للقانون الدولي فقط، وإنما أيضا دليلا واضحا على إصرار سلطات السجن على استكمال دورها في القتل الجسدي والنفسي للأسرى، فشعور الأسير المقاوم القادم عبر الحدود أو من داخل المدن المحتلة حاملا روحه على كفه من أجل إلحاق الأذى في قوة الاحتلال العسكرية، يصبح الآن وبفعل شروط الحياة القاسية في الآسر صانعا ومعززا لها، الآمر الذي كان يجعل الأسير يعيش في دوامه من الصراع النفسي كما حدث لبعض الأسرى في السجون الصهيونية.
إن سلطات الاحتلال لم تكتفي في زج الأسرى إجباريا للعمل في المنشآت الإنتاجية العسكرية، بل أمعنت في ذلك وكشفت عن نواياها الرأسمالية الصهيونية القائمة على أساس الاستغلال الاقتصادي البشع للأيدي العاملة الأسيرة داخل السجون، حيث عمدت على فتح ورشات صناعية إنتاجيه أخرى وأجبرت الأسرى على العمل فيها بالقوة أيضا وكل من رفض ذلك مورست عليه آليات عقابية شديدة. هذه الورش الإنتاجية الأخرى أدخلت الأسرى في عمليات استغلال اقتصادي من نوع جديد، هذا الاستغلال البشع لم تعرف البشرية سابق له خاصة إذا نظرنا إلى طبيعة الأجرة التي كانت تدفع للأسرى نظير عملهم المتواصل.
هذه الأجرة لا تحمل من الآجر سوى اسمه، فهي بالأساس عملية مقايضه بين حاجة الأسير الفسيولوجية والتي تتمثل بالهواء والشمس والحركة بالإضافة إلى حاجة المدخن للسجائر، وبين قيام الأسرى بالعمل لساعات متواصلة في منشآت اقتصاديه إنتاجيه يستفيد من عائداتها إدارة السجن والمستثمر المتعاقد معها، كذلك فانه ومن خلال المقابلات التي أجريناها مع الأسرى المحررين لم يعلمنا أي أسير عمل في هذه المنشآت الإنتاجية إن تلقى أجرا ماديا على شكل نقود توضع في حسابه.
إن تعاقد إدارة السجن مع المستثمرين وإجبار الأسرى على العمل في هذه المنشآت بشكل مهين خلطت فيه بين الثلاثة أصناف الأولى من التنظيم القانوني للعمل ألسجني الذي تحدثنا عنها في الفصل الأول. بل تجاوزت ذلك واستخدمت نظامها الخاص القائم على العنصرية المفرطة والمتمثلة باستعباد الجسد بشكل قصدي من خلال إجبار الأسرى في البداية على الهتاف للصهيونية والعبودية قاصدة من جراء ذلك ليس فقط العقاب والقهر لهم، وإنما أيضا انتهاز الفرصة باستغلال هذه الأيدي من أجل تنامي وزيادة أرباحها بفعل العمل بالمجان أو السخرة.
وبالتالي فان هذه السياسات القصدية في عملية الإذلال والاستغلال الاقتصادي للأسرى تعتبر جريمة في حق الإنسانية جمعا فليس من حق مجموعة من الناس تمتلك السلطة والنفوذ إن تقدم على استعباد الآخرين كما فعلت سلطات الاحتلال الصهيوني مع الأسرى الفلسطينيين.

ثالثا: التوصيات:
كما تحدثنا سابقا لا توجد دراسات علمية أمبريقية سابقة حول استغلال الأيدي العاملة الأسيرة في سجون الاحتلال، وبالتالي فان هذه الدراسة لا نستطيع من خلالها التعميم، لعدم تناولها ظروف العمل في كافة السجون التي تواجد فيها الأسرى الفلسطينيين. وبالتالي فهي تناولت فقط سجون (رام الله , ونابلس ,الخليل ,بئر السبع ,عسقلان نوعا ما) وبقيت سجون عدة لم نتحدث عنها لعدم وجود أسرى من العينية عاشوا في تلك الفترة بهذه السجون التي لم تشملها الدراسة, لذا فان الباحث يوصي بالتالي:-
1. ضرورة القيام بدراسات أخرى حول هذا الموضوع من أجل التعمق أكثر في الموضوع وإضافة معلومات جديدة في البحث العلمي.
2. العمل على استشارة أخصائيين قانونيين من أجل إثارة الموضوع على المستوى الدولي وفضح سياسات سلطات الاحتلال الصهيوني العنصرية القائمة على إقصاء الآخر وممارسة العبودية بحق الأسرى الفلسطينيين، في حين أنها دوله تدعي الديمقراطية وهي من ضمن الدول الموقعة على اتفاقيات حقوق الإنسان.
3. يوصي الباحث برفع دعوى قضائية دولية ضد دولة الاحتلال بهدف دفع تعويضات للأسرى الذين تم إجبارهم على العمل بالسخرة تعويضا لهم عما لحقهم من أذى على المستوى النفسي والجسدي.

المراجع :
1. محمود حسن، 1975. مقدمه في الخدمة الاجتماعية .بيروت: دار النهضة العربية للطباعة والنشر.
2. عبد المنعم الحنفي، 1978، موسوعة علم النفس والتحليل النفسي، القاهرة: مكتبة مدبولي.
3. عبد العليم دعنا، 1993, معتقل النقب الصحراوي أنصار (3) دراسة اقتصاديه. اجتماعيه. سياسية لمعتقلي ألانتفاضه. الخليل: دائرة البحث والتطوير رابطة الجامعين.
4. الدمج، ناصر سليمان، 1993.معتقل أنصار شاهد على عصر الجريمة . فلسطين :الوكالة العربية للتوزيع.
5. دوركهايم،أميل، ترجمة حافظ الجمالية، 1982.في تقسيم العمل الاجتماعي. لبنان: لجنة لبنان لترجمة الروائع.
6. جبريل الرجوب، 1984.تجربة أسرى الثورة الفلسطينية بين نفحه وجنيد: الزنزانة رقم 704 . القدس: وكالة أبو عرفه للصحافة والنشر.
7. غازي السعدي، 1985.الأسرى اليهود وصفقات المبادلة . عمان: دار الجليل للنسر . ط1
8. السنابل, 1997،نشرة تصدر عن قسم الإعلام والعلاقات ألعامه في برنامج تأهيل الأسرى المحررين , العدد الأول، رام الله.
9. احمد الصياد، 1995 . "المعتقلون الفلسطينيون في أرقام " هموم الحركة الأسيرة في ظل السلام .رام الله: منشورات وزارة الإعلام رقم 9 .
10. عنقاوي،حلمي إبراهيم محمد، 1995.المراحل الأولى للمسيرة خلف القضبان . رام الله: مطبعة الغد.
11. العيسوي، عبد الرحمن،1997 . سيكولوجية الإعاقة الجسمية والعقلية . بيروت: دار الراتب الجامعية .
12. غانم، عبد الله عبد الغني، 1985 .مجتمع السجن: دراسة انثروبولوجيه . الاسكندريه:المكتب الجامعي الحديث.13. فوكو، ميشيل، 1981. المراقبة والمعاقبة ولادة السجن.الكويت: مركز الإنماء العربي.
14. القيمري،عطا، 1985.السجن ليس لنا .معتقل نفحه .
15. كمال،غسان، 1986 .ناديه برادلي:الفدائية المغربية الشقراء. عمان:دار الجليل للنشر والدراسات الفلسطينية.
16. مؤسسة الحق، 2002 صرخات في الظلام. الحياة في المعتقلات الصهيونية. رام الله: منشورات

الحق.
17. مركز أبو جهاد لتوثيق إبداعات الحركه الأسيره، تنظيم المسيرة خلف القضبان، الجزء السابع، جامعة القدس: رام الله.
18. الهندي, خالد، 2000. التجربة الديمقراطية للحركة الفلسطينية الأسيره. رام الله :مواطن ط1
.19. يانج،روبرت، ترجمة احمد محمود، 2003.أساطير بيضاء:كتابة التاريخ والغرب. ألقاهره: المجلس الأعلى للثقافة.

--------------------------------------------------

منقذ محمد أبو عطوان
 مدير دائرة المشاريع في وزارة شؤون الأسرى والمحررين
رام الله - فلسطين 18 فبراير 2006م