مضمون الدراسة
تمهيد:
في السّابع من حزيران عام 1967 استولت قوّات الاحتلال على الجزء الشرقي من مدينة القدس، وفي الثامن والعشرين من الشّهر نفسه، ضمّت سلطات الاحتلال الجزء الشّرقي من القدس إلى الجزء الغربي منها الذي احتلّته عام 1948، بما في ذلك 64 ألف دونم من الأراضي كانت تابعةً لـ 28 قرية فلسطينية لم تكن جزءاً من مدينة القدس من قبل، إضافةً إلى 70 ألف دونم من منطقة الضفة الغربية.
ورغم ضم الجزء الشرقي من القدس لحدود دولة الاحتلال رسميّاً، إلا أنّ المجتمع الدولي لم يعترف بهذا الضم واعتبر هذا القسم أرضاً محتلّة شأنه شأن بقيّة أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة التي احتُلّت عام 1967م، وحتّى الآن لا توجد دولة لها علاقات دبلوماسية مع دولة الاحتلال تتخذ من القدس مقراً رسمياً لسفارتها، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية التي أقرّت هذا الأمر رسمياً لكنها ما تزال تؤجل تنفيذه إجرائياً كل ستة أشهر بأمر الرئيس الأمريكي.
بعد الاحتلال فرضت السلطات المحتلّة قانونها على مدينة القدس، وتعاملت مع سكّانها على أنّهم مقيمون دائمون لديها، لكنّهم لا يملكون حقّ المواطنة كبقيّة السكّان، ومنحتهم على هذا الأساس بطاقات الهويّة الزّرقاء، ونحن حين نقول "هوية" إنما نقصد ذلك مجازاً لأنها وثيقة التعريف الأساسية التي يملكها سكان القدس الفلسطينيون، لكنها من الناحية القانونية بطاقات إقامة دائمة، تُجدد في وزارة الداخلية كل عشر سنوات، وهي تُسحب من صاحبها في حال "فشل" في إثبات أنه كان يقيم في القدس فعلاً طوال الفترة السابقة من خلال كشوف الضريبة وفواتير الضمان والماء والكهرباء، وهو عند تجديدها يخضع للابتزاز ولمساومات للتعامل مع مخابرات الاحتلال مقابل منحه التجديد. هذه البطاقة الزرقاء أعطت مواطني القدس حرية أكبر في التنقّل والعمل ودخول الأراضي المحتلة عام 1948 مقارنة ببقية سكان الضفة الغربية، أما الجنسية التي يحملها المقدسيون فهي الجنسية الأردنية إذ يحصلون بموجبها على جوازات أردنية مدتها خمسة سنوات، لكنهم يسافرون بأذونات خاصة من إدارة الاحتلال. وقد أعطت وزارة الداخلية في دولة الاحتلال لنفسها الحقّ بسحب بطاقات الهوية الزرقاء من المقدسيين للأسباب التي ترتئيها، إضافةً إلى أسبابٍ ثلاثة حُدّدت سلفاً في الفقرة (أ) من المادة (11) من قانون الدّخول إلى دولة الاحتلال الصادر عام 1974 وهي:
1. البقاء خارج حدود دولة الاحتلال لمدة سبع سنوات على الأقل.
2. الحصول على إقامة دائمة في دولة أخرى.
3. الحصول على جنسية دولة أخرى.
وبناءً على الحالة القانونية التي أعطاها الاحتلال لسكان القدس كمقيمين دائمين في دولة الاحتلال، فإنّه يعامل الأسرى المقدسيّين معاملة السجناء الإسرائيليين الجنائيين، ويعتبر سجنهم والأحكام الصادرة بحقهم شأناً داخلياً فلا يقبل إدخالهم في أيّ صفقةٍ لتبادل الأسرى، ولا يعطيهم حقوق أسرى الحرب، وفي نفس الوقت لا يعاملهم كبقيّة السجناء الإسرائيليين ولا يعطيهم حتّى نصف الحقوق التي يمنحها لمواطنيه، بل يتعامل معهم بنفس الأساليب الوحشيّة واللاإنسانيّة التي يعامل بها بقية الأسرى الفلسطينيين، فهم بذلك محرومون من حقّ المعاملة الدستوريّة التي يحصل عليها السّجناء الإسرائيليّون، ومن جهة أخرى محرومون من امتياز الأسرى الفلسطينيين بالإفراج عنهم في أيّ عمليّة تبادل.
هذه الحالة القانونية الشاذة التي فرضها الاحتلال على المقدسيين تجعلهم ممنوعين بصفة خاصة من الانضمام للفصائل الفلسطينيّة، أو القيام بأي أعمال دعائية أو سياسية أو تعبوية تحت طائلة الغرامة أو السجن أو سحب الهوية، وممنوعين في الوقت نفسه من الانضمام إلى القوى والأحزاب الموجودة داخل الأراضي المحتلة عام 1948، أو ممارسة أي أنشطة سياسية أو دعائية أو تعبوية في إطارها لأنهم ليسوا مواطنين. هذا الأمر كان له تداعياته الهامة على الانتخابات الفلسطينية مطلع العام 2006 إذ منع المقدسيون من الدعاية الانتخابية داخل حدود القدس البلدية. وقد وافق الاحتلال موافقة شكلية لأغراض العلاقات العامة وتبييض الصورة على مشاركة المقدسيين في الانتخابات عبر مراكز البريد وكانت المحصلة مشاركة أقل من 6% ممن يحق لهم التصويت داخل الحدود البلدية التي يفرضها الاحتلال للمدينة، لكنه رغم ذلك عاد لملاحقة كل المشاركين في هذه الانتخابات والناشطين خلالها، وهو أمرٌ أدى لارتفاع عدد المعتقلين المقدسيين خلال العام 2006 إذ أصدرت محكمة الاحتلال للشؤون المحلية بالقدس الغربية 11/ سبتمبر 2006 أحكاماً بالسجن، أو الغرامة على إحدى عشرة شخصية مقدسيّة، ترشحوا للانتخابات التشريعية الفلسطينية التي جرت في 25/ يناير عام 2006 سواءً كانوا مستقلّين أو منتمين للفصائل الفلسطينية، وذلك بتهمة مخالفة أنظمة البلدية والقيام بأعمال الدعاية الانتخابية في مدينة القدس خلافاً للقوانين الإسرائيلية، هذا غير اختطاف بعض نواب القدس ووزير شؤون القدس سابقاً.. والتهديد بسحب بطاقات هوياتهم.
أسرى القدس، من هم؟
بين الاتّهام بالانضمام للفصائل الفلسطينيّة، أو المشاركة في الأعمال "التخريبيّة"، أو مخالفة قوانين المنع والحظر المفروضة على السكّان المقدسيين، يقبع اليوم في سجون الاحتلال 300 أسيراً مقدسياً.
الأسرى الأطفال من القدس:
إجمالي عدد الأطفال الأسرى 277 عدد الأطفال المقدسيين الأسرى 12، معظم الأسرى المقدسيين اعتقلوا خلال انتفاضة الأقصى التي اندلعت في الـ28 من أيلول عام 2001، بينما اعتقل 51 منهم قبل اتفاقيات "أوسلو" التي وقعتها السلطة الفلسطينية مع الاحتلال عام 1993، وقد حصلت عدّة صفقات لتبادل الأسرى أثناء فترة أسرهم، لكنّ سلطات الاحتلال رفضت شملهم في الصفقات المختلفة لتبادل الأسرى بحجة أنها تعاملهم كمواطنين لديها.
تترواح فترات سجن الأسرى المقدسيين المحكومين بين أقل من 5 سنوات وأكثر من 20 سنة، لكن بشكل عام، فإن معظم الأحكام التي صدرت بحق الأسرى المقدسيين كانت عالية، حيث حُكم نصفهم تقريباً لمدّة تتجاوز العشر سنوات، بينما قضى 31 منهم أكثر من 15 عاماً في سجون الاحتلال حتّى الآن.
أسرى القدس الذين قضوا اكثر من 15 عاماً في الأسر:
1 أمضى أكثر من 25 عاماً 11 أمضوا أكثر من 20 عاماً وأقل من 25 عاماً 19 أمضوا أكثر من 15 عاماً وأقل من 20 عاماً 31 مجموع من أمضوا أكثر من 15 عاماً.
شهداء الحركة الوطنية الأسيرة من المقدسيين:
وللأسرى المقدسيين حصتهم من شهداء الحركة الأسيرة الذين قضوا في سجون الاحتلال تحت التّعذيب، أو برصاص حرس الاحتلال، أو بسبب الإهمال الطبّي، حيث قضى ما يقارب من 12 أسيراً مقدسياً بسبب الاهمال الطبي والتعذيب والتصفية الجسدية المباشرة.
موقف السّلطة الفلسطينية من الأسرى و ووضعهم في عمليّات التّبادل والاتّفاقات الموقّعة مع دولة الاحتلال:
• الأسرى في القانون الفلسطيني:
وفقًا لقانون الأسرى والمحررين واللوائح الخاصة به تَصْرِفُ السّلطةُ الوطنيّة الفلسطينيّة للأسرى عموماً ومن دون استثناء رواتب شهرية من خلال وزارة الأسرى والمحررين، وإلى جانب ذلك تقدّم الوزارة للأسرى خدمات عدّة، كالدّعم القانوني ورعاية ذويهم وتوفير التعليم المجّاني لهم، والتكفّل برسوم التعليم للأسرى الذين يلتحقون بالجامعات العبرية.
• الأسرى في عمليات التبادل والاتفاقيات الموقّعة مع دولة الاحتلال
1. أسرى القدس في عمليات التبادل:
السياسة المعلنة لدولة الاحتلال حول عمليات تبادل الأسرى هي رفض التفاوض من أجل تبادل أي مستوطن يهودي، أو جندي من جيش الاحتلال يقع في قبضة فصائل المقاومة الفلسطينية أو العربية، بأسرى عرب وفلسطينيين قابعين في سجونها، وهذا صحيح إلى حدٍّ ما، فعند وقوع أي جندي في قبضة فصائل المقاومة تعمل دولة الاحتلال على استعادته بالوسائل كافة حتى لو أدّى ذلك إلى مقتله ومقتل عدد من جنودها كما جرى في 27 حزيران/ يونيو 1976، عندما قامت مجموعة من المقاومين الفلسطينيين بخطف طائرة من مطار أثينا وعلى متنها مئة من المستوطنين اليهود وقد حطّت الطائرة في مطار "عنتيبى" في أوغندا وطالبت المجموعة بالإفراج عن 50 أسيراً فلسطيني مقابل إطلاق سراح الركاب الإسرائيليين ولكن دولة الاحتلال لم تخضع لمطالب الخاطفين وأرسلت مجموعة "كوماندوز" من جنودها إلى المطار، فاقتحمت الطائرة وقتلت المجموعة الخاطفة وثلاثة من الركاب وقتل في العملية أيضاً أحد جنود الاحتلال المهاجمين.
وهذا ما حدث أيضاً عندما اختطفت مجموعة من المقاومين الفلسطينيين الجندي "نخشون فاكسمان" في القدس في 9/10/1994، وطالبت المجموعة بإطلاق سراح أسرى فلسطينيين مقابل الإفراج عنه، لكن دولة الاحتلال لم تستجب لهم وبعد عدة أيام قامت بتحديد مكان الجندي فاقتحم جنودها المكان مما أدى إلى مقتل الجندي الأسير وقائد الوحدة المهاجمة وجرح جنود آخرين، واستشهد أعضاء المجموعة الفلسطينية الثلاثة. ولكن في المقابل عندما تعجز قوات الاحتلال عن إطلاق سراح جنودها بالقوة، فإنها تتخلى عن سياستها المعلنة بعدم التفاوض مع فصائل المقاومة، أو ما تسميهم بـ"الإرهابيين" كما حدث عندما اختطفت مجموعة من المقاومين الفلسطينيين طائرة تابعة لشركة "العال" وتوجّهوا بها إلى الجزائر وبداخلها أكثر من مئة راكب، وفي هذه الحالة لم تتمكن دولة الاحتلال من عمل أي شيء، سوى الخضوع لمطلب المقاومين وتبادل الأسرى مع منظمة التحرير الفلسطينية عبر الصليب الأحمر في 23/7/1968، وقد أُطلق في هذا التبادل 37 أسيراً فلسطينياً مقابل ركّاب الطائرة. ومنذ ذلك التاريخ حدثت عمليات تبادل أخرى للأسرى كان أبرزها عملية تبادل الأسرى مع الجبهة الشعبيّة - القيادة العامّة عام 1985، وعمليّة تبادل الأسرى مع حزب الله اللّبناني عام 2004. ومؤخّراً تمكنت مجموعة من فصائل المقاومة الفلسطينية من أسر الجندي "جلعاد شليط"، فأعلنت دولة الاحتلال أنها لن تدخل في أي عملية لتبادل الأسرى مع الجهات التي أسرت الجندي، وأعلنت عمليةً عسكريةً واسعة النطاق أسمتها أمطار الصيف قصفت خلالها محطة توليد الكهرباء في قطاع غزة ودمّرت العديد من المؤسسات الفلسطينية والبنى التحتية، وقتلت العشرات من الفلسطينيين، إضافةً إلى فرض حصار بري وبحري على قطاع غزة، لكن عندما عجزت عن تحديد مكان الجندي، فتحت قنوات من أجل إطلاق سراحه مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين في سجونها. وإذا كانت سياسة دولة الاحتلال من مسألة التفاوض من أجل القيام بعمليات تبادل للأسرى غير ثابتة، فإن موقفها المعلن من مسألة المعايير المتبعة للأسرى الذين يفرج عنهم في إطار عمليّات التّبادل غير ثابت أيضاً، فسلطات الاحتلال تعلن رفضها الإفراج عن من شارك بقتل جنودها، أو من تسمّيهم بـ "أصحاب الأيدي الملطخة بالدماء"، مثل الأسير اللبناني سمير القنطار المعتقل منذ 22 إبريل/نيسان عام 1979 والذي ترفض سلطات الاحتلال الإفراج عنه بحجة أن يديه ملطخةٌ بدماء جنودها، لكنها في نفس الوقت أطلقت سراح المناضل أحمد الأبرص في صفقة التبادل التي تمت في العام 1985 وهو رفيق القنطار في العملية المسلحة التي أدت إلى مقتل جنود صهاينة وقد أُسر معه في العمليّة ذاتها.
أسرى القدس يعدّون مثالاً آخر على تقلّب سياسة الاحتلال تجاه تحديد الأسرى المفرج عنهم، فهم يدعون أنّ أسرى القدس شأن داخلي ولا يمكن شملهم ضمن أي صفقة لتبادل الأسرى كونهم من سكان "العاصمة" ويحملون البطاقات الزرقاء، لكن صفقة التبادل التي عُقدت بين دولة الاحتلال والجبهة الشعبيّة - القيادة العامّة في 14/ آذار من العام 1979 شملت أسرى من القدس منهم المناضل نجاح عليان.
كما شملت عملية التبادل التي جرت مع الجبهة الشعبيّة القيادة العامّة في 20/ مايو 1985 والتي عرفت بعمليّة الجليل عدداً لا بأس به من أسرى القدس ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: علي بدر راغب المسلماني (18 سنة 1981) وتم اعتقاله ثانية 24/4/1986 ومازال في الأسر، علاء الدين محمد رضا البازيان (20 سنة 1981) وتم اعتقاله ثانية بتاريخ 20/6/1986 وما زال في الأسر، علي محمد أحمد جدة وكان معتقلاً منذ العام 1968 وشقيقه محمود جدة، يعقوب أحمد محمد عودة وكان معتقلاً منذ العام 1969، عثمان عبد المجيد حسين درويش وكان معتقلاً منذ العام 1970، أحمد ربحي مصطفى الشرباتي وكان معتقلاً منذ العام 1978، عطا خليل محمد القيمري وكان معتقلاً منذ العام 1971، محمد محمود حسن أبو طير وكان معتقلاً منذ العام 1974، وهو اليوم عضو مجلس تشريعي في البرلمان الفلسطيني واختطف مؤخراً مع بعض نواب القدس وكانت عملية الجليل في العام 1985 آخر عملية تبادل تشمل أسرى من القدس.
2. أسرى القدس في الاتّفاقيّات الموقّعة:
اشتملت الاتفاقيات الموقّعة بين السّلطة الفلسطينيّة ودولة الاحتلال بعد إعلان المبادئ ما بين الجانبين بتاريخ 13/ سبتمبر 1993 على الكثير من الثّغرات في الجانب المتعلّق في الإفراج عن الأسرى تحديداً، وأبرز هذه الثغرات غياب النصوص الواضحة والصريحة التي يمكن أن تُلزم حكومة الاحتلال بالإفراج عن جميع الأسرى من دون استثناء ضمن جدول زمني واضح ومرتبط بتنفيذ الخطوات والالتزامات الأخرى من الاتفاق، قد قُسّمت عملية الإفراج عنهم إلى مراحل لم تحدّد زمنيّاً.
ولم تتطرّق أيّ من تلك الاتّفاقيّات لوضع الأسرى من فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948، أو أسرى القدس، وهو أمر ترك الباب مشرعاً أمام حكومة الاحتلال للتنصل من التزاماتها تجاه الأسرى الفلسطينيين في سجونها، وتجزئة قضية الأسرى والتعامل معها كقضية إنسانية بحتة ووفقاً لحسن النيّات عوضاً عن كونها قضية وطنية فلسطينية موضوعة كشرط سياسي من شروط التفاوض، وتعاملت مع أي استحقاقات تجاه الأسرى من جانب واحد، فكانت دوماً هي الجهة الوحيدة المخوّلة بوضع كشوفات الأسماء للأسرى المفرج عنهم من دون أن يكون للجانب الفلسطيني أي دور في ذلك.
لكن وبالرغم ممّا في هذه الاتّفاقيات من ثغراتٍ وضعفٍ في المتابعة والتنفيذ، إلاّ أنّها حقّقت إنجازاتٍ لا يمكن تجاهلها، فقد أُطلق بموجبها سراح أكثر من عشرة آلاف مُعتقل (منذ بداية هذه المفاوضات حتى اندلاع إنتفاضة الأقصى 28/9/2000) أي ما يقارب 90% من إجمالي عدد الأسرى قبل توقيع اتفاقات "أوسلو"، وهو رقم عاد الاحتلال ليعتقل مثله من الأسرى خلال انتفاضة الأقصى، وقد شملت تلك الإفراجات عدداً محدوداً من أسرى القدس رغم أن الاتفاقيات تجاهَلتهم ولم ترِد نصوص واضحة بخصوصهم. وفيما يلي نعرض النصوص التي تطرقت لوضع الأسرى في الاتفاقيات المتعاقبة بين دولة الاحتلال والسلطة الفلسطينية ومدى التزام سلطات الاحتلال بتطبيقها:
- اتفاقية إعلان المبادئ "أوسلو" الموقعة بتاريخ 13/9/1993 في واشنطن:
بلغ عدد الأسرى الفلسطينيين عند التوقيع على هذه الاتفاقية نحو (12,500) أسير فلسطيني، ولم تتطرّق هذه الاتفاقية إلى قضية الأسرى في بنودها ونصوصها، وإنّما تعاملت حكومة الاحتلال مع قضية الإفراج عن الأسرى من منطلقات ما يسمى "مبادرات حسن النية" ووفق مقاييس دولة الاحتلال الداخليّة.
- اتفاقية القاهرة (غزة / أريحا) الموقعة بتاريخ 4/5/1994:
بلغ عدد الأسرى الفلسطينيين عند التوقيع على هذه الاتفاقية نحو (10,500) أسير فلسطيني وقد نصّت المادة (20) من تدابير تعزيز الثّقة في البند الأول على ما يأتي: "لدى التوقيع على هذا الاتفاق تقوم إسرائيل بالإفراج عن أو تسليم السلطة الفلسطينية خلال مهلة خمسة أسابيع، حوالي (5,000) معتقل وسجين فلسطيني من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، والأشخاص الذين سيتم الإفراج عنهم سيكونون أحراراً في العودة إلى منازلهم في أي مكان من الضفة الغربية أو قطاع غزة، والسجناء الذين يتم تسليمهم إلى السلطة الفلسطينية سيكونون ملزمين بالبقاء في قطاع غزة أو منطقة أريحا طيلة المدة المتبقية من مدة عقوبتهم". وقد أطلقت سلطات الاحتلال سراح (4,450) معتقل منهم (550) أُطلق سراحهم إلى مدينة أريحا ولم تلتزم حكومة الاحتلال بالإفراج عن العدد المتفق عليه، وأجبرت المفرج عنهم على التوقيع على وثيقة تعهّد بنبذ "العنف والإرهاب" وفيما يلي نصّ هذه الوثيقة: نصّ وثيقة التعهّد التي أجبرت حكومة الاحتلال الأسرى المفرج عنهم على توقيعها: "أنا الموقع أدناه ....، رقم الهوية ...، أتعهّد بالامتناع عن كل أعمال الإرهاب والعنف، كما أعلن أنني أعرف تمام المعرفة بأن التوقيع على هذه الوثيقة هو شرط لإخراجي من السجن، وأعلم بأن هذا الإفراج قد تم في إطار مفاوضات مسيرة السلام التي أدعمها بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية لتنفيذ إعلان المبادئ الذي تم التوقيع عليه في 13/9/1993".
- اتفاقية طابا "أوسلو2" الموقعة في واشنطن بتاريخ 28/9/1995:
بلغ عدد الأسرى الفلسطينيين عند التوقيع على هذه الاتفاقية نحو (6,000) أسير فلسطيني، وقد نصّت المادة (16) على إجراءات بناء الثقة في البند الاول على ما يأتي: "ستُفرج إسرائيل عن أو تنقل إلى الجانب الفلسطيني موقوفين ومساجين من سكان الضفة الغربية وقطاع غزّة، ستتم المرحلة الأولى للإفراج عن هؤلاء المساجين والموقوفين عند التوقيع على هذه الاتفاقية والمرحلة الثانية ستتم قُبيل يوم الانتخابات، سيكون هناك مرحلة ثالثة من الإفراج عن الموقوفين والمساجين وسيتم الإفراج عنهم ضمن الفئات المفصلة في البند السابع - الإفراج عن معتقلين ومساجين فلسطينيين وسيكون المفرج عنهم أحرار في الرجوع إلى بيوتهم في الضفة الغربية وقطاع غزة".
وقد نصّ الملحق السابع المرفق مع الاتفاقية على ما يلي:
1- سيتم إطلاق سراح الموقوفين والسجناء كما هو متفق عليه في المادة السادسة عشرة من هذه الاتفاقية على ثلاث مراحل.
المرحلة الأولى: عند التوقيع على الاتفاقية، حيث سيتمّ إطلاق سراح الأسرى حسب الفئات الآتية: الموقوفون، أو السجناء سيكونون من ضمن الذين سيطلق سراحهم كما ورد أعلاه:
2- سيتم إطلاق سراح جميع المعتقلات والسجينات في المرحلة الأولى.
3- الأشخاص الذين قضوا أكثر من ثلثي المدة لمحكوميتهم.
4- الموقوفون أو السجناء المتهمون أو الذين سجنوا لقيامهم بتهم تتعلق بالأمن ولم ينتج عنها قتلى أو جرحى بصورة خطيرة.
5- الموقوفون أو السجناء المتهمون أو المُدانون بتهم إجرامية لا علاقة لها بالأمن.5
6- مواطنو الدول العربية الذين احتجزوا في إسرائيل بانتظار تنفيذ أوامر إبعادهم.
المرحلة الثانية: قبل يوم الانتخابات (المجلس التشريعي):
الموقوفون والسجناء من بين الفئات المفصلة في هذه الفقرة والذين يطابقون المعيار المنصوص عليه في الفقرة أعلاه ستعتبرهم إسرائيل جديرين بإطلاق سراحهم:
1- الموقوفون أو السجناء الذين تبلغ أعمارهم 50 سنة أو أكثر.
2- الموقوفون أو السجناء تحت سن 18 عاماً.
3- السجناء الذين مضى على مدة سجنهم 10 سنوات أو أكثر.
4- الموقوفون أو السجناء المرضى وغير الأصحاء.
المرحلة الثالثة: خلال مفاوضات الحل النهائي:
المرحلة الثالثة لإطلاق سراح السجناء والموقوفين ستتم خلال مفاوضات الوضع النهائي وستشمل الفئات المنصوص عليها أعلاه ومن الممكن البحث في إضافة فئات أخرى لها. وضمن المرحلة الأولى كان من المقرر إطلاق سراح (1,500) أسير بينهم جميع الأسيرات الفلسطينيات، إلا أن سلطات الاحتلال لم تفرج سوى عن (882) أسيراً وسجيناً بينهم (375) سجيناً مدنياً تم اعتقالهم على خلفيات جنائية. ولم يتمّ إطلاق سراح سوى أسيرة واحدة هي بشاير أبو لبن، حيث رفضت الأسيرات الفلسطينيات الخروج من السجن بسبب تحفظ سلطات الاحتلال على عدد منهن، وذلك على اعتبار أنّ القانون الإسرائيلي ينص على أنّ الأسرى الذين حوكموا أمام محاكم مدنية يحتاجون لمصادقة رئيس الدولة على الإفراج عنهم وذلك يمنحهم عفواً تاماً، أمّا الذين حوكموا أمام المحاكم العسكرية، فإنهم يحتاجون لمصادقة لجنة عسكرية على قرار الإفراج، عنهم إضافةً لموافقة قائد المنطقة الوسطى.
وبهذا الشكل دخلت قضية الأسرى في متاهات القانون الداخلي لدولة الاحتلال مما أدّى إلى تجزئة قضيّة الأسرى والمماطلة فيها. وقد تأخرت عملية إطلاق سراح الأسيرات الفلسطينيات أكثر من 16 شهراً، لحين التوقيع على بروتوكول الخليل الذي أُطلق بموجبه سراح الأسيرات كافة.
أما المرحلة الثانية، فكان من المقرر خلالها إطلاق سراح (1,200) أسير وقد أفرجت سلطات الاحتلال بتاريخ 10/1/1996 عن (782) أسيراً، كما أفرجت بتاريخ 11/1/1996 عن نحو (260) أسيراً وتلاعبت سلطات الاحتلال بشكل واضح بالقوائم، حيث أدرجت أسماء (160) معتقلاً من قطاع غزة تم اعتقالهم بسبب دخولهم الخط الأخضر من دون حصولهم على تصاريح عمل، بالإضافة إلى (200) معتقل مدني اعتقلوا على خلفيات جنائية، ولم تراعي سلطات الاحتلال الأوضاع الإنسانية في عملية الإفراج عن الأسرى، بل إن معظم الذين أفرج عنهم هم ممن انقضت مدة محكوميتهم، أو ممن لم يتبق لهم سوى مدة وجيزة.
مذكرة "واي ريفر" الموقعة بتاريخ 23 تشرين أول 1998 في واشنطن:
لم تتضمن هذه المذكرة نصاً خطياً يتعلق بقضية الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين عامّة، أو أسرى القدس خاصة، وإنّما كان الحديث حول تعهد الاحتلال بضمان أمريكي بالعمل على إطلاق سراح (750) أسيراً فلسطينياً على ثلاث دفعات بواقع (250) في كل دفعة وبتاريخ 20/11/1996 أطلقت سلطات الاحتلال سراح (250) أسيراً فلسطينياً بينهم (94) معتقلاً سياسياً من ذوي الأحكام المنخفضة والتي قاربت مدتها على الانتهاء، و(156) معتقلاً من الجنائيين أي سجناء الحق العام، الأمر الذي خلق جواً من الإحباط والغضب لدى المواطنين الفلسطينيين ودفع الأسرى الفلسطينيين لإعلان الإضراب عن الطعام لمدة 10 أيام اعتباراً من تاريخ 5/12/1998 مطالبين بإطلاق سراحهم.
اتفاقية شرم الشيخ الموقعة بتاريخ 4 سبتمبر 1999م:
جاءت اتفاقية شرم الشيخ لتعالج جزءاً من الخلل فيما يتعلق بقضية الإفراج عن الأسرى والمعتقلين ووردت نصوص واضحة في البند الثالث أبرزها: "أنّ حكومة الاحتلال ستفرج عن المعتقلين الفلسطينيين الذين ارتكبوا مخالفاتهم قبل 13 أيلول 1993، والذين اعتقلوا قبل 4 أيار 1994، أي قبل إعلان المبادئ وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية، وسيشكّل الجانبان لجنة مشتركة لمتابعة القضايا المتعلقة بالإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين، وستتّفق اللجنة المشتركة على أسماء المعتقلين الذين سيُفرج عنهم في المرحلتين الأولى والثانية، وستوصي اللجنة المشتركة بقوائم أسماء إضافية للإفراج عنها للجهات المعنيّة من خلال لجنة المراقبة والتوجيه، كما وسيفرج الجانب الإسرائيلي عن الدفعة الثالثة من المعتقلين قبل شهر رمضان أي في نهاية العام نفسه" لكنّ الاتّفاق لم يحدّد عددهم.
والتزمت حكومة الاحتلال بالإفراج عن الدفعة الأولى بتاريخ 9/9/1999 وكان عددهم (199) أسيراً، بينما بلغ عدد المفرج عنهم في الدفعة الثانية بتاريخ 15/10/199 (151) أسيراً من ذوي الأحكام العالية والمؤبدات والأسرى العرب، وممن جَرحوا إسرائيليين وقتلوا عملاء، لكنها لم تلتزم بالبنود الأخرى كالاتفاق على الأسماء، أو الإفراج عن جميع ممن اعتقلوا قبل إعلان المبادئ وقبل 4 آيار 1994، فهي ما تزال حتى الآن تحتفظ بـ (367) أسيراً اعتقلوا قبل ذلك التاريخ، وترفض دولة الاحتلال الإفراج عنهم بحجة أن"أياديهم ملطخة بالدماء".
معاناة الأسرى المقدسيّين:
يعاني الأسير المقدسي آلام الأسر مرّتين، مرة بسبب اعتبار سلطات الاحتلال أن قوانينها تنطبق عليه مثله مثل السجناء اليهود، وبالتالي لايمكن أن يدخل ضمن أي صفقة لتبادل الأسرى بينها وبين أي جهة فلسطينية كانت أو عربية، كما لا يجوز أن يكون الأسرى المقدسيون موضوعاً للنقاش في عمليات التفاوض التي تتم بينها وبين السلطة الوطنية الفلسطينية. ومرةً أخرى بسبب معاملتها له كباقي الأسرى الفلسطينيين من ناحية سوء ظروف الاعتقال وقساوتها ووحشية المعاملة والحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية الخاصة بالأسرى والتي تنص عليها الأعراف والاتفاقيات الدولية ومنها اتفاقية جنيف والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيرها من الاتفاقات والمواثيق، فسلطات الاحتلال لا تراعي الظروف والحالات الإنسانية لأسرى القدس، فهي لا تسمح لهم بزيارة أو رؤية آبائهم وأمهاتهم المرضى حتى من هم على فراش الموت، فمثلاً لم يُسمح للأسير فؤاد الرازم المعتقل منذ 31/1/1981 بزيارة والدته وهي في العناية المركزة، ولكن بعد تدخل من الدكتور سفيان أبو زايدة وزير الأسرى آنذاك سُمح بإحضار والدة الأسير الرازم من غرفة العناية المركزة في سيارة إسعاف وتمكّن من رؤيتها قبل أسبوعين من وفاتها، حيث تُوفيت بتاريخ 13/9/2005، ولم يسمح له بالمشاركة في تشييعها، وكانت والدة الرازم قد تعرضت لجلطة أقعدتها لمدة 6 سنوات ولم تتمكن من رؤية ابنها خلال تلك السنوات، وقد باءت كل محاولات الأسير فؤاد لرؤيتها وزيارتها في المستشفى بالفشل، حيث رفضت مصلحة السجون ومحكمة "العدل العليا" في دولة الاحتلال طلباته، بل تعمّدت مصلحة السجون آنذاك نقله من سجن إلى آخر بشكل متواصل حتى لا يتمّ اللقاء.
وكذلك لم تشفع الحالة الصحية الصعبة للأسير المقدسي الشهيد محمد حسن أبو هدوان (65 عاماً) لدى سلطات الاحتلال للإفراج عنه، أو السماح له بتلقي العلاج خارج السجن، أو حتى تقديم العلاج المناسب له داخل السجن، فهو محكوم عليه بالسجن المؤبد وقد أمضى 19 عاماً داخل سجون الاحتلال، وكان يعاني من أمراض القلب والسكري والأزمة الصدرية وتصلب الشرايين والضغط، وقد أمضى آخر 7 أعوام من حياته في مستشفى سجن الرملة بسبب تردّي حالته الصحية، إلى أن استشهد في 4/11/2004 في مستشفى السجن حين رفضت إدارة السجون في دولة الاحتلال نداءات المؤسسات المهتمّة بحقوق الإنسان للإفراج عنه.
ومن قبله كان الشهيد الأسير المقدسي عمر محمود القاسم (59 عاماً) الذي اعتُقل بتاريخ 28/10/1968م، وعلى مدار سنوات اعتقاله كان علماً من أعلام الحركة الأسيرة، وأحد بُناتها الأساسيين، وعانى القاسم خلال مسيرة حياته خلف القضبان على مدار واحد وعشرين عاماً العديد من الأمراض في ظل سياسة الإهمال الطبي المتعمّد من قبل إدارة مصلحة السجون ورُفض الإفراج عنه بسبب سوء حالته الصحية حتى استُشهد في الرابع من حزيران عام 1989م.
واليوم هناك العشرات من الأسرى المقدسيين الذين يعانون من أمراض مختلفة في ظل سياسة الإهمال الطبي، فعلى سبيل المثال، واستناداً إلى وكالة "وفا" بتاريخ 24/11/2006، ناشدت والدة الأسير محمد صالح محسن (28 عاماً) المحكوم 21 عاماً، اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمات حقوق الإنسان وأعضاء الكنيست العرب العمل من أجل إنقاذ حياة ولدها الأسير محمد من الموت البطيء في سجن بئر السبع إذ يعاني من مرض الحصوة في الكلى، والأعصاب والشقيقة، حيث لا يستطيع إمساك أي شيء بيديه ولا حتى السير على قدميه، وترفض إدارة السجن تقديم العلاج اللازم له.
ولا تقتصر معاناة الأسرى المقدسيين على تدهور الحالة الصحيّة لبعضهم، أو عدم تلقّيهم العناية الكافية، فمُعتقل المسكوبية في القدس الذي يُحقَّق فيه مع الأسرى المقدسيّين يُعتبر من أسوأ المعتقلات على الإطلاق في دولة الاحتلال، حتّى أن الفلسطينيين يطلقون عليه اسم معتقل الموت. وللأطفال المقدسيّين حصّتهم من المعاناة أيضاً، فدولة الاحتلال تحاكم الأطفال وتحتجزهم ضمن ظروف سيئة جداً، وهم يتلقون المعاملة نفسها التي يتلقّاها الأسرى الفلسطينيون الآخرون.
ومنذ بداية الانتفاضة ودولة الاحتلال تنتهج سياسة منظمة تجاه التعامل مع الأطفال الأسرى مثل إجراءات المحاكمة الطّويلة والمعقّدة، والتعذيب أثناء التحقيق، وعدم وجود رعاية صحية، والحرمان من الحق في التعليم.
كما تنتهج حكومة الاحتلال سياسة عنصريّةً ضد الأطفال الفلسطينيين فهي تعتبر أنّ الطفل الإسرائيلي هو كل شخص لم يتجاوز سن 18عاماً، بينما تعتبر الطفل الفلسطيني بأنه كل شخص لم يتجاوز سن 16 عاماً. وخلافاً لالتزاماتها بتوفير ضمانات قضائية مناسبة لاعتقال الأطفال ومحاكمتهم بموجب اتفاقية حقوق الطفل والقانون الدولي الإنساني، فهي تتعامل مع الأطفال الفلسطينيين بشكل مختلف عن تعاملها مع الأطفال الإسرائيليين الذين يحاكمون وُيعاملون وفق نظام قضائي خاص بالأحداث، تتوافر فيه ضمانات المحاكمة العادلة، بينما تتعامل مع الأطفال الفلسطينيين من خلال محاكم عسكرية تفتقر للحد الأدنى من معايير المحاكمات العادلة، خصوصاً الأمر العسكري 132 الذي يسمح لسلطات الاحتلال باعتقال الأطفال في سن 12عاماً، وهناك العديد من الأسرى الأطفال الذين صدرت بحقهم أحكام عالية تصل للمؤبد.
----------------------------------------------------------------------------------------------------------
وزارة الأسرى والمحررين.