في انتخابات الكنيست الـ25 والتي جرت في 1 تشرين الثاني 2022 وسعت الأحزاب العربية دائرة انقسامها من كتلتين إلى ثلاث كتل؛ إذ ذهبت الحركة الإسلامية (الشق الجنوبي) لخوض الانتخابات لوحدها تحت اسم "القائمة العربية الموحدة" لتحصد 5 مقاعد؛ أما "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" و"الحركة العربية للتغيير" فقد خاضتا الانتخابات بكتلة موحدة ليحصدا 5 مقاعد؛ فيما خاض التجمع الوطني الديمقراطي الانتخابات وحده ولم يجتز نسبة الحسم، إذ حصل على 2.91% من الأصوات الصحيحة، لتحافظ الكتل العربية على عدد مقاعدها (10 مقاعد) رغم ارتفاع نسبة التصويت لدى المجتمع الفلسطينيّ إلى ما نسبته 54%، (بلغت نسبة التصويت العامّة في إسرائيل في هذه الانتخابات نحو 70.6% وهي الأعلى منذ عام 2015).
الموقف من المشاركة في الانتخابات:
هناك إشكالية تاريخية تواجه فلسطينيي الـ 48 بخصوص المشاركة العربية في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية؛ فمنذ الانتخابات البرلمانية الأولى في الخامس والعشرين من كانون الأول للعام 1949 وفلسطينيو الـ 48 منقسمون في موقفهم تجاه المشاركة في هذه الانتخابات إلى تيارين أساسيين، وهما:
التيار الأول: يرى ضرورة المشاركة في العملية السياسية برمتها؛ وفي القلب منها "العملية الانتخابية"؛ لاتخاذ الكنيست منبرًا مُتاحًا لمواجهة السياسات الإسرائيلية العنصرية تجاه فلسطينيي 48، ومن أجل الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم اليومية.
التيار الثاني: يرى أنه لا فائدة من المشاركة في العملية السياسية، وتحديدًا في الانتخابات؛ فالاندماج في ظل أيديولوجية الدولة وممارستها المستندة إلى المثل الصهيونية أمر مستحيل؛ لأن إسرائيل مصرة على طابعها اليهودي؛ فيما يشكل العرب هوية مغايرة تمامًا.
ويلقى تيار المقاطعة الدعم الأساسي من "الحركة الإسلامية - الشق الشمالي" برئاسة الشيخ رائد صلاح، وحركة "أبناء البلد" الذين يرون أن المشاركة في الانتخابات البرلمانية لا يمكن أن تحقق طموحات الجماهير العربية؛ بل إن مشاركة فلسطينيي الـ 48 فيها يمكن أن تخلق انطباعًا بأن إسرائيل دولة ديمقراطية حقيقية؛ ما يفيدها عالميًا؛ فيما الحقيقة عكس ذلك.
وتبقى هذه الإشكالية المتمثلة بالانقسام تجاه المشاركة في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية تطفو على السطح وتخبو في فترات متفاوتة أو متباعدة؛ لكنها لا تغيب أبدًا. إلا أن الثابت تاريخيًا أن فلسطينيي الـ 48 كان لهم مشاركات فردية في إطار أحزاب إسرائيلية أو مشتركة أو قوائم حزبية عربية متعددة ومنقسمة ومتنافسة منذ عام 1949م.
الأحزاب والحركات العربية والمشاركة في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية:
منذ عام 1949 وحتى أواخر ثمانينيات القرن الماضي، لم تظهر أحزاب عربية خالصة على الساحة الحزبية الإسرائيلية تشارك في الانتخابات البرلمانية؛ واقتصرت مشاركة فلسطينيي الـ 48 في الانتخابات كمرشحين في إطار الأحزاب الإسرائيلية أو المختلطة، أو في إطار قوائم هامشية تشكل للمشاركة في الانتخابات البرلمانية، ثم ما تلبث أن تختفي.
وقد شهدت خمسينيات وستينيات القرن الماضي بعض المحاولات لتشكيل حركات سياسية تتحدث باسم فلسطينيي الـ 48؛ لكنها لم تتمكن من الاستمرار بسبب خلافات داخلية، أو بسبب التضييق الذى كانت تمارسه السلطات الإسرائيلية عليها؛ ومع ذلك يمكن الإشارة إلى بعض المحاولات التي كان لها تأثير إيجابي كبير في التاريخ السياسي لفلسطينيي الـ 48، وهما:
المحاولة الأولى: هي تأسيس "الجبهة العربية الشعبية" في عام 1958 على يد مجموعة من الشيوعيين والقوميين - الناصريين، والتي كانت محسوبة على التيار القومي، لسيطرة القوميين عليها؛ وكانت تطالب بإلغاء الحكم العسكري، وعودة اللاجئين، وإلغاء سياسة التمييز؛ ما عرض أعضاءها لمعاملة عدائية من السلطات الإسرائيلية. وقد حلت الجبهة بعد احتدام الخلافات بين التيار الشيوعي والقومي بداخلها.
المحاولة الثانية: تأسيس "حركة الأرض" على يد القوميين، في عام 1964م، في أعقاب حل "الجبهة العربية الشعبية"، والتحاق الشيوعيين بالحزب الشيوعي. وقد حاول مؤسسو "حركة الأرض" تسجيلها كحزب سياسي؛ لكنهم فشلوا بعد أن قررت المحكمة العليا الإسرائيلية اعتبار الحركة تمس بوجود إسرائيل؛ وبالتالي تم حظر نشاطها؛ ومُنع أعضاؤها من المشاركة في انتخابات الكنيست السادسة عام 1965 تحت اسم "القائمة الاشتراكية".
وفي مطلع سنوات السبعينيات ظهرت حركتان وهما:
- الحركة الإسلامية: وهي حركة دينية سياسية أقيمت في 1971 على يد الشيخ عبد الله نمر درويش، وكان موقفها رافضٌ للمشاركة في الانتخابات البرلمانية. وفي 1996 انقسمت إلى قسمين:
1- الجناح الشمالي بقيادة رائد صلاح: استمر في رفضه للمشاركة بالانتخابات البرلمانية الإسرائيلية والدعوة لمقاطعتها.
2- الجناح الجنوبي بقيادة إبراهيم صرصور: شارك في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية في إطار تحالف "القائمة العربية الموحدة" مع "الحزب العربي الديمقراطي" و"الحركة العربية للتغيير".
- حركة أبناء البلد: تأسست حركة أبناء البلد عام 1972، واعتبرها الكثيرون امتدادًا لـ"حركة الأرض"؛ لكنها دعت إلى مقاطعة المشاركة في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية.
ومع قرب نهاية عقد الثمانينات، وتحديدًا في عام 1988م، كان الحدث الأبرز على الساحة الحزبية في مسيرة فلسطينيي الـ 48 السياسية؛ حيث تم إنشاء "الحزب الديمقراطي العربي" على يد عبد الوهاب دراوشة؛ وكان أول حزب عربي صرف، ولم تحظره السلطات الإسرائيلية؛ ما أدى إلى قيام أحزاب عربية أخرى شاركت في الانتخابات البرلمانية اللاحقة، ومنها: "التجمع الوطني الديمقراطي"، الذي تأسس عام 1996؛ و"الحركة العربية للتغيير" التي تأسست عام 1996؛ و"الحركة الإسلامية- الشق الجنوبي" التي ظهرت عام 1996م بعد انشقاق الحركة الإسلامية إلى جزء شمالي مقاطع للانتخابات؛ وجنوبي مشارك فيها، والجدول التالي يوضح نتائج مشاركة القوائم العربية في الانتخابات الإسرائيلية بعد عام 1988م.
نتائج مشاركة القوائم العربية في الانتخابات الإسرائيلية منذ عام 1988 حتى عام 2022م.
الكنيست |
العام |
القائمة |
عدد الأصوات الصالحة |
الأصوات بالنسب المئوية |
عدد المقاعد |
|
||||
12
|
1988
|
الحزب الديمقراطي العربي |
27,012 |
1.8 |
1 |
|
||||
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة |
84,032 |
3.7 |
4 |
|
||||||
13
|
1992
|
الحزب الديمقراطي العربي |
40,788 |
1.6 |
2 |
|
||||
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة |
62,546 |
2.4 |
3 |
|
||||||
14
|
1996
|
الحزب الديمقراطي العربي |
89,514 |
3.0 |
4 |
|
||||
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة |
129,455 |
4.4 |
5 |
|
||||||
15
|
1999
|
القائمة العربية الموحدة |
114,810 |
3.4 |
5 |
|
||||
التجمع الوطني الديمقراطي |
66,103 |
1.9 |
2 |
|
||||||
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة |
87,022 |
2.6 |
3 |
|
||||||
16
|
2003
|
القائمة العربية الموحدة |
65,551 |
2.1 |
2 |
|
||||
التجمع الوطني الديمقراطي |
71,299 |
2.3 |
3 |
|
||||||
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة |
93،819 |
3.0 |
3 |
|
||||||
17
|
2006
|
القائمة العربية الموحدة – “الحركة العربية للتغيير” |
94,786 |
3.0 |
4 |
|
||||
التجمع الوطني الديمقراطي |
72,066 |
2.3 |
3 |
|
||||||
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة |
86,092 |
2.7 |
3 |
|
||||||
18
|
2009
|
القائمة العربية الموحدة - “الحركة العربية للتغيير” |
113,954 |
3.4 |
4 |
|
||||
التجمع الوطني الديمقراطي |
83,739 |
2.5 |
3 |
|
||||||
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة |
112,130 |
3.3 |
4 |
|
||||||
19
|
2013
|
القائمة العربية والموحدة للتغيير |
138,450 |
3.65 |
4 |
|
||||
التجمع الوطني الديمقراطي |
97,030 |
2.56 |
3 |
|
||||||
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة |
113,439 |
2.99 |
4 |
|
||||||
20 |
2015 |
قائمة عربية مشتركة (الجبهة، الموحدة، التجمع، التغيير) |
443.837 |
10.54 |
13 |
|
||||
21
|
2019 |
الجبهة والتغير |
193.267 |
4.49 |
6 |
|
||||
الموحدة والتجمع |
143.844 |
3.33 |
4 |
|
||||||
22 |
2019 |
القائمة المشتركة (الجبهة الإسلامية، والتجمع والتغيير) |
470,211 |
10.60% |
13 |
|
||||
23 |
2020 |
القائمة المشتركة (الجبهة، الإسلامية، التجمع، التغيير) |
581,507 |
12.67% |
15 |
|
||||
24
|
2021
|
القائمة المشتركة (الجبهة، التجمع، التغير) |
212,583 |
4.74 |
6 |
|
||||
القائمة العربية الموحدة |
167,064 |
3.79 |
4 |
|
||||||
25 |
2022 |
القائمة العربية الموحدة |
194,047 |
4.07 |
5 |
|||||
الجبهة والعربية للتغيير |
178,735 |
3.75 |
5 |
بعد 67 عامًا من الفرقة ولأول مرة في تاريخها، اتفقت الأحزاب العربية لفلسطينيي الـ 48 على خوض انتخابات الكنيست العشرين في 17 آذار (مارس) 2015م، ضمن قائمة موحدة التي أعلن عن تشكيلها في شهر كانون ثاني 2015م. ولعل الأسباب التي دفعت نحو هذه الوحدة هي:
- ضغط الجماهير العربية على قيادة الأحزاب العربية لتشكيل قائمة موحدة لخوض الانتخابات البرلمانية.
- لتجاوز نسبة التصويت المطلوبة (الحسم) وهي 3.25%.
- التحديات التي تواجه فلسطينيي 48، والمتمثلة في رزمة من القوانين العنصرية التي أقرت داخل الكنيست الإسرائيلي.
- مواجهة اصطفافات قوى اليمين واليمين المتطرف، ولمقارعة استبداد الأغلبية الصهيونية، من خلال زيادة وزنها في البرلمان الإسرائيلي، لاستغلال النافذة الوحيدة المتاحة لفلسطينيي 48 لتحسين أوضاعهم والدفاع عن مصالحهم في ظل الجو العنصري الذي يزداد تعمقًا في الساحة الإسرائيلية، خاصة في ظل تصاعد عدد دعاة التخلص من فلسطينيي 48 لتأسيس دولة يهودية خالصة.
أما في انتخابات الكنيست الـ21 في عام 2019 فإن الأحزاب العربية عادت لانقسامها؛ وكان لذلك أثره الواضح على عدد مقعدها؛ حيث حصلوا على 10 مقاعد؛ أي بتراجع 3 مقاعد عن العام 2015.
وفي انتخابات الكنيست الـ22 في العام 2019 عادت الأحزاب العربية للوحدة من جديد على أمل أن تحصد المزيد من المقاعد؛ بعد أن أدركت أن الانقسام وخوض الانتخابات بعدة قوائم من شأنه أن يفقدها عدة مقاعد؛ وبالتالي يحد من قدرتها ومدى تأثيرها لتحصد 13 مقعداً وتصبح القوة الثالثة في الكنيست بعد كتلتي "الليكود" و"أزرق أبيض".
أما في انتخابات الكنيست الــ 23 والتي جرت في آذار 2020 فقد شهد حجم المشاركة العربية ارتفاعًا ملحوظا آخر وصل ما نسبته 65%. ويرد بعض المراقبين والمحللين وحتى أعضاء القائمة المشتركة هذا الارتفاع إلى الاسباب ذاتها في انتخابات الكنيست الــ 22 ولتحصد 15 مقعداً وتحافظ على بقائها القوة الثالثة في الكنيست بعد كتلتي "الليكود" و"أزرق أبيض".
أما في انتخابات الكنيست الـ24 في عام 2021 فإن الحركة الأسلامية (الشق الجنوبي) ذهبت لخوض الانتخابات لوحدها تحت أسم القائمة العربية الموحدة ، فيما حافظت الكتل الثلاث: الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحزب الشيوعي، والتجمع الوطني الديمقراطي والحركة العربية للتغيير على خوض الانتخابات موحدة تحت أسم (القائمة المشتركة)، ليشهد حجم المشاركة العربية تراجعاً ملحوظاً وصل ما نسبته 45% ليتراجع نصيب الأحزاب العربية من جديد إلى 10 مقاعد في الكنيست الـــ 24 منها 6 لصالح القائمة المشتركة و 4 لصالح القائمة العربية الموحدة.
في انتخابات الكنيست الـ25 والتي جرت في 1 تشرين الثاني 2022 وسعت الأحزاب العربية دائرة انقسامها من كتلتين إلى ثلاث كتل؛ إذ ذهبت الحركة الإسلامية (الشق الجنوبي) لخوض الانتخابات لوحدها تحت اسم "القائمة العربية الموحدة" لتحصد 5 مقاعد؛ أما "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" و"الحركة العربية للتغيير" فقد خاضتا الانتخابات بكتلة موحدة ليحصدا 5 مقاعد؛ فيما خاض التجمع الوطني الديمقراطي الانتخابات وحده ولم يجتز نسبة الحسم، إذ حصل على 2.91% من الأصوات الصحيحة، لتحافظ الكتل العربية على عدد مقاعدها (10 مقاعد) رغم ارتفاع نسبة التصويت لدى المجتمع الفلسطينيّ إلى ما نسبته 54%، (بلغت نسبة التصويت العامّة في إسرائيل في هذه الانتخابات نحو 70.6% وهي الأعلى منذ عام 2015).