هي مفاوضات تخصصية فنية متعددة الأطراف بدأ مؤتمرها العام في موسكو خلال شهر كانون الأول (ديسمبر) 1992، وقد رفض الفلسطينيون المشاركة فيها بعد رفض الولايات المتحدة وروسيا قبول صيغة تشكيل الوفد الفلسطيني الذي يضم ثمانية أعضاء من الضفة والقطاع والقدس والشتات، كما تغيب عن المؤتمر سوريا ولبنان.
وافق الفلسطينيون فيما بعد على حل وسط بهذا الشأن قدمه وزير الخارجية الأمريكي، ما دفع إسرائيل إلى التهديد بمقاطعة المحادثات المتعددة الأطراف الخاصة باللاجئين والتنمية الاقتصادية.
ونفذت إسرائيل تهديداتها ولم تشارك في اجتماعات لجنة اللاجئين التي بدأت في "أوتاوا" بكندا يوم 13/5/1992، وخلال اجتماعات لجنة اللاجئين في أوتاوا طالب الوفد الفلسطيني بضمان تنفيذ قرارات الشرعية الدولية الخاصة بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين استنادا إلى القرار 194، وفي الوقت نفسه أعلنت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية في واشنطن عن تأييد الولايات المتحدة لقرارات الأمم المتحدة الخاصة بعودة الفلسطينيين، ما أغضب إسرائيل، وأعلن وزير خارجيتها أن إسرائيل ترفض رفضا قاطعا تطبيق القرار 194، وبعد اقل من أسبوع تراجعت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأمريكية عن موقفها المؤيد لقرار 194، وأعلنت أن قراري مجلس الأمن الدولي 242 و 388 هما القراران الملزمان لمسيرة السلام وليس أي قرار آخر.
منذ ذلك الوقت واللجان المتعددة تجتمع في أماكن عديدة دون تحقيق نتائج ملموسة، وذلك لإصرار إسرائيل على مواقفها القديمة بدعم أمريكي وصمت روسي، وعدم اكتراث دولي.
على اثر تعثر المفاوضات الإسرائيلية العربية في واشنطن بسبب تعنت القيادة الإسرائيلية برئاسة اسحق شامير، وانشغال القيادة الإسرائيلية بالانتخابات التشريعية لعام 1992، وبعد هزيمة شامير أمام رابين، وتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة مؤيدة للمسيرة السلمية، قام وزير الخارجية الأمريكي بزيارة منطقة الشرق الوسط خلال شهر تموز (يوليو) واجتمع مع زعماء المنطقة كما اجتمع يوم 20/7/1992 مع وفد فلسطيني قدم له مذكرة تضمنت عدة مطالب أهمها:
1. يجب على الحكومة الإسرائيلية الجديدة القيام بعدة إجراءات حسن نية تجاه الفلسطينيين.
2. يجب على إسرائيل القبول باتفاقية جنيف الرابعة وتطبيقها على الأرض المحتلة.
3. يجب على الولايات المتحدة إعادة حوارها مع (م.ت.ف).
فور مغادرة وزير الخارجية الأمريكي المنطقة عقد وزراء خارجية الدول العربية المشاركة في المفاوضات إضافة إلى وزير الخارجية المصري اجتماعا في دمشق بهدف تنسيق المواقف قبل الجولة السادسة من المفاوضات، ومع انعقاد الجولة السادسة التي بدأت في 24/8/1992، ساد جو من التفاؤل بسبب تغير الوضع في إسرائيل بعد فوز اليسار الإسرائيلي، إلا أن هذه الجولة انتهت دون أي نتائج.
لم تكن الجولة السابعة من المفاوضات أفضل من سابقاتها وذلك لانشغال الإدارة الأمريكية بالانتخابات التي أدت إلى فوز كلينتون وهزيمة بوش، وكذلك لم تتقدم الجولة الثامنة التي جرت خلال شهر كانون الأول (ديسمبر)عام 1992، وأصبح كل طرف بحاجة إلى مخرج من هذه الأزمة، ما دفع الجانب الفلسطيني إلى التفكير بالاتصال بالقيادة الإسرائيلية سرًا لفتح قناة اتصال سرية قد تساهم في تحريك الأمور.
وفي خطوة ايجابية من قبل الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة اسحق رابين أقر الكنيست الإسرائيلي بأغلبية (37) عضواُ مقابل (26) مشروع قانون يلغي قانوناً سابقاً يحظر على الإسرائيليين إجراء لقاءات مع (م.ت.ف) تمهيدا للاتصال مع المنظمة والتفاوض معها.
مع بداية عام 1993 بدأت الاتصالات الإسرائيلية مع (م.ت.ف) في "أوسلو" برعاية وزير الخارجية النرويجي أدت فيما بعد إلى توقيع اتفاقية "أوسلو" بين الطرفين.
في ضوء الجمود وعدم التقدم في محادثات واشنطن بين الوفود العربية والوفد الإسرائيلي بدأت (م.ت.ف) تتحرك على الساحة العربية وتحاول إجراء مصالحة مع السعودية وبعض دول الخليج التي قطعت علاقتها مع المنظمة اثر حرب الخليج في محاولة لتوحيد الموقف العربي في مواجهة الموقف الإسرائيلي المتعنت والرافض لقرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، وقام الرئيس الراحل ياسر عرفات بعدة اتصالات وجولات، وبعث محمود عباس (أبو مازن)(الرئيس الحالي للسلطة الوطنية الفلسطينية) إلى الرياض لفتح صفحة جديدة في العلاقات مع السعودية ، كما اتفقت حركتا فتح وحماس في الخرطوم على مواصلة الحوار وتشكيل قيادة مشتركة للانتفاضة في الأرض المحتلة، وشارك فاروق قدومي بفاعلية في اجتماعات وزراء الخارجية العرب لبحث مشكلة المبعدين الفلسطينيين في مرج الزهور بلبنان، وبعث فيصل الحسيني رسالة إلى وزير الخارجية الأمريكي يبلغه فيها رفض الفلسطينيين استئناف المباحثات في واشنطن قبل عودة المبعدين إلى ديارهم، واجتمع وزراء الخارجية العرب مرة أخرى في دمشق دون أن يتخذوا قراراً حول مشاركتهم في الجولة التاسعة للمفاوضات، واجتمع وفد الترويكا – الأوروبي مع وفد فلسطيني ورئيس الوزراء الإسرائيلي في محاولة لإنقاذ المسيرة السلمية، فيما طار الرئيس مبارك إلى واشنطن واجتمع مع كلينتون.
في هذه الأثناء نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية يوم 9/4/1993 خبرا حول تفاصيل صفقة أمريكية إسرائيلية لإقناع الفلسطينيين بالعودة إلى طاولة المفاوضات مقابل إعادة مجموعة من المبعدين وخاصة من مبعدي حركة "فتح".
اجتمع وزراء الخارجية العرب للمرة الثالثة في دمشق لبحث الموقف وقرروا المشاركة في الجولة التاسعة بعد تنازل إسرائيل عن بعض المطالب لـ (م.ت.ف) ونشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية يوم 16/4/1993 أن القيادة الفلسطينية سجلت لنفسها انجازاً يثير الإعجاب حيث حصلت على تنازلات إسرائيلية أهمها:
• التعهد بإعادة كل مبعدي "حماس" و"الجهاد" حتى أيلول 1994.
• الموافقة على إعادة (50) مبعدا قديما منذ عام 1967، وعدد من مبعدي "فتح" والتنظيمات الأخرى.
• الموافقة على توسيع صلاحيات قيادة الحكم الذاتي بعد الاتفاق على ذلك.
بعد ذلك عقدت الجولة التاسعة في واشنطن يوم 27/4/1993 وبدأت إسرائيل بإعادة مجموعة من مبعدي فتح والتنظيمات الأخرى والمستقلين حيث استقبلوا استقبال الأبطال.
خلال الجولة التاسعة من مفاوضات واشنطن شارك الوفد الفلسطيني بثلاثة أعضاء فقط ليس من بينهم رئيس الوفد د. حيدر عبد الشافي بعد أن كان الوفد يتكون من (14) عضوا، وذلك احتجاجا على عدم حدوث أي تقدم بالإضافة إلى تراجع إسرائيل والولايات المتحدة عن تنفيذ التعهدات الشفوية التي قدمت للوفد من قبل حضوره باستثناء إعادة مجموعة من المبعدين عبر الجسر.
وقدم الإسرائيليون في هذه الجولة وللمرة الأولى مسودة اتفاقية للجانب الفلسطيني احتوت بعض النقاط الايجابية ولكنها غير مقبولة بشكل كامل، وجاء ذلك بعد ضغوطات من الجانب الأمريكي في محاولة لإنقاذ مفاوضات واشنطن. وأهم بنود هذه المسودة:
1. مرجعية المفاوضات هي قراراً 242 و338.
2. الأراضي الفلسطينية في القطاع تشكل وحدة جغرافية واحدة.
3. تستثنى مدينة القدس والمستوطنات والأمن.
4. يتمتع المجلس الفلسطيني المنتخب بصلاحيات تشريعية وقضائية وتنفيذية.
5. تجري انتخابات سياسية عامة بإشراف دولي لتشكيل المجلس الفلسطيني.
6. نقل غالبية صلاحيات سلطة الإدارة المدنية الإسرائيلية إلى المجلس الفلسطيني المنتخب باستثناء كل ما يتعلق بالأمن والمستوطنات.
7. الأمن يبقى بيد إسرائيل، ويحق للمجلس تشكيل شرطة خاصة به لمعالجة قضايا النزاعات الداخلية.
وقدم الفلسطينيون من جانبهم مسودة اتفاقية للجانب الإسرائيلي ردا على المسودة الإسرائيلية تضمنت ما يلي:
1. هدف المفاوضات هو الوصول إلى سلام يقوم على قراري الأمم المتحدة 242 و 338.
2. تقام هيئة انتقالية فلسطينية للحكم الذاتي من خلال انتخابات عامة تحت إشراف دولي.
3. تضطلع الهيئة الانتقالية بسلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية.
4. تنتقل جميع السلطات التي يمارسها الحكم العسكري الإسرائيلي وإدارته المدنية إلى الهيئة الانتقالية الفلسطينية وتنسحب القوات الإسرائيلية حسب جدول زمني متفق عليه.
5. الهدف هو تحقيق استقرار إقليمي وخلق الظروف المواتية لسلام حقيقي.
6. يشمل اختصاص الهيئة الانتقالية جميع الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967.
7. تتوصل الهيئة الانتقالية الفلسطينية وحكومة إسرائيل إلى اتفاقات بشأن التعاون والتنسيق في مجالات معينة، وستضع هذه الاتفاقات الاحتياجات الأمنية في الاعتبار للجانبين.
8. تشكل لجنة مشتركة بين الهيئة الانتقالية والحكومة الإسرائيلية لبحث الأمور ذات الاهتمام المشترك وتسوية النزاعات.
9. تحال النزاعات التي تتم تسويتها إلى لجنة تحكيم تشكل من ممثلين عن الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ومصر وسوريا والأردن والأمم المتحدة وممثلين عن الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
10. تبدأ مفاوضات في موعد أقصاه تشرين الأول (أكتوبر) 1994 لتحديد الوضع النهائي للأراضي المحتلة، ولتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه المشروعة بحرية.
رفض الإسرائيليون الورقة الفلسطينية، ما دفع الجانب الأمريكي إلى طرح ورقة أمريكية شبيهة بالورقة الإسرائيلية لإنقاذ حكومة اسحق رابين من السقوط بعد الأزمة التي سببتها حركة "شاس" الدينية حيث رفضت الورقة من الوفد الفلسطيني، فاضطر القنصل العام للولايات المتحدة في القدس يوم 10/6/1993 إلى الاعتراف بأن الورقة الأمريكية كانت بالفعل محكومة بالنظرة الإسرائيلية لإنقاذ الحكومة الإسرائيلية.
عندما بدأت الجولة العاشرة في واشنطن يوم 15/6/1993 قدم الأمريكيون أفكارا خطية لتقريب وجهات النظر بين الفلسطينيين والإسرائيليين فرفضها الفلسطينيون، إذ اعتبرها د.حيدر عبد الشافي أنها لا تصلح قاعدة لمواصلة النقاشات، ودعا الرئيس الراحل ياسر عرفات في كلمته في قمة منظمة الوحدة الإفريقية الولايات المتحدة إلى استئناف الحوار مع المنظمة وان تكون حكما نزيها كما دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي لصنع سلام الشجعان.
وقد فشلت الجولة العاشرة في التوصل إلى إعلان صيغة مبادئ مشتركة في الوقت الذي كانت فيه المفاوضات السرية في "أوسلو" قد حققت تقدما ملموسا في العديد من القضايا التي ما زالت شائكة في واشنطن.
في أوائل شهر آب (أغسطس) 1993 زار وزير الخارجية الأمريكي كريستوفر المنطقة اجتمع مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في محاولة لإنقاذ عملية السلام إلا أن ذلك لم يؤد إلى شيء.
في هذا الوقت حدث خلاف بين قيادة (م.ت.ف) في تونس وثلاثة أعضاء من الوفد الفلسطيني المفاوض – فيصل الحسيني وصائب عريقات وحنان عشراوي- الذين أعلنوا عن استقالتهم من الوفد، وبعد أقل من أسبوع عاد الثلاثة وسحبوا استقالتهم بعد زيارتهم لتونس والاجتماع مع الرئيس الراحل ياسر عرفات وتسوية الخلاف.
في هذا الوقت تسربت إلى الصحافة معلومات حول إبرام اتفاق بالأحرف الأولى بين (م.ت.ف) وإسرائيل في "أوسلو" يضمن انسحاب إسرائيل في المرحلة الأولى من قطاع غزة وأريحا، ما شكل صدمة قوية لأعضاء الوفد الفلسطيني الذين كانوا لا يعملون شيئاً عن الاتصالات السرية بين (م.ت.ف) وإسرائيل.
----------------------------------------------------------------------------------------------
المصدر: موسوعة المصطلحات والمفاهيم الفلسطينية، المركز الفلسطيني للدراسات الإقليمية