1. اليوم الأول للمؤتمر 30/10/1991:
افتتح مؤتمر مدريد بكلمة من رئيس وزراء اسبانيا، فيليب جونزاليز، رحب فيها بالوفود المشاركة في المؤتمر، ثم كلمة الرئيس الأمريكي جورج بوش، الذي أشار في أكثر من موضع في كلمته للمفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، مثل قوله:
"عملية مفاوضات سوف تستمر على نطاقين بين إسرائيل والدول العربية، وبين إسرائيل والفلسطينيين وسوف تتم المفاوضات على أساس القرارين 242 و 338. و"بالنسبة للفلسطينيين والإسرائيليين فان المفاوضات يمكن أن تتم على مراحل وتتحدث عن إقامة حكم ذاتي مؤقت فان هذه يمكنها أن تستمر على مدى خمسة أعوام وبعد ثلاثة أعوام فان المفاوضات سوف تكون حول الوضع النهائي ولا يمكن لأحد أن يقول بأي دقة ما هي النتائج النهائية لذلك". وأضاف: "إن إسرائيل أمامها اليوم فرصة لتظهر أنها تدخل في علاقة جديدة مع الفلسطينيين، قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون".
ثم ألقى الرئيس السوفييتي ميخائيل غورباتشوف كلمته، وأشار إلى المسألة الفلسطينية مرة واحدة وبشكل مقتضب حين قال:
".. وخلق سلام دائم يقوم على أساس احترام الشعب الفلسطيني وحقوقه ". فيما خصص فقرة من خطابه أهمية إعادة بلاده لعلاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، وأعقبه ممثل المجموعة الأوروبية، الذي ضمن كلمته إشارة صريحة إلى "ممارسة الشعب الفلسطيني لحق تقرير المصير وان موقفنا معروف أيضا".
وأضاف: "وبالنسبة للوضع في الأراضي المحتلة، فمن المهم أن يتحلى الطرفان بضبط النفس وان تمتثل إسرائيل لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة، ونحن نتطلع إلى تحسن ملموس في الوضع السائد في الأراضي المحتلة وذلك حتى قبل تنفيذ الترتيبات المؤقتة أو غيرها من الترتيبات".
واختتم السيد عمرو موسى وزير الخارجية المصري ورئيس وفد بلاده بكلمته أعمال اليوم الأول لمؤتمر مدريد، وحدد في كلمته أربعة من المتطلبات الأساسية التي يجب توافرها واحترامها من أجل التوصل إلى التسوية الشاملة والدائمة وهي:
أولاً: أن الوضع القانوني للشعب الفلسطيني لا يقبل الطعن فالشعب الفلسطيني ليس مجرد سكان أو قاطنين بل له خصائص الشعوب الأخرى.
ثانياً: أن الضفة الغربية وغزة والجولان السوري أراضي عربية محتلة تخضع للتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن 242.
ثالثاً: إن المستوطنات التي تقام في الأراضي المحتلة 1967 هي مستوطنات غير مشروعة.
رابعاً: لمدينة القدس وضعها الخاص، حيث يتعين أن تظل حرة مفتوحة مقدسة لكل المسلمين والمسيحيين واليهود.
وإن النزاع العربي الإسرائيلي يتأسس في جوهرة على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ويعتمد في انطلاقه وتقدمه على تسوية المشكلة الفلسطينية أرضاً وحقوقاً.
2. وقائع اليوم الثاني لمؤتمر مدريد 31/10/1991:
ألقيت في اليوم الثاني كلمات كل من اسحق شامير رئيس وزراء إسرائيل، وأعقبه كامل أبو جابر رئيس الوفد الأردني، ثم فارس بويز، وحيدر عبد الشافي، وأخيرا فاروق الشرع وزير خارجية سوريا.
وكانت كلمة اسحق شامير قد أشارت إلى القضية الفلسطينية في ثلاثة مواضع، حيث زعم:
أولاً: أن زعماء العرب في فلسطين تحت الانتداب شجعوا مئات الآلاف من السكان على الهرب من بيوتهم، ومعاناة هؤلاء هي وصمة عار على جبين الإنسانية، فلا يوجد إنسان صادق وبالطبع لا يوجد يهودي في هذا الزمان يستطيع أن يكون غير مبال بهذه المعاناة.
ثانياً: وفي موضع ثان أشار شامير إلى أن "هدف التفاوض المباشر هو التوقيع على معاهدات سلام بين إسرائيل وجاراتها والتوصل إلى اتفاق على ترتيبات مرحلية للحكم الذاتي مع العرب والفلسطينيين".
ثالثاً: وفي موضع ثالث قال شامير: "إننا نناشدكم شطب ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية الذي يدعو إلى القضاء على إسرائيل".
واستهل حيدر عبد الشافي رئيس الوفد الفلسطيني كلمته بتوجيه تحية إكبار واعتزاز لأبناء الشعب الفلسطيني الذين ما زالوا يناضلون من اجل الحرية والاستقلال، ثم قال: "نحن شعب فلسطين نقف أمامكم بكامل آمالنا وعزتنا وتوقعاتنا، فطالما حملنا حنينا للسلام وحلم العدالة والحرية لفترة طويلة من الزمن، لم يصغ احد للشعب الفلسطيني، ولقد حان الوقت لطرح قضيتنا ولنقدم الشهادة كدعاة للحقيقة ولا نقف أمامكم كمتوسلين بل كحملة مشعل للحرية، نحن نتحدث عن إيمان كامل بعدالة قضيتنا وصحة تاريخنا وعمق التزاماتنا وهنا تكمن قوة الشعب الفلسطيني، فقد تجاوزنا جدران الخوف والتردد ونود أن نرفع صوتنا بجسارة وأمانة يستحقها تاريخنا ومسيرتنا".
وأكد رئيس الوفد الفلسطيني على التزام الفلسطينيين وسائر قوى الشعب الفلسطيني بالقيادة الشرعية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقال بهذا الصدد: "وقد حرمنا من حق الاعتراف العلني وفاؤنا لقيادتنا إلا أن وفاءنا لا يمكن فرض الرقابة عليه أو الانتقاص منه، أن قيادتنا الوطنية ووحدتنا هي حارس ماضينا وحامي حاضرنا وأمل مستقبلنا".
وأضاف: "إن القدس الفلسطينية هي عاصمة وطننا ودولتنا المرتقبة، وأي تجاهل للقدس يعتبر بكل وضوح غير مشروع في أنظار المجتمع العالمي، ويعد إهانة للسلام الذي تستحقه مدينة القدس". وقال: "نأتي إليكم من ارض معذبة ومن شعب يعتز بنفسه وان كان أسيرا وطلب منا أن نتفاوض مع من يحتلنا، ولكننا تركنا وراءنا أطفال الانتفاضة والشعب تحت نير الاحتلال.. نحن نتكلم باسم الآلاف من أشقائنا وشقيقاتنا.... ينبغي للمستوطنات أن تتوقف لأن السلام لا يمكن أن ينطلق بينما تغتصب الأراضي الفلسطينية".
ثم وجه رئيس الوفد الفلسطيني بعضاً من كلمته للشعب الإسرائيلي قائلاُ: "باسم الشعب الفلسطيني نود أن نخاطب الشعب الإسرائيلي الذي تبادلنا معه الآلام لفترة طويلة لنتقاسم الأمل بدلا من ذلك، نحن على استعداد لأن نعيش جنباً إلى جنب على الأرض ونشاطر المستقبل".
وختم رئيس وفد فلسطين كلمته أمام مؤتمر مدريد بقوله: "سيداتي.. سادتي في الشرق الأوسط هناك دولة مفقودة وهي دولة فلسطين، ينبغي أن تولد تلك الدولة على ارض فلسطين".
ثم اختتمت أعمال اليوم الثاني من مؤتمر مدريد بكلمة السيد فاروق الشرع رئيس الوفد السوري، الذي قال: "لو لم تكن سياسات إسرائيل استعمارية استيطانية لما حرم الفلسطينيون الرازحون تحت الاحتلال الفلسطيني منذ عام 1967 من جميع حقوقهم الأساسية وفي مقدمتها حقهم في تقرير المصير، هذا الحق الذي، تحت سمع العالم وبصره، يعبرون عنه في انتفاضتهم السلمية الصامدة. إن استمرار حرمان الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره سيدفع هذا الشعب إلى الاعتقاد بأن اللجوء للعنف وحده هو السبيل الأكثر جدوى لبلوغ حقه".
3. وقائع اليوم الثالث لمؤتمر مدريد (1/11/1991):
تضمنت أعمال اليوم الثالث للمؤتمر تعقيبات رؤساء الوفود على الكلمات التي ألقيت في المؤتمر خلال اليومين السابقين، وبدأت أعمال هذه الجلسة بتعقيب رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق شامير، الذي قال فيه: "لقد استمعت باهتمام إلى البيان الذي أدلى به الناطق العربي الفلسطيني في الوفد المشترك الأردني الفلسطيني، إن العرب الفلسطينيين هم أقرب الجيران إلينا على أفرع شتى، فإن حياتهم متشابكة بحياتنا وهذا يشكل سبباً آخر لإيلاء أهمية للتعايش مع هذه المجموعات، إن الناطق العربي الفلسطيني بذل مجهوداً شجاعاً عندما قص وسرد علينا معاناة شعبه، ولكن اسمحوا لي أن أقول إن تشويه التاريخ وتحريف الحقائق لن يجعلهم يحظون بالتعاطف الدولي الذي يصبون إليه".
ثم قال في تعقيبه: "لقد تقدمنا إلى الفلسطينيين بمقترح يتيح لهم فرصة ليعيشوا حياتهم بصورة كريمة، وإنني أناشدهم قبول هذا المقترح وان ينضموا إلينا في مفاوضات".
وعقب رئيس الوفد الأردني كامل أبو جابر قائلاً: "بالضرورة كان الإسرائيليون يعرفون أنهم قدموا إلى فلسطين ولم تكن إقليماً خاوياً بل كان أجداد الفلسطينيين يقطنون هذا الوطن حينذاك". ثم قال: "إن السلبيات التي تجلت في بيان إسرائيل تختلف اختلافا جوهرياً عن استعداد الجانب العربي للتفاوض بشأن تسوية مشرفة، ومرة أخرى قالت إسرائيل لا لتقرير المصير الفلسطيني، لا للانسحاب من الضفة الغربية بما في ذلك القدس العربية لا للانسحاب من قطاع غزة. مرتفعات الجولان والأراضي الأردنية بالإضافة إلى جنوب لبنان". ثم قال: "يتعين أن يحصل الفلسطينيون على حق تقرير المصير على أراضيهم وهذا يعد شرطاً مسبقاً أساسياً لتسوية شاملة إقليمية".
وفي تعقيب الدكتور حيدر عبد الشافي على كلمات رؤساء الوفود المشاركة في المؤتمر قال: "إن بيان إسرائيل ظل حبيس لغة صفرية لا تفيد إلا الخصومة ولا نستطيع أن نستجيب لهذه المناسبة ولظروفها، ولكن أيام السيطرة وسياسات التلاعب قد ولت". وأضاف: "أننا لا نفهم كيف يمكن لإسرائيل أن تخرق دونما عقاب، تكامل هذه العملية وتوافق آراء المشاركين للقرار 242، ومبدأ الأرض مقابل السلام. وما جاء في 242 ينسحب أيضاً على القدس الشرقية. القدس الفلسطينية هي وسيلة لتعريف الذات الفلسطينية ولتأكيد وجودنا المتواصل على أرضنا". ثم اقترح على الإسرائيليين طريقاً بديلاً يقضي بأن يتخلى الشعبان عن الخوف المتبادل وانعدام الثقة ويتقاربا على أساس حل يقوم على تكوين دولتين ويعملا معاً نحو التنمية والرفاهية في المنطقة".
وردا على ادعاءات شامير ومزاعمه عقب الدكتور حيدر عبد الشافي بقوله: "إن الفلسطينيين شعب له حقوق وطنية مشروعة، نحن لسنا سكان الأراضي ولسنا صدفة تاريخية.. ولسنا مشكلة سكانية مجردة.. الفلسطينيون في المنفى وفي ظل الاحتلال شعب واحد متحد على الرغم من الظروف القاسية وهم عازمون على ممارسة حقهم وتقرير مصيرهم وإقامة دولة مستقلة في ظل سيادة مشروعة ومعترف بها".
وختم رئيس الوفد الفلسطيني تعقيبه بقوله: "لقد طلبنا من راعيي المؤتمر مباشرة أو من خلال الأمم المتحدة أن توضع الأراضي الفلسطينية المحتلة تحت الوصاية لحين التوصل إلى تسوية نهائية، إن شعب فلسطين على استعداد لطلب الحماية منكم ولحماية أراضيه حتى نتوصل إلى سلام مشروع ومنصف".
ثم توالى على منصة المؤتمر كل من فاروق الشرع رئيس الوفد السوري وفارس بويز رئيس الوفد اللبناني وعمرو موسى رئيس الوفد المصري للإدلاء بتعقيباتهم على الكلمات التي ألقاها رؤساء الوفود في اليوم الثاني من أعمال المؤتمر.
ثم ألقى كل من جيمس بيكر وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، وبوريس بانكين وزير خارجية الاتحاد السوفييتي كلمتي بلديهما.
وبعد انتهاء أعمال المؤتمر عقد بيكر وبانكين مؤتمراً صحفياً مشتركاً، اختتما به مؤتمر مدريد للسلام الذي أفضى إلى بدء المفاوضات الثنائية بين إسرائيل والدول العربية المشاركة في مؤتمر مدريد، لكن هذه المفاوضات تعثرت، وبعد الجولة الحادية عشرة من المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية تم الكشف عن التوصل، عبر قناة تفاوضية سرية أخرى، إلى المسودة النهائية المتفق عليها في 19 آب (أغسطس) 1993. ثم جرى التوقيع عليه في واشنطن في 13 أيلول (سبتمبر) 1993.
----------------------------------------------------------------------------------------------
المصدر: موسوعة المصطلحات والمفاهيم الفلسطينية، المركز الفلسطيني للدراسات الإقليمية