النازحـون

يعدُّ مفهوم "النزوح" بشكل عام من الأدبيات والمفاهيم حديثة النشأة؛ إذ إن مفهوم النزوح من أكثر المفاهيم اتساقاً بمفهوم "اللجوء"، ويُشار الى عملية النزوح بأنها تختلف بالمضمون عن عملية اللجوء؛ إذ إن النازحين هم أشخاص لم يعبروا حدوداً دولية كاللاجئين، ولكنهم بقوا مهجرين داخل أوطانهم؛ أي نزحوا من منطقة إلى منطقة أخرى داخل حدود وطنهم بفعل اندلاع حرب واضطرابات اجبرتهم على عملية النزوح. ويبقى النازحون داخلياً في عمومية الحالة ضمن بلدانهم وفي حماية حكوماتهم، حتى وإن كانت تلك الحكومات السبب في نزوحهم، وغالباً ما ينتقلون إلى مناطق ذات ظروف معقدة ويصعب تقديم المساعدات الإنسانية لهم، ونتيجة لذلك، يُعدُّ هؤلاء الأشخاص من الفئات الأشد ضعفاً في العالم.

ولعل مفهوم النزوح والنازحون أخذ صدى واسعًا ودلالة فعلية من تاريخ القضية الفلسطينية في أعقاب حرب عام 1967 (النكسة) وتهجير الآلاف من الفلسطينيين من مدنهم وقراهم إلى مناطق أخرى، وهذا ما تمت الإشارة اليه بأنه عملية نزوح، وبذلك صار يطلق على المهجرين في أعقاب حرب عام 1967 بالنازحين.

فالنازحون الفلسطينيين باختصار هم الذين اضطروا للنزوح عن مدنهم وقراهم ومخيماتهم إثر حرب حزيران 1967م في فلسطين، اما الذين خرجوا في عام 1948م فيطلق عليهم لاجئون. فالنازحون والنزوح هو مصطلح سياسي ظهر في بداية العقود القليلة الماضية؛ من أجل تجزيء حق العودة للفلسطينيين المهجرين عن وطنهم، لذا فلا نجد إجماعاً على تعريف محدد لمصطلح النازحون، ولكن بشكل عام فإن تعبير النازحون كما أشرنا آنفاً هو يطلق على المهجرين الفلسطينيين عام 1967؛ لتمييزهم عن مهجري عام 1948، ومع ذلك فإن بعض هؤلاء النازحين هم ذو صفة مزدوجة، أي أنهم لاجئون ونازحون في آنٍ واحد، فقد كان بين نازحي 1967 أعداداً من لاجئي 1948، ممن كانوا يقيمون في الضفة الغربية وقطاع غزة عشية نشوب حرب1967، واضطروا للهجرة للمرة الثانية.

وما ان انتهت تلك حرب عام 1967 حتى وجدت هيئة الأمم المتحدة نفسها وجها لوجه أمام مشكلة "نازحين" ضخمة فاقت كل التوقعات، وبلغت الأعداد فيها وفقا للتقارير الرسمية مئات الألوف؛ وصحب ذلك كله أبشع صنوف التنكيل على أيدي الجيش الاسرائيلي المحتل، وفي طليعتها هدم القرى والمنازل، والتوقيف الإداري بالمئات وتعذيب المساجين والأسرى؛ وكانت هذه الخلفية الحالكة الظلمة عاملاً مهماً ومُلحاً لانعقاد مجلس الأمن. وبعد استعراض الموقف أصدر المجلس بتاريخ 14/6/1967 القرار رقم 237 عام 1967 الذي ما زال حتى الآن الأساس لجميع ما اتخذته الجمعية العامة والهيئات والمجالس واللجان الرئيسة كلجنة حقوق الإنسان والمنظمات الاختصاصية التابعة للأمم المتحدة- من قرارات أصبح يشار إليها باسم "القرارات الإنسانية" المتعلقة بحقوق النازحين وسلامتهم.

والجدير بالذكر هو أن قرار 237 الخاص بالنازحين يقضي ويؤكد بصورة خاصة على حقوق الإنسان الأساسية الثابتة لهم، وعلى إعادة تأكيد ضرورة احترام حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، وضرورة ضمان (إسرائيل) سلامة سكان تلك المناطق ورفاهيتهم وأمنهم، وتخفيف الآلام النازلة بالمدينة وبأسرى الحرب نتيجة الأعمال العدائية الأخيرة في الشرق الأوسط؛ وحث جميع الأطراف المتنازعة على الالتزام باتفاقية جنيف الرابعة، والحيلولة دون خرقها.

وتقدر أعداد النازحين بفعل حرب حزيران 1967، حسب وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى "الأونروا" بأكثر من 300,000 نازح وشخص أصبحوا بلا مأوى، بمن فيهم نحو 120,000 من لاجئي فلسطين القدامى مرة أخرى هربوا من مخيماتهم التي اجتاحتها القوات الإسرائيلية وأصبحوا لاجئين للمرة الثانية؛ إذ نزح العديد منهم مصطحبين ما يمكن أن يحملوه معهم فقط، فهم فقدوا منازلهم وأرضهم وأسرهم وحياتهم كلها؛ كما إن عدد النازحين كان يرتفع سنة بعد سنة بشكل مطرد.

وعلى وجه العموم فإن هنالك خمس فئات رئيسية تدخل ضمن اصطلاح النازحين وهي:

الفئة الأولى:

هي التي نزحت مع بدء العمليات العسكرية في حرب حزيران عام 1967، وحتى بداية أول إحصاء إسرائيلي للسكان الفلسطينيين في شهر أيلول من نفس العام، وهي تشمل أيضاً سكان القرى الثلاث (عمواس، ويالو، وبيت نوبا) التي أزالتها قوات الاحتلال من الوجود.

الفئة الثانية:

هي التي كان مكان إقامة أفرادها العادي والدائم في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، وذلك لغاية ساعات الصفر في حرب 1967، ولكنه لحظة وقوع الحرب كانوا موجودين خارج الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس بشكل مؤقت لأغراض الدراسة أو العلاج أو العمل، وحال وقوع الحرب دون تمكنهم من العودة إلى وطنهم.

الفئة الثالثة:

هي التي تشمل جميع الأشخاص الذين حالت الأوامر العسكرية والإدارية الإسرائيلية دون عودتهم لمكان إقامتهم الدائم في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، وذلك رغم حصولهم على بطاقات الهوية الصادرة عن سلطات الاحتلال العسكرية، وخروجهم بتصاريح أو وثائق سفر إسرائيلية انتهت مدتها دون أن يتمكنوا من العودة.

الفئة الرابعة:

وهي التي تشمل كل الأشخاص الذين ابعدوا قسراً إلى خارج الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، بأسلوب سافر ومعروف بحجج أمنية أو غيرها.

الفئة الخامسة:

وهي التي تشمل نسل الفئات الأربعة السابقة.

وقد نصت المادة 12 من إعلان المبادئ "أوسلو" على تشكيل لجنة رباعية من مصر والأردن وإسرائيل وفلسطين، وبحث الأمور التي تهم الأطراف جميعاً، وتم إقرار تأسيس اللجنة على مستوى وزراء الخارجية كلجنة دائمة، ويتفرع منها اللجنة الرباعية على المستوى الفني للموظفين رفيعي المستوى، وقد نص البند 12 على ما يلي: "الارتباط والتعاون مع الأردن ومصر: سيقوم الطرفان بدعوة حكومتي الأردن ومصر؛ للمشاركة في إقامة المزيد من ترتيبات الارتباط والتعاون بين حكومة إسرائيل والممثلين الفلسطينيين من جهة، وحكومتي الأردن ومصر من جهة أخرى لتشجيع التعاون بينهما، وستضمن هذه الترتيبات إنشاء لجنة مستمرة ستقرر- بالاتفاق- أشكال السماح بدخول الأشخاص الذين نزحوا من الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، بالتوافق مع الإجراءات الضرورية لمنع الفوضى والإخلال بالنظام، وستتعاطى هذه اللجنة مع مسائل أخرى ذات الاهتمام المشترك".

وأصرت إسرائيل عند طرح قضية النازحين للتداول على عدم التسليم بالتعريف الذي ذكرناه آنفاً للنازحين، وذلك في اجتماعات اللجنة المستمرة الرباعية، ولم تتفق على تحديد تعريف عام وشامل لكل النازحين؛ كما أصرت إسرائيل على موقفها في اجتماعات لجنة الخبراء المنبثقة عن اللجنة؛ ولم تستطع الوفود إقناع الوفد الإسرائيلي بأن أحفاد النازحين ممن كانوا يقيمون في فلسطين خلال حرب 1967 هم أيضاً من النازحين، أسوة باليهود الألمان ضحايا المذابح النازية، والذين تطالب إسرائيل من ألمانيا بالتعويض عليهم وعلى أحفادهم، وحاولت الوفود المجتمعة تجاوز هذه المعضلة بحث المصادر التي اعتمدها كل طرف لاستيفاء معلوماته منها حول عدد النازحين إثر حرب 1967، واتفق على تخصيص الاجتماعات اللاحقة لها لبحث هذا الموضوع، بالإضافة إلى طرق وأشكال عودتهم.