القرارات الدولية التي تؤكد شرعية عودة اللاجئين والنازحين الفلسطينيين إلى ديارهم

كانت قضية اللاجئين الفلسطينيين وليدة تضافر المؤامرات الاستعمارية والصهيونية المتتالية، منذ "وعد بلفور" الصادر بتاريخ 2/11/1917م حتى صدور قرار تقسيم فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947، مروراً بعصبة الأمم والانتداب البريطاني على فلسطين، وصولاً الى النكبة والتطهير العرقي عام 1948 الذي تعرض له الفلسطينيون على يد العصابات الصهيونية التي بطشت بكل ما هو فلسطيني لإقامة دولتهم "إسرائيل". وضعت قضية اللاجئين الفلسطينيين المنظمات الدولية أمام مسؤولياتها القانونية والأخلاقية تجاه الفلسطينيين الذين شُردوا واقتلعوا من مدنهم وقراهم الأصلية ليصبحوا بذلك لاجئين لهم صفة قانونية خاصة، وهذا ما تم الإشارة اليه بوضوح من خلال القرارات الدولية العديدة التي أكدت على شرعية وحق اللاجئين والنازحين الفلسطينيين بالعودة الى ديارهم الأصلية.

 وقد تضمن ميثاق منظمة الأمم المتحدة نصوصاً واضحةً بشأن حقوق الشعوب والأفراد؛ فقد عبر في ديباجته عن "إيمان الأمم المتحدة بالحقوق الأساسية للإنسان، وبكرامة الفرد وقدْرِه، وبما للرجال والنساء والأمم -كبيرها وصغيرها- من حقوقٍ متساويةٍ.  كما إن المادة الأولى من الميثاق أكدت بدورها في بندها الثاني "احترام المبدأ الذي يقضي بالتساوي في الحقوق بين الشعوب، وبأن يكون لكل منها حق تقرير مصيرها"؛ وفي بندها الثالث "احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً، والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، وبلا تفريق بين الرجال والنساء". ومع ذلك فقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين رقم 181 (الدورة -2) بتاريخ 29/11/1947. وإثر صدوره صعدت العصابات الصهيونية ووسعت عمليات الإرهاب والقتل والإبادة ضد الشعب الفلسطيني. وبعد أن انسحبت بريطانيا من فلسطين ونشبت فيها حرب عام 1948 بلغت العمليات ذروتها؛ ما أدى إلى اقتلاع معظم أبناء شعب فلسطين من وطنهم وأراضيهم وجعلهم يعيشون في الشتات حياة البؤس والشقاء.

 ولا بد من التشديد على عامل أساسي له صلة قانونية وواقعية كبرى بحقوق اللاجئين وتحديدها وتثبيتها؛ فقد زاد من حدة مشكلة اللاجئين وأبعادها احتلال القوات الصهيونية بعد 10/4/1948 مناطق عربية واسعة ومتعددة، وبعض هذه المناطق عربية تقع بموجب قرار تقسيم ضمن الدولة العربية، وبعضها كانت تقطنها أكثرية عربية ساحقة؛ فالجليل الغربي كان يقطنه 123 ألف فلسطيني، ويافا سكنها 114 ألفاً، ويزيد عدد سكان هذه المدن الفلسطينية التي تم احتلالها عن 200 ألف فلسطيني؛ كما احتلوا مئات القرى الفلسطينية الصغيرة التي هدم معظمها، وبدلت أسماؤها بأسماء عبرية؛ فأزيلت من خريطة فلسطين خلافاً لنصوص اتفاقية جنيف الرابعة لا سيما المادة 53 منها.

ونتج عن احتلال العصابات الصهيونية مناطق ومدناً وبلداناً وقرى فلسطينية، خصصت بموجب قرار التقسيم للدولة الفلسطينية، إلى إخراج وتهجير واقتلاع ما لا يقل عن 957 ألف فلسطيني الذين شردوا عام 1948. (هذا وفقاً لجهاز لإحصاء المركزي الفلسطيني بتقريرهم الصادر بعنوان "الذكرى الخامسة والسبعين لنكبة فلسطين، بالأرقام والإحصائيات").

وقد أكد الوسيط الدولي الكونت برنادوت العديد من حقائق وأهوال ما تعرض له الفلسطينيون في التقرير الذي رفعه في 16/9/1948 إلى الجمعية العامة في دورتها الثالثة، وحمل فيه العصابات الصهيونية مسؤولية العدوان وتهجير الفلسطينيين، حين قال: "إن أية تسوية لا يمكن أن تكون عادلة وكاملة ما لم يتم الاعتراف بحق اللاجئ الفلسطيني في أن يعود إلى المنزل الذي طرد منه، نتيجة لما رافق النزاع المسلح بين الفلسطينيين واليهود في فلسطين من أخطار". لقد جاءت الأكثرية الساحقة للاجئين الفلسطينيين من مناطق تقع، وفقاً لقرار التقسيم بتاريخ 29/11/1947، في الدولة اليهودية. إنه لخرقٌ فاضحٌ لأبسط مبادئ العدالة أن ينكر على هذه الضحايا البريئة حق العودة إلى منازلها؛ في حين يتدفق المهاجرون اليهود إلى فلسطين، ويشكلون -في الواقع- خطر استبدال دائم للاجئين الفلسطينيين الذين لهم جذور في الأرض منذ قرون.

 "إن مسؤولية الحكومة الإسرائيلية المؤقتة لإعادة الممتلكات الخاصة لمالكيها الفلسطينيين، وفي التعويض على أولئك المالكين عن الممتلكات التي دمرت عمداً، مسؤوليةً واضحةً تماماً، بصرف النظر عن التعويضات التي قد تطالب بها حكومة إسرائيل الدول العربية". واستناداً إلى هذا التقرير الذي وضعه الوسيط الدولي الكونت برنادوت صوتت الجمعية العامة في 11/12/1948 على القرار رقم 194 (دورة ـ 3) الذي ضمن حق العودة للاجئين وحق التعويض. وكررت الفقرة 11 من هذا القرار تقريباً ما جاء في تقرير الكونت برنادوت، وأنشأ القرار 194 لجنة توفيق دولية من أجل السعي لتحقيق السلام في فلسطين، وجعلت الجمعية العامة تطبيق الفقرة 11 من بين المهام الرئيسية للجنة التوفيق؛ فقد نصت الفقرة على: "وتصدر الجمعية العامة تعليماتها إلى لجنة التوفيق، بتسهيل إعادة اللاجئين وتوطينهم من جديد، وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك دفع التعويضات".

وربما كانت الفقرة 11 الهامة من أكثر ما يستشهد به في مناقشات الأمم المتحدة حتى اليوم، وقد أكدتها الجمعية العامة سنة تلو الأخرى منذ عام 1949؛ إذ أصدرت أكثر من 30 قراراً رئيسياً حولها؛ عدا ما استشهد به منها في قرارات أخرى، تؤكد جميعها حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض. وقامت الدائرة القانونية في الأمانة العامة للأمم المتحدة بوضع 6 دراسات بين عامي 1949 و1950 حول تفسير الفقرة 11 وتطبيقها، والسوابق في القانون والعرف الدوليين لمساعدة لجنة التوفيق في سعيها لتطبيق الفقرة المذكورة التي ما زالت قائمة كتشريع دولي، وقد عالجت إحدى الدراسات الست المشار إليها مبادئ العودة والتعويض والسوابق والشواهد التاريخية بإسهاب قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها، وتشير هذه الدراسة إلى ما تم سنه وتنفيذه في دول المحور السابقة والدول التي كانت محتلةً من قبل دول المحور (فرنسا، ورومانيا، وإيطاليا، وبلغاريا، وتشيكوسلوفاكيا، وهولندا، ويوغسلافيا ) من قوانين بين تشرين الثاني 1944 وأيار 1945 بشأن التعويض اللاجئين أو إعادة أملاكهم إليهم؛  كما تشير إلى أنه أقر عام 1949، وفي المنطقة الخاضعة للاحتلال الأمريكي من ألمانيا قانوناً عاماً لدفع التعويضات لضحايا النازية، الذين عانوا من أضرار الحياة أو لحقهم أذىً في صحتهم أو حريتهم أو أملاكهم أو ممتلكاتهم أو في تقدمهم الاقتصادي.

إن التطور الجديد البالغ الأهمية الذي طرأ على القضية الفلسطينية بشكل عام وعلى مسألة اللاجئين بشكل خاص هو ما وقع في دورة الجمعية العامة الرابعة والعشرين (1969)؛ فقد كُسر الطوق الروتيني الذي كانت تناقش قضية فلسطين ضمنه بعد عام 1952، وهو تطور عكس داخل الأمم المتحدة التطور الذي طرأ على قضية فلسطين خارجها؛ فقد أصبحت قضية فلسطين قضية ثورة ومقاومة وشعب يطالب بحقوقه عن طريق الكفاح المسلح لا قضية لاجئين وإغاثة؛ ففي 10/12/1969 صوتت الجمعية العامة على القرار رقم 2535 في (الدورة ـ 24). وقد جاء في القرار "إن الجمعية العامة إذ تدرك بأن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين نشأت عن إنكار حقوقهم الثابتة التي لا يمكن التخلي عنها، والمقررة في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان- تعود وتؤكد الحقوق الثابتة لشعب فلسطين" وهذا هو أول قرار صريح من الأمم المتحدة بأن اللاجئين الفلسطينيين شعب، لا مجرد كتلة من اللاجئين، وأن لهذا الشعب حقوقه بموجب ميثاق الأمم المتحدة. وفي عام 1970 خطت الأمم المتحدة خطوات أبعد في توضيح هذه الحقوق وتفصيلها حين صوتت على قرارها رقم 2267 (الدورة 25)؛ إذ استذكرت الجمعية العامة قرارها السابق رقم 2535 وأكدت عليه بكل وضوح. ولعل أبرز ما تضمنه قرار رقم 2672 هو: "وإذ تأخذ بعين الاعتبار بمبدأ تساوي الشعوب في الحقوق وحقها في تقرير المصير المكرس في المادتين 1 و55 من ميثاق الأمم المتحدة، والذي أعيد تأكيده من زمن قريب في الإعلان الخاص بمبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة". وكما أكد القرار على الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني بالتساوي في الحقوق وبحق تقرير المصير وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، والتشديد على أن احترام حقوق الشعب الفلسطيني هي مسألة غير قابلة للتصرف وعنصر لا غنى عنه في إقامة سلم عادل ودائم في الشرق الأوسط.

وصوتت الجمعية العامة في السنة ذاتها على القرار رقم 2628 (الدورة ـ25) نتيجة لمناقشة "الحالة في الشرق الأوسط"، وهو قرار يدعم باقي القرارات السابقة ويؤكد عليها وعلى ضرورة عودة اللاجئين والنازحين الفلسطينيين الى ديارهم الأصلية، وقد نصت الفقرة (3) منه على أن الجمعية العامة "تدرك بأن احترام حقوق الفلسطينيين، هو عنصر لا غنى عنه في إيجاد سلم عادل ودائم في الشرق الأوسط "، ويعتبر هذا الاعتراف مهمًا لأنه جاء ضمن تصور حلٍ شاملٍ لمشكلة الشرق الأوسط، ونص على أن احترام حقوق الفلسطينيين عنصر أساسي لا في التوصل إلى السلام فحسب، بل في إقامته وتوطيده.

ويزيد من أهمية هذه القرارات قرار آخر اتخذ في الدورة نفسها، وهو القرار رقم 2649 ( الدورة ـ 25) الصادر بتاريخ 30/11/1970، الذي جعل قضية فلسطين قضية استعمارية، واعتبر نضال شعبها من أجل تقرير المصير نضالاً مشروعاً ضد استعمار أجنبي؛ فقد أكدت الجمعية العامة في مقدمة هذا القرار "أهمية التحقيق العالمي لحق الشعوب في تقرير المصير، وضرورة الإسراع في منح الاستقلال للشعوب والبلاد المستعمرة"، واستذكرت القرارات الأساسية الصادرة عنها حول إنهاء الاستعمار، ولا سيما القرار 1514 (الدورة ـ 15) الصادر في 14 /12/1960 والمتضمن "إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة". واستناداً لهذه المقدمات أكدت الجمعية العامة على شرعية كفاح الشعوب الخاضعة للسيطرة الاستعمارية والأجنبية والمعترف بحقها في تقرير المصير، كي تستعيد ذلك الحق بأية وسيلة في متناولها، وحقها في البحث عن أنواع المعونة الأدبية والمادية وتلقيها، ودعوة جميع الحكومات التي تنكر حق تقرير المصير على الشعوب الخاضعة للسيطرة الاستعمارية والأجنبية إلى الاعتراف بذلك الحق واحترامه، وانتهى القرار إلى النص على أن الجمعية العامة "تدين تلك الحكومات التي تنكر حق تقرير المصير على الشعوب المعترف لها به، ولا سيما شعوب الجنوب الافريقي وفلسطين".

وفي عام 1971 عادت الجمعية العامة فأكدت بقرارها 2787 (الدورة ـ 26) الصادر في 6/12/1971 والذي جاء بعنوان: "أهمية الإعلان العالمي لحق الشعوب في تقرير المصير والإسراع في منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة بالنسبة الى ضمان ومراعاة حقوق الإنسان على الوجه الفعال"، وأكد هذا القرار على شرعية نضال الشعوب لتقرير المصير والتحرر من الاستعمار والسيطرة والتسلط الأجنبيين، بكل الوسائل المتوافرة والمنسجمة مع الميثاق، وإدانة سلوكيات الدول الاستعمارية في بطشها بالشعوب، والحق لكل انسان بالنضال والكفاح من أجل حريته وتقرير مصيره. كما أكدت الجمعية العامة على جميع القرارات المتخذة في السنوات السابقة.

وبذلك تكون الجمعية العامة قد أكدت لشعب فلسطين، إلى جانب حق تقرير المصير، شرعية النضال لانتزاع هذا الحق من مغتصبيه وممارسته، وقد استمرت الجمعية العامة في تكرار حقوق الشعب الفلسطيني هذه، ولا سيما حق اللاجئين في العودة والتعويض (المادة 11 من القرار194) كما وتقرر إعادة إدراج قضية فلسطين كبند مستقل على جدول أعمالها في الدورة 29 (1974) و أصدرت قرارها 3236 بتاريخ 22/11/1974 بشأن "الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني".  وقد صدر هذا القرار بعد أن تبنت "منظمة التحرير الفلسطينية" البرنامج المرحلي عام 1974، وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار الرقم 3236، الذي دعا إلى ممارسة الشعب الفلسطيني حقوقه الثابتة في فلسطين، بما في ذلك الحق في تقرير مصيره دون تدخل خارجي، وحقه في الاستقلال والسيادة الوطنيين، وحق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شُردوا واقتلعوا منها. كما أقرت القرار الرقم 3237 الذي قضى بمنح منظمة التحرير الفلسطينية صفة "العضو المراقب" في الأمم المتحدة؛ كما وأكدت الجمعية العامة في القرار حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة، ولا سيما:

1- الحق في تقرير مصيره دون تدخل خارجي.

2- الحق في الاستقلال والسيادة الوطنيين.

وفي عام 1975 حدثت تطورات هامة، لعل أبرزها كان إصدار الجمعية العامة بتاريخ 10/11/1975 قرارها رقم 3379 (الدورة ـ 30) الذي طالب جميع دول العالم بمقاومة الأيدولوجية الصهيونية التي (حسب القرار) تشكل خطراً على الأمن والسلم العالميين؛ فقد جاء في فقرته الأخيرة بعد سرد العديد من الحيثيات بأنه: "تقرر أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري".

كما إن التطور الآخر تمثل بإصدار الجمعية بتاريخ 10/11/1975 قراراً برقم 3376 (الدورة ـ 30) وهو قرار يؤكد على جميع القرارات التي سبقته ويعزز مضامين حق الفلسطينيين في تقرير المصير. كما وتشكلت بموجب القرار لجنة تعنى بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه الثابتة، وكلفتها إعداد برنامج تنفيذي يكون القصد منه تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة الحقوق المعترف بها وفق قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبدأت هذه اللجنة تقدم في كل عام تقريراً إلى الجمعية العامة؛ فقدمت تقريرها الأول إلى الدورة الحادية والثلاثين (1976)، فأقرت الجمعية العامة توصيات اللجنة في قرارها 31/20 (الدورة ـ31) الصادر بتاريخ 24/11/1976، وحثت مجلس الأمن على بحث التوصيات، بغية اتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ توصيات اللجنة لكي يتحقق في وقت مبكر تقدم نحو حل قضية فلسطين، وإقرار سلم عادل ودائم في الشرق الأوسط. وقد تضمن تقرير اللجنة برنامجاً تنفيذياً يمارس الشعب الفلسطيني على أساسه حقوقه الثابتة، وفيها حق العودة، وتقرير المصير. وعلى وجه العموم فهذه اللجنة مهمتها الرئيسية تتمثل في وضع توصيات من شأنها تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه غير القابلة للتصرف المتمثلة في تقرير المصير دون تدخل خارجي، وفي الاستقلال والسيادة الوطنيين، وفي العودة إلى دياره وممتلكاته التي شُرِّد منها. وقد أيدت الجمعية العامة توصيات اللجنة التي تقدم لها تقارير سنوية؛ وأنشأت الجمعية العامة شعبة حقوق الفلسطينيين لتقوم بمهام أمانة اللجنة.

 وفيما يتعلق بحقوق النازحين فقد تضمنت القرارات الإنسانية "حقوق الإنسان الأساسية الثابتة"، ويشمل ذلك حق عودة السكان الذين فروا من مناطق القتال أو من المناطق التي احتلتها إسرائيل، عودة فورية غير مرتبطة بأي شرط؛ كما يشمل عودة اللاجئين القدامى إلى مخيماتهم. وهما الحقان اللذان أكدتهما الجمعية العامة في كل قرار صوتت عليه بعد عام 1967، وتشمل الحقوق كذلك جميع الحقوق التي عددتها وأكدتها اتفاقيات جنيف الرابعة عام 1949 لحماية المدنيين في حالة الحرب، وإسرائيل طرف فيها.

 انعقدت الجمعية العامة في الدورة الاستثنائية الطارئة الخامسة في تموز 1967، وقد صوتت الجمعية العامة على القرار رقم 2252 (الدورة الاستثنائية الطارئة ـ 5) بتاريخ 4/7/1967، وهو قرار استند إلى قرار مجلس الأمن 237 (1967) بتاريخ 14/6/1967، فأكد كل ما جاء فيه. وبصورة خاصة أكد على حقوق الإنسان الأساسية الثابتة، ونص كذلك على إعادة تأكيد ضرورة احترام حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، وضرورة ضمان (إسرائيل) سلامة سكان تلك المناطق ورفاهيتهم وأمنهم وتخفيف الآلام النازلة بالمدينة وبأسرى الحرب نتيجة الأعمال العدائية الأخيرة في الشرق الأوسط؛ وحث جميع الأطراف المتنازعة على الالتزام باتفاقية جنيف الرابعة، والحيلولة دون خرقها. كما نظر مجلس الأمن مرة أخرى في أوضاع المناطق المحتلة وممارسات إسرائيل ضد السكان العرب، واتخذ القرار 259 (27/9/1968) الذي أعرب فيه عن قلقه الشديد على سلامة وأمن المهجرين النازحين الناشئ عن حرب حزيران 1967، وأعرب عن أسفه لعدم تنفيذ القرار 237  (1967. كما واتخذ مجلس الأمن العديد من القرارات التي تنصف النازحين وتؤكد ضرورة سلامتهم وأمنهم مثل: القرارات رقم 262، و259، و258، وغيرها من القرارات التي في مضمونها تأكيد تام على تنفيذ قرار 237 الذي ينص على عودة النازحين وضمان أمنهم وسلامتهم.

وتم تشكيل لجنة لحقوق الإنسان في آذار 1969، للتحقيق في انتهاكات إسرائيل المستمرة لحقوق الإنسان، ولا سيما لاتفاقيات جنيف الرابعة، وإذ تضع في اعتبارها المبدأ المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تعترف بحق كل شخص في العودة إلى بلده. ودعت اللجنة في جلستها حكومة إسرائيل إلى التوقف الفوري عن ارتكاب أعمال تدمير منازل السكان المدنيين في المناطق العربية التي تحتلها إسرائيل، واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، مع الأخذ بعين الاعتبار تنفيذ قرار مجلس الأمن 237 المؤرخ 14 حزيران 1967، وقرار الجمعية العامة 2252 الصادر في 4 تموز 1967؛ كما وأكدت اللجنة شعورها بقلق عميق إزاء استمرار الإبلاغ عن انتهاكات حقوق الإنسان؛ فضلًا عن الانتهاكات لاتفاقيات جنيف 12 أغسطس 1949 في الأراضي التي تحتلها إسرائيل "وتؤكد اللجنة من جديد الحق غير القابل للتصرف لجميع سكان الذين غادروا منذ اندلاع القتال في العودة، ويدعو حكومة إسرائيل أن تنفذ فورا قرارات الأمم المتحدة لهذا الغرض، وتعرب عن استيائها إزاء استمرار الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، وخاصة أعمال تدمير منازل السكان المدنيين العرب، والإبعاد للسكان، واللجوء إلى العنف ضد السكان بسبب التعبير عن استيائهم من الاحتلال، ويدعو حكومة إسرائيل إلى وضع حد لهذه الأعمال على الفور".  كما أعربت اللجنة عن قلقها العميق بشأن رفض اسرائيل الالتزام باتفاقية جنيف المعقودة في 12 أغسطس عام 1949 بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، وتطلب مرة أخرى إلى حكومة إسرائيل أن تحترم احترامًا كاملًا وتطبيق تلك الاتفاقية.

استناداً إلى ذلك كله أصدرت عدة هيئات ومجالس ولجان ومؤتمرات دولية عدة قرارات أدانت فيها انتهاكات إسرائيل المستمرة لحقوق الإنسان؛ كما أكدت سنة بعد سنة حقوق النازحين، وأعربت عن قلقها الشديد لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي، ودعت إسرائيل بصورة متكررة إلى الكف فوراً عن اتخاذ أي إجراء يؤدي إلى تغيير الطبيعة القانونية للأراضي العربية المحتلة، أو تشكيلها الجغرافي، أو تركيبها السكاني (القرار رقم 36/147 تاريخ 16/12/1981). أما حق النازحين بالعودة غير المشروطة إلى منازلهم وأراضيهم، وهو الحق الذي صرح به وثبته مجلس الأمن منذ 14/6/1967 بقراره 237 والجمعية العامة بقرارها رقم 2252 (الدورة الخامسة الطارئة) في 4/7/1967، فما زال موضوع التأكيد المتكرر في الجمعية العامة التي تدعو إسرائيل سنة بعد سنة، ودورة بعد دورة، إلى اتخاذ خطوات فعالة لإعادة النازحين إلى بيوتهم دون أي تأخير. واستنكرت الجمعية العامة بقرارها رقم 2792 (الدورة 26) بتاريخ 6/12/1971 الترحيل القسري للاجئين من غزة، ودعت إسرائيل إلى التوقف فوراً عن هدم ملاجئ اللاجئين، وعن ترحيلهم عن أماكن سكنهم الحالية، وطالبت باتخاذ خطوات فورية لإعادة اللاجئين المعنيين إلى الملاجئ التي رحلوا عنها، وإلى تهيئة ملاجئ مناسبة لإقامتهم، وتكررت مثل هذه الطلبات في دورات وقرارات لاحقة ومتعددة على مر السنين.

وعلى وجه العموم والإيجاز فهنالك مصدرين أساسيين ورئيسيين لحق اللاجئين بالعودة في القانون الدولي، وهما: القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، هذا فضلاً عن قانون الجنسية. وبخصوص المصدر الأول؛ فحق العودة مكرس في أغلبية الوثائق الدولية والإقليمية التي يتكون منها القانون الدولي لحقوق الإنسان، وأهمها: "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" الصادر عام 1948، و"المعاهدة الدولية لاستئصال كافة أشكال التمييز العنصري" الصادرة عام 1965، و"العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية" الصادر عام 1966، و"المعاهدة الأمريكية لحقوق الإنسان"، و"البروتوكول الرابع في الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية"؛ هذه الوثائق مجتمعة تؤكد حق كل شخص في مغادرة أي بلد، بما فيها بلده، والعودة إليه؛ ولا تجيز للدولة حرمان أي شخص لدواع عرقية أو إثنية من حق "العودة إلى بلده"؛ كما لا تجيز طرد أحدهم من إقليم دولة هو من رعاياها، ولا حرمانه من حق العودة إليه؛ كما وتجدر الإشارة إلى أن هذه الوثائق استخدمت تكراراً عبارة "البلد" Country وليس "الدولة" State توخياً لعدم اصطدام حق العودة بترتيبات الجنسية.

وبخصوص القانون الإنساني؛ يتعامل هذا القانون مع العائلات التي تشتتت نتيجة لأعمال الحرب ويضمن مجموعة من الحقوق للأشخاص الذين يعيشون في المناطق الواقعة تحت الاحتلال ومنها: حق العودة، وذلك وفق المادة (43) من مواثيق لاهاي بشأن قانون الحرب ومعاهدة جنيف الرابعة لعام 1949 بشأن حماية المدنيين.

وما هو جدير بالذكر بأن هنالك قرارات خاصة بقضية اللاجئين تصدرها العديد من المنظمات الدولية بشكل سنوي أبرزها: "الجمعية العامة للأمم المتحدة"، و"مجلس حقوق الإنسان" التابع للأمم المتحدة؛ وهي قرارات يتم التأكيد من خلالها على جميع القرارات المتخذة في السنوات السابقة، وهي بشكل عام تحتوي على مضامين خاصة باللاجئين الفلسطينيين وأحوالهم. ولعل أبرز ما تنص عليه هذه القرارات هو شرعية وحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة الى ديارهم الأصلية؛ وكان آخر هذه القرارات القرار الصادر عن الجمعية العامة بتاريخ 14/12/2022 والتصويت لصالح قرار "ممتلكات اللاجئين الفلسطينيين والإيرادات الآتية منها"، وهو قرار يتناغم ويتسق مع دلالات باقي القرارات التي تُشير إلى حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة الى ديارهم الأصلية، ولعل أبرزها القرار 194، والتأكيد الدوري والمستمر عليه والحيلولة دون تهميشه.