قانون تسوية المباني الاستيطانية

 لماذا جاء هذا القانون

جاء في مقدمة هذا القانون: "إن الهدف من هذا التشريع هو شرعنة البناء الاستيطاني وترسيخه وتطويره في يهودا والسامرة". على أن ما يستدعي الانتباه هنا هو أن مصطلح "البناء الاستيطاني"، كما عرَفه هذا القانون جاء كما يلي: "ويشمل إنشاء ضاحية، أو توسيع مستوطنة، بما تتضمنه من البيوت السكنية، والمنشات، والأراضي الزراعية المخصصة لها، وطرق الوصول، وشبكات المياه والاتصالات والكهرباء والصرف الصحي، ووسائل الانتاج، والمباني العامة".

من المعروف أن قوة الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي في الفترة ما بين 1967 و1979، تعاملت مع الحيز الفلسطيني كفضاء مخصص للاستيطان الاستعماري يملكه أو يتحكم فيه القائد العسكري للضقة الغربية؛ وعليه جرى وضع اليد على أكثر من مليون دونم من الأراضي الفلسطينية الخاصة، بحجة الدواعي الأمنية، وجرى أيضا إنشاء 50 مستعمرة إسرائيلية عليها بقرارات حكومية من دولة الاحتلال.

هذه الآلية استبدلت إثر قرار محكمة العدل العليا الإسرائيلية في قضية مستعمرة "ألون موريه"، بإعلانات أراضي الدولة التي استندت إلى نص مادة ملغاة من مواد قانون الأراضي العثماني، أو على الأقل إلى تعسف في تفسير القانون ناقض قصد المشرع العثماني ابتداء؛ والتطبيقات الانتدابية والأردنية لاحقًا. وهكذا جرى في الفترة ما بين عام 1980 وحتى توقيع اتفاقيات "أوسلو" وضع ما يزيد عن مليون ومئتي ألف دونم تحت ولاية المسؤول عن الأموال الحكومية والمتروكة. وعلى هذه الأراضي تم إنشاء أكثر من 100 مستعمرة جديدة، وتم اطلاق العنان لشركات الأراضي الإسرائيلية الاستعمارية لكي تستولي على الأراضي الفلسطينية الخاصة، بكل ما تمتلك من طاقات وحشية وعنصرية.

بعد قيام السلطة الفلسطينية، وبالتحديد، مع تسلم الليكود دفة الحكم، انتشرت ظاهرة "البؤر الاستعمارية" التي زاد عددها اليوم عن 120 بؤرة، تقوم غالبية مبانيها، أو الطرق المؤدية لها، اوالخدمات الملحقة بها على أراضٍ خاصة؛ وتزامن ذلك مع هجمة مسعورة استهدفت الاستيلاء على الأراضي الزراعية الخاصة، وزراعنها بالعنب والنخيل بشكل خاص؛ حتى زاد مجموع ما يزرعه المستعمرون عن مئة ألف دونم.

الملاحقات القانونية التي أشرفت عليها "هيئة مقاومة الجدار والاستيطان" بالتعاون مع المؤسسات القانونية الشريكة، وضعت الكثير من العصي في دواليب هذا المشروع؛ فبؤرة عمونه لم تكن الأولى، ولا حتى "أولباناه" و "ميجرون". ومستعمرة عوفرا ذاتها لم تنجح حتى اليوم في تنظيم مخطط هيكلي لها؛ ومحاولاتهم إيجاد بدائل عبر إعلانات "الأراضي المتروكة" فشلت، ولاقت ذات المصير الذي لاقته محاولات عصابات المستوطنين لتزوير ملكيات الأراضي.

بكلمة: فإن هذا القانون جاء لينهي مشكلة الملكية الخاصة التي تعرقل مواصلة تنفيذ المشروع الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، سواء المتعلقة بالأراضي التي يستغلها المستعمرون كموارد اقتصادية وسكنية، أو التي يخططون للسيطرة المستقبلية عليها، بعد أن فشلت اليات السلب التقليدية التي درجوا على استخدامها، في توفير الأساس القانوني المناسب. ولتوفر على الحكومة الإسرائيلية موجات الشجب والاستنكار الدوليين؛ كلما قامت بشرعنة بؤرة جديدة كما فعلت في الأعوام السابقة؛ وعليه فإن التسمية الحقيقية والموضوعية لمثل هكذا قانون هي (شرعنة سلب أراضي الفلسطينين الخاصة).

القانون من الناحية الاجرائية:

- صلاحيات التشريع في الإقليم المحتل بموجب القانون الدولي الإنساني.

المادة 43 من اتفاقية لاهاي 1907: "إذا انتقلت سلطة القوة الشرعية بصورة فعلية إلى يد قوة الاحتلال، يتعين على هذه الأخيرة، قدر الإمكان، تحقيق الأمن والنظام العام وضمانه، مع احترام القوانين السارية في البلاد، إلا في حالة الضرورة القصوى".

- المنشورات الأمنية الصادرة عن قائد قوة الاحتلال الإسرائيلي عشية احتلال الضفة الغربية.

المنشور رقم "2" أكد على استمرار سريان القوانين النافذة في الضفة الغربية قبل تاريخ 7/6/1967 وخول صلاحيات الحكم والتشريع في المنطقة إلى قائد قوات الجيش الإسرائيلي فقط، وتمارس من قبله أو من قبل من يعينه لذلك، أو من يعمل بالنيابة عنه.

من هنا، فان قيام جهة التشريع في دولة الاحتلال بتخويل نفسها صلاحية مد ولايتها القانونية على الأراضي الفلسطينية، يعني ان القيادة الإسرائيلية لم تعد تعترف بالوضع القانوني للأراضي الفلسطينية كاراضٍ محتلة – الحقيقة التي تم التاكيد عليه في الفتوى المشهورة الصادرة عن أعلى سلطة قضائية دولية في العالم (محكمة العدل الدولية) وباتت تتعامل مع الأراضي الفلسطينية وكأنها اراضٍ إسرائيلية، في انتهاك واضح للقوانين والقرارات الدولية، وتراجع عن موقف الحكومات الإسرائيلية السابقة، وعن الأساس الذي قامت عليه اتفاقية أوسلو والاتفاقيات اللاحقة.

إن اقتراح السلطة التنفيذية ومصادقة السلطة التشريعية على هذا القانون إنما يمثل ضمًا صامتًا للأراضي الفلسطينية المصنفة (ج)، كتكريس عملي للأيدولوجية الصهيوتوراتية، أو الصهيومسيانية، التي ترى في مجمل الأراضي الفلسطينية جزءًا من حدود كوشان الملكية الإلهي لبني إسرائيل.

القانون من الناحية الموضوعية:

أولا: فيما يأتي أهم النقاط التي تضمنها القانون:

1- إلغاء كافة الإجراءات القضائية المتعلقة بملكية الأراضي الفلسطينية المستولى عليها من المستعمرين.

2- اعتبار عملية الاستيلاء على الأراضي وما ترتب عليها تمت بحسن نية؛ طالما أنها حظيت على موافقة الدولة: "سواء كانت بالتصريح أو بالتلميح. مسبقاً أو بعد تنفيذ العمل، بما في ذلك المساعدة في إنشاء البنى التحتية، ومنح الحوافز، وتنظيم المخططات، ونشر الإعلانات الهادفة إلى تشجيع البناء أو التطوير، أو المشاركة في المال، أو الدعم". والأنكى هنا هو، أن تعريف الدولة بموجب تعريف هذا القانون لم يقتصر على حكومة إسرائيل، أو أية وزارة من وزاراتها، أو سلطات الاحتلال؛ بل شملت أيضًا (أي مجلس محلي أو إقليمي خاص بالمستعمرات أو في إسرائيل؛ وكذلك أية مؤسسة استيطانية).

3- إذا كانت الأراضي المستولى عليها قد جرى تسويتها، يتم مصادرة حق التصرف والحيازة من مالكها؛ وينقل للمسؤول عن الأموال الحكومية الذي سيقوم خلال ستة أشهر بتخصيصها للمستعمرين الإسرائيليين المستولين عليها.

4- إذا كانت الأراضي لم تجر تسويتها فعلى من يدعي ملكيتها إثبات ملكيته (وفقًا للشروط الإسرائيلية الاستعمارية المعروفة). وإذا اثبت ذلك تجري عليها الإجراءات السابقة، وإلا فإنها ستسجل باسم المسؤول عن الأموال الحكومية.

5- مقابل مصادرة حق التصرف والحيازة يسمح للمالكين الفلسطينيين بأخذ تعويض مالي فقط، تقدره لجنة تخمين يشكلها الإسرائيليون.

6- لا يحق للفلسطينييين المتضررين التوجه للمحاكم الإسرائيلية ضد قرار المصادرة ذاته، وفقط يسمح لهم بالاعتراض أمام لجنة تشكل لهذا الغرض لرفع مبلغ التعويض.

ثانيا، موقف القانون الدولي والقانون المحلي:

القانون الدولي: انتهاك جسيم للقواعد القانونية التي تضمنتها القوانين الدولية. وبشكل خاص قانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
فقد جاء في المادة الخامسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أنه "لا يقبل فرض أي قيد أو تضييق على أي من حقوق الإنسان الأساسية المعترف بها أو النافذة في أي بلد..". أما المادة 26 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فقد نصت على: "الناس جميعًا سواء أمام القانون ويتمتعون بحق متساو في التمتع بحمايته. وفي هذا الصدد يجب أن يحظر القانون أي تمييز وأن يكفل لجميع الأشخاص، على السواء، حماية فعالة من التمييز، لأي سبب، كالعرق أو اللون أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسي أو غير سياسي، أو الأصل القومي".

أما بالنسبة للقانون الدولي الإنساني، فإن المادة 46 من اتفاقية لاهاي لسنة 1907 نصت على: "ينبغي احترام شرف الأسرة وحقوقها، وحياة الأشخاص، والملكية الخاصة؛ وكذلك المعتقدات والشعائر الدينية؛ ولا تجوز مصادرة الملكية الخاصة. وأضافت المادة 47 بأنه "يحظر السلب حظرًا تامًا"
 كذلك فإن منطوق المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة جاء كالتالي: "لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل جزءًا من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها". كذلك فإن منطوق المادة 53 لذات الاتفاقية يحظر على دولة الاحتلال تدمير أية ممتلكات خاصة ثابتة أو منقولة".

وهذه النصوص أكدت عليها القواعد القانونية لميثاق روما الذي أسس لوجود وعمل المحكمة الجنائية الدولية.

فالمادة (8) (أ) من ميثاق روما اعتبرت في بندها الرابع، أن جريمة "إلحاق تدمير واسع بالممتلكات والاستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك، وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة" هي جريمة حرب. أما فرع (ب) لذات المادة، فقد اعتبر في بنده رقم (8) أن "قيام دولة الاحتلال على نحو مباشر أو غير مباشر بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأرض التي تحتلها ..." هي أيضا جريمة حرب تدخل ضمن نطاق ولاية محكمة الجنايات الدولية.

القانون المحلي: إن حق الملكية باعتباره حقًا جامعًا، مانعًا، ودائمًا هو حق طبيعي أيدته الشريعة الإسلامية (مصدر التشريع في فلسطين منذ أن فتحها العرب المسلمون) وحفظته القوانين المحلية. والقانون الإسرائيلي الاستعماري المذكور يمثل انتهاكًا جسيمًا واعتداءً صارخًا على حقوق الملكية لالاف المواطنين الفلسطينيين المحميين قانونًا.

إن سلطة الاستعمال والاستغلال والتصرف، التي تشكل جوهر حق الملكية الجامع، هي وحدة واحدة ولا يمكن المحافظة على وحدتها وتوزيعها في الوقت ذاته، كما فعل القانون الإسرائيلي هذا، كونه نص على سلب حق التصرف والحيازة من مالكي الأراضي الفلسطينيين عنوة، وحرمهم من حق مقاضاة الفعلة.

إن قانون الاستيلاء الأردني الذي قام المشرع الإسرائيلي بمحاولة الاستناد اليه وتفسير نصوصه بما يتلاءم ومقاسات مشروعه الاستعماري هو قانون جرى تشريعه ابتداءً لتمكين السلطة التنفيذية من تحقيق المصلحة الوطنية العامة، حينما تستدعي الضرورة ذلك. ولم يقصد به الشارع أبدا أن يكون قانونًا عنصريًا يسمح بتجريد مالكي الأرض ملكياتهم، ومنحها لأفراد مجموعة اثنية استعمارية أخرى.

المطلوب فلسطينيًا، على الصعيد القانوني:

-  قيام دولة فلسطين بالإحالة الفورية للمحكمة الجنائية الدولية.

- التوجه لمحكمة العدل الدولية بسؤال يتعلق بواجبات الأطراف السامية المتعاقدة – الطرف الثالث – ودورها في تنفيذ ما وقعت عليه من اتفاقيات، واتخاذ ما يلزم من إجراءات عملية؛ لإلزام المعتدي بإنهاء اعتداءاته.

- دفع أعداد من الأشخاص الفلسطينيين الطبيعيين والمعنويين من بين المتضررين من هذا القانون، بتقديم شكاوى للمحكمة الجنائية الدولية.

- توجيه كافة الفلسطينيين الذين يحملون جنسيات أجنبية، والمتأثرين بشكل مباشر من هذا القانون؛ وبما يشمل ذلك حملة الجنسيات العربية، للتوجه إلى محاكم البلاد التي يحملون جنسيتها لمحاكمة المجرمين الإسرائيليين. 

المصدر: هيئة مقاومة الجدار والاستيطان/ مقدمة لمؤتمر وزارة الثقافة 15آذار2017/ المستشار القانوني محمد الياس نزال