الموقع والمساحة
تقع الأغوار الشمالية شمال شرق الضفة الغربية، ضمن ما يعرف حاليًا باسم "محافظة طوباس"، وتبلغ مساحتها حوالي 240 ألف دونم، وتشكل حوالي 60% من مساحة محافظة طوباس البالغه 402كم2، وتضم المحافظة 23 تجمعًا سكانيًا، ما بين مدينة، وبلدة، وقرية، ومخيم، وتجمعات بدوية؛ ويبلغ عدد سكانها حتى منتصف العام 2017 حوالي 69 الف نسمة؛ فيما تضم الأغوار 12 تجمعًا سكانيًا ثابتًا، بالإضافة إلى 20 تجمعًا لمضارب البدو، ويبلغ عدد سكانها حتى منتصف العام 2017 حوالي 6000 نسمة.
أهمية الموقع
وتتمثل أهمية الأغوار الشمالية في أنها سلة غذاء الضفة الغربية من الخضار، والفاكهة؛ كون أراضيها الزراعية من أخصب الأراضي في فلسطين، وأغلب مزروعاتها مروية؛ نظرًا لتوافر المياه طوال العام، خاصة أنها جزء من أكبر حوض مائي جوفي في فلسطين، وهو "الحوض المائي الشرقي"؛ بالإضافة إلى محاذاتها الحدود الأردنية وأراضي عام 1948.
تقسيمات أوسلو
وتقسم محافظة طوباس (وفق "اتفاقية أوسلو") إلى مناطق "أ"، وتشكل 11% من المساحة الإجمالية، وتشمل 8 تجمعات سكانية ثابتة، وهي: "طوباس، وعقابا، وتياسير، وكشدة، ورأس الفارعة، ومخيم الفارعة، وطمون، ووادي الفارعه"؛ ومناطق "ب" وتشكل 5 % من مساحة المحافظة، وتشمل تجمعيين سكانيين ثابتين، هما: " عاطوف والثغرة " ؛ ومناطق "ج"، وتشكل 84% من مساحة المحافظة.
وتشمل طوباس 12 تجمعًا سكانيًا ثابتًا، وتشكل الأغوار الشمالية، جزءًا منها، وهي: "واد المالح، والفارسية، وحمصة، والرأس الأحمر، والحديدية، وكردلة، وبردلة، وعين البيضا، والعقبة، وإبزيق، وسلحب، ويرزة"؛ بالإضافة إلى تجمعات المضارب البدوية غير الثابتة، وتشمل: "حمامات المالح، والبرج ، والميتة، وعين الحلوة، وإحمير، وخلة خضر، وعين الغزال، والجوبية، والزعبي، والدير، وتل الحمة، وحمصة الفوقا، وحمصة التحتا، وذراع عواد، وخربة مكحول، وخربة السمرة، وخربة الحديدية، والنبع، وأم الجمال، ووادي الفاو"، وجميعها تقع ضمن المناطق المصنفه "ج".
الاستيطان .. المعضلة الأكبر
بدء الاستيطان في الأغوار الشمالية منذ احتلالها عام 1967؛ بسبب قربها من الحدود الأردنية، ولخصوبة أراضيها، ووفرة مياهها، وقربها من مدينة بيسان المحتلة عام 1948؛ وأقيمت أولى المستوطنات عام 1968، وهي مستوطنة "ميخولا" الزراعية. وتصاعدت وتيرة الاستيطان بعد طرح مشروع "ألون" للسيطرة على الأغوار الفلسطينية؛ حيث أقيمت 7 مستوطنات جديدة، أغلبها ذو طابع زراعي وعسكري في آن واحد؛ بالإضافة إلى إقامة 3 بؤر استيطانية جديدة خلال العامين الماضيين.
وتتوزع هذه المستوطنات على طول الحدود مع الأردن، ضمن الخط الموازي لنهر الأردن، بالإضافة إلى الخط الثاني، ضمن السفوح الشرقية للجبال المطلة على الأغوار.
وتبلغ مساحة هذه المستوطنات ضمن حدودها حوالي 7518 دونمًا؛ عدا عن المنطقة الحيوية "مناطق نفوذ" التي تحيط بها، والتي يمنع المزارعون الفلسطينيون من دخولها أو البناء بها، ويسكن هذه المستوطنات والبؤر حوالي 2000 مستوطن.
ويمثل النشاط الاقتصادي الاستيطاني أهمية كبيرة بالنسبة لدولة الاحتلال في هذه المنطقة؛ لما تحويه من أراضٍ زراعية خصبة؛ بالإضافة إلى مزارع الأبقار الضخمة، وعدد كبير من المصانع التي تعتمد على الانتاج الزراعي والحيواني في تصنيعها؛ لا سيما الأعشاب الطبية. ويقدر حجم أرباح المستوطنين من خلال الاستثمار في الأغوار الشمالية بحوالي 650 مليون دولار سنويًا. وتقوم 3 شركات استيطانية كبرى بتسويق الانتاج من هذه المستوطنات، وهي: شركة عارفا، وشركة إغريسكو، وشركة آدا فرش؛ في المقابل تخسر دولة فلسطين سنويًا حوالي 800 مليون دولار، بسبب سيطرة الاحتلال على هذه المناطق.
القواعد العسكرية للسيطرة على ما تبقى
تنتشر القواعد العسكرية في كل أجزاء الأغوار الشمالية، لتخلق حالة من التفكك بين التجمعات السكانية الفلسطينية، سواء بينها، أو بين العالم الخارجي، لتصبح عبارة عن معازل سكانية؛ بالاضافة إلى توفير الأمن للمستوطنات، والمستوطنين. ويبلغ عدد القواعد العسكرية 7 قواعد، بمساحة إجمالية تبلغ 14395 دونمًا، عدا عن المدى الحيوي لهذه القواعد، والتي تعتبر مناطق عسكرية مغلقه بالكامل أمام الفلسطينيين.
ويتمثل خطر هذه القواعد في التدريبات العسكرية المنتظمة التي تجريها على مدار العام بين منازل، وخيام المواطنين، خاصة في مناطق المضارب البدوية؛ إذ تقوم قوات الاحتلال بتوزيع أوامر بإخلاء البيوت، والخيام من السكان قبل البدء بالمناورات، والتي تستخدم فيها الذخيرة الحية (وهي جزء من الوسائل القمعية التي تستخدمها دولة الاحتلال "الآبرتهادية"، في سبيل طرد السكان من أماكن سكناهم تمهيدًا لإعطائها للمستوطنين لاحقًا).
ولا يتوقف خطر المناورات العسكرية عند انتهائها؛ بل يتعداها الى ما بعد ذلك، من خلال ما تخلفه وراءها من ذخائر حية، وقنابل وقذائف غير منفجرة؛ وعادة ما تنفجر إذا لُمِسَتْ، مثل ما حدث مؤخرًا مع الشهيد "عدي نواجعه 17 عاما"، عندما انفجر فيه لغم من مخلفات الاحتلال. وهو واحد من 8 شهداء سقطوا نتيجة انفجار ألغام، وذخائر، من مخلفات قوات الاحتلال.
ويمارس جنود الاحتلال شتى أنواع القهر والإذلال ضد المواطنين الفلسطينيين، من خلال ملاحقة رعاة الأغنام والمزارعين في المنطقة، والاستيلاء على جرارات زراعية وتنكات المياه الخاصة بالسكان؛ بالإضافة إلى الاستيلاء على الأبقار، والمواشي، والحمير، التي يستخدمها السكان للتنقل في منطقة لا يوجد بها بنى تحتية، تسهل على المواطنين حياتهم اليومية، وتقوم قوات الاحتلال من خلال القواعد العسكرية بطرح ما يتم مصادرته بالمزاد العلني، أو فرض غرامة مالية باهظة لمن يود من المواطنين استرداد حاجاته المصادرة.
اعتداءات المستوطنين مسلسل لا ينتهي
تتواصل اعتداءات عصابات المستوطنين في الأغوار الشمالية بشكل يومي، تحت مرأى، ومسمع وحماية جنود الاحتلال. وغالبًا ما يكونوا جزءًا من هذه الاعتداءات؛ والتي تشمل طرد الرعاة والمزارعين من أراضيهم، ومصادرة المواشي، والجرارات الزراعية، والسيارات؛ بالإضافة إلى الاعتداءات الجسدية بشكل مباشر؛ بغية إفراغ الأرض من سكانها لتكون للمستوطنين من بعدهم؛ فأصحاب الأرض الفعليين محرومون من استعمال هذه الأراضي الشاسعة؛ فيما عصابات المستوطنين الغرباء يستبيحون الأرض، والحجر، والبشر، ويتصرفون كأنهم مالكوها.
وتتكامل اعتداءات المستوطنين مع إجراءات جيش الاحتلال في الأغوار الشمالية، من إغلاق لمساحات شاسعة؛ بحجة أنها مناطق عسكرية للتدريبات التي يجريها في المنطقة؛ أو مناطق طبيعية يحظر البناء أو الرعي فيها؛ وتمهد هذه القرارات لتسريب هذه الأراضي إلى المستوطنين فيما بعد؛ من أجل بناء بؤر جديدة، أو لتكون مناطق رعي خاصة بهم، بعيدًا عن الرعاة الفلسطينيين. وهذا ما تم فعلا حيث أنشئت 3 بؤر استيطانية في مناطق صدرت أوامر عسكرية بعدم الدخول إليها، لأسباب عسكرية، أو حماية للطبيعة؛ ثم منحت للمستوطنين لتنفيذ مخططاتهم، خاصة بعد مصادقة الكنيست الإسرائيلي على قانون "تسوية الأراضي"، الذي يتيح للمستوطنين الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين، حتى وإن كانت خاصة.
الحواجز العسكرية قتل للوقت والارض
يوجد في الأغوار الشمالية حاجزان عسكريان، دائمان، هما: "حاجز الحمرا"، الذي يوصل الأغوار الشمالية بمحافظتي أريحا، ونابلس؛ "وحاجز تياسير" الذي يقع على بعد 10كم من مدينة طوباس، والذي يفصلها عن الخرب، والتجمعات البدوية في الشرق. وأقيم هذان الحاجزان منذ بداية الانتفاضة الثانية، قبل 17 عامًا.
ويمثل هذان الحاجزان المعاناة اليومية والسلطة القهرية التي يمارسها الاحتلال ضد السكان بشكل يومي، والذي يتعمد إغلاق الحاجزان في الفترة الصباحية، أثناء خروج الموظفين، والطلاب، والمزارعين إلى أعمالهم؛ ما يسبب أزمات مرورية خانقة تمتد لساعات طويلة، في ظل أجواء حارة؛ بالإضافة إلى ممارسات الجنود على الحواجز من الضرب، والإهانة، والتفتيش المذل للمواطنين، ومنعهم من ادخال بعض المواد التموينية وبعض الأسمدة، والمبيدات، والأدوات الزراعية، والخلايا الشمسية؛ تحت ذرائع أمنية واهيه.
وتهدف سلطات الاحتلال إلى تقطيع أواصر الصلة بين بلدات وقرى الأغوار الشمالية؛ للتنغيص على المواطنين؛ لإجبارهم على ترك أرضهم، والرحيل عنها؛ بالإضافة إلى عزلها عن باقي مدن ومحافظات الضفة الغربية.
إضافة الى ذلك، تغلق قوات الاحتلال بوجه الفلسطينين المعبر الوحيد الواصل ما بين الأغوار الشمالية وأراضي عام 1948، وهو "حاجز بيسان العسكري"، أو ما يعرف بـ"حاجز بردلة"، ويضطر المزارعون الفلسطينيون إلى سلوك طرق طويلة، بهدف تصدير منتوجاتهم، وبيعها، سواء داخل أراضي عام 1948، أو تصديرها للخارج، وهذا يزيد من تكلفة التسويق الزراعي، ويكبد المزارعين خسائر مادية كبيرة، في ظل ضعف المنافسة التجارية مع التاجر الإسرائيلي، خاصة وأن سلوك طرق بديلة وطويلة في ظل أجواء شديدة الحرارة قد يؤدي إلى إتلاف المنتوجات الزراعية قبل وصولها إلى الأسواق لبيعها.
تعطيش الأغوار.. جريمة ضد الانسانية
تعتبر منطقة الأغوار الشمالية ضمن الحوض المائي الشرقي الأكبر في فلسطين؛ ورغم ذلك تسيطر إسرائيل على 85% من مياهها؛ فيما يتحكم الفلسطينيون بـ15% المتبقية. وتشير الارقام إلى أن معدل استهلاك المستوطن القاطن في الأغوار يبلغ 8 أضعاف ما يستهلكه المواطن الفلسطيني.
ولا تسمح سلطات الاحتلال بإعطاء تراخيص لحفر آبار مياه للفلسطينيين مهما كان عمقها؛ بينما تقوم شركة "ميكروت" (موزع المياه الإسرائيلي في الضفة الغربية) بحفر الآبار التي يصل بعضها إلى عمق 100 متر؛ بغية تزويد المستوطنات، والمزارع التابعة لها بالمياه طوال العام. وقد أدت هذه السياسة إلى تجفيف عشرات الآبار والينابيع المنتشرة في المنطقة بفعل هذه الآبار العميقة.
يذكر أن عدد الآبار في الأغوار الشمالية هو 10 آبار؛ والذي يعمل منها هو بئر واحد فقط. وتسعى إسرائيل من خلالها إلى تدمير أبسط مقومات الوجود الإنساني في المنطقة؛ بهدف الضغط على السكان من أجل الرحيل، خاصة أن هذه المنطقة تعتمد على الزراعة المروية كمصدر رزق أساسي لهم. ويلجأ السكان إلى شراء صهاريج المياه بأسعار خيالية، ويصل سعر الصهريج 3 كوب إلى 120 شيقلًا؛ وغالبا ما يقوم جيش الاحتلال بملاحقة هذه الصهاريج، والاستيلاء عليها، وفرض غرامات مالية كبيرة، تحت حجج وذرائع أمنية واهيه.
ومؤخرا قامت سلطات الاحتلال بإغلاق عشرات فتحات المياه، وتدمير مئات الأمتار من خطوط المياه، بادعاء أنها غير مرخصة في مناطق خاضعه للسيطرة الأمنية الإسرائيلية؛ ما سبب أزمة مائية خانقة في ظل الأجواء الصيفية الحارة.
هدم البيوت والمنشآت
هدمت قوات الاحتلال في محافظة طوباس منذ عام 2009 وحتى الآن حوالي 350 بيتًا، و719 منشأة، بينها 41 بيتًا، و 100منشأة في العام 2016 الماضي؛ بينما هدمت منذ بداية العام الحالي وحتى الآن 4 بيوت، و18 منشأة، ما بين حيوانية، وزراعية، وخدماتية.
وتتذرع قوات الاحتلال بحجج واهية، منها: المناطق العسكرية المغلقة؛ بحجة التدريبات العسكرية، وقربها من معسكرات الجيش الإسرائيلي؛ بالإضافة الى مناطق المحميات الطبيعية، والتي يحظر البناء، والرعي فيها. والحجة الجاهزه لكل زمان ومكان أنها مناطق "C" يحظر على الفلسطيني البناء بها، إلا بموافقة إسرائيلية.
والغريب بالأمر أن جميع المناطق التي يحظر على الفلسطينين البناء بها، يسمح للمستوطنين البناء فيها، وإقامة البؤر الاستيطانية، والرعي بها؛ رغم أنها تصنف كمناطق طبيعية، ومحميات (كما حصل في خربتي الحمه والمزوقح في الأغوار الشمالية)؛ حيث أنشئت بؤرتين استيطانيتين جديدتين فيها، وتسعى قوات الاحتلال من خلال سياسة هدم البيوت إلى ترحيل السكان، وإجبارهم على ترك أراضيهم، لصالح التوسع الاستيطاني؛ وتجميع السكان في تجمعات سكانية محدودة المساحة؛ لهذا ترفض سلطات الاحتلال الموافقة على عمل مخططات هيكلية جديدة للتجمعات السكانية الفلسطينية في الأغوار الشمالية، أو توسيع القائم منها فعليا.
وأدت هذه السياسة إلى تهجير سكان خربتي الرواق وحمصه بشكل كلي؛ فيما تم تهجير جزئي لبعض الخرب منها: خلة مكحول، وخلة جديعة، وخربة أم قطن، وخربة الحديدية؛ فيما سلمت قوات الاحتلال منذ بداية العام الجاري ما يزيد عن 120 اخطارا بالهدم، والترحيل، في تجمعات الأغوار الشمالية، والتي تنتظر تنفيذها في أي وقت.