بسطت إسرائيل سيطرتها الجغرافية على الأراضي العربية في فلسطين، من خلال استيلائها على أراضي العرب وأماكن وحودهم الجغرافي- من خلال العديد من الأساليب منها: الاستيطان وفرض سياسة الأمر الواقع، القوة العسكرية، والمصادرة، ولتحقيق ذلك؛ عمدت إلى سن القوانين التي تكفل لها ابتلاع الأرض وسلبها من أصحابها.
وهنا لا بد من التذكيربتدميرالإحتلال لأكثر من 418 قرية فلسطينية، واستيلائه على معظم المدن الفلسطينية، وعلى ملايين الدونمات من أراضي عرب الـ 48 ، الذين أحالتهم إلى لاجئين لا يملكون شيئاً، بعد أن كان متوسط ملكيتهم عام 1948 -(16) دونماً للفرد الواحد.
وفي 9 تشرين الثاني 1918 تقدم حاييم وايزمن إلى وزارة الخارجية البريطانية بمذكرة طالب فيها بتعيين لجنة للأراضي يمثل فيها أعضاء من البعثة الصهيونية لمعالجة المسائل المتعلقة بتملك الأراضي في فلسطين، لتقوم بعملية مسح أولي ثم مسح نهائي للأراضي، وذلك من خلال وضع الخرائط وفحص سجلات الأراضي، وبحث قوانينها وإمكانية تعديلها.
وأشار وايزمن في المذكرة إلى أن هناك الكثير من الأراضي غير المأهولة بالسكان ويوجد مساحات كبيرة من الأراضي الخصبة غير المزروعة وتنتج أقل من إمكانيتها، وزعم بأن الفلاح الفلسطيني يملك أرضاً تفوق قدرته على زراعتها، وقد تضمنت المذكرة 250,000 هكتار من أراضي الدولة والأراضي المهملة أو الأراضي المزروعة جزئياً من قبل ملاكها، ورأى وايزمن أن هذا المشروع إذا ما تم تنفيذه سيحقق الكثير من الفوائد.
وعلى ما يبدو فإن فاليهود تمكنوا من شراء بعض الأراضي، بالرغم من إغلاق دوائر تسجيل الأراضي، ويتضح ذلك من خلال المنشورين اللذين أصدرهما الجنرال موني في بداية تشرين الثاني 1918م ويحمل رقم 75 والثاني في 18 تشرين ثاني ويحمل رقم 76، وذلك عندما علمت الإدارة أن هناك عمليات انتقال للأراضي بشكل غير قانوني، وتضمن المنشوران تعليمات بشأن انتقال الأراضي؛ فقد بين المنشور رقم 76 أن كلمة التصرف تعني البيع والرهن وفك الرهن، وإنشاء الوقف وكل تصرف آخر بشأن الأموال غير المنقولة، وعدم ملكية حق نقل حقوق التصرف فيها إلا بعد إعادة فتح دائرة الطابو، وكل انتقال مخالف لهذا المنشور يعد لاغياً وباطلاً.
لقد استغلت "إسرائيل" بعد عام 1948 القوانين العثمانية وبنت على أساسها الظالم والجائر قوانينها المتعلقة بملكية الأرض، وأهمها قانون الطابو العثماني، الذي أتاح إبان الحكم العثماني لأقلية عربية محدودة تسجيل الأرض في الطابو (قانون الملكية)، وذلك، بسبب الشروط الاستبدادية التي فرضتها الدولة العثمانية على العرب أصحاب الأرض الأصليين من خلال قانون الطابو لعام 1858، والذي ربط تسجيل ملكية الأرض في الطابو بشرط الخدمة في الجيش العثماني من جهة، وبدفع الرسوم والضرائب الباهظة من جهة ثانية؛ وبالتالي عدم تمكن الفلاحين الفلسطينيين (أصحاب الأرض الأصليين) من الوفاء بالشروط العثمانية تبعاً للوضع الاقتصادي الصعب الناتج عن سياسة الاستبداد والاستغلال العثمانية، ما جعل تسجيل الأرض في الطابو يقتصر على طبقة الإقطاعيين والأفندية والمقربين من السلطة العثمانية، بالرغم من أن أكثرية الفلاحين الفلسطينيين والعرب كانوا، وما زالوا، يملكون سندات تثبت وجودهم وتصرفهم بالأرض على مدى أجيال.
كان هذا الوضع معروفاً للحركة الصهيونية ومؤسسي الدولة "الإسرائيلية" التي سنت قوانين ملكية الأرض على أساس وثيقة الطابو، التي لا يملكها عدد كبير من الفلسطينيين عامة وعرب الـ 48 خاصة، رغم أن الفلسطينيين عامة يمتلكون سندات تثبت ملكيتهم للأرض منذ مئات السنين، بينما لا تملك أكثرية اليهود "الإسرائيليين" أي وثيقة (سوى أسطورة الألفي عام) تثبت ملكيتهم للأرض التي استولوا عليها وصادروها من خلال عدم الاعتراف بسندات الفلسطينيين الذين لا يملكون الطابو، أو من خلال القوة العسكرية وإقامة المستوطنات في مناطق الوجود العربي سواء في الجليل أو المركز أو النقب في الجنوب الفلسطيني، بالإضافة إلى عدم اعتراف "إسرائيل" بوجود عشرات القرى العربية القائمة منذ مئات السنين قبل قيامها العام 1948.
استولت "إسرائيل" خلال فترة الحكم العسكري الذي فرضته على عرب الـ48 (1948- 1966)، على ملايين الدونمات من الأراضي العربية، حيث أنها (للمثال لا للحصر) استولت على أكثر من مليون دونم من الأراضي العربية في فترة ما بين عام 1948،1958؛ بحجة إعلانها لهذه الأراضي كمناطق عسكرية مغلقة، وسريان قوانين الطوارئ عليها.
بالإضافة إلى هذا؛ سنت "إسرائيل" ما أسمته في قانون ملكية الغائب لعام 1950، واستولت من خلاله على أملاك الغائبين والحاضرين من الفلسطينيين من جهة، وعلى آلاف البيوت والممتلكات الفلسطينية في المدن الفلسطينية مثل يافا، وحيفا، وعكا، وصفد، واللد، والرملة، وعسقلان، وأشدود... الخ من جهة ثانية.
من الجدير بالذكر أن عدد الفلسطينيين (عام 1948) اللذين ثبتوا في بلادهم (عرب 48) كان 160 ألف نسمة، اعتبرت "إسرائيل" 60 ألفاً منهم في تعداد الغائبين الحاضرين، واستولت على أملاكهم تحت حجة قانون ملكية الغائب.
وكل ما في الأمر، أن جميع القوانين "الإسرائيلية" المتعلقة بملكية الأرض، سنت على أساس تشريع الاستيلاء على الأراضي العربية، وبالتالي كانت وما زالت الأساس القانوني لإستراتيجية السيطرة الجغرافية والتغيير الجغرافي القسري، بمعنى السيطرة على أماكن الوجود العربي في الداخل، من خلال الاستيلاء على الأراضي العربية ومحاصرة القرى والمدن العربية، وذلك ببناء وإقامة المستوطنات اليهودية حول وداخل مناطق الوجود العربي، وتوسيع هذه المستوطنات فيما بعد على حساب أراضي القرى والمدن العربية، كالاستيلاء على الناصرة العليا والقرى العربية المجاورة، واستيلاء مستوطنة "روش هعاين" على أراضي كفر قاسم، والاستيلاء على معظم أراضي عرب النقب (بدو الجنوب)، من خلال عملية التوطين القسري الذي يمارسه الاحتلال إزاء عرب النقب، بالإضافة إلى ما يسمى المدن المختلطة (المدن الفلسطينية التي استولت عليها "إسرائيل" عام 1948 وشردت أكثرية سكانها الفلسطينيين) التي أصبح سكانها العرب محاصرين في جيتوهات صغيرة ومعزولة محاطة بأكثرية يهودية.