مع توقيع "اتفاقية غزة-أريحا أولا" في شهر أيار من العام 1994، انتقلت الصلاحيات المدنية إلى السلطة الوطنية الفلسطينية. وبموجب هذا الاتفاق المرحلي تم انتقال صلاحيات ومسؤوليات التنظيم إلى الجانب الفلسطيني ضمن المناطق المصنفة A.
وفي عام 1995 تم توقيع الاتفاقية المرحلية المتعلقة بالضفة الغربية وقطاع غزة، والتي ظهر من خلالها مفهومان جديدان لتقسيم الصلاحيات، وهما: B وC حيث تكون المنطقة B تحت السيادة الفلسطينية من الناحية الإدارية والتنظيمية دون الناحية الأمنية، والمنطقة C تخضع إداريًا وتنظيمًا وأمنيًا للسيادة الإسرائيلية.
بلغت مساحة المنطقة A( سيادة فلسطينية كاملة) 2.8%، بينما مساحة المنطقة B فقد بلغت23.7% من إجمالي مساحة الضفة الغربية، وتوالت الاتفاقيات وإعادة الانتشار إلى أن بلغت في شهر آذار عام 2001 ما يقارب 40% من مساحة الضفة الغربية ضمن مناطق الصلاحيات "B,A" .
أما فيما يتعلق بالناحية الإدارية؛ فقد قامت السلطة الفلسطينية بتقسيم المناطق الفلسطينية إلى 16 إقليمًا، أو ما سمي "محافظة" منها 11 محافظة في الضفة الغربية وخمس محافظات في قطاع غزة.
ولكن مع بداية انتفاضة الأقصى في عام 2000 وإعادة احتلال المدن والقرى الفلسطينية منذ شهر نيسان 2001، والوقائع الجديدة التي فرضتها سلطات الاحتلال على الأرض، من بناء وتوسعة المستعمرات وبناء الجدار الفاصل أو العازل بين الضفة الغربية والمناطق المحتلة عام 1948، يمكن القول أن مفهوم السيادة الفلسطينية على مناطق A وB ، قد فقد معناه أو مضمونه.
خلال الفترة (1994-2000) التي وواكبت عملية الانسحاب وبناء المؤسسات، تم إصدار التشريعات والقوانين التي تعتمد بالأساس على القوانين المعمول بها، أو التي عمل بها قبل دخول السلطة الوطنية الفلسطينية.
وكان من بين الأجهزة التي أنشأت أو فوضت صلاحية إدارتها للسلطة الفلسطينية أجهزة التنظيم والبناء والتي اعتمدت في تكوينها وعملها على قوانين التنظيم التي سبقت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، إضافة إلى بعض التعديلات التي أدخلت من قبل سلطات الاحتلال. واعتمدت السلطة الوطنية الفلسطينية ثلاثة مستويات لأجهزة التخطيط حسب القانون الأردني وهي:
1. مجلس التنظيم الأعلى.
2. اللجان اللوائية في المحافظات.
3. اللجان المحلية في المدن والقرى.
وبالإضافة إلى قطع التواصل الجغرافي بين أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية خلال المرحلة الانتقالية بين الضفة الغربية وقطاع غزه- فإن المحافظات الفلسطينية التي تم تشكيلها إداريًا لا يوجد بينها تواصل جغرافي من ناحية عملية ورسمية، حيث يتخللها مناطق مصنفة "C" رغم أن التقسيم الإداري الفلسطيني يفترض وجود تواصل بين هذه المحافظات، إلا أن التصنيف التنظيمي إلى ثلاثة مستويات من المسؤوليات والصلاحيات جعل التقسيم إلى محافظات فاعلاً في مناطق "A" و "B" فقط، وهذا الواقع حال دون إعداد مخططات هيكلية إقليمية أو لوائية للمحافظات.
أما بالنسبة للهيئات المحلية؛ فقد ازداد عددها إلى 510 هيئات في العام 2004، لتشمل جميع التجمعات السكانية في الضفة الغربية وقطاع غزة، موزعة بين بلدية أو مجلس قروي أو لجان مشاريع في التجمعات الصغيرة. والتي كانت 141هيئة محلية ما بين بلدية ومجلس قروي قبل قيام السلطة الفلسطينية في العام 1994.
وقد منحت البلديات الفلسطينية صلاحيات التخطيط والتنظيم وتراخيص الأبنية بالتنسيق مع اللجنة المركزية للتنظيم والبناء ومجلس التنظيم الأعلى.
هذه البلديات بدأت بإعداد مخططات هيكلية أو استأنفت إعداد مخططاتها الهيكلية، وبدأت اللجنة المركزية للتنظيم والبناء بإعداد مخططات هيكلية للقرى التي لا يوجد لها مخطط هيكلي، أو لتلك التي أعد لها مخطط هيكلي خلال فترة الاحتلال ولكنه لا يستجيب لاحتياجات البلدة.
على المستوى المحلي؛ فقد تولت وزارة الحكم المحلي مسؤولية التخطيط الهيكلي والعمراني للمدن والقرى، سواء من خلال إمكانياتها الفنية، أو بالتنسيق مع مؤسسات القطاع الأهلي (مثل الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات)، أو القطاع الخاص مثل(المكاتب والشركات الهندسية).
أما على المستوى الوطني؛ فقد تولت وزارة التخطيط والتعاون الدولي مسؤولية وضع استراتيجيات للتخطيط الوطني، وكذلك إعداد مخطط إقليمي لمحافظات الضفة الغربية وقطاع غزه بالاعتماد على دعم نرويجي وبمشاركة مستشارين نرويجيين.
هذا المخطط الذي صدر في نهاية عام 1998 اعتمد على فرضيات جيوسياسية واقتصادية. وجاء ليشكل إطارًا لوضع مخططات إقليمية في المحافظات وكذلك في المدن المركزية.
وعلى صعيد الأنظمة والقوانين، فقد قامت وزارة الحكم المحلي بإعداد وتصديق عدد من الأنظمة ذات العلاقة بأعمال التخطيط والتنظيم وهي:
1. نظام الأبنية للهيئات المحلية لعام 1996 للمناطق الواقعة داخل الحدود التنظيمية المصدقة في المدن والقرى.
2. نظام أحكام الأبنية والتنظيم للأراضي الواقعة خارج حدود التنظيم لعام 1996، بالإضافة إلى إقرار نظامي مجالس الخدمات المشتركة ونظام لجان التخطيط الإقليمية .
وبهدف رفع مستوى الخدمات وتحسين نوعيتها للمواطنين وتقليل الكلفة وتكريس العمل الجماعي في الهيئات المحلية ذات العدد السكاني الصغير؛ قامت وزارة الحكم المحلي باعتماد عدد من مجالس الخدمات المشتركة، بلغ مجموعها 49 مجلسًا، منها: 25 مجلسًا في الضفة الغربية وأربعة مجالس في قطاع غزة، وكل مجلس من هذه المجالس يحوي عددًا من التجمعات السكانية تشترك فيما بينها بخدمة واحدة أو مجموعة من الخدمات، مثل: جمع النفايات الصلبة والتخلص منها، توفير مياه الشرب، مشاريع الكهرباء، شبكات المياه العادمة وغيرها.
من جهة أخرى، وبهدف النهوض بمستوى الخدمات في الريف الفلسطيني وبناء القدرات الذاتية للهيئات المحلية؛ عملت الوزارة بشراكة كاملة مع برنامج الأمم الإنمائي (UNDP) في تنفيذ برنامج التنمية الريفية المحلية، التي تعتمد فلسفته على المشاركة المجتمعية في التعرف على الاحتياجات، وتحديد أولويات المشاريع التنموية والمشاركة في التخطيط والتنفيذ، والتوجه إلى المناطق المهمشة والأكثر حرمانًا وفقرًا والتي بمعظمها مناطق ريفية محاطة بمستعمرات إسرائيلية.
وقد جمعت القرى في مجموعات أكبر، سميت مناطق تخطيط إقليمية، وهي مكونة من عدد من ممثلي الهيئات المحلية، بلغ عدد هذه اللجان 14 لجنة، منها: 12 لجنة في الضفة الغربية ولجنتان في قطاع غزة.