تطور الوجود الفلسطيني في البرازيل:
الهجرة الفلسطينية إلى البرازيل لم تأت بالأساس كهجرة طبيعية بكل مراحلها، وإنما نتيجة ظروف سياسية مرّت بها المنطقة العربية، ولا بد هنا من سرد هذه المراحل على النحو التالي:
- الهجرة الفلسطينية الأولى 1890-1918م:
بدأت الهجرة الفلسطينية في العهد العثماني، من المدن ذات الكثافة السكانية التي يغلب عليها الطابع المسيحي، كبيت لحم، وبيت جالا، وبيت ساحور، واستقر المهاجرون في شرق شمال البرازيل، في ولاية بيرنام بوكو Pernambuco، وعائلة عصفورة هي الأكثر شهرة بالمنطقة.
- الهجرة الفلسطينية الثانية، التي جاءت نتيجة النكبة الفلسطينية، وكانت بدايتها 1950م:
الظروف المعيشية والاقتصادية الجديدة التي خلفتها النكبة على الشعب الفلسطيني، خلقت واقعاً جديداً اضطر العديد من الشباب الفلسطيني للبحث عن مصادر رزق خلف البحار؛ لإيجاد فرص عمل ومصادر رزق؛ فبدأ الشباب الفلسطيني بالوصول إلى قارة أمريكا اللاتينية،ليقوموا بمغامرة لا يدرك أحد مصيرها أو ما هو المستقبل الذي ينتظرهم، وكان للبرازيل النصيب الأكبر من هذه الهجرة.
- الهجرة الفلسطينية الثالثة بدأت بعد عدوان 1967م:
نتيجة قلق المغتربين على عائلاتهم بالوطن؛ اضطر العديد منهم إلى دعوة عائلاتهم وإخوانهم، تحسباً منهم لأي آثار سلبية قد يخلفها الوضع الجديد الناتج عن عدوان 1967م، وهذه الهجرة يمكن تسميتها هجرة جمع الشمل؛ فالتحق العديد من العائلات بالمغتربين لتصبح العائلة بكاملها في المهجر.
كان المهاجرون في المرحلتين الثانية والثالثة من منطقة رام الله وقراها،يشكلون النسبة الكبرى، يتبعها محافظة الخليل، ومهاجرين قلائل من المناطق الأخرى، والأغلبية الساحقة منهم تجمعوا بولاية الريو غراندي دو سول بالجنوب البرازيلي، حيث إن هذا التجمع يعتبر أكبر تجمع للجالية الفلسطينية في البرازيل، وتشير كل التقديرات أن هذا التجمع لا يزيد اليوم عن عشرة آلاف فلسطيني؛ أما مغتربو محافظة الخليل، فأغلبهم يسكن منطقة الأمازون.
أسباب الهجرة:
1- إن الهجرة العربية بشكل عام، جاءت في ظل ظروف خيّم فيها الجوع والفقر والجهل والمرض.
2- إن سبل المعيشة لم تكن متوفرة للسواد الأعظم من الناس.
3- إن الأتراك كانوا يجبرون الشباب العربي على خوض معارك لا تهم الوطن العربي من قريب أو بعيد.
4- الوضع الجديد الذي لحق بالشعب الفلسطيني والذي جاء على أثر النكبة عام 1948م والنكسة عام 1967م.
عدد أبناء الجالية الفلسطينية في البرازيل: 60.000 نسمة، "حسب معلومات مدير عام دائرة شؤون المغتربين في منظمة التحرير الفلسطينية السيد حسين عبد الخالق، 2022"
أماكن وجود الجالية الفلسطينية في البرازيل: أبناء الجالية الفلسطينية في كافة أنحاء البرازيل، لكن تركز وجودهم في ولاية بيرنامبوكو، شمال شرق البرازيل، والغالبة الساحقة من هؤلاء، قدموا من منطقة بيت لحم، وبيت جالا، وبيت ساحور.
أما الولاية الثانية التي تحتوي على عدد كبير من أبناء الجالية، فهي ولاية الريو غراندي دو سول، جنوب البرازيل، وقدمت الأغلبية الساحقة ممن هاجروا اليها، في أعقاب النكبة عام 1948م.
أما المدن التي تشهد وجودًا كبيراً لأبناء الجالية، فهي المدن الحدودية المجاورة مع الدول الأخرى، مثل: كولومبيا، بوليفيا، البراغواي، الأرجنتين والأورغواي.
اندماج الجالية الفلسطينية في المجتمع البرازيلي: لا شك أن الرواد الأوائل من أبناء الجالية الفلسطينية واجهوا صعوبات جمة بالاندماج في المجتمع البرازيلي، تمثلت في اختلاف اللغة والعادات والتقاليد ،وصعوبة الحصول على فرص العمل، لكنهم وبعد مرور الوقت تغلبوا على هذه المشاكل، ونجحوا في إثبات ذاتهم داخل المجتمع البرازيلي، وحققوا نجاحات في مختلف مجالات الحياة البرازيلية: اقتصادياً، وسياسياً، واجتماعياً؛ فبعد أن كانوا باعة متجولين في بداية قدومهم، أصبحوا يمتلكون المؤسسات والمحال التجارية، ونجحوا أيضاً في الوصول إلى مراكز اقتصادية واجتماعية وسياسية عالية، واقتحموا ميادين الحياة الفكرية والأدبية.
وقد ساهمت الحكومة البرازيلية في تحقيق هذا الاندماج من خلال توفير وثائق الإقامة الرسمية، وبرامج الدمج وتعليم اللغة، وساهم في ذلك أيضاً بعض أبناء الجالية، وتحديدًا، القدماء منهم؛ من خلال استيعاب القادمين الجدد وإرشادهم، ومشاركة الحكومة البرازيلية في برامج دمجها لهم، بإنشاء عدد من المؤسسات لهذا الغرض، كما لعبت بعض الزيجات المختلطة دوراً في دفع مسلسل الاندماج إلى الأمام.
ولا بد أن نشير هنا إلى الوضع الصعب الذي يعانيه أبناء الجالية الفلسطينية الذين قدموا إلى البرازيل من العراق، مروراً بمخيم الرويشد؛ بسبب عدم توفر فرص العمل، وأماكن السكن المريحة، على الرغم من سعي الحكومة البرازيلية لتنظيم البرامج لتأهيلهم، ومحاولة دمجهم في المجتمع البرازيلي.
نطاق عمل أبناء الجالية الفلسطينية في البرازيل: واجه أبناء الجالية الفلسطينية الأوائل صعوبة في الحصول على فرص عمل لهم داخل المجتمع البرازيلي؛ بسبب عدم إتقانهم اللغة البرتغالية، فعملوا باعة متجولين، حيث كان الفلسطيني يحمل حقيبة أو صندوقاً "الكشة" ويطوف الشوارع والمزارع، طارقاً الأبواب ليتمكن من بيع ما يحمله. وتعرض المهاجرون الفلسطينيون خلال تلك الفترة للكثير من الصعوبات منها: صعوبة التعامل مع السكان المحليين بسبب عدم إتقان اللغة، واستهدافهم من رجال الضرائب، ومصادرة بضائعهم. أما اليوم، فتغيرت أحوالهم، أصبحوا أصحاب مؤسسات ومحلات تجارية وأصحاب مصانع، ورجال أعمال، يعملون في مختلف الوظائف العامة والخاصة، ويمارسون الكثير من المهن: كالطب، والهندسة، والمحاماة، وهناك من احترف الزراعة.
• منظمات فلسطينية في البرازيل:
- جمعية الشبيبة الفلسطينية: أسسها أبناء الجالية الفلسطينية من المهاجرين الأوائل في مدينة ساوبولو، في عام 1932م.
- الاتحاد العام للجمعيات الفلسطينية العربية الخيرية في البرازيل: تأسس في عام 1962م من قبل أبناء الجالية الفلسطينية، لجمع كافة الجمعيات الفلسطينية في البرازيل تحت مظلته، وعددها 36 جمعية رسمية.
- حركة فلسطين للجميع: أسستها مجموعة من الأكاديميين والسياسيين من أبناء الجالية الفلسطينية، ومن البرازيليين أنفسهم، تعمل على تنظيم النشاطات والمحاضرات والندوات، وتقيم معارض التراث الفلسطيني، وتنظم عروض فنية تراثية.
- الحركة من أجل فلسطين: تأسست في ساو باولو البرازيل؛ من أجل كسب التأييد، وزيادة الوعي في صفوف النقابات العمّالية والحركات الاجتماعية، حول الضرورة التاريخية لوضع حدّ للصهيونية.
وهناك أيضاً المركز الثقافي العربي الفلسطيني في ولاية الريو غراندي دو سول.
العمل الدبلوماسي الفلسطيني في البرازيل: نشطت الدبلوماسية الفلسطينية في البرازيل؛ فمنذ عام 1975م اعترفت البرازيل بمنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلاً شرعيًا للشعب الفلسطيني. وفي عام 1988م، أيّدت البرازيل قرار المجلس الوطني الفلسطيني بإعلان الاستقلال، في دورته المنعقدة في الجزائر.
في عام 1993م فتحت منظمة التحرير مكتبًا لها في البرازيل. وفي عام 1998م بدأت البرازيل تعامل البعثة الفلسطينية بنفس المستوى الممنوح للسفارات. وخلال الأعوام ما بين 2004م و2010م، تمّ تبادل الزيارات بين كل من الرئيس الفلسطيني والرئيس البرازيلي؛ حيث زار الرئيس محمود عباس البرازيل في عام 2005م، وزار الرئيس البرازيلي لويس لولا داس يلفا، فلسطين برفقة وفد من رجال الأعمال في عام 2010م. وفي نهاية عام 2010م اعترفت البرازيل بالدولة فلسطينية مستقلة حرة في حدود عام 1967، وتبرعت بأرض لبناء السفارة الفلسطينية في البرازيل، وعمل الرئيس محمود عباس على وضع الحجر الأساس في مطلع عام 2011م، لتكون البرازيل الدولة السباقة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، بالإضافة إلى كونها إحدى الدول الداعمة للسلطة الوطنية والشعب الفلسطيني، في مجال تمويل المشاريع في مجال البنى التحتية والتنمية، من خلال مساهمتها في الصناديق والوكالات الدولية، مثل: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والبنك الدولي، والأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "الأونروا"، كما شاركت البرازيل في المؤتمرات الدولية التي تهدف إلى حل الصراع في الشرق الأوسط، مثل: الاجتماعات التي عقدت في أنابوليس عام 2007م، وباريس عام 2007م، وشرم الشيخ عام 2009م.