لم تكن بلجيكا في السابق بلداً ينشده الفلسطينيون؛ لعاملين أساسيين:
-
العامل الأول يرجع للغات المعمول بها في بلجيكا؛ فمن ناحية؛ هناك اللغة الفرنسية؛ ومن ناحية أخرى هناك اللغة الفلمنكية. وهاتان اللغتان لم يتعامل معها الفلسطينيون تاريخياً.
-
أما العامل الآخر،فهوغيابها كلاعب في الحلبة السياسية الشرق أوسطية، لصغر رقعتها، وانعدام وجود تاريخ استعماري لها في المنطقة العربية.
هذا الوضع بدأ يعرف تغييراً واضحاً مع منتصف سنوات الثمانينيات، حيث بدأنا نرى أعداداً متزايدة من الفلسطينيين يأتون لبلجيكا آملين ترتيب أوضاعهم فوق ترابه والحصول على حق الإقامة فيه.
تطور الوجود الفلسطيني ببلجيكا:
تنقسم مراحل وصول الجالية الفلسطينية إلى بلجيكا إلى ثلاث مراحل أساسية:
المرحلة الأولى: تعود لسنوات الستينيات؛ هنا نجد نوعين من الفلسطينيين جاؤوا لبلجيكا:
-
النوع الأول، كان يتكون من الطلبة الجامعيين، الذين جاءوا للدراسة في الجامعات البلجيكية.
-
النوع الآخر، فكان من العمال اللذين تم إحضارهم للعمل في المصانع البلجيكية الموجودة في منطقة لكسمبورغ البلجيكية، وكان عددهم كان بالعشرات آنذاك.
أما الآن، فيوجد في ذات المنطقة ما يقرب من مئة وخمسين عائلة، وهذا؛ يعود إلى عامل التزايد الطبيعي، وهنا نستطيع القول أن منطقة لكسمبورغ البلجيكية هي أحد مناطق وجود الفلسطينيين في بلجيكا.
المرحلة الثانية: هي فترة سنوات السبعينات، وهنا نجد أن الطلاب الجامعيين شكلوا العدد الأكبر من الفلسطينيين القادمين لبلجيكا. في هذه الفترة جاء مئات الطلبة للدراسة في مختلف الجامعات البلجيكية، وخاصة الناطقة بالفرنسية. وغالبية هؤلاء الطلاب قدموا من الأردن، وجزء كبير منهم بقي في بلجيكا ولم يعد، واستمرت هذه المرحلة حتى منتصف سنوات الثمانينيات.
المرحلة الثالثة: وهي المرحلة الأطول؛ بدأت مع منتصف الثمانينيات، وفيها نجد أن الجزء الأساسي والأهم من الفلسطينيين القادمين لبلجيكا، من طالبي اللجوء السياسي، بالإضافة إلى عدد من الطلبة الراغبين بالدراسة في الجامعات البلجيكية.
قبل الحديث عن طالبي اللجوء السياسي لا بد من القول أن الطلبة القادمين يأتون لإتمام دراسة ما بعد اللسانس، أو البكالوريوس؛ أي التحضير لدراسات دكتوراه، أو على الأقل شهادة الماجستير. هؤلاء الطلبة في غالبيتهم (وخاصة بعد مرحلة أوسلو) جاؤوا من فلسطين، وحصل معظمهم على منح دراسية من هذه الجامعات؛ وبالنسبة لطالبي اللجوء السياسي؛ هناك فترتان عرفتهما بلجيكا:
-
الفترة الأولى بدأت مع خروج م.ت.ف من لبنان عام 1982م، حيث رأينا أعدادًا من الشباب الفلسطيني القادمين من مخيمات لبنان، يتقدمون بطلبات للحصول على اللجوء السياسي في بلجيكا، بشكل كبير، ومن هؤلاء من حضر مع عائلته كاملة.
-
يضاف لهؤلاء فئة أخرى من طالبي اللجوء السياسي، التي بدأت تصل مع بداية التسعينيات، وهي فئة الفلسطينيين اللذين أبعدوا من الكويت بعد حرب الخليج الأولى.
أعداد طالبي اللجوء في بلجيكا هي بالمئات، ويشكلون الجزء الأساسي من أبناء الجالية الفلسطينية في بلجيكا، ويعيشون في مختلف المناطق البلجيكية، وخاصة في إقليم بروكسل العاصمة، وكذلك في المناطق الناطقة باللغة الفلمنكية أي الهولندية.
عدد الجالية الفلسطينية في بلجيكا:
بلغ عدد الفلسطينيين في بلجيكا حوال 25.000 نسمة، حسب معلومات مدير عام دائرة شؤون المغتربين في منظمة التحرير الفلسطينية السيد حسين عبد الخالق، 2022"
انطلاقاً من العديد من المؤشرات، نستطيع القول أن هذه الجالية تتكون من عدد يقترب من أربعة آلاف فرد على الأقل، وهذا الرقم في تزايد مستمر.
أماكن وجود الجالية الفلسطينية في بلجيكا:
يتوزع الفلسطينيون على أقاليم بلجيكا الثلاثة: أي إقليم بروكسل العاصمة، وإقليم فلاندر الفلمنكي، وأخيراً الإقليم الفرانكفوني الناطق باللغة الفرنسية. في أوساط هذه الجالية نجد أن جيل الشباب هو الأكثر عدداً، كذلك نجد أن فئة المولودين في بلجيكا ( أي فئة الجيل الثاني والثالث) تأتي بالدرجة الثانية.
اندماج الجالية الفلسطينية في المجتمع البلجيكي:
إن القسم الأكبر من الفلسطينيين المقيمين في بلجيكا مندمج داخل المجتمع البلجيكي، يلتزمون بالقانون الأساسي للدولة؛ لهم حقوق وعليهم واجبات يلتزمون بها. أما ما يتعلق بالاندماج من الناحية الاجتماعية؛ فهناك ما يمكن تسميته بالاندماج الايجابي، بمعنى التمسك بالعادات والتقاليد الإيجابية في المجتمعيين، والتخلي عن السلبيات.
وتحاول الجالية الفلسطينية (إلى جانب المحافظة على هويتها السياسية) فهم المحيط البلجيكي الذي تعيش فيه، وحل المشاكل الاجتماعية التي قد تنتج عن ذلك؛ إذ تقوم الجالية من خلال نشاطات مختلفة بالتعريف عن ثقافتها وعاداتها وتقاليدها؛ الأمرالذي يلقى عند غالبية البلجيك ترحيباً كبيراً.
ومن جهتها تولي بلجيكا مسألة الاندماج اهتماماً كبيراً، لا سيما في السنوات الأخيرة، حتى أن الأحزاب السياسية وضعتها ضمن برامجها الانتخابية. وتقوم الحكومة بحث الأجانب على المشاركة في دورات الاندماج التي توفرها لهم، من خلال تقديمها لدورات تعليم اللغة الفلامانيكة والفرنسية، أو دورات تأهيل مهني بهدف دمجهم في سوق العمل.
منظمات بلجيكية تساند القضية الفلسطينية:
ويوجد نشاط بلجيكي مهم في التضامن مع القضية الفلسطينية والقضايا العربية بعامة، وهو نشاط يغلب عليه أنه غير حكومي وإن كان يتلقى عوناً مالياً من الحكومة المركزية، ومن المؤسسات العاملة في هذا المجال: لجنة التنسيق الأوروبية للمنظمات غير الحكومية في القضية الفلسطينية، ويرأسها عضو مجلس الشيوخ البلجيكي بير غالاند، ومنبر العمل الفلسطيني، واتحاد اليهود التقدميين في بلجيكا، وهو منظمة غير صهيونية، ولديه آراء معلنة ضد الممارسات والسياسات الإسرائيلية.
العمل الدبلوماسي الفلسطيني في بلجيكا:
يوجد في بلجيكا ممثليه لشعب الفلسطيني تتولى رئاستها ليلي شهيد والتي تمثل بدورها أيضاً بعثة فلسطين لدى الاتحاد الأوروبي، والذي يتخذ من العاصمة البلجيكية مقراً له.