لم تكن فرنسا قبلة الفلسطينيين منذ البداية، بل كانت جسراً لهم للانتشار في الدول الأوربية الأخرى، لا سيما بريطانيا وألمانيا وغيرهما من الدول الأوربية، إلا أن الوضع الآن قد تغير، فهناك أعداد لا بأس بها من الفلسطينيين تتوجه نحو فرنسا، بهدف الالتحاق بمقاعد الدراسة أو نحو سوق العمل.
تطور الوجود الفلسطيني فرنسا: بدأ الوجود الفلسطيني يظهر في فرنسا في أعقاب معركة الكرامة عام 1968م، حيث سعت في ذلك الوقت حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"؛ لإيجاد قدم لها في أوروبا، وكانت فرنسا الدولة المرشحة كبوابة لذلك، وكان عدد الفلسطينيين (حسب ما رواه محمد أبو ميزر ممثل حركة "فتح") في أوروبا في ذلك الوقت 52 فلسطينياً، وقد توزع هؤلاء على امتداد بقاع فرنسا، مثلما توزعوا على كل المهن، وإن كانت غالبيتهم من الطلاب.
تلك الفترة شهدت نشاطاً ملحوظاً للاتحاد العام لطلبة فلسطين على الصعيد الفرنسي والأوروبي بشكل عام، خاصة بعد أن أوفدت حركة "فتح" محمود الهمشري إلى فرنسا متفرغاً للعمل الطلابي فيها في 1968م، وقد ساهم افتتاح أول مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في باريس في العام 1969م بدعم من جامعة الدول العربية، في تعزيز الوجود الفلسطيني في فرنسا، كما ساهم في تعزيز الحضور السياسي للفلسطينيين فيها، وتشكلت في تلك الفترة نواة للجالية الفلسطينية يسودها قطاع الطلاب.
جاءت الهجرة الفلسطينية بعد ذلك إلى فرنسا نتيجة جملة أحداث سياسية متعاقبة على شكل موجات من فلسطين وبعض الدول العربية المضيفة، مثل: "الأردن، لبنان، وبعض دول الخليج" إلا أن مخاض تأسيس النواة الأولى لما يمكن تسميته "الجالية الفلسطينية" في فرنسا؛ كان في بداية التسعينات، بعد اتفاق أوسلو.
أقام الوجود الفلسطيني في فرنسا علاقات سياسية مبكرة مع الحزب الشيوعي، ومع مجموعات أقصى اليسار الفرنسي "بفضل حماسة هؤلاء للمقاومة الفلسطينية"، من خلال الطلاب الشيوعيين الذين جاء تأييدهم للمقاومة الفلسطينية باعتبارها حركة تحرير وطني ضد الاستعمار؛ أسوة بما كان يحدث في فيتنام، وكذلك الحال مع حزب PSU "الحزب الاشتراكي الموحد" الذي كان أمينه العام، ميشيل روكار "رئيس وزراء فرنسا الأسبق"، وقد شاركت وفود من حركة "فتح" "وغيرها لاحقاً" في عديد المؤتمرات الحزبية الفرنسية.
عدد الجالية الفلسطينية في فرنسا: بلغ عدد الفلسطينيين في فرنسا 5000 نسمة، حسب معلومات مدير عام دائرة شؤون المغتربين في منظمة التحرير الفلسطينية السيد حسين عبد الخالق، 2022"
لذلك تتفاوت الإحصاءات حول العدد الكلي للفلسطينيين في فرنسا، فبينما ورد في دراسة أن عددهم حوالي 5000 نرى في دراسة أخرى أن العدد الإجمالي يتراوح بين ألف وألف ومائتي فلسطيني يتوزعون على كافة المدن الفرنسية "حسب إحصائيات وزارة الداخلية الفرنسية".
أماكن وجود الجالية الفلسطينية في فرنسا: ينتشر الفلسطينيون في مختلف أنحاء فرنسا؛ حيث لا توجد هناك أي مناطق تشهد تجمعًا واضحًا للفلسطينيين، على شاكلة بعض الجاليات العربية الأخرى، كالجالية المغربية أو الجزائرية أو التونسية.
اندماج الجالية الفلسطينية في المجتمع الفرنسي: بالرغم من حداثة الهجرة الفلسطينية إلى فرنسا، ومحدودية عدد أفرادها، مقارنة مع الجاليات المغاربية، فإنها تمثل نموذجاً فريدًا، مقارنة بالجاليات الفلسطينية الأخرى في أوروبا؛ فالجالية الفلسطينية في فرنسا مندمجة بصورة واضحة، إن لم تكن فيما يمارسه البعض، منصهرة؛ وذلك لضعف بنيان الجالية ومؤسستها.
الجالية الفلسطينية في وضعها الراهن ضئيلة العدد، ومحدودة الفاعلية، عدا كوادر الطلاب والخريجين وبعض العاملين والموظفين.
نطاق عمل أبناء الجالية الفلسطينية في فرنسا: يعمل ما نسبته خُمْسُ الفلسطينيين في فرنسا كرجال أعمال، والباقي يعمل مستخدماً في القطاع العام أو الخاص، ويلاحظ نموذج الموظفين المهنيين الذين من بينهم عدد محدود جداً، وجدوا عملاً لهم عن طريق الجالية الفلسطينية أو العربية.
منظمات فرنسية تساند القضية الفلسطينية: هنالك أحزاب سياسية، نقابات وجمعيات فرنسية نشطة من أجل فلسطين مثل:
1. الحزب الاشتراكي "يسيطر على نقابات المعلمين ومنظمة SOS RACISM".
2. مؤسسة FONDATION LEO LAGRANGE.
3. عصبة حقوق الإنسان.
4. الحزب الشيوعي الذي يسيطر على نقابة العمال، وحركة السلام، وحركة مناهضة العنصرية.
5. حزب الخضر LES VERTS.
6. حزب التضامن.
7. حركة "إلى الأمام" التي شاركت في انطلاقة "حركة التضامن".
العمل الدبلوماسي الفلسطيني في فرنسا: تأسس أول مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في باريس في العام 1969، وتولى شؤونه في ذلك الوقت عز الدين القلق. وبعد الاغتيالات السياسية، تولى إبراهيم الصوص شؤون المفوضية الفلسطينية، من ثم ليلى شهيد المفوضة الفلسطينية التي لعبت دوراً إعلامياً وسياسياً جيداً على الساحة السياسية والإعلامية الفرنسية، ونجحت كشخصية إعلامية يحترمها الرأي العام الفرنسي؛ ذلك أن لها خطاب سياسي إيجابي لصالح القضية قادر على الوصول إلى كافة شرائح المجتمع الفرنسي. وركزت في دورها الأساس على محورين:
الأول: إقامة علاقات رسمية سياسية مع فرنسا.
الثاني: أن يكون العمل الإعلامي جزءاً من عملها.
في نهاية عام 2010م رفع مستوى المفوضية الفلسطينية لدى فرنسا، وإعطاء الممثل الفلسطيني درجة سفير مع كل ما يترافق من ميزات دبلوماسية وبروتوكولية.