تتعدد مصادر التمويل الإسكاني في الأراضي الفلسطينية، ويختلف أداء مؤسسات التمويل تبعاً للفترة الزمنية والظروف السياسية والاقتصادية والبيئية المحيطة. وبشكل عام، تتكون مصادر تمويل الإسكان في الأراضي الفلسطينية من التمويل من المدخرات الشخصية للأفراد، والمصارف، ومؤسسات الرهن العقاري المتخصصة، والقطاع العام كالحكومة والبلديات، ومؤسسات الإسكان المتخصصة المحلية والدولية العاملة في فلسطين.
أنواع من المؤسسات التمويلية في فلسطين
أولا: المصارف
ساهم الغياب القسري للقطاع المصرفي بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة في العام 1967، في انحسار فرص ومصادر التمويل الإسكاني في الأراضي الفلسطينية. وتسببت تلك الإجراءات بفقدان الفلسطينيين لمصدر أساسي لتمويل شراء المساكن وتمويل عملية بنائها بالنسبة للمالكين والمستثمرين. وعزز هذا عزوف الفلسطينيين عن التعامل مع فروع البنوك الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية واقتصار التعامل على الخدمات المصرفية المرتبطة بالتجار مع إسرائيل. وأستمر هذا الوضع حتى العام 1986 حين تم افتتاح فرع لبنك القاهرة عمان في الضفة الغربية.
وبدءاً من العام 1994، أعادت المصارف افتتاح فروع لها في الأراضي الفلسطينية. وبلغ عدد المصارف العاملة نهاية العام 1994 سبعة مصارف، وبلغ عدد فروعها 33 فرعاً.
وشهد القطاع المصرفي تطورات متسارعة في مختلف المؤشرات، حيث تضاعف عدد المصارف العاملة، وبلغ عددها 13 مصرفاً في العام 1995 تعمل من خلال شبكة فروع مكونة من 57 فرعاً. ووصل العدد إلى 23 مصرفاً و190 فرعاً نهاية العام 2008.
نمت قيمة التسهيلات الائتمانية بشكل ملحوظ بعد العام 1994، وبلغت حوالي 1,346.2 مليون دولار في العام 2000، وشكلت ما نسبته 38% من ودائع العملاء.
لكنها أخذت بالتناقص بشكل كبير بعد اندلاع انتفاضة الأقصى، وبلغت أدنى مستوياتها في العام 2002، بواقع 957 .1 مليون دولار.
وبالرغم من أن قيمة التسهيلات الائتمانية ونسبتها من الودائع عادت إلى النمو تدريجياً في الأعوام اللاحقة، إلا أنها انخفضت في العامين الأخيرين، وشكلت التسهيلات 30% من ودائع العملاء نهاية العام 2008.
بلغت قيمة القروض المقدمة 1,054 مليون دولار في العام 2008، وبلغت قيمة قروض السكن 181 مليون دولار.
وقد توزعت قروض السكن ما بين قروض لأغراض الاستخدام الشخصي ( 61%)، وقروض للأغراض التجارية (39%).
وتم استخدام 36% من قروض السكن الشخصية لشراء مسكن دائم، واستخدام 25% لتحسين ظروف المسكن.
أما قروض السكن للأغراض التجارية، فتوزعت ما بين شراء بناء قائم (11.6%) وتأسيس عقار جديد (27.7%).
لا تزال حصة قطاع الإسكان من إجمالي التسهيلات الائتمانية متواضعة. ويعزى ذلك على الأغلب إلى متطلبات وشروط القروض السكنية في مواجهة سعي المصارف تقديم تسهيلات وقروض منخفضة القيمة وقصيرة الأجل وبضمانات ومتطلبات معقدة نسبياً.
ولا ينكر القائمون على المصارف العاملة في الأراضي الفلسطينية سياستهم المتحفظة إزاء التوسع في تقديم التسهيلات الائتمانية. ويعزون هذه السياسة إلى ارتفاع حجم المخاطر وعدم استقرار الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في فلسطين.
وقد دفع هذا الوضع سلطة النقد للتدخل وإصدار تعليماتها المتعلقة بإلغاء الحدود الدنيا لنسبة التسهيلات للودائع التي كانت مفروضة على المصارف، وبلغت في آخر تعميم 30%. واستبدلت هذا الشرط بتخفيض الحد المسموح به للمصارف فيما يتعلق بالتوظيفات الخارجية للودائع، حيث انخفض الحد من 65% في آب 2009.
تتعدد متطلبات التمويل وأشكال الضمانات التي تطلبها المصارف من أجل تقديم التسهيلات لجمهور المستفيدين. وتختلف تلك الأشكال والمتطلبات من مصرف إلى آخر، حيث تتبنى كل مصرف سياسة ائتمانية تعكس وضعه الائتماني، ومركزه المالي، وقدرته على إدارة المخاطر.
كما تسهم جنسية المصرف، ومدى التزامه بتعليمات إدارته المركزية والبنك المركزي الذي يشرف عليه، في تحديد توجهاته وطبيعة اشتراطاته المسبقة لمنح التسهيلات للمقترضين.
تمر القروض السكنية بمراحل مختلفة، ولكل مرحلة متطلباتها والفترة اللازمة لتنفيذها. وتبدأ العملية بتقديم طلب للحصول على القرض السكني، ويدرس المصرف جميع الجوانب المتعلقة بالطلب المقدم، ومدى تحقيقه لمتطلبات وشروط المصرف. ومن أهم الضمانات التي يطلبها المصرف.
• أن تكون الشقة أو البناء موضوع القرض مسجلة لدى دائرة الأراضي (الطابو) باسم المقترض، أو يمكن تسجيلها باسمه. وترهن الشقة باسم المصرف لحين سداد القرض.
• يحتاج المقترض إلى تأمين على الحياة وتأمين على الشقة، وعادة ما يتم توفيرها من قبل المصرف، ويتحمل المقترض تكلفتهما.
• يطلب من المقترض أن يكون راتبه محولاً لحسابه في المصرف الذي سيقدم له القرض.
• تطلب بعض المصارف، إضافة إلى ما سبق، كفيل أو أكثر، على أن تكون رواتبهم محولة لنفس المصرف.
• تطلب المصارف أحياناً شيكات شخصية مؤجلة الدفع من المقترض بدلاً عن الكفلاء.
تتعدد المتطلبات التي تشترطها المصارف لقاء الموافقة على منح قروض السكن للمواطن. وتختلف تلك المتطلبات باختلاف القطاع الذي يعمل به الفرد ( حكومي، خاص)، واختلاف دخل الفرد، وقيمة القرض المطلوب. وتتراوح المتطلبات ما بين الاكتفاء بشرط تحويل الفرد راتبه في البنك المقدم للقرض، ورهن العقار موضوع التمويل، خاصة لموظفي القطاع الخاص.
بالإضافة للضمانات المطلوبة، تفرض المصارف أسعار فائدة محددة وعمولات إدارية ورسوم تامين على القروض السكنية. ويحدد المصرف فترات السداد وقيمة القسط الشهري استناداً لقدرة المقترض على السداد ومستوى دخلة الثابت.
تختلف أسعار الفائدة وفترات السداد والعمولات على القروض السكنية من مصرف إلى آخر. وتعتمد أسعار الفائدة على سعر الفائدة العالمي( Libor)، بالإضافة على الهامش الخاص بكل مصرف.
ويجب الإشارة إلى أن ثلاث عملات رئيسية يتم تداولها في السوق الفلسطينية. وتستخدم المصارف تلك العملات في مختلف تعاملاتها المصرفية. وينعكس هذا التعدد في العملات في اختلاف أسعار الفائدة على القروض المقدمة بكل عملة.
وتظهر تعقيد الضمانات التي تطلبها المصارف، من خلال نتائج الورقة المعدة من قبل البنك الدولي حول المعيقات التي تعترض زيادة الاستثمارات في فلسطين، حيث أشارت إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة التي تطلبها مؤسسات التمويل تشكل أحد أهم عوائق الاستثمار.
ثانيا: شركات الرهن العقاري
رغم التطورات التي شهدها القطاع المصرفي الفلسطيني، إلا أن دوره في توفير مصدر للتمويل العقاري ظل محدوداً. وكانت الحاجة ملحة لإنشاء شركة متخصصة للرهن العقاري، بحيث تشكل مصدراً مهماً لتمويل شراء الشقق السكنية لشرائح واسعة من المستهلكين.
وأنشئت شركة فلسطين لتمويل الرهن العقاري في العام 2000 برأسمالي أولي قدره 20 مليون دولار. وتم إنشاء الشركة استجابة للطلب المتنامي على التمويل الإسكاني، ونتيجة لعدم ملائمة القروض الإسكانية طويلة الأجل لسياسة وطبيعة عمل البنوك العاملة في فلسطين والتزامها.
وتكفل البنك الدولي بتوفير التمويل اللازم لقيام الشركة بمهامها من خلال تقديم قرض ميسر للشركة لمدة 40 عاماً. وتتوزع ملكية الشركة بين القطاع الخاص الذي يملك 88% مقابل 12% للسلطة الفلسطينية. وتقدم الشركة القروض الإسكانية للفئات المستهدفة بشكل غير مباشر عن طريق تقديم ضمانات للمصارف المشاركة في برامج الشركة، على أن تقوم المصارف بتقديم القروض مباشرة للمستفيدين وفقاً للشروط الواردة في اتفاقياتها مع الشركة.
وبلغ عدد المصارف المشاركة في برامج الشركة 10 مصارف. تقوم الشركة، في حالة الخسارة، بتوفير تغطية تأمينية للمصارف بنسبة تصل إلى 70% من صافي قيمة الخسارة المتحققة.
وتشير بيانات الشركة على أن إجمالي قيمة القروض التي ضمنتها الشركة منذ تأسيسها بلغت حوالي 23 مليون دولار، موزعة على 178 قرضاً. وقد تم تسديد ما نسبته 42% من إجمالي القروض حتى نهاية العام 2008، في حين بلغت نسبة المتعثر منها 3% فقط.
تقدم شركة فلسطين للرهن العقاري خدامتها للمواطنين من خلال خمسة برامج، وهي:
• تمويل شراء وحدات سكنية جديدة.
• تمويل بناء وحدات سكنية جديدة.
• إعادة تمويل قروض سكنية قائمة.
• تمويل تشطيب تلك الوحدات.
• تمويل إضافة أجزاء سكنية للوحدات القائمة.
تقدم الشركة هذه الخدمات بالتعاون مع، أو من خلال، المصارف العشرة المعتمدة لديها. وتتحدد قيمة القرض الممنوح، وقيمة الأقساط الشهرية، بما يتناسب مع دخل الأسرة الشهري، بحيث لا يتجاوز40% من الدخل الشهري للأسرة إذا لم يوجد على المقترض التزامات مالية أخرى. كما لا يجوز أن تتعدى نسبة القسط للقرض الحالي والأقساط الأخرى 50% إذا كان على المقترض التزامات مالية أخرى.
تقوم شركة الرهن بحساب سعر الفائدة على قروض السكن تبعاً للشروط الواردة في الاتفاقات الموقعة ما بينها وبين المصارف.
وخلافاً للوضع في المصارف. فقد اعتمدت الشركة سعر فائدة ثابت، يستقر في الفترة الحالية عند مستوى 6.95% يتم تجديده كل 5 سنوات. أما فترة سداد القروض المقدمة من خلال الشركة، فتصل إلى 20 سنة كحد أقصى. وهي بذلك تتميز عن المصارف التي تعتمد الإقراض قصير الأجل. وحالياً، تصل نسبة تغطية القرض المقدمة من خلال الشركة إلى 90% من قيمة العقار( كانت 80% في السابق). وجاءت هذه الزيادة بعد التعليمات الجديدة الصادرة عن هيئة سوق رأس المال باعتبارها الجهة المشرفة على قطاع الرهن العقاري.
تتشابه متطلبات الاستفادة من القروض التي تقدمها الشركة مع الشروط والمتطلبات التي تفرضها المصارف على المقترضين. إذ تشترط شركة فلسطين للرهن العقاري أن تكون الأرض بني عليها العقار موضوع الرهن مسجلة، أو قابلة للتسجيل، لدى دوائر تسجيل الأراضي. وفي حال كان العقار موضوع القرض شقة سكنية، فيشترط توفر سند ملكيتها، أي أن تكون مسجلة في دائرة الطابو باسم المقترض.
ويتضح مما تقدم بأن متطلبات شركة فلسطين للرهن العقاري ترتبط بتوجهات المصارف التي تنفذ القروض السكنية للمتعاملين مع الشركة، وتستند إلى الاتفاقات التي توقعها الشركة مع المصارف. وبالتالي، فإن ما تم التوصل له بشان صعوبة توفير متطلبات التمويل والضمانات المطلوبة بالنسبة للصارف، يمكن أن ينسحب إلى حد بعيد على المتطلبات والضمانات التي تطلبها الشركة لتمويل القروض السكنية.
ومن جهة أخرى، فإن اعتقاداً يسود لدى القائمين مفاده بأن الطلب على الوحدات السكنية بمختلف أنواعها، ينشأ من كمية ونوعية المعروض والمتوفر من الوحدات السكنية. أي أن العرض من المساكن يخلق الطلب عليها من قبل المستهلكين. وبالتالي، فإنه من الضروري تشجيع مبادرات مطوري المشاريع الإسكانية، مع ضرورة توفر المؤسسات التمويلية لمساعدة المستفيدين النهائيين من تمويل شراء المساكن، إضافة إلى ضرورة وجود بيئة قانونية ملائمة لتعزيز أداء سوق الرهن العقاري في فلسطين.